غَزوَة الطَّائِف

خرج النبي من حنين إلى الطائف في ألف من أصحابه، جعل خالد بن الوليد في مقدمتهم، وكانت ثقيف دخلت حصنها، فنزل الجيش قريبًا من هذا الحصن، واقترب خالد ينادي: هل من مبارز؟ فلم يخرج إليه أحد، وناداه رجل منهم يقال له عبد يا ليل: إن لدينا طعامًا يكفينا سنين، فهل أنت منتظر حتى ينفد فنخرج إليك بسيوفنا مقاتلين؟ ثم أعملت ثقيف السهام فقتلت من المسلمين رجالًا منهم عبد الله بن أمية المخزومي أخو أم سلمة (رضي الله عنها)، وجرحت آخرين.

وأشار سلمان الفارسي بصنع دبابتين من الجلد دخل فيها جماعة من المسلمين، ومضوا إلى الحصن لينقبوا سوره، ففطنت ثقيف لذلك وأرسلت عليهما قطعًا من الحديد المحمى بالنار، فخرج من كان فيهما، وصبت عليهم السهام فقتل منهم من قتل، وأشار سلمان كذلك بصنع المنجنيق ورمي الحصن به، وقيل إنه هو الذي صنعه بيده يومئذٍ، وبقي الحصن محاصرًا ثمانية عشر يومًا، ولم يرد الله أن تستأصل ثقيف، فأخرهم حتى جاءوا طائعين مسلمين مع غيرهم من الوفود، وكانت جملة من قتل في هذه الغزوة من المسلمين اثني عشر رجلًا.

ثقيف انظري أين قصد الطريق؟
وكيف يلقى النجاة الغريقْ؟
مشى البأس في هوله المستطير
له لهب ساطع كالحريقْ
مشى ترجف الأرض من حوله
فأين الفرار وهل من مطيق؟
ثقيف ادخلي الحصن لا تهلكي
ويا عبد ليل لماذا النعيق؟
دعا خالد يستفزُّ الرجال
فكان فريقك شر الفريق
وكنت عليهم شهيدًا بما
يعاب العدوُّ به والصديق
يضيق على العاجزين الفضاء
ويَرْحب بالقادرين المضيق
وليس الخليق بحرِّ الجلاد
غداة التنادي كغير الخليق
رموا بالسهام ولو أنصفوا
رمَوا بالطلى كل عضب ذليق
حراص على الأنفس الهالكات
وذلك منهم خبال وموقْ
ضعاف القلوب قعود جمود
يخافون كل سفوح دفوق
وما يستوي الهبرزيُّ الجسور
غداة الوغى والهيوب الفروق

•••

رأوا عجبًا من عتاد الحروب
تذوق الحصون به ما تذوق
رماهم فتاها بدبَّابتين
فيا لك من فارسيٍّ لبيق
رميت الألى حبس الفاتحون
بموتٍ حبيس وبأس طليق
وزدت فقلت اضربوا الكافرين
وعلمتهم صنعة المنجنيق
تظل الحجارة مقذوفة
يشيِّعها من مكان سحيق

•••

ونُودوا إلينا فمن جاءنا
مننَّا عليه بعهد وثيق
فأقبل منهم بغاة الأمان
فكلٌّ مخلَّى وكل عتيق
لهم منزل الضيف في المسلمين
رعاة العهود حماة الحقوق

•••

عيينة ما قلت للمشركين؟
وهل يقتني الحمدَ إلا الصدوق؟
كذبت النبيَّ فقلت المحال
وجئت من الأمر ما لا يليق
وأزلفتها توبة تبتغي
بها الخير والخير نعم الرفيق
تبيَّنْ عيينة عقبى الأمور
لعلَّك تعقل أو تستفيق

•••

سيأتي بهم ربهم مسلمين
فما من ضلال ولا من فسوق
ولو شاء لاجتثَّهم أجمعين
فبادت أصول وجفت عروق

•••

يقول الفوارس كيف الرحيل
وما شرقت بالدماء الحلوق؟
رويدًا رويدًا جنود النبي
فقد ينفع الناس ما لا يروق
ولله ما شاء فيما يسوق
من الحادثات وفيما يعوق

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤