الفصل الثاني والعشرون

إلى نساء الهند

أخواتي العزيزات

لقد قرر «مؤتمر جميع الهند» أن يعين يوم ٣٠ سبتمبر (من سنة ١٩٢١) لكي يكون تاريخ إتمام حركة مقاطعة القماش الأجنبي التي أشعلنا نارها في ٣١ يوليو في بومباي في ذكرى الوطني طيلاك. وقد أعطيت امتياز إشعال النار في كومة كبيرة من أقمشة السيدات الغالية التي كنتن تعددنها إلى ذلك الوقت جميلة فاخرة. وإني أشعر أن أولئك الأخوات اللواتي قدمن أقمشتهن وملابسهن للنار قد أحسنّ صنعًا؛ لأن إحراق هذه الملابس والأقمشة هو أحسن ما كان يمكن أن نعمله بها، حتى من الوجهة الاقتصادية، كما أن إحراق الأشياء الملوثة بمكروبات الطاعون هو أحسن عمل اقتصادي نعامل به هذه الأشياء. فلقد كان هذا الحريق عملية جراحية لجأنا إليها لكي نقي بها جسم الأمة من أمراض أخرى هي أعصى على العلاج وأشد فتكًا.

لقد قامت نساء الهند في الأشهر الاثني عشر الماضية بالمعجزات في خدمة وطنهن، وقد أديتن أعمالكن في صمت، كأنكن ملائكة الرحمة، وأعطيتن نقودكن وجواهركن لقضية الوطن، وهذا إلى طوافكن من منزلٍ إلى آخر للدعاية الوطنية. بل منكن من قمن بالتفتيش على المتاجر للبحث عن الأقمشة الأجنبية. وبعض منكن، ممن تعودن الملابس الزاهية التي تختلف ألوانها، والتي كن يبدلنها مرات في اليوم، تركنها واتخذن القماش الهندي الأبيض الساذج بديلًا منها، فكان بياضه الناصع رمزًا لهذه الطهارة التي تمتاز بها طبيعة المرأة. وقد فعلتن ذلك كله من أجل الهند ومن أجل الخلافة ومن أجل بنجاب. وليس في كل ما فعلته أيديكن، أو فاهت به ألسنتكن، إثم، لأن تضحياتكن خالية من روح الغضب أو الكراهية. وإني أعترف لكنّ حين أقول إن استجابتكن للدعوة الوطنية قد أقنعتني بأن يد الله معنا، وليس هناك من البراهين التي تدل على أن حركتنا هي تطهير للنفس ما هو أقوى من تقدم نساء الهند لمعاونتها.

لقد أعطيتن كثيرًا، ولكن الحركة تحتاج إلى أكثر … فإننا لن نحقق غايتنا إلا إذا أعطيتن أكبر نصيبٍ فيها. ولن تمكن المقاطعة ما لم تسلمن جميع ملابسكن الأجنبية وتقلعن عنها، ولن يمكن هذا الإقلاع إذا كنتن تستحسنّها وتستجملنها، لأن المقاطعة تعني أن تجحدن الذوق الأجنبي، إذ يجب علينا أن نقنع بالأقمشة التي تنتجها الهند كما نقنع بالأطفال التي تعطى لنا من الله. فإن الأم لا تطرح ابنها وتستغني عنه لأن الأغراب لا يستحسنون وجهه، وكذلك الحال مع المرأة الهندية الوطنية، فإنه يجب أن ترضى وتقنع بالمنسوجات الهندية التي غزلت خيوطها ونسجت أقمشتها أيدي الهنود. ويجب في فترة الانتقال هذه أن يرضيكن القماش الهندي الخشن، فإذا استطعتن أن تحلينه وتزينّه فلكنّ ذلك. وإذا أنتن ارتضيتن هذا القماش على خشونته الآن، فلن تمضي أشهر قليلة حتى تتفق للهند نهضة فنية في صنع الأقمشة. وعندئذ نرى الملابس الزاهية الفاخرة التي كانت في الأزمنة القديمة موضع الحسد واليأس من العالم كله. وإني أؤكد لكن أنكن إذا عمدتن إلى إنكار النفس مدة ستة أشهر فإنكن ترين أن ما نحسب الآن أنه ذوق فني حسن إنما هو فن كاذب، وأن الفن لا يكون سليمًا صحيحًا بما له من شكل فقط بل تتوقف سلامته على ما وراءه وما يختفي خلفه، فهناك فن للقتل والإعدام وفن آخر لبعث الحياة. وهذه المنسوجات التي ترد إلينا من أوروبا ومن الشرق الأقصى قد قتلت الملايين من إخواننا وأخواتنا، وكانت السبب في وقوع آلاف من بناتنا في حياة العار. ولكن الفن السليم يجب أن يكون مظهرًا للسعادة والرضا والطهارة. وإذا أردتن هذه الخصال فعليكن باتخاذ القماش الهندي، بل عليكن أن تجعلن اتخاذه إجباريًّا.

وليس اتخاذ القماش الهندي ضروريًّا فقط، بل يجب على كل منكن أن تشغل فراغها كل يوم بالمغزل. وقد اقترحت على الصبيان والرجال أن يغزلوا، ومنهم آلاف يغزلون الآن. ولكن عبء الغزل يجب أن يقع عليكن كما كانت الحال في الأزمنة القديمة، فقد كانت نساء الهند قبل مائتي سنة يغزلن ما يكفي الهند، بل ما يفيض عنها ويرسل إلى الأقطار الأجنبية. ولم يكنّ يغزلنّ الغزل الجافي فقط، بل كنّ يغزلن أيضًا أدق الغزل، وأمتنه، وأرفعه، وهو ما لم تستطع الآلات الحديثة أن تصنع مثله أو تقاربه. فعليكن إذن أن تؤلفن أندية خاصة بالغزل، وأن تقمن بمباريات للتشجيع، حتى تملأ أسواق الهند بالغزل اليدوي. ولهذه الغاية يجب أن يكون منكن من يمهرن في الفن، ويعرفن التمشيط، ويستطعن إصلاح الآلات، وهذا معناه الدأب في العمل. وسيكون الغزل وسيلة العيش للمرأة الفقيرة، وعونًا على العيش للمرأة المتوسطة، وستعود آلة الغزل رفيقة للأرملة كما كانت في الأزمنة السابقة. أما أنتن اللواتي تقرأن هذا النداء فيجب أن يكون الغزل عندكن واجبًا، فإذا عمدت كل امرأة متيسرة إلى الغزل، وخصصت له من يومها وقتًا، كثر في الأسواق وتحسن.

ولذلك أقول لكنّ إن خلاص الهند الاقتصادي، والأخلاقي، يتوقف في الأكثر عليكنّ. ومستقبل الهند الآن مطروح على حجر المرأة الهندية يطلب منها الغذاء للأجيال القادمة. ويمكنكن أن تنشئن أطفال الهند وتربينهم على أن يكونوا أحد شيئين: إما شجعانًا يتحلون بالبساطة وخوف الله، وإما ضعفاء مدللين لا يستطيعون مصادمة العواصف التي ستواجههم ولا يطيقون الإقلاع عن البهارج التي اعتادوها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤