الفصل الثالث
الفصل الثالث
(١) الفضاء الإلكتروني Cyberspace
في أعوام السبعينيات، وبدافع التجريب المسرحي، تحولَت بعض الأبحاث النظرية لتسلك
طرقًا
بعيدة جدًّا عن تلك التي عرفَتها التقاليد في الإطار المسرحي. وكان يتم في الوقت
ذاته،
تحليل الطقوس الصوفية-الدينية لبعض الثقافات القبلية واتجاه الحدث النيويوركي، ومدن
الملاهي ذات الموضوع المحدَّد؛ ففي محاولة للعثور على جذور لإعادة التأسيس المسرحي
سيبدو
لنا واضحًا أنه، حتى في المجتمع الجماهيري، تبقى آنيَّة الحدث وتزامنه إحدى الدعامات
الأساسية للخبرة الاستعراضية.
١
ليس مهمًّا لو أن فضاء العرض مسردٌ على الطريقة الإيطالية أو زاوية طريقٍ ما، لا يُوجَد
فارقٌ إذا عمل الممثلون أعضاء دائمين في فرقة أو شبابًا من إحدى القبائل البعيدة،
بل يمكن
قيادة كل شيء لجذورٍ مشتركةٍ خاصة بحدثٍ استعراضي، وكانت تلك الجذور تتفق مع هُوية
الفضاء
المؤقَّت الذي تم تأسيسه بين أولئك المشاركين في الحدث.
وحيث إن هذه المعالجة تدل على تسامحٍ خاصٍّ تجاه تعميم الجدل وحدود العلوم الدراسية
التي
تتحرك المعالجة بداخلها، فإنه بالتأكيد له الفضل في تمييز أحد جذور الخبرة المسرحية
لإحدى الخصائص المميزة والمؤكدة، والتي تدعم الوجود بين فنون العصر. كان ذلك في تلك
الأعوام التي شهدَت قوة تأثير الوسائل السمعية والبصرية (السينما والتليفزيون)، والتي
بدأ
فيها القطاع الاستعراضي كله يتساءل عن سماته الخاصة. وكان تميُّز المسرح بين الفنون
الاستعراضية الأخرى، يكمُن بالضرورة في ذلك الوجود الجسدي المشترك بين الممثلين
والمتفرجين في مكان العرض، فإذا كان التليفزيون هو نافذتنا على العالم، والقصص العظيمة
شردَت على الشاشة الكبيرة في السينما، فإن المسرح بالتالي مجبَر على التفكير مرةً
أخرى في
شروط وجوده الخاص في الثقافة المعاصرة، وأصبح يفعل ذلك من خلال العودة إلى جذوره،
وإلى
عناصره الأصلية.
ويدفع تطوُّر التكنولوجيات الخاصة بالوسائط المتعددة الرقمية إلى إعادة التأمل في
تلك
الاعتبارات، ويطالبنا بتفكيرٍ متجدِّد.
إن فكرة التحويل إلى الافتراضي virtualizzazione،
والتي قدَّمها ليفي Levy عملَت على توسيع فكرتنا عن
الوجود، وتطرح للمناقشة المقصود بعبارة «هنا والآن». تبعًا للفيلسوف الفرنسي، فالوجود
لا
يرتبط حاليًّا بشكلٍ فردي، مع الوجود في مكانٍ ما، بل ويفترض الخروج من المكان.
إن «الوجود – هنا» هو الترجمة الحرفية للكلمة الألمانية
Dasein التي تعني في الفكر الألماني الفلسفي الكلاسيكي الوجود
المقصور على الإنسان — أن أكون إنسانًا — لدى هايدجر؛ وبالتالي فهو الوجود الحر
من
أي ارتباطٍ بالمكان؛ وبالتالي عن طريق شغل أي فضاءٍ ملموس (أين يمكن وضع الهاتف
في
إطارٍ كهذا؟)، إن الوجود فقط بين أشياء واضحة «المكان»، أو عدم الوجود فقط في
«المكان» (كأي كائن مفكر)، كل هذا لا يمنع الوجود. إذن هل الوجود يشير إلى الوجود
في
مكانٍ أو الخروج من المكان؟ هل هو الوجود أم الكينونة؟ وكأن المصطلح الألماني يشير
إلى الآنيَّة والمصطلح اللاتيني يشير إلى النزعة الافتراضية
virtualizzazione.
٢
يصل ليفي، على الطريق المفتوح لنظريات هايدجر حول معنى الوجود، إلى بعض الاستنتاجات
المستقلة، والتي تهدف إلى تأملٍ مختلف حول الوجود في عالم المعلومات الرقمية. وللإيجاز
يمكن أن نقول إن عمليات التحويل الافتراضي تحرِّر وجودَ الإنسانِ من قوانين الفضاء
والزمن،
بل ويمكن أن نقول بدقةٍ أكثر إن الوجود يتم ليس خارج الفضاء والزمن، ولكن أيضًا بطريقةٍ
مختلفة للوجود في الزمن والمكان.
وكما تطلَّع رواد النزعة المستقبلية الإيطالية، فمن خلال وجود الفورية والتوزيع المقسَّم
أو المقاييس الموازية، أصبحَت الخبرة الفنية تتفجَّر في مواجهة خصائص المجتمع المعاصر؛
التفاعلات في الزمن الواقعي من خلال الشبكات الإلكترونية، نقل الأحداث على الهواء
مباشرة، أنظمة الاشتراك تليفزيونيًّا، جميعُها تفكِّك تمامًا وحدة الزمان ومكان وقوع
الخبرة
نفسها، وتبدو حاليًّا استمرارية الحدث مقبولةً بالرغم من انقطاع مدَّته، كما في الاتصالات
عَبْر
جهاز تسجيل الرسائل الهاتفية، أو البريد الإلكتروني، أو رسائل المحمول). وأصبحَت
عملية
المزامنة Synchronisation تحتل وحدة المكان، وأصبح
الاتصال الداخلي Interconnection يحلُّ محلَّ وحدة
الزمن.
ولم يعُد هذا يحدث فقط على مستوى الخبرات الخيالية أو الميتافيزيقية؛ فالافتراضي ليس
هو
التخيُّلي أو غير الواقعي، بل ينتج الافتراضي تأثيراتٍ في المكان والأوان (هنا) والآن؛
فعلى الرغم من أننا لا نعرف أين تمَّت المكالمة الهاتفية لا يمكننا أن ننكر أنها
حدثَت في
العالم الواقعي.
وقد رسمت منذ فترة إمكانية الاتصال على شبكة المعلومات، سواء الإنترنت أو أي نوعٍ
آخر،
بالإضافة إلى انتشار الأدوات التكنولوجية الضرورية لهذا الهدف، رسمت «حدوث» بيئة
جديدة
نتحرك في إطارها، فضاء جديد نُوجد بداخله. إن حروف
w
الثلاثة اختصار لعبارة
world wide web لم تعُد تعني فقط
مجرد سلسلة «ملفات» يمكن تخيُّلها أو مجموعة صفحات يُمكِن الاطلاع عليها، بل أصبحَت
تمثِّل
مكانًا يمكن بداخله القيام بعدة أنشطة من التجارة إلى البحث عن المعلومات، ومن اللقاءات
بين الأصدقاء إلى ممارسة الجنس على الإنترنت
online. إن
أشكالَ — لم تنتشر بعدُ — ووسائلَ الاتصال التي نستخدمها
plug-in وما يتصل بها من الأدوات والمتصفحات حوَّلَت شبكة
الإنترنت إلى مكانٍ يمكن فيه أن تحدث أشياء، وتقع أحداث. يكفي أن نفكِّر في نجاح
بعض
منتجات الماكروميديا مثل ®
Flash أو ®
Shockwave والمواصفات الجديدة –
mpeg،
٣ إلى الفيديو المضغوط، ولغات
PD المعطيات
الصِّرفة
Pure data، لنفهم كيف أصبحَت شاشة الحاسوب
تدريجيًّا أشبه بالشاشة السينمائية، أو تبعًا لما أشرتُ إليه بالفعل في أبحاث بريندا
لوريل
Brenda Laurel أشبه بخشبة المسرح يتحرك فوقها
الممثلون وأشياءُ أخرى. ولنشارك في هذا العالم يجب أن نتفاعل نحن أيضًا مع ما يحدث
فيه.
وكل هذا يعني في كلمةٍ واحدةٍ الفضاء السايبر (الفضاء الإلكتروني)
Cyberspace أو الواقع الافتراضي. وهو المصطلح الذي وُلِد
في إطار الخيال العلمي عن حكاية
Neuromancer التي
كتبها وليم جيبسون
William Gibson عام ١٩٨٤م، ويُعرف بُعدٌ
جديدٌ يمكن للإنسان فيه أن تكون لديه خبرةٌ حسية.
٤
يُستخدم المصطلح حاليًّا بمعانٍ كثيرةٍ مختلفة، واتسعَت خلفياته الدلالية إلى حدٍّ
كبير؛ فمن
جهة، ما زال يحمل المذاق التخيُّلي لغربٍ بعيدٍ جديد حيث يتطلع المرء للذهاب بحثًا
عن
المغامرات، ومن جهةٍ أخرى يتخذ شكل الإطار الميداني الجديد، الذي فيه نفقد أنفسنا
في
وسائل لهوٍ لا حد لها. وكما يشير
Lev Manovich في هذا
الأفق تتعايش هوياتٌ متباينة إلى حدٍّ كبير بداية من البطل السايبر
(الفضائي)
cyber-hero إلى المتسكِّع
الباحث عن المعلومات
data-flaneur.
٥ جعل الرقم المتزايد دائمًا
للاتصال بشبكة الإنترنت، وانتشار وسيلة الاتصال
broadband وجعل الفضاء السايبر (باستثناءاته الواسعة)
يرتبط مع ذلك الموجود وراء شاشة الحاسوب؛ فضاءً لإنجاز الأعمال، فضاءً للهو، للعلاقات
الشخصية؛ حيث الحدود الإنسانية الطبيعية (مثل الحدود الجغرافية الزمنية والأخلاقية
…
إلخ) قد أُعيد تشكيلُها.
عُقد المؤتمر الدولي الأول عن الفضاء الإلكتروني
International Conference on Cyberspace
(Cyberconf)، عام ١٩٩١م، بناءً على رغبة مايكل بنيديكت
Michael Benedikt، الذي شغل آنذاك منصب مدير قسم
العمارة في جامعة تكساس أوستن،
٦ وأثبت أنه يُوجَد اهتمامٌ متزايد وقوي بهذا الموضوع، والاهتمام ليس فقط من
ناحية خبراء المعلوماتية، ولكن أيضًا وربما بصفةٍ خاصة، من قِبل المهندسين المعماريين
والفلاسفة، وعلماء الاجتماع والفنانين، والأحاديث حول هذا العالم الموازي واللانهائي
تطوَّرَت من نواحٍ متعدِّدة. وما يتناسب أكثر مع موضوعنا هو الأسئلة المتعلقة بوجود
الفرد في
الفضاء الإلكتروني.
أوضحَت سالي جان نورمان
Sally Jane Norman باحثة
فرنسية/نيوزيلاندية، ومهتمة بالعلاقات بين العرض المسرحي والتكنولوجيا الحديثة، في
محاضرة
ألقتها في مؤتمر الفضاء الإلكتروني الخامس في مدريد، عام ١٩٩٦م، إمكانية خطورة المشكلات
المتعلقة بتحديد الهوية في هذا العالم الافتراضي.
٧
جزءٌ كبير من تاريخ المسرح الغربي، وخاصة في القرنَين الأخيرَين، تضمَّن العلاقة
بين الممثل والشخصية، حتى من خلال الطرق والمعاني المختلفة؛ فكرة أن الممثل أو
الشخصية كلاهما لهما خصائصُ محددةٌ ودقيقة. للممثل هُوية كشخصٍ واقعي صوته وزيه …
إلخ، سواء
تلك الداخلية أم الروحية؛ فالمهنة والفن يجعلانه قادرًا على تنسيق وتنظيم هذا النوع
من
الحدود المادية والنفسية، ليُقدِّم واقعًا آخر (الشخصية)، والتي بدَورِها يحدِّدها
الممثل
والتقاليد المسرحية. وفي جزءٍ كبير في القرن العشرين تحدَّدَت ملامح الشخصية رئيسيًّا
من خلال
الملامح الخارجية، أو بتركيزٍ أعمقَ محدَّد في حالتها النفسية (ملامحها النفسية)
مع بقائها
في علاقة جدلية مع الممثل؛ الأمر يتعلق هنا إذن بهويتَين مختلفتَين، في علاقةٍ فيما
بينهما،
كلاهما موضوعٌ في حدود العالم الذي خُلق فيه. يمكن لأشكال تلك العلاقة أن تكون متعدِّدة
ومتميزة.
أثناء تقديمه للشخصية يمكن للممثل أن يعيد إنتاج الملامح المميزة للشخصية سواء
الجسدية أم النفسية إلى حد الكمال؛ ويمكنه بالعكس أن يسلك سلوكًا يستهدف نزعَ القناع؛
الكشف عن هويته الخاصة خلف الشخصية الممثَّلة على المسرح، وفي بعض الحالات يمكن أن
يلغي
هويته إلى حدِّ أن يشبه في النهاية البهلوان أو الدمية.
إن تأثير تلك الهويات المؤسِّسة لتلك العلاقة أصبحَت موضع مناقشة بمجرد دخولنا المجالات
الرقمية؛ حيث كلُّ شيءٍ قابلٌ للتغيير ومتعدِّد الأشكال. إذن تؤكِّد سالي جان نورمان
من ناحيةٍ أن
أي حوارٍ حول النشاط الاستعراضي على الفضاء الإلكتروني يجب أن يقابله الجدل بين الممثل
والشخصية، ومن الناحية الأخرى أن أي حلٍّ لا يمكنه استبعاده من النموذج الجديد للتقديم
الدرامي للشخصية dramatis personae ومساحة مسرحيةٍ
جديدة.
بكلماتٍ أخرى نقول إنه متوقَّع من شبكة الإنترنت أن تستضيف أحداثًا ذات أصلٍ مسرحي،
وذلك لا
يعني فقط إعادة التفكير حول طرق وجود الممثل، بل إنه أصل نقاشٍ حتمي حول واجباته
وإمكاناته.
بعيدًا عن الافتراضات النظرية تُوجَد مجموعة محاولاتٍ عمليةٍ اقترحَت، ضمنيًّا سلسلةً
من
الإجابات واتجاهاتٍ للبحث.
٨
(٢) من خشبة المسرح إلى شبكة الإنترنت
يبدو أن هناك ميثولوجيا جديدة للويب
Web (شبكة
الإنترنت) تؤثِّر على ميلاد العرض الفردي للمتفرج، للمخرج والمؤلِّف الشاب مارتيشيلُّو
كوتونيو
Marcello Cotugno٩ من نابولي. يتحرك عرض تشريح موت اﻟ
Anatomia delle morte … di بين حدَّين؛ فمن جهةٍ أسطورة
الانتحار كثورة ضد العالم، ومن جهةٍ أخرى الشغف بالعالم الخاص بالتكنولوجيا الجديدة
وبشبكة الإنترنت كتضخيمٍ للذات، والأحداث تسير تبعًا للنموذج الدرامي الشبيه بالألغاز
أو
قصص الإثارة النفسية؛ دانيال، البطل والبالغ من العمر عشرين عامًا، ينتحر في ليلة
رأس
السنة عام ٢٠٠٠م في حجرته، ويتم العثور عليه في الصباح؛ حيث تعثر عليه أمه في فراشه.
ومنذ
تلك اللحظة تبدأ عمليةُ بحثٍ محمومة عن دافع الانتحار؛ فالواضح أن دانيال لم يترك
أي شيءٍ
مكتوب، ولا يُوجَد هناك دافعٌ محدَّد، وخاصة، تبعًا لما تم جمعه من معلومات، لم يتوقَّع
أحد أو
يتخيَّل هذا القرار التراجيدي.
أخذ الجميع يتساءلون بقلقٍ شديد؛ أصدقاؤه، والداه، خطيبته. وكان أكثرهم إصرارًا هو
فيدريكو، صديقه الحميم، الذي لا يستسلم، بل ويصر أنه سيعيد إشارةً ما أو رسالةً ما
تشرح
ما حدث. وبين البريد يتم العثور على طردٍ أرسله دانيال لنفسه، وكان عبارة عن هارد
ديسك
Hard disk. وبدءًا من هذه اللحظة ندرك أن الكمبيوتر،
العالم الإلكتروني للبايتس Bits، والولَع الكبير
لدانيال، سيكون موقعَ بحثٍ بطيءٍ ودقيق، ومجازَ رحلةٍ في ذاكرة البطل. تبدأ إذن رحلة
البحث
عن الكَنز، البحث عن الرسائل الأخيرة، أجزاء من حواراتٍ مبعثَرة على حاسوبه الشخصي
وعلى
الشبكة. يعيد مؤلِّف العرض فكرة اليوميات الداخلية محدثًا إياها في ضوء الولَع التكنولوجي.
لم تعُد اليوميات مكتوبةً على صفحات بالقلم والحبر، ولكن ننتقل إلى ملفَّات الحاسوب
والفيديو كليب.
في أحد المشاهد، وعلى شاشتَين كبيرتَين وعلى مستوياتٍ مختلفة، يتم عرض شاشات الكمبيوتر؛
ومواقع الإنترنت، والفيديو كليب الموسيقية، ووثائق النص، وحتى وصية صوَّرها دانيال،
واعترافٍ
أخير يكشف كل شيء.
وكلما بدت الأحداث وقد أوشكَت على الإغلاق، برز الماضي من الكمبيوتر، بين دقات
فيدريكو العنيدة على لوحة المفاتيح وبين دهشة الأبوَين تصبح الذكرى أكثر حضورًا،
وتتزاحم
الأزمنة، ومن فوق شاشة الكمبيوتر تبدو وكأن ذاكرة البطل قد بدأَت حوارًا حيًّا على
الشاشة.
وأثناء العرض يتم فكُّ طلاسم أجزاء من الحياة؛ سهرات كئيبة، وقصص حب ومشاجرات، وممارسات
جنسية سريعة، ومغامرات عاطفية.
شخصيات الوقت الحاضر ثابتة في عدمِ قدرةٍ قاسية على كشف كلٍّ منهما للآخر عن مشاعره
الحقيقية. أكثر الانفعالات حميمية يتم استبدالها بالأجزاء المصوَّرة، وبالخطابات
إلى
الحاسوب، وبما تركه دانيال عن نفسه وعن الآخرين.
يقوم فيدريكو بدور الشاهد وراوي الحكايات التكنولوجية Techno-story
teller وكل هذا عَهد إليه بمهمة استعادة ذاكرة التراجيديا.
لكن إذا كان راوي شيكسبير ينفِّذ هذه المهمة من خلال سحر الكلمة، فهنا نجد أنفسنا
أمام
الصديق المخلص الذي يجب أن يسلِّح نفسه بتكنولوجيا المعلومات؛ بحيث يسمح للذكريات
أن تُظهِرَ
نفسها بنفسها؛ وبالتالي يبدو أن دانيال قد وجد نفسه بين الرغبة في الموت
cupio dissolvi مثل
هاملت والحقيقة المطلقة التراجيدية لورثير Werther،
ولكنه في هذه المرة أقلُّ بطولةً بكثير من النموذجَين السابقَين، وأصغرُ سنًّا، وأكثرُ
تواضعًا في
تطلعاته، وتقيِّده دوافعُ مدمِّرة لا مخرج لها، تائهًا في نوعٍ من الدوائر القصيرة،
والتي فيها
يجد نفسه، في الأمير الدنماركي الذي يموت فوق خشبة المسرح، والشبح الملكي الذي يشرح
دوافعه على شاشة الحاسوب. إنه خليطٌ متفجِّر من الغضب والإحباط الذي يجد صمام تنفيسه،
وسبب
وجوده المطلَق فقط في العالم الإلكتروني اللانهائي. والمعالجة الدرامية، بالرغم من
أنها
لا تبدو في سُمو الموضوع الذي اختارته، تُعيد شعورًا ما بالإعياء اليومي، وبالاكتئاب
وعدم
الراحة.
بين العديد من الكلمات، والصور، والاتصال، فالشخصيات لا تنجح أبدًا في
التعبير عن مشاعرها، وعن
حبها؛ الأفكار الأكثر حميمية يصرَّح بها فقط في مونولوجات، وفي أجزاء من خطابات أو
فيديو؛
لذلك السبب لم يستطع المنتحر أن يترك يومياتٍ أو خطابًا طويلًا سيكون له في حد ذاته
شكلٌ
متكامل؛ فالرسالة لا بد وأن تُسلم لأداةٍ تكنولوجيةٍ معقَّدة ومزعجة، لا يستطيع دانيال
أن
يكتب ذلك، ولا حتى أن يقوله بالكامل، يجب أن يُجزِّئ ما يرغب في قوله، يفتِّته كحياته
نفسها.
يجب أن تكون وصية تشهد على ازدواج الشخصية، تركيبة متأثرة بالوسائل واللغات، وصيةً
منتزعة
ومفقودة في شبكة الإنترنت، والتي ربما لا يستطيع فيدريكو أبدًا أن يعيد بناء قِطَعها
كلها.
وهكذا يُظهِر هذا العرض قدرةً فريدة على أن يجمع في بناءٍ درامي ومشهدي متأثِّر بأعراف
المسرح التقليدية (الحدث الذي يدور في فصلَين، والأطر المتنوِّعة، ومواجهة المشهد
للجمهور،
والسينوغرافيا ذات المواد الواقعية، وموضوعات ولمحات فعلية من لغات الوسائط المتعددة
الجديدة)، ويدخل الحاسوب وشبكة الإنترنت بقوة ليشتركا في العرض على مستويَين.
في المستوى الأول الذي يظهر على الفور، نشهد الوجود المادي للجهاز ولمستلزماته؛
فالحاسوب يظهر في المشهد (في حجرة دانيال)، ثم يتضاعف على شاشات العرض، حتى يصبح
وجودًا ماديًّا
مع البطل الذي يقصُّ دوافعه على الانتحار. وجود التكنولوجيا على المسرح والتكرار
المستمر
لذكر أسماء أدوات الكمبيوتر (ملفات، وهارد ديسك، وشبكات، وكلمة المرور، وويب، وهكذا)
جميعها
تشهَد الصلة بين البطل وتكنولوجيا المعلومات.
ولكنها صلة تمتد أيضًا على مستوًى آخر، على المستوى الدرامي؛ فالنص يدور، كما سبق
وذكرنا، كنوعٍ من لعبة البحث عن الكَنز، والتي تنطلق من حجرة دانيال، وتمتد إلى أدوات
الحاسوب، بين الملفات المُخبَّأة والمشفَّرة وبين كلمات العبور
Password والألغاز. ثم ينتقل كل شيء مجازًا خارج الفضاء
المسرحي، ينتقل إلى الشبكة؛ حيث كان دانيال قد بنى لنفسه موقعًا. وهذا الموقع يمكن
زيارتُه أيضًا لكل المشاهدين الذين يرغبون في الاستمرار في البحث حتى بعد انتهاء
العرض،
أو لمن يرغبُ الاقترابَ من عالم دانيال قبل الذهاب إلى العرض.
إن التغيير المستمر بين النظر للمشهد الواقعي وشاشة الحاسوب يقود المتفرج أن يُدرِجَ
الواقع المزدوج، بل ويبدأ في تجسيد بُعدٍ آخر — الفضاء الإلكتروني
cyberspace — بواسطة الأدوات المعتادة للمسرح، بل ويسلِّم
للمتفرج ذلك الازدواج، تلك الشخصية الشيزوفرينية التي كانت تعذِّب البطل. وليس من
قبيل
المصادفة إذن أن تكون أكثر المشاهد أهميةً تلك التي فيها يتحرك الماوس على الشاشة،
والتي
فيها يعثُر فيدريكو على الموقع الصحيح؛ فالمشهد الواقعي يستخدم أدواتٍ مادية ليُوحيَ
بشيءٍ
آخر، لبُعدٍ آخر، بُعد ذهني بالتأكيد، ولكن في هذه الحالة بُعد إلكتروني وافتراضي
أيضًا.
وهكذا تصبح إحدى الخصائص الرئيسية للغة الوسائط المتعدِّدة الجديدة، تلك المعاصرة
للعلامات والمعلومات المرتَّبة تبعًا لمبدأ غير هيكلي، ولكن بناءً على التأثر، تصبح
هذه
الخصائص أساسية في وصف مسار ذاكرة دانيال.
فالحدث الدرامي يُوحي بنوعٍ من النصوص المتشعِّبة؛ حيث لا تتم قراءة القصة من خلال
ترتيب
زمني من البداية إلى النهاية، ولكن يتم تركيبها بناءً على اختيارات الذات التي تقرأ.
وفي
هذه الحالة الذاتُ هنا هي فيدريكو، الذي، نظرًا لأن المجتمع المعاصر فقد نعمة التماسُك،
لا يستطيع أن يحكي القصة من البداية إلى النهاية، ولكن لا بد أن يكتشفَها بتسلسلٍ
مبنيٍّ
على الضغط على الماوس، تبعًا لتسلسلٍ يمكن أن يحتل فقط في إدراكنا ترتيبًا معينًا؛
فبَعد
انطلاقه بوجهه لنصٍّ دراميٍّ تقليديٍّ ينطلق النص في تتابع أحداثٍ مرتبطة فيما بينها
بروابطَ
طارئة، يفقد بذلك التتالي الزمني، ويتأرجح بين الماضي والحاضر، وصولًا إلى زمنِ ما
بعد
العرض نفسه، وحتى موقع دانيال على الويب؛ حيث يمكن للمشاهد بدوره أن يتحقق، وأن يحاول
أن
يجرِّب العثور على تفسيراتٍ جديدة ومختلفة لهذا الانتحار الذي تم في بداية
الألفية.
والعرض المسرحي ينزع عن نفسه أثناء العمل «الفضاء» الذي يدور فيه، ويمتد
معه إلى الشبكة
أيضًا عن عرض علاء الدين، أحد العروض التي
أنتجها موتيروتي Motiroti (لندن – المملكة المتحدة)
بالاشتراك مع Buiblers Association (نيويورك – الولايات المتحدة
الأمريكية عام ٢٠٠٢م). ومن هنا فإن موضوع الحدوتة
الشهيرة «لألف ليلة وليلة» يعمل كدفعة لمؤلِّفي العرض (كيث خان Kith
Khan، ماريانا ويمز Marianna Weems، وعلي
زايدي Ali Zaidi) لإظهار سقوط الحدود القومية في
الاقتصاد المعولَم الجديد. تدور أحداث العرض الرئيسية في مركز اتصالات في بانجلور
(جنوب
الهند)؛ حيث يقدِّم أمريكيون متعدِّدو الجنسيات خدماتهم التليفونية بأسعارٍ مخفَّضة.
ومن بين
مشاهد الفيديو المعروضة حواراتٌ أُجريَت مع العاملين، وعلاقات شخصيات المشهد بالمشرف
عليهم
تبرُز خلالها شخصيةٌ مثيرة للدهشة، شخصية المهاجر الإلكتروني
cyber-migrante، ذلك العامل الذي يُقيم في بلده، ويعمل
تبعًا لفارق التوقيت، وللإيقاع، ولثقافة ولغة بلدٍ آخر، متسلحين بجهاز تليفون وكمبيوتر
يتصل بشبكة الإنترنت، يقوم أبطال هذه القصة ببيع بوالص تأمين إلى عملاء في ألاباما،
ويزوِّدون قائدي السيارات الذين ضلُّوا طريقهم بمعلوماتٍ عن الطرق في تكساس، ولكنهم
يجلسون
حبيسي حُلمهم بأن يكونوا، حيثُ هم، موجودين فقط افتراضيًّا؛ نوع من المواطنة الافتراضية
يتم
اكتسابها بساعات العمل التي تخلط الليل بالنهار، وباللكنة المتقَنة إلى الكمال، والانتزاع
الوقتي لهويتهم الثقافية والدينية الأصلية. إذن فالتأمل في الهوية هو الموضوع الرئيسي
لهذا العرض. الاصطدام بين الرغبة والواقع يتهاوى — كما يقول ليفي
Levi — تبعًا لقطبية الافتراضية والقدرة في فضاء يجعل
كل العالم قريبًا، بل وحاضرًا على الخشبة؛ أو مشهد يفقد مركزيته، مركزية وضعه هنا
ويتجزأ
في أشكالٍ ملونة لأماكنَ مرتبطة بعلاقاتٍ زائلة، تخيُّلية أو وقتية.
وضع مسألة ضرورة «هنا والآن» محل المناقشة، استخدام الإمكانيات المقدَّمة للاتصال
عن طريق
الإنترنت، هي نقاط الانطلاق لدفع آنيَّة الحدث بعيدًا عن مصادفة المكان المسرحي،
كيف يمكن
تبديل الوجود المشترك في الفضاء نفسه للممثلين والمتفرجين بتحويل ذلك لمجرَّد تزامن؟
هل
من الممكن أن يقوم المشاركون في الحدث بالاشتراك في فضاءٍ آخر غير الواقعي؟ فضاء
إلكتروني، فضاء افتراضي، تلك افتراضاتٌ متقدِّمة بالفعل في الفن المعاصر، وتعود بالفعل
إلى
التيارات المفاهيمية لنهاية الستينيات، والتي فيها كان يتم تفكيك الفكرة نفسها للعمل
الفني كشيء، وكانت المادة تتحوَّل إلى إشارةٍ وهميةٍ لحركة الروح. وبداخلِ توتُّرٍ
مُعادٍ
للتقاليد تُوجد سلسلةٌ طويلة من الفنانين تجاوزَت بالفعل التصنيفات المعتادة حول
العمل
وخصائصه المثمرة. ومن خلال تفكيك الموضوع الفني نجد إعادةَ تعريفٍ ضمني للفضاء، ولإمكانية
الاستمتاع به.
وإذا لم يعُد العمل الفني قائمًا على الموضوع، فإن ذلك يتضمَّن أيضًا احتمالية أن
هذا
العمل يصبح موضوعَ تأملٍ وإعادة تفكير. ولا نقصد فقط ذلك النموذج المُتْحفي، ولكننا
نقصد
وحدة الفضاء. إن فكرنا نفسه يُكوِّن عملًا فنيًّا إذا حثَّته على ذلك بعض إشارات
«فورية»
للفنان. إن مجتمعًا استطاع أن يستوعبَ ويعيشَ تلك المراحل سيكون مستعدًّا لفكرة وجود
فضاءٍ
إلكترونيٍّ على شبكة الاتصالات العالمية.
وبهذا الترتيب للاعتبارات انطلقَت محاولاتُ ذلك الذي يُطلق عليه «مسرح الإنترنت
Web-Theatre».
يُقدم على المسرح بأحداثٍ استخدمَت تكنولوجيا خاصة لنقل الفيديو والصوت مباشرة خلال
شبكة
الإنترنت، والتي عادةً ما تُوضَع تحت مصطلح الفيديو كونفرنس – مؤتمر إلكتروني.
١٠
وُلدَت البرامج التطبيقية الأولى لهذه الفكرة في البداية لتسهيل الاجتماعات واللقاءات
في مختلف قطاعات المالية والتجارة والبحث، وتلا ذلك انتشار البرودباند
Broadband (وسيلة الاتصال السريعة بالشبكة) وانتشرَت تلك
البرامج بين الجمهور العريض. إنه شيءٌ عاديٌّ للغاية حاليًّا أن يكون لدى أيٍّ منا
webcam – كاميرا ويب موضوعة ومثبَّتة على الكمبيوتر
المحمول لتنقلَ صورتَنا، ولنستقبل بها أيضًا صورًا مباشرة من الأصدقاء، وأجزاءً من
حياتهم.
وأصبح من السهولة بمكان والبساطة أن نحضُر عن طريق الإنترنت أحداثًا تُنقل مباشرة
على
الشبكة (مؤتمرات، وحفلاتٍ موسيقية، وعروضًا مسرحية).
تعود أولى خبرات مسرح الويب إلى عام ١٩٩٦م:
قامت مشروعات التجديد الحديثة بتجريب كيفية تقديم منتجٍ مسرحي للجمهور عالميًّا،
ونشره بواسطة نقل المعطيات صوتًا وصورة (وفيديو). على سبيل المثال قام كلٌّ من
ج. ماثيو ساندرز
J. Matthew Saunders من
Virginia Tech، ومعه فرانشيسكو فيردينلِّي
Francesco Verdinelli من إيطاليا، بإثبات كيفية
تطبيق استخدام برامج الكمبيوتر
Real Audio و
CU-See Me على العروض المسرحية التقليدية (…) كان
يُمكِن للجمهور أن يرى ويسمع العروض في الوقت نفسه، ومن أي مكان، من خلال شاشات
الحاسوب الخاصة.
١١
إن العروض التي يذكُرها هذا الجزء المقتبَس هي بالترتيب رجل النهضة (
The
Renaissance Man J. Mattew Saunders مارس ١٩٩٦م)، وعرض الإنترنت
والجزئيات
Internet & Frammenti (فرانشيسكو
فيردينلِّي
Francesco Verdinelli نوفمبر ١٩٩٦م).
١٢
في الحالة الأولى أخذ المخرج ينشر بواسطة كاميرا الويب صورًا لعرضه، والتي فيها ممثلة
«متصلة بالمسرح عن طريق خط فيديو، وتظهر على إحدى الشاشات في أعلى، على خشبة المسرح.
وفي
هذه الحالة يمكننا مشاهدة أداء الممثلين الواقعيين، ولكن أيضًا أداء تلك الممثلة
الافتراضية».
١٣
أما عرض «رجل النهضة» The renaissance man فهو يقترح
أن جمهور نوعٍ جديدٍ من أشكال المسرح، سيتمكَّن من الحضور بواسطة الوسيلة التي، تقنيًّا،
ما
زال يُطلَق عليها الاتصال عن بُعد Remote connection. وهو
ذلك الاتصال للحاسوب بوصفه العميل (جهاز المستخدم الذي يتم توصيله بالشبكة) مع جهازٍ
آخر
يقوم بوظيفة السيرفر server
(وهو الجهاز الذي عليه تستقر المعلومات، ويعمل على إدارة توزيعها على الشبكة). وهو
افتراضٌ يحطِّم تمامًا مبدأ مشاركة الفضاء الملموس بين الممثِّلين والمتفرِّجين.
بدأ فرانشيسكو فيردينلِّي مغامرته على الويب قبل ذلك ببضعة أشهر، وذلك من خلال عرض
Internaulitus الذي قُدم على مسرح
II Vascello في روما، في الفترة ما بين ٢ و٢٨ يناير
عام ١٩٩٦م، ونُقل في الوقت نفسه مباشرةً من خلال الإنترنت، بفضل التعاون مع فلاش
نت
Flashnet.
١٤ كانت تجربة لتقسيم العملية الإبداعية للعرض، وأسَّسَت نوعًا من التفاعل الواسع
وغير المحدَّد السابق للحدث. تلخَّص الجزء الأكبر من المواد المكتوبة للعرض في مجموعةٍ
مختارةٍ من المساهمات من الأنواع المختلفة (نصوص، وصور، وفنون فيديو … إلخ) والمطلوبة،
والتي
وصلَت بواسطة الإنترنت. وتطلَّب عرض الإنترنت والجزئيات أيضًا نوعًا من المونتاج
للأجزاء،
بالرغم من أنها كانت مقتبَسةً كلها من شيكسبير، وأُلقيَت بالإيطالية والإنجليزية.
١٥ ولكن هنا نجد أن فورية الزمان وانتزاع المكان لم يشملا فقط العلاقة بين
المسرح والجمهور، ولكن أيضًا العلاقة بين الممثِّلين فيما بينهم، وذلك باقتراح منهجياتٍ
مشابهة لتلك التي جرَّبها ساندرز
Saunders قبلها بعدة
شهور. في المسرح في روما تُوجد ثلاث ممثلات (كارلا كاسولا، وروبرتا ليريتشي، وفرانشيسكا
جامبا
Carla Cassola, Roberta Lerici, Francecsa Gamba)
يتفاعل معهن (بواسطة تقنية اللقاء عن طريق الويب) مايكل موور من أستراليا، وجوناثان
ريزون
Jonathan Reason من إنجلترا، وجيل روم
Jelle Rome من بلجيكا.
كان لتلك التجارب السبق بأنها الرائدة لإمكانيةٍ تعبيريةٍ جديدة، وكيفية إدارة التأثير
بين العرض وشبكة الإنترنت بطريقةٍ لا تقترح أي حلٍّ للمشكلة الخاصة باللغة المسرحية،
وبصفة
خاصة استخدام التكنولوجيا لنقل معطياتٍ لم تتسبَّب في ردود أفعالٍ أثَّرَت على لغة
المسرح، ولم
تُجرب من قبلُ على مستوًى أكبر؛ فاللحظات التي تأثَّرَت فيها أنشطة فيردينلِّي، على
سبيل
المثال، بتجارب شبكة الإنترنت، لم تظهر أي غرابة سواء في المسرح أو على شبكة الإنترنت.
إن التفاعل الافتراضي في بناء العرض يتلخَّص في تجميع بعض المساهمات ذات الطبيعة
المتنوعة؛
والتي بالتأكيد أكثر فاعلية (واقتصادية) إذا تم تنفيذها بواسطة طرق الاتصال على الإنترنت،
ولكن يمكن تنفيذها من خلال وسائلَ أخرى أيضًا، بالنتائج نفسها. لن يناسب إذن في تلك
الحالة (باستخدام وسائطَ أخرى) التحدُّث عن التأثير بين المسرح والوسائط المتعددة؛
حيث إن
شبكة الإنترنت كانت مستخدمةً من خلال وظيفتها التقنية فقط في نقل المعطيات (النص،
والصوت،
والصورة).
أشرنا بالفعل من قبلُ إلى أن قلب المسألة لا يكمُن في وجود التكنولوجيا، ولكن في
تأثيرها على اللغة المسرحية (أو اللغات). إلا أن سحر تلك العروض ينتهي على الفور
بعد
أن شهد إمكانية إجراء اللقاء عن طريق الفيديو، ليس فقط ليتصل المديرون المتعددو
الجنسيات، ولكن أيضًا الممثلون من بلادٍ مختلفة. إلا أن اللقاء الفوري للممثلين
المنتزَعين من مواضعهم، في فضاءاتٍ متباعدة، لا يبدو أنه يصل إلى نتائج تختلف كثيرًا،
إذا
حدث الاتصال نفسه مباشرةً عن طريق التليفزيون.
وأيضًا فيما يتعلق برؤية عرضٍ مباشر على الشاشة (شاشة الكمبيوتر في هذه الحالة)،
تُوجَد
بالفعل عروضٌ سابقة يمكن الوصول إليها في تجارب التصوير التليفزيونية للعروض المسرحية،
مثل العروض القريبة التي تم نقلُها مباشرةً لتوسكا Tosca
ولا ترافياتا La Traviata.
يثير عمل تجريبٍ آخرَ قائمٍ على العلاقة بين الحدث المسرحي وشبكة الإنترنت
Web اهتمامًا من نوعٍ آخر؛ فمشروع مسرح الويب كام (مسرح
كاميرا الويب)
camtheatre، الذي خطَّطه وأداره جاكومو
فيردي وفرقته
ZoneGemma يسير في الطريق الذي فتحه العرض
السابق حكايات الماندالا؛ فبالانطلاق إذن سواء من التركيب الروائي نفسه للحلقات أو
من
خلال العلاقة بين الممثل-الراوي والعالم الرقمي، يتخذ العرض من فضاء شبكة الإنترنت
امتدادًا طبيعيًّا له؛ فالانتباه الخاص بالراوي التفاعلي يزداد ثراءً من الإمكانات
التي
تمنحها له الصور والفيديو.
١٦
كان أول ظهور للمشروع على الهواء، وفي الوقت نفسه، من إحدى صالات مُتْحف بيتشي في
براتو
Museo Pecci di Prato في يومَي الخامس والعشرين والسادس
والعشرين من مايو ٢٠٠١م، في إطار مهرجان المعاصرة
١٧ CONTEMPORANEA، ومباشرة
online على الإنترنت من خلال الموقع
www.webcamtheatre.org. في الصالة كانت
تُوجَد شخصية-راوٍ واحد (جاكومو فيردي)، الذي يقود بمفرده أحد عشر حدثًا مختصرًا،
متصلة
بأحداثٍ أخرى مقدَّمة عن طريق الفيديو، وهي:
Mondi fantastici, Luce digitale, Il suono di
una mano sola, Quodlibet, Ovunque guardo leggo, di… cerca in personaggi Tanti
Pubblicità, Riflessione cib-visiva-er, Il mio corpo si dissolve, Il quarto occhio,
Epilogo ora divento cieco.
(عوامل خيالية، وأضواء رقمية، وصوت يدٍ واحدة، وكوود نيبيب، ودعاية، وأشخاصٌ كثيرة
تبحث عن …
أينما نظرت قرأت، وتأملاتٌ منظورة، وجسدي يتحلل، والعين الرابعة، والبداية – الآن
أصبحتُ
أعمَى).
كان الممثل يرتدي نظاراتٍ خاصة، والتي تنقل له مباشرةً صور الكمبيوتر، يجلس على وسادةٍ
عريضة، ويمكنه التحكُّم في حاسبه الشخصي، بهذه الطريقة يستطيع أن يدير — في آنٍ واحد
—
وجوده بالنسبة للجمهور في الصالة، وبالنسبة للمشاهدين على الإنترنت. وعلى شبكة الإنترنت
يسمح الموقع بالدخول إلى منطقةٍ خاصةٍ اسمها الاتصال عن بُعد، وفي هذه المنطقة يجد
المتفرج
شاشة الحاسوب مقسَّمة إلى ثلاثة أقسام (نصوص عن الفن على شبكة الإنترنت، فيديو الويب
كام،
عبارات الشات) جميعها تعمل في وقتٍ واحد (انظر الشكل في ملحق الصور).
هذا الربط الجرافيك يمنح المتفرجين عن بُعد القدرة أن يرَوا أفلام الفيديو التي أنتجها
الممثل، وأن يتفاعلوا مع العرض عن طريق الشات chat. أما
المتفرجون في الصالة فقد كانوا بدَورِهم، وبفضل عرض-فيديو، يمكنهم رؤية ما يحدُث
على
شبكة الإنترنت.
وبالرغم من القصور التقني للشبكة (قلة حزمة انتقال الصوت والصور) الذي تسبَّب في بطء
الاتصال بين المكان المادي الذي يحدث فيه العرض والوجود التليفزيوني للمتفرجين أون
لاين.
إلا أن التجربة كان لها الفضلُ في تجاوُز الفكرة البسيطة للنقل، والهادفة إلى نقل
الحدث
المسرحي تجاه شبكة الإنترنت.
يتذكَّر أندريا بالزولا
Andrea Balzola ويقول: «في
العرض […] اتصل فيردي بالشبكة، بأن قدَّم من خلال كاميرا ويب عشراتٍ من حركات الفيديو،
والتي من خلالها أمكن لمستخدمي الحاسوب المتصلين أن يتفاعلوا مع العرض، والتحاور
معه من
خلال شات يظهر في الوقت نفسه الذي تظهر فيه الصور، وبهذه الطريقة وصل العرض بثلاث
طرقٍ
مختلفة، على الشبكة مباشرة، وخليط من الاثنَين، وهي ثلاثة أمثلةٍ مختلفة توضِّح كيف
أن وسيط
الشات
chat يمكن استخدامه كمكانٍ للإبداع الجماعي
التفاعلي، بواسطة التحويل المسرحي للكتابة الافتراضية، إبداع يمكن أن يتجاوز حدود
شبكة
الإنترنت، ويعمل على خلق حوار بين الحدث الواقعي والحدث الافتراضي.»
١٨
ولم يكن هدف هذا العرض هو خلق الاتصال بين المتفرِّجين أو الممثِّلين عن بُعد مع الفضاء
المادي التقليدي للمسرح، بل كان الهدف هو نقل هذا الفضاء (والحدث الذي يدور فيه)
في منطقةٍ
حدوديةٍ بين خشبة المسرح والفضاء الإلكتروني. ومفتاح الانتقال في هذه الحالة هو تقديم
تفاعلٍ أكبر بين المشاركين في العرض (ممثِّل ومتفرِّجين). ولم تكن تحركات الممثل
(جاكومو
فيردي) تُقدم لتصبح مركز الاهتمام، بل تهدف لأن تكون أداةَ الموازنةِ للعرض، ذلك
الوميض
ينتقل انعكاسه في الفضاء (الغامض) والمجهول لشبكة الإنترنت.
تبعًا للافتراضات التي صاغها تصميم الويب Web design
في الأعوام الأخيرة حول إمكانات التفاعل، فمحرك البحث يجب
أن يقدر باستمرار على التفاعل مع
أشكال ومحتويات الموقع الذي، بدوره، يجب أن يقدر على
اختيار ما يهمُّه في الكل
الذي يناسبه أكثر، وليس فقط مثل صفحات النصوص،
ولكن التفاعل أيضًا مع الأصوات والصور. إن
الاقتراح المسرحي لجاكومو فيردي يُظهِر تناسُقَه مع
هذا التيار؛ فمن خلال استخدام عناصر
العرض (الحكاية، والتفاعلات، والممثل والجمهور) استطاع المؤلف أن يظهر التناسق —
والتلاقي
— مع الخصائص الأكثر حداثةً للإنترنت.
من هنا تتضح افتراضات وجود خشبة مسرحٍ عالمية؛ مكان أصلي للقاء لمن يرغب في أن يشاهد،
دون حدودٍ للفضاء، يسهُل الوصول إليه بأداةٍ تقنيةٍ أساسية. وبكلماتٍ أخرى مسرح مفتوح
دائمًا
حيث يكون على استعدادٍ دائم للحدوث على الخشبة الرقمية الجديدة. وأمام حتمية الوجود
المادي فقط يتم تعويضه بإمكاناتٍ أكثر للتفاعل. إن تلك العروض تميل إلى التشابه مع
مسرح
الحدث البيئي enviromental theatre، ومسرح الشارع،
وتيار الحدث happening إنها أحداثٌ تحدِّد في كل مرة مكان
حدوثها الخاص. لا نعرف بعدُ إذا كنا في المستقبل سنجد أنفسنا أمام نسخة
online مباشرة على الإنترنت وتفاعلية من عرض «بيت
الدمية» أم لا. يتبيَّن لنا أن النماذج المتوفِّرة لنا حاليًّا تنتمي إلى منطقة في
تاريخ المسرح
تنتمي إليها عروضُ مسرح الليفينج Living theatre مثل
تجارب شيشنر Schechner، ونستطيع أن نستنتج توترًا يكاد
يتسبَّب في انفجار الحدود التي بداخلها يتحرك الحدث، وتهدف لقلب نظامه الداخلي وإعادة
صياغة أهدافه؛ أي تتحرك في اتجاه تطلعاتٍ موضوعيةٍ من خلالها ما زال هناك احتياجٌ
لإعادة
النظر في الجدليات نفسها بين الممثِّل والجمهور، وبين المؤلِّف والمخرج.
وبمرور الأعوام بدأَت الأمثلة تتضاعف، نذكُر هنا على سبيل المثال عملًا غنائيًّا
قُدم على
المسرح في ميسِّينا
Messina عام ١٩٩٧م، عنوانه: المسافة من
القمر
La distanza dalla
luna، والذي بمناسبته استطاع جمهور الإنترنت أن يشاهد الحدث
من خلال سلسلة من كاميرات الويب موزَّعة على خشبة المسرح، وبالإضافة إلى ذلك استطاعوا
اختيار، من حينٍ لآخر، الزاوية التي يرغبون مشاهدة العرض من خلالها.
١٩
يبقى العرض المسرحي حدثًا مباشرًا بين الممثلين والجمهور، وهكذا كما يحدث لتصوير
الفيديو لعرضٍ ما، فإن عرضه مباشرًا على الإنترنت لا يضيف شيئًا لجوهر العرض، إلا
أنه يضيف
إليه نوعًا من التدوين، والذي بدَوره يمكن أن يمنح للعرض معانيَ أخرى. إن الفارق
بين تصوير
الفيديو البسيط ونقل العرض مباشرةً على الإنترنت يكمُن في الإمكانية المتاحة لكل
مستخدمٍ
أن ينفِّذ إخراجه التليفزيوني الخاص. وكيفما يمكن لكل مستخدم إنترنت يمكنه اختيار
رحلته
الافتراضية من خلال كاميرات الويب المبعثَرة حول العالم، يمكنه اختيار عرضه الحي
المباشر
يوميًّا، هكذا يقدر المتفرج أون لاين على عرض «المسافة من القمر» أن يختار الصور،
وأن
يحرك كاميرات الويب لتتبُّع حدثٍ يودُّ التركيز عليه أكثر من آخر. إن التيلي كاميرا-المعظِّمة
التي تحدث عنها إدوارد لم تكن تتحكم فيها اليد المتسلطة للمخرج، بل كان يتحكم
فيها المتفرج أمام الكمبيوتر.
يبقى المسرح وشبكة الإنترنت مكانَين مختلفَين، ولكن الأول يعرض نفسه، وتدَعُنا الثانية
نشاهدها. بينما يقع العرض في مكانٍ واقعي، حدثٌ آخر (رقميٌّ تمامًا) يحدث في الفضاء
الإلكتروني، يقرِّر جيلٌ جديد من المتفرجين المنتبهين ماذا يشاهدون، يختارون المواد
ويوجِّهون
انتباههم بأنفسهم؛ فهم يقومون بذلك ببناء التلفاز الخاص بهم بإمكانية وجود نوعٍ من
التفاعل، واستقلاليةٍ أكبر من تلك التي يسمح بها مجال الريموت كونترول. يبقى الحدث
المسرحي بعيدًا بخصائصه التقليدية، ولكن الرؤية بواسطة تكنولوجيات الوسائط المتعدِّدة
تكتسب قيمةً مضافة بفضل إمكانية التفاعل التي تُولِّد حدثًا جديدًا وفريدًا من نوعه
على شاشة
الحاسوب، ولكن الاختلاف (الانقسام) بين الحدثَين يمكن أن يقود إلى أنشطةٍ دخيلة تمامًا
على
العرض المسرحي. إنه ذلك الذي يُطلَق عليه الويب كاست (البث الشبكي)
webcast أو التلفاز التفاعلي (بدلالةٍ مختلفة). بعض برامج
التليفزيون الرقمي تسمح للمستخدم أن يختار الأخبار وصور الفيديو التي تهمُّه مباشرة
بواسطة
جهاز التحكم عن بُعد. وفي مجال برامج التسلية نذكُر برامج الأخ الكبير، الذي فيه
يمكن
للمشاهدين المتصلين بموقع الإنترنت أن يشاهدوا المنزل وسُكانه، وذلك بأن يحدِّدوا
أي إطارٍ
يرغبون في مشاهدته، وربما باتباع حركات شخصياتٍ محدَّدة. وبالإبحار على شبكة الإنترنت
ليس
من الصعب العثور على كاميرات إنترنت مزروعة في منازل صبية وصبايا قرَّروا أن يعرضوا
حياتَهم كموقع تصويرٍ دائم وعن بُعد.
وفي أغلب الحالات تَدين تلك التجارب إلى التراث التليفزيوني وإلى فنونٍ معاصرةٍ أخرى.
بالتأكيد يمكن لتلك التكنولوجيات أن تعمل كأداةٍ لنشر الديمقراطية؛ حيث إنها تحطِّم
أسعار
التصوير والتوزيع. بالنسبة للدراسات المسرحية ربما يكون لها الفضل في انتشارٍ أكبر
لوثائق الفيديو المسرحية، وربما تحفظ الذاكرة المسرحية أفضلَ مما تم حتى الآن. ويبقى
أن
الأمر يتعلق بأنشطةٍ تكميلية للحدث،
تلك التي تشغل حيزًا هامشيًّا في موضوعنا.
(٣) دراما أون لاين
إلى هنا لاحظنا بعض محاولات تحديث الحدث المسرحي في علاقته مع الفضاء الإلكتروني،
والتي تحافظ بصفةٍ أساسية على المسافة بين الممثل والمتفرج. وظل المكان الذي يقود
فيه
الممثلُ — على وجه الخصوص — عرضَه، حتى وإن كان مضاعفًا ومنعكسًا على موقع الإنترنت،
أو
يشاركه العرضَ جمهورٌ وممثلون على بُعد آلاف الكيلومترات، هو مركز الحدث الدائم،
ولكن
سيتسع تحليلُنا ليصل إلى أشكال العرض التي تحدث بعيدًا عن الفضاء الواقعي الذي نعرفه
نحن.
بالفعل قُدمَت تجاربُ مسرحيةٌ أخرى منذ فترة، وتجاربُ عروضٍ حتى وإن كانت بعيدةً تمام
البعد
عما نُسمِّيه مسرحًا، وطُرحَت ضمنيًّا بعض التساؤلات حول العلاقة الجدلية ممثل -
فضاء - جمهور.
كم يحتفظ حدثٌ من خصائصَ «مسرحية» إذا قُدم بالكامل في فضاءٍ افتراضي،
وحيث يمكن للجميع أن
يقرِّروا بحريةٍ الاشتراكَ فيه سواء كممثلين أم متفرجين؟
إن عدم مادية وانعدام الشكل المميزَين لمحتويات الفضاء الإلكتروني يمكنهما أن يمنحا
أكثر السيناريوهات جاذبية، للتصرف في واقعٍ أسطوري، واقعٍ يمكن الوصول إليه فقط
من
خلال طقوسٍ تقوم على استخدام المخدرات، من خلال المسرح والرسم، والكتب أو الإعلام،
والتي هي في حد ذاتها أقل مما يمكن الوصول إليه؛ حيث إنها أدواتٌ بسيطة.
٢٠
إذن فبصورةٍ عامة، يشترك الفضاء الإلكتروني في سحر الخبرات الحالمة والمتجاوزة للحدود،
أو تغيير التلقي. إلا أنه يهمنا أن نلاحظ أن خصائص «عدم المادية» لهذا الفضاء تقدِّم
دفعاتٍ جديدة ومحفزة لتطلعات أولئك الذين يحاولون، من خلال الحدث المسرحي، إبعاد
المتفرج
عن الخبرة اليومية. ولنلاحظ جيدًا أن الأمر لا يتعلق بخبراتٍ ذهنية أو ميتافيزيقية
فقط؛
فالفضاء الإلكتروني، من حيث كونه افتراضيًّا، حالةً افتراضية للفضاء، ليس فضاءً غير
واقعي، نظرًا لأنه يحدث في زمنٍ محدد ودقيق. فيه تحلُّ الطاقة وتدفقات الإلكترونات
مكانَ
المادة، وهي أيضًا خاضعة لقوانين الفيزياء. هنا يكمُن جزءٌ من سحر تلك الإمكانات؛
فهي ليست
فعلًا صِرفًا للفكر (بل لها جوهر ينتمي للعالم الفيزيائي)، ولكن تحدث في مكانٍ غير
مادي (ولها
الحرية الكاملة للحُلم). إنها عروضٌ تحدث عندما يتفق الممثلون والجمهور على اللقاء
في
المسرح الجديد أون لاين. إذن، بالنسبة للحالات التي سنبدأ في وصفها في الصفحات التالية
لن نستخدم مصطلح مسرح الإنترنت Web Theatre، ولكن
سنستخدم التعريف الأكثر اتساعًا وهو عرض أون لاين Performance on
Line.
إن التفاعلية والمعاصرة والتماسُك هي الخصائص الأساسية للأجواء المتعدِّدة المستخدم
على
شبكة الإنترنت. إن «أسلاف» هذه الأجواء هما
MUD و
MOO. والأمر يتعلق بتكنولوجياتٍ سقطت بالفعل في مرحلة عدم
الاستخدام ولكنها كانت منتشرةً منذ عشرة أعوام تبعًا للتقدم التكنولوجي لكل بلد.
شريحة
MUD لم تكن كما تحدث الآن الطرق المعتادة للإبحار على
النت (والتي تعتمد في الأساس على قلب صفحاتٍ مكتوبة بلغة
Html والوسائل السمعية البصرية)، ولكن في أغلب الأحوال،
يعتمد الأمر على الاتصال بحاسوبٍ عن بُعد، بواسطة نافذةٍ تتزاحم فيها محطة حروفٍ
وأرقام
(تيلي نت
Telnet)
٢١ وهي أساليبُ لا يمكن للجميع الاقتراب منها، بالرغم من أنها أبسطُ وأسرعُ في
أغلب الأحيان من المتصفِّحات الحديثة.
وعلى أساس وسيلة Multi User Domain MUD أو
Dimension أو Dungerm)
تُوجَد قاعدة بيانات (أرشيف) موجودة في كمبيوتر خادم، يحتوي على معلوماتٍ حول فضاءٍ
افتراضي وسكَّانه. تلك المعلومات يمكن الاطلاع عليها، وتغييرها في الوقت ذاته، بواسطة
مستخدمين مختلفين متصلين بالخدمة.
أما وسيلة الموو MUD (Object Oriented MOO) فهي بدورها
تطور تكنولوجيا الموود MUD التي تسمح للمستخدم بأن
يحيا ويتفاعل مع هذا العالم الافتراضي، ليس فقط بفضل النص ولكن أيضًا بواسطة
«الأشياء».
عندما يتصل المرء بواسطة الموو لا يكون ما يراه موصوفًا فقط عن طريق النص، ولكن مجموعة
من الرموز التي تظهر على الشاشة وتشير إلى أشياء، أو أشخاص، أو أماكن؛ حيث تُوجد
تلك
الأيقونات (الأوامر) التي يمكن بالضغط عليها، والتي اعتدنا عليها بالفعل، بالإضافة
إلى
استخدام الماوس والسهم للتحرك فوق الشاشة.
بينما تُولد الكوابيس التكنولوجية للأفلام مثل ماتريكس
Matrix من الأمل أو المخاوف المرتبطة بتطور التكنولوجيا
أو الآلات، فإن شريحة
MUD هي تعبيرٌ عن ذلك التوتُّر تجاه
اختراعٍ خياليٍّ ملائم للجزء الأكثر إنسانيةً وروحانيةً فينا. إن الواقع الافتراضي
هو تطور
العربة التي تسير بالبخار بينما اﻟ
MUD هو تطوُّر
الحدوتة. في الواقع فإن
MUD وُلدَت بوظيفة لعب وإعادة
إبداع كتطورٍ يحدث على شبكة الإنترنت للألعاب التشخيصية، بل حتى يومنا هذا ما زالت
وظيفتها ترتكز على جذور قواعد تلك الألعاب الخيالية مثل لعبة الأبراج والتنانين
٢٢ في السبعينيات.
وأرشيف المعلومات الذي يعتمد عليه نظام MUD منقسم إلى
وحداتٍ يُطلَق عليها حجرات Rooms. وبكلماتٍ أخرى هي تسجيلات
بها سلسلةٌ من المعطيات التي تصف خصائص المجال؛ عدد مرات الدخول، التعديلات التي
تمَّت. قلنا
بالفعل إن ذلك الوصف نصي؛ وبالتالي نجد أن مستوى الكتابة أكثر فعالية، وأفضل بالتأكيد؛
وكأنها كتابة روايةٍ ما.
وهنا نقتبس أحد النصوص التقديمية للعبة «أضواء وظلال» MUD Lumen et Umbra وهي لعبة إيطالية تدور أحداثها في
عصرٍ بعيد، مجهول وخيالي؛ فبعد أن يتم الاتصال بالشبكة بقليلٍ يظهر الوصف للمكان
كما
يلي:
الميدان الإمبراطوري
أنت الآن على هضبةٍ تُطل على ميدانٍ رئيس في آلما
Alma، جزء من طريق النصر الذي يصل إلى الباب
الشمالي لآلما. تجاه الغرب في ممرٍّ معتنًى به يُوجَد مدخل المحكمة والمكتبة ومكتبة
البيع. وتجاه الشرق يُوجَد هيكل الفرح حيث يمكن لمحاربٍ شاب أن يجد الأدوات المناسبة
ليبدأ استعداداته. في الجنوب يُوجَد وسط المدينة. تُوجَد سلالمُ رخاميةٌ تضبط تجاه
مبنًى
أكثر تجهيزًا. إذا كانت هذه هي المرة الأولى بالنسبة إليك، والتي فيها تشُق تلك
الأراضي، يُوجَد نظامٌ بنائي من الرخام الأبيض، يمكن أن يساعدك على تحديد اتجاهاتك
(افحص
نظامًا بنائيًّا).
المخارج: شمال، شرق، جنوب، غرب، أسفل.
…
شمال: میدان المجد.
شرق: هيكل الفرح.
جنوب: مرکز آلما.
غرب: المرعى.
أسفل: مدخل معبد المعرفة.
…
يمكن اختيار أين يمكننا الذهاب بالضغط على الاتجاه؛
وبالتالي يمكن الحصول على الفور على
وصفٍ آخر. من الممكن أيضًا التوقف عند التفاصيل من خلال أمر: افحص
Examine.
المدخل إلى معبد المعرفة.
عمدانٌ قوية (افحَص عمدانًا) تدعم هذا المبنى القوي المصنوع من الرخام.
ادخُل إذا كنتَ بحاجة للتعلم. الألوان هي جانب الضوء والظلال lumen
et Umbre، إذا اردتَ أن تعرفَ المزيدَ فاضغط على مساعد الألوان. والآن
للتقدم اضغَط على غرب.
المخارج: غرب – إلى أعلى.
…
غرب: إلى داخل المعبد.
أعلى: الميدان الإمبراطوري.
…
غرب:
بداخل المعبد.
ادخل بحذر إلى داخل المبنى الغامض.
المدخل المضيء بقوة، ولكن بالرغم من محاولاتك المضنية لا تستطيع معرفة مصدر الضوء
(افحص ضوءًا). الجدران (افحص جدرانًا) تتلألأ من لمعانها ونظافتها. الحجرة مربَّعة
وخالية.
يقول صوت: «مرحبًا بك، إنها المغامرة، إذا كنتَ جديدًا على هذه الرحلة والمعركة فإن
عبورك من هنا يمكن أن يكون سطحيًّا.»
إذا ذهبتَ إلى الشمال (n) يمكنك أن تستكمل مسيرة
المعرفة.
ولكن عليك أولًا، قبل أن تدخل إلى أي مكانٍ مجهول، أن تنظر إلى ذلك الاتجاه (انظر
إلى
الشمال في هذه الحالة).
المخارج: شمال – غرب.
…
شمال: حجرة البداية.
غرب: مدخل معبد المعرفة.
…
بزيارة الأماكن الأخرى يمكن للمسافر المبتدئ أن يتعرَّف أكثر على قواعد هذا العالم
الخيالي، وربما يتقابل أيضًا مع شخصياتٍ أخرى.
٢٣
في الموود يتعلق الوصف أيضًا بالأدوات التي يمكن التحكم فيها بدورها من خلال أوامر
محددة. التطورات التكنولوجية، بالكفاءة المتزايدة للاتصال عن بُعد، بإضافة معلوماتٍ
ليست
قاصرةً فقط على النصوص. على سبيل المثال؛ إذا دخلنا إلى إحدى تلك الغرف
room، وكان بها راديو، بدلًا من أن نقرأ على شاشة
الحاسوب وصفًا للبيئة، يُمكِننا أن نستمع من سمَّاعات الحاسوب الشخصي الموسيقى تُبعَث
من
الجهاز.
إن مجالات MUD الموود تسكنها سلسلةٌ طويلة من
الشخصيات، وسواء مَن لهم وظيفةٌ سطحية ويديرهم الحاسوب أم مستخدمون يتصلون باللعبة،
يبقى
الواقع أنهم عبارة عن وجودٍ مرئي يمكن للجميع مشاهدته، ويمكنهم التفاعل فيما
بينهم.
ومثل أغلب مجتمعات الإنترنت، أيضًا في الموود MUD من
الضروري «الدخول بكلمة مرور Login». هذا يسمح للمستخدم
أن يبنيَ شخصيَّته الخاصة. في MUD تُوجَد إمكاناتٌ متعددة،
وتعتمد على نوعية اﻟ MUD المستخدم. في الموود التي نشأَت
عن امتداد للألعاب التشخيصية العادية، كانت الشخصيات تُعرف بطريقةٍ خيالية (مثل الجني
الصغير، السحرة، المحاربين … إلخ)؛ أما تلك التي نشأَت كمجتمعاتٍ ذات اهتماماتٍ خاصة
أو
عامة، كفضاءٍ يمكن زيارته للتعرُّف على مستخدمين آخرين، نجد أن الشخصيات تتبع نماذجَ
تشبه
أكثر النماذج الواقعية، أو تعمل على وصف المستخدم نفسه.
وهذا النوع الأخير مثلًا هو حالة AtheMoo والذي أنشأه
Juli Burk في يونيو عام ١٩٩٥م، لدى جامعة هاواي، وذلك
لهيئة المسرح في التعليم العالي (ATHE) Association for Theatre in
Higher Education، وهي مؤسسة أساتذة المسرح الموظَّفين في المدارس
الثانوية والجامعات.
أثيموو مجال ذو أهدافٍ مهنية أكثر من الأهداف الاجتماعية أو الخاصة باللهو فقط؛ تدعمها
أكبر هيئة لمدرِّسي المسرح وفناني البلدة؛ تم تصميم المشروع ليكون مجالًا يجمع ويرحِّب
بأعضاء
Moo الجدد، وكفرصةٍ محفِّزة للمبرمجين
المحترفين ليزيدوا الفضاء بأجواء التكوين والعروض. […] باتباع نموذج المؤتمر، الذي
فيه يرتدي الحضور بطاقاتٍ عليها معلوماتٌ أساسية، مثل اسم المؤسسة المنتمي لها.
وقواعد
أثيموو
Athemoo بالنسبة للشخصيات بسيطة وعملية.
يستخدم اللاعبون أسماءهم الحقيقية يتبعها أول حرف من اسم العائلة، أما الوظائف
(الألقاب) فهي خيالية تدفع على تذكُّر أجواء ألعاب الإنترنت.
٢٤
وكما يحدث في العالم الواقعي، فالصلة بين الشخصيات يمكن أن تحدث بين الأشخاص في حالة
المشاركة في فضاءٍ واحدٍ محدَّد (حجرة). تأثير اندماج المستخدم في اللعبة يرتبط إلى
حدٍّ كبير
بوجود أنظمةٍ متناسقة مع الواقع الذي يرغبون في إعادة إنتاجه. في حالة أثيموو، على
سبيل
المثال، يتعلق الأمر بمركزٍ ضخمٍ للندوات مكوَّنٍ من مكاتب، وصالات اجتماعات وقاعات
مسارح …
إلخ. بفضل سلسلة من الأوامر البسيطة (قل انظُر، اصرُخ … إلخ) يمكن للشخصيات الاتصال
فيما
بينها. ولا تُستبعد أيضًا وسائل الاتصال غير الشفهية مثل ابتسم، اضحك، ابكِ، صافح
…
إلخ.
وبعد الشعور بالحميمية والثقة مع المكان يصبح المستخدم قادرًا على ربط الكلمات
بالتعبيرات أسرع أو بسلوكٍ معين. والنتيجة النهائية تشبه حتميًّا نصًّا مسرحيًّا
متكاملًا
بالإرشادات المسرحية.
تمسح نينا دموعَها من عينَيها والعرقَ من فوق جبينها، وتقترب بيأسٍ من كوب البيرة
وتبدأ في الشكوى: كان يومي بشعًا.
٢٥
هذا العالم حيث اللاعب يخلق شخصيةً ما محدِّدًا سلوكها، وواصفًا الأماكن التي ستتحرك
فيها، مانحًا إياها العبارات التي ستتفوَّه بها، والأهم من هذا كله أنه يجعلها تتفاعل
مع
الآخرين في الزمن الحاضر، كل هذا يوحي حتميًّا بعالمٍ شبيه بالعالم الدرامي. في الأجواء
المشتركة على خشبة الإنترنت يساعد المستخدم، ويشارك في إنجاز عملٍ ما، يشارك في كتابة
النص
الجماعي ومزامنته. وتسجيل دورة MUD يُنتِج في النهاية
نوعًا من النصوص يشبه نصًّا مسرحيًّا متكاملًا، لا يتطلب عمليةً إخراجية؛ حيث إن
الحدث تم
بالفعل في اللحظة التي أُنتج فيها (كُتب فيها) هناك عناصرُ مختلفة، مثل الحدوتة والعوالم
الافتراضية واللعبة تختلط جميعها بالنص الدرامي.
ولكن التشابه مع عالم المسرح لا ينتهي عند هذا الحد، بل يعود للظهور مرةً أخرى، بطريقة
أكثر صخبًا في طرق الاشتراك. إن العلاقات الأصلية التي تربط اﻟ
MUD بالخبرات الثابتة لأجواء الألعاب التشخيصية، تكشف
عن علاقةٍ ضمنية مع إجمالي الانفعالات والمشاعر والتقنيات التي يصفها الممثل في حقل
عمله،
في اللحظة التي يمثل فيها الشخصية.
إن الألعاب التشخيصية، التي نشأَت في أجواءٍ علاجية ومرتبطة بالتحليل النفسي، تهدف
إلى
تحرير اندفاعات السلوك الشخصية؛ فاللاعب يضع في العملية تعاطفه مع
الشخصية التي اختارها، ويمكنه
بالتالي التعبير عن جوانب هامشية، أو مقموعة في شخصيته، أو الانفعال بشدة مع
الحدث الذي يشارك فيه. إن تدخُّل الذكاء الإلكتروني والإنترنت طوَّرا كثيرًا تركيب
اللعبة
الأصلية ليمنحها بعدًا مسرحيًّا. إن ما يتغير هو طبيعة الحدث نفسه؛ فبالإضافة إلى
مركزية
الخصائص العلاجية الواضحة، يتم أيضًا الاستغناء عن الوجود المادي للاعبين في المكان
نفسه،
ولكن المثير للدهشة هو أن هذا الانتزاع للجسد، وللفضاء المادي، قد يقود العملية والتي،
من
خلال التعاون الدرامي، تُعيد إظهار الحدث في شكلٍ شبيه للمسرح إلى حدٍّ كبير.
في الشكل الذي يحدث أون لاين، تُسلم الكتابة كل إمكانات السحر؛ وبالتالي يُدفع كل
بناء اللعبة إلى الدراما؛ فغياب الجسد والمكان المادي لا ينفي جودة الحدث. تؤسِّس
اللعبة
التقليدية أيضًا للتشخيص — على الأقل في المرحلة التي أصبحَت فيها بعيدةً عن عالم
العلاج —
جزءًا كبيرًا من فاعليتها ليس في خلق أجواء اجتماعية بين المتباعدين، ولكن في الاشتراك
شخصيًّا في الحدث؛ فاللاعبون يسجِّلون أنفسهم كممثلين في عالم المغامرة الخيالية؛
فالكتابة الدرامية والعرض يُوجَدان معًا في أجواء اﻟ MUD
والتي فيها يُدفع الفضاء والشخصيات تجاه عالمٍ افتراضيٍّ صِرف، ولكن حيث زمن الحدث
يبقى هو
الحاضر.
لهذا السبب نرى تلك التجارب كعروض أونلاين بدلًا من كتابة سيناريو أونلاين.
هدفي هو فحص التوازيات بين عملية تمثيل المسرح التقليدي وتقاليد لعبة
MUD في الألعاب التشخيصية، وكيف تُستخدَم كل واحدةٍ منها
لخلق حدثٍ درامي.
٢٦
وكاتبة الجزء السابق نينا لونوار Nina LeNoir، تعمل
باحثةَ مسرحٍ في جامعة تكساس في أوستين، وغالبًا ما اهتمَّت بالعلاقات بين العرض
والفضاء
الإلكتروني. وفي بعض دراساتها أخذَت كمثالٍ تدوين الحوارات التي نُفذَت في
MUD. وفي الفقرة التالية نجد عينةً من التفاعل بين
لاعبين محترفين بداخل «حرب الكواكب» في الماينوس كلاستر Minos
Cluster مجموعات ماينوس (مكان مستوحًى مباشرةً من موضوع حرب الكواكب). من
المهم التأكيد على حقيقة أن اللاعبين لم يقابل أيٌّ منهم الآخر من قبلُ، وأن اللقاء
لم يكن
متوقعًا، وأن الحوار الذي نستعيده هنا (لتسهيل القراءة) لن يتضمن الأوامر كما تم
إدخالها، ولكن ما يظهر فقط على شاشة الآخر.
Tark’Hiaku moves towards Mayson suddenly, sniffing the air
around her then grumbles “Who are you?”
Mayson stops short and whips her head around with a startled
and sudden movement. She blinks several times before responding. “Me? I’m… uh,
Mayson.” She smiles and shoves her hand towards you in a slightly brusque
gesture of greeting, “and you are?”
Tark’Hiaku grabs the hand and pushes past it, grabbing your
wrist in a tight clasp and slapping his chest whit his free hand “I Tark’Hiaku…
new here. What Mayson does?”
Mayson grins broadly, trying very hard to hide her nervousness
but not doing a very good job of it. “I’m, ummm, I fix things… ships and things.
Need something fixed?”
Tark’Hiaku grins a toothy and evil looking grin “Tark not break
anything yet. Mayson work for who?”
Tark’Hiaku seems to look you up and down with his one good
eye.
Tark’Hiaku cocks his head to one side as though listening to
something in the distance and releases your arm.
Mayson continues to grin in what she obviously thinks is a
friendly gesture as she takes an imperceptible step back. “Mayson wo… I work
for
me right now, well sort of. I’m stuck working for someone else right
now.”
Tark’Hiaku makes a confused look and cocks his head back “How
Mayson is stuck?”
Mayson sighs heavily, “Sort of a long story. Someone cheated me
out of my ship, lost it, and now I’m trying to get back. I have to keep a close
eye on them until I can get it back.
٢٧
من المؤكد أنه حوارٌ بين لاعبَين محترفَين، نجَحَا في الاحتفاظ بحدودهما داخل الحدث
العام،
ولكنهما عملا على زيادة عقدة الأحداث تبعًا للفرص الممنوحة لهما. يتحدثان فيما بينهما
محتفظَين بالخصائص المناسبة والمتناسقة مع اللمحة الخاصة بالشخصية المختارة، وأخيرًا
يستخدمون
بقوةٍ السلوك أكثر من الحوار. إلا أنه يُوجَد اختلافٌ بسيط بين ما قرأناه وما حدث
أثناء
اللقاءَين الاثنَين:
هناك مشكلة عند محاولة نقل معنى التسلية ألا وهي <…> كل تسجيل لإحدى
دورات
Mud، بينما يُمِدُّنا بفكرةٍ ما عن طبيعة ما يحدث،
إلا أنه يقلِّل الشعور بالتفاعل في الزمن الواقعي الذي يتم أثناء لعبة التشخيص أون
لاين. ما يُثير الفضول هو أن وصف اللعبة على الموود يطرح الإشكالية نفسها التي
يقابلها مَن يُحاول أن يوثِّق أي نوعٍ من العروض على الهواء مباشرة: (…) إن ما يبقى
هو
المُعادِل للنص، ولكن ليس الحدث نفسه.
٢٨
حتى إن كان الجدل حول هذه المسألة قد تم تجزيئه ولم يصل قَط إلى اعتباراتٍ مُرضية،
إلا أنه تبرُز سلسلة من الافتراضات والتي، في الأصل، تقترح تجاوز المجال الدرامي الأكثر
تحديدًا؛ وبالتالي لا يُشبَّه نشاط لاعب الموود Mud بنشاط
المؤلِّف، ولكن يمكن تشبيهه بالممثل-المؤدي. في الواقع اللاعب الذي يتصل بشبكة الإنترنت
جالسًا أمام شاشته أو لوحة المفاتيح، يُشبَّه فقط سطحيًّا بمؤلِّف يجلس أمام ورقةٍ
بيضاء ويجلس على
مكتبه.
ولكن إلى أي مدًى يختلف نشاطه عن ذلك الخاص بالمؤلف الدرامي؟ من بين الإجابات الممكنة،
والتي تهمنا الآن، يكفي أن نشير إلى أن اللاعب لا يحدِّد الحدث كله، ولكن فقط الجزء
الذي
تشارك فيه فقط شخصيتُه. يجب أن يتأقلم باستمرارٍ مع تطور الأحداث، كما هو مجبر أيضًا
على
التفاعل مع شخصياتٍ مستقلة ليس لديه أي سلطةٍ عليها.
بكلماتٍ أخرى يوجد عنصر المفاجأة والتفاعل الذي ينقص في الكتابة المسرحية كما ننظر
إليها تقليديًّا. عندما يصف بيرانديلُّو الشخصيات التي تذهب لزيارته في مكتبه، والتي
تفرض
عليه تقريبًا حكايتها، يُلمح لعمليةٍ إبداعيةٍ خاصة؛ هذا لا ينفي أن كل شخصياته نشأَت
من
التزام إبداعي عبقري وفريد. في حالة Mud الشخصيات
جميعها مستقلة، وتنبُع من أنشطةٍ إبداعيةٍ غير متناسقة ومتباعدة.
لا يكفي إذن تعريف البعد عن الدراما؛ ولكن علينا أيضًا أن نتساءل كيف أن مثال اللقاء
بين تارك هياكو ومايسون، وبصفةٍ عامة، الحوارات بين اللاعبين لها علاقة بعمل الممثل.
إن
اللاعب أمام شاشته يسترجع صورة الممثل الذي بصعوده على خشبة المسرح، يجد نفسه مجبرًا
على
الارتجال، نظرًا لأنه ليست لديه سوى فكرةٍ ضئيلة عن الحدث الذي يقدِّمه في تكنولوجيا
Mud الإطار مختلف قليلًا، بالإضافة إلى أنه لا يشارك
كمية المعلومات نفسها، مثلما يحدث عادةً في المسرح؛ فالممثل والشخصية لا يتقاسمان
الفضاء
نفسه؛ فالممثل فوق خشبة المسرح يُوجد بداخل شخصيته في جسدٍ واحد ومكانٍ واحد، أما
اللاعب
فيجد نفسه أمام لوحة المفاتيح والشاشة بينما الشخصية موضوعة في العالم الرقمي.
الممثِّل والشخصية لديها المعرفة نفسها حول العالم الافتراضي الذي منه ينبُع الحدث،
بينما الممثل يجب أن يعرف أشياءَ أخرى، يجب أن يكون قادرًا على إدارة الفائض من المعطيات.
عندما تتقابل الشخصيات في المثال المذكور، لا يعرف أحدهما الآخر، ولكنَّ
الممثلين-اللاعبين، يعرفون بالفعل قبل أن يقدِّم أحدهما نفسه للآخر، أسماءهم التي
يظهرون بها على
الشاشة. الممثل المسرحي واللاعب أيضًا، لا بد وأن يكون كلٌّ منهما قادرًا على استيعاب
خط
الحدث الرئيسي، وأن يعمل في تناسُق وتناغُم مع هذا الخط الدرامي.
٢٩
واللاعب يجب أن ينسِّق جهوده الخاصة مع الخصائص العامة للحدث، مع ملامح شخصيته، مع
العلاقة بين الشخصيات؛ مثل الممثل يدير المستويات المختلفة للإدراك، انطلاقًا مما
يقابله
في يومه إلى المستوى التخيُّلي للحدث الذي يقدِّمه. كل هذا يجب في النهاية أن يمنح
شكلًا
لحدثٍ قادر على التطور بمرور الوقت، وإثارة اهتمام اللاعبين الآخرين في فضاءات الموود
Mud، على سبيل المثال، تُوجَد أوامر للتحاور بين اللاعبين
أثناء الحدث، بعيدًا عن الشخصيات، وأحيانًا يكون لها شكل الأماكن، والتي لنستكمل
مع
المجاز المسرحي، يمكنهم فيها التنازل عن أزيائهم التمثيلية.
أثناء التعامل مع مستويات الإدراك المختلفة — وربما يكون هذا هو
المعطى الفريد — يجب
أن يحاكي الممثل نوعًا من الإدراك الداخلي للشخصية، وذلك ليكون أداؤه صادقًا وحيًّا
عندما
يكتب اللاعب: «تبتسم مايسون ابتسامةً عريضة، محاولةً بشدة أن تخفيَ توتُّرها، ولكنها
لا تنجح
في ذلك»، يشير بوضوح (في هذه الحالة من خلال الوصف للحدث، تمامًا كما يحدث على خشبة
المسرح مع الحركات، التعبير ونبرات الصوت … إلخ) إلى ذلك الذي يجب أن يكونه ردُّ
الفعل
التلقائي والفوري للشخصية. إن التشابه بين الممثل واللاعب يكمُن في هذه المسيرة،
والتي
تقود إلى ما في العقل الباطن من خلال الإدراك.
إن خلق الشخصيات في
MUD يشبه خلق الشخصية
المسرحية […] ويعتمد اللاعب على تقنياتٍ معروفةٍ للأداء تعتمد بدورها على أساليب
ستانسلافسكي لخلق الشخصيات؛ أهمية الملاحظة للحياة الواقعية، تطوُّر خلفيةٍ ما تمنح
التبريرات الداخلية للحدث، وتصديق الظروف المعطاة
٣٠
إن تأكيد نينا لونوار السابق يبدو حاسمًا، وربما يُمليه ربطٌ متسرع بين الاشتراك
الانفعالي والأداء. يمكن بالفعل التأكيد على ضرورة وجود تقمُّصٍ عام وطبيعي، والذي
يحدث
للمؤلِّف الدرامي أو لكاتب السيناريو أكثر من الممثل أو الكاتب، ولكن في عرض يحدث
مباشرةً
على النت أون لاين نحن أمام شيءٍ آخر. يضع كُتاب الدراما وكُتاب السيناريو والمؤلفون
تعريفًا
لشخصية سيكملها بعد ذلك الممثل أو القارئ. أما كتابة
MUD فهي تخلق الحدث في اللحظة ذاتها في شكله النهائي
والمتكامل.
على أساس تلك التوافقات النظرية المبدئية تُفتح مسألةٌ أكثر تعقيدًا حول التقنية
التي
يلجأ إليها ممثل الموود
MUD. وفي المسرح أحيت هذه
المشكلة معالجة انتشرَت انطلاقًا من السبعينيات، وتمَّت بشأنها المواجهة بين المثقَّفين
والممثِّلين والمخرجين. من الواضح أنه بخلاف الممثل المسرحي، الذي لديه أيضًا الجسد
والصوت، نجد أن ممثل الموود يمكنه الاعتماد فقط على المسرح الرقمي.
٣١
إن مَن يقلِّد الحياة من خلال الأدوات الخاصة نفسها (الفضاء، الجسد، الصوت – أشياء
كلها
واقعية)، يقترب من الوصف الروائي.
العرض المقدَّم أون لاين يجد نفسه مجبرًا على أن يربط، في التكنولوجيا الرقمية،
الطريقتَين الروائية والدرامية.
إن تلك العروض يجب أن تتخلى عن عرض الصورة التي تم إعادة إنتاجها على خشبة المسرح
وتأسيس سحرها الخاص طول القدرة الاستدعائية، قدرة المناجاة للأداء وللكلمة. يتعلق
الأمر، كما بالنسبة للمسرح الإنجليزي بين القرنَين السادسَ عشرَ والسابعَ عشَر، وفي
حالتنا
هذه أيضًا، بتحديد نوع السينوغرافيا المسرحية التي فيها تُستخدَم الكلمات لتستدعيَ
الأماكنَ
والديكورات والأجواء.
في مقدمة هنري الخامس يدعو شيكسبير الجمهور لأن يتجاوزوا — من
خلال عملٍ تخيُّلي —
المسافة بين الأماكن التي تشير إليها شخصياته وما يظهر فعليًّا على الخشبة.
آه عذرًا! إن كان شخصٌ حقيرٌ بإمكانه أن يستدعيَ في هذه المساحة المحدودة الكثيرَ
والكثير، فاسمحوا لنا، نحن المساكين، في حضرة هذا الحدث الجلَل أن نلعبَ في أخيلتكم.
٣٢
تشير نينا لونوار كيف أن المشاركين في دورة
MUD يجب
عليهم إذن التأقلم لتجاوُز المسافة بين الخيالي والواقعي مؤدِّين في وقتٍ واحدٍ واجبات
الممثل والمؤلف معًا، لكن لا يمكن للاعب من خلال إبداعه فقط في أدائه أن يُدير الحبكة
كلها،
ولكن يتم هذا بتحديد خطٍّ روائيٍّ مسبق يمنح الحياة لحدثٍ يتم في الحاضر. وهكذا تبرز
القدرة
الأولى؛ القدرة على الارتجال أو بالتحديد، القدرة على إنتاج نص، بالتناسق مع الحدث،
يجيب
على الفور على إيماءات الممثلين الآخرين.
٣٣ ويمكن التأكيد أنه نظرًا لأن كل دورة موود يكون لها استمرارية في الزمن
الواقعي، ويمكن أن تكون على فتراتٍ متقطعة أو تُعاد في اللحظة نفسها، فإن زمن الحدث
هو
الحاضر فقط؛ فاللاعب لا يكتب ما سيكونه في لحظةٍ تالية. إن مكان وزمن العرض هما هنا
والآن على الإنترنت مباشرة، بتناسُق مع الزمن الواقعي والتخيُّلي، رابطين بينهما
في الفضاء
الافتراضي؛ حيث تتم التفاعلات بين اللاعبين.
ولكن ماذا يكون المسرح دون المؤلف، دون قصةٍ محدَّدةٍ كاملة، ودون تاريخٍ محدَّد؟
ولماذا
سننجذب إليه؟
إذا أخذنا في الاعتبار عرض الباريسية La
parigina (١٨٨٥م) لهنري بيك Hanry Becque فمن الطبيعي استنتاج أن أحد
عناصر الجذب لهذا العرض، كان الطريقة التي يدور بها الحدث، والأسلوب الذي به تم حل
العقدة المسرحية في الخاتمة. يمكننا تقريبًا أن نقول أيضًا إن ممثلي الكوميديا ديل
آرته
(الملهاة المرتجلة)، وعلى أساس سيناريوهاتٍ متنوِّعة، كانوا يجذبون الجمهور بتلك
القدرة
على معالجة الحبكة الدرامية لقصصهم. إلا أن هناك اختلافًا كبيرًا فيما يتعلق بالعمق
النفسي
للشخصية، الذي يتم الاعتناء بكل تفاصيله في المثال الأول، وعدم وجود ذلك العمق تقريبًا
في المثال الثاني.
حتى وإذا تركنا العروض من القرنِ السابعَ عشرَ، فإن أحدث عروض الفارس بالعامية في
نابولي
لأنطونيو بتيتو (١٨٢٢–١٨٧٠م) Antonio Petito سواء تلك
التي احتفظنا بها كنصوص أم التي نعرف فقط أسماءها، تظهر كإعادة اقتراحٍ لمواقفَ وحكاياتٍ
درامية تنتمي للتراث المسرحي، ولا تتميز إذن لكون الحبكة فيها فريدة أو جديدة، أو
للتأليف أو للعمق السيكولوجي. وفي كتابات بيك Becque،
وإيبسن Ibsen وتشيكوف
Cechov كان التأليف عملًا رقيقًا من النقش لتصميم
الملامح الفردية للشخصية ودقة الحدث، وهنا كنا نجد شخصية المؤلف تظهر بوضوح. أما
في عروض
الفارس العامية فلقد كانت الكتابة هي عمل تلخيصٍ دلالي فيه تكون الشخصيات معروفةً
بالفعل،
ويتم إحياؤها يومًا بعد يومٍ بذكاء الممثل وثقافته المسرحية.
إن الموود لا يجذب الأنظار لدقة الحدث، ولكن لمهارة الممثلين (اللاعبين) في الاستمرار
فيه. لا تكون اللعبة بهدف الوصول إلى النهاية، ولكن يكمُن نجاح اللعبة في الكيفية
التي
ينجح فيها اللاعبون في إطالة الحدث؛ ليس وصولًا إلى النهاية ولكن لاستمرار الأحداث
الحاضرة. يجب إدارة الشخصية جيدًا حتى تتمكَّن من إبداع الحدث؛ إنها الخلية الأساسية
والمحرك الأول للحدث. إن القدرة على الارتجال يجب أن تتحد إذن مع مواهبَ أخرى في
التخيُّل
والتخمين، والتي يجب أن تكون متوفرةً لتسمح باستمرارٍ بتجديد التفاعل، ولا تحدِّد
مسارًا أحاديًّا
تجاه نهاية القصة.
تلك القدرة على الارتجال الفوري، تشبه إلى حدٍّ ما ذلك النوع من التدريبات التي أصبحَت
أساسية في تدريب الممثل، ولا يجب أن تُؤخذ في الاعتبار كشيءٍ مسلَّم به، ومثالٌ آخر
على ذلك
يمكن أن يُحيلَنا إلى الكوميديا ديل آرته (الملهاة المرتجلة).
٣٤ يذكُر نيكولاي جورشاكوف
Nikolaj Gorchakov
في وصفه لخبرته كتلميذ إخراجٍ في مدرسة مسرح الفن في موسكو، دراسةً كتبها عن الإخراج
في
خريف ١٩٢٦م. في تلك المناسبة كان المعلم ستانسلافسكي
Stanislavskij هو مَن أشار إلى التدريبات الخاصة
بالارتجال كلحظةٍ أساسية لإبداع الشخصية ولمنحها أبعادها الشخصية.
٣٥
إن القدرة على تطوير إبداعٍ ارتجالي وفريد، على أساس الظروف المعطاة، تبدو إحدى تلك
المواهب الضرورية، سواء للممثل المسرحي أو للمستخدم المنهمك في أحد العروض أون
لاين.
إن تعريفات مَن هو الممثل كثيرة — في اللحظة التي يمكن تحديد ذلك — وغالبًا ما تكون
مرتبطة بجسد المؤدي، وبحالته المادية، والتي يمكن إدراكها بكل الحواس. في بعضٍ تبدو
الأحوال المادية الخاصة بالممثل المسرحي ظاهرة أكثر من الخصائص الإنسانية أو الروحية.
٣٦
إن الفضاء الإلكتروني يُعدِّل ما يرتبط لدينا بفكرة الجسد والشخصية. ما هو الوضع السياسي
أو الأخلاقي الذي يمكن أن تكون عليه الذات العليا الافتراضية الرقمية في الفضاء
الرقمي؟!
إن وجودنا كأفرادٍ منفصلين وهويتنا الشخصية يعتمدان على واقع أننا «أجساد»؛ فوجودنا
الجسدي هو الدليل المرئي على هويتنا الشخصية وعلى فرديتنا. كلٌّ من القانون والأخلاق
يعترفان بالجسد المادي كنطاق، كحدٍّ لا يمكن تجاوزه يُؤسِّس ويُعلِن خصوصيَّتَنا.
الآن تصنع
شبكة الحاسوب ببساطة الوجود الجسدي للمشاركين جانبًا نازعةً أو مقلدةً فورية الجسد.
يحرِّرنا هذا، بطريقةٍ ما، من القيود الموضوعة على هويتنا الجسدية. على شبكة الإنترنت
نشعر أننا متساوون، نظرًا لأننا نستطيع أن نتجاهل أو أن نخلق بأنفسنا الجسد الذي
نراه على الفضاء الإلكتروني. إن الجسد الثانوي أو الشكل المقابل يكشف عن أنفسنا
فقط،
ذلك الذي نرغب في إظهاره بواسطة قوانا العقلية.
٣٧
إن إمكانات أن نعيش واقعًا آخر بعيدًا عن ذلك اليومي، وأحلام عوالم متوازية وافتراضية
تتسبَّب في مخاوفَ متجذِّرة في ثقافتنا؛ فالوحش الرمزي للعصر النووي جوتزيلَّا قد
تم استبداله
بالكابوس الرقمي لماتريكس
Matrix. إن هذا جزءٌ من الشكوك العامة التي عادةً ما تُحيط
بكل ما يبعد عن الواقع دون أن تكون له أي احتمالاتٍ مستقبليةٍ محدَّدة.
٣٨
إذا كان التمثيل البسيط يشغل المرء عن الحقيقة، فماذا يمكن أن نقول إذن عندما ينغمس
تمامًا في عالمٍ افتراضي وخيالي؟ لقد كان لخشبة المسرح عَبْر القرون هذه القدرة؛
كانت هذه
القدرة موجودةً لدى الممثِّلين السينوغرافيين، الموسيقيين، وكل من كانوا يجرِّبون
الإمكانات
المختلفة للعروض المسرحية. والفضاء الإلكتروني يرشِّح نفسه ليستضيف نموذجًا آخر مختلفًا
لمسرح
يغيب عنه الجسد، ولكن يستمر في تقديم أداء في الحاضر، على عكس السينما أو الصور التي
يُعاد إنتاجها.
إذن فالفضاء الإلكتروني يتطلع لنوعٍ من الأنشطة التمثيلية، من خلال شكل الأحداث التي
تم
قيادتُها بواسطة ذاتٍ عليا بلا جسد. هذا الكيان يمكن أن يُوجد فقط على شاشة الحاسوب
أو
في مكانٍ افتراضي.
ذلك الانقسام بين أنحاء وحدة الجسد والتمثيل، والمثير للقلق من بعض وجهات النظر،
يتخذ
ملامحَ أقلَّ رعبًا وخطورة ويقود — بالعكس — إلى نوعٍ مثير من الحرية في الموود (أو
في
لعبةٍ تشخيصية) لا يتم توزيع الشخصيات حسب متطلباتٍ خالصة جسدية أو حسب مظاهرها،
جنسها أو
نوعها، إلخ؛ الممثل-اللاعب تم تحريره من قيود جسده.
٣٩
وهنا تجد الأسئلة حول وظائف التقنيات التمثيلية أون لاين بعض الإجابات.
في منتصف الطريق بين كونه مؤلفًا وممثلًا، يجد المؤدي أون لاين في حضور قدرته على
التخيُّل،
أكثر من الجسد أو الصوت، الأداة الرئيسية لموهبته الفطنة. أظهرَت تلك التأملات حديثًا
فائدتها في استيعاب هجرة بعض ألعاب الفيديو الثلاثية الأبعاد إلى الإنترنت تبعًا
لنماذجَ
خاصة؛ حيث يمكن أن تكون وثيقة الصلة أكثر اقترابًا لمجتمعات «الحياة الثانية» في
هذه
الحالة هُزمَت لمحاكاة، تهدف إلى تكرار النشاط الكامل لمجتمعٍ إنساني في فضاءٍ مفتوح
للمشاركة. بعيدًا عن التأملات الاجتماعية أو الاقتصادية (والتي تعزل هذا العمل) سنقتصر
على
أن نلاحظ أن الحياة الثانية Second
Life تتحوَّل إلى المكان الذي فيه يتم القيام بعروضٍ حقيقية بل
واستعراضية بالفعل (حفلات موسيقية، فعاليات فنية)؛ فالأمر يتعلق بديكورات جرافيك
ثلاثية
الأبعاد، والتي تحاكي إلى أقربِ درجةٍ ممكنةٍ الاقتصادَ المتعلقَ بالعالم الواقعي.
ليس من
الصعب أن نفترض أنه بمرور الوقت يمكن لهذا الديكور أن يحدِّد نموذجًا تمثيليًّا خاصًّا
به، مستقلًّا
ومحددًا، يمكن إضافته لما نعرفه بالفعل. ربما كنوعٍ من الفرصة الثانية السحرية، يمكن
لكلٍّ
منا أن يعيد اختراع ممثلٍ على مسرح أو في إنتاجٍ سينمائي افتراضي.
إن الحياة الثانية
Second Life تدور حول التعبير
الشخصي. وتجسيد الفكرة (
avatar) هو أكثر تعبيرٍ شخصيٍّ على
الإطلاق؛ ففي النهاية، الفكرة المجسَّدة هي شخصيتك في العالم الافتراضي.
٤٠
إلا أنها ليست أول مرة يتدخل فيها الإبداع التكنولوجي، ويؤثِّر على التقنيات والقدرات
التمثيلية، موجهًا إياها نحو اتجاهٍ أو آخر. إن واجبات ممثل المسرح والسينما أو التليفزيون
يمكن أن تكون مختلفة تمامًا فيما بينها؛ فالتقنيات التمثيلية لتقديم شخصية على شاشة
السينما ابتعدَت عن تلك الخاصة بالمسرح.
٤١ أحيانًا تصنع السينما طبيعة الممثل نفسها موضع النقاش، بالإضافة إلى
خصائصها التقنية وتراثها. ولنتذكَّر على سبيل المثال، السينما الصامتة، والتي كان
الممثلون
فيها يفتنون المشاهدين، دون أن يكون عليهم النطق بكلمةٍ واحدة، ولنعُد أيضًا إلى
نزعة
الواقعية الجديدة الإيطالية لفترة ما بعد الحرب، وإلى كل الشخصيات بداية من لصوص
الدراجات
Ladri di
biciclette إلى أومبرتو دي
Umberto D، التي قام بتمثيلها ممثلون لم
تكن لديهم أي خبرةٍ تقنيةٍ في التمثيل. حاليًّا يوجد حشدٌ عريض من الممثلين تعتمد
قدراتهم
الفنية إلى حدٍّ كبير على الوسيط السينمائي، ولم يكن لهم أيُّ وجود قبل ذلك. هناك
تحديثات
أيضًا قادها التليفزيون في السنوات العشر الأخيرة. من الواضح أن ممثل أحد مسلسلات
التليفزيون، والذي التزم بتقديم الشخصية نفسها لأعوام، بالعبارات التي عليه إلقاؤها،
والتي
كتبها عشرات المؤلفين المختلفين، والتي ربما لم يحفظها جيدًا؛ لأنه تسلَّمها قبلها
ببضع
ساعات، يمكن أن يطوِّر تقنيةً تمثيليةً مختلفة تمامًا عن الممثل المسرحي.
ربما خلقَت التكنولوجيات الجديدة أيضًا أسلوبًا تمثيليًّا جديدًا، ربما يختلف كثيرًا
عن
ذلك الخاص بالممثل المسرحي. ربما تخلق التكنولوجيات الرقمية أيضًا أسلوبًا جديدًا،
ربما
تقود عملية من الديمقراطية في الإلقاء؛ في نوع من التجزيء المختلف للنشاط الأدائي،
سيزداد عدد من يمكنهم تجريب موضوعٍ ما كثيرًا. وقد تميَّز والتر بنجامين
Walter Benjamin بتقديم عملية تحول المنتج الفني تجاه
الجماهير جزئيًّا، نوع من تقديم الديمقراطية في إنتاج الصور، على النسخة السينمائية،
حدث
ذلك من قبلُ بالتصوير بكاميرات اﻟ ٨ ملِّيمتر المحمولة، ثم انتشر ذلك الأسلوب مع
ظهور
كاميرات الفيديو. أي شخصٍ لديه الإمكانات بأن يمتلك كاميرا تصوير، واليوم كاميرات
الديجيتال ذات التكنولوجيا الرقمية، يمكنه أن ينفذ فيلمه الخاص، وربما يقوم بعمل
المونتاج
له ببرنامج كومبيوتر خاص بالإعداد الرقمي. في بعض الحالات عادت الصناعة السينمائية،
وأعادت صياغة تلك الثورة الجديدة في الصور بعد أن هجرَت معدَّات التصوير الضخمة،
وتركَت
وراءها بكر الأفلام اﻟ ٣٥مم، ومواقع التصوير المجهَّزة لتخصص نفسها، والكاميرا على
كتفها،
وتنطلق نحو آفاقٍ جديدة للتصوير. بفضل التركيبات النظرية أيضًا للموضة الجديدة
Nouvelle Vogue ظهر جيلٌ جديد لم يعُد يُطلَق عليهم اسم
مخرج، ولكن هناك مصطلحٌ خصِّص لهم تحديدًا، وهو صانعو الأفلام
Film
maker فهم مخرجون بالمعنى التقليدي، ولكن أيضًا هناك
شيءٌ مختلف، زائد
ينتجون صور فيديو، أفلامًا قصيرة المدة، فيديو كليب، يتحركون بحريةٍ بين أفلام الخيال
والوثائق وفيديو الفن.
٤٢ بطريقة مشابهة ربما سنرى في المستقبل أجيالًا جديدة من الممثلين
الافتراضيين، والذين سيتمكَّنون من تجريب متعة إبداع حدثٍ دراميٍّ حيٍّ ومباشر. ربما
نطلق عليهم
اسم صانعي-المسرح
theatre-makers وربما يصبحون ممثلين افتراضيين
virtual-performers. ليس لهذا أهميةٌ كبيرة، إن ما يهمُّنا هو
أن هناك احتمالاتٍ لفتح بعض الثغرات بداخل الإنتاج المسرحي الموجود بالفعل.
(٤) الوجود عن بُعد
إن الحديث حول الفضاء الإلكتروني كواقع افتراضي يتم فيه حدوث قصص والمشاركة في حدثٍ
درامي ازداد ثراءً في الأعوام الأخيرة، بأسلوبٍ جديد أزال الحدود بين الافتراضي والواقعي.
إن ما يُسمَّى بالألعاب المنتشرة، بفضل تطوُّر التكنولوجيا المتوفِّرة على الأجهزة
الجوالة أو
الثانية، بدأَت تجرِّب منذ بضعة أعوامٍ إبداع المجتمع، وخاصةً في مجال اللعب؛ حيث
يتم
استعراض أنشطة تلك الألعاب في أماكنَ واقعية (فضاء حقيقي في المدينة، أو يتم إعداد
السينوغرافيا له بهذه المناسبة)، والتي فيها يكون للمستخدمين هُوياتٌ أخرى، ويمكن
أن
يتلقَّوا معلوماتٍ إضافيةً وخيالية خاصة بالأماكن والأحداث الموجودين فيها. من أول
وهلة
تبدو تلك الأنشطة قريبةً من العروض البيئية أو الألعاب التشخيصية التقليدية؛ إلا
أن
الفارق يبرُز عندما نستنتج أن ما يُطلق عليه الوسائط المتقدمة
advanced media تسمح للاعب بأن تكون لديه
معلومات «إضافية»، تفيد في أن يحوِّل العالم الواقعي الذي فيه ينفِّذ أداءه المادي،
وتضعه في
علاقة مع العالم الافتراضي، الذي سيكون لأدائه بداخله نتائجُ أخرى. وفي هذه الحالات
تكون
التجارب غالبًا مرتبطة بمجتمع اللعب، وبالمؤسسات الكبيرة للاتصالات، والتي تستخدم
أنشطة
اللهو كآلية للتسويق؛ ولكننا لن نتطرق كثيرًا لهذا الجانب، وسنكتفي بأن نذكُر بأن
هناك
مشروعاتِ بحثٍ أو مشروعاتٍ فنيةً تعمل على دراسة الخواص الانفعالية والأدائية لتلك
الألعاب؛
حيث يدور مركز الأبحاث حول السؤال الخاص بالوجود أو الوجود في كل مكان، وهو السؤال
المهم في إطار موضوعنا هذا.
٤٣
في هذا الأفق، المركَّب والمتغير باستمرار، يظل من الممكن التعرف على مشهدٍ يحدث ليس
في
العالم الواقعي، ولكن في الفضاء الإلكتروني. بمجرد وضع الحدود المسموحة لما يمكن
أن
نطلق عليه عرض أون لاين تبقَى أمامنا الأسئلة المتعلقة أكثر بفائدة عرضٍ كهذا وبالجمهور.
بالإضافة إلى الممثل، فالجمهور أيضًا في واقع الأمر متورط في مشكلات حول الوجود،
ويرى
نتيجةً لذلك القوانين الخاصة بذلك وقد تفكَّكَت.
إن العلاقة بين المسرح والجمهور، كما هو معروف، هي موضوع درجةٍ عاليةٍ من الشكليات.
بلا
شك عندما ندخل إلى المسرح نعرف ماذا نفعل، أين يجب أن نجلس، متى نلتزم الصمت، متى
نصفِّق
وفي النهاية، متى نخرج؛ فنحن معتادون ضمنيًّا على مجموعة من الأعراف. ومن بين تلك
التقاليد، على سبيل المثال، الفاصل بين خشبة المسرح وقاعة المسرح. نفترض دائمًا أن
من
يقف فوق خشبة المسرح هو الممثل ومن يجلس في القاعة هو المتفرج.
إن ترسيخ هذا القانون سمح، بالفعل، منذ أكثر من قرن، لبعض الممثلين والمخرجين والمؤلفين
بأن يضعوا هذا الحد الفاصل موضع المناقشة لأهداف إبداعهم الفني. في بعض الأعمال
الدرامية لبيرانديلُّو نجد أن الآلية الدرامية تعتمد، بأساليبَ مختلفة، على حركةٍ
مستمرة
بين خشبة المسرح وقاعته، بداية من مشاجرات لكلٍّ طريقته (١٩٢٣م)، إلى الموكب في مسرحية
عيد
سيد السفينة (١٩٢٤م)، إلى الأداء بين الجمهور في هذه الليلة سنرتجل عام ١٩٣٠م.
٤٤
من المؤكَّد أن هناك أحداثًا مسرحية تبخَّر فيها الانقسام بين الأداء والجمهور. لنتخيَّل
أنفسنا نمُر في ميدانٍ حيث يُوجد، في مكانٍ ما محدَّد، بعض الممثلين يؤدون عملًا
مسرحيًّا
موجزًا. في هذا الوضع البسيط أيضًا، وفي بيئةٍ لم يسبق إعدادها، يتأسَّس نوع من النظام
الفوري المعتاد. ستختار الفرقة منطقةً في الميدان تكون مرئيةً فيها أكثر، ربما ستضع
على
الأرض بعض الأدوات أو الأزياء المستخدمة للتمثيل؛ سيحتشد بعض الأشخاص في شكل دائرة،
تاركين الفضاء اللازم للأحداث في المنتصف خاليًا، وفي فترةٍ وجيزة ستكون قد تكوَّنَت
ديناميكية
خشبة المسرح والصالة. في كثيرٍ من الأحيان سنكون أيضًا قادرين على تحديد درجة الاهتمام؛
يمكننا أن نتوقف ونصبح جزءًا من الدائرة، ونحضُر العرض كله، نصفِّق وربما نحاول أن
نشارك،
ويمكننا أيضًا أن نتوقف قليلًا ونحاول أن نفهم الموضوع ثم نرحل؛ ويمكننا أيضًا أن
نستمر
في حال سبيلنا مُلقين فقط بنظرةٍ فضوليةٍ على العرض ثم الاستمرار في السير.
في العروض المقدَّمة على شبكة الإنترنت تكون العلاقة مع الجمهور شبيهةً بتلك الظواهر
الاستعراضية، والتي لا يمكن لملامحها أن تخضع لنظامٍ محدد. تُوجد فيها سواء القدرة
على
الارتجال (مثل لاعبي ألعاب التشخيص) أو الحد المؤقَّت بين المتفرج والممثل. كانت
القدرة
على كسر الانقسام بين فضاء المشهد وفضاء الصالة، حتى تتلاشى الحدود بين الفضاء المتخيَّل
للممثلين والفضاء الواقعي للجمهور، مشكلةً أساسية في التجريب المسرحي في القرن العشرين.
حتى وإن كان بيرانديلُّو، على سبيل المثال، مذكورًا كثيرًا؛ لأنه كتب بعض أكبر أعماله
تبعًا
لصياغة المسرح بداخل المسرح، إلا أنه لم يخترع بالتأكيد تلك التقنية.
لقد كان سحر إمكانية إزالة الحدود بين الخيال والواقع معروفًا بالفعل منذ موليير،
كما
تشهد على ذلك مسرحيته مرتجل فرساي
Impromptu de
Versailles (١٦٦٣م) والتي من خلال تمثيله هو بنفسه فيها، كان
يجادل مع أسلوب الأداء التراجيدي المنتشر في فرنسا في تلك الأعوام، ولكن تجدر الإشارة
أيضًا إلى أنه بين القرنَين السابعَ عشرَ والثامنَ عشرَ كانت خشبة المسرح والصالة
تُعدَّان
مكانًا واحدًا، وكانت عادة أن يتم استضافة بعض المتفرجين المهمين فوق خشبة المسرح
منتشرة،
إلى حد أن جولدوني، في كتابه المسرح الكوميدي (١٧٥٠م) شرح كيف أن بعض المتفرجين كانوا
يفضِّلون
الجلوس فوق خشبة المسرح بدلًا من الصالة، حتى لا يتعرضوا للمضايقة، بأن يتلقَّوا
شيئًا من
البصاق الذي كان المتفرجون يطلقونه أحيانًا من مقاعدهم. لكن بعد ذلك بفترة وخاصة
مع
المسرح الحر
Théâtre
libre والذي أسسه أندريه أنطوان
Andr
Antoine عام (١٨٨٧م)، سيطبَّق مفهوم الحائط الرابع (بين الممثلين
والمتفرجين) تمامًا؛ وشيءٌ فريد أن أبدى مسرح القرن العشرين على الفور
نوعًا من الضجر إزاء ذلك التقليد الحديث،
مقترحًا خلال الأعوام العديدَ من أشكال إعادة التفكير
والتجسيد لهذا الفضاء المسرحي.
٤٥
ولكن تنوُّع الأشكال لا يتضمن غياب القواعد. في الفضاء الإلكتروني أيضًا من الضروري
أن
تكون هناك بعض القواعد الواضحة التي توضِّح الفارق بين الجمهور والممثلين، بين المشهد
والقاعة. ليس من الصواب أن نتخيَّل عالم الإنترنت كله كخشبةِ مسرحٍ ضخمة؛ حيث يكون
كل شيء
فوقها تمثيلًا؛ لأن ذلك سيجعل من المستحيل وجود أي نقاشٍ حول وجود عروض أون لاين.
بالعكس،
يلزم تمييز وسيلةٍ ما، شكلٍ ما يتم اقتراحه كحدثٍ مسرحي، ويتميز عن الأحداث ذات الأنواع
المختلفة، والتي تتم بداخل الفضاء الإلكتروني. إن الاشتراك في عرضٍ على الإنترنت
مباشرة
ليس مثل كتابة بريدٍ إلكتروني لزميل في العمل.
في الأعمال التجريبية المتنوعة التي تجرِّب عرضًا على الإنترنت فعليًّا وحقيقيًّا،
في بيئة بها
العديد من المستخدمين (بداية من أزمنة الموود Mud أو
Ire الدردشة على الإنترنت
IRC-Internet
Relay Chat) كانت أول مشكلة هي إعطاء خاصيةٍ ما لوجود الجمهور، وتجنُّب
ضياعه، وذلك من خلال تزويده ببعض قواعد السلوك.
وجد ستيوارت هاريس
Stuart Harris حلًّا لتلك
الشكوك، وهاريس هو أحد روَّاد مسرح الإنترنت؛ فالممثل الإنجليزي، والذي يعيش حاليًّا
في
كاليفورنيا، اكتشف القدرات المسرحية للدردشة عام ١٩٩٣م. وفي ديسمبر من العام نفسه
استخدام تقنية الدردشة على الإنترنت
Internet relay
chat لينفِّذ عرضه هامنت
Hamnet، وهو
العرض التجريبي للمحاكاة الساحرة لهاملت-شيكسبير. قام هاريس بفتح قناة دردشة، لذلك
العرض، وأطلق عليها اسم
#hamnet حيث كان الممثلون والمتفرجون يتقابلون أون
لاين. وبهذه المناسبة اختزل الأدوار في النص الأصلي من سبعة عشر إلى تسعة أدوار،
وفي
الوقت نفسه، وبينما يقلِّل من أعداد الممثلين، أضاف أيضًا بعضَ الأدوار التي لها
فائدة
لإخراج عرضٍ على قناة دردشة على الإنترنت
Ire مثل
خروج
Exit، وأصوات طبول، وألوان، ومقترح وجمهور.
٤٦
كان على هاريس إذن أن يُعِد الجمهور ضمن الموجودين على
IRC؛ حيث صعُب في هذه الحالة عدم احتساب وجود الجمهور عند
الإعداد، وهو الشيء الذي يحدث عادةً في المسرح؛ حيث يحتسب وجود الجمهور كأمرٍ مسلَّم
به.
وبعد ذلك في فبراير عام ١٩٩٥م، اقترح هاريس عرضًا آخر، اقترح قناة
IRC أخرى اسمها
#Desire والمأخوذ من تنسي ويليامز
٤٧ Tennessee Williams. تضمن العرض أربعة
ممثلين متصلين على القناة من بلادٍ مختلفة، بالإضافة إلى الجمهور، والذي في هذه الحالة
أيضًا كان عليه الاشتراك في أدوار كومبارس (مجموعات المارِّين، أشكال محيطة
بالأحداث).
حتى وإن كان هاريس حاول ضم الجمهور إلى الحدث، إلا أنه لم يضع في اعتباراته نوع
الأدوار التي يمكنه أن يَعهَد بها إليهم. ومن المعروف على نطاقٍ واسع أن مستخدمي
حجرات الدردشة
لا يمكن التحكُّم فيهم، ومن الصعب تجميعُهم في مجموعاتٍ متناسقة، الشيء الوحيد المشترك
ربما
يكون واقع أنهم عادةً يستخدمون هوياتٍ متغيرة ومتخفِّية. وغالبًا ما يتحكَّمون في
اهتماماتهم
بطريقةٍ متقطعة؛ وكأننا نرغب بذلك في تقديم عرضٍ مدتُه ساعة، في إحدى محطات مترو
الأنفاق، في
ساعة الذروة؛ حيث يدخل ويخرج الناس من المحطة كل ثلاث دقائق.
في أكتوبر عام ١٩٩٦م كان عرض: إغواء النت، إنتاج مسرحي تفاعلي Netseduction, an interactive theatrical
production وهو عرض نفَّذه ستيفن شروم Stephen
Schrum لدى آثيمو ATHEMOO. أراد المؤلِّف
أن يؤكِّد على فكرة الخلط بين الممثلين والمتفرجين على ضوء تحديث أشكال «المسرح بداخل
المسرح»، كما أعاد صياغتها مسرح الليفينج في عرض الصلة The connection
عام ١٩٥٩م؛ وبالتالي التأكيد أيضًا على الخاصية المميزة لخبرة العمل
المسرحي على الفضاء الإلكتروني.
إن إغواء النت
NetSeduction هي غرفة دردشة على
الإنترنت ومكان اللقاء، يُوجَد فيها بار، وصالة رقص، تُوجَد أضواء وأدوات صالة الديسكو
…
ولكن، والأهم، يُوجَد الأشخاص، أناسٌ يمكن مقابلتهم، يمكن التحدث معهم … وربما يمكن
أيضًا … إغواؤهم.
٤٨
في هذه الحالة أيضًا تم حل المشكلة من خلال التصريح بوجود الجمهور، وضمه للحدث في
مستوياتٍ مختلفة (اللاعبين، المتنكرين، والسوبر).
٤٩
إن مشكلة تنظيم سلوك الجمهور في عرض أون لاين ترتبط بالمشكلة الأكبر والأعم، والخاصة
بأخلاقيات النت Netiquette، وهو المصطلح الذي يعني نوعًا
من الاحترام في التعامل على الفضاء الإلكتروني، سلسلة من قواعد الوجود تطلبها البيئة
الجديدة لتتمكَّن من أن تعبِّر تعبيرًا كاملًا عن إمكاناتها الخاصة.
ولكي ينجح الحدث المسرحي لا بد وأن يكون الوجود في المكان نفسه، بالنسبة للممثلين
والجمهور، شيئًا مفهومًا بوضوح. تُوجَد إذن مشكلةٌ خاصة بتنظيم الوجود الذي يرتبط
مع العرض
المباشر على الإنترنت مع إمكانية التعبير عن الذات، والظهور من خلال أحداثٍ وحركاتٍ
افتراضية. إن وجودنا؛ حيث إنه افتراضيٌّ، يمكن أن يتحقق فقط في وجود الجدل المستمر
مع
الذات، فقط عندما نضع أنفسنا بداخل آلية الحدث، في الزمن حيث يمكننا أن نعيد بناء
الأشياء المحيطة بالفضاء؛ وبالتالي وجودنا نفسه. يُوجد الفضاء الإلكتروني فقط مثل
عمليةٍ
مستمرة مثل حركة.
إذن فمن جهة يمكن استخدام خاصية التغيُّر السريع للفضاء الإلكتروني لجعل الوجود
ديمقراطيًّا، ولكن هذا يمكن أن يقود إلى نوعٍ من الفوضى في الاتصال، والتي ينتُج
عنها
انهيار أنظمة بناء الحدث.
ومن جهة أخرى من الممكن قمع أشكال أداء الجمهور، ولكن ذلك يمكنه أن يؤدي إلى إقصاء
الحدث. إن وضع متفرج أون لاين في وضعٍ يمنعه، أو يعرقل قدرته على التصرف أو الأداء
يعني،
إذا قارنَّا الوضع بالصالة المسرحية، أن نتخيل عرضًا مسرحيًّا يجلس فيه الجمهور مقيدًا
على
كرسيه، بل ومكممًا أيضًا. بل ويمكننا أن نقول إن متفرجًا في الفضاء الإلكتروني ليس
لديه
إمكانية التعبير يكون كالغائب، يكون كالمقعد الخالي في صالة المسرح.
في جامعة بوينا فيستا
Buena Vista University في أيوا
Iowa في الولايات المتحدة، خطَّط البروفسور كينيت ج.
شويلر
Kennet G. Schweller وبنى مجتمعًا أكاديميًّا افتراضيًّا
أطلق عليه اسم
٥٠ CollegeTown MOO. في إطار ذلك المجتمع وُضع
مشروع فضاء مسرحي يحاول أن يترجم التقاليد العادية للعلاقة بين خشبة المسرح – الصالة
في
مجالٍ يعتمد النص.
text-based والحل المُقترَح هنا هو ذلك الخاص بتقسيم الفضاء
بأكمله إلى مناطقَ مختلفة، فيها يكون الحضور مجبرًا على اتباع بعض قواعد السلوك.
أعهد شويلر Schweller سلسلة من الفضاءات إلى إمكانات
أداء (قواعد) مرتبطة بها، مستوحيًا تصميمه من أماكن المسرح التقليدية في الطابق الأساسي
(القاعة) وما دام الستار مفتوحًا والعرض بدأ سنحضر كل ما يحدث فوق المنصة (خشبة المسرح)؛
نص
الحوارات ووصف المشاهد والأصوات … إلخ. يمكننا أن نصفِّق وأن نصفِّر بحيث يسمعنا
الجميع،
ويمكننا أيضًا أن نهمسَ بتعليقاتنا فقط إلى من يجلس جوارنا حتى لا نزعج الآخرين.
إذا
أصبح أحد المتفرجين مثيرًا للضوضاء (أي قام بإنتاج سلسلةٍ من الأوامر مرئيةٍ للجميع)
يقوم
أحدُ العاملين في الصالة (عميلٌ سريٌّ اسمه أشر Usher) بإخباره أن عليه التزام الصمت. بالنسبة للجمهور الذي
يحب الدردشة في المسرح وأن يعبِّر عن رأيه الخاص، يوجد مكانٌ مخصص بلكون المشاكسين
Rowdes Balcony حيث يمكن التحدث بصوتٍ مرتفعٍ مع كل
الموجودين في الفضاء نفسه دون إزعاج الصالة (الجالسين في الصالة والممثلين الموجودين
على
الخشبة). عندما يكون المسرح خاليًا يمكن الذهاب إلى خشبة المسرح من خلال مدخلٍ خلفي
على
الجانب الشمالي (out) وزيارة الكواليس
(wings) حيث سنجد الخلفيات جاهزة للاستخدام، تُوجَد أيضًا
كابينة للتحكم (control Booth) التي يمكن من خلالها، أن يتحكَّم التقني في رفع الستار، وتغيير المَشاهد أثناء الحدث،
أو يغلق الميكروفونات
على الخشبة، أو حتى أن يمنع قاعةً مليئةً بالضوضاء من التحدث.
ما يهمُّنا هنا هو انتقال الاهتمام من العرض إلى المكان، أو الأفضل أن نقول إلى الشروط
الضرورية التي من خلالها يتم العرض. حدَّد المؤلف بيئةً للعمل مستوحاةً من نموذجٍ
أكثر
تعقيدًا للنشاط المسرحي. تم وصف الفضاء والأداء الممكن من خلال نظامٍ رسمي من القواعد
والمقدِّمات.
لا بد من وصف النظام الشكلي الذي من خلاله يمكن للمشاركين أن ينضمُّوا له لتحديد
وجودهم، ولكن علينا أن نشير إلى المتفرجين «عن بُعد»؛ حيث إنهم سيتصلون بالعرض عن
طريق
الحاسوب. وفي الحالة التي يقوم فيها مستخدم الحاسوب بالدخول على خشبة هذا المسرح
سيكون
خاضعًا، على الأقل، للشروط الثلاثة: (١) أن يكون شخصًا ماديًّا. (٢) يصبح ساكنًا
في الموود
Mud. (٣) يمثل هو أيضًا شخصية في دراما. الآلية نفسها تصلح
أيضًا للجمهور؛ حيث إننا كمتفرجين فنحن في الواقع (١) مستخدم متصل من خلال (٢) ذات
عليا
إلى الموود Mud والذي يمثل من خلال النص مثل (٣) جمهور
عرضٍ ما.
(٥) العرض الكوني
من بين المحاولات الأولى لتنسيق عرضٍ مسرحي والإمكانات المقدَّمة للاتصال على شبكة
الإنترنت، يحتل مشروع
OUDEIS: a worldwide
odyssey مرتبةً غايةً في الأهمية، والمشروع أنتجَتْه
Kis.Productions في النمسا، وتم تطويره بفضل تعاون
الفنانين والدارسين الممثلين والفنيين من مختلف البلاد.
٥١ المنشطان الأساسيان للمشروع المخرج جيرنو ليتشنر
Gernot
Lechner ومساعدة المخرج
Monika
Wunderer٥٢ وإليهما انضم المؤلف الأمريكي (من كاليفورنيا) ل. ﻫ. جرانت
L. H. Grant، والمؤلف الموسيقي الأرجنتيني
Santiago Pereson سانتياجو بيريسون.
بدأ المشروع في النمسا، في أكتوبر عام ١٩٩٥م، بِنيَّة، ليس فقط التعمُّق في الجدل
النظري
الناشئ حول التكنولوجيات الجديدة المتعدِّدة الوسائط، ولكن أيضًا لإنتاج تجريبٍ نظريٍّ
حقيقي
وفعلي يختبر الإمكانات الحقيقية التقنية. في خطوط المشروع العامة نجد أن العملية
كانت
تنسِّق الأساليب المختلفة لاستخدام الشبكة، والتي حاولنا توضيحَها حتى الآن. تم توظيف
الإنترنت كمجاز ولغة بداخل عملية الإخراج، كمكانٍ إليه يتم نقل الحدث، وكمكانٍ لتبادل
العملية الإنتاجية نفسها. تأسَّسَت تعاونياتٌ دولية بين الفنانين والتقنيين بطريقةٍ
سهلةٍ
سريعة وفي الوقت نفسه اقتصادية. كان المشروع بأكمله متناسقًا تمامًا مع التكنولوجيات
الجديدة للوسائط المتعددة، بداية من فكرته المبدئية، واتخذ على الفور شكل «جارٍ العمل»
work in progress،
والذي خلاله كانت الأفكار الفردية يتم مشاركتها بالاستمرار، ومناقشتها من مجموع
المشاركين، والذين كانوا، بمرور الوقت، يزدادون في العدد. ومن بين هؤلاء، والذين
انضَموا
للمشروع، كان هناك أيضًا جولي بروك July Burk والذي حجز
بهذه المناسبة منطقة في أثموو ATHEMOO حيث كان من الممكن
عقد بعض الاجتماعات أون لاين بانتظام. لتدعيم الآلية الإنتاجية الطموحة بمجملها تم
تنظيم
العمل على ثلاثة قطاعات (القطاع الدرامي، التكنولوجي والتنظيمي) وهي القطاعات التي
خُصِّصَت
لها ثلاث قوائم بريدية، والتي فيها كان يتم مناقشة وتحديث المشاريع المحددة تبعًا
للقطاع الملائم.
انطلاقًا من صيف ١٩٩٦م، تم تكوين كيان للتوثيق، رسالة شهرية أُطلق عليها «الوضع الراهن
status quo»، والتي كانت تجمع محاضرات المؤسِّسين
والمتعاونين، وتزوِّد بالمعلومات حول حالة تقدُّم العمل، ولكن كانت أيضًا كملاحظٍ
متميز حول
المواضيع البارزة والخاصة باستخدام الإنترنت بالنسبة للمسرح. عند الأخذ في الاعتبار
عدد
المقالات في هذه النشرة والمواد التي يتم إنتاجها للموقع، يبدو، مما لا شك فيه، أن
Oudeis نجحَت على
المستوى التنظيمي في إعادة بناء آليةٍ مُركَّبة لإنتاجٍ عالميٍّ مستخدَم بأفضل الطرق
التكنولوجية المعاصرة للاتصالات عَبْر شبكة الإنترنت.
لكن لم يكن هذا هو الهدف الوحيد، كما سبق وأشرنا، في خلال الشهور الأولى للعمل بدأَت
المجموعة في تصوُّر فكرة حدثٍ يمكن أن يصنع بالفعل الأفكار التي كانت تتم معالجتها
ومناقشتها على شبكة الإنترنت في موضع الممارسة العملية. كان قد تم تحديد عام ١٩٩٨م
لإنتاج الحدث، وذلك بفضل نوع حشد الهمم الدولي لمجموعةٍ من الدارسين والفنانين والتقنيين.
وُجدَت الأوديسية لهوميروس في وجهها المزدوج كمجازٍ للبحث على الفضاء الإلكتروني
وانطلاقًا من العمل الدرامي؛ رحلة عوليس، المراحل المتنوعة والمشروعات المختلفة،
فقدان
الاتجاه، وفي النهاية الوصول إلى الهدف النهائي، كانت كلها المادة الكاملة، والتي
عليها
تم بناء العرض الذي تخيَّل شبكة الإنترنت كعالم أوديسي واسع جديد World
wide odyssey.
انطلاقًا من الشِّعر الملحمي تم توظيف أبياتٍ متنوِّعة للنص والتي، على المستوى الشكلي،
كانت
تقلِّد، تركيب التراجيديا اليونانية. والعرض الذي استمر لمدة ساعة تكوَّن من سبع
حلقات
ومشاهد متقطعة من غناء الكورس؛ كل حلقة تتفق مع إحدى مراحل رحلات عوليس؛ العملاق،
جزيرة
الرياح، جزيرة شيرشي، آدي، جزيرة أوجيجا، مملكة فياشي، إيتاكا. تتحول ملحمة هوميروس
إلى
طواف بين القارات المختلفة والفضاء الإلكتروني. كان يجب أن يدور العرض في وقتٍ واحدٍ
في ست
مدنٍ مختلفة وستة مسارح، وعوليس (الذي قام بدوره ممثلون مختلفون) كان سيتم تقديمه
ماديًّا
على كل واحدٍ من المسارح المختلفة، ولكن فقط لحدثٍ واحد كل المرة. وكما يتضح من مثال
الهيكل التركيبي الذي اقترحه مؤلفو المشروع، ففي الحدث الأول، يجب أن يكون عوليس
موجودًا
جسديًّا في شيكاغو، وكان سيتفاعل مع بوليفيمو الموجود بدوره في ريو. في الحدث التالي
كان
سيكون في روما يتحاور مع رفاقه في بوينس آيرس وإيولو في النمسا. وهكذا بالتتالي سيكون
البطل قد سافر إلى المواقع المتنوِّعة السابقة التحضير، وسيكون قد تفاعل دائمًا على
الأقل
مع مكانٍ متصلٍ عن طريق الإنترنت.
المكان/الأحداث |
شيكاغو |
روما |
ريو |
فيِنَّا |
بوينس آيرس |
أستراليا |
الفضاء الإلكتروني |
العملاق |
عوليس |
_ |
بوليفيمو |
_ |
_ |
_ |
_ |
جزيرة الرياح |
_ |
عوليس |
_ |
_ |
رفاقه |
إيلولو |
_ |
جزيرة شیرشي |
إيرمس |
_ |
عوليس |
أوريلوكو |
شيرشي |
_ |
_ |
آدي |
_ |
تيرزيا |
_ |
_ |
عوليس |
الأم |
_ |
جزيرة أوجيجا |
إيرمس |
_ |
_ |
عوليس |
كاليبسو |
_ |
_ |
مملكة فياشي |
_ |
_ |
ألشينو |
_ |
_ |
عوليس |
_ |
إيتاكا |
_ |
_ |
_ |
_ |
بينولوبي |
_ |
عوليس |
على كل خشبة مسرح تم وضع التجهيزات والديكورات نفسها، والتي كانت عبارة عن مستوًى
لأداء الممثلين الواقعيين، ثم مجموعة من خمس شاشات فوقها ستظهر رسومٌ بيانية وصور،
وخطوط
النص … إلخ.
أما بالنسبة للمتفرجين الموجودين في الأماكن الأخرى فكانوا سيشاهدون العرض في الوقت
نفسه (حتى وإن كانت التوقيت المحلي مختلفًا) كل شخصية ستكون موجودةً افتراضيًّا إذن
في
المسارح الخمسة وجسديًّا في أحدها فقط. وكما يتضح من الجدول السابق، فعوليس، الرحَّالة،
سيكون الوحيد الموجود مرةً واحدةً في المدن كلها. سيضع الفضاء الإلكتروني وحدة الفضاء
المسرحي موضع المناقشة؛ ذلك الجدل بين الوجود المادي والحضور الافتراضي ستكون نتيجته
هي
تحطيم الحدود المادية التقليدية، ويسمح للممثلين أن يتفاعلوا فيما بينهم عن بُعد.
ونتيجةً
لذلك سيتمكَّن الجمهور من مشاهدة الحدث الذي يتم في فضاءٍ ماديٍّ معيَّن كنتيجةٍ
للتفاعل بين
الفضاءات المختلفة والبعيدة.
أما الجمهور الموجود في صالة يتم فيها أحد الأحداث التي لم يُتوقع فيها الظهور الجسدي
للممثل، فسيرونه ممثلًا بقمعٍ من الضوء، ويسمعون صوته من خلال مكبِّرات الصوت.
نظرًا لأن الهدف لم يكن في المقام الأول ذلك الخاص بتوحيد مسارحَ متنوعة، بل بالأحرى
ذلك المنوط بتحويل الأماكن المادية المتنوِّعة في مجاز الفضاء الإلكتروني، فإن العرض
بأكمله كان سيتم نقله في وقتٍ واحدٍ عن طريق شبكة الإنترنت (الصور، والأصوات، والحوارات)؛
وبالتالي ستصبح الفرصة ممكنةً لمشاهدة العرض أيضًا من خلال شاشة الحاسوب.
وفي الافتراضات التي طرَحَها المؤلفون، كان يجب على الممثل الحقيقي أن يتحركَ ويؤديَ
دوره
على خشبة المسرح فوق رقعة شطرنج. وكان يُوجدَ عامل على جانب الخشبة ليقوم على الفور
بنقل
موقعه للأماكن الأخرى، وكانت حركة قمعٍ من الضوء على المشاهد الأخرى ستمثل حركات
الممثل
الحقيقي، ولكن لن يشير الضوء فقط إلى موقعه، بواسطة مجموعةٍ خاصةٍ من أجهزة الاستشعار
الموضوعة على الجسد، سيتمكن الممثل من أن ينقل بعض المعطيات الجسدية الناتجة عن حالته
الانفعالية نفسها، يمكن لأجهزة الاستشعار تسجيل دقات القلب، والاتصال بالجلد؛ وبالتالي
استعادة تمثيلٍ جزئي لانفعالاته. إن تلك المعلومات، بالإضافة إلى مؤشراتٍ أخرى من
العامل
الموجود في المكان نفسه، ستزوِّد الحاسوب بالمعطيات لتغيِّر كثافة ولون أقماع الضوء
وسيقوم
إجمالي الصوت والإيقاع، والتي يتم نقلها في صيغةٍ رقمية من خلال الشبكة، بتحديد التأثير
النهائي؛ ليس من خلال الوجود المادي، بل من خلال ذاتٍ عليا رقمية خاصة، إلى هنا كان
المشروع يحاول الإجابة عن الأسئلة حول تعاون الممثلين الموجودين في فضاءاتٍ مختلفة،
ولكن
تبقى مشكلة الجمهور. إن الغياب الجسدي للممثلين يمكن أن يكون له تأثيراتٌ سلبية على
اندماج الجمهور واشتراكه، وخاصة بالنسبة للذين سيحضُرون العرض فقط من خلال شبكة
الإنترنت. تم حل المشكلة على الأقل من الناحية النظرية، وذلك من خلال إضافة نوعٍ
من
التفاعل العميق للجمهور، إضافةً إلى التفاعل بين المسارح المختلفة.
لتنفيذ هذا الغرض كان من المفيد تقسيم العرض إلى أحداث وغناء تراجيدي. وهذا الغناء،
في التراجيديا اليونانية عادةً ما يقوم به الكورس، أما في مشروع
Oudeis فلقد طُلب من الجمهور القيام بهذا الدور، في
الصالات المختلفة وعلى شبكة الإنترنت. بهذه الطريقة كان يمكن لكلِّ من يشاهد العرض
(مباشرة،
أو من خلال الشبكة) أن يكتسب أيضًا وجودًا على الصعيد الدرامي. في مراحل الإنتاج
قام
المؤلف الغنائي سانتياجو بيريسون
Pereson Santiago
بالاشتراك مع المجموعة الدولية من الموسيقيين والمغنِّين بتأليف سلسلة من الأصوات.
٥٣
أثناء الأحداث، يمكن لكل متفرجٍ أن يصل إلى شيءٍ كلوحة التحكُّم ليدير تلك الأصوات
من
خلال أجهزة الحاسوب الموجودة في الصالة، أو من خلال حاسوبه الخاص إذا كان متصلًا
بالعرض
من منزله. كان يمكن للمتفرج إذن بمفرده أن يرسل إلى الحاسوب أحد تلك الأصوات المتوفرة.
تلك المعلومات، كانت ستكون مرئيةً أثناء العرض سواء للجمهور في الصالة أو للجمهور
المتصل
عن طريق الإنترنت، بهذه الطريقة كان الكورال/الجمهور «يقود» يوزِّع الموسيقى، مستقلًّا
أثناء أداء الممثلين، في نهاية كل حدث كان يتم إيقاف الموسيقى التي تم توزيعها وتُعزف
على
المسرح وعلى شبكة الإنترنت، وهكذا يستمر الحال مع الأحداث الأخرى والأغاني
التراجيدية.
لم يُخفِ المشروع الطموحات الشخصية. بداخل المشروع توقَّعوا وجودَ صِيَغٍ بدائية
لرسم خرائط
التحركات والتنسيق مع المتعاونين الموزعين في القارات المختلفة، استخدام تكنولوجيا
الموو
Moo والقوائم البدائية التخطيط لواجهة جرافيك، وأيضًا
الإخراج التقليدي على ستة مسارحَ مختلفة.
ولكن بسبب تعقيد العملية وارتفاع التكاليف التكنولوجية تم إيقاف المشروع عام ١٩٩٧م،
وتأجيله إلى تاريخٍ لم يتم تحديده. تؤكِّد مونيكا واندرير
Monika
Wundrer: تطلَّب التحدي التقني لهذا المشروع استثمارًا اقتصاديًّا لم يكن في
إمكاننا أن نواجهه. المشكلة المعتادة هي أن المسرح المتعدِّد الوسائط يكلِّف الكثير،
ومن الصعب
العثور على مموِّلين؛ حيث إن أغلبية الأشخاص لا يثقون في التكنولوجيات الجديدة. من
جهةٍ
أخرى، من خلال استخدام التكنولوجيا فوق خشبة المسرح تُوجَد مخاطرة أن يحدث عطب لتلك
الأجهزة؛ ولهذا يصعُب الضمان للمموِّلين أن المشروع سيحظى بالنجاح الكامل.
٥٤
إلا أنه قُدم مشروعٌ شبيه، وكان عنوانه «بين الخالدين» Among the Immortals، والذي فكَّر فيه وقام
بإخراجه كلٌّ من ل. ﻫ. جرانت L. H. Grant ومونيكا واندرير
Monika Wunderer.
نُفِّذ المشروع في ٢٦ يونيو ١٩٩٧م، في إحدى صالات عرض متحف الفن الحديث
Palais Liechtenstein وفي الثاني عشر من سبتمبر ١٩٩٧م، في
Media Loft del Ars Electronica Center، كلاهما في
النمسا. كانت التجربة في جوهرها تقتصر فقط على إعداد نوعٍ من الديكور/العروض في صالة
المتحف، وكان العرض يعتمد على خلاصة ثلاثة أسفار (اللقاء مع بوليفيمو، وسكون الجنية
كاليبسو، والعودة إلى بينيلوبي). كانت الفكرة هي تقديم المحاور الثلاثة التي سبق
التحدُّث
عنها للحصول على الاستفادة المتوقَّعة من المشروع حتى وإن كان ذلك على مستوًى أقل.
والأهم
من كل شيء أن الجمهور كان بإمكانه أن يكون موجودًا جسديًّا مباشرةً في صالةٍ مُعدَّة
خصوصًا
لهذا الغرض. كان هناك منطقةٌ أُطلق عليها
oudeis بداخل
ATHEMOO تضمن
إمكانية التفاعل، معطية الفرصة للجمهور للتحدُّث مع المؤلِّفين وقراءة النص والتعبير
عن
آرائهم في صيغةٍ مكتوبة فقط. كان الوجود على شبكة الإنترنت مضمونًا من الموقع
http://www.oudeis.org/MMK؛ حيث كان من
الممكن، من خلال متصفحٍ مزوَّد بإمكانات اتصال بسماعة والفيديو
Real audio e Shockwave، الاستماع إلى
الألحان الأصلية التي ألَّفها سنتياجو بيريسون، ورؤية عوليس وهو يواجه بوليفيمو،
ويعشق
كاليبسو، وأخيرًا يعود إلى المنزل لزوجته بينيلوبي. للأسف كانت الاستفادة من الوسائط
المعقَّدة من خلال الإنترنت قاصرةً على مجموعة من الصور الرقمية ونقل الموسيقى بسبب
مشكلاتٍ
تقنية؛ ولذلك اقتصر العرض على نوعٍ من «الحفلات» في صالة المتحف وعلى اجتماع على
Athemoo.
إلا أن Oudeis يبقَى المحاولة الأولى لتحويل الإمكانات
المختلفة للاتصال عن طريق الإنترنت في حدثٍ واحد. كان يبدو أن العاملَين (المادي
والرقمي)
يعيشان في حالة اختفاءٍ متبادلة، كانت عمليتا الإخراج والمشاهدة عن طريق شبكة الإنترنت
تُعَدَّان كالحدود القُصوى لمنطقةٍ كان يُمكِن فيها تنفيذ فكرة الوجود في كل مكانٍ
للممثلين
والذين كانوا يعيشون حالةً مدهشة «هنا، وهناك والآن».
إن حلَّ وضع الحدث في مواقعَ متنوعةٍ متباعدة، فيما بينها، نجح أيضًا في عدم سحق العرض
في
المواجهة بين الإنترنت وخشبة المسرح، كما كان يحدث في حالة الاتصال عن بُعد، ولكن
من
خلال العودة المستمرة إلى خشبة المسرح واستعادة سحر الخيالي والرقمي في فضاء
مادي.
بالرغم من أن Oudeis يمكن أن يبدو مستوحًى من تحدٍّ
تكنولوجي، إلا أنه نجح، في رأيي، في تحويل سحر العالم الافتراضي إلى سحرٍ خاص بما
هو
خيالي وسحري. إن الحوار بين عالمَين متباعدَين والشعور بالضياع بداخل شبكة الإنترنت
وتدفق
المعلومات الرقمية التي تحيط باستمرار بالحدث كان يمكنها جميعًا أن تستعيد صورة فعالة
وخاصة للرحلة سواء للمتفرجين على شبكة الإنترنت أو متفرِّجي المسرح.
كان نموذج العلاقة مع الجمهور، والذي تم التحكُّم فيه من خلال قنوات الملاحظة والأداء،
مدينًا بالتأكيد، سواء للتجريب المسرحي في الستينيات والسبعينيات، أو للعروض التكنولوجية
الحديثة لفنانين مثل ستيلارك Stelare أو مارسيل أنتونيز
روكا Marcel.li Antunez Roca، وبصفة خاصة من جهة تأثير
أداء الجمهور المستخدم على العرض وما سيئول إليه (أثناء إعداده).
في عام ١٩٩٦م على سبيل المثال، نفَّذ ستيلارك عرضًا فريدًا عنوانه
٥٥ Ping
Body كان المؤدي يرتدي درعًا خارجية ومحركًا عضليًّا متصلَين
بدورهما بشبكة الإنترنت؛ كانت كمية المعطيات التي يتم تبادلها في دقيقةٍ معيَّنة
وفي فضاءٍ
معيَّن من الشبكة تتحول إلى دفعاتٍ كهربائية تُحرِّك جسد الفنان، وكان عرض مارسيل
لي أنتونيز
يشبه ذلك، وهو عرض
Epizoo؛ حيث كان الممثل موضوعًا على خشبة المسرح مثل عملٍ
نحتي من الشحم، ومرتديًا آلةً ما تدفعه على الحركة، كان يتحرك وكأنه دُمية يحرِّكها
الكمبيوتر،
ويتحكَّم في تحرُّكاته المتفرِّجون المتصلون من خلال الإنترنت.
٥٦
إن الانتباه للتأثير بين العالم الواقعي والعالم الإلكتروني أثار أيضًا اهتمام، وربما
بصفةٍ خاصة، الفنانين الأكثر وعيًا في فن الجسد body art وذلك من خلال المعارض أو من خلال ما يمكن
أن نُطلقَ عليه الفن الحي. إن التحدي الذي تمَّت مواجهتُه في مشروعاتٍ مثل الأوديسية أو الاتصال عن بعد، يرغب في أن يؤدي بتلك التجارب
إلى مجال الكتابة الدرامية، وكتابة القصة، يريد أن يحلَّ سحر رواية القصة والحدث
الفوري
محلَّ متعة الموقف الغامض.
إن تنفيذ، أو مجرد تخطيط عرضٍ على شبكة الإنترنت، يعني بالتأكيد التعبير عن رأيٍ ما
على الفضاء الإلكتروني وتحديد معناه، واتخاذ موقفٍ معيَّن حول تضميناته الأخلاقية،
وإمكاناته الجمالية.
إنها إذن منطقة بحثٍ مسرحيٍّ ساحرة لما تحتويه مشاكلها من تركيب وتشعُّبات، وهي أيضًا
الحقل الذي يكون فيه غياب وحدات النوايا والاقتراحات أكثر وضوحًا؛ حيث الممارسة،
بعيدًا
عن الصعوبات التقنية، تبدو غير مناسبة لحلول المشكلات من الناحية الجمالية والفلسفية،
الاتصالية والاجتماعية؛ وبالتالي تُفسِح مكانًا لسلسلة من النتائج، والتي إلى الآن
ما
زالت وقتيةً وغير متصلة.
مصادر ومواد من على شبكة الإنترنت
من بين المواقع الإيطالية التي تهتم بالمسرح والوسائط المتعددة لا بد وأن نذكُر موقع
www.teatron.org والذي فيه تُوجَد العديد
من المعلومات المفصَّلة حول الأحداث والمهرجانات والأعمال التجريبية للتكنولوجيات
الديجيتال (الرقمية). يحتوي الموقع على سلسلة من الروابط
(
link) المحدثة باستمرار، والتي تتبنَّى بانوراما فعالة
للوضع الحالي للحدث. من بين تلك الروابط نذكر: «أجساد وإلكترونيات»، والذي أسسه كارلو
إينفانتي
Infante Carlo. يقترح الموقع مسارًا تعليميًّا
تبعًا لثلاثة موضوعاتٍ أساسية؛ الفيديو في المشهد المسرحي، ديكور الفيديو الرقمي،
العرض
الإلكتروني في القسم المسرحي المسمَّى أجاباو
Agapow تُوجَد
العديد من الحوارات والمحاضرات والدراسات التي تم تجميعُها والمرتَّبة تبعًا
للموضوع.
ويتقدَّم المشروع
urlo على شكل مجلة إلكترونية
www.urlo.it وُلد هذا
Vito المشروع عام ١٩٩٥م، من التزام كارلو فينسكي
Carlo Fineschi، فيتو مانكوزي
Mancusi وأليساندرو داي
Alessandro Dei
بهدف البحث والتجريب. يهتم الموقع ليس فقط بالجانب المسرحي، ولكن
أيضًا بديكوراتٍ وعروضٍ فنيةٍ مفاهيمية ومتعلقة بفن الفيديو.
ونعود مرةً أخرى لنموذج المجلة، ولكن على مستوًى أوسع، ونجد الموقع
www.noemalab.com والذي يهتم عامةً
بالعلاقات بين الثقافة والتكنولوجيا الرقمية، وتأثيرها المتبادل الواحد على الآخر.
والموقع الذي يديره بير لويجي كابوتشي
Pier Luigi
Cappucci يجمع عادةً مقالاتٍ ومعلوماتٍ حول المسرح والعروض.
تُوجَد أيضًا موادُّ أخرى حول عرض
Alladeen علاء الدين، ومعلومات عامة أكثر حول
Motiroti على موقع
www.motiroti.com. والفرقة الحالية
التي يديرها علي زايدي
Ali Zaidi تقوم بأعمالها في مجال العروض الرقمية
وديكورات الوسائط المتعدِّدة، والأعمال المتعلقة بذلك في لندن. والمنشأ الثقافي للمدير
الفني قاده بمرور الأعوام إلى توجيه انتباهه إلى المسائل المتعلِّقة بالهويات الثقافية،
وجودها المشترك وإمكانات مقارنتها.
الأعمال التجريبية للعروض أون لاين والتي أنتجها ستيوارت هاريس
Stuart
Harris أثارت اهتمامًا متنوعًا. ونشير هنا بصفةٍ خاصة إلى دراسةٍ طويلة
ومفصَّلة حول
Hamnet التي قامت بها الأستاذة بريندا دانيت
Brenda Danet من قسم علم الاجتماع والأنثروبولوجيا لدى
جامعة هيبرو
Hebrew University في القدس والاستوديو
جزء من المجلة الإلكترونية، «جريدة وسائل الاتصال بواسطة الكمبيوتر
Computer-Mediated Communication»، وهو موقع لدى مدرسة
أنينبرج للاتصال، جامعة جنوب كاليفورنيا
Annenberg School for Communication della University of Southern California,
www.ascusc.org/jcmc. الجزء الأول من العدد الثاني
للدورية عنوانه: للمسرح والعرض في الكمبيوتر كوسيط للاتصال
Play and Performance in Computer mediate
Communication ويحتوي على مجموعة دراسات حول الموضوع، التي
من بينها
Curtain Time 20:00 GMT: Experiments
with Virtual Theater on Internet Relay Chat dedicato ad Hamnet وهي دراسة حول عرض هامنت
Hamnet والدراسة لا تُقدِّم فقط وصفًا للعرض، ولكن تقترح
أيضًا مقارنةً دقيقة بين نص شيكسبير والمحاكاة الساخرة التي كتبها هاريس.
بالنسبة لعرض رجل النهضة
The renaissance
man عام ١٩٩٦م، ﻟ: ج. ماثيور سانرز
J. Matthew
Saunders. لم تعُد هناك، في التاريخ الذي أكتب فيه الآن، صفحة الإنترنت والتي كانت موجودة تحت
عنوان
http://dogstar.bevd.blacksburg.va.us/Ren/RenMan1.html
ولكن ما زالت هناك المعلومات المتعلقة بالعرضين (
Internet e Frammenti e Internautilus) لفرانشيسكو
فيردينيلِّي
Francesco Verdinelli وذلك في موقع الإنتاج
www.ragdoll.it/teatro وهو موقع شركة
الإنتاج المسرحية، والتي أسَّسها ويديرها كلٌّ من روبيرتا ليريتشي
Roberta
Lerici وفرنشيسكو فيردينيلِّي
Francesco
Verdinelli والموقع له قسمٌ مخصَّص لتجاربهما حول مسرح الويب، وتُوجَد عنها
وثائقُ كافية، وذلك في بطاقات المعلومات حول العروض وبعض أفلام الفيديو، التي يمكن
إنزالها
من شبكة الإنترنت. والأفلام المتنوِّعة، والمكوَّنة من لقطاتٍ أثناء عملية الإخراج
وحوارات مع الممثلين تُوجَد في نسخةٍ يمكن تشغيلها ببرنامج
Real
player ولكن جودة الصوت منخفضة بالتأكيد. ومنذ الصفحة الأولى يمكن
الدخول أيضًا على سلسلة من الخدمات الصحفية والوثائقية التي نفَّذها فيردينيلِّي
لقناته
التليفزيونية على الويب
Web TV.
بالنسبة لأنشطة الفرق الإيطالية الشابة والبحث حول التكنولوجيا الجديدة، ومن بين
العروض والمهرجانات التي تنظَّم كلَّ عامٍ تُوجَد إمكانية عرضٍ خاصة منحَت لمهرجان
CONTEMPORANEA «العرض والفنون الخاصة بالأجيال
الجديدة». وللمهرجان موقعه الخاص
(
www.contemporaneafestival.it/htm/default.htm)
والذي يمكن أن يصلُح أن يكونَ كنقطة انطلاق، للبحث في الشبكة عن المعلومات الخاصة
بالفرق
المسرحية الشابة. وللمهرجان طابعُه الوطني، ويتحرَّك بين الوسائط المسرحية والفنون
المعاصرة
والوسائط المتعددة. والمهرجان تدعمه مقاطعة توسكانا، وبراتو وبلدية براتو ومسرح
ميتاستازيو
Teatro Metastasio Stabile في توسكانا
بالتعاون مع مركز الفن الحديث
Luigi Pecci. ويُوجَد
مهرجانٌ آخرُ حريصٌ على التكنولوجيا الجديدة، وهو مهرجان زمن الفن الرقمي
AD.E. Art Digital Era والذي تم في إطار الدورة
الرابعة والعشرين للمهرجان الدولي للمسرح
Festival Internazionale
Inteatro منذ ١١ إلى ١٢ يوليو ٢٠٠١م، في بولفيري
Polverii
(Villa Nappi) والذي قاده كارلو ماساريني
Carlo
Massarini وأعده كلٌّ من كارلو إينفانتي
Carlo
Infante وفيليا بابا
Velia Papa. ويمكن
العثور على معلوماتٍ بهذا الصدد على الموقع:
www.teatron.org/ade/programma.htm.
والفضاء الإلكتروني موضوع أحاديثَ عديدةٍ جدًّا، ويمكن للمرء أن يفقد طريقه بسهولة
بين
تعدُّد المواقع الموجودة على شبكة الإنترنت؛ وبالتالي ليس ممكنًا إذن منح كل المواقع
باختصار، ولكن يمكن الإشارة إلى موقعٍ فقط يعمل كنموذج، وهو موقع المؤتمر الدولي
حول
الفضاء الإلكتروني
(
www.cyberconf.org/index.html) والذي،
بالرغم من توقُّفه عام ١٩٩٨م، يمثل ذاكرةً مهمة ومصدرًا لا غنى عنه من المحاضرات
والوثائق.
بالنسبة لعُشَّاق الموود
Mud يمكن أن يجدوا مرشدًا جيدًا
لهذا العام على العنوان:
www.mud.it وهي
بوابةٌ مخصَّصة للألعاب التشخيصية أون لاين، وهو موقع غني بالمقالات والمعلومات،
بالتفسير
والاختبارات، بالنصائح والخدع، وبالأسرار للوصول سواء للاعب الخبير أو لذلك المبتدئ.
وبداخل الموقع يُوجَد قائمة مفيد للموود، والتي من بينها نشير إلى
(telnet://mclmud.mclink.it:6000) Lumen et Umbra والذي أخذنا الأمثلة المذكورة في
الفصل منه.
ATHEMOO
(http://moo.hawaii.edu:7000/) هو أحد أفضل مراكز جمع
المعلومات حول العروض التي تمُتُّ إلى مجال
Mud بصلة: في بعض الحالات
نجد أن انتباه العاملين بالتجريب يبدو وكأنه يتجه إلى الإمكانات المتاحة من قِبل
وسائل
الاتصال ذات الإمكانات الأكثر سرعة. أما للمجالات القائمة على النصوص والتي تحدثنا
عنها، فهي أيضًا تعمل جيدًا جدًّا بواسطة موديم
Modem
متصل بخط تليفون عادي. منذ عدة أعوام و
Athemoo لديه
صفحة بداية مصمَّمة بحيث يمكن تصفُّحها باستخدام متصفِّح، وبعدها تُوجَد أشياء يمكن
الوصول إليها
بمجرد الضغط بالفأرة عليها، والتي من خلالها يمكن الاستماع إلى الموسيقى من خلال
سمَّاعات الكمبيوتر. وهناك برامجُ أخرى مثل
Active World,
http://www.activeworlds.com أو
Adobe
Atmosphere.
http://www.adobe.com/products/atmosphere/main.html
والتي تقترح بناء مجالاتٍ ثلاثية الأبعاد على الإنترنت المتعدد المستخدمين. إنها
فرصٌ جذابة
لا يمكن توقُّعها، دون الوصول إليها ونجاح الحياة الثانية
Second Life والحياة الثانية
http://secondlife.com/ هي مجموعة أون
لاين عاشت تطورًا كبيرًا في العام الأخير، وانتشرَت سواء كمكان للتسلية أو كفرصةٍ
اقتصادية
لنوع من المشاريع الافتراضية، تبدو كمجال مليء بالإمكانات، والتي يمكن أن تنشر بطريقة
تشعبية العادة في أن يكون للمرء شخصيةٌ ممثلة له في العالم الافتراضي. ولكن تخيُّل
الانتشار القوي لهذا المكان الافتراضي يمكن أن يكون كمنح نوعٍ من الإصلاحية لافتراضي
النزعة ما وراء الإنسانية
http://transhumanism.org/ حول إنسانيةٍ
جديدةٍ صاعدةٍ في تزايُد بفضل التكنولوجيا.
وحول الألعاب المنتشرة يُوجَد بداخل مشروع
Integrated Project on
Pervasive Gaming http://iperg.sics.se والذي فيه يشترك
SICS المعهد السويدي لعلوم الحاسوب (كمنسق) والمعهد
التفاعلي (
Play Studio & Zero Game Studio)،
جامعة تامبيري
University of Tampere، و(معمل الهايبر ميديا
Hypermedia Laboratory)، ونوكيا للأبحاث، وجامعة نوتنجهام
(
Mixed Reality labs)، ومعهد فروهوفير
FIT، و(سوني لخدمات النت)، وجامعة جوتلاند
Gotland University و
Blast
theory.
مشروع
Oudeis الذي توقف منذ عدة أعوام، يمكن أن
يُحصى كوثيقةٍ مهمةٍ موجودةٍ على الموقع
www.oudeis.org والموقع يوضِّح سواء
الافتراضات النظرية للمشروع، أو الحلول التقنية المتوقَّعة والمستخدمة. أما الذخيرة
الفنية الخاصة بالصور وعدد المحاضرات فكثيرة جدًّا، وأغلب هذه الوثائق موجود بداخل
ملف
Status.quo.