مغامرةٌ في الليل

كانت حانة «كافاليري» نموذجًا للحانات الرخيصة التي تنتشر في حواري «روما» … الواجهة من الخشب المُتآكل … والاسم مكتوبٌ بخطٍّ رديء … والأضواء خافتة … وعشرات من المُتسكعين يدخلون ويخرجون.

قال «أحمد» مُوجهًا حديثه إلى «عثمان»: انتظر أنت و«زبيدة» في الخارج … سأدخل وحدي … إن مثل هذا المكان لا يُمكن أن تدخله فتاة محترمة.

وقبل أن يرد «عثمان» قفز «أحمد» من السيارة الأجرة ثم اندفع إلى داخل المكان … كانت أوصاف «بيترو» واضحة … شابٌّ إيطالي المظهر … جزء من شعره مفقود نتيجة جُرح غائر في رأسه … يعرج قليلًا … ويضع يدَه اليُمنى عادة في جيب سرواله.

اقتحم «أحمد» الحانة … كانت ككُل الحانات خافتة الأنوار … يعقد دخان السجائر الكثيرة سحابة على رأس الواقفين … الذين كانوا خليطًا من اللصوص والنشَّالين، وكان طبيعيًّا أن يلفت «أحمد» الأنظار إليه … بثيابه الأنيقة … ومظهره المُثقَّف … وقد ظن أحد الواقِفين أن من السهل العبث مع «أحمد»، فقد ظن أن هذا المُتأنق لا يعرف المصارعة، فمدَّ ساقه أمام «أحمد» وهو داخلٌ حتى يتعثر ويسقط، ولكن «أحمد» قفز قفزةً عالية مُتخطِّيًا الساق الممدودة، وفي سرعةٍ انحنى وسحب الساق الممدودة بشدَّة، ففقد الرجل تَوازُنه وسقط على ظهره بين ضحِك الواقِفين …

قام الرجل مُسرعًا واستلَّ مطواةً ضخمة، وصاح في «أحمد»: أيها التافه!

ثم لوَّح بالمطواة في وجه «أحمد» … وسرعان ما أفسح الواقفون مكانًا للصراع … وهجم الرجل على «أحمد» بالمطواة … ووجه إليه طعنةً لو أصابته لمزَّقته … ولكن «أحمد» الذي تمرَّن على ذلك كثيرًا في المقر السري … وفي معارك مُماثلة انثنى إلى الخلف، ثم ضربه ضربةً قوية … انحنى الرجل بسببها إلى الأمام … ثُم وجَّه إليه ضربةً أخرى جعلته يدور حول نفسه وسقط على الأرض …

وفي هذه اللحظة ظهر «بيترو» ومعه شخصٌ آخر … ظهر في مدخل الحانة وشاهد ما يحدُث وصاح: برافو!

ولكنه لم يكد يرى وجه «أحمد» حتى ارتبك لحظاتٍ، ثم دار مُسرعًا وجرى مُتجهًا إلى الشارع …

ولكنه لم يكد يخرج حتى كان «عثمان» في انتظاره، تلقَّفَه بين ذراعيه وأداره حول نفسه، ثم وجه إليه ضربةً هائلة!

ولدهشة الشياطين لم يتدخَّل أحد … ولكنهم سمعوا صوت سيارة شرطة قادمة من بعيد، ولم يتردَّد «أحمد» و«عثمان» … حملا «بيترو» الذي أُغمِيَ عليه إلى السيارة الأجرة …

قال السائق: ما هذا أيها الشابان؟

أحمد: انطلق أولًا وبسرعة … بعدها سوف نتفاهم!

السائق: إنني!

ولم يتركه «عثمان» يُكمل جملته، فقد صاح: انطلق … وإلا قتلتك!

وانطلقت السيارة تحمل الشياطين ومعهم «بيترو» الذي كان يتأوَّه، ولكن «أحمد» كان يسدُّ فمه …

وعند أول منعطف كان به كشك للتليفون، طلب «أحمد» من السائق الوقوف … ثم أسرع يتَّصِل بعميل رقم «صفر»، شرح له الموقف بسرعة وطلب مكانًا يذهب إليه …

قال «كراكسي»: اتجه شمالًا إلى «فيلا بورجينري» … هناك مجموعةٌ من الفيلات وسط الحدائق قرب الأكاديمية المصرية … اسأل عن رقم ٣٨ … ستجد المفتاح موضوعًا تحت «فازة» من الرخام على يمين المدخل … إنها ثقيلةٌ جدًّا … فحاذِر واتصل بي بمجرد وصولك …

نفذ «أحمد» تعليمات «كراكسي» … ووصلت السيارة قُرب الفيلا، وفضَّل «أحمد» ألا يقفوا أمامها حتى لا يعرف السائق مكانها …

وعندما اطمأن «أحمد» إلى ابتعاد السيارة … حمل هو و«عثمان» «بيترو» واتجهوا إلى الفيلا وأمامهم «زبيدة».

كان الجو عاصفًا مطيرًا … ولم يكن هناك أثرٌ لمخلوق وسط الحدائق الشاسعة … وظهرت الفيلا التي وصفها «كراكسي»، وبعد جهدٍ وصلوا … وحاول «أحمد» أن يدفع الفازة الرخامية فلم يستطع … وساعده «عثمان» وأخرج المفتاح … وفتح «أحمد» الباب ودخلوا.

كانت فيلا رائعة … بها كل وسائل الراحة …

وأسرع «أحمد» يتصل «بكراكسي» الذي قال: هناك دولاب في المطبخ مزدوج … إذا فتحته من الجانب ستجد مجموعةً من الأسلحة قد تحتاجون إليها.

أحمد: إننا في حاجةٍ إلى سيارة.

كراكسي: ستجد في جراج الفيلا ثلاث سيارات.

أحمد: إننا نشكرك كثيرًا على حسن تعاونك.

كراكسي: إن رقم «صفر» ليس رئيسًا فقط، إنه صديق، وقد أنقذ حياتي مرةً … وإنني في خدمتكم.

اتصل «أحمد» … ﺑ «إلهام» … وسألها عن الأخبار، فقالت إنه لم يحدث أي شيء … وروى لها بسرعةٍ ما حدث …

وقال: هل يمكنك الحضور وحدك؟

الهام: بالطبع!

فكر «أحمد» لحظاتٍ ثم قال: من الأفضل أن يأتي إليكِ «عثمان» … ادفعي حساب الفندق … وانزلي ولكن لا تخرجي إلى الشارع … الساعة الآن منتصف الليل … سيصل إليك «عثمان» خلال نصف ساعة …

وضع «أحمد» السماعة والتفت إلى «بيترو» الذي كان قد بدأ يُفيق، ويُدير وجهه يمينًا ويسارًا.

وقالت «زبيدة» بالإيطالية التي تُجيدها: أين الحقائب أيها اللص؟

بدت الدهشة على وجه «بيترو» وحاول أن يقف، ولكن «أحمد» دفعه دفعةً قوية أوقعته على المقعد.

وقال: اسمع أيها اللص التافه … إنني أريد أن أحصل على حقائبنا هذه الليلة إذا شئت أن تعيش يومًا آخر.

بيترو: إنك تحلم أيها الشاب … فهذه الحقائب الآن عند «بوكاشيو» ولا أحد في هذا العالَم يُمكنه أن يَستعيدها!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤