مقدمة

السَّفر عبْر الزمن ليس «مجرَّد خيالٍ علمي»

«يمرُّ الزمن كالسهم، أما الفاكهة فتمرُّ كالموز.»

تيري ووجان
ثمَّة نوعٌ من الخيال العلمي يكون فيه كلُّ العلم حقيقيًّا، لكن الأحداث فيه تجري في زمنٍ أو مكان خيالي. وأحد الأمثلة المفضَّلة لديَّ هو سلسلة قصص في مجموعة «الدافع الخارجي» من تأليف جون ويندهام،١ والتي تقدِّم مخطَّطًا لاستكشاف الفضاء القريب. وعلى الطرَف الآخر من عالَم الخيال العلمي، ثمَّة قصصٌ تقع على الحدود المبهمة والمشوَّشة بين الخيال العلمي والخيال الخرافي، وهي منطقة اجترأ على اقتحامها في بعض الأحيان آرثر سي كلارك، الذي قال ذات مرة: «الخيال العلمي هو ما يمكن أن يحدُث، لكنك عادةً لن ترغب في أن يحدُث. والخيال الخرافي هو ما لا يمكن أن يحدُث، إلا أنك تأمُل أن يحدُث». تلك طرفة جيدة. لكن لديَّ شكوكي حول دقَّة الجزء الأخير فيها؛ إذ إن سلسلة «سيد الخواتم» (لورد أوف ذا رينجز) تنتمي إلى الخيال الخرافي البدائي، لكنها ليست بشيء يرغب فيه المرء، إلا أنها تسلِّط الضوءَ على الموضع الذي يتخذه موضوعُ السفر عبْر الزمن، في اعتقاد الناس، على النطاق الممتد بين الخيال العلمي والخيال الخرافي.

وعلى عكس السفر عبْر الفضاء — وهو عنصرٌ أساسي في الخيال العلمي جائزُ الحدوث بكل تأكيد حتى لو كانت أنظمةُ الدفع المذكورة في القصص لم تصبح عملية بعدُ (وقد لا تكون كذلك أبدًا) — فإن السفرَ عبْر الزمن بكل تأكيد شيء لا يمكن أن يحدُث، مع أنك تتمنى لو أنه يحدث. أم هل يمكن أن يحدُث؟ السفر عبر الزمن، كما أرغب في توضيحه في هذا الكتاب، لا تمنعه قوانينُ الفيزياء، وإن لم يكن ممنوعًا فلا بد إذن أنه ممكن. لا تأخذ كلامي على محملِ الصدق وحسب هكذا. فقد قال ديفيد دويتش أستاذ الفيزياء بجامعة أكسفورد: «أنا نفسي أعتقد أن السفر عبْر الزمن سيكون متاحًا ذات يوم؛ لأننا حين نعرف أن شيئًا ما لا تمنعه قوانين الفيزياء الشاملة، نجد في النهاية طريقةً تكنولوجية لجعله حقيقة.»

إن السفر عبر الزمن ليس وهمًا، وليس مجرد خيال علمي أيضًا، رغم أنه كالسفر عبر الفضاء، يُعد مجازًا مشتركًا في الخيال العلمي. وكمثل السفر عبر الفضاء أيضًا، يعتبر السفر عبر الزمن عِلمًا حقيقيًّا جادًّا خضعَ لتدقيقٍ مكثَّف من المنظِّرين (لا عجبَ هنا) كما خضع أيضًا لاختباراتٍ تجريبية حقيقية وجادة، وهو ما قد يفاجئك. كلُّ مَن يرفض السفر عبْر الزمن باعتباره «مجردَ خيال علمي» مخطئ على أساس علمي، كما أنه مخطئ في استخدام الوصف؛ لأن استخدام السفر عبر الزمن في الخيال العملي عادةً ما يُبرِز الحقائقَ العلمية على نحوٍ لا تضاهيها فيه المطبوعات العلمية، وسأقدِّم مثالًا جيدًا على ذلك في تصوري الخامس. لكن قبل أن أخوض في هذه المسألة الشائكة، ينبغي لي أن أعرض طبيعةَ الفضاء والزمن اللذين يمكن السفر عبرهما.

هوامش

(١) نُشر في الأصل تحت اسم لوكاس باركس، وقد استخدم جون ويندهام لوكاس بينون هاريس — وهذا اسمه الفخم بالكامل — عدةَ أسماء مختلفة لكتاباته.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤