عيد الزهور

figure
عيد الزهور.

(إلى الصديق الأستاذ أحمد الشايب.)

طاوعت أشواقي إليك فلم أجد
إلا الخيالَ موافيًا مشكورا
وقطعتَ كتبك وهي عند محبها
نورٌ إذا عدم المشوَّقُ نورا
وقرأتُ عن عيد الزهور فزادني
شوقًا إلى من نلت منه زهورا١
ومشيتُ في لهفٍ على أمس الذي
كم كان منك لمهجتي معمورا!
يممتُ بين تمتع وتمنع
ميدانَ من جعلوا الزهور قصورا
وأنا المفكر فيك، ثم مسائلٌ
أترى أظل على النوى مذكورا؟
ما كنتُ إلا من نميرك شاربًا
والروض قد ينسى الغداةَ طيورا
وسكرت من أنس لديك ولم أزل
رغم البعاد بسكرتي مغمورا
فإذا أفقتُ ولم أجد لك نعمةً
جدَّتْ أترضى أن أساء شعورا؟
أين الحديث العذب منك قصائدًا
وقلائدًا و«نماذجًا» ونحورا؟
أتراك ناظمه وخازنه؟ فكم
قد كنت تمنحه النهى منثورا!
لم يُنسني حبٌّ أذوق وفتنة
حولي إخاءَك ساعة وشهورا
في طيِّ وجداني خيالك ماثل
والناس قد عدُّوا الخيالَ نفورا!

•••

وبلغتُ موكب أيِّ عيدٍ باسم
بالزهر حين حسبته مسحورا!
جند الفراعنة العظام وغيرهم
من سالف الدولات قمن عصورا
ومراكبٌ بالزهر كان قوامها
ومعاقل قد أحكمت تدبيرا
ومظاهرٌ لقوى (الطبيعة) مُثِّلَتْ
آياتها في المهرجان عطورا!
وتفننتْ زمر الحسان فأطلعتْ
فنَّ الجمال منوَّعًا تصويرا
ينثرن أزهارًا وفاكهة لنا
نثر الجنان نعيمَها الموفورا
هذي مؤمَّرةٌ وذي فلاحة
تتساويان ملاحةً وغرورا!
وبدت (عروس النيل) تفدي، لا فدًى
للنيل، تمتلك النفوس مهورا!
وبدت (مليكة مصر) في استعلائها
كالأمس سيدةَ الزمان دهورا
وبدا لنا (الخزان) وهو موكل
(بالنيل) يحرس تبره المذخورا
عيد المرافع ملء عيد الزهر في
عيد الملاحة روعةً وحبورا
وعجبت للحلاق — وهو مليحة —
طربًا يقص شواربًا وشعورا
والمشط مثل عصا الفقيه لجرمه
وحكت نزاقة عصفه (أمشيرا)
وعجبت للفتن الصدور عواريًا
ينفحن آنافًا لنا وثغورا
وعجبت للملح الحرائر وهي لم
تحجب عن الزهر الجريء صدورا
وعجبت بين تحايل لا ينتهي
ترك الجماد يفوقنا تعبيرا
ولرب ساقية بكت بالأمس قد
أخذت تدور كما ندور سرورا
الماء فيضٌ للأزاهر حولها
ونفوسنا حقلٌ روته خمورا
والحسن نهبٌ للعيون موزَّع
ولوَ انَّه أحيا المواتَ نشورا
والخيل تصهل وهي جدُّ فخورة
كالبدر قد جعل المساء فخورا
نخب الحسان طلعن أجملَ ما اشتهت
عينٌ، وأبهج ما حلمت بدورا
وقد استحلن أشعةً وأزاهرًا
وسلافةً وعنادلًا ووكورا
وقرأتهن كذاك شعرًا دافقًا
بالحسن ينتظم الخيال سطورا
ولمحت إحداهن ترمقني وقد
همست بأذن رفيقها تحذيرا
وهو الذي وخط المشيب سواده
لكنه الغزل العديم نظيرا
فعجبت ثم سألت نفسي: هل ترى
أستاذنا هذا يخاف ظهورا؟!
ولعلني لو كنت شاهدت الوغى
بالزهر٢ كنت عرفته المنصورا
١٧ مارس سنة ١٩٢٩
١  زهورًا: تلألؤًا.
٢  حرب الزهور.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤