صانع المعجزات

ثمَّة جدل حول ما إذا كانت الموهبة فطريةً أم لا. من جانبي، أظن أنها قد هبطَت عليه فجأةً من السماء. في الحقيقة، قبل أن يُتمَّ عامه الثلاثين، كان كثير الشك ولم يكن يؤمن بوجود قدرات خارقة. ونظرًا لأن هذا هو المقام الأنسب، يجب عليَّ أن أُوضِّح أنه كان رجلًا ضئيل الحجم، له عينان بُنِّيتان مُتَّقِدتان، وشعرٌ أصهَب أشعث، وشارب يَبرُم طرفَيه لأعلى، ووجه يكسوه النمَش. كان الرجل يُدعى جورج ماكويرتر فوثرينجاي — اسمٌ لا يقود بأيِّ حال إلى توقُّع حدوث مُعجزات — وكان يعمل موظفًا في متجر جومشوت. كان شديد الولع بأساليب التوكيد في جداله. وبينما كان مستغرقًا في التأكيد على استحالة حدوث المعجزات، جاءته أولى إلماعات قدراته الاستثنائية. حدَث هذا الجدال تحديدًا في حانة لونج دراجون، وكان تودي بيميش يقود جانب المعارَضة بترديده عبارة: «حسنًا، هذا رأيك أنت.» التي كانت تدفع السيد فوثرينجاي إلى أقصى حدود صبره.

كان من بين الحاضرين، بالإضافة إلى هذَين الاثنَين، راكب دراجات يكسوه الغبار، وكوكس صاحب الحانة، والآنسة مايبريدج، النادلة المُحترَمة للغاية والبدينة نوعًا ما التي تعمل في حانة دراجون. كانت الآنسة مايبريدج تقف وظهرها إلى السيد فوثرينجاي تغسل الكئوس، فيما جلس الآخرون يُراقبونه، مُستمتعين بطريقة أو بأخرى بما يلمسونه الآن من ضعفٍ في أسلوب التوكيد المستخدَم. فأصرَّ السيد فوثرينجاي على أن يبذل جهدًا بلاغيًّا استثنائيًّا بعدما أثارته التكتيكات الدفاعية للسيد بيميش. قال السيد فوثرينجاي: «اسمع يا سيد بيميش، دعنا نفهم بوضوح ما هي المعجزة. إنها شيء يَتعارض مع مسار الطبيعة وتُحقِّقه قوة الإرادة، شيء لا يُمكن أن يحدث دون إيعاز من إرادة خاصة.»

قال السيد بيميش معترضًا: «حسنًا، هذا رأيُك أنت.»

راق حديث السيد فوثرينجاي راكبَ الدراجات، الذي كان حتى تلك اللحظة مُستمعًا صامتًا، وتلقَّى منه إشارة موافقته الرأي بسُعال متردِّد واختلاس النظر إلى السيد بيميش. لم يُبدِ صاحب الحانة أيَّ رأي، وحين وجَّه السيد فوثرينجاي حديثه مرة أخرى إلى السيد بيميش، تلقَّى تنازلًا غير متوقَّع بموافقة مشروطة على تعريفه لكلمة معجزة.

قال السيد فوثرينجاي مُتشجِّعا إلى حدٍّ كبير: «على سبيل المثال، هنا قد تحدُث معجزة. ذلك المصباح، وفق المسار المُعتاد لقوانين الطبيعة، لا يُمكن أن يشتعل وهو مقلوب رأسًا على عقب، هل يُمكنه ذلك يا بيميش؟»

رد بيميش قائلًا: ««أنت» تقول إنه لا يُمكنه.»

قال فوثرينجاي: «وأنت؟ أظن أنك لا تقصد العكس، أليس كذلك؟»

قال بيميش في تردُّد: «كلا، كلا لا يُمكنه.»

قال السيد فوثرينجاي: «حسنًا جدًّا، ثم يأتي شخص، ربما مثلي أنا، إلى هنا ويقف، مثلما أقف الآن، ويقول لهذا المصباح، مثلما أقول، مُستجمِعًا إرادتي كاملة: انقلب رأسًا على عقب دون أن تَنكسر وواصل الاشتعال بثبات، و… هلَّا!»

كان هذا كافيًا لجعل أيِّ شخص يُردِّد كلمة: «هلا!» عندئذٍ تحقَّق المستحيل، وصار ما يَصعُب تصديقه أمام العِيان جميعًا؛ فقد تعلَّق المصباح في الهواء في وضعٍ مقلوب مشتعلًا بهدوء ولهيبه متَّجه لأسفل. كان المصباح ثابتًا على نحوٍ لا جدال فيه مثل أي مصباحٍ عاديٍّ بحانة لونج دراجون.

وقَف السيد فوثرينجاي ممدِّدًا سبابته إلى الأمام وعاقدًا حاجبَيه كما لو كان يترقَّب تهشُّم المصباح على نحوٍ كارثي. خفض راكب الدراجة، الذي كان يجلس بجوار المصباح، رأسه سريعًا وأخذ يَثِب عبر الحانة، ثم وثَب الجميع بطريقةٍ ما أو بأخرى. واستدارت الآنسة مايبريدج وصرَخت. ولمدة ثلاث ثوانٍ تقريبًا ظلَّ المصباح ثابتًا على حاله. ثم أطلق السيد فوثرينجاي صرخةً خافتة تنمُّ عما ألمَّ بنفسه من ضيق وكرب قائلًا: «لا يُمكنني إبقاؤه عاليًا أكثر من ذلك.» وترنَّح إلى الخلف، وفجأة توهَّج المصباح المقلوب رأسًا على عقب، وسقط عند ركنٍ من أركان الحانة وارتدَّ جانبًا ليَهوي مهشَّمًا على الأرضية ويَنطفئ ضوءُه.

من حُسنِ الحظ أن المصباح كان مزوَّدًا بحاوية معدنية؛ وإلا صار المكان بأكمله كتلة من اللهب. كان السيد كوكس أول من تحدَّث، وحمل تعليقُه — الذي خلا من أيِّ زوائد لا حاجة لها — وصفًا للسيد فوثرينجاي بالحماقة. كان فوثرينجاي أبعد ما يكون عن الدخول في جِدال حتى بشأن افتراضٍ جوهريٍّ كهذا! فقد كان غارقًا في دهشته مما وقَع للتوِّ. ولم تُلقِ المحادَثة التي تلت ذلك التعقيب أي ضوء على الأمر حسبما يراه فوثرينجاي، ولم يَحذُ الرأي السائد حذو رأي السيد كوكس فحسب، وإنما أيَّده بشدة. اتهم الجميع السيد فوثرينجاي باقتراف حيلة سخيفة، ووضَعوه أمام نفسه في صورة مُدمِّر أحمق للراحة والأمان. اجتاحت ذهنَه عاصفةٌ من الحيرة، وكاد هو نفسُه أن يوافقهم الرأي، حتى معارضته للمُطالبة برحيله جاءت عقيمة على نحوٍ لافت للنظر.

عاد إلى المنزل منفعلًا بوجه مُحتقِن من فرط الغضب، وياقة مِعطف متجعِّدة، وعينَين أرهقهما ألمٌ شديد، وأذنَين حمراوين. كان يُراقب مصابيح الشارع العشرة في توتُّر وهو يمر عليها واحدًا تلو الآخر. ولم يستطع أن يسترجع جدِّيًّا ذكرياته عن الحادثة إلا حين اختلى بنفسه في غرفة نومه الصغيرة بمنطقة تشيرش روو، وتساءل قائلًا: «ماذا حدَث بحق السماء؟»

خلَع معطفه وحذاءه الطويل، وجلس على الفراش واضعًا يدَيه في جيبَيه، وراح يُكرِّر نَص دفاعه للمرة السابعة عشرة: «لم أكن راغبًا في أن ينقلب هذا الشيء اللعين.» حين خطر بباله أنه في تلك اللحظة بعينها التي ردَّد فيها الكلمات الآمِرة، كان يُريد ما قاله دون قصد، وأنه عندما رأى المصباح معلَّقًا في الهواء، شعر بأن المصباح يعتمد عليه ليُبقيَه على وضعه دون أن يتضح له كيف السبيل إلى ذلك. لم يكن ممن يميلون إلى إمعان التفكير في الأمور، أو لعله استغرق بعض الوقت في تأمُّل فكرة «الإرادة بغير قصد» تلك، وما تنطوي عليه، بطبيعة الحال، من مشكلات الفعل الإرادي الأصعب على الإطلاق؛ غير أن الفكرة جاءته بقدرٍ مقبول من الغموض إلى حدٍّ ما. ومن هذا المُنطلَق، ودون اتباع مسارٍ منطقي واضح، كما يتحتَّم عليَّ الاعتراف، بدأ في اختبار صحة تجربته.

أشار بثبات إلى شمعته واستجمع قُواه الذهنية، رغم شعوره بحماقة تصرُّفه، ثم قال: «ارتفعي عاليًا.» غير أن ذلك الشعور تلاشى في غضون ثانية؛ إذ ارتفعت الشمعة بالفعل، وتعلَّقت في الهواء لبرهة خاطفة، وعندما شهق السيد فوثرينجاي، سقطت الشمعة على مزينته حطامًا، تاركةً إياه في ظلام خلا من أي ضوء سوى وهَج فتيلتها الذي كان في النزع الأخير.

جلس السيد فوثرينجاي في الظلام لبعض الوقت في سكونٍ تام. ثم قال: «لقد حدَث ذلك، على أيِّ حال. ولا أعرف كيف أُفسِّره.» تنهَّد بشدة، وبدأ يبحث في جيوبه عن عود ثقاب. لم يجد ولو واحدًا، فنهض وتلمَّس طريقه إلى المزينة، ثم قال: «ليتني كان لديَّ عود ثقاب.» توجَّه إلى سُترته ولم يجد أي ثقاب هناك أيضًا؛ حينئذٍ خطر بباله أنَّ المُعجزات مُمكنة حتى مع أعواد الثقاب. فبسط يده ونظر إليها بتجهُّم في الظلام وقال: «ليظهر عود ثقاب في تلك اليد.» وإذا به يشعر بشيء خفيف يسقط في راحة يده وأطبقت أصابعه على عود ثقاب.

وبعد عدة محاولات فاشلة لإشعال عود الثقاب، اكتشف أنه عود ثقاب أمان. فألقى به، وبعدها خطر بباله أنه ربما كانت لديه الإرادة لجعله يَشتعل. وبالفعل أشعله، ورآه يحترق في منتصف مفرش المزينة. فأمسك به بسرعة وانطفأ عود الثقاب. اتَّسع إدراكه للاحتمالات المُمكنة، وتحسَّس الشمعة وأعادها إلى موضعها في الشمعدان. قال السيد فوثرينجاي: «هيا! اشتعلي!» وعلى الفور توهَّجت الشمعة ورأى ثقبًا صغيرًا أسود اللون في مفرش المزينة يتصاعد منه خيط رفيع من الدخان. ولفترة وجيزة أخذ يُقلِّب بصره بين خيط الدخان الرفيع واللهب الصغير، ثم رفَع بصره والتقَت عيناه بالنظرة المُحدِّقة به في المرآة. وبهذه الوسيلة حدَّث نفسه في صمتٍ لبعض الوقت.

وأخيرًا قال السيد فوثرينجاي، مخاطبًا انعكاسه على المرآة: «ماذا عن المُعجزات الآن؟»

كانت التأمُّلات التالية للسيد فوثرينجاي ذات طبيعة حادَّة ولكنها مضطربة. فحتى هذه اللحظة، كان بإمكانه أن يرى الأمر مسألة إرادة خالصة من جانبه. وجعلته طبيعة تجاربه حتى الآن يَنفر من إجراء المزيد من التجارب، على الأقل حتى أعاد التفكير فيها. ولكنه رفَع ورقة في الهواء، وحوَّل كوب مياهٍ إلى اللون الوردي ثم اللون الأخضر، وخلَق حلزونًا ثم أباده على نحو إعجازي، وابتكر لنفسه فرشاة أسنان جديدة خارقة. وفي فترة ما بعد مُنتصَف الليل، توصَّل إلى حقيقة أن قوة إرادته لا بد أنها ذات طبيعة نادرة وحادَّة على نحوٍ خاص، وهي حقيقة رأى لها من قبل تلميحات، ولكنه لم يرَ لها تأكيدًا معيَّنًا. وكان هذا الفخر بهذه الأدلة على التفرُّد والإشارات المُبهَمة على التميُّز هو ما خفَّف من حدة شعوره بالخوف والارتباك من اكتشافه الأول. أدرك أن دقات ساعة الكنيسة تُشير إلى الواحدة صباحًا، ونظرًا لأنه لم يَخطر بباله أن واجباته اليومية في متجر جومشوت قد يُعفى منها على نحوٍ إعجازي، واصل خلع ملابسه لكي يَخلد إلى النوم دون مزيد من التأخير. وبينما كان يُجاهد ليُخرِج رأسه من القميص، جاءته فكرة عبقرية. قال: «لأكن في الفراش الآن.» وبالفعل وجد نفسه على الفراش. ثم قال بنبرة حازمة: «لأخلع ملابسي.» وفعلًا وجد ملاءة الفراش باردة أسفله، ثم أضاف بسرعة: «وأرتدِ منامتي، المنامة الصوفية الناعمة. ها هي ذي!» قالها بمتعة هائلة مُضيفًا: «والآن، لأنعم بنومٍ هادئ ومريح …»

استيقظ في موعده المعتاد، واستغرق في التفكير طوال وقت تناوله الإفطار، متسائلًا عما إذا كانت تجربته الليلة الماضية هي مجرَّد حلم نابض بالحياة. وفي النهاية، تحوَّل تفكيره مرة أخرى إلى التجارب الحَذِرة. على سبيل المثال، تناول ثلاث بيضات على الإفطار، اثنتان منهما قدمتهما مالكة الفندق الذي يَقطنه؛ كانتا لا بأس بهما، ولكنَّهما كانتا متشققتَين، أما الأخرى فكانت بيضة إوزة طازجة ولذيذة وُضعَت، وطُهيت، وقُدمت بفضل إرادته الخارقة. أسرعَ ليذهب إلى عمله في متجر جومشوت في حالة من الإثارة الشديدة حرص على إخفائها، ولم يتذكر قشرة البيضة الثالثة إلا حين تحدَّثَت عنها مالكة الفندق في تلك الليلة. ولم يَستطِع العمل طوال اليوم بسبب هذه المعرفة الجديدة المُذهِلة عن نفسه، إلا أن هذا لم يتسبَّب له في أي إزعاج؛ لأنه تدارَك الأمر على نحوٍ إعجازي في آخر عشر دقائق.

بينما انقضى النهار ببطء، تغيَّر مزاجه من التعجُّب إلى النشوة، على الرغم من أن ذِكرى ظروف مغادرته لحانة لونج دراجون كانت لا تزال تُزعجه، والسرد المُحرَّف للموقف الذي كان قد بلَغ زملاءه أدى إلى شيء من المزاح. كان واضحًا أن عليه الحرص في طريقة حمله للأشياء القابلة للكسر، إلا أن موهبته من نواحٍ أخرى بدَت مُبشِّرة بالكثير والكثير حين كان يُقلِّب الأمر في ذهنه. اعتزم من بين أمور شتى أن يَزيد مُمتلكاته الشخصية من خلال ابتكارات غير لافتة للأنظار؛ فأوجد زوجًا من أزرار الزينة الماسية في غاية الروعة، وسرعان ما أخفاهما مرةً أخرى حين مرَّ جومشوت الصغير من قسم المحاسبة بمكتبه مصادفةً؛ فقد خشي أن يتساءل جومشوت الصغير عن كيفية حصوله على هذه الأزرار. وأدرك بوضوحٍ تامٍّ أن الموهبة تتطلَّب توخي الحيطة والحذر عند ممارستها، ولكن صعوبات إتقانها، في تقديره، لن تكون أعظم من تلك التي واجَهها بالفعل أثناء تعلُّم ركوب الدراجة. ولعل ذلك التشبيه، وكذلك الشعور بكونه شخصًا غير مرغوب فيه بحانة لونج دراجون، هو ما دفعه للتوجُّه بعد العشاء إلى الطريق الكائن خلف مصنع الغاز للتدرُّب على بعض المعجزات على انفراد.

ربما كانت محاولاته يَنقصها قدر معيَّن من الابتكار؛ فالسيد فوثرينجاي، بعيدًا عن إرادته الخارقة، لم يكن بالرجل المتميِّز. خطرت بباله معجزة عصا موسى، إلا أن الليل كان حالكًا وغير مُواتٍ لإحكام السيطرة المُناسبة على ثعابين خارقة ضخمة. حينئذٍ تذكَّر قصة «تانهويزر» التي قرأها على غلاف إحدى المطبوعات الموسيقية. بدا له ذلك جذابًا على نحوٍ استثنائي ولا ضَير منه. فغرس عصا السَّير خاصته — وهي عصًا أنيقة جدًّا مصنوعة من خشبِ نخيل يُزرع بشرق آسيا — في العُشب الذي يحوِّط الرصيف، وأمَر الخشب الجاف أن يُنبت أزهارًا. وعلى الفور ملأت رائحة الأزهار الهواء، وبواسطة عود ثقاب رأى بعينه هذه المعجزة الجميلة وقد تحقَّقت فعلًا. اختفى شعوره بالرضا على وقع صوت خطوات قادمة نحوه. وخشية اكتشاف قدراته قبل أوانها، قال للعصا المزهرة في عجالة: «ارجعي إلى الوراء.» وكان يقصد «ارجعي إلى سيرتك الأولى»؛ لكنه كان مُرتبِكًا بالطبع. فتراجعت العصا إلى الوراء بسرعة كبيرة، وفي الحال انطلقَت صيحة غاضبة ولفظة نابية من الشخص القادم. فصاح الصوت قائلًا: «من الذي تُصوِّب إليه العصا أيها الأحمق؟ لقد أصابتني في قصبة ساقي.»

قال السيد فوثرينجاي: «آسف يا رجل!» ثم أمسك شاربه في توتُّر مُدرِكًا طبيعة التفسير الخرقاء؛ فقد رأى وينش، أحد حراس الأمن الثلاثة لمنطقة إيمرينج، يقترب نحوه.

سأله الشرطي: «ما الذي تقصده بذلك؟ أهلًا! هذا أنت، أليس كذلك؟ الشاب الذي كسَر المصباح في حانة لونج دراجون!»

رد السيد فوثرينجاي: «لم أقصد شيئًا. لا شيء على الإطلاق.»

«إذًا، لماذا فعلتَها؟»

قال السيد فوثرينجاي: «أوه، لا تُزعج نفسك!»

«لقد انزعجت بالفعل! ألا تعلم أن تلك العصا تؤلم؟ لماذا فعلتها؟»

عجز السيد فوثرينجاي عن التفكير في سبب فعلته في لحظتها. وبدا أن صمتَه يُثير سخط السيد وينش. فأردف قائلًا: «هذه المرة أنت تعتدي على رجل شرطة أيها الشاب. هذا ما فعلتَه.»

قال السيد فوثرينجاي بانزعاج وتوتر: «اسمع يا سيد وينش. أنا آسِف. بل في غاية الأسف. الحقيقة أن …»

«حسنًا!»

لم يستطع التفكير في مخرَج للموقف سوى قول الحقيقة. قال وهو يُحاول التحدث بطريقة عفوية: «كنت أصنَع معجزة.» ولكنه عجز عن تحقيق مُراده رغم محاولته الحثيثة.

«تصنع ماذا؟! عن أي هُراء تتحدث؟! تصنع معجزة، حقًّا! معجزة! حسنًا، هذا مُضحك جدًّا! ألستَ أنت الشاب الذي لا يؤمن بالمعجزات؟ الحقيقة هي أن هذه خُدعة سحرية أخرى من خُدَعك السخيفة؛ هذا كل ما في الأمر. الآن، أقول لك …»

ولكن السيد فوثرينجاي لم يَستمِع قط لما كان السيد وينش بصدد قوله. لقد أدرَك أنه فضَح نفسه، كاشفًا سرَّه الثمين للقاصي والدَّاني. دفعته نفخة عنيفة من الغيظ والضيق إلى التصرُّف؛ فالتفت بسرعة وشراسة إلى ضابط الشرطة مُنتقِدًا إياه قائلًا: «لقد سئمتُ هذا، لقد سئمت! سأُريك خدعة سحرية سخيفة، سأريك الآن! اذهب إلى الجحيم! اذهب الآن!»

وصار بمفرده.

لم يصنع السيد فوثرينجاي أيَّ مُعجزات أخرى في تلك الليلة، ولم يعبأ بتفقُّد ما حلَّ بعصاه المزهرة. عاد إلى البلدة خائفًا، وقد خيَّم عليه صمتٌ تام، ثم دخَل غرفته قائلًا: «إلهي! إنها موهبة فذَّة، موهبة فذَّة إلى أقصى الحدود. لم أقصد كل هذا. لم أقصده بحق … تُرى كيف تبدو الجحيم؟!»

جلَس على فراشه وخلع حذاءه الطويل. فرح بفكرة سعيدة خطرت بباله؛ إذ نَقل الشرطي إلى سان فرانسيسكو، وأوى إلى فراشه في هدوء دون مزيد تدخُّل في المسببات الطبيعية للأحداث. وفي المساء، رأى وينش في الحلم غاضبًا.

في اليوم التالي، سمع السيد فوثرينجاي خبرَين مثيرَين للاهتمام. لقد زرع أحدهم زهرة متسلِّقة غاية في الجمال أمام منزل السيد جومشوت العجوز بشارع لولابورو، كما تمَّ تمشيط النهر وصولًا إلى منطقة رولينجز مايل بحثًا عن الشرطي وينش.

ظل السيد فوثرينجاي شارد الذهن ومُستغرِقًا في التفكير طوال ذلك اليوم، ولم يصنع أيَّ معجزات باستثناء بعض التدابير الاحتياطية لوينش، ومُعجزة أخرى ليُنجز عمله اليومي على أتم وجه وفي موعده، بالرغم من جميع الأفكار التي كانت تطنُّ في رأسه كأسراب النحل. ولاحَظ عدة أشخاص شروده غير العادي ووداعة سلوكه، وجعَلوه مثارًا للسخرية. كان في أغلب الوقت يُفكِّر في وينش.

في مساء يوم الأحد، ذهَب إلى الكنيسة، ومن الغريب أن السيد مايديج — الذي كان يبدي اهتمامًا خاصًّا بموضوعات السِّحر وما وراء الطبيعة — كان يعظ الحضور حول «الأمور التي تقع تحت طائلة القانون.» لم يكن السيد فوثرينجاي يتردَّد على الكنيسة بانتظام، غير أن أسلوب التشكُّك الحاسم الذي أشرت إليه من قبلُ صار الآن مُتزعزعًا للغاية. وألقى مضمونُ الموعظة ضوءًا جديدًا تمامًا على هذه المواهب المستجدَّة، وفجأة قرَّر أن يستشير السيد مايديج فور انتهاء القُداس. وبمجرَّد أن عزم على ذلك، وجد نفسه يتساءل عن سبب عدم إقدامه على هذه الخطوة من قبلُ.

سُر السيد مايديج — وهو رجلٌ نحيف، سريع الانفعال، ذو رسغين طويلَين وعنق طويل على نحو لافت للنظر — بطلب التحدُّث معه على انفراد من شابٍّ يلاحظ عليه جميع الناس في البلدة أنه غير مُبالٍ بالأمور الدينية. وبعد بضع مماطَلات ضرورية، قاده إلى غرفة المكتب بمنزل القس الملحَق بالكنيسة، ودعاه لأن يستريح في جلسته، وبينما كان يقف هو أمام مِدفأة مُبهجة، وقد ألقت ساقاه بظلالهما على الحائط المقابل في شكل قوسٍ مهيب، طلب من السيد فوثرينجاي أن يعرض مسألته.

في البداية، شعر السيد فوثرينجاي بالارتباك قليلًا، وواجَه صعوبة في الدخول في الموضوع. وأخذ يُردِّد لبعض الوقت عبارات على غرار: «لن تصدقني، سيد مايديج، أخشى أن …» وأخيرًا طرح سؤالًا وسأل السيد مايديج عن رأيه في المعجزات.

كان السيد مايديج لا يَزال يُردِّد كلمة «حسنًا» بنبرة جادَّة للغاية، حين قاطَعه السيد فوثرينجاي مرة أخرى قائلًا: «أظنُّك لا تصدق أن شخصًا عاديًّا — مثلي — يجلس أمامك الآن قد يتمتَّع بقُدرة ما بداخله تُمكِّنه من فعل أشياء باستخدام إرادته.»

قال السيد مايديج: «هذا مُمكن! لعلَّ شيئًا كهذا ممكن.»

قال السيد فوثرينجاي: «إذا سمحتَ لي بالاستعانة بشيء هنا، أظن أن بإمكاني أن أُريك ذلك من خلال التجربة. الآن، دعني آخذ علبة التبغ من على المكتب مثلًا. ما أريد أن أعرفه منك الآن هو ما إذا كان الشيء الذي أنا بصدد القيام به يدخل في عداد المُعجزِات أم لا. سيد مايديج، من فضلك امنحني نصف دقيقة فقط.»

ثم عقد حاجبيه وأشار إلى علبة التبغ قائلًا: «كوني مزهرية بنفسج!»

فتحوَّلت علبة التبغ إلى ما أُمرت به.

حدَّق السيد مايديج بحدة إلى التغيير الذي طرأ على علبة التبغ، ووقَف يُجيل بصره بين صانع المعجزات والمزهرية، دون أن ينبس ببنت شفة. وعلى الفور، اتَّكأ على المكتب واستنشق رائحة زهور البنفسج؛ كانت زهورًا يانعةً ورائعة جدًّا. ثم حدق في السيد فوثرينجاي مرة أخرى.

سأله: «كيف فعلت ذلك؟»

سحَب السيد فوثرينجاي شاربه لأعلى قائلًا: «أخبرتُها فحسب، وها قد تحقَّق ما أمرتها به. هل هذه معجزة، أم سحرٌ أسود، أم ماذا؟ وما رأيك فيما يحدث معي؟ هذا ما أريد أن أسألك بشأنه.»

«إنه لحدَث مُذهِل.»

«وفي ذلك اليوم من الأسبوع الماضي، لم أكن أعرف أن بإمكاني فعل أشياء كتلك التي فعلتُها توًّا. لقد كان الأمر مفاجئًا تمامًا. أظن أنه شيء غريب بخصوص إرادتي، وهذا حسبما أرى.»

«أهذا … أهذا كل شيء؟ هل يُمكنك فعل أشياء أخرى بالإضافة إلى ذلك؟»

قال السيد فوثرينجاي: «أجل يا سيدي! أي شيء.» فكَّر لبرهة، ثم تذكَّر فجأة حيلة سحرية كان قد رآها من قبل. فأشار قائلًا: «إليك هذا! تحوَّلي إلى حوضِ سمك — كلا، ليس هذا — تحوَّلي إلى حوضٍ زجاجيٍّ مُمتلئ بالمياه تسبح فيه أسماك ذهبية. هذا أفضل! أترى ذلك يا سيد مايديج؟»

«أمر مُذهِل. شيء لا يُصدَّق. إما أنك شخصٌ خارق أو … ولكن كلا …»

رد السيد فوثرينجاي قائلًا: «يُمكنني أن أحوِّلها إلى أي شيء آخر. أي شيء آخر. إليك هذا! كوني حمامة، هلَّا فعلتِ؟»

وسرعان ما ظهَرت حمامة زرقاء أخذت تُرفرف بجناحَيها في أرجاء الغرفة؛ ما جعل السيد مايديج يخفض رأسه في كل مرة تَقترب منه. قال السيد فوثرينجاي: «توقَّفي هناك، هلَّا فعلتِ؟» فتعلَّقت الحمامة في الهواء بلا حراك. وأردف قائلًا: «يُمكنني أن أحولها إلى مزهرية.» وبعد أن عادت الحمامة إلى الطاولة تحقَّقت تلك المُعجِزة. «أظن أنك ترغَب في استعادة علبة التبغ في غمضة عين.» قالها ثم استعاد علبة التبغ.

تابع السيد مايديج كل هذه التحوُّلات الأخيرة في صمت تخلَّلته صيحات تَعجُّب. وأخذ يُحدِّق في السيد فوثرينجاي، وبحذر شديد جدًّا أمسك بعلبة التبغ، وراح يتفحَّصها ثم وضعها على الطاولة. وكانت الكلمة الوحيدة التي خرجت من فيه تعبيرًا عن مشاعرِه هي: «حسنًا!»

قال السيد فوثرينجاي: «الآن، صار من الأسهل بالنسبة إليَّ أن أشرح ما حدث لي.» وانطلق يحكي تجاربه العجيبة في سردٍ مُطوَّل ومتشابك، بدايةً من حادثة المصباح بحانة لونج دراجون، وصولًا إلى الإلماعات المُتواصِلة لحادثة وينش التي زادت الأمور تعقيدًا. وبينما هو ماضٍ في حديثه، تلاشى الشعور المؤقَّت بالزهو الذي تسبَّب فيه ما بدا على السيد مايديج من رَوع، وصار السيد فوثرينجاي الشخص العادي الذي يألفه الجميع في التعامُلات اليومية مرةً أخرى. استمع السيد مايديج باهتمام شديد، وفي يده علبة التبغ، وكانت جلستُه تتغيَّر مع مسار الحكي. وبينما كان السيد فوثرينجاي يسرد معجزة البيضة الثالثة، قاطعه القس بيد ملوِّحة وممدودة.

قال القس: «هذا ممكن! هذا معقول! هذا مُدهش بالطبع، إلا أنه ينطوي على عدد من الصعوبات المذهلة؛ فالقدرة على تحقيق المعجزات هي موهبة في حدِّ ذاتها؛ أعني قدرة خاصة مثل العبقرية أو معرفة الغيب، وحتى الآن هي قدرة نادرة جدًّا خُلقت لأناس استثنائيِّين. ولكن في هذه الحالة … لطالما كنتُ أتعجَّب من معجزات النبي محمد، ومعجزات مُمارسي اليوجا، ومُعجزات مدام بلافاتسكي. ولكن بالطبع — أجل هي موهبة تمامًا! إنها تَدعَم بروعةٍ شديدة النقاشاتِ الخاصةَ بذلك المُفكِّر العظيم …» وانخفَض صوت السيد مايديج متابعًا: «فخامة دوق أرجيل. وها نحن نَسبر أغوار قانونٍ أعمق، أعمق من قوانين الطبيعة المعتادة. أجل، أجل. استمر. استمر!»

واصل السيد فوثرينجاي حديثه عن حظه العاثر مع وينش، وبدأ السيد مايديج — الذي لم يعد يَشعُر بالخوف أو الفزع — يُحرِّك أطرافه ويُعبِّر عن دهشته. قال السيد فوثرينجاي مُردفًا: «هذا هو أكثر ما يزعجني. أنا في أمسِّ الحاجة إلى النصيحة؛ بالطبع هو موجود في سان فرانسيسكو — أيًّا ما كان موقع سان فرانسيسكو هذه — إلا أن هذا الأمر عصيب لكلَينا بالطبع، كما سترى يا سيد مايديج. لا أعرف كيف استطاع أن يَستوعب ما حدث له، أحسبه خائفًا وفي قمة الغضب والسخط، ويحاول النَّيل مني. وأحسبه أيضًا يُحاول مرارًا العودة إلى هنا. إنني أعيده إلى هنا، بواسطة مُعجزة، كل بضع ساعات، حين أفكِّر في الأمر. وبالطبع ذاك أمر لن يستطيع فهمه، وسيُضايقه حتمًا، وبالتأكيد إذا اشترى تذكرة في كل مرة، فإن هذا سيُكلِّفه مبلغًا طائلًا. لقد بذلتُ قصارى جهدي من أجله، ولكن بالطبع من الصعب عليه أن يتفهَّم موقفي ويضع نفسه مكاني. خطر لي بعد ذلك أنه ربما تكون ملابسه قد احترقَت — إذا كانت الجحيم بنفس الصورة التي نظنُّها — قبل أن أنقله إلى هناك. في تلك الحالة، أعتقد أنهم اعتقلوه في سان فرانسيسكو. بالطبع أرسلتُ له ملابس جديدة بإرادتي بمجرَّد أن فكَّرتُ في ذلك. ولكن، كما ترى، أنا بالفعل في حيرة لعينة …»

قال السيد مايديج وقد بدت عليه الجدية: «أرى أنك في حيرة من أمرك فعلًا. أجل، هو موقف صعب. كيف ستُنهيه …» وصار مشتَّتًا وغير حاسم.

وأردف قائلًا: «ومع ذلك، سنترك وينش قليلًا ونُناقش المسألة الأكبر. لا أظن أن هذه حالة من حالات السحر الأسود أو شيء من هذا القبيل. ولا أعتقد أن بها شُبهة عمل إجرامي على الإطلاق يا سيد فوثرينجاي — لا شيء من هذا على الإطلاق، ما لم تكن تُخفي حقائق مادية. كلا، هذه مُعجزات، معجزات خالصة، معجزات على أعلى مستوًى إن جاز التعبير.»

وشرَع يَذرع السجادة الموضوعة أمام المدفأة جيئةً وذهابًا ويومئ بيده، فيما جلس السيد فوثرينجاي واضعًا ذراعه على الطاولة ورأسه على ذراعه وقد بدا عليه القلق، قائلًا: «لا أعرف كيف سأتصرَّف حيال وينش.»

قال السيد مايديج: «يا لها من موهبة في صُنعِ المعجزات — وموهبة فذة هكذا كما يبدو ستجد طريقةً للتعامُل مع أمر وينش، لا خوف على الإطلاق. سيدي العزيز، أنت أهمُّ رجل؛ رجل ذو قدرات مُذهِلة للغاية. كتلك التي أثبتَّها بالدليل مثلًا! وبطُرق أخرى، ربما يمكنك أن تفعل أشياء …»

قال السيد فوثرينجاي: «أجل، لقد فكَّرتُ في شيء أو اثنين. ولكن، بعض الأشياء تأتي بطرُق ملتوية قليلًا. أرأيت هذه الأسماك في البداية؟ لقد كان الحوض الخطأ ونوعية الأسماك الخطأ. وأظنُّ أنني سأطلب العون من أحدهم.»

قال السيد مايديج: «مسار صحيح، مسار صحيح جدًّا، إنه المسار الصحيح تمامًا.» ثم سكَت ونظر إلى السيد فوثرينجاي ثم أردف قائلًا: «إنها موهبة غير محدودة بالفعل. دعنا مثلًا نَختبر قدراتك. إذا ما «كانت» فعلًا حقيقية … أقصد إذا ما كانت كما تبدو عليه حقًّا.»

وبقدر ما قد يبدو الأمر غير قابلٍ للتصديق، إلا أنه في مساء يوم الأحد، العاشر من نوفمبر، عام ١٨٩٦، وفي غرفة المكتب الموجودة بالمنزل الصغير الكائن خلف الكنيسة الأبرشية، وبتشجيعٍ من السيد مايديج وإلهامٍ منه، شرَع السيد فوثرينجاي يصنع معجزات. لا شك أن انتباه القارئ تركَّز على التاريخ بوجه خاص. ولسوف يعترض، إن لم يكن قد اعترض بالفعل، على أن أجزاءً بعينها في هذه القصة مُستبعَدة الحدوث، وأنه لو وقعَت أحداثٌ كتلك التي وُصفت بالفعل، لكانت ظهرت على صفحات جميع الجرائد آنذاك. وسيجد القارئ صعوبة في تقبُّل التفاصيل التي ستَرِد بعد قليل وتصديقها؛ لأنها تتضمَّن، من بين أمور أخرى، الاستنتاج بأنه — أقصد القارئ — لا بد أن يكون قد قُتل بطريقة عنيفة وغير مسبوقة قبل عامٍ مضى لو كان ذلك قد وقَع بالفعل. إن المعجزة لا تعني شيئًا إذا لم تكن مُستبعَدة وغير محتملة، والواقع أن القارئ المعنيَّ قد قُتل بطريقة عنيفة وغير مسبوقة في عام ١٨٩٦. في السياق التالي لهذه القصة، سيتضح هذا الأمر تمامًا وعلى نحوٍ منطقيٍّ وجدير بالتصديق، كما سيعترف بذلك كل قارئ عاقل وذي رأي حصيف. ولكن ليس هذا هو الموضع المناسب لإنهاء القصة؛ إذ لم نتخطَّ بعدُ سوى منتصف القصة بقليل. في البداية، كانت المُعجِزات التي صنعها السيد فوثرينجاي صغيرة ومُتواضِعة، لم تتجاوَز تحريك الأكواب وأثاث الردهة؛ لم تكن سوى معجزات واهية كمعجزات المتصوِّفين، وبقدر بساطتها، بقدر ما استقبلها مُعاونه برهبة وهلع. كان يُفضِّل تسوية مسألة وينش من فوره، ولكن لم يكن السيد مايديج ليسمح له بذلك. لكن بعد أن جرَّبا عشرات الحيل المنزلية المُتواضعة، زاد إحساسهما بالقوة وشرع خيالهما يُبدي أمارات التحفيز وزاد طموحهما. وكانت أُولى مغامراتهما الكبرى بسبب شعورهما بالجوع والإهمال من جانب السيدة مينشين، مديرة منزل السيد مايديج؛ فقد كانت الوجبة التي قدَّمها القس إلى السيد فوثرينجاي سيئة الإعداد وغير شهية كوجبة خفيفة لاثنين من صُنَّاع المعجزات الكادحين، إلا أنهما جلَسا معًا لتناول الطعام، وفي هذه الأثناء أسهب السيد مايديج في حديثه، بنبرة غلب عليها الحزن أكثر من الغضب، عن مثالب مديرة المنزل، قبل أن يخطر ببال السيد فوثرينجاي أن ثمة فرصة سانحة أمامه. فقال: «ألا ترى يا سيد مايديج أنه إذا ما كان هذا لا يُعد تجاوزًا لآداب السلوك واللياقة، فإنني …»

«عزيزي السيد فوثرينجاي! بالتأكيد! كلا، لم أرَه كذلك.»

لوَّح السيد فوثرينجاي بيده وقال برُوح معنوية مرتفعة ومحيطة بكل شيء: «ما الذي سنتناوله؟» وبأمر من السيد مايديج، عدَّل قائمة العشاء تمامًا. قال وهو يتفحَّص اختيار السيد مايديج: «بالنسبة إليَّ، أنا دائمًا مولع بتناول إبريق من الجعة قوية المذاق والجبن المُذاب على الخبز المُحمَّص اللذيذ، وسأطلب ذلك على العشاء. لست ميَّالًا كثيرًا إلى نبيذ البورجوندي.» وعلى الفور ظهر إبريق من الجعة قوية المذاق والجبن المُذاب على خبز محمَّص طوع أمره. جلسا يتناولان عشاءهما لمدة طويلة، يتحدَّثان الند للند، في حين أخذ السيد فوثرينجاي يُفكِّر، بشيء من الدهشة والرضا في آنٍ واحد، في جميع المعجزات التي بإمكانهما صُنعها الآن. عقَّب السيد فوثرينجاي قائلًا: «بالمناسبة يا سيد مايديج، ربما يُمكنني أن أساعدك — فيما يتعلق بالأعمال المنزلية.»

قال السيد مايديج وهو يصبُّ كأسًا من نبيذ البورجوندي السحري العتيق: «معذرةً، لم أتابع ما قلته!»

أحضر السيد فوثرينجاي قطعة ثانية من الخبز المحمَّص بالجبن من الفراغ وتناول قضمة كبيرة، وأردف قائلًا وهو يَمضغ الطعام بصوتٍ عالٍ: «كنتُ أفكِّر في أنني ربما أستطيع أن أصنع مُعجزة مع السيدة مينشين لأجعلها امرأة أفضل.»

وضع السيد مايديج كأسه ورمقه بنظرة متشكِّكة.

«إنها … إنها تَعترض بشدة على التدخلات، كما تعرف يا سيد فوثرينجاي. وفي الواقع، لقد تجاوَزت الساعة الحادية عشرة ولعلها الآن في الفراش تغطُّ في سُبات عميق. أتظن عمومًا …»

فكر السيد فوثرينجاي مليًّا في هذه الاعتراضات، ثم قال: «لا أرى أن هذا الأمر لا ينبغي أن يَحدث أثناء نومها.»

عارض السيد مايديج الفكرة لبعض الوقت، ثم استسلم في النهاية. وأصدر السيد فوثرينجاي أوامره، وبقدر أقل قليلًا من الارتياح الذي كانا عليه قبل ذلك، واصَل الرجلان تناول وجبتهما. كان السيد مايديج يُسهب في تفاصيل التغييرات التي يتوقعها من مديرة منزله في اليوم التالي بقدرٍ من التفاؤل بدا متكلَّفًا ومُضطربًا بعض الشيء حتى بالنسبة إلى القدرات الخارقة للسيد فوثرينجاي، حين جاء من الطابق العلوي سلسلة من الأصوات المشوِّشة المزعجة. تبادلت أعين الرجلَين التساؤلات، وغادر السيد مايديج الغرفة في عجالة. سمعه السيد فوثرينجاي يُنادي على مديرة منزله ثم سمع وقع خطواته وهو يصعد بخفة إلى الطابق العلوي ليتفقَّد حالها.

وفي غضون دقيقة أو نحو ذلك، عاد القس بخطوةٍ رشيقة ووجهٍ مُشرق قائلًا: «رائع! ومؤثِّر! مؤثِّر جدًّا!»

وأخذ يذرع السجادة الموضوعة أمام المدفأة جيئةً وذهابًا قائلًا: «ندم — ندم مؤثِّر جدًّا — رأيتها من خلال فُرجة الباب. يا لَلسيدة المسكينة! هذا أروع تغيير! لقد استيقظَت من النوم. لا بد أن تستيقظ على الفور. لقد استيقظَت من نومها لتُحطِّم زجاجة من البراندي بخزانتها، ولتَعترف بفعلتها تلك أيضًا! … ولكن هذا يمنحنا — بل يفتح لنا — آفاقًا رائعة جدًّا للاحتمالات. إذا كان بإمكاننا أن نصنع هذا التغيير الخارق فيها …»

قال السيد فوثرينجاي: «يبدو أنها قدرة غير محدودة. أما بخصوص السيد وينش …»

«غير محدودة تمامًا.» ومن موقعه على السجادة أمام المدفأة، أفصح السيد مايديج عن مجموعة من الاقتراحات الرائعة، واتَتْه بينما كان يجول في المكان جيئة وذهابًا، مُتجاهلًا مأزق وينش.

أما بخصوص ماهية تلك المُقترحات، فهي بعيدة عن صلب موضوع هذه القصة. يكفي القول بأنها في صميم أعمال الخير المُطلَق، ذلك النوع من الخير الذي جرت العادة على تسميته ﺑ «خير ما بعد الطعام». ويكفي القول أيضًا بأن مشكلة وينش ظلَّت معلَّقة بلا حلول. وليس من الضروري أيضًا وصف إلى أي مدًى وصل تنفيذ هذه الاقتراحات على أرض الواقع؛ فثَمَّة تغيرات مُذهلة حدثت بالفعل. انطلق السيد مايديج والسيد فوثرينجاي خلال الساعات الأولى من الصباح عبر ساحة السوق الباردة تحت سنا القمر الساكن، وفي غمرة شعوره بنشوة صُنعِ المعجزات، وتصفيق السيد مايديج وتشجيعه، ولم يعد السيد فوثرينجاي — بقامته القصيرة وشعره الأشعث — يَخجل من قدراته العظيمة. لقد أصلحا أحوال جميع السكارى في البرلمان؛ إذ حوَّلا جميع زجاجات الجعة والكحول إلى مياه (فرض السيد مايديج رأيه على السيد فوثرينجاي في هذه النقطة)؛ بالإضافة إلى ذلك، أدخَلا الكثير من التحسينات على شبكة خطوط السكك الحديدية في المنطقة، وجفَّفا مياه مُستنقَع فليندر، وحسَّنا جودة التربة في منطقة وان تري هيل، وعالَجا الكاهن من الثؤلول الذي كان يُعاني منه. وكانا بصدد استعراض ما يُمكنهما فعله حيال دعامة الجسر الجنوبي المتضررة. أطلق السيد مايديج شهقة ثم قال: «لن يكون المكان على حاله غدًا. كم سيَتفاجأ الجميع ويشعرون بالامتنان!» وفي تلك اللحظة دقَّت ساعة الكنيسة معلنةً الثالثة بعد منتصف الليل.

قال السيد فوثرينجاي: «يا إلهي، الساعة الثالثة! لا بد أن أعود. لا بد أن أكون بالعمل في تمام الساعة الثامنة صباحًا. بالإضافة إلى ذلك، فالسيدة ويمز …»

قال السيد مايديج، يملؤه شعور عذبٌ بحلاوة القدرات الخارقة: «لا نزال في البداية. لا نزال في البداية فحسب. فكِّر في كل أعمال الخير التي نفعلها. عندما يستيقظ الناس …»

قاطعه السيد فوثرينجاي قائلًا: «ولكن …»

أمسك السيد مايديج بذراعه فجأة. كانت عيناه تلمعان وتُشعَّان حماسًا، وقال له: «فتاي العزيز، لا داعي للاستعجال.» ثم أشار إلى القمر في كبد السماء قائلًا: «انظر، إنه يوشع!»

تساءل السيد فوثرينجاي: «يوشع؟!»

رد السيد مايديج قائلًا: «أجل، يوشع! ولمَ لا؟ أَوقِفه.»

نظر السيد فوثرينجاي إلى القمر.

وبعد بُرهة من الصمت، قال السيد فوثرينجاي: «إنه بعيدٌ نوعًا ما.»

قال السيد مايديج: «ولمَ لا؟ إنه لا يقف بالطبع. أنت تُوقف دوران الأرض فحسب. ومن ثمَّ سيتوقَّف الزمن. إننا لا نقصد التسبُّب في أذًى.»

فكَّر السيد فوثرينجاي قليلًا، ثم تنهَّد قائلًا: «حسنًا، سأُحاول. هلَّا …»

أغلق السيد فوثرينجاي أزرار سُترته ووجه خطابه إلى الكرة الأرضية، وبقدرٍ كبير من الثقة في قدراته الخارقة قال: «توقَّفي عن الدوران، هلَّا فعلتِ؟»

وإذا به فجأة يطير في الهواء رأسًا على عقب بسُرعة عشرات الأميال في الدقيقة. وعلى الرغم من العدد الذي لا يُحصى من الدوائر التي كان يصفها في الثانية الواحدة، فقد استغرق في التفكير؛ يا لروعة التفكير! فتارة يُبطئ كتدفُّق قطرات القار، وتارة يَتسارع تسارُع الضوء. فكَّر ثانية وقال آمرًا: «دعني أنزل بسلام وأمان. مهما حدَث، دعني أنزل بسلام وأمان.»

وجاء أمره في الوقت المناسب تمامًا؛ إذ كانت ملابسه قد بدأت تشتعل بالفعل من أثر الحرارة الناتجة عن طيرانه السريع في الهواء. وهبَط مُرتطمًا بشدة بما بدا أشبه بكومة ترابية حُفرت توًّا، ولكن دون أن تلمَّ به أيُّ إصابات. اصطدمت كتلة كبيرة من المعدن وحجارة البناء — في حجم برج الساعة الكائن وسط ساحة السوق — بالأرض على مقربة منه، وارتدَّت من فوقه وطارت متناثرة على هيئة أحجار وطوب وكتل إسمنتية كقُنبلة مُنفجرة. واصطدمت بقرة مندفعة في الهواء بواحدة من الكتل الضخمة وسُحقت تمامًا كأنها بيضة. ثمَّة انهيار حدَث جعل أعنف الانهيارات التي شهدها في حياته السابقة تبدو كصوت غبار مُتساقط، وتبع ذلك سلسلة من الانهيارات أخذت حدَّتها في التناقص شيئًا فشيئًا. وهبَّت ريح عاتية ملأت أرجاء الأرض والسماء، حتى إنه قلَّما تمكَّن من رفع رأسه لينظر حوله. ولبُرهة تقطَّعت أنفاسه بشدة وحلَّ به ذهول أعجزه حتى عن رؤية الموضع الذي نزَل به أو ما حدث من حوله. وكانت أول حركة صدرَت منه هي تحسُّس رأسه وطمأنة نفسه بأن شعره المتطاير ما زال في مكانه.

لهث السيد فوثرينجاي وهو عاجز عن الحديث من شدَّة الريح حوله قائلًا: «يا إلهي! لقد صار صوتي حادًّا وضعيفًا كصرير! ما الخطأ الذي حدث؟ عواصف ورعد. كانت ليلةً رائعة قبل دقيقة مضت. لقد دفَعني مايديج إلى هذه الفعلة. يا لها من ريح عاتية! لو أنني واصلت العبث بهذه الطريقة، لتعرَّضتُ حتمًا لفاجعة! …»

«أين مايديج؟»

«لقد ضربَت الفوضى كل شيء!»

نظر حوله بقدر ما سمحت له سُترته المُتطايرة في الهواء. كان مظهر الأشياء من حوله شديد الغرابة بحق. قال السيد فوثرينجاي: «السماء بخير على أيِّ حال. وكل شيء هناك على خير ما يُرام، برغم ما يبدو في الأفق من عاصفة هائلة وشيكة. ولكن ها هو القمر في السماء الآن كما كان قبل لحظات، ساطعًا سطوع النهار. أما بالنسبة إلى البقية — أين القرية؟ أين — أين ذهب كل شيء؟ وما الذي تسبَّب في هبوب هذه الريح بحق السماء؟ لم آمُر بهبوب الريح.»

عبثًا حاول السيد فوثرينجاي الوقوف على قدمَيه، وبعد أن باءت محاولته بالفشل، ربَض على أطرافه الأربعة مُتشبِّثًا بالأرض. وأخذ يتفحص العالم من حوله في ضوء القمر بحثًا عن ملاذٍ من الريح، بينما كانت أطراف سُترته ترفرف فوق رأسه. قال السيد فوثرينجاي: «لا بد أن خطأً جسيمًا حدث. ولكن ما هو، الله وحده يعلم!»

لم تتضح معالم أي شيء على المدى في وهج الضوء الأبيض وسط الضباب الترابي الذي أثارته الريح العاتية، سوى الكُتل الترابية المتكدِّسة وأكوام الحطام والأنقاض غير المكتملة؛ لا أثر لأشجار، ولا بيوت، ولا أشكال مألوفة؛ لا شيء سوى أرض مُقفرة في حالة من الفوضى، تلاشت في النهاية وسط الظلام أسفل الأعمدة والأعلام المترنِّحة، وموجات رعد وبرق جاءت رفيقًا لعاصفة مُتزايدة بسرعة. وفي وهج الضوء الشاحب، وبالقُرب منه، ظهر شيء لعله كان شجرة دردار من قبل، كتلة محطَّمة من الشظايا ترتجف من الفروع الغليظة وحتى الجذع، إلى جانب كتلة مُتشابكة من العوارض الحديدية برَزت وسط الفوضى المتكدِّسة، كان واضحًا أنها بقايا القنطرة مُتعدِّدة الركائز.

كما ترى، عندما أوقف السيد فوثرينجاي دوَران الكرة الأرضية، لم يضع في حسبانه تلك الأشياء التافهة المتحرِّكة على سطحها. والأرض تدور بسرعة بالغة لدرجة أن السطح عند خط الاستواء يدور بسرعة تجاوَزت ألف ميل في الساعة، وعند دوائر العرض تلك تتجاوز سرعة السطح نصف تلك السرعة؛ ومن ثمَّ اهتزَّت القرية، والسيد مايديج، والسيد فوثرينجاي، وكل شخص وكل شيء، بعنف شديد بسرعةِ تسعة أميال في الثانية؛ بمعنى أن الكرة الأرضية اهتزَّت بعنف أشد مما لو كانت قد قُصفت بمدفع. وكل إنسان، كل كائنٍ حيٍّ، كل منزل، كل شجرة — أي العالم كله بمعالمه كما نعرفها — اهتزَّ وانسحَق وتحطَّم تمامًا. كان هذا كل ما في الأمر!

بالطبع، لم يتفهم السيد فوثرينجاي كل هذه الأشياء تمامًا. إلا أنه أدرك أن مُعجزته قد فشلت في تحقيق ما أراده؛ ومن ثمَّ أصابه اشمئزاز شديد من المعجزات. كان ماكثًا في الظلام في تلك اللحظة؛ إذ تجمَّعت السحب وحجبَت حتى اللمحة الخاطفة التي كان يُلقيها على القمر، وكانت الأجواء تزخر بوابل متقطِّع من ندف الثلج وكأنما يُناضل كي يشقَّ طريقه عبر السماء. ثم هبَّت ريح هادرة عنيفة وملأت المياهُ الأرضَ والسماء، وبينما كان يُمعن النظر أسفل يده عبر الغبار والأمطار شبه المتجمِّدة القادمة في اتجاه الريح، رأى السيد فوثرينجاي على ضوء البرق المُتذبذِب شلالًا كبيرًا من المياه يندفع نحوه.

صرخ السيد فوثرينجاي بصوتٍ بدا واهنًا وسط اهتياج الطبيعة قائلًا: «مايديج! هنا! — مايديج!»

صاح السيد فوثرينجاي مخاطبًا المياه المندفعة: «توقَّفي! يا إلهي! أرجوكِ، توقفي!»

ثم قال مخاطبًا البرق والرعد: «للحظة. توقَّفا للحظة حتى أَستجمِع أفكاري … والآن، ما الذي ينبغي عليَّ فعله؟ ما «الذي» ينبغي عليَّ فعله؟ رباه! أتمنى لو كان مايديج هنا.»

قال السيد فوثرينجاي: «أعلم، ولكن رجاءً، لتكن «هذه» المرة على النحو الصحيح.»

بقي رابضًا على أطرافه الأربعة، مائلًا بجسده للأمام في عكس اتجاه الريح، عازمًا بشدة على تنفيذ كل شيء على النحو الصحيح.

ثم قال: «آه! لا تدع شيئًا مما آمُر به يحدث حتى أقول «انتهى!» … يا إلهي! ليتني فكَّرت في ذلك من قبل!»

رفع صوته الواهن وسط العاصفة العاتية، صارخًا بصوتٍ أعلى وأعلى عبثًا على أمل أن يسمع نفسه. «والآن لنبدأ! انتبه لما سأقوله توًّا. أولًا: عندما يتحقَّق كل ما أنا بصدد قوله، دعني أفقد قدراتي الخارقة، دع إرادتي تعود مثل إرادة أي إنسان عادي، ولتتوقَّف كل هذه المعجزات الخطيرة. إنها لا تَروق لي. ليتني لم أصنعها؛ أتمنى ذلك كثيرًا. هذا أول شيء. والثاني هو: دعني أعود إلى سابق عهدي قبل بدء المعجزات؛ دع كل شيء يعود لما كان عليه قبل أن يظهر ذلك المصباح اللعين. إنها مهمة كبيرة ولكنها الأخيرة. هل فهمت مقصدي؟ لا مزيد من المعجزات، ليعُدْ كل شيء كما كان. ولأعُدْ أنا إلى حانة لونج دراجون قبل تلك اللحظة التي تناولت فيها كأس الجعة. أجل، هذا كل شيء!»

غرس أصابعه في التراب وأغمض عينيه، ثم قال: «انتهى!»

صار كل شيء ساكنًا بلا حراك. وأدرك أنه يقف على قدمَيه منتصبًا.

وجاءه صوت يقول: «حسنًا، هذا رأيك أنت.»

فتح عينيه ووجد نفسه في حانة لونج دراجون يُجادل تودي بيميش بخصوص المعجزات. انتابه إحساس غامض حيال شيءٍ عظيمٍ منسيٍّ مرَّ في لحظة خاطفة. وكما ترى، باستثناء فقدانه لقُدراته الخارقة، فقد عاد كل شيء إلى سابق عهده، وهكذا عاد ذهنه وذاكرته كما كانا لحظة بدء هذه القصة؛ ومن ثمَّ لم يعرف شيئًا قطُّ عن كل ما قيل هنا؛ لم يعرف شيئًا منه على الإطلاق حتى هذا اليوم. وبالطبع، لا يزال لا يؤمن بالمعجزات، من بين أمور أخرى.

قال: «أقول لك إنَّ المعجزات لا يمكن أن تحدث بصرف النظر عن اعتقادك في هذا الشأن. وأنا على استعدادٍ تامٍّ لأُثبت لك هذا.»

قال تودي بيميش: «هذا ما «تعتقده». فلتُثبته إن استطعت.»

قال السيد فوثرينجاي: «اسمع يا سيد بيميش، دعنا نفهم بوضوح ما هي المعجزة. إنها شيء يتعارَض مع مسار الطبيعة وتُحقِّقه قوة الإرادة …»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤