تصدير

إن ظهور الحركات الإسلامية منذ سبعينيات القرن العشرين، ومؤخرًا الهجمات الإرهابية التي قام بها مسلمون في الغرب، أدَّيا لوضع النزعة الإقصائية والأصولية (العنيفة) للإسلام في قلب دائرة الضوء مرةً أخرى. وترتَّب على ذلك أنْ صارت الثقافة والدين الإسلاميان مرتبطَين ارتباطًا وثيقًا الآن بالحكم الاستبدادي، والتقاليد القاسية، والمعاناة البشرية، من وجهة نظر الكثير من غير المسلمين في أنحاء العالم. ومن المؤسف أن غير المسلمين هؤلاء يشاركون بالفعل الأصوليين المسلمين قناعاتهم بأن «الإسلام الحقيقي» لا يتفق بالمرة مع الحداثة والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.

ليس من الصعب إثبات أن «الإسلام» والعالم الإسلامي في الواقع يمثلان فسيفساء ديناميكية متعددة الجوانب. فالجماعات الأصولية الحديثة ليست سوى قطاع من الطيف الكامل للفكر والحركات والممارسات الإسلامية المتطورة. ولا هو من الصعب أن نجد مسلمين مسالمين وتقدُّميين، يعالجون باهتمام الموضوعات المعاصرة للعدالة الاجتماعية والتعدُّدية ومساواة الإناث بالذكور في مجتمعاتهم. إلا أنه من الصعب أكثر أن نجد نشطاء مسلمين على اطِّلاع بالتأملات المنهجية والنقدية للتراث الإسلامي، الذي يشمل النصَّين التأسيسيَّين للإسلام (أي القرآن والسُّنة). وهو ما يترتب عليه أن مساعيهم كثيرًا ما يرفضها المفسِّرون الحَرْفيون، سواءً من المسلمين أو غير المسلمين، باعتبارها مهينةً للتراث الإسلامي أو سطحيةً أو دفاعية.

هذه الدراسة، التي كتبها، بدعوة من المجلس العلمي لسياسة الحكومة الهولندي، المفكر المصري البارز، نصر حامد أبو زيد، هي نتاجٌ لذلك التأمل المستنير للتراث الإسلامي. إنها تُبيِّن كيف حاول المفكِّرون المسلمون الإصلاحيون من مصر وإيران وحتى إندونيسيا منذ وقتٍ مبكر تخليص الإسلام من التفسيرات التقليدية والتي تركِّز على الشريعة، ونزعوا إلى إبراز قيم إسلام ثقافي و«مستنير» وديناميكي. ويرفض الكثير من خلفائهم المعاصرين الإسلامَ الجامدَ الذي تدعمه الأنظمة السياسية السلطوية والمحافظون؛ فهم يريدون أن يحلَّ محله إسلامٌ حديث وروحاني وأخلاقي. لكن للأسف الحداثة باعتبارها منتجًا غربيًّا، والمعادلة بين الديمقراطية وحقوق الإنسان وبين التغريب، لا يزالان هما المهيمنَين خارج هذه الدوائر الفكرية.

وفَّرَت تأملات أبو زيد حول تطور الفكر الإصلاحي الإسلامي معلوماتٍ مفيدةً لتقرير المجلس العلمي لسياسة الحكومة عن «الحركات الإسلامية»، الذي نُشر بالتزامن مع هذه الدراسة. وإنني أتمنى مخلصًا أن يساهم عمله في خلق بيئةٍ فكرية نقدية وآمنة ومنفتحة يتمتَّع فيها المسلمون وغير المسلمين، على حدٍّ سواء، بالطمأنينة الكافية للابتعاد عن الصور النمطية والنماذج المُعوِّقة.

وفيما يلي دراساتٌ أخرى ذات صلة نُشرَت أيضًا في إطار هذا البحث الذي أجراه المجلس العلمي لسياسة الحكومة:
  • جيه إم أوتو (٢٠٠٦)، «الشريعة والقانون الوطني. الأنظمة القانونية في الدول المسلمة بين التراث والسياسة وسيادة القانون»، أمستردام: دار نشر جامعة أمستردام.

  • جيه إم أوتو وإيه جيه ديكر وإل جيه فان زوست–زيورديخ (محررون) (٢٠٠٦)، «الشريعة والقانون الوطني في اثنتي عشرة دولة مسلمة»، المنشور رقم ١٣ على موقع المجلس العلمي لسياسة الحكومة، أمستردام: دار نشر جامعة أمستردام.

  • إم بيرجر (٢٠٠٦)، «الشريعة الكلاسيكية والتجديد»، المنشور رقم ١٢ على موقع المجلس العلمي لسياسة الحكومة، أمستردام: دار نشر جامعة أمستردام.

الأستاذ الدكتور دبليو بي إتش جيه فان دي دونك
رئيس المجلس العلمي لسياسة الحكومة

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤