وداعًا يا رفيقي القديم!١

figure
الرسم للنقاش ف. ماتنيا (F. Matania) في خلال الحرب العالمية.
هوَى جائدًا بالروح في ساحة الوغَى
جوادٌ له من خلِّه حبه الأسمى
هوَى من شظايا حينما جرَّ خلفه
إلى الحصد ذاك المدفع الرائع الضخما!
فحرره من جُلِّه٢ ولجامه
لميتته من كان يحرسه دوما!
جثا جنبه من صدمة الحزن باكيًا
يقبل رأسًا منه أشبعه ضما
تدفق منه ذلك الدم مثلما
تدفق من باكيه حبٌّ له أعمى
بكى ورثى والصحب ماضون هُلَّع
وضابطه يدعو فيوسعه صرما٣
وفي قربه وقع القنابل ناشر
خرابًا، فما بالَى وإن هدمت هدما
أحسَّ بيتم في منية خله
كأن لم يذق من قبل ميتته اليتما!
وقد شعر الطرف٤ الذي كان كله
وفاء إلى من لم يكن وافيًا رغما
وما الدمع إن جاد الجواد بروحه
وإن كان حزن النفس أحرق إذ أدمى؟
ويا رُب للأرواح حس موحد
من الفهم مهما يختلف حالها جسما!
وقد يقبل الميت العزيز عزاءه
قريرًا، ويبقى صوته روحه فهما!
ومن كان هذا حبه وشعوره
فهل ذاق للسلوان عن خله طعما؟

•••

عجبت لإنسان عظيم بحبه
وفي جنبه قلب إلى شرف يظما
ولم ينس حتى في المخاطر هكذا
جوادًا، وعدَّ البعد عن موته وصما
ولكنه هيهات يعرف رحمة
إذا سأل الإنسان من عطفه السلما
يوزع أسمى الحب في كل منهج
ويعطي أخاه الحرب والنكبة العظمى!
١  Good bye, Old Man.
٢  الجل: ما يلبسه الفرس ليصان به.
٣  صرمًا: قطيعة.
٤  شعر البصر: بمعنى شخص عند الموت إشارة إلى نظرة الجواد وهو يجود بروحه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤