فاتحة
شُغلت بتصنيف الحيوانات العليا منذ زمن بعيد، يرجع إلى العهد الذي بدأت أترجم فيه كتاب «أصل الأنواع». وزاد شغفي بهذا العلم على كرِّ الأعوام؛ إذ آنست أني كلما استعمقت فيه زدت علمًا بحياة الحيوان، فاتسعت أمامي آفاق الحياة وتشعبت نواحيها، غير أني رأيت بعد قليل أن العكوف على درس طبقة بعينها من عالم الأحياء أجدى وأثمر، فاخترت «الثديِيَّات» مجالًا لدرسي، ومضيت أتنقل في درس هذا العالم العظيم جاهدًا في وضع أسماء اصطلاحية عربية لقبائله وفصائله وأجناسه وأنواعه، فاستغلق عليَّ باب ذلك البحث حينًا، وما زلت أعالجه حتى لَانَ وسَلس قياده. وإني إذ أُقدِّم لأبناء العربية أول ثمرة من ثمار هذا الجهد الذي استنفد من حياتي نيفًا وثلاثين سنة، وأرى من حولي ما استجمعت من مادة ومن مراجع، وما وضعت من أسماء لمختلف الطبقات في مختلف قبائل الثدييات، أشعر برهبة شديدة وخشية تهزني هزًّا عنيفًا، أأقوى على إتمام هذا العمل الكبير، وهل لهذا الكدِّ من ثمرة تُجنى فينتفع بها غيري من أبناء العرب الأمجاد؟
عندما بدأ لينايوس وكوفييه ودي كاندول وبافون يعملون في تصنيف عالم الحياة متعاقبين، لم يعرف واحد منهم ما هي الثمرة التي سوف تُجنى من عمله هذا. ولما سئل فارادي عن أوليات عمله في الكهرباء «ما فائدتها؟» أجاب: «لا أدري، ولكن ما فائدة الطفل حين ولادته؟» ولعلِّي أقف الآن حيث وقف فارادي من قبلُ، جاهلًا فائدة الطفل عند ولادته.
جريت في وضع الأسماء الاصطلاحية على قواعد فَصَّلتها في كتابي «تجديد العربية»، وجميعها قواعد عربية صميمة. فالاقتياس عربي صدنا عنه تعنت اللغويين، والنحت عربي صدنا عنه تزمت بعض الفقهاء، والتعريب قاعدة جرى عليها العرب وأقرها القرآن الكريم، والوضع بالمجاز والزيادة والاشتقاق، كل هذه مبادئ استخدمتها بعد درسها الدرس الوافر وبعد أن ثبت عندي أن اللغة العربية لن تجاري بقية اللغات إلا بها.
أما الاقتياس فعبارة عن أخذ الأسماء من أصول ثلاثية أو أصول جامدة، مصوغَةً على وزن من الأوزان السماعية وهي تبلغ ثلاثمائة وزن على قول سيبويه، وأربعمائة على قول الذين استدركوا عليه. ومثاله في قاموسنا هذا قولنا: الإخْطيم من خطم، واليَحْنين من حَنَى.
والنحت أخذ أحرف مختارة من كلمتين لإخراج كلمة منهما كقولنا: الحَوْجَن من «حوت وجناح»، مع مراعاة أن يكون المنحوت على وزن عربي سماعي أو قياسي، وأن يكون سلس الإخراج حسَنَ الجرس.
والتعريب قاعدة أجازها العرب وجروا عليها، ومن أمثالها في قاموسنا هذا الأُبْرود والسَّبَلدون والبلندون والأشْرخْت والخُنْزوف وما إلى ذلك. وهي قاعدة توسِّع على الوضَّاع وصُوَّاغ الأسماء توسعة كبيرة في معالجة أسماء الحيوان والنبات والمصطلحات.
وكذلك الزيادة أو الإقحام. فقد جرى العرب على قاعدة زيادة مبنى الكلمة ليدلوا بذلك على زيادة المَعْنى. ففي «صَلْد» قالوا: صَلْدَم، للدلالة على شدة الصلادة أو الصلابة، فلنا أن نقول: صَلْبَم، إذا أردنا أن نأخذ هذا المعنى من الحرف «صَلُب». ومثاله في قاموسنا قولنا: «الحَوْتَم» من حوت، للدلالة على قوته وافتراسه.
أضف إلى ذلك التركيب المزجي كقولهم بختنَصَّر ومعديكَرب وحَضَرَمَوْت، ومثاله في هذا المؤلَّف السنحوتيات من سن + حوت أي الحيتان المسننة أو ذوات الأسنان، والقُبيليَحكَمي أي قبيل الحكمة والدَّوَينيضِلعي أي دوين الضلع، وهكذا.

عزيزي دكتور مظهر
أدعوك بلقب دكتور؛ لأنه ينبغي أن تكون واحدًا إذا لم تكنه بعد.