لغز لوحة روبنز المسروقة

حقق ماثيو كيل خمسين مليون دولار من تشحيم محاور العجلات، وبعد ذلك بدأ يرعى الفنون الراقية. كان الأمر بسيطًا للغاية: هو لديه المال، وأوروبا لديها الفنانون الكبار. كانت طريقته في الشراء بسيطة كل البساطة. كان في صالة العرض الشاسعة بقصره الرخامي حوالي خمسة آلاف ياردة مربعة يتعيَّن عليه تغطيتها؛ ومن ثَم اشترى حوالي خمسة آلاف ياردة مربعة من اللوحات الفنية. بعضها كان ذا جودة رائعة وبعضها مقبولًا وبعضها سيئًا. كانت اللوحة الرئيسية في المجموعة للفنان روبنز، وقد اشتراها كيل من روما بخمسين ألف دولار.

وبعد أن حصل كيل على مجموعته، قرَّر أن يُجريَ بعض التعديلات على القاعة الفسيحة التي تُعلَّق فيها اللوحات. فأُنزلت وخُزنت في قاعة الرقص — وهي على نفس القدر من الاتساع — حيث وُضعت اللوحات ووجهها مستندٌ إلى الحائط. بينما أقام كيل وأسرته في فندق قريب من القصر.

كان هذا الفندق هو المكان الذي التقى فيه كيل بجول دي ليسبس. كان دي ليسبس فرنسيًّا قُحًّا؛ وكان من نوعية الرجال الفرنسيين الذين تتشابه أحاديثهم بألعاب الجمباز. كان عصبيًّا وألمعيًّا وسريع البديهة، وأخبر كيل بكل ثقة أنه ليس رسامًا فحسب، بل خبيرٌ في الفنون الراقية أيضًا. ونظرًا إلى أن كيل كان مزهوًّا بمقتنياته، تكبَّد مشقةً كبيرةً في عرض مجموعته على دي ليسبس؛ لإدخال السرور على قلبه. جرى ذلك في قاعة الرقص، وبدت بهجة الفنان الحقيقي في عينَي الرجل الفرنسي بينما كان يتلمَّس اللوحات الرائعة. بعض اللوحات جعلته يبتسم؛ إلا أنها كانت ابتسامة مسالمة نوعًا ما.

رفع كيل، بيديه، لوحة روبنز الثمينة وأمسك بها أمام عينَيِ الرجل الفرنسي. كانت لوحة «العذراء والطفل»، أحد الأعمال الإبداعية الرائعة التي صمدت على مر السنين بجمال بريق أيامها الخوالي وألوانها الزاهية. بدت خيبة الأمل على كيل؛ لأن دي ليسبس لم يُبدِ أي حماسة تجاه هذه اللوحة.

هتف قائلًا: «أوه، إنها لوحة للفنان روبنز!»

رد دي ليسبس: «أجل، أرى ذلك.»

«كلَّفَتْني خمسين ألف دولار.»

هز الرجل الفرنسي كتفيه وهو يبتعد: «ربما تساوي أكثر من ذلك.»

نظر إليه كيل باستياء. هل يُحتمل أن دي ليسبس لم يفهم أنها لوحة روبنز، وأن روبنز كان رسامًا، أم أنه لم يسمعه يقول إنها كلفته خمسين ألف دولار؟ كان كيل معتادًا على رؤية الناس يهزون رءوسهم ويفتحون عيونهم في ذهول حين يقول خمسين ألف دولار؛ وبالتالي سأله: «ألم تعجبك؟»

رد دي ليسبس قائلًا: «بالتأكيد، أعجبتني كثيرًا جدًّا. ولكني رأيتها من قبل؛ رأيتها في روما قبل أسبوع تقريبًا من شرائك إياها.»

تفقدا معًا اللوحات، وفي النهاية توقفا أمام لوحة من لوحات ويسلر ليتفقداها عن قرب. كانت إحدى لوحات مجموعة التيمز المرسومة بالألوان المائية. تألَّقَ وجه دي ليسبس بالحماس، وأخذ يقلب النظر عدة مرات بين اللوحة المائية ولوحة روبنز كما لو أنه يقارن في ذهنه بين العمل العصري المرسوم والملون بإتقان، والأسلوب الجريء المتقن للعمل العتيق.

أساء كيل فهم الصمت! ولذا، أوضح معتذرًا: «أنا نفسي أراها متواضعة. إنها لوحة لويسلر، وهذا كل ما في الأمر، لقد كلفتني خمسة آلاف دولار، وكنت مضطرًّا إلى اقتنائها؛ إلا أنها ليست من اللوحات التي تُعجبني. ما رأيك فيها؟»

رد بحماس قائلًا: «أظن أنها في غاية الروعة! إنها روح الفن العصري، ومضمونه.» ثم التفت إلى كيل واستطرد قائلًا: «أتساءل إذا كان يتسنى لي أن أصنع نسخة من تلك اللوحة؟ أنا نفسي أتمتع بقدر من الموهبة في الرسم، وأجرؤ أن أقول إن بإمكاني أن أصنع نسخة مشرِّفة منها إلى حد كبير.»

شعر كيل بالإطراء. وزاد إعجابه أكثر فأكثر بالصورة في كل لحظة. وردَّ قائلًا: «يا إلهي! بالتأكيد. سيتعيَّن عليَّ إرسالها إلى الفندق، ويمكنك أن …»

قاطعه دي ليسبس سريعًا: «كلا، كلا، كلا! لا أريد تحمُّل مسئولية الاحتفاظ باللوحة في عهدتي. فخطرُ اندلاعِ حريقٍ قائمٌ دومًا. ولكن إذا سمحت لي أن آتيَ إلى هنا؛ فهذه القاعة كبيرة وجيدة التهوية والإضاءة، بالإضافة إلى كونها هادئة …»

قال كيل بسماحة نفس: «كما تريد. كنت أظن أن تلك الطريقة ستكون مناسبة أكثر بالنسبة إليك.»

اقترب دي ليسبس ووضع يدًا على ذراع المليونير وقال في حماس: «صديقي العزيز، لو كنت أمتلك هذه اللوحات، فإنه لا يجدر بي أن أستضيف أحدًا في المكان الذي تشغله. وأظن أن المجموعة بحالتها القائمة كلفتك …»

تطوع كيل بفخر قائلًا: «ستمائة وسبعة وثمانين ألف دولار.»

«بالتأكيد لا بد من حمايتها هنا في منزلك أثناء غيابك.»

قال كيل: «يوجد حوالي عشرين خادمًا في المنزل أثناء وجود العمال لإجراء التعديلات؛ وثلاثة منهم لا يفعلون شيئًا سوى مراقبة هذه القاعة. لا يستطيع أحد الدخول أو الخروج إلا بإذني؛ أو بأمرٍ كتابيٍّ منِّي. كلا، يا سيدي، لا يستطيع أحد أن يهرب بأي شيء من هذه القاعة.»

قال دي ليسبس بإعجاب: «ممتاز، ممتاز!» ثم ابتسم قليلًا، واستطرد قائلًا: «أخشى أنني لم أوفِّك قدرك بصفتك رجلَ أعمال بعيد النظر.» استدار وحدق في مجموعة اللوحات في ذهول، ثم قال متشككًا: «رغم ذلك، ربما يقتطع سارق بارع لوحة قيِّمة، لوحة روبنز مثلًا، من الإطار، ويطويها، ويخفيها أسفل سترته، ويهرب.»

ابتسم كيل بلطف وهز رأسه.

وبعد يومين، فتح دي ليسبس في الفندق موضوع نسخ لوحة ويسلر، وأعرب عن شكره الجزيل حين تطوع كيل لاصطحابه إلى القصر ومشاهدة المراحل الأولية للعمل. توقفا عند باب قاعة الرقص.

قال كيل للخادم الواقف لدى الباب والذي يرتدي زيًّا رسميًّا: «جينينجز، هذا السيد دي ليسبس. مسموح له بالدخول والخروج كيفما يشاء. سيقوم ببعض الأعمال هنا في قاعة الرقص. احرص على عدم إزعاجه.»

لاحظ دي ليسبس أن لوحة روبنز مستندة في تهاون على لوحات أخرى، ووجه العذراء المقدس موجه نحوه. اعترض قائلًا: «حقًّا، يا سيد كيل هذه اللوحة قيِّمة للغاية لدرجة أنه لا يجوز تركها على هذا النحو. إذا سمحت فاجعل الخدم يُحضرون لي قماش اللوحات المائية، سأقوم بتغليفها ووضعها على الطاولة بعيدًا عن الأرضية. هب أنه توجد فئران هنا!»

شكره كيل. أُعطيت الأوامر الضرورية، وفي النهاية غُلِّفت اللوحة بحرص ووضعها في منأى عن الأضرار المحتملة، وهكذا عدَّل دي ليسبس من وضعه ووضع الورق وحامل اللوحة والكرسي وكل شيء وبدأ عمله لنسخ اللوحة. تركه كيل هناك.

وبعد مرور ثلاثة أيام، مر كيل بالصدفة ووجد الفنان لا يزال منكبًّا على عمله.

أوضح قائلًا: «لقد مررتُ لأرى كيف تسير وتيرة العمل في صالة العرض. سينتهي العمل في غضون أسبوع. آمل ألَّا أكون قد أزعجتك.»

قال دي ليسبس: «كلا، على الإطلاق. لقد أوشكت على الانتهاء. انظر ما حققتُه من تقدم.» ثم وجَّه حامل اللوحة نحو كيل.

حوَّل المليونير بصره من اللوحة المنسوخة إلى اللوحة الأصلية الموضوعة على كرسي قريب، وفي عينَيْه نظرة إعجاب صادقة لمجهودات الفنان. وهتف قائلًا: «يا إلهي! إنها رائعة! إنها بنفس جودة اللوحة الأخرى، أراهن أنك لا تريد خمسة آلاف دولار أخرى مقابلًا لها؛ أليس كذلك؟»

هذا كل ما قيل عن الأمر حتى تلك اللحظة. تجوَّل كيل في البيت لمدة ساعة أو نحو ذلك، ثم مر على قاعة الرقص حيث كان يجمع الفنان أدواته، وعادا إلى الفندق. حمل الفنان نسخته من لوحة ويسلر تحت ذراعه وهي ملفوفة على نحو غير محكم.

مر أسبوع آخر، ورحل العاملون المشاركون في تزيين وإعادة وضع اللمسات الأخيرة على المعرض. وتطوع دي ليسبس في عملية إعادة تعليق اللوحات، وأسند كيل له الأمر بكل سعادة. وفي فترة ما بعد ظهيرة اليوم الذي بدأ فيه هذا العمل قام دي ليسبس، وهو يدردش بكل سرور مع كيل، بتمزيق القماش الذي يخفي لوحة روبنز القيمة. توقف لبرهة وهو يهتف في جزع. لقد اختفت اللوحة؛ وبقي الإطار الذي كان يحيطها فارغًا. أظهرت قطعة صغيرة من القماش متبقية حول الحافة الداخلية أن مُدْيَةً حادةً استُخدِمت لقطع اللوحة.

نَمَت كل هذه الوقائع إلى علم البروفيسور أوجستس إس إف إكس فان دوسن — الشهير بآلة التفكير. كان هذا بعد مرور يوم أو نحو ذلك من ذهاب كيل مُسرعًا إلى مكتب المحقق مالوري بمقر الشرطة، ومعه بلاغ بأن لوحة روبنز قد سُرقت. وقد ضرب بقبضته على مكتب المحقق وصرخ فيه.

وأعلن بنبرة غاضبة: «لقد كلَّفتْني خمسين ألف دولار! لماذا لا تفعل شيئًا؟ لماذا تجلس هنا تحدق فيَّ هكذا؟»

نصحه المحقق قائلًا: «لا ترهق نفسك يا سيد كيل. سأكلف رجالي على الفور باستعادة اﻟ … اﻟ … ما هي الروبنز على أي حال؟»

صاح السيد كيل بصوت عالٍ: «إنها لوحة! قطعة قماش عليها رسمة، لقد كلفتني خمسين ألف دولار … لا تنسَ ذلك!»

وهكذا، حُشِد جهاز الشرطة لاستعادة اللوحة. وفي الوقت المحدد، لفت الأمر نظر الصحفي هاتشينسون هاتش. وقد عرف الوقائع التي سبقت اختفاء اللوحة، ثم اتَّصل بدي ليسبس. وجد الفنان في حالة انفعال كادت تصل إلى الهيستريا؛ وتسببت إشارة من الصحفي إلى الهدف من زيارته في جعل دي ليسبس ينفجر في الكلام.

صاح قائلًا: «يا إلهي! هذا شنيع! ماذا يمكنني فعله؟ كنت أنا الشخص الوحيد الموجود في القاعة على مدار بضعة أيام. كنت أنا الشخص الذي تكبَّد مشقة الحفاظ على اللوحة. وها هي قد اختفت! خسارة لا تُعوَّض. ماذا يمكنني فعله؟»

لم يكن لدى هاتش أي فكرة واضحة حيال ما يمكنه فعله، ومن ثَم تركه يواصل حديثه. وأخيرًا قاطعه قائلًا: «كما فهمت، سيد دي ليسبس، طوال فترة تواجدك هناك، لم يكن ثَمَّةَ أحد آخر غيرك أنت والسيد كيل؟»

«نعم، لم يكن ثَمَّةَ أحد.»

«وأظن أن السيد كيل قال إنك كنت تنسخ لوحة مائية شهيرة، أليس كذلك؟»

جاءت إجابته: «بلى، مشهد لنهر التيمز، للفنان ويسلر. هذا كل شيء، كانت معلقة فوق رف المدفأة.»

نظر هاتش إلى اللوحة بإعجاب. كانت نسخة بديعة أظهرت لمسة أنيقة لرجل هو نفسه فنان صاحب موهبة كبيرة.

قرأ دي ليسبس الإعجاب على وجهه. ثم قال متواضعًا: «ليست سيئة. لقد درست مع كارولوس دوران.»

وعلاوة على كل ما عُرف حتى الآن، وبجانب هذه المعلومة الإضافية الصغيرة — التي لا تبدو ذات قيمة خاصة بالنسبة إلى الصحفي — عُرض الموضوع برمته على آلة التفكير. استمع ذلك الرجل الذائع الصيت إلى القصة من البداية حتى النهاية دون الإدلاء بأي تعليق.

وأخيرًا تساءل: «من لديه صلاحية دخول القاعة؟»

جاء الرد: «هذا ما تعمل عليه الشرطة في الوقت الراهن. هناك بضع عشرات من الخدم في المنزل، وأظن أنه بالرغم من أوامر كيل الصارمة، كان هناك قدر من التراخي في تنفيذها.»

قال آلة التفكير بنبرة صوت منزعج على الدوام بدا جليًّا أنه جزء من شخصيته: «بالتأكيد، هذا يزيد الأمر صعوبة. لعله سيكون من الأفضل لنا جميعًا أن نذهب إلى منزل السيد كيل ونحقق في المسألة بصفة شخصية.»

استقبلهما كيل بالتحفُّظ الذي يبديه جميع الأثرياء في حضور ممثلي الصحافة. وحدق بوضوح وبقدر من الفضول في البنية الضئيلة للعالِم الذي أوضح الهدف من زيارتهما.

أكد لهما المليونير: «أعتقد يا رفيقان أنكما لا تستطيعان فعل أي شيء بصدد هذا. لديَّ بعض المحققين المحترفين الذين يعملون على هذا الأمر.»

سأل آلة التفكير باقتضاب: «هل السيد مالوري هنا الآن؟»

«أجل، هو في نُزل الخدم بالطابق العلوي.»

تساءل العالم بنبرة دمثة يعرفها هاتش جيدًا: «هلا ألقَيْنا نظرة على القاعة التي سُرقت منها اللوحة.»

منحهما كيل الإذن بإشارة من يده وقادهما إلى قاعة الرقص حيث جرى تخزين اللوحات. ومن وسط هذه القاعة تقريبًا، عاين آلة التفكير كل شيء. كانت النوافذ عالية. ستة أبواب تقود إلى الأروقة، ومنها إلى صوبة النباتات، بالإضافة إلى أركان القصر الهادئة، كل هذا وفَّر احتمالات لا حصر لها لإمكانية الدخول. بعد هذه المعاينة الطويلة والشاملة، توجه آلة التفكير إلى الإطار الذي اقتُطعَت منه لوحة روبنز والتقطه. وظل يفحصه لوقت طويل. كان نفاد صبر كيل واضحًا على نحو أليم. في النهاية، التفت إليه العالم.

وتساءل: «إلى أي مدى تعرف السيد دي ليسبس؟»

«أعرفه منذ حوالي شهر فقط. لماذا؟»

«هل قدم لك خطاب تعريف، أم التقيت به صدفة؟»

نظر إليه باستياء واضح ثم قال بنبرة حادة: «لا دخل بعلاقاتي الشخصية في هذا الأمر بتاتًا. السيد دي ليسبس رجل نبيل يتسم بالأمانة، وبالتأكيد هو آخر شخص أشك في أن له صلةً باختفاء اللوحة.»

قال آلة التفكير بنبرة حادة: «هذا هو الوضع عادةً.» التفت إلى هاتش وتساءل: «ما مدى جودة النسخة التي صنعها للوحة ويسلر؟»

أجاب هاتش: «لم أرَ اللوحة الأصلية من قبل، إلا أن البراعة الفنية كانت فائقة. لعل السيد كيل لن يعترض على أن نرى …»

قال كيل في استسلام: «أوه، بالطبع كلا، تفضَّلا، إنها في المعرض.»

فحص هاتش اللوحة فحصًا دقيقًا. وكان رأيه: «عليَّ أن أقول إن النسخة مثالية تقريبًا. بالطبع، في غياب اللوحة الأصلية، لا يمكنني القول إنها مثلها بالضبط؛ ولكنه بلا شك عمل ممتاز.»

أُزيح الستار المنسدل على باب مفتوح على مصراعيه أمامهم تقريبًا، ثم دخل المحقق مالوري. كان يحمل شيئًا في يده، ولكن ما إن رآهم حتى أخفاه وراء ظهره، وتهلل وجهه بنصر مؤزر.

قال: «أوه، بروفيسور، نحن نلتقي كثيرًا، أليس كذلك؟»

اشتكى كيل إلى المحقق قائلًا: «يبدو أن هذا الصحفي وصديقه هنا يحاولان استدراج دي ليسبس إلى هذه القضية بشكل أو آخر. لا أريد أن يحدث أي شيء كهذا. من الممكن أن يخرج الصحفي ويطبع أي شيء. إنهم يفعلون ذلك دومًا.»

حدق آلة التفكير بحزم في عينَيْهِ مباشرة لدقيقة، ثم مد يده نحو مالوري وتساءل قائلًا: «أين وجدتها؟»

قال المحقق في تهكم: «آسف على خيبة ظنك، يا بروفيسور، ولكن هذه هي إحدى المرات التي تأخرت فيها قليلًا.» ثم أظهر الشيء الذي كان يخبئه وراء ظهره، ثم قال: «إليك لوحتك، سيد كيل.»

تنفس كيل الصعداء قليلًا وشهق في ذهول ورفع قماش اللوحة بكلتا يديه ليتفحصها. وقال للمحقق: «رائع! أرى أنك لم تخسر أي شيء كهذا. يا إلهي! هذه اللوحة كلفتني خمسين ألف دولار!» يبدو أن كيل لم يكن قادرًا على تخطي ذلك.

انحنى آلة التفكير إلى الأمام ليحدق في الزاوية العلوية من الجانب الأيمن للوحة وتساءل مرة أخرى: «أين وجدتها؟»

أوضح مالوري قائلا: «وجدتها في قاع صندوق ثياب بغرفة أحد الخدم. كانت ملفوفة بإحكام ومخبأة. الخادم اسمه جينينجز. هو معتقل حاليًّا.»

صاح كيل قائلًا: «جينينجز! يا إلهي! إنه يخدم لديَّ منذ سنوات.»

تساءل العالم في هدوء: «هل اعترف؟»

رد مالوري قائلًا: «بالطبع لا! قال لا بد أن بعض الخدم الآخرين خبئوها هناك.»

أومأ آلة التفكير إلى هاتش وعلَّق قائلًا: «أعتقد أنه ربما يكون هذا كل شيء. أهنئك سيد مالوري على حل القضية بهذه السرعة والوصول إلى نتيجة مرضية.»

وبعد مرور عشر دقائق، غادرا المنزل واستقلا سيارة إلى منزل العالم. تضايق هاتش قليلًا من النهاية غير المتوقعة للقضية وظل في حالة تأمل صامت لبعض الوقت.

وفي النهاية قال متسائلًا: «أبدى مالوري لمحة عابرة من الذكاء البشري، أليس كذلك؟»

قال آلة التفكير بفظاظة: «لم ألحظ ذلك قط.»

أصر هاتش قائلًا: «ولكنه عثر على اللوحة.»

«بالتأكيد، عثر عليها. لقد وُضعت له هناك ليعثر عليها.»

كرر الصحفي قائلًا: «وُضعت له هناك ليعثر عليها! ألم يسرقها جينينجز؟»

«إذا سرقها، فهو أحمق.»

«حسنًا، وإذا لم يسرقها، فمن وضعها هناك؟»

«دي ليسبس.»

كرر هاتش: «دي ليسبس! ولماذا — بحق السماء — يسرق لوحة بقيمة خمسين ألف دولار ويضعها في صندوق ثياب الخادم ليُعثَر عليها؟»

تململ آلة التفكير في مقعده وحدق فيه ببرود لدقيقة، ثم قال بصراحة: «أحيانًا، أندهش تمامًا من غبائك يا سيد هاتش. يمكنني أن أفهم ذلك في رجل مثل مالوري، إلا أنني دومًا أُثني عليك بصفتك رجلًا فطِنًا سريع البديهة.»

ابتسم هاتش عند سماع التوبيخ. لم تكن هذه هي المرة الأولى التي سمع فيها هذا. ولكن لم يقولا شيئًا بخصوص القضية محل النظر حتى وصلا إلى مكتب آلة التفكير.

حينئذٍ قال العالم: «السؤال الحقيقي الوحيد الذي يدور في رأسي سيد هاتش هو ما إذا كان ينبغي عليَّ أن أتكبد المشقة لاستعادة لوحة السيد كيل أم لا. هو راضٍ تمامًا، وعلى الأرجح لن يعرف الفارق مطلقًا. إذن …»

فجأة لاحظ هاتش شيئًا، فصاح قائلًا: «رباه! هل تقصد أن اللوحة التي عثر عليها مالوري كانت …»

أكمل العالم: «نسخة من اللوحة الأصلية. أنا شخصيًّا لا أفقه شيئًا في الفنون؛ ومن ثَمَّ لا أستطيع أن أحدد من مجرد الملاحظة أنها نسخة؛ ولكنني عرفت ذلك من منطق الأمور. حين اقتُطعت اللوحة الأصلية من الإطار، انحرفت السكينة قليلًا عند الزاوية العلوية ناحية اليمين. عرفت ذلك من قطعة القماش المتبقية داخل الإطار. والصورة التي عثر عليها السيد مالوري لا تتطابق مع هذه التفاصيل الخاصة بقطعة القماش المتبقية داخل الإطار. النتيجة واضحة.»

«دي ليسبس لديه اللوحة الأصلية؟»

«دي ليسبس لديه اللوحة الأصلية. كيف حصل عليها؟ بطريقة من عدة طرق. لعله قام بلفها وحشرها تحت معطفه. ربما لديه شريك في الجريمة. ولكن لا أظن أنه راق له أي طريقة تقليدية للسرقة. وأنا أُثني على براعته، كما ينبغي لي أن أفعل عند مراجعة القضية برمتها.

على سبيل المثال، لقد أخذ الإذن لينسخ لوحة ويسلر، التي رأيتها في نفس حجم لوحة روبنز. كان الأمر مضمونًا. لقد نسخها تحت الحراسة الخاصة، ومع وجود احتمالية دومًا أن يمر السيد كيل عليه. لقد استغرق ثلاثة أيام لينسخ اللوحة، كما قال. ظل في القاعة وحده طوال ذلك الوقت. كان يعرف أن السيد كيل ليس لديه أدنى فكرة عن الفنون. وباستغلال جهله، ليس هناك أسهل من نسخ لوحة روبنز الزيتية. كان بإمكانه إزالتها من الإطار على الفور بعد أن يثبت القماش عليها، وأن يبقيها في موضع قريب منه حيث يمكن أن يخبئها سريعًا إذا قُوطِع. تذكر أن اللوحة قيمتها خمسون ألف دولار، ومن ثَمَّ تستحق العناء.

دي ليسبس فنان — نحن نعرف ذلك — وبما أنه يتعامل مع شخص لا يفقه شيئًا عن الفنون أيًّا ما كانت، فهو ليس لديه مخاوف. لعلنا نفترض أن فكرته تمثلت في استخدام نسخة لوحة روبنز كطُعم بعد أن يهرب باللوحة الأصلية. وكما لاحظت لم يعرف مالوري الفارق، وكان الوضع آمنًا بالنسبة إليه بافتراض أن كيل لن يكتشف الأمر. كان الخطر الوحيد أمامه حتى يمكنه الهرب بأمان هو احتمالية أن يرى النسخة أحد النقاد أو الخبراء. وتمثلت الجرأة التي رأيناها على نحو جلي في أنه سمح لنفسه باكتشاف السرقة؛ وأنه اكتشفها بعد أن تطوع بمساعدة السيد كيل في إعادة تعليق اللوحات في المعرض. لا أعرف كيف وضع اللوحة في صندوق ثياب جينينجز. يمكننا تخيل طرق كثيرة.» استلقى في مقعده لدقيقة دون أن يتفوه بكلمة، وشخَصَ بنظره إلى أعلى في ثبات، ثم ضم أطراف أصابعه بإحكام.

وأضاف: «الشيء الوحيد المتبقي هو العثور على اللوحة. إنها في غرفة دي ليسبس الآن — لقد أخبرتني بذلك — ومن ثَم نحن نعرف أنها في مأمن. أنا واثق أنه يعرف أنه إذا حاول أن يهرب، فإنه سيكون موضع شك حتمًا.»

تساءل هاتش: «لكن كيف أخذ اللوحة من منزل كيل؟»

جاءت الإجابة المدهشة: «على الأرجح أخذها تحت ذراعه في اليوم الذي غادر فيه المنزل مع السيد كيل.»

كان هاتش يحدق به في ذهول. وبعد برهة، وقف العالم ودخل إلى الغرفة المجاورة، ورن جرس الهاتف هناك. وحين عاد إلى هاتش مرة أخرى، أمسك قبعته وخرجا معًا.

كان دي ليسبس بالداخل حين أظهرا بطاقتيهما واستقبلهما. تحدثوا بخصوص القضية عمومًا لعشر دقائق، في حين تجول العالم ببصره في أرجاء الغرفة متحريًا إياها. وأخيرًا، سمعوا طرقًا على الباب.

قال آلة التفكير: «إنه المحقق مالوري، سيد هاتش. افتح الباب له.»

بدا دي ليسبس مندهشًا للحظة، ثم استجمع نفسه سريعًا. امتلأت عينا مالوري بالأسئلة حين دلف إلى الداخل.

بدأ آلة التفكير حديثه بهدوء قائلًا: «أود منك، يا سيد مالوري، أن تلتفت إلى هذه النسخة من لوحة السيد كيل التي رسمها الفنان ويسلر، والموضوعة فوق رف المدفأة. أليست ممتازة؟ لقد رأيت اللوحة الأصلية؟»

تمتم مالوري. شحب وجه دي ليسبس فجأة، بدلًا من أن يعرب عن تقديره للمجاملة، وأحكم غلق قبضتيه. ثم استعاد رباطة جأشه مرة أخرى وابتسم.

واصل العالم حديثه: «لا يكمن جمال اللوحة في مطابقتها للنسخة الأصلية وحسب؛ وإنما يكمن في حقيقة أنها رُسمت تحت ظروف استثنائية. على سبيل المثال، لا أعرف إذا كنت تعلم يا سيد مالوري أنه من الممكن أن تخلط الصمغ والمعجون وأشياء أخرى مألوفة لتصنع عجينة قد تلطخ لوحة زيتية بنجاح، وتوفر في الوقت نفسه سطحًا ممتازًا لرسم اللوحات المائية.»

سادت لحظة توقف قصيرة، حدق فيه الرجال الثلاثة في صمت، وعلى وجه كل منهم مشاعر متضاربة.

استطرد العالم في هدوء قائلًا: «هذه اللوحة المائية، هذه النسخة من لوحة ويسلر، مرسومة على هذا المعجون الذي وصفته. وهذا المعجون بدوره يخفي لوحة روبنز الأصلية. يمكن نزعها بالماء دون إتلاف اللوحة المرسومة بالزيت، هكذا، بدلًا من أن نحصل على نسخة من لوحة ويسلر، حصلنا على لوحة روبنز الأصلية، بقيمة خمسين ألف دولار. هذا صحيح يا سيد دي ليسبس، أليس كذلك؟»

لم يأتِ رد على السؤال، لا أحد يحتاج إلى رد. وبعد مرور ساعة، وبعد إيداع دي ليسبس في زنزانته، اتَّصل هاتش بآلة التفكير وسأله سؤالًا واحدًا.

«كيف عرفت أن اللوحة المائية مرسومة على لوحة روبنز؟»

جاءت الإجابة: «لأنها الطريقة الوحيدة الآمنة التي يمكن أن تُفقد بها اللوحة على نحو ييئس أمامه من يبحث عنها، وفي الوقت نفسه يتم الحفاظ عليها على نحو مثالي. قلت لك إن دي ليسبس رجل ذكي، والباقي يأتي حله بقليل من المنطق. اثنان زائد اثنان يساوي دومًا أربعة، سيد هاتش، ليس أحيانًا وإنما دومًا.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤