فصل في نسبه

هو أبو العَلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان بن محمد بن سليمان بن أحمد بن سليمان بن داود بن المطهر بن زياد بن ربيعة بن الحرث بن ربيعة بن أنور بن أسحم بن أرقم بن النُّعمان بن عدي بن غَطَفان بن عمرو بن بَرِيح بن خُزَيمة بن تَيْم الله بن أسد بن وبرة بن تَغْلِب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة التَّنُوخيُّ المَعَرِّيُّ. هكذا ساق نسبه ابن خلكان، وهو أصح ما وجدناه بالمعارضة على ما في كتب الأنساب؛ فإن فيما ذكره ياقوت في «إرشاد الأريب» إسقاطًا لبعض الأسماء، واضطرابًا في ترتيب بعضها، فاعتمدنا على رواية ابن خلكان بعد تصحيح ما حُرِّف منها، فإن «خُزَيْمة بن تَيْم الله» جاء في النسخة المطبوعة ببولاق: «جَذِيمة» بالجيم والذال المعجمة، وما نُصَّ عليه في كتب اللغة والأنساب «خُزَيْمة» بالخاء والزاي مُصغَّرًا. و«تيم الله بن أسد» هكذا في جميع ما وقفنا عليه من الكتب، وجاء به أبو العلاء في سقط الزند: «تيم اللات»، في قوله:

سألته قبل يوم السير مَبْعَثَهُ
إليك ديوان تيم اللات ما لِيتَا

وقد يكون هذا تحريفًا في النسخة، إلا أن مَنْ خَبَر شعرَ أبي العلاء ومذهبَه في تكلُّفه الصناعة والتجنيس، رجَّح أنه ما أتى بقوله «ما ليت»، أي ما نقص، بعد قوله «اللات»، إلا إرادةً للتجنيس، والله أعلم. وقد يذهب الظن إلى أن «تيم اللات» هذا ربما كان غير «تيم الله» المذكور مقدمًا، وهو مردود بما ذكره الشارح في سياقه نسبه عند شرح البيت. على أن فيما ذكره ابن خلكان ما لا يسكت عنه أيضًا، وما نقلناه عنه هو ما وجدناه في النسخة المطبوعة ببولاق، والنسخة المطبوعة بباريس. ونقل ابن الوردي في تاريخه عبارة ابن خلكان، فأسقط أحمد بن سليمان من سلسلة النسب، ويوافقه ما في «الكوكب الثاقب» لعبد القادر بن عبد الرحمن السَّلَوي، إلا أنه أسقط محمد بن سليمان بدل أحمد. وعلى كل حال، فالظاهر أن ما ورد في ابن خلكان فيه زيادة اسمين ربما سبق بهما قلم الناسخ.

وجدُّه الأعلى قُضاعة بن مالك أبو حَي من اليمن، ينتهي نسبه إلى قَحْطان؛ هذا هو المشهور. وزعم نُسَّاب مُضَر أنه قضاعة بن مَعَدّ بن عدنان، وأن مالِكًا زوج أمه، والنسب إلى زوج الأم عادة معروفة عند العرب، ولعلماء الأنساب في ذلك اختلاف كثير. ولهذا قال محمد بن سلام البصري النَّسَّابة لما سئل: أنِزَار أكثر أم اليَمَن؟ فقال: إن تمعددتْ قضاعة فنزار أكثر، وإن تيمنتْ فاليمن. وعلى القول الأول قول بعضهم:

قُضاعة بن مالِك بن حِمْير
النَّسَب المعروف غيرُ المنكَر

وعلى القول الثاني قول الكُمَيْت الأسَدي يخاطب قُضاعة:

فإنك والتَّحولَ عن مَعَدٍّ
كحالِية تَزيَّنُ بالعُطول
تُغايِظُ بالتَّعطُّل جارَتَيْها
وبالأَحْماء تَبدأ والحَليل
فمَهْلا يا قُضاعة لا تكوني
كقِدْح خَرَّ بين يدَيْ مُجِيل
وما مَن تَهْتِفينَ به لِنَصْرٍ
بأقرب جابةً لك من هَدِيل

وسُمي قُضاعة لانقضاعه عن قومه مع أمه، أي انقطاعه عنهم، أو من قَضَعه، أي قهره. وقيل: بل هو اسم منقول، وأصل القضاعة الفَهد.

والتَّنُوخي نسبةً إلى تَنُوخ، كصبور. وتشديد النون خطأ؛ وهم قبيلة من اليمن من قضاعة، سُمُّوا بذلك لأنهم اجتمعوا وتحالفوا، وتَنَخوا بمكان في الشام، أي أقاموا فيه. ومن الناس من يطلق تَنُوخَ على الضَّجاعِمة ودَوْس الذين تنخوا بالبحرين، والاختلاف في ذلك كثير أيضًا. ونقل عن أبي عُبيد أنهم تنخوا على مالك بن زُهير بن عمرو بن فَهْم بن تَيْم الله بن أسد، وعلى مالك بن فَهْم عم مالك بن زهير. وذكر الحمداني أن المَعرَّة من بلاد الشام هي صليبة تنوخ، بمعنى أن بها جمعهم المستكثر. وفي «إرشاد الأريب» لياقوت أن تَيْم الله بن أسَد هو مجتمع تنوخ من أهل مَعرَّة النعمان. وقال أبو يعقوب النحوي في شرح «سقط الزند» أن تَيْم الله هو مجتمع تنوخ في النسب، ولم يخص أهل المعرة. ويوافقه ما ذكره ياقوت في معجم البلدان، إلا أن أبا يعقوب سماه تَيْم اللات كما قدمنا. وكان شعار تنوخ في حروبهم: «وَاصِلْ، وَاصِلْ»، وإليه أشار أبو العلاء في لزومياته بقوله:

فِرَّ من هذه البريَّة في الأر
ض فما غير شرِّها لك حاصلْ
فشِعاري قاطعْ وكان شعارًا
لتَنُوخٍ في سالف الدهر واصِلْ

والشعار: العلامة في الحرب. وفي الحديث أن شعار أصحاب رسول الله كان في الغزو: «يا مَنْصورُ أمِتْ أمِتْ». وهو تفاؤلٌ بالنصر بعد الإماتة. واستَشْعر القومُ، إذا تَداعَوْا بالشِّعار في الحرب.

والمَعرِّي نسبةً إلى معرة النُّعمان، وهي بلدة بالشام من أعمال حمص بين حلب وحماة، وليست منسوبة للنعمان بن المنذر كما تَوهَّمه بعضهم، بل نُسِبَت — فيما ذكروا — للنعمان بن بشير الأنصاري؛ لأن وَلَدًا له مات وهو مجتاز بها، فدفنه فيها وأقام أيامًا حزينًا، فنسبت إليه لذلك. قال ياقوت في معجم البلدان: وهذا في رأيي سبب ضعيف لا تُسمى بمثله مدينة، والذي أظنه أنها مسماة بالنعمان المُلقَّب بالساطع. قلت: وهو النعمان بن عدي، أحد أجداد المعري المذكورين في نسبه. والذي ذكره ياقوت مقبول؛ فإن تسمية بلدة باسم أحد قطَّانها المشهورين فيها أقرب من تسميتها بأحد المجتازين بها. وذهب الشريشي في شرح المقامات إلى أنها أُضيفت لجبل مُطِلٍّ عليها اسمه النعمان، ولم يذكر ياقوت هذا الجبل.

ومن شعر أبي العلاء فيمن عيَّره باسم بلده:

يعيرنا لفظ المعرَّة أنها
من العرِّ قوم في العُلا غُرَباء
وهل لَحِق التثريبُ سُكَّان يثرب
من الناس، لا، بل في الرجال غَباء
وذو نجب إن كان ما قيل صادقًا
فما فيه إلا مَعْشَرٌ نُجَباء

أي إنْ كان اسم البلد له تأثير على ساكنيه، على ما زعم هؤلاء الزاعمون، فيلزم منه أن التثريب لاحِقٌ لسكان يثرب، وهي مدينة الرسول . ويلزم منه أيضًا أن يكون سكان ذي نَجَبٍ كلهم نُجَباء، مع أن فيهم النجيب وغير النجيب كسائر سكان البلاد.

ومن شعره في اسمه:

وأحمد سمَّاني كبيرى وقلما
فعلتُ سوى ما أستحق به الذَّمَّا

وقال أيضًا:

رُوَيْدَكَ لو كشَّفْتَ ما أنا مُضمِرٌ
من الأمر ما سمَّيتني أبدًا باسمي
أُطهِّرُ جسمي شاتيًا ومُقَيِّظًا
وقلبِيَ أولى بالطهارة من جسمي

وقال في كنيته:

عرفْتُكِ جيدًا يا أمَّ دَفْرٍ
وما إن زلتِ ظالمةً فزُولي
دُعيتُ أبا العلاء وذاك مَيْنُ
ولكن الصحيح أبو النزول

يقول ذلك جريًا على عادته في الخمول والتواضع.

وقد خلط بعض العصريين بين أبي العلاء المعري وأبي العلاء صاعد اللغوي؛ لاتفاقهما في الكنية، واشتهار كليهما باللغة، فنسب للمعري كتابًا اسمه الفصوص في قصة ساقها، وإنما هو لِصاعد، وسيأتي تفصيل ذلك في فصل مؤلفاته.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤