الفصل السادس

لحظات سعادة في حياة رجل

نُشِرت لأول مرة في صحيفة ذا ستاندرد، أكتوبر ١٩٢١

في أمسيةٍ ممتِعة في أوائل الصيف، نزل ليون جونزاليس من إحدى الحافلات في ميدان بيكاديلي وهمَّ سائرًا بنشاطٍ في هايماركت، ثم انعطف إلى شارع جيرمين غافلًا على ما يبدو عن حقيقةِ أن شخصًا ما كان يتبعه.

رفع مانفريد عينَيه عمَّا كان يكتب عندما جاء صديقه، وأومأ برأسه مبتسمًا ونزع ليون معطفه الخفيف وشقَّ طريقه إلى النافذة المطلة على الشارع.

سأل: «ما الذي تبحث عنه هذا البحثَ الحثيث يا ليون؟»

قال ليون من غير أن يرفع عينَيه عن الشارع بالأسفل: «جين بروثيرو، من ٧٥ بنايات بارسايد، لامبث. آه، ها هو، الرجل المجتهد!»

«مَن يكون جين بروثيرو؟»

حاول جونزاليس إخفاء ضحكه.

«رجلٌ دعَته جُرأتُه إلى التجوُّل في ويست إند في هذه الساعة.» ثم نظر في ساعته، وقال: «أوه لا، ليس بهذه الجُرأة، فالجميع يرتدون ملابس السهرة الآن.» قال مانفريد مقترحًا: «لصُّ منازل؟» ضحك ليون مرةً أخرى، وقال: «إنه ليس مجرمًا لهذه الدرجة. أفترض أنك تقصد بلصِّ المنازل نوعًا من اللصوص الصغار الذين يضعون سُلَّمًا على نافذة غُرَف النوم عندما تكون العائلةُ مشغولة بالعَشاء في الطابق السُّفلي، ويهرب ببعضِ قطع المجوهرات الصغيرة التي يعثر عليها؟»

أومأ مانفريد.

وقال موافقًا إيَّاه على كلامه: «ذلك هو الوصف الرسمي لهذا النوع من المجرمين.»

هز ليون رأسه.

وقال: «كلَّا، إن السيد بروثيرو رجلٌ مُثير للاهتمام؛ مُثير للاهتمام لسبب آخر تمامًا. في المقام الأول لأنه مجرم أصلَع، أو مجرمٌ مقتدِر. كما تعلم عزيزي جورج، نادرًا ما تجد مجرمًا أصلع. بعضهم خشنُ الشعر والبعض الآخر خفيفُ الشعر. إنهم يشتركون في سِماتٍ شخصية غريبة مثل تسريح الشعر على الجانب الخطأ؛ ولكن نادرًا ما تجد لديهم صلعًا. قمة رأس السيد بروثيرو خاليةٌ تمامًا من أي شعر من أي نوع. إنه الرجل الثاني في سفينةٍ مُتجولة تُستخدَم في تجارة الفاكهة بين جزر الكناري وساوثهامبتون. إنه متزوِّج من فتاةٍ آيةٍ في الجمال. ومن الغريب أنَّ صِهره لصُّ منازل، ومن ثَم أثار في نفسي الشكوكَ عن غير قصدٍ على الإطلاق.» ثم أضاف وكأنه يُضيف فكرةً مهملة قد خطرَت على باله مؤخرًا: «بالمناسبة، إنه يعلم أنني أحد رجال العدالة الأربعة.»

ظلَّ مانفريد صامتًا.

ثم سأل بهدوء: «كيف علم ذلك؟»

خلع ليون معطفه ووضع ذراعَيه في سُترةٍ باهتة من صوف الألبكة. لم يردَّ حتى لفَّ سيجارة إسبانية بغير إتقانٍ وأشعلها.

«منذ سنوات، لمَّا كان ذلك التنظيم الوخيمُ الذي ذكرت اسمه تحت المطاردة، سعى هذا التنظيم — على طريقته المتواضعة — إلى رفع الظلم في العالَم ومُعاقبة الأشرار الذين لم يقَعوا تحت طائلة القانون ذي الإجراءات المُتثاقِلة، قُبِض عليك يا عزيزي جورج وأُودِعتَ سجن تشيلمسفورد. هربتَ منه هروبًا معجزًا ووصلتَ إلى الساحل الذي نعرفه أنا وأنت وبويكارت حيث أخذْتَ يخت صديقنا الرائعِ أمير أستورياس، الذي شرَّفنا بأن كان رابع مجموعتنا.»

أومأ مانفريد.

قال ليون: «ركب السيد جين بروثيرو على متن تلك السفينة. أما عن كيفية وصوله إلى يخت صاحب السمو المبجَّل، فسأشرح ذلك في مرحلةٍ لاحقة؛ لكنه بالتأكيد كان هناك. أنا لا أنسى الوجوه أبدًا يا جورج، لكن للأسف لست وحدي مَن لا ينسى الوجوه؛ فالسيدُ بروثيرو يتذكَّرني، ويتذكَّر رؤيتي في مباني بارسايد …»

سأل مانفريد بابتسامة باهتة: «ماذا كنتَ تفعل في مباني بارسايد؟»

أجاب ليون بطريقةٍ مُثيرة: «يُوجَد رجلان في مباني بارسايد لا يعرف كلٌّ منهما الآخَر، كِلاهما مُجرم، وكلاهما مُصاب بعمى الألوان!»

وضع مانفريد قَلمه واستدار، مُستعِدًّا لسماع محاضرةٍ عن الإحصائيات الجنائية؛ لأنه لاحظ الحماسَ في صوت جونزاليس.

قال ليون مبتهجًا: «من خلال هذَين الرجلَين، أُصبح قادرًا على دحض النظريات شديدةِ السخف التي قدمها كلٌّ من مانتيجازا وشيمل، التي تقول إن عمى الألوان لا يُصيب المجرمين مطلقًا. والحقيقة يا عزيزي جورج أن الرُّجلَين كلَيهما متورطان في الجريمة منذ ريعان شبابهما، وقضى كلاهما عقوبةً بالسجن؛ والأهم من ذلك أن أبوَيهما كانا مجرمَين ومُصابَين بعمى الألوان!»

قال مانفريد، قاطعًا بلباقةٍ ما كان يُبشِّر أنه محاضرة طويلة وشاملة عن عيوب الإبصار وعلاقتها بالسِّمات الخلقية لدى الخارجين على القانون: «حسنًا، ماذا عن السيد بروثيرو؟»

«إن أحد أهدافي هو صهر بروثيرو، أو بالأحرى الأخ غير الشقيق لزوجة بروثيرو. كان والدها نجارًا بريئًا، ويعيش في الشقة العلوية. هذه الشقق هي مجرد مساكن صغيرة تتكوَّن من غرفتَين ومطبخ. لا يُوفِّر بُناة مساكن لامبث الحماماتِ برفاهية. بهذه الطريقة، تصادف أن تقابلتُ مع زوجة بروثيرو وأنا أحاول التغلُّب على إحجام أخيها عن الحديث عن نفسه.»

قال مانفريد بصبر: «أظنُّ أنك قابلتَ بروثيرو أيضًا.»

«لا، لم أُقابله إلا بالصدفة. مرَّ على الدرج ورأيته يُلقي نظرةً خاطفة عليَّ. كان وجهه في الظل ولم أتعرَّف عليه حتى لقائنا الثاني، وهو اليوم. وقد تبِعَني إلى المنزل.» ثم أضاف: «في واقع الأمر، أشكُّ في أنه تبعني أمس، ولم يأتِ اليوم إلا ليتأكَّد من محل إقامتي.»

قال مانفريد: «أنت رجل غريب.»

ابتسم ليون قائلًا: «ربما سأكون أغرَب.» ثم قال مُفكرًا: «كل شيء يعتمد الآن على اعتقاد بروثيرو بأنني تعرَّفتُ عليه من عدمه. فإن كان يعتقد ذلك …»

هزَّ ليون كتفَيه.

وقال باستخفاف: «ليست هذه هي المرة الأولى التي يُحيطني فيها الموت وأتغلَّب عليه.»

لم ينخدع مانفريد بالتهكُّم الذي في نبرةِ صوت صديقه، وقال: «الأمر بالِغُ السوء، أليس كذلك؟» ثم أضاف بهدوء: «الخطر عليه أشدُّ على ما أعتقد. لا أُحبُّ فكرة قتل رجلٍ لأنه عرَفَنا. لا يبدو أن ذلك المسار يتناسَب مع تصوُّري للعدالة.»

قال ليون بانتعاش: «بالضبط، ولن تكون ثَمة حاجةٌ إلى ذلك على ما أعتقد. ما لم يكن، بالطبع، …» ثم توقف.

سأل مانفريد: «ما لم ماذا؟»

«ما لم يكن بروثيرو يُحب زوجته حقًّا؛ ففي هذه الحالة قد يكون الأمر خطيرًا للغاية.»

في صباح اليوم التالي، عرَج إلى غرفة نوم مانفريد حاملًا فنجانَ الشاي الذي يُحضره الخادم عادةً، ونظر إليه جورج في ذهول.

قال: «ما خَطْبك يا ليون، ألم تنَم؟»

كان ليون جونزاليس يرتدي ما أسماه «طقم المنامة»: سُترةً وسروالًا رَماديًّا من صوف الفانلا، مربوطًا بحزام عند الخصر، وقميصًا حريريًّا مفتوحًا عند الرقبة، وزوجين من النِّعال الخفيفة بحيث تكمل ملابسه. لم يتفاجأ مانفريد إذ ربط هذا الزيَّ بالتفكير طوالَ الليل، عندما هزَّ ليون رأسه.

قال: «كنتُ أجلس في غرفة الطعام، أُدخن الغليون في سلام.»

قال مانفريد متفاجئًا: «طوال الليل؟ استيقظتُ في منتصف الليل ولم أرَ أي ضوء.»

قال ليون معترفًا: «جلستُ في الظلام؛ فقد أردتُ سماع الأشياء.»

قلَّب مانفريد كوب الشاي بعناية، وقال: «هل الأمر بذلك السوء؟ هل توقَّعت …»

ابتسم ليون، وقال: «لم أكن أتوقَّع ما حصلت عليه. هلا صنعتَ لي معروفًا يا عزيزي جورج؟»

«ما المعروف الذي تطلبه؟»

«أُريدك ألا تتحدَّث عن السيد بروثيرو لبقية اليوم. وبدلًا من ذلك، أرغب أن تُناقش مسائلَ عِلمية وزراعية بحتة كمُزارِع أندلسي أمين، كما أُريدك أن تتحدَّث باللغة الإسبانية.»

عبَس مانفريد، قائلًا: «لماذا؟»

ثم قال: «أنا آسف، لا يُمكنني التخلُّص من عادةِ طرح التساؤلات بسبب الحَيرة، كما تَعلم يا ليون. الإسبانية والزِّراعة إذن، دون ذكر لبروثيرو على الإطلاق.»

كان ليون جادًّا للغاية وأومأ مانفريد ونهض من على السرير.

سأل بسُخرية: «هل يُمكنني التحدُّث عن الاستحمام؟»

لم يحدُث شيءٌ مثير للاهتمام بشكلٍ خاص في ذلك اليوم. وما كاد مانفريد أن يُشير إلى تَجرِبة ليون والتكهُّن بانحرافِ فكره، حتى رفع ليون إصبع تحذير.

كان بإمكان جونزاليس أن يتحدَّث عن الجريمة، وقد فعل. تحدَّث عن جوانبها العِلمية أكثرَ وشدَّد بشكلٍ خاص على اكتشافه للمجرم المُصاب بعمى الألوان. لكنه لم يَهمِس بكلمة عن السيد بروثيرو.

بعدما تناوَلا العَشاء في تلك الليلة، خرج ليون من الشقة ولما عاد قال: «حمدًا لله يُمكننا الآن أن نتحدَّث دون تفكير.»

سحب كرسيًّا بجانب الحائط وثبَّته جيدًا. وكان فوق رأسه مِروحة صغيرة مثبَّتة على الحائط بمسامير. عندما سمع لها بعضَ الأزيز، أدار مِفكًّا ببراعةٍ ورفع الشبكة الصغيرة من تجويفها، وكان مانفريد يُشاهده بجدِّية.

قال ليون: «ها هو ذا. اسحب كرسيًّا يا جورج.»

تبين «أنه» كان صندوقًا بُنيًّا مسطَّحًا صغيرًا بمساحة أربع بوصات في أربع بوصات، في وسطه تجويفٍ من الفلكانيت الأسود.

قال ليون: «هل تعرفه؟ إنه الهاتف الكاشف. بعبارة أخرى، جهاز استقبال هاتف مزوَّد بجهاز مرفق لتسجيل الصوت.»

«هل كان هناك من يستمع إلى كلِّ ما نتلفظ به؟»

أومأ ليون.

«مرَّ الرجل في الطابق العلوي بيومٍ مُملٍّ وكئيب. أعترف أنه يتحدَّث الإسبانية، وأنني لم أقُل شيئًا بعيدًا عن هذا الفرع من العلوم وهو هوايتي الخاصة.» وأضاف بتواضُع: «لا بد أنه كان يشعر بالملل الشديد.»

استهلَّ مانفريد قائلًا: «ولكن …»

قال جونزاليس: «إنه بالخارج الآن. ولكن للتأكُّد تمامًا …»

بأصابع ماهرة، فصل أحد الأسلاك التي عُلِّق بها الصندوق في عمود فتحة التهوية.

قال موضحًا: «جاء السيد بروثيرو الليلة الماضية. أخذ الغرفة في الطابق العلوي، وطلَبها تحديدًا. علمتُ هذا من النادل الرئيسي. إنه يعشقني لأنني أعطيتُه بالضبط ثلاثة أمثال الإكرامية التي يحصل عليها من النُّزلاء الآخرين في هذه الشقق المفروشة؛ ولأنني أُعطيه ثلاثة أمثال الإكرامية في كثيرٍ من الأحيان. لم أعرف خُطة بروثيرو بالضبط، حتى سمعتُ نقرَ لاقط الصوت وهو ينزله على العمود.»

كان مشغولًا بإعادة تثبيت شبكة فتحة التهوية، ثم أسرع بالنزول حينذاك.

«هل تُريد أن تذهب إلى لامبث اليوم؟ لا أعتقد أن ثمَّة فرصةً كبيرة للقاءِ السيد بروثيرو. من ناحيةٍ أخرى، سنرى زوجة بروثيرو تتسوَّق في الساعة الحادية عشرة في طريق لندن؛ لأنها سيدة تتبع نظامَ حياةٍ مُنتظمًا.»

سأل مانفريد: «لماذا تريدني أن أراها؟»

لم يُسمَح له عادةً برؤية أساليب عمل أيٍّ من مُخطَّطات ليون حتى اقترابِ النهاية الدرامية، التي كانت مبعثَ مُتعة له.

قال ببساطة: «أريدك — بمعرفتِك الواسعة بالطبيعة البشرية — أن تُخبرني: هل هي من نوع النساء اللاتي يُمكن لرجلٍ أصلعِ الرأس أن يرتكب جريمة قتل مِن أجلِهن أم لا؟» فنظر إليه مانفريد بدهشة قائلًا: «والضحية هو …»

ردَّ جونزاليس وانحنى ضاحكًا ضحكةً صامتة على النظرة التي لا تُعبِّر عن شيء على وجه مانفريد: «أنا!»

كانت الساعة الحادية عشرة إلا أربع دقائق بالضبط عندما رأى مانفريد السيدة بروثيرو. شعَر بضغط يدِ ليون على ذراعه ونظر، فقال ليون: «ها هي.»

كانت هناك فتاة تعبُر الطريق. وكانت مُتأنِّقة بدرجةٍ تفوق فتاةً من طبقتها. كانت تحمل حقيبة تسوُّق في يدٍ واحدة مرتدية فيها قفازًا، ومحفظة في اليد الأخرى.

قال مانفريد: «إنها فاتنة الجمال.»

توقَّفَت الفتاةُ للنظر في نافذة محلِّ مجوهرات؛ ومِن ثَمَّ توفَّر الوقت لمانفريد كي يُراقبها. كان وجهُها حلوًا ومفعمًا بالأنوثة، وعيناها كبيرتان وداكنتان، وذقنها الصغير منحسرًا ومستديرًا.

قال ليون: «ما رأيك فيها؟»

قال مانفريد: «أعتقد في الواقع أنها نموذج مثالي للأنوثة الطاغية.»

قال الآخر آخِذًا بذِراعه: «تقدَّمْ وقابِلْها.»

نظرَت الفتاة حولها في البداية متفاجئةً ثم ابتسمَت. توقع مانفريد أن يرى أسنانًا بيضاء وامضةً وشفاهًا قرمزية تبعث ابتسامتها على البهجة. لم يكن صوتُها صوتَ سيدة، لكنه كان هادئًا وموسيقيًّا.

قالت لليون: «صباح الخير يا دكتور. ماذا تفعل في هذا المكان في هذا الوقت المبكِّر جدًّا من الصباح.»

قال مانفريد: «دكتور.»

بإمكانِ جونزاليس التكيُّف لتقمُّص شخصية العديد من المِهَن بغرض الحصول على المعلومات.

قدَّم مانفريد قائلًا: «جئنا للتوِّ من مستشفى جاي. هذا هو الدكتور سيلبرت. إنكِ تتسوَّقين، أليس كذلك؟»

أومأت.

وقالت: «في الحقيقة، لم أكن مُضطرةً إلى الخروج، ولكن ظل السيد بروثيرو بعيدًا في الميناء لمدة ثلاثة أيام.»

سأل ليون: «هل رأيتِ أخاكِ هذا الصباح؟»

انطفأَت الابتسامة من وجه الفتاة.

وقالت باختصار: «لا.»

من الواضح — حسب اعتقاد مانفريد — أنها لم تكن فخورةً بقَرابتها منه على وجه الخصوص. من المُحتمل أنها اشتبهَت في مهنته غير المشروعة، لكنها على أي حالٍ لم تكن لديها رغبةٌ في فتح مُناقشة بشأنه؛ لأنها غيرَت الموضوع بسرعة.

تحدَّثوا لبعض الوقت، ثم تركَتهما معتذرةً ورآها تختفي عبر الباب الواسع لمتجر بقالة.

«حسنًا، ما رأيك فيها؟»

قال مانفريد بهدوء: «إنها فتاة فاتنة الجمال.»

سأل ليون: «أهي من هذا النوع من الفتيات اللاتي من شأنهن أن يجعلن مجرمًا أصلعَ يرتكب جريمة قتل؟»

ضحك مانفريد وقال: «ليس من المُستبعَد، ولكن لماذا يقتلك؟»

ردَّ ليون بالفرنسية: «سنرى.»

عندما عادا إلى شقتهما بعد الظهيرة، وجدا أن البريد وصل وبه ستُّ رسائل. حملَت إحدى الرسائل شارةً ثقيلة على ظرفها مما لفت انتباه مانفريد.

قال وهو ينظر على التوقيع: «اللورد بيرثام. من يكون اللورد بيرثام؟»

قال ليون: «ليس لديَّ دليلٌ بالشخصيات في متناول يدَي، لكن يبدو أنني أعرف الاسم. ماذا يريد اللورد بيرثام؟»

قال مانفريد: «سأقرأ لك الرسالة.

إنها تقول: «السيد المحترم، صديقنا المشترك السيد فير من سكوتلاند يارد سيتناول العشاء معنا الليلة في كونوت جاردنز، وأتساءل عما إذا كنتَ ستَلْحق بنا؟ أخبرني السيد فير أنك أحد أذكى علماء الجريمة في هذا القرن؛ ولأنني أُجري دراسةً خاصة في هذا الشأن، فسأكون سعيدًا بالتعرُّف إليك.»

ثم توقيع «بيرثام»، الذي ذيَّل رسالته أيضًا بقوله:

بالطبع تشمل هذه الدعوة صديقك.»

فرك مانفريد ذقنه.

وقال: «لا أريد حقًّا أن أتناول العشاء متأنقًا الليلة.»

قال ليون على الفور: «لكني أريد؛ بدأتُ أُحب الطبخ الإنجليزي، وعلى ما أتذكر فإن اللورد بيرثام يُحب الملذَّات الدنيوية.»

لم يتوانَ كلاهما ووصَلا إلى المنزل الكبير عند زاوية كونوت جاردنز الساعة الثامنة واستقبلهما خادمٌ أخذ قبعتَيهما ومعطفيهما وقادهما إلى قاعة استقبالٍ كبيرة ومظلمة.

رأيَا رجلًا يقف وظهره إلى المدفأة؛ رجلًا طويل القامة يبلغ من العمر خمسين عامًا وذا لحية ذات شعر رمادي، ما جعله يبدو شبيهًا بالأسد.

جاء بسرعة للقائهما.

وسأل بالإنجليزية: «أيُّكما السيد فوينتيس؟»

ردَّ مانفريد مبتسمًا: «أنا سينجر فوينتيس، لكن صديقي هو عالِم الجريمة.»

قال على عجَل: «مسرورٌ بلقائكما، لكن لديَّ اعتذارًا لكما؛ بسبب بعض سوء الحظ وغباء أحد رجالي، لم تُرسَل الرسالة المُوجَّهة إلى فير. ولم أكتشف ذلك إلا قبل نصف الساعة. أتمنَّى ألا يكون ذلك قد ضايقكما.»

تمتم مانفريد بشيء تقليدي ثم فُتِح الباب لإدخال سيدة.

قال اللورد بيرثام: «أودُّ أن أُقدِّمكما إلى السيدة.»

دخلت امرأة نحيفة ذات طباع حادة وعينَين شاحبتَين وفمٍ ذي شفتَين رفيعتَين، ومسحةٍ من عُبوس جرَّدَتها من أي سحرٍ وهَبه الخالق لها.

فكر ليون جونزاليس — الذي كان يُحلل الوجوه تلقائيًّا — في «غضب، شك، جفاء، غرور».

زاد العبوس عندما مدَّت يدَها الضعيفة.

قالت: «العشاء جاهز يا بيرثام.» ولم تُحاول التلطُّف مع ضيفَيها.

ساد بعضُ الإحراج خلال تناول العشاء؛ فقد كان اللورد بيرثام مُتوترًا، وربما لو كانا أيَّ رجلَين آخرَين غير هذين لانتقل توتره إليهما. بدا هذا الرجل الضخم في حالةِ رُعب من زوجته، إذ تصرَّف باحترام، لدرجة التواضُع في حضورها. وعندما أزاحت وجهَها الفظ عن الغرفة أخيرًا، لم يتكلَّف جهدًا في إخفاء تنفُّسِه الصُّعداء، وقال: «أخشى أننا لم نُقدِّم لكما عشاءً يليق بكما؛ فالسيدة … على خلافٍ بسيط مع طباخي.»

من الواضح أن السيدة معتادة على بعض الخلافات مع الطباخ في المنزل. في سياق المحادثة التي تلَت ذلك، ذكر دون قصدٍ أسماءَ بعض الخدم الذين لم يعودوا في خدمته. تحدَّث في الأغلب عن ملامح وجوههم. وبدا لمانفريد — الذي كان يستمع باهتمامٍ مثل رفيقه — أن اللورد لم يكن ذا سلطةٍ كبيرة على مرءوسيه. ظهر التردُّد في حديثه، وصدرت منه عدةُ زلَّات واضحة، لكن ليون لم يُصحِّح له. وذكر مِن دون قصدٍ أنه كان لديه اهتمام إضافي بالمجرمين لأن حياتَه كانت مهددة.

قال بعد عرضٍ طويل ومُتخبِّط لبعض مراحل عِلم الإجرام، التي كاد مانفريد يُقسِم أنه ما قرأها إلا من أجل هذه المناسبة: «دعونا نصعد وننضم إلى زوجتي.»

صعدوا السُّلَّم العريضَ إلى صالةِ استقبالٍ صغيرة في الطابق الأول. وجَدوها فارغة، ومن الواضح أن اللورد اندهش من ذلك إذ قال: «عجبًا …» وعندئذٍ فُتِح الباب وركضت زوجة بيرثام إلى الداخل. كان وجهُها شاحبًا وشفتاها النحيفتان ترتعشان، وقالت بسرعة: «بيرثام، أنا متأكدة من أنَّ هناك رجلًا في غرفة ملابسي.»

اللورد بيرثام: «في غرفة ملابسك؟» وخرج بسرعة.

كان الرجلان سيَتْبعانه، لكنه توقَّف في منتصف الطريق أعلى الدرَج ولوَّح لهما بأن يتراجعا.

قال: «مِن الأفضل أن تنتظرا مع السيدة. اتصِلي بتوماس يا حبيبتي.»

سَمِعاه يتحرَّك وهما واقفان عند أسفل الدرَج، ثم سمعا صرخةً وصوتَ صِراع. وصل مانفريد إلى منتصف السُّلَّم عندما ارتطم أحدُ الأبواب بالأعلى. ثم جاءت أصواتٌ وطلقات أعقَبها سقوطُ جسم ثقيل.

رمى مانفريد بنفسه على الباب الذي جاء منه الصوت.

قال صوت اللورد بيرثام: «كل شيء على ما يُرام.»

بعد ثانيةٍ حرَّر قُفل الباب وفتحه، قائلًا: «يُؤسِفني أنني قتلتُ هذا الرجل.»

كان المسدس المُنبعِث منه الدخانُ لا يَزال في يده. وفي منتصف الأرضية يتمدَّد رجلٌ رديء الملابس لطَّخ دمُه السجادة الرمادية بلون اللؤلؤ.

مشى جونزاليس بسرعةٍ إلى الجثَّة وقلبها. للوهلة الأولى عرَف أن الرجل قد مات. نظر طويلًا وبجدِّية إلى وجهه، ثم قال اللورد بيرثام: «هل تعرفانه؟»

قال جونزاليس بهدوء: «أعتقد ذلك. أعرف أنه مجرم مصابٌ بعمى الألوان.» لأنه تعرف على أخي السيدة بروثيرو.

عادا إلى منزلهما في تلك الليلة تاركين اللورد بيرثام وقد اختلى به مفتشُ المباحث، والسيدة بيرثام في حالة هستيرية.

لم يتكلم أيٌّ من الرجلَين حتى وصلا إلى شقتِهما. جلس ليون وأطلق تنهيدةً تنمُّ عن الرضا وارتاح على كرسيٍّ كبير بذراعَين وسحب بشوقٍ سيجارًا كريهَ الرائحة.

«ليون!»

لم ينتبه.

«ليون!»

أدار ليون رأسَه وقابلَت عيناه عينَي جورج.

«هل وجدتَ أيَّ شيءٍ غريب فيما حدث من إطلاق النار الليلة؟»

قال ليون: «عدة أشياء.»

«مثل ماذا؟»

«مثل غرابة القدر الذي قاد سليباري بيل — هذا اسم اللِّص — إلى منزل اللورد بيرثام. سطوُه على المنزل ليس مُستغرَبًا، لأنه لصُّ منازل، كما تُسميه.» ثم سأل وهو يلتفُّ مُستديرًا ويُحدِّق عبر الطاولة في مانفريد: «بالمناسبة، هل نظرتَ إلى يد الرجل الميت؟»

قال الآخر متفاجئًا: «لا، لم أفعل.»

«يا للأسف، كنتَ سترى أمورًا أغرب. ما الأمور التي كنتَ تُفكر فيها؟»

«كنتُ أتساءل عن السبب الذي دفع اللورد بيرثام إلى حمل مسدَّس. لا بدَّ أنه كان معه في جيبه أثناء العشاء.»

قال جونزاليس: «يُمكن تفسير ذلك بسهولة. ألا تتذكَّر قوله لنا إن حياته تعرَّضَت للتهديد عبر رسائل مجهولة؟»

أومأ مانفريد وقال: «لقد نسيت ذلك. لكن مَن أغلق الباب؟»

ليون مُبتسمًا: «اللصُّ بالطبع.» ولما ابتسم، عرَف مانفريد أنه يُراوغ. ثم استطرد: «بمناسبة الحديث عن الأبواب المُغلَقة …»

دخل غرفته وعاد بآلتَين صغيرتَين تُشبهان أقراص الأجراس الكهربائية، باستثناء أنَّ هناك سنًّا ملتصقةً بكلٍّ منهما.

أغلق باب غرفة الجلوس ووضَع إحدى هاتَين الآلتَين على الأرضية، وثبَّت المسمار في أسفل الباب بحيث يستحيل فتحُه من دون الضغط على الجرس. ثم جرَّب فتح الباب وصدرت عنه جلجلة حادة.

قال: «لا بأس.» واستدار ليفحص النوافذ.

«هل تتوقَّع قدوم اللصوص؟»

قال ليون: «إلى حدٍّ ما، في الواقع، لا يُمكنني تحمُّل فقداني للنوم.»

لم يكتفِ بإحكام النافذة، فدفع فيها بإسفين صغير، وفعل الشيء نفسَه في النوافذ الإضافية المطلَّة على الشارع.

وقد فعل في بابٍ آخر، يُؤدي إلى غرفة مانفريد من الممر بالخارج، كما فعل في الباب الأول.

في منتصف الليل صدَر رنينٌ مسعور من أحد الأجراس. قفَز مانفريد من السرير وأشعَل النور. كان بابه مُحكَم الإغلاق وأسرَع إلى غرفة الجلوس، لكن جونزاليس سبَقه إلى المكان ووجده يُحقق مع الحارس الضئيل الحجم بجوار الباب. كان الباب مفتوحًا، فدفع المُنبِّه بقدَمِه التي كان منتعلًا فيها شبشبًا.

قال: «تعالَ يا لورد بيرثام. دعنا نُناقش هذا الأمر.»

ساد صمت بضع لحظات، ثم سُمع صوت قدم مُنتعلة شبشبًا ودخل رجل. كان يرتدي ملابسَ كاملة ما عدا القبعة؛ ثم لهث مانفريد حين رأى الرأس الأصلع.

قال ليون: «اجلس واعتبر نفسك في منزلك، ودعني أُخفف عنك ذلك السلاح الفتَّاك الذي تحمله في جيبك؛ لأن هذا الأمر يمكن تدبُّره تدبرًا في غاية السلمية.»

على الرغم من اختفاء كتلة الشعر لدى اللورد بيرثام، تعرَّف عليه مانفريد ولم يُحدق فيه إلا عندما انزلقَت يد ليون اليسرى في جيب زائر منتصف الليل وسحب مُسدسًا وضعه بحذرٍ على رف المدفأة.

غطَس اللورد بيرثام في كرسيٍّ وغطَّى وجهه بيدَيه وساد الصمت لفترة.

استهلَّ ليون الحديث وأجفل مانفريد: «قد تتذكَّر المُبجل جورج فيرنسايد.»

«فيرنسايد؟ عجبًا، كان على متن يخت الأمير …»

جونزاليس موافقًا: «كان على متن يخت الأمير، واعتقدنا اعتقادًا راسخًا أنه لم يربط بيننا وبين المجرمين الهاربين، ولكن من الواضح أنه تعرَّف علينا باسم رجال العدالة الأربعة. أظن أنك حصلت على لقبك منذ حوالي ستِّ سنوات، أليس كذلك يا بيرثام؟»

أومأ الرجل المنحني. اعتدلَ في جِلسته حينئذٍ، ولكن كان وجهه أبيضَ وتكوَّنت هالات سوداء حول عينَيه.

قال: «حسنًا أيها السادة، يبدو أنه بدلًا من أن أنال منكما، قد نلتما أنتما مني. الآن، ما الذي تنويان فعله؟»

ضحك جونزاليس بهدوء.

وقال: «أنا عن نفسي بالتأكيد لن أذهب إلى المحكمة وأقف في منصة الشهود لأشهد بأن اللورد بيرثام متزوج من امرأتين وأنه يعيش مع زوجتَين منذ عدة سنوات لأنَّ هذا يعني أنه يجب عليَّ أيضًا أن أعترف ببعض الأمور غير المريحة عن نفسي.»

لعق الرجل شفتَيه ثم قال دون وضوح:

«جئتُ لأقتلَكما.»

قال مانفريد: «نعلم ذلك. ما القصة يا ليون؟»

قال جونزاليس: «ربما سيُخبرنا اللورد.»

نظر اللورد بيرثام حوله بحثًا عن شيءٍ ما.

قال: «أريد كوبًا من الماء.» ومن ثَم أحضره له ليون.

قال اللورد بيرثام بعد فترة: «هذا صحيح تمامًا. نمى إلى علمي أنكما من رجال العدالة الأربعة. كنتَ صديقًا مقربًا لسموِّه، وبالصدفة كنت على متن اليخت عندما انصرفتما. أخبرني سموُّه بحكايةٍ عن واقعة هروب، ولكن عندما وصلت إلى إسبانيا وقرأت في الصحف عن الهروب، بتُّ متأكدًا تمامًا من هُويَّتِكما. ربما تعرفان شيئًا عن حياتي في بدايتها، وكيف وصلتُ للوقوف أمام صاري المركب باعتباري بحَّارًا عاديًّا وسافرت في جميع أنحاء العالم. لقد كان أسلوب الحياة الذي أرضاني أكثرَ من أي شيءٍ آخر، لأنني تعرفتُ على الناس والأماكن وتعرفتُ عليهم من زاويةٍ لم أكن لأفهمَها بأي طريقة أخرى.» ثم أضاف مُبتسمًا نصف ابتسامة: «إذا أردتَ يومًا أن ترى العالَم، فلتُسافر وتقف على مقدمة المركب.

قابلت مارثا جراي ذات ليلةٍ في إيست إند في لندن في أحد المسارح. عندما كنتُ بحارًا، كنت أتصرَّف كالبحارة. لم تكن علاقتي بأبي على ما يُرام ولم أكن أرغب قطُّ في العودة إلى المنزل. جلسَتْ بجانبي في الجزء الخلفي من المسرح؛ ومِن المُثير للسخرية كما قد يبدو لكما أنني وقعتُ في حُبها.»

قال ليون: «ثم تزوَّجتما؟» لكن الرجل هزَّ رأسه.

قال بسرعة: «لا؛ فقد اقتنعتُ كالأحمق أن أتزوَّج سيادتها بعد ما يقرُب من ثلاثة أشهر، بعد أن سئمتُ من البحر وعُدت إلى ناسي. لقد كانت وريثةً ومن ثَم بات ذلك توافقًا جيدًا معي. كان ذلك قبل أن يرث أبي مال ابن عمه. كانت حياتي مع سيادتها جحيمًا على الأرض. لقد رأيتماها الليل ويُمكنكما أن تُخمِّنا أي نوعٍ من النساء هي. لديَّ احترام كبير جدًّا للنساء وكثيرًا ما أعيش في رهبةٍ منهن فلا يُمكنني ممارسةُ أي سيطرة على مِزاجهن الغادر؛ وإن الحياة البائسة التي عِشتها معها هي ما دفَعني للبحث عن مارثا.»

ثم قال والوميضُ في عينَيه مُتحديًا إنكارَه: «إن مارثا فتاة طيبة. إنها الأنقى، والأعز، إنها أجملُ امرأة على الإطلاق. عندما قابلتها مرة أخرى أدركتُ عُمقَ حبي لها، وكما هو الحال مع فتاة بشخصيتها، لم يكن ثَمة طريقةٌ أخرى، وفي النهاية تزوجتها.»

أضاف: «أصابتني الحُمَّى عندما كنتُ في رحلة إلى أستراليا وفقدت كلَّ شعري. حدث ذلك قبل أن أُقابل مارثا بوقتٍ طويل. أعتقد أنه كان غرورًا من جانبي، ولكن عندما عدتُ إلى حياتي الخاصة وإلى أهلي — مثلما فعلتُ مرة بعد ذلك — طلبتُ أن يُصنَع لي شعرٌ مستعارٌ لغرَضَين، وهما إخفاء مرضي ومنعُ زملاء البحر السابقين من التعرُّف عليَّ.»

قال بابتسامةٍ يتخلَّلها الحزن: «لما صار شعري الصغير رماديًّا، صبغتُ الشعر المستعار باللون الرمادي كذلك، وقد جعلتُه يبدو بمظهرٍ كثيف وشاعري لإتمام تنكُّري.» واستطرد بهدوء: «لم يكن لدى مارثا مشكلة مع رأسي الأصلع، بارك الله فيها! وعِشت معها حياةً تَغمُرها السعادة ولا يُعكِّر صفوها شيء. اضطُرِرت أن أتركها في بعض الأحيان لإدارة شئوني الخاصة. كي أُبرِّر غيابي عنها حينذاك، اعتدتُ الادعاءَ بأنني في البحر، كما اعتدت الادعاء للسيدة أن شئون العمل تستدعيني إلى أمريكا.»

قال جونزاليس: «بالطبع، الرجل الذي أطلقتَ عليه النار هو أخو مارثا غير الشقيق.» وأومأ اللورد بيرثام.

قال: «لم يُوصله إلى منزلي سوى سوء الحظ. يا لسوء حظه! في وسط الصراع، سقط الشعر المُستعار فعرَفَني وأطلقتُ النار عليه.» ثم قال ببساطة: «أطلقتُ عليه النار عمدًا وبدمٍ بارد. ليس لأنه هدَّد بتحطيم سعادتي فحَسْب، بل أيضًا لأنه كان لسنواتٍ يُرهِب أخته ويعيش على دخلها الضعيف.»

أومأ جونزاليس، وقال: «رأيتُ شعرًا رماديًّا في يديه وخمَّنت ما حدث.»

سأل اللورد بيرثام: «الآن ماذا ستفعل؟»

كان ليون يُدخن في ذلك الوقت، وسأله بمِثل ما سأل: «ماذا ستفعل أنت؟ ربما تُريدني أن أقول لك، أليس كذلك؟»

قال الرجل جِدِّيًا: «بلى.»

قال جونزاليس: «ستصطحب زوجتَك الثانية إلى الخارج بمجرد انتهاء هذا التحقيق، وستنتظر وقتًا معقولًا ثم تُقنع زوجتك الأولى بالطلاق. وبعد ذلك ستتزوَّج السيدة بروثيرو باسمك الحقيقي.»

قال مانفريد بعد أن عاد فيرنسايد إلى الغرفة العلوية التي أخذها على أملِ اكتشاف مدى معرفة جونزاليس بأمره: «ليون، أعتقد أنك شخص غير أخلاقي على الإطلاق. ما الذي سيحدث إذا لم تُرِد السيدة بيرثام الطلاق من اللورد؟»

ضحك ليون، وقال: «لا حاجة لها في الواقع إلى الطلاق من اللورد بيرثام؛ لأن سيادته أخبرنا بكذبةٍ صغيرة. لقد تزوَّج مارثا أولًا، وهجرها ثم عاد إليها. لقد عرَفتُ ذلك لأنني فحَصت بالفعل السجلَّين كليهما، وعلمت أنه تزوج السيدة بروثيرو قبل السيدة بيرثام.»

قال مانفريد بإعجاب: «إنك رجل رائع يا ليون.»

قال جونزاليس مُسلِّمًا لقوله: «أنا كذلك بالفعل.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤