مقدمة

على الرغم من أن موضوع إصلاح الفكر الإسلامي أُثير على نحوٍ صاخب، واشتد الترويج له في الإعلام الغربي في أعقاب ١١ سبتمبر ٢٠٠١، فإنه ليس موضوعًا جديدًا بالمرة. وكان من مبررات الإدارة الأمريكية للتوسُّع في حربها على الإرهاب بغزو العراق الحاجة المُلِحَّة لإدخال الإصلاح السياسي والاقتصادي — والثقافي أيضًا — في العالم العربي أجمع بالقوة. يشمل هذا المشروع الأمريكي للإصلاح التعليمَ الديني؛ حيث تُحذف من المناهج المدرسية العناصر الدينية التي تعكس أيَّ نوع من التفرقة، سواء كانت دينية أو أخلاقية أو جنسية. فالمفترض بالتعليم الديني، بموجب الإصلاح الأمريكي المقترح، أن يُعزِّز قيم الحرية والمساواة والعدالة والازدهار. وفرض قيم بعينها ليس جديدًا هو الآخر بالطبع. فهذا المنهج يُعيد إلى الأذهان مطالبَ شبيهةً لقُوًى استعمارية سابقة في الدول المسلمة خلال القرنَين الثامن عشر والتاسع عشر.

إن العلاقة بين العالمَين الإسلامي والغربي حاضرة بقوة في التاريخ الحديث للفكر الإسلامي. في واقع الأمر، كانت بداية المواجهة بين العالمَين هي التي جرَّت تحدِّي الحداثة — بكل قيمها على غرار «التقدم» و«القوة» و«العلم» و«العقل» — لتخترق المجتمعات التقليدية، وتنتهك بالتالي هُويَّاتها الراسخة. إلا أن رد الفعل لم يكن سلبيًّا على الدوام. ركَّز أي رد فعلٍ سلبي على الغزو العسكري، واحتلال الأرض، واستغلال الموارد الطبيعية والبشرية.

إنه لأمرٌ واقع أن التوجه الأصولي والإقصائي للفكر الإسلامي هو السائد في أغلب المناقشات، بل هو الطاغي في الإعلام، لا سيما منذ أحداث ١١ سبتمبر. على العكس، سيكون التركيز الرئيسي لهذا البحث رد الفعل الإيجابي والليبرالي والاستيعابي المتضمَّن في كتابات مفكِّرين مسلمين سَعَوا لإعادة قراءة التراث الإسلامي وتناوُله بنظرة جديدة، وفي ذلك النصَّان الإسلاميان التأسيسيان؛ أي، الكتاب المقدس، القرآن، وكذلك السنة النبوية (أي، سنن النبي من أقوال وأفعال). ومن ثَم فإن السؤال المحوري في هذه الدراسة هو: لأي درجةٍ ساهم هؤلاء المفكرون الليبراليون الإصلاحيون في تجديد الفكر الإسلامي تجديدًا حقيقيًّا؟ وهل وُفقوا في تفنيد الصورة السلبية للغرب التي يقدِّمها التقليديون؟

بطرح هذا السؤال والسعي لتحليل البيانات التي سيمليها، تشير هذه الدراسة أيضًا للأثر السلبي المحتمل للحالة السياسية الراهنة؛ أي، احتلال العراق، والصراع الإسرائيلي الفلسطيني العالق، وأجندة الإصلاح المفروضة الكامنة في المشروع الأمريكي «الشرق الأوسط الكبير». فمن المؤسف أن الحالة الراهنة للأوضاع العالمية تعطي كلًّا من التقليديين والمتطرفين، ناهيك عن الراديكاليين والأصوليين، موقفًا أقوى لم يكونوا ليحلُموا به قط.

يسير منهج البحث المعتمد هنا على النحو التالي: تنقسم باقي هذه الدراسة إلى أربعة فصول؛ الثلاثة الفصول الأولى منها مرتَّبة ترتيبًا زمنيًّا، وتتناول فترة ما قبل الاستعمار؛ أي، القرن الثامن عشر (الفصل الثاني)، والتاسع عشر (الفصل الثالث)، والقرن العشرين (الفصل الرابع). واختيار مفكِّرين من دولٍ شتَّى، مثل مصر والهند وباكستان وإندونيسيا، يعكس التنوُّع العريض للعالم الإسلامي، ويربط بين أسلوب التفكير والسياق التاريخي والاجتماعي السياسي. وتركيزنا الرئيسي هنا بالأساس على أولئك المفكرين الذين كانوا مجدِّدين بحق، بأن أضافوا رؤًى جديدة للموضوعات قيد المناقشة، فأتاحوا بذلك المجال للنقاش شيئًا فشيئًا. يناقش الفصل الرابع نشأة الإسلام السياسي. كما أنه يقدم دراستَي حالة عن الفكر الإسلامي في إندونيسيا (القسم ٤–٧) وفي إيران (القسم ٤–٨). تقدم إندونيسيا حالةً مثيرة للاهتمام للفكر الإسلامي فيما يتعلق بالتعددية الدينية والتعددية الثقافية باعتبارهما من أسس الديمقراطية. وفي إيران، أسفَرَت معايشة الإسلام السياسي في ظل حكم ديني عن جدلٍ عميق بين المفكِّرين المسلمين بشأن العلاقة بين الدين والدولة. ويركِّز الفصل الخامس على الطرق التي يتناول بها مفكرون مختارون من خارج العالم الإسلامي موضوعاتٍ مثل الشريعة والديمقراطية وحقوق الإنسان. ثم أُنهي هذه الدراسة بخاتمة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤