مجرد تعليق

في الصفحة المقابلة يجد القارئ ردًّا من الدكتور أحمد شفيق الجراح بقصر العيني على الموضوع الذي كتبته عنه في عدد يوم الإثنين قبل الماضي، والرد كان موجهًا إلى الأستاذ إبراهيم نافع رئيس تحرير الأهرام وقد حوَّله الأستاذ سلامة أحمد سلامة مدير التحرير إلى الأستاذ مصطفى البرتقالي المحامي ومدير الإدارة القانونية لمؤسسة الأهرام، ذلك أن رده كان مليئًا بعبارات وتعبيرات وشتائم تدخل تحت بند القذف في حقي مما يشكل لي حقًّا قانونيًّا قِبل الدكتور شفيق وقِبل جريدة الأهرام باعتبارها الناشرة، وحين اطلعت على الردَّين، الرد الأصلي، والرد المحذوف منه ألفاظ وعبارات السباب والإهانة طلبت من رئيس التحرير ومديره والمستشار القانوني أن ينشروا الرد الأصلي دون حذف كلمة واحدة؛ فالرد صورة حقيقية واقعية تمامًا لماهية تفكير وشخصية هذا الرجل الذي نجح في خداع الكثيرين جدًّا من المرضى والمواطنين البسطاء وحتى غير البسطاء، ومع أنني تلقيت مئات الخطابات التي تكشف عن كثير من الأهوال التي يرتكبها الدكتور أحمد شفيق في علاجاته ومعاملاته، وتلقيت مئات التليفونات من أنحاء شتى من القطر المصري من أساتذة الطب والأطباء إلى درجة أشعرتني أننا في مواجهة إنسان يتمتع بعقلية لا يمكن أن تتورع عن ارتكاب أي شيء في سبيل الوصول إلى هدفها، أما ما هو هدفها، فهذا ما سوف نصل إليه في نهاية هذا التعليق.

وها أنا ذا أطلب من الأهرام أن ينشر الرد كاملًا بلا أي كلمة حذف، فالرجل يظل شكلًا إنسانًا محترمًا مثله مثل أي إنسان آخر إلى أن يبدأ يتحدث أو يكتب؛ وهنا تتكشف نفسه الداخلية، وتتعرى ونرى من أي معدن صنع هذا الرجل وأي كم هائل من البشاعة يحفل به داخله.

والحقيقة أني رغم ما كتبته في المرة الماضية لم أكن أعتقد أن الدكتور أحمد شفيق يمثل هذه العقلية ويفكر بهذه الطريقة، ظننته إنسانًا طموحًا حالمًا، طموح وأحلام دون كيشوتية يدعو بها لنفسه كجراح أو طبيب، ويكوِّن حوله هالة من العالمية والمجد، ولكني بعد الدوسيه والوثائق التي تطوَّع بإرسالها لي المرضى والقراء والأطباء الذين عالجوا ما أفسده، أحسست أني استهنت بالشخصية أو في الحق أسأت تشخيصها، إذ لم تكن لي به أي معرفة شخصية أو مهنية ومعلوماتي عنه كلها مستقاة من تصريحاته لبعض الصحفيين والإذاعيين والتليفزيونيين وخلوها من أي سند أو منطق علمي أو أكاديمي، اقرءوا إذن رد الدكتور أحمد شفيق على ذلك الذي يقول إني كتبت عنه بكل ما يمكن أن يتردد في الحواري من فاحش القول وأرذله، فهل الذين قرءوا مقالي وجدوا فيه كلمة واحدة غير التفنيد العلمي المحض لمزاعمه عن اكتشافاته ﻟ «علاج» مرة أخرى «علاج» أمراض السرطان والروماتويد والإيدز، أيْ حلَّ نصْفَ مشاكل العالم الطبية في أقل من ثلاث سنوات.

ثم يستطرد هذا الرجل «العالم»، «العالمي» الأستاذ في كلية الطب ليعيِّرني بأني لم أحصل إلا على بكالوريوس الطب والجراحة، مؤهل في رأي أستاذ الطب لا يتيح لصاحبه أن يزاول الطب فما بالك الأدب (هو أستاذ الطب يستهين ببكالوريوس الطب إلى هذا الحد).

هكذا باللغة العلمية «الراقية جدًّا» يستطرد العالم العالمي في تجريحي الشخصي، والحقيقة أني لم آخذه على أنه تجريح مطلقًا لقد أخذته على محمله الحقيقي، محمل الإنسان غير المتزن الذي ضُبط في حالة تلبس فراح يشتم ويتخبط ويهذي بدليل أنه حتى لم يستوعب ما كتبته عنه؛ فقد كتبت أقول إن من حقه أن يساهم بكتاباته في الجرائد والمجلات في شئوننا العامة ولم أعترض أبدًا، فإذا به يرد هنا وكأني كنت أعترض.

ويقول إن السبب الثاني لجنوحي هو ترشيحه لجائزة نوبل دون علمي، وأنا أتحدى الدكتور شفيق أن يأتيني بورقة أو حتى باسمه مقرونًا للترشيح لجائزة نوبل منذ إنشائها وإلى الآن، أو إذا كان يستشهد برأي مجلس الكلية فقد علمت أنه هو — وباعتباره عضوًا في مجلس الكلية — الذي أخبر أعضاء المجلس بنبأ الترشيح، والمضحك أن هذا كان من جمعية جراحي الجهاز الهضمي في أمريكا التي كان قد كوَّنها ويرأسها الدكتور أحمد شفيق؛ أي أنه هو الذي رشَّح نفسه بنفسه ترشيحًا رفضته الأكاديمية لأنه لا يضيف جديدًا إلى علوم الطب، وقد جاء من جهة لا حقَّ لها في الترشيح.

أما السبب الثالث في نظره لحقدي عليه وعقوقي فهو أني قلت عنه إنه يريد أن يكون عالميًّا فيضيف ويبدو أنه غافل أو تغافل، أنه — أي الدكتور شفيق — قد تعدى مرحلة العالمية منذ عشرين سنة؛ أي هو الآن في المرحلة الكونية التي وصلت فيها شهرته إلى المريخ والمشتري.

أما حكاية ورود اسمه في كُتب الطب فسأسلم جدلًا أنها وردت في بعضها، وليس لهذا أي اعتبار بالمرة؛ فمراجع الطب الحديثة أصبح يحررها مئات غير مؤلفيها الأصليين مثل بيلي أندلف وجراي وبست وهؤلاء المئات بينهم كثيرون من أطباء وعلماء العالم الثالث فلم يعد ورود اسم طبيب في هامش كتاب فتحًا مبينًا في تاريخ الطب، ثم إن الدورات العلمية الطبية في العالم الأول تعتني أكثر من اللازم بأسماء أطباء العالم الثالث لتجنيدهم للاشتراك فيها وترويجها؛ فقد اتسعت دائرة تعليم الطب حتى أصبح معظمها يقع في الدول النامية.

أما أن الدكتور شفيق قد اكتشف تسعة أمراض بشرية جديدة لم يورد اسم أحد منها، ولا أرسل قائمة كما قال في رده، واكتشفت ثلاثين عملية جراحية (مرفق لستة بها، لم يرفقها) فلن يكون أحد أسعد مني إذا كان هذا حقيقيًّا فعلًا بمستنداته وببراهينه وليس على طريقة أبو لمعة، أما عن ممارساته الجراحية فلقد شهدت له في كلمتي أنه جراح شرج ماهر فعلًا ورغم هذا يصر على أن يحدثنا عن براعته وكأنني كذبتها.

أما قوله إنني عايرته بأنه يحلم فليس هذا بصحيح إذ قد قلت بالنص: إن من حق كل منا أن يحلم ولكن هناك فارقًا كبيرًا بين أن يحلم العالِم وبين أن يحلم رجل الشارع؛ فالعالِم إذا عمل ينكب على بحوثه واختباراته وتجاربه ويظل سنين وسنين يكدح ويعرق ويكد إلى أن يصل إلى تحقيق الحلم، أما من يكتشف دواء للإيدز في شهر ويقول إنه أجرى تجارب على الحيوانات في حين أن الحيوان الوحيد الذي يمكن أن يجرب فيه ميكروب الإيدز هو «القرد الأخضر» غير الموجود مطلقًا في مصر، ويقول إن ميكروب الإيدز موجود في كل مكان في مصر في المعامل والمستشفيات، بل يخطئ ويقول إن هناك ميكروبات أخطر من ميكروب الإيدز موجودة في مصر، وفي كل تاريخ الطب والبكتريولوجي لم يوجد وربما لن يوجد فيروس أو ميكروب أخطر من فيروس الإيدز؛ لأنه هو الوحيد الذي يعيش ويتغذى ويشل جهاز المناعة في الإنسان تمامًا ومصير المريض المحتم موت محقق، فقل لنا يا عالم العلماء يا من تعدت شهرته العالمية منذ عشرين عامًا، قل لنا ما اسم الميكروب الأخطر من ميكروب الإيدز؟

ثم انظروا إلى تواضع هذا العالم العلامة حين يقول عني: لو كان د. إدريس قد حظي بشرف الجلوس في مقاعد الدرس أمامي لما اختار الأدب حرفة (وكأن اختياري للأدب كان فشلًا في الطب، مع أني ناجح بتفوق وترتيبي كان الثالث والثلاثين على الدفعة كلها) ويجعلني أندم أني لم أجلس أمامه في مقاعد الدرس بقوله إن معظم الذين تخرجوا من بين يديه صاروا مدرسين وأساتذة وعلماء.

تصوروا إنسانًا يزعم أنه عالم العلماء يفكر بهذه الطريقة الشديدة التواضع ألا يستطيع بنفس هذه اﻟ Paranoya أو جنون العظمة أن يخرج على الناس كل بضعة شهور باكتشاف لعلاج السرطان هكذا مرة واحدة، أمريكا تنفق أكثر من ثلاثين مليار دولار على أبحاث السرطان وعشرات المليارات على أبحاث الإيدز، وأبحاث الإيدز لا يقوم بها الأطباء فقط وإنما تشترك فيها أقسام بأكملها من علماء الوراثة وعلماء الهندسة الوراثية وأساتذة الميكروبيولوجي وعلماء المناعة وعلماء «الفيرولوجي» كل قسم منها تتخصص كل مجموعة منه في دراسة خاصية واحدة من خواص هذا الفيروس الخطير الذي كما ذكرت قبلًا خطورته في قدرته على تغيير التركيب الجزيئي لغشائه الخارجي بحيث يتغلب على الأجسام المضادة التي يفرزها الجسم تبعًا لتركيبه الجزئي الأول؛ ومعنى هذا أننا كل يوم أمام ميكروب جديد من نفس العائلة لا يفلح في قتله أي مصل أو لقاح أو علاج إلى الآن.

كل هذه المعامل والعلماء يستطيع النابغة أحمد شفيق وهو جالس في عيادته الفاخرة في القاهرة أن يلغي علمهم وعلومهم وأبحاثهم بجرة قلم وأن يتفتق ذهنه عن علاج شامل ناجح لمرض الإيدز، يذهب به فورًا إلى زائير مدعيًا أنه استشار هيئة الصحة العالمية وتكذبه الهيئة تكذيبًا رسميًّا وتنشره جرائدنا وتقول إنها لا صلة لها ببحثه أو بدوائه المزعوم أو به شخصيًّا، تمامًا مثلما ادعى أنه عمل عملية لرئيس كوبا فيدل كاسترو وكذَّبت الحكومة الكوبية هذا الزعم وأكدت أن الدكتور المذكور لم يزر كوبا ولا دخلها أبدًا.

يذهب بهذا الدواء إلى الرئيس موبوتو سيسكو ويقول له أنا قادم إليك من عند الرئيس مبارك، زاجًّا باسم رئيسنا في مغامراته التي تفوق أي معقولية، ويرحب موبوتو بالطبيب المصري القادم من عند الرئيس، في حين أن الرئيس مبارك لم يقابله واشترط لمقابلته أن تؤكد الدوائر العالمية صحة دوائه. يرحب موبوتو بالرجل؛ فالإيدز يشكل حالة وبائية في زائير (الكونغو) ويريد موبوتو أن يصنع شيئًا يرفع به معنويات شعبه فيوافقه على إجراء التجارب، وتكوين فريق زائيري للبحث وينضم خايب الرجا على متعوس الرجا ويجريان تجارب لا تستمر أكثر من شهر يعلنان بعدها في حفل تليفزيوني صحفي رهيب، كان يرأسه كما ذكر لي مصري يعيش في زائير وحضر الاحتفال، يرأسه وزير الإعلام الزائيري — حاجة غريبة — وكان محل سخرية مثقفي وأطباء زائير. تصوروا ما علاقة وزير الإعلام باكتشاف دواء لمرض خطير كالإيدز؟! ولكن المسألة كما قلت استعراض إعلامي يُفرح الناس والمرضى في الكونغو وليس هناك خطر من إعلانه، ومن إعلانه بطريقة مثيرة ويسميه سيادته، ذلك الدواء مع الزائريين م.م.١ Mobarak Moboto I يزج باسم رئيس مصر وعلم مصر وسمعة مصر العلمية والطبية ولا يخجل أن يواجه مئات آلاف العلماء المتربصين لأي إشاعة حتمًا عن اكتشاف دواء، بحيث لو كانت التجارب حقيقية وصحيحة لأرسلت أمريكا ولديها مئات الآلاف من مرضى الإيدز الذين ينتظرون الموت؛ أرسلت قوات الانتشار السريع والأسطول السادس والسابع واﻟ «سي أي آيه»، واختطفت أحمد شفيق اختطافًا هو والجيش الكونغولي كله وأخذتهم إلى أمريكا فورًا ودون أي انتظار.

ولكن شيئًا من هذا لم يحدث، بل لقد أصبح أمر الدواء المعجز نكتة العالم الطبية، وبجدية العالم يؤكد الدكتور أحمد شفيق أن نتائج الدواء ستظهر بعد مضي عام، فإذا بقي المرضى الذين شفوا لمدة عام دون وفاة، فإن هذا يعد نجاحًا للدواء. ما رأى سيادته أن كثيرين جدًّا من مرضى الإيدز لا يموتون إلا بعد أكثر من عامين أو ثلاثة دون علاج ودون م.م.١ أو م.م.صفر ودون فريق زائيري مصري. إن الطب الزائيري لا يستطيع أن يعالج مرضى حمى النوم التسي تسي، والفريق المصري الذي نفدت بأعجوبة من أن أكون تلميذه أوقف عن عمله لمدة عام لاستغلاله المرضى العاديين في تجارب غير علمية لعلاجهم.

إن خطورة الدكتور أحمد شفيق أنه ليس مدعي طبٍّ لكي يُمنع ويعاقب بالحبس إذا زاوله، إن خطورته القصوى أنه فعلًا أستاذ جراحة «وصل إلى كرسيها بطريقة لا يعلمها سوى الله» ويستطيع أن يزاول ما شاء من علاج بعيدًا عن أعين غيره من العلماء والأساتذة؛ ولهذا هو يتهرب دائمًا من مواجهتهم لأنه لا يملك المعلومات العلمية الكافية عن الأدوية التي يستعملها؛ ولهذا يقفز فوق هؤلاء العلماء وفوق المحافل الأكاديمية ويتصل مباشرة بالصحفيين والإعلاميين وينشر أمامهم اكتشافه المزعوم أو اختراعه؛ ولهذا سميته في كلمتي الماضية «ظاهرة» أحمد شفيق، وقد خانه ذكاؤه فتصور أني أمدحه باعتباره علمًا وظاهرة أو على الأقل ظاهرة صحية، في حين أن هدفي كان التنبيه إلى ظاهرته المرضية التي أصبحت تشكل خطرًا على صحة مرضاه، وعلى سمعة طبنا المصري، ووصلت فضائحنا من خلاله إلى المجالات العالمية، وحين أقول ظاهرة فلأني لا أعني أنها خاصة به أو ببعض الأطباء القليلين الذين أخذتهم حمى الفوضى الضاربة في مقاييسنا، فاختصروا الطريق وأصبحت الفهلوة والاتصال بالصحفيين والإعلاميين وسيلتهم إلى الشهرة، وجلب المال الأكثر حتى إني عرفت أن حكاية العالمية تلك هدفها الربح لا أكثر؛ فقد ذكر لي أحد مرضاه أنه عمل عنده عملية البواسير بألف وخمسمائة جنيه، والمصران الأعور بخمسة آلاف جنيه، وهذا هو السر الذي يدعوه لأن يقول في بنده الخامس إنه يتسلح بعدد من الأصدقاء والصديقات الصحفيين في مختلف الصحف والمجلات؛ فهو صديق لكثيرين إما أن اشترى صداقتهم بالمال، فلمَ؟ لمَ يا دكتور؟ لأنك تكسب من ورائهم مالًا لا يُعد ولا يُحصى، وشهرة تتحول بالتالي إلى مال أكثر، أليس هذا سببًا وجيهًا أو فلنقل إنه السبب الوحيد، وأعود أيضًا وأقول ظاهرة لأنها لا تخص بعض الأطباء ولكن أصبحت هي القاعدة في التعامل الإعلامي والصحفي مع الشركات والأثرياء وشركات توظيف الأموال، إن صحافتنا كلها في خطر حقيقي ماحق؛ فالحكومات أو الأحزاب قد تكون هي التي تصدرها وتموِّلها ولكن كثيرًا مما يُنشر فيها وبالذات خاص بأشخاص معينين هي إعلانات تحريرية مدفوعة للمحرر، ورجائي من القراء كلما قرءوا دعاية ما لشخص ما ولو بإمضاء محرر كبير أن يدركوا أن وراء هذا مصلحة مادية أو أدبية مقابلها أكثر بكثير من المقابل المادي، وبالذات كل خبر فيه دعاية لهذه الظاهرة، فلتعلموا ولتتأكدوا أنها أبدًا ليست لوجه الله أو الحق أو العلم وإنما لوجه الذات المتضخمة الجشعة التي تريد أن تبتلع مجد الدنيا ومالها دون جهد ودون كدح وبدعاية طنانة رهيبة تنطلي على المواطنين المساكين كأنها حقائق، وأرجوكم أعيدوا مرة أخرى قراءة رد الدكتور أحمد شفيق الذي يعتقد أو يقول ببلاهة منقطعة النظير إنه لو كان مكتشف الدواء فرنسيًّا أو أمريكيًّا لهللت له ولكن لأن مكتشفه مصري فأنا أخسف به الأرض، أفي علاج البشرية مصري أو صيني أو أمريكي؟ لو كان حقيقة هو الرجل الذي يخترع دواء لعلاج السرطان ودواء لعلاج الروماتيزم ودواء لعلاج محير البشرية والعلم «الإيدز» أكان منطقه يكون هكذا؟ لو كان قد فعل هذا كله في سنتين لأصبح أعظم من أينشتاين، فتصوروا أني كتبت في الموضوع الماضي عن أينشتاين وسألته أسئلة في الصميم عن كيف اكتشف النسبية الخاصة والعامة وأين بدأ بتجاربه وكيف تطورت مثل كل الأسئلة التي سألتها للدكتور أحمد شفيق في الموضوع الماضي ولم يجبني تهربًا من أي منها، أكان يجيبني ﺑ «ياللي سلم على العقيد عدو مصر» أو بأن حظي سيئ لأني أخذت الكتابة بعدما كنت مرشحًا لأكون جراح مخ وأعصاب في كلية الطب لأنني كنت سيئ الحظ ولم أكن من تلاميذه.

هذا منطق — لا مؤاخذة — واللا بلاش.

إنني آسف إذ قد ضيعت وقتَ كثيرٍ من القراء في التوقف لدى تلك الظاهرة التافهة، ولكن يبدو أن الأمر كان أخطر مما تصورت سابقًا بكثير، وأن حكاية الإيدز ليست آخر ما سيطلع عليه بنا الأستاذ الدكتور العالمي، ذلك الرجل الذي بدأ حياته بأن ارتكب جريمة اقتلاع مثانة إنسان ميت ولفها في قطعة قطن وذهب إلى عنبر آخر، واستأصل مثانة مريض حي وركب المثانة التي كانت خلاياها قد ماتت؛ فطبعًا حدث التقيح ومات المريض، بل مات مريض آخر لنفس السبب، وتشكَّل له مجلس تأديب من أساتذة الجراحة لمحاسبته، وكان رأي المجلس الذي كان برئاسة الدكتور جمال البحيري أستاذ الجراحة الكبير؛ كان رأي المجلس فصل ذلك الطبيب، وهي أقل عقوبة ممكنة لقتل مريض عن عمد، ولكن هكذا نحن المصريين قالوا: إنه شاب وإنه في مستهل حياته واكتفوا بالخصم والإنذار.

وبالصدف المحضة قابلت اثنين من أعضاء هذا المجلس وقد أبديا ندمًا شديدًا على أنهما لم يفصلاه أيامها وينقذا الطب والأطباء والمرضى من أفعاله أو بالأصح جرائمه في حق مرضاه بتجربة أدوية عليهم لا يعلم عنها شيئًا.

ليس من عادتي أبدًا أن أتصدى لمهاجمة البعض من الأشخاص لذاته أو لبعض خصاله السيئة؛ فما من إنسان كامل أبدًا، ولكن حين يستشري هذا العيب ليصبح مرضًا، وحين يتحول الشخص المريض إلى أسطورة يصدق الناس عن طريق وسائل الإعلام كل ما يقوله عن نفسه؛ حينئذٍ يتحول الشخص إلى ظاهرة أجد من المحتم عليَّ أن أتصدى لها، وأظل أتصدى حتى أكشف للناس أمره؛ فهو جزء لا يتجزأ من الشر الكامن في المجتمع والذي وهبت نفسي ككاتب لمحاربته.

وأنا لا أهاجم فقط وإنما أشيد أيما إشادة وبالذات بالأطباء الذين يضربون المثل الأعظم في التضحية وخدمة البشرية وخدمة الإنسان المصري خاصة، أشدت بالمرحوم الدكتور أنور المفتي حين ترك حياته وعيادته وعمله في القاهرة، وذهب إلى قرية «سحالي» في البحيرة يعالج جماهير الفلاحين من البلهارسيا هناك بدل أن يعالج عسر الهضم لدى بعض الأغنياء هنا مقابل مئات الجنيهات. أشدت بالجراح الكبير الدكتور أحمد أبو ذكري لاهتمامه بعلاج دوالي تضخم الكبد البلهارسي، وبالدكتور الجراح وديع عبد الملك الذي ترك عيادته وحياته في القاهرة وذهب متطوعًا إلى خط الميدان في حرب أكتوبر يقاتل جروحهم القاتلة بمبضعه، أشيد بهاشم فؤاد أعظم عميد لكلية الطب لا لكونه دفعتي؛ فقد تخرج قبلي بعامين، ولكن لإعادته هيبة كلية طب قصر العيني وانضباطها إلى مصاف أحدث كليات الطب وأدقها في العالم بعد أن كان زمامها قد أفلت، وأشيد بغيرهم كثيرين؛ أشيد بذلك المصري المضحي في صمت وإيمان عميق بدوره ورسالته، وليس ذلك الذي يترك ٥٠ في المائة من فلاحي المصريين يموتون بالتليف البلهارسي الكبدي ويصعب عليه مرضى الإيدز الغلابة في زائير و«يضحي» ويذهب بزعم إنقاذهم، وهو ما اختاره تضحية أو شفقة إنما اختاره لأنه الوحيد الذي من الممكن أن يصنع له مجدًا عالميًّا، فإن لم يكن في الحقيقة فليحققه بالوهم والخيال والتلفيق وأمام عدسات التليفزيون وكاميرات الصحافة! أليست هذه منتهى «التضحية».

•••

سأختم تحقيقي هذا بشيئين:
  • الأول: أني سأحوِّل كل المستندات التي تجمعت لديَّ وكل خطابات المرضى الذين عالجهم الرجل بخياله ومزاجه إلى وزير الصحة ونقابة الأطباء وعميد كلية الطب ومجلسها ورئيس جامعة القاهرة ومجلسها؛ لعمل لجنة تحقيق على أعلى مستوى والنظر في أمر هذه الظاهرة الخطيرة على علمنا وتقاليدنا وصحة مرضانا.
  • والثاني: أني سأقوم بنشر التقرير الذي قدمه العلامة الدكتور أبو شادي الروبي أستاذ الأمراض الباطنة لعميد كلية الطب، ويشتمل على الآراء التي استمع إليها وأبداها في اللجنة العليا التي كانت قد شُكِّلت من رؤساء الأقسام لسؤال أ.د. أحمد شفيق عن حقيقة الذي اكتشفه أو زعم أنه اكتشفه لمرض الروماتويد، أرجو أن تقرءوه لتعرفوا لماذا يخاف الدكتور أحمد شفيق من مواجهة زملائه العلماء؛ لأنهم سوف يحاسبونه ويعصرونه علميًّا، ولماذا يقفز فوقهم إلى الصحافة ووسائل الإعلام ليقول لهم ما شاء له الخيال من أخبار وادعاءات.

اقرءوا معي التقرير الذي كتبه عالم شجاع بلغ من فرط تأزمه مما يرتكبه زميل في نفس كليته ومزاعمه إلى درجة أنه كان يوزعه بيده على الأطباء والأساتذة لأن أحدًا لا يريد أن يتحرك!

•••

ملحوظة: تم تكوين مجلس تأديب من نقابة أطباء القاهرة وحقق مع الدكتور أحمد شفيق وقضى بإحالته إلى لجنة التأديب العليا في النقابة العامة للأطباء، التي قضت بإدانته وإيقافه عن مزاولة المهنة لمدة ستة أشهر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤