قرَّاء هذه الأيام

منذ أيام نشرت الشرق الأوسط صورة لي على عمود أسفلها خطاب أو مقالة صغيرة تفضَّل بها أحد القراء في استعلاء شديد راح يلقنني درسًا في هجاء اللغة الإنجليزية، موضحًا لي أنني أخطأت في هجاء كلمة Scaning ثم من هذا المنطلق مضى في تعالٍ يلوم الكُتاب الذين يضعون النص الإنجليزي بجوار الكلمة العربية متهمًا إياهم بالتحذلق ومحاولة إثبات علمهم الوطيد باللغات الأجنبية، في حين أن هذا أمر — كما يقول — في عصرنا هذا، لم يعد مدعاة لأي فخر.

وفي الحقيقة استغربت فلقد اعتدنا أن يناقش القراء آراءنا وينقدوها أو يهدموها هدمًا، أما أن يرسل قارئ رسالة يؤنِّب فيها الكاتب على خطئه في هجاء كلمة ولو كانت أجنبية فهو أمر غريب. غريب من جريدتنا الشرق الأوسط أولًا فهي مسئولة عن أي خطأ مطبعي أو هجائي يجمعه عامل الطباعة خطأ؛ إذ لا بدَّ لديها — كأي جريدة دولية أو محلية — قسم خاص بالتصحيح ومقارنة أصل المقال بالمادة المجموعة لمطابقتها، فإذا حدث الاختلاف وحدث الخطأ فقسم التصحيح ومن ثَم الجريدة هي المسئولة عنه، وقد كان من واجبها أن تنشر رأي القارئ وأن تبادر هي بالرد عليه، والاعتذار للكاتب وللقارئ معًا.

أما حين تفضِّل الشرق الأوسط أن تنشر الخطاب أو الرأي دون تعليق من عندها فإنه عمل يتضمن أنها تشارك القارئ لا الكاتب رأيه وهو ما أستغرب له، بل وما دام صديقنا الأستاذ عثمان العمير رئيس التحرير مُصرًّا على رأيه في ضرورة الحوار الدرامي الناقد، هكذا علنًا على صفحات الجريدة، فها أنا ذا أوجِّه له نقدًا على صفحات الجريدة نفسها باعتباره المسئول عن كل كلمة أو خطأ مطبعي أو مبدئي يُنشر في الشرق الأوسط؛ فمسئولية الكاتب تتوقف بتسليمه الأصل الصحيح إلى الجريدة لتبدأ مسئولية رئيس التحرير؛ أقصد أقسام الجريدة المختلفة التي تنتهي عند رئيس التحرير. أما عن القارئ الفاضل فإني أعتذر له على هذا الخطأ المطبعي الذي دفع عامل الجمع باللغة الإنجليزية إلى جمعه هكذا، ودفع المصحح إلى ألا يلحظه أو يراه، وأعتذر له بالمرة عن الصديق رئيس التحرير باعتباره المسئول.

ولكن رغم هذا الاعتذار أتساءل: هل هذا القارئ العزيز الذي لا يعرف تقنية الجمع والتصحيح والأخطاء المطبعية يسمح له ضميره أن يُعلم كاتبًا هجاء كلمة استعملها الكاتب، وأقل القليل من قدراته أن يعرف كيف يتهجاها، ويبلغ به الأمر حد أن يصحح لي كيف يكتب اسم مجلة «تيم» ويذكر أنها لا بد أن تُكتب هكذا «تايم». يا لعظمة النقد! ويا لروعة الاكتشاف! ألا يعلم سيادته أن فتح التاء وكسر الياء بعدها يجعلان الكلمة تُنطق على وجهها الصحيح، إني أعرف هذا منذ أن كنت في أولى ابتدائي في بداية دراستي للغة الإنجليزية ونطقها، أما الأمر الداعي للسخرية حقًّا فهو أن القارئ العزيز نسي الموضوع الذي كنت أتحدث فيه تمامًا ولم يذكره بكلمة واحدة وكأنه لا يقرأ المواضيع ليفهمها أو يدرك المراد منها، ولكنه يقرؤها ليصححها هجائيًّا أولًا وأخيرًا؛ ولذلك أقترح على الأستاذ عثمان العمير استدعاءه لتعيينه في قسم التصحيح فورًا، ولن تفقد الجريدة به قارئًا ولكنها ستكسب مصححًا.

أما قوله عن هذا الاتجاه في إثبات نص الكلمة الإنجليزية أو اللاتينية وأنه تعالٍ لا لزوم له، فليس في المسألة تعالٍ أو يحزنون. كل ما في الأمر يا أخ أننا نثبت الكلمة الإنجليزية لأن الكلمة العربية في أحيان قليلة — والحمد لله — لا تعبِّر بدقة عن المعنى الحقيقي للكلمة؛ فمثلًا كلمة Scaning الإنجليزية تعني الفحص الشامل القريب باستخدام وسيلة ثابتة دقيقة لإتمام عملية الفحص؛ ولهذا لا تصلح لترجمتها كلمة مسح شامل ولا تعبير الرؤية السريعة كما ذكر القارئ، ولا توجد كلمة عربية واحدة تقابلها وإنما لا بد من ترجمتها في جملة؛ ولهذا فإثبات الكلمة الإنجليزية مطلوب ليس لإظهار التعالم يا أخي القارئ وإنما لوضع الكلمة الإنجليزية بجوار العربية أو حتى بدونها حتى «يتعلم» من لا يعرف كلمة جديدة، أجل، يتعلم يا أخي القارئ، ومن ذا الذي يرفض أن يتعلم حرفًا فما بالك كلمة قد تكون جديدة عليه تمامًا، أو تستعمل بمعنى جديد.

ولهذا فهو ليس انحرافًا ولا تعاليًا وإنما محاولة لتدقيق المعنى لا يمكن أن يرفضه إلا متعالٍ، لا مؤاخذة، بغير علم. والله أعلم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤