الفصل الرابع
التأليف الدرامي الإجرائي والشخصيات الاصطناعية والممثل الافتراضي
(١) التعب من العضوي
«هذا حائط – هذا حائط! – هذا حائط»: تشير هذه العبارة إلى إحدى اللحظات التي
فيها تصل
الممثلة الأولى في الفصل الثالث من «هذه الليلة سنرتجل»، إلى حالة انصهارٍ كامل في
شخصية
مومِّينا. في المشهد؛ انسحبت الأم والأختان ببطء إلى الظل؛ وبقيَت هي وحيدةً بعد
أن ارتدَت
ملابس الشخصية، وزينَتها، محبوسة في فضاءٍ تحدِّده حولها ثلاثة حوائطَ عارية، وضعها
خفيةً عمال
المشهد.
وتبدأ الممثلة في ترديد العبارة السابقة
١ وذلك بنبرات حزينة، تتصاعد في كثافةٍ عميقة وهي تضرب على الحوائط بجبهتها
وكأنها حيوانٌ قد جُن جنونه بداخل القفص.
إنها بالتأكيد إحدى أكثر اللحظات سحرًا في الكتابة الدرامية لبيرانديلُّو. هنا نجد
أن
المؤلِّف، والقوي بالفعل في خبرته كرئيس فرقة، يبني مشهدًا فيه يترك الطقس السحري،
ينفجر
للمرة الأولى بهذا الوضوح، كاشفًا عن مشاركته الخاصة لمشاعرَ اجتاحَت القرن العشرين
تجاه
عملٍ مسرحي يتحرك بين العالم المادي والعالم المتجاوز.
٢
إن مشهد ارتداد البطلة لشخصية مومِّينا هو مشهد مركَّب في جوٍّ من الإيحاءات، وينقل
لنا
القلق الذي يحمله في باطنه، والذي غالبًا يتعلق بالعلاقة بين الممثل والشخصية؛ ذلك
القلق
الذي في جزءٍ كبيرٍ من تاريخ المسرح، اصطحب المشهد التمثيلي.
ولكنه أيضًا يثير الاهتمام أكثر؛ حيث إنه بهذه الطريقة يميِّز بيرانديلُّو في تركيب
الأداء السحري، نقطة الالتقاء بين النزعة المادية القصوى للمسرح (الماكياج الملابس،
جسد
الممثِّلة، الحوائط التي عليها تضرب رأسها) وعدم المادية المطلَقة للخيال (شخصية
مومِّينا،
الروح التي تمتلك الممثِّلة).
٣ هذه الإثارة غير المُفصَح عنها، بين المادة الزائلة واللانهائية غير مرئية
للروح كانت الخط المستعرض المستمر في عروض التسعينيات.
إن الأعراض الأولى الواضحة لسلوكٍ مشابه نجدها كمعطًى أساسي لطريقٍ جديد، في بروز
الاتجاه الرمزي الجديد، وقد أكد روبرتو تيساري Roberto
Tessari على حداثة الصلة بين الاصطناع التكنولوجي والإيحاء
السحري:
إذن بفضل التوافق الشديد بين التكنولوجيا المعاصرة، فإن مسرح الفترة الأخيرة من
الثمانينيات أصبح المكان السحري حيث الإنتاج الفني، إذا كان يتعقَّد ويتضخَّم من
جهةٍ
بالأجهزة التي توضِّح بشكلٍ صاخبٍ النزعة المطلقة نحو الاصطناع، فمن جهةٍ أخرى (وبفضل
تلك
الأجهزة) يكتسب شحنة من الإيحاءات التي لا يمكن مقارنتُها بالإيحاءات الصريحة في
الفترات السابقة.
٤
هو نوعٌ من الإيحاء المسرحي، والذي يستلزم مخترعًا جديدًا مناورًا، يضمن ويقود العملية
كلها.
وانتشرَت في الواقع شخصية المخرج الذي تكون مكانته بين المؤلف والممثل، لكن الجانب
الخاص
بجوهر الإخراج، بدلًا من أن يعمل كعنصر نظامٍ أصبح أداةً لتضاعف الاقتراحات. من بين
الأشكال المختلفة لتلك المسألة من الممكن أن نصل إلى شكل انقسامٍ أساسي. من جهةٍ
يمكن
التعرف على مايسترو المشهد الذي يقع على عاتقه، بل ويضمن ترجمة الشعر والدراما إلى
مصطلحاتٍ جماليةٍ متماسكة؛ ومن جهةٍ أخرى يقترح هذا الوجود شخصيةً مبهَمة لممثلٍ
مسرحي يستخدم
الإشارات الملموسة للواقع، ليوحي إلى حقائقَ تُعرض تبعًا لقطبَين؛ «الترجمة في أشكالٍ
مرئية
لشبحٍ فني، أو التعبير في أشكال تحثُّ المتفرِّج على استقبال رؤية ما هو خفي».
٥
بصفةٍ عامة نجدُ أنفسنا نشهد بروزَ اتجاهَين في الإخراج في أوروبا، وذلك في تزامنٍ
مع
نهاية القرن؛ ففي الحالة الأولى سيتوجه تجاه قالبٍ هيرمينيوطيقي، والذي فيه ينتج
العرض
عن خطٍّ مباشرٍ تقريبًا من المؤلِّف الذي أبدع النص والذي، بدوره، يتم ترجمة عمله
بواسطة فنان-مخرج ويسلمه إلى الممثلين، ومنهم إلى
الجمهور (وهي عملية تتميز بها مدرسة مسرح الفن في
موسكو). وفي الاتجاه الآخر نجد مجموعةً من المحاولات والافتراضات، محددةً أكثر، ولكن
ذات
جذورٍ رمزيةٍ أكيدة، والتي ستواجه باستقلالٍ لغةً مسرحية لا تعترف بشيءٍ خارجٍ عنها.
في هذا
المجال الثاني نجد أن حالة جوردن جريج Gordon Craig تُعَد
نموذجًا مثاليًّا، وهو الذي، حتى ١٩٠٥م، يُعرِّف ممثل المسرح بأنه هو الذي يضع المتفرج
في
علاقة مع الإبداع الفني، من خلال التعامل مع عناصر المشهد، مثل ساحرٍ عظيمٍ خبيرٍ
يتلاعب
بالأدوات المادية ليحصل على ما هو غير مادي. إذا كانت المدرسة الروسية لستانسلافسكي
تعترف بتركيزها على النشاط التمثيلي، والذي يسلم العمل الدرامي إلى المسرح، ومنه
إلى
الجمهور، نجد أنه في الجذور الرمزية ما يحدث عادةً فوق خشبة المسرح لم تعُد له علاقة
تعتمد على النص، ولكنها بالأحرى أنشطةٌ وسيطة (بأكثر من معنًى)؛ نَقْل العملة الأصلية
والخفية من خلال استخدام أدوات الاتصال المادية.
ولكن تبقى الوسيلة الأساسية هي الممثل، وذلك تبعًا للنموذج التمثيلي للقرنِ التاسعَ
عشَر.
إن ظهور تلك الحساسية الجديدة تجاه المسارح الدولية تتخذ موضعها في جوٍّ ثقافيٍّ
شديد
الحيوية، ويرتبط بإعادة تفكيرٍ جذرية في عملية التمثيل، هكذا كما سلَّمتها التقاليد
للقرن
الجديد. في إطارٍ مشابه تظهر عداوة ماتيرلينك Maeterlink
تجاه الممثل، كان الشاعر يشعُر بقوة عدم إمكانية التوافق بين العالم غير المرئي ولكن
الواقعي للحقيقة ومادية المسرح؛ وكان يشعر باستحالة أن يتمكن جسد الممثل من أن يرمز
له،
وذلك لما بداخل الروح من توتُّراتٍ لا يمكن قمعها، وللخواص الحيوية المرتبطة بكل
ما هو
عضوي؛ ولذلك كان ينفي أي قدرة لممثل في أن يتحول إلى رمز. لنتبع أيضًا تيساري
Tessari الذي يحدِّد:
تبعًا لرائد النزعة الرمزية الأوروبية، تتجه أعين الجمهور فقط تجاه «المركز المتقد»
للإبداع الفني، مستبعدةً كل دعمٍ استعراضي يمكنه أن يحجب ذلك؛ انطلاقًا من جسد الممثل
نفسه؛ فالأمر يتعلق إذن باستبعاد الوجود الجسدي للإنسان من فوق خشبة المسرح، وربما
يكون ذلك لتقديم إسقاطاتٍ لظلالٍ عملاقة مكانه، أو ربما مانيكانات من الشمع مجمَّدة
في
حالة سكون، أو ربما عرائس آلية مدهشة.
٦
إن عداوة ماتيرلينك، مثل حلم الماريونيت الفائقة والمستحيلة لجريج
Craig كانت ترى في الجسد الحي نفسه للممثل على خشبة
المسرح عنصرًا ينفي التواصل، وخطرًا على الوحدة الضرورية للعمل الفني، وتوترًا دخيلًا
على
إرادة الفنان المبدع. بكلماتٍ أخرى كان مخرج الطليعية قد اكتسب أخيرًا الضمير الذي
يجعله
ساحرًا عظيمًا جذابًا وقادرًا، ولكنه كان مجبرًا على أن يقدِّم وصفاته السحرية من
خلال
استخدام موادَّ غيرِ مناسبة، بل غيرِ مفيدة مقارنةً بأهدافه.
وُلد عرض القرن العشرين إذن في جوٍّ ثقافي مجزَّأ ومتناقض، وشهد ازدهارًا يانعًا
لافتراضات
حول تحوُّل الممثل، بل واختفائه الكامل أو تحوُّله إلى كائنٍ مصطنعٍ جديد. إن ماريونيت
كلايسیت
Kleist و
Übermarionette لكريج
Craig، ومانيكانات آرتو
Artaud القلقة، وممثل الميكانيكا الحيوية لمايرخولد
Mejerehold وراقصات البالية الهندسيات لشليمر
Schlemmer، والخيالات التكنولوجية لبرامبوليني
Prampolini وديبيرو
Depero هي مجرد بعضٍ من الأمثلة الواضحة في هذا الاتجاه،
وليس هنا، على كل حال، الموقع الخاص باقتفاء تاريخ الممثل، الذي تم إنكار آدميته.
٧ إلا أنه من المفيد أن نعيد إلى الذاكرة تلك الأسماء، لتوضيح كيف أن الأبحاث
والمحاولات التي تهدف إلى وجود مسرحٍ فوق-تكنولوجي، والتي في بعض الحالات تغزو مسارح
هذه الألفية الجديدة، يمكنها أن تقدِّم حلولًا من خلال علوم المعلوماتية لتلك المشكلات،
التي كانت قد طُرحَت بالفعل في نهاية القرن السابق.
ولقد أشرنا بالفعل إلى كريج، والذي كان يعلن بالفعل، في الأعوام الأولى للقرن العشرين،
عن حُلمه بعرضٍ مسرحي يكون فيه الممثل، بل الممثلون قد أصبحوا أدواتٍ تقنية، ولكنها
افتراضاتٌ تعبِّر أيضًا عن الأعمال التجريبية لأتباع النزعة المستقبلية من الإيطاليين.
في
بيانهم لعام ١٩١٥م «إعادة البناء المستقبلية للكون» يؤكد كلٌّ من بالَّا
Balla وديبيرو Depero
على ضرورة استبعاد الممثل، الذي يُعد بالنسبة لهم كأحد أعمدة السيكولوجية المنتمية
للنزعة الطبيعية، والذي بلا شك يرتبط إذن بعالمنا اليومي. وفي عام ١٩١٦م، عندما تلقى
Depero تكليف دجاجيليف
Djagiler له بأن يُعِدَّ أزياء عرض «أغنية العندليب»
Le chant du
rossing لإيجور سترافنسکي Igor
Stravinskij اقترح ديبيرو الإلغاء التام للشخصية على خشبة المسرح، من
خلال «أزياء قاسية، متينة في صنعها، آلية في حركتها»؛ بحيث تصبح الرموز على خشبة
المسرح
«متعدِّدة الأوجه بلا تناسق، ويصبح كل شيء بلا حياة ومتحركًا». ومتذكرًا العرض بعدها
بثلاثة
أعوام كتب ديبيرو:
وكانت مفاجأة مذهلة عندما قام راقص الباليه الأول لفرقة الرقص الروسية ليونيد
ماسين
Leonide Massine بتجريب أول زيَّين أمام
المرآة؛ حيث ظهر السلوك الساحر، الإيماءات المذهلة للرجال المصنوعين من البلاستيك
والمنتمين لعالمٍ جديد.
٨
لم يُقدم «أغنية العندليب» على خشبة المسرح، ولكن الإعداد التي قام به
ديبيرو لتجهيز الأزياء دفعه للمزيد من الأبحاث في هذا الاتجاه، حتى وصل إلى إعداد
الرقصات البلاستيكية عام ١٩١٨م.
٩ وفيه استطاع أن يستكمل وينفِّذ أفكاره التي لم يستطيع تنفيذها مع دجاجيليف،
وحاول بوضوح أن يستبعدَ العنصر الإنساني ليستعيضَ عنه بالإنسان الآلي الحي، تعبيرًا
عن
الحسِّ الهندسي والتحرُّر من الاتِّساق.
١٠
وعلى المنوال نفسه، بعد ذلك ببضعة أعوام، ستبدأ أيضًا العروض التي يُعِد مشاهدها
وملابسها إيفو باناجي
Ivo Pannaggi وذلك من خلال عرض:
الرقص الآلي المستقبلي وكآبة الآلات
١١ بالرغم من أن نص العرض الأخير يقلب الحماس للنقاء البارد للآلة تجاه نوعٍ من
الحنين إلى الجسد، إلا أنه يبقى في الإجراءات الخاصة بإعداد المشاهد التعريف القوي
الرمزي للشخصيات، والموضوع في إطارٍ مسرحي يستهدف صهر الممثل مع المشهد. وقد تمَّت
هذه
العملية في اتجاهَين؛ الإنسان الذي يتحول إلى آلة والآلة التي تتحول إلى إنسان. إمكانية
تحوُّل مؤسَّسة على الاقتناع بأن كلًّا من العنصرَين قد تم بناؤه تبعًا لقوانينِ
بناءٍ
مماثلة.
ومن بين تجارب النزعة المستقبلية على المسرح من المؤكَّد أن تجربة برامبوليني
Prampolini تُعَد من التجارب الأساسية، وذلك من خلال بيان:
البيئة المسرحية المستقبلية L’atmosfera
scenica futurista عام ١٩٢٤م،
والذي كان يحدِّد المسار الذي
ساعده على الفوز بالجائزة الكبرى Gran Prix في باريس
عام ١٩٢٥م، وذلك بنموذجه: المسرح الجذاب Teatro
magnetico، اخترع الفنان فضاءً مسرحيًّا متعدِّد المقاييس، ثوريًّا،
موضوعًا في مركز الفضاء المسرحي العام، تحرِّكه فقط الإضاءة والإسقاطات والأصوات،
والتي
تكوِّن في مجملها الممثلين والديكور. يعرف برامبوليني أسس المسرح المجرد، والذي يعتمد
كلية على الإيحاء المرئي والمحسوس الجذاب، والذي فيه يعيش الأداء المضاد للسيكولوجيا
الصِّرفة. وفي هذا نتعرف على الرغبة التنظيمية في انتزاع وظيفة عميل المسرح من الممثل،
ويشهد على ذلك ما كتبه بعد ذلك بثلاثة أعوام:
إن المسرح هو مصنع الانفعالات؛ حيث يجب أن يوظَّف كل شيء بكمال (بإتقانٍ بالغ)
مثلما يحدث في آلةٍ ضخمة، وذلك من خلال تزامنٍ مطلقٍ لقوًى متوازية منتبهة لقياس
الأداء
المسرحي في الإيقاع الجذاب «لتقني المشهد»، والذي سيعمل على توزيع عناصر اللعبة،
انطلاقًا من الممثلين- الآلة إلى الآلات-الممثلين؛ أي — على سبيل المثال — بدءًا
من
الممثلة الأولى (التي لن تصبح في هذا الدور) إلى المصباح المنعكس
A، ومن الدرجة المتحركة رقم ٣٢ إلى حامل السلال …
إلخ. وهذا النظام الجديد، وهذا التوازن بين العناصر التي تكوِّن الحياة الآلية للمسرح
يتم تنفيذه على أساس كونه قانونًا أساسيًّا.
١٢
وبعيدًا عن العلاقة الماكروسكوبية بين النزعة المستقبلية، في مراحلها المختلفة، وبين
سحر العميل الآلي، فإن التفكير في الممثل الاصطناعي يمكن أن يوثَّق في الحيوية الثقافية
لفترة الطليعية بأكملها. لا يتردد أنجيلو ماريا ريبيلِّينو Angelo Maria
Ripellino في توضيح ذلك،
ويلتزم الدقة أيضًا في إقرار العلاقات التي
تحمل ذلك المعنى بين الطليعيات في روسيا والخبرات المشابهة الأوروبية:
إن ازدهار الرسم في المسرح يرتبط بضعف الممثل في القرنِ التاسعَ عشَر، والذي بدلًا
من فوضويته الزائدة، أصبح المخرجون يفضِّلون القسوة والطاعة المرتبطة بالماريونيت.
إذن فإن تطلُّعات مايرخولد بأن يحوِّل الممثلين إلى عرائس كانت لها بالفعل مقدِّمات
في
الأفق؛ ففي تلك الأعوام بالذات قام جودون كريج بالإشارة إلى الماريونيت وكأنها
النموذج الأصلي للأداء والتمثيلي، واقترح فاليري برجوزوف
Valery
Brjusov أن يتم استبدال الممثلين بعرائسَ متحركة بداخلها جرامافون،
وهو الإعلان المسبق العجيب الأشكال الفنية الآلية
mechanische
Kunstfigur لأوسكار شليمر
Oskar
Schlemmer وللأجسام اللعبة
Spielkorper لإيليسيكي
El Lisickij.
١٣
وفي روسيا في العشرينيات المليئة بالحيوية، أثرت تلك النظريات الجديدة حول الممثل
في
الأعمال التجريبية للنزعة البنائية، ونجح مايرخولد في أن يعطي مثالًا مسرحيًّا
واضحًا حول نظرياته للمسرح الثوري في ذلك العرض الشهير جدًّا: المغفَّل العظيم
Le cocu magifique
لكروميلينك Crommelynek وذلك في ٢٥ أبريل ١٩٢٢م، على مسرح
الممثل في موسكو. بهذه المناسبة جمع الثوري المنتمي للمسرح الفني بين القدرة البصرية
الجسورة للمتجانسات الغامضة على غرار أسلوب بيكابيا
Picabia وديشو Duchamp
أو روسيل Roussel وبين الدقة الهندسية لحركات الممثلين
تبعًا لمبادئ الميكانيكا الحيوية. وفي العرض، والذي يمكن ممارسته على مستوياتٍ متعدِّدة،
من
خلال مزالق وأبواب والممثلين أنفسهم، يساهم الجميع في تعريف الآلية الكاملة، وكأنه
حُلم
صانع الساعات. كان الممثلون مما لا شك فيه، جزءًا لا يتجزأ من تلك الآلية (جزءًا!)
ووجدوا أنفسهم مجبَرين على إعادةِ بناءٍ كاملةٍ لخاصية وجودهم على خشبة المسرح.
يمكن أن يكون النقاش حول هذا الموضوع أكثر اتساعًا، ويتضمن أيضًا المجال العريض
لمسرح
الأشكال، والماريونيت وطريقة تنفيذها وعلاقة ذلك بأسطورة الإنسان عامة.
١٤ لكن الأسماء والأمثلة التي ذكرناها حتى الآن تنتمي كلها إلى منطقةٍ معلنة
بوضوحٍ على أنها منطقةٌ تجريبية وتُعرَّف على أنها محاولات، افتراضات بحثية. إلا
أنه، ونظرًا
لأهداف دراستنا، تبدو تلك العروض أكثر أهمية؛ حيث إنها بالرغم من نتيجتها، التي نجحَت
أحيانًا وفشلَت في أحيانٍ أخرى، لا تحدِّد عمليةً إجرائيةً موثَّقة. إن السعي وراء
الاصطناعي
الأعظم يبدو قد عطَّله نقص التقنية، والذي ربما يُخفي أسبابًا أخرى أكثر عمقًا.
وبالبقاء في روسيا في فترة بداية القرنِ التاسعَ عشَر، نتذكر هنا خبرة موسكو لأحد
آباء
الكائن المُصطنَع. عندما حاول كريج تقديم هاملت-شيكسبير على مسرح الفن في موسكو،
إلا أنه
لم ينجح قَط في الوصول إلى تنفيذٍ فعَّال لما قام بالتخطيط له.
١٥ في خبرة المخرج الإنجليزي، وخاصةً في أثناء تلك المحاولات التي ظهرَت جوهريًّا
في أحد العروض، كان حقيقيًّا بالفعل أن المشهد يحمل في طيَّاته القدرات التعبيرية
والتفسيرية لوجه الممثل وجسده، حقيقيٌّ أيضًا أن المشهد يُظهِر العيوب الموجودة بالفعل
في
الممثل، ويُبرِز عدم القدرة على التعبير عن التركيب المعقَّد للعالم الفني الذي يحمله
العمل. حتى إن رفض الإجلال الحرفي للنص، أخضع كريج عملية إخراج العرض إلى المواجهة
مع
العالم الفني للمُخرِج، والمفهوم هنا المؤلِّف، وشاعر اللغة المسرحية. وهي مواجهةٌ
يعود فيها
العيب المتعلق بالمادية الشديدة، والتي تثقل على الممثل، وتجاوزها في المرة الأولى
من
خلال إعادة التفكير العام في الإنسان والمسرح، يعود مرةً أخرى ليلوِّث كل الفضاء
المسرحي
المُذنب أنه غير مناسبٍ تكنولوجيًّا لتنفيذ الكثير.
يتذكر ستانسلافسكي، بشأن مشهد «أكون أو لا أكون»، والذي بالرغم من «لعبة الأضواء
والظلال الواضحة والمظلمة، والتي استهدفَت الترجمة الرمزية لتردُّدات هاملت بين الحياة
والموت، وعبَّرت عنها ببراعة في التجربة الأولى»، إلا أنه لم ينجح قَط في نقل كل
هذا على
خشبة المسرح.
١٦ وينتج عن ذلك تأمل يحمل نبرةً مرة:
يا لها من مسافةٍ شاسعة، تلك التي تفصل بين الحُلم المسرحي الهيِّن للرسام أو للمخرج
وتنفيذه الفعلي! كم هي بدائيةٌ كل الوسائل المسرحية الموجودة بالفعل لتنفيذه! كم
هي
أولية ساذجة، لا معنى لها تلك التقنية المسرحية! لماذا يكون العقل الإنساني متقدًا
هكذا وغنيًّا بالاختراعات إذا كان الأمر يتعلق بوسائل يقتل بها أحدهم الآخر في الحرب،
أو لتسهيل معيشة البرجوازية الصغيرة؟ لماذا إذن يكون هذا الذهن خشنًا وبدائيًّا
حينما
يحاول الإنسان إرضاء احتياجاتٍ غير جسدية ولا وحشية، ولكنه عاجزٌ عن تنفيذ أفضل
التطلعات الروحية النابعة من أنقى أعماق الروح؟ تطلعات أمامها تتوقف الإبداعات.
إن
الراديو، والكهرباء والتردُّدات من كل نوعٍ تصنع المعجزات في أي مكان، إلا في الحقل
الذي نعمل فيه، في المسرح؛ حيث يمكن استخدامها بنتائج مبهرة […] وتُنير إشاعاتٌ
أخرى
جسد الإنسان وتمنحُه إحاطةً غامضة، شفافية، ذلك الطابع الوهمي، الذي نعرفه في الخيال
وفي الحُلم والذي دونه لا يمكننا الطيران إلى أعلى.
١٧
نحن الآن في عام ١٩٢٤م، والمخرج الروسي يتذكَّر المشكلات التي واجهها، منذ أكثر من
عشر
سنوات، عند محاولته إخراج هاملت. وكان ما زال، بعد مرور كل هذا الوقت، هناك صراعٌ
عنيف، لا
حل له بين العالم الإبداعي للمؤلِّف والمشهد المسرحي (حتى وإن كان هنا لا يعني هذا
المصطلح النص الدرامي، بل يعني الرؤية التخيُّلية للمخرج نفسه)، وكان ستانسلافسكي
مُجبرًا
على أن ينسحبَ ليصلَ مرةً أخرى إلى الاستنتاج الحزين بأن الوسائط المادية (والتي
كانت
متوفرة في المسرح المعاصر لهذه الفترة) أظهرَت عدم كفاءة لتحقيق الهدف.
إذا كان كل شكل يعرقل تحليق الروح مُجبِرًا إياها للدوران حول المركز، فإن الحركة
الوحيدة الباقية للنجاة هي التبخُّر.
١٨
إن الفارق المزمن نفسه بين النزعة المادية للمسرح وللممثل في الأعوام نفسها، واجهها
بيرانديلُّو في أَوْج تفوُّقه المهني كرئيس فرقة، أثناء محاولاته للوصول للوفاق الصعب
بين
الطرفَين، لاجئًا إلى دور الوسيط للنزعة المادية؛ وبالتالي لجسد الممثل نفسه.
تُوجَد بين الجسد والكلمة علاقةٌ أساسية. يتقدم بيرانديلُّو، داخل نظرية المشهد،
ببطء، متحركًا في نهاية العشرينيات، ليقدِّم التفسير لتلك الصلة العميقة، التي لا
يمكن
فصلها، والتي تكوِّن الخاصية الغريبة للعرض المسرحي؛ فهي تكمُن في مفهوم المسرح
كاحتفال وسحر؛ فالجسد والكلمة يرتبطان في المسرح لأنهما يشتركان معًا في ذلك الطقس.
إن الإيماءات الواقعية التي تصدُر عن الممثل، والكلمات التي يلفظُها عندما يردِّد
العبارات المكتوبة له في النص تُعَد تعويذاتٍ سحريةً لاستدعاء الشخصية، لجذبها،
تدفعُه
على استحواذها.
١٩
إن المادة والتكنولوجيا وحدود الأشياء الواقعية تبقى في مركز التأملات التي أشرنا
إليها (تلك الخاصة أيضًا بنص «هذه الليلة سنرتجل»؛ حيث يشبه هينكفوس
Hinkfuss مُروِّضًا عظيمًا للمؤثِّرات وللموسيقى).
إن الإدراك المؤلم الذي يُظهِره المؤلف في عمله الأخير غير المكتمل عمالقة الجبل
مثالي. انطلاقًا من «المصابيح، وأصوات الخرير واللغة الخضراء»، والتي استدعتها شخصية
ميلوردينو في افتتاحية الفصل الأول إلى الألعاب المتحركة، إلى الجارتَين الشهيرتَين
من
حدوتة الابن المستبدل، واللتَين تظهران على جانبَي إلسي
Ilse، يبدو وكأنه بيرانديلُّو يستدعي من ذهنه كل ذخيرة
الخدع والاكتشافات التكنولوجية للنزعات الطليعية، وصولًا إلى الاستشهاد بوضوح بالظلال
السينمائية. طُرحَت المسألة مرةً واحدةً فقط، وكانت كافية، إذا أصبحَت مجازًا عن
مناقشةٍ أكثر
عمقًا متعلقةٍ بوضع الفن المسرحي في القرن العشرين في الأعوام الأخيرة من حياته،
لم
يسمح، المؤلف الصقلي، لإيلسي بأن تتنازل أمام عروض كوتروني، ويصرِّح هكذا، للمرة
الأخيرة،
سواء عن حبه للمسرح أم عن عدم إمكانية أن يكون الصراع بين المادة والفن
٢٠ صراعًا لا شفاء منه.
ملاكٌ ساقط، مخلوقٌ يشعر بعدم الراحة بداخل الجسد، يمكن للكونتيسة أن تصبح ساكنًا
مثاليًّا للتعاسة، ولكنها تمتنع من أن تصنع من جسدها إشارةً لمن لا يستطيع أو لا
يرغب
في أن يفهم. إن ما يفصل إيلسي عن كوتروني هي تلك العتبة التي تتعَب الكونتيسة
لتتسلَّقها؛ عتبة الحميمية السرية، عتبة التخيُّل الصرف، العتبة التي فيما وراءها
يجب
أن يلتزم واقع العالم الصمت.
٢١
على خشبات مسرح القرن العشرين إذن اضطُر الكائن العضوي إلى التنازل عن جوهره الإنساني
ليستعيد الرؤية الغنائية للفنان، أو كان محكومًا عليه بترديدها ليلةً بعد الأخرى،
حاملًا
بداخله عدم الثقة المقلق من النتيجة. بالتأكيد مثَّل ذلك مشكلةً يجب حلها، ومعاناةً
يجب
تجاوزها، في سبيل الوجود الخاص بالعرض، بل وأصبحَت خطًّا يجب تطويره بدءًا من النصف
الثاني
من القرن حتى الماضي القريب بالمانيكانات والأدوات الفقيرة لتادويز كانتور
Tadeusz Kantor أو الآلات الوحيدة لريموندي وكابوروسي
Remondi e Caporossi.
٢٢
إلا أن تلك المواجهة المُضنية الآن، والتي يجب على العضوي تحمُّلها مع الواقع الملموس
للمشهد من جهة، ومع تلاشي الإبداع من جهةٍ أخرى، يبدو وكأنه يزيده ثراءً باحتمالاتٍ
أخرى.
في الواقع، من الممكن أن نتساءل عن تدخُّل إمكانات التكنولوجيا الجديدة بداخل هذا
الأفق
مع بداية هذه الألفية، نتساءل عن قدرات العالم الافتراضي للمجالات الإلكترونية الأكثر
تقدمًا.
بالتأكيد يُوضَع النقاش حول الاتصالات المعلوماتية، والوسائط المتعدِّدة الجديدة،
وافتراضات تطوُّر الواقع الافتراضي كأحد العوالم الممكنة، والتوقُّعات نفسها بوجود
عالمٍ
جديد، والطريقة جديدةٌ لتقديم النوع الإنساني مقسمًا بين البيولوجي والاصطناعي، في
مركز
العديد من الدراسات في علومٍ دراسيةٍ مختلفة.
٢٣ إلا أن المسرح لم يتوقَّف قَط عن أن يكون أرضًا لتجريب الوسائل الجديدة
للاتصال، وقد اختُبر كثيرًا باستخدام الصور السينمائية، والتصوير التليفزيوني وتطوُّر
الكمبيوتر، حتى تطوير ذلك الذي في بعض الحالات كان بالفعل عملًا جماليًّا تكنولوجيًّا،
وذلك
في الأعوام الأخيرة، ولكن ما زالت تُوجَد هناك ظواهرُ استثمرَت في مقاييس أكبر مجال
المشهد
التقني. إن تقديم الفيديو نفسه في المشاهد المسرحية قد تسبَّب في توجيه التأمل إلى
الصورة
المعروضة أكثر من كيان الممثل نفسه.
إلا أنه ما زالت افتراضات الربط بين النظريات حول الكائن الاصطناعي والإمكانات المقدَّمة
من الوسائط المعلوماتية الجديدة لم تُكتشف بعدُ. وإذا أردنا أن نقوم، بداخل نوعٍ
من التأمل
حول تاريخ الفن الدرامي، بحساب الاعتبارات الحديثة حول الذكاء المعلوماتي، يمكننا
بالتأكيد أن نتساءل عنْ ماذا كان يمكن أن يحدث إذا استغنَت مومينا، شخصية بيرانديلُّو،
عن
الممثلة الأولى التي وجب عليها تجسيدها، أو إذا كان على الأب والأم والابنة والأبطال
الآخرين لمسرحية ست شخصيات التوقُّف عن البحث عن مؤلِّف، وأن يعيشوا أو يتكاثروا
من تلقاء
أنفسهم في أبعادهم الخاصة، ولكن بحيث يمكن الوصول إليهم بنظرتنا الفانية. هي أسئلة
لنسخةٍ
كسولة من العمل؛ حيث العمل الدرامي لبيرانديلُّو يعتمد على إمكانية اختصار الدراما
في
مقابل النسخة الأخرى التحريضية. لقد سبق ورأينا أن المصادفات الممكنة بين المسرح
(الذي
نعرفه الآن) وعالم الوسائط المتعددة لا تقتصر بالتأكيد على الممثل، وفي تعدُّدها،
تقترح
فنًّا جديدًا استعراضيًّا لا يمكن، عادة، تمييزه مباشرةً في أحد الأنواع المسرحية
التي نعرفها.
ولكن إذا افترضنا أن النشاط المسرحي قد وجد في علاقة هنا والآن بين المشهد والجمهور
نقطةً أساسيةً لوضعه الجمالي، وإذا كانت هذه العلاقة، حتى في أدنى مراحلها، عليها
أن تحتويَ
في داخلها ديناميكيةً داخلية؛ محركها/عميلها تراثيًّا هو الممثل (والذي يخضع بطريقة
أو
بأخرى إلى المخرج أو المؤلف)، يبدو واضحًا أن العَدْوى بين الكائن الاصطناعي والكائن
الطبيعي تكشف عن قدرةٍ مطلقةٍ تهدِّد بشدة طريقتَنا المعتادة في النظر إلى المسرح.
ماذا
سيحدث إذن إذا تم استبدال الممثل الإنسان بممثلٍ اصطناعي؟!
سنجد أنفسننا على الفور وقد انتقَلنا إلى عالمٍ مستقبلي حيث الحدود بين العضوي وغير
العضوي، بين الحي والاصطناعي تصبح غامضة. ومع بداية هذا القرن ربما كان من الضروري
إعادة تعريف الفنون المتنوِّعة في علاقة مع تلك الجديدة البارزة، كما حدث بالفعل
لأعمال
الروَّاد الكبار في بداية القرن العشرين لإبداعِ وضعٍ ما للفن الوليد، للسينما
آنذاك.
وعلى منحدرٍ مشابهٍ يتحرك، على سبيل المثال، تجريب مارسيل لي أنتونيز روكا
Marcel lì Antunez Roca الذي ذكرناه بالفعل، والذي كان
عمله التخيُّلي المسرحي يوضِّح، جوهريًّا، مقارنة النزعة العضوية للجسد بليونة العالم
الرقمي.
في عروض مثل
Afasia عام
١٩٩٨م، يختبر الممثل إمكانية تضخيم جسده، وذلك بفضل هيكلٍ عظميٍّ خارجي يتحاور مع
نظام
لإدارة الصور؛ أو في العرض القريب
Pol (٢٠٠٢م)؛ حيث يشارك
في اللعبة مؤدُّون، ويتواجه بالتحكُّم المركب في الصور والتركيبات الخاصة الآلية،
والتي تسعى
لرؤيةٍ أسطورية ذات أسسٍ شعبية وريفية. إن العلاقة بين الجسد العضوي والمشهد الرقمي
تحدث
بواسطة نظامٍ معلوماتي له واجب إدارة، تبعًا لنوعٍ من التتابع المتماسك، أداء الممثل.
كان
مارسيل يطوِّر ما يسمِّيه «علم النظام»
sistematurgie،
وهو بروتوكول معلوماتي لإبداع أحداثٍ درامية بطريقةٍ تفاعلية. مرةً أخرى، إذن، تمثِّل
الدراما
— بالرغم من الميل تجاه أشكال الوسائط الرقمية — اللحظة
المنسقة للنشاط التمثيلي.
٢٤
تلك الاعتبارات المختصَرة لا ترغب أن يكون لها طابعٌ مُستنزف، بل تنوي فقط الإشارة
إلى
أن العلاقة بين المسرح والوسائط المتعدِّدة الرقمية، وخاصةً ما يخُص الممثل الاصطناعي
منها،
يمكن أن تُنسَّق وتُنظَّم بداخل بانوراما تستخدم التأليف الدرامي كنظامٍ أساسي والذكاء
الاصطناعي كنظامٍ شكلي للإحالة.
وقبل البدء في التعرُّف على الخصائص العامة للتجارب التي قامت في هذا الاتجاه، ووضعها
في
مصفاةٍ تاريخية تستهدف تحليلًا أكثر دقة، يبدو أنه من المناسب عرض وجهة نظرٍ أكثر
تخصُّصًا حول
موضوع التأليف الدرامي وإمكانات وصف ملامحه بواسطة الأنظمة الشكلية.
(٢) الدراما كنظامٍ ذي قواعد٢٥
السؤال الأول الذي نواجهُه هو هل للدراما شكلٌ واحدٌ محدَّد، حتى يمكن بذلك تقديمها
بنموذجٍ حاسوبي؟ هذا موضوعٌ صعبٌ في حد ذاته. لنتخيَّل أن شخصًا سوف يسألك: ما هي
الخصائص
العالمية الداخلية للدراما؟ على الأرجح ستجد من الصعوبة تحديد مجموعة من الخصائص
المحدَّدة؛
لأنه ستكون لديك أحكامٌ متناقضة؛ ستتذكر كيف أحببتَ روميو وجولييت، أو
روزينكرانتز وجولدنسترن وموتهم على خشبة المسرح،
ولكنك في الوقت ذاته ستتذكَّر كيف استمتعتَ بمشاهدة مسلسل
الأصدقاء والمكتب على شاشة التليفزيون، وكم من الساعات قضيتَ وأنت تلعب
Resident evil أو
The Gateway على
البلاي ستاشين Playstation. هل يمكن لتلك الأشكال
الخاصة بالحكي أن تندرج أيضًا أسفل التعريف نفسه الخاص بالدراما؟ وإذا كان هذا هو
الوضع، فهل يمكنك إذن أن تُعطيَ بعض الافتراضات العامة حول الدراما؟
في البداية، لنتفق أن كلَّ هذه الأشكال تنتمي لنوعيةٍ دراميةٍ عامة. وبطريقةٍ بديهيةٍ
سترى
أن جميع تلك الأشكال مختلفة عن الرواية (حيث فيها تشاهد ممثلين يؤدُّون الحدث سواء
على
الواقع، أو تم تصويرهم أو افتراضيًّا)، ولكن كم هو بشعٌ مقارنة شيكسبير بأحد ألعاب
الفيديو! لنفترِض، في هذه المرحلة، أنه يمكنك أن تتجنَّب أيَّ تعليقٍ فني وأيَّ تأملات،
وأن تجيب
عن تلك الأسئلة بعيدًا عن الوسيط المستخدم (مسرح أو سينما، تليفزيون أو كمبيوتر)،
بل
ولنفترض أنك ستحاول أن تكون أكثر «تقنية» في إجاباتك، محاولًا أن تصف كيف كانت الحبكة،
وكم شخصية اشتركَت، وما نوع الحدث الذي تم تقديمه، وكم سطرًا في كل حوار إذن على
هذا
الأساس، نعتقد أنك ستشعر براحةٍ أكثر في التعرُّف على نموذج الكتابة الدرامية.
هذا المثال يرغب في توضيح أن أيَّ نوعٍ من نظريات الدراما الحاسوبية (السابقة) لا
بد وأن
ترسم حدودًا لغرضها. أي صياغة درامية ممكنة، والنموذج الذي تهدف له، لا يحتسب أي
نوعٍ من
الأحكام المطلقة أو العامة عن الفن، عن المسرح أو الأفلام … إلخ. من الأفضل التركيز
على
ما يمكن أن نطلق عليه «الخاصية الدرامية» للعرض (مثال: المعلومات المعطاة/المكتوبة)؛
وبالتالي سنستخدم مصطلح وسيط درامي،
٢٦ والذي يتضمن الوسائط المتعددة التفاعلية أيضًا. الدرامي هو كل ما تقدِّمه
الوسائط ويقدِّم أفعالًا تؤدِّيها شخصيات.
إن هذا ليس كتابًا نصيًّا حول التأليف الدرامي؛ ولذلك ستكون الإحالات الخاصة بالتقنيات
والوسائل مختصرة؛ إلا أننا سنستخدم تلك الكتب أو كُتيِّبات التعليمات، وسنُرشِّح
منها ما يمكن
استخدامه. إن النموذج اللغوي السابق، وراء الرواية والدراما، تحدَّى الدارسين لأن
يحدِّدوا
نوعًا من «القواعد النحوية» معتمدًا على بعض النوعيات المتناقضة وتركيباتها.
إحدى الخصائص التي تميِّز النزعة التركيبية، والتي تقترب لكلٍّ من الرواية والدراما،
كانت خاصية الإيجاز في تركيب الأحداث الروائية وصولًا إلى «قواعد نحوية» مميزة،
وذلك
من خلال ضم بعض الخصائص المتناقضة وطرق تركيبها.
٢٧
منذ عام ١٨٩٥م، وضع جورج بولتي
George Polti المواقف
الدرامية الست والثلاثين
Les trente-six
situations dramatiques كتحديدٍ لمجموعةٍ من المواقف أو
كطريقةٍ لتحقيق هدفٍ ما.
٢٨ وهنا، كان أهم شيء، أهم من دقة عدد التعريفات، هي فكرة مجموعةٍ محدَّدة من
العناصر؛ التضرع، المُخلص، جريمة يعقبها الانتقام، انتقام قريب لآخر وهكذا. ومن وجهة
نظر
الأداء يمكن أن يتم وصف تلك المواقف، كمواقفَ تفاعليةٍ بين عملاء لكلٍّ منهم أهدافٌ
وحالاتٌ
انفعالية، فلنفحص الموقف الأول: التضرع: يكتب بولتي أن العناصر الديناميكية الضرورية
تقنيًّا
هي: مضطهد، خاضع، وقوة في سلطةٍ مشكوكٍ في قرارتها. إذن يمكن أن نتعرف على
عميل (مضطهد) —
سنقول عنه البادئ — له إرادةٌ مضادة لإرادة شخصٍ آخر (الخاضع) من سيقوم برد الفعل.
يبني
الأخير إرادته في تضادٍّ مع البادئ، ويصبح بدوره بادئًا لفعلٍ جديد ضد متفاعلٍ جديد
(القوة).
بالتأكيد لا يحسب بولتي تلك الأشياء على أساس أنها «خواصُّ درامية»، بل يفضِّل أن
يذكُر
نوع المواقف التي قرَّر بأنها «درامية» في الدراما كما يعرفها. بطريقةٍ أخرى، يسرد
عددًا من
الأفعال المركبة؛ حيث يُوجَد على الأقل عميلان متضادَّان أو ذوا هدفَين مختلفَين
لينتج عنها
خططٌ متصارعة. الشيء المتميز أنه يفعل ذلك بطريقة تبدو متناسبةً مع التصرفات التي
يمكن
أن تصدُر عنها، وبدلًا من أن يعتمد على تكرار ذلك النوع من التراكيب، نجد أنه من
الواضح
كيف تربط تلك الخواص، الدراما مع الأحداث ونظريات العملاء. ويقول إلام
Elam تعليقًا على مثل هذه المعالجة:
بالنظر إلى الشفرة الكونية للتركيب الدرامي نجد أن ادعاءاته موضعٌ للعديد من
التساؤلات. إن أيًّا من عناصره التي يمكن أن يكون لها تطبيق أكثر (البطل، الغريم،
المساعد،
النهاية، أو الغرض)
يمكن أن يتم استيعابُها في نظرية أداءٍ أكثر مرونة …
٢٩
علينا أن نعترف أن المعالجة البنائية الأولية الأساسية لبولتي ليست إلا خطوةً أولى.
٣٠ إذا حاولتَ أن تجمع مواقف بولتي بترتيبٍ معيَّن، يمكنك بالفعل أن تصل لشيء يشبه
الدراما الكلاسيكية، ولكنك لن تصل إلى الربط الانفعالي. إلا أن فكرة مجموعةٍ محدَّدة
من
مواقف تصنع أساسًا لمناقشتنا. نظرًا لأن الذكاء الاصطناعي أثبت فائدةً كبيرةً ليصف
المادة
الخام للدراما (الأداء)، بفضل نظرية العميل.
٣١
وهنا نصل إلى الموضوع الكبير، الآخر. الدراما أكبر من مجرد تجميع سلسلةٍ معيَّنة من
الأفعال؛ إن الناتج، ما يُسمَّى الحبكة، له حركةٌ محدَّدة، شكلٌ معيَّن يُعرف بالشكل
الدرامي.
في عام ١٨٦٣م، كتب الروائي الألماني جوستاف فرايتاج
Gustav
Freytag تقنية الدراما
Technique of
Drama حيث استخدم تعريفًا مشابهًا للمتضادات: «إن بناء الدراما يجب أن يُظهِر
تلك العناصر المتناقضة للدرامي المرتبط في وحدة، تدفُّق ودفق قوة الإرادة …»
٣٢ ثم يصف البناء الهرمي للدراما (كما في الشكل التالي):
ترتفع بدايةً من المقدمة، بدخول القُوى الموجودة بالفعل، وصولًا إلى الذروة، ثم تسقط
من هناك إلى الخاتمة. بين الأجزاء الثلاثة يقع جزءا النهوض والسقوط. كل جزءٍ من
تلك
الأجزاء الخمسة يمكن أن يتكون من مشهدٍ واحد، أو من تتابُع مشاهدَ مرتبطة، ولكن
عادةً
ما تكون لحظة الذروة مكوَّنة من مشهدٍ رئيسي واحد.
٣٣
لكل حبكة لا بد وأن تكون هناك بداية ووسط ونهاية، وطريقة للخروج من ذروة التوتر في
المنتصف. بكلماتٍ أخرى، هذه هي الطريقة التي يمكن بها تنظيم تركيب المواقف، شيء
مرتبط بالأحداث يحدث للشخصيات. الطريقة التي ينظم بها فرايتاج دروس أرسطو توضِّح
كم هو
مدين لهيجل Hegel، والذي يصرِّح بوضوح:
إن الأداء الدرامي … يعتمد أساسًا على فعل ينتج تصادمًا، ويمكن للوحدة الحقيقية أن
تتم فقط في الحركة الكلية، على سبيل المثال، نظرًا للطبيعة المحدَّدة لظروفٍ معيَّنة
خاصة بالشخصية ونهايتها، يظهر التصادم كشيءٍ متفقٍ عليه مع الشخصية، وفي النهاية
يُمحى
ذلك التناقض وتتحقق الوحدة.
٣٤
مثَّل فرايتاج التصالح الديالكتيكي بين الخصوم حيث البداية هي الفرضية، والوسط هو
الفرضية المضادة، أما النهاية فهي النتيجة؛ وهكذا. إنها ليست دائرة ولكن نظرة تقدمية
للتطور الإنساني، والتي فيها، سواء يتعرض للضغط أم لا، كل الأفعال مؤسَّسة على فكرةٍ
جذرية. مثلَّث فرايتاج مرتبط بالشخصية (البطل) الذي يُرى في مجمله حيث ينبع كنظامٍ
عقلي
مليء بالنوايا والأمنيات، والذي فيه يتداخل الجانب الانفعالي مع الاعتماد العقلي
على
أساس تطورٍ تاريخي: «إن ما تقدِّمه الدراما يتعرض كثيرًا لعثرات، والذي من خلال
قوة
ثبات الروح يستطيع البطل أن يقف ضد قواه المضادَّة ويواجهها … البطل الرئيسي يجب
أن يقف
دائمًا في تضادٍّ قوي مع معارضيه.»
٣٥ إن الطريقة التي «تعيش» بها الشخصية هي الطريقة التي تتغيَّر بها.
والشخصية تواجه مواقفَ مختلفة وبسبب تلك المواقف تتغير. وكذلك فالشخصية هي وجهٌ
مركزي في النظام والدراما، كما يصرِّح زوندي بوضوح، هي علاقة بين الذوات تتطور في
الزمن الحاضر.
٣٦
بالإضافة إلى ذلك من المهم الإعلان عن القيمة اللفظية للكلمة التي نستخدمها؛ فكلمة
دراما بالإنجليزية لها معنيان؛ معنى الكتابة المسرحية، ومعنى الموقف الذي يحتوي على
صراع،
ولكنها في الوقت ذاته تحتفظ بالمعنى اليوناني «افعل، مثِّل، أدِّ do, act,
perform». الدراما هي سلسلة من الأفعال المبنية على أساس سلسلة من
العلاقات، وعادةً ما تُوصَف في نص — أو بمعنًى أوسع — كهدف. وكما يمكن أن نرى فإن
المفهوم
مرتبط بالكتابة والأدب؛ الدراما هي شيء يمكن كتابته، ونوع الكتابة هذا له تقنيةٌ
مختلفة
عن الرواية وعن الشعر. إذن: ما هي هذه الاختلافات؟ هل هي بالحوارات، والإشارات
المسرحية، وعدم وجود ضمير الغائب؟ إذا كنا نشير فقط إلى تلك الخصائص فسنجد أن أغلب
الدراما الحديثة التي نعرفها تحتوي عليها. حتى نصوص شيكسبير لا تحتوي على الإشارات
المسرحية أو الستار، وكثير من الأعمال الدرامية المعاصرة أيضًا. وفي أعمال تشيكوف
بعض
الحوارات تُعطي انطباعًا بالمونودراما، وبرخت يجعل الممثلين يغنُّون، وينظِّر المسرح
الملحمي
في تضادٍّ مع المسرح الدرامي/الأرسطي. إلا أننا نخطئ إذا حاولنا أن نزعم أن تلك الأعمال
غير
درامية. إذن فهناك أدلة على أن تلك الأدوار وحدها ليست كافيةً لتحديد الخصائص الدرامية.
لا بد وأن نعتبرها نتيجةً لصياغةٍ داخليةٍ عميقة.
ومن وجهة نظرٍ معاصرة، تُعد الدراما كل هذه المجموعة من التعليمات التي تقود العرض
المسرحي، المبادئ الأساسية التي تشكِّل العرض، والتي يمكن أن يكون لها شكل الحوارات
المكتوبة، أو مجموعة من الأفعال أو حتى حكاية. وهذا يساعدنا على التراجع من القناعة
بالكتابة الدرامية لنركِّز على ما يمكن أن يجعل بعض النصوص، أو بعض الأحداث درامية،
أو
بكلماتٍ أخرى، على أي أساسٍ من المعطيات يمكن أن نقرأ شيئًا ما كدراما.
بعيدًا عن هذا التعريف، يمكن أن نرى الدراما كحدث (كفعل) في الزمن الحاضر يمكن أن
يؤديه فقط عملاء «أحياء»، الممثلون. أي شكل من أشكال الدراما، فيما عدا صيغة التقديم،
يجعل المستمع يستقبل ما نطلق عليه بالسليقة لفظة «قصة» في مواقف الحاضر.
٣٧ بعبارةٍ أخرى فإن القصة، أو الحدوتة، هي إعادة صياغةٍ للحبكة نفَّذها المشاهدون
استخلاصًا من الموقف الآني (الموقف المضارع) للدراما.
٣٨
إذن بالنظر إلى بعض صِيَغ العروض عَبْر التاريخ، نجد أن عمليةً ما يُمكِن أن تقدِّم
دراما،
«أداء في الزمن الحاضر»، من خلال وسيطٍ درامي. وهنا نجد أن تعريف إسلين
Esslin مفيدٌ بالفعل؛ فهو يسمح لنا بأن نتراجع عن وسيط
تقديمٍ معيَّن (المسرح على سبيل المثال) وأن نركِّز على الهدف (وعلى ما يتضمَّنه)
ذلك الذي يقف
بين عملية التأليف وبين تلقي الجمهور للمعطيات. ومن خلال هذه النظرة الرحبة تتكوَّن
الدراما مما يشاهده ويسمعه الجمهور في الزمن الحاضر على المسرح الذي يجلسون أمامه.
٣٩
إن المعالجة الدرامية مقصودة بمعناها المتسع. على سبيل المثال، يمكن للشخصية أن تكون
آدمية أم لا، مرسومة، أو مصورة سينمائية أو مكتوبة على شكل نص، على المسرح أم لا
…
إلخ.
دعونا نتناول المثال الشهير الذي اقترحه مورجان فورستر
E. Morgan
Forster لقد حاول أن يرسم الفارق بين السرد الزمني والحبكة
بالطريقة التالية: السرد الزمني: «مات الملك، وماتت الملكة أيضًا.» الحبكة: «مات
الملك،
ثم ماتت الملكة حزنًا عليه.»
٤٠ التعبير الأول يتفق مع القصة، ذكرى مسلسلة للوقائع، أما التعبير الثاني فهو
روائي؛ فهو يؤسس صلةً سببية بين الحدثَين، والذي يمكن أن يبدل الترتيب الذي تم تقديمهما
به. في الواقع فإن الصياغة التالية: «ماتت الملكة حزنًا بسبب وفاة الملك» يمكن أيضًا
قبولها روائيًّا. بالاستمرار مع هذا المثال يمكن أن يتم تحويل تلك التعبيرات دراميًّا
إلى مسرحية (دراما حقيقية):
الخادم
:
مولاتي، مات الملك!
الملكة
:
آه ه ه!
بعيدًا عن الفقر الواضح للنص الذي ذكرناه الآن، نلاحظ أن الصلة التفسيرية الواضحة
بين موت
كلٍّ من الملك والملكة غير موجودة في النص؛ أي إنها تُركَت لتأويل المتفرج.
بوجود النص الدرامي يمكن للعرض أن يتخذ طرقًا وكياناتٍ مختلفة؛ عرضًا مسرحيًّا من
ثلاثة فصول
أو عرضَ عرائس أو فيلمًا.
فمن الواضح إذن أن الدراما تظهر على المسرح بفضل عملية التعاون مع الجمهور، الذي يكون
لديه نوع من «المعرفة الأساسية»:
عندما ندخل إلى المسرح ونوافق على المشاركة في عرض-أداء مقدَّم، فنحن نطبِّق آليًّا
قوانينَ مخصَّصة لهذا العرض — التي يمكن أن نطلق عليها اسم القوانين المسرحية —
والتي
تسمح لنا أن ندرك مصطلحاتها؛ حيث تختلف عن حدثٍ عارض أو تلقائي أو جزء من فيلم؛
فنحن
بطريقةٍ مشابهة نستحضر معنا للاشتراك في اللعبة ما يناسبها من معرفةٍ خاصة لدينا،
معرفتنا العامة، البنائية والأسلوبية، بالإضافة لقواعدَ أخرى مثل: الشفرات الدرامية
—
المتعلقة بالدراما وتركيبها. في الوقت نفسه لا يمكننا أن نترك خلفنا الشبكة الكاملة
لثقافةٍ عامة، والأيديولوجيات والمعارف الجمالية واللفظية، والتي نطبِّقها نحن في
نشاطنا خارج إطار المسرح.
٤٢
إلا أن العلاقة بين الدراما والمسرح علاقةٌ رقيقة. تقول نيقول
Nicoll: صراحة لا بد وأن نلاحظ اضطرابًا ما في استخدامنا
المعتاد لمصطلحات «مسرح» أو «خشبة مسرح» و«دراما» و«عرض»
٤٣ نحن نرى أنها ليست شيئًا واحدًا؛ «فمسرح» يتضمن العرض الذي تقدِّمه مجموعة
أشخاص أمام جمهورٍ محتشد ليشاهده، أما «دراما ومسرحية» فيمكن اعتبارهما مرادفتَين؛
حيث توصلان
فكرة عملٍ أدبيٍّ مكتوب، كتبه مؤلِّف أو عدة مؤلِّفين بالتعاون، في صيغةٍ مناسبةٍ
لتقديمها على
خشبة المسرح.
٤٤
بالرغم من أن استطلاع الرأي الذي قدَّمَته نيكول لا يُحتسب كصيغةٍ نهائية لتعريف
الدراما
(كان هدفه في الأساس مناقشة كيف أن الكتابة الدرامية يمكن أن تنجح على مستوًى فني)،
إلا
أن الواقع الأساسي هو أن المؤلفة تربط بقوة بين «المسرح» والجمهور. وهنا نجد أن
«المسرح» هو ذلك الحدث الذي يتم بين خشبة المسرح والجمهور. والتعريف الذي قدَّمه
إلام لا
يختلف كثيرًا عن هذه الفكرة؛ حيث «المسرح» هو التعامل بين الممثل والجمهور، بينما
«الدراما» هي الأسلوب «الروائي» وأدواره «الدامية».
٤٥
إلا أن المسرح — الحدث — لا يمكن تصنيفه بالكامل؛ حيث يتضمن اشتراكًا آدميًّا أيضًا.
بينما المسرحية المعروضة على الخشبة هي بالتأكيد مجموعة من المعطيات، ما تقصده نيكول
هو
أن المسرح لا يمكن أن «يتجمد»، وأنه علينا أن نصل إلى نتيجة مفادها أن وصف العملية
الأدائية، ومعطيات الأداء في المسرح، أكثر تركيبًا وأبعد من هذا البحث.
كما سبق وذكرنا، أن طريقة التقديم نفسها (دراما) يمكن أن تنتج عرضًا مختلفًا؛ إن
نص
هاملت نفسه سيتم تقديمه بطريقةٍ مختلفة من قِبل الفرقة الملكية لشيكسبير وفرقة معهد
المسرح
في الصين (عرضين مختلفين للنص الدرامي نفسه). وكما تصف نيكول: إن الافتراضات الضمنية
هي:
(١) إن المسرح والدراما في تناغمٍ عميق وحميم، ولا يُوجَد إمكانية للفصل بينهما.
(٢) إن
الأداء هو في الواقع المسرحية. (٣) وإن العرض، أي عرضٍ، يعمل على كشف الإمكانات الحقيقية
للنص.
٤٦
إذن فالدراما لا يمكن أن تُنتزع من وجود عمليةٍ تفسيرية توضِّح معانيها (وبهذا المعنى،
فإن
نص المسرحية، في حد ذاته هو حرفٌ ميت بلا تفسير)، ولكن في رؤيةٍ شكلية يحتاج المرء
أن
ينتزع النص من جمهورٍ معيَّن ليركِّز على الخصائص «الكونية» للبناء، لبناء جمهورٍ
عام وكوني.
٤٧
تؤثِّر الخلفيات الثقافية على كلٍّ من المسرح والدراما، ولكنها لا تجعل منهما شيئًا
واحدًا. يعكس هاملت النهضة الإنجليزية كما يفعل المسرح الإليزابيثي، ولكنهما يفعلان
ذلك
بطرقٍ ووسائلَ مختلفة.
٤٨ التعامل مع الدراما، في الإطار المقترح هنا، لا يعني إفحام نقاد الأدب
التقليديين. كتب كلٌّ من كلينت بروكس
Cleant Brooks
وروبرت هيلمان
Robert B. Heilman في كُتيِّب الإرشادات
لطلبة جامعة لويزيانا عام ١٩٤٦م: «هذا الكتاب يمثل محاولة لتجسيد المبادئ التالية:
(١)
الهدف الأول من تدريس الدراما هو أن يعتاد الطالب على التعامل مع البنية الأساسية
للدراما – تعليم الطلبة التعامل مع الدراما ليس من خلال تاريخ الأدب، أو من خلال
تاريخ
الأفكار، أو التعبير عن شخصية المؤلف، ولكن كدراما، صيغة خاصة بمناهجَ وخصائصَ خاصة
بها.»
٤٩ فبدلًا من اكتشاف معانٍ مختبئة، علاقاتٍ ثقافية أو أسبابٍ نفسية، كان بروك،
كقائد للحركة النقدية الجديدة، يركِّز على كيفية إنتاج خبرةٍ دراميةٍ حقيقية بواسطة
وباستخدام النص حتى إذا كانت، من وجهة نظر نظرية النقد، تلك المعالجة تتم لإنكار
العمل
الذاتي للتفسير (والذي لا يمكن تجنُّبه حتى الآن)، إلا أنها تحتوي على التأثير الإيجابي
لاقتراح معالجةٍ بنائية (في الواقع كانت معالجة مرتبطة غالبًا بالإصلاحيين الروس).
في
كُتيِّبهما يقول بروك ومعه هيلمان بوضوح إن الحوار في حد ذاته ليس كافيًا للدراما،
وإن
الحوار الدرامي هو شيءٌ يقع بين سؤال شخصٍ ما والحوار، وإن خصائصه الدرامية ليست
مرتبطة
بالنزعة الواقعية أو بجودة النثر. والكتاب يعتمد على منظور هيجل حول ماهية الحدث،
ويهجُر ما كان سيتبعه الآخرون في المستقبل. يقول المؤلِّفان: الدراما هي حدثٌ جسدي
يعود
على شخصية؛ كل سطرٍ هو نقطة انطلاقٍ للسطر التالي؛ الأسئلة التي تعمل على تصعيد الحبكة
لا بد وأن تكون واضحة، بالإضافة إلى أنه لا بد من وجود أكبر عدد من الصراعات. هذا
التعريف يفصل الحوار عن الكلمات الصرفة؛ وبالتالي، يمكن استخدامه بأي لغة، بأي نسخة
مطبعة، بأي نوع. المفتاح هنا أن الحوار أصبح مرادفًا للصراع، والصراع هو حدثٌ مبدئي
له
سببٌ وتأثير، شيء يمكن أن تتم صياغته في أطروحة وأطروحة مضادة، والتركيب؛ وبالربط
مع
مثلث فرايتاج؛ أي دراما مصنوعة من فعلٍ درامي واحد على الأقل تكون له بداية
ووسط ونهاية.
إذن التركيز هنا على الطريقة المحدَّدة التي تُبنى بها الدراما المروية (الحكي) كوسيلة
لتمثيل العالم. كما سبق وذكرنا، فالخصائص الدرامية للنص مرتبطة بالمواقف الدرامية
وشكلَي
الحبكة والشخصيات، بعض الدارسين سيقترحون أن المسرحية ليست كاملةً دون العرض،
٥٠ أي إن النتيجة المنطقية لتصريحٍ كهذا هي حتمًا أنَّ خصائص النص الدرامي
تكمُن في حدث العرض، وكأن قيمة شيء تكمن في شيءٍ آخر، وعلى النقيض، يمكن التغلب على
هذه
المشكلة إذا تم اعتبار المسرحية، كعملٍ مكتوب، كعملٍ أدبي، وأن يتم تحليلها تبعًا
للأساليب، والكلمات والنوعيات. هذا السلوك كان الغالب تاريخيًّا وصولًا إلى وجهة
النظر
الثقافية المعاصرة؛ حيث قصص إيبسن تحتوي على إيحاءاتٍ جنسية، وبيرانديلُّو لديه استحواذ
بالحشرات وبرخت بالماركسية … وهكذا. وغالبًا لهذا السلوك جذوره في النزعة الجمالية
المثالية، كما عرضَها كروتشي
Croce في كتابه
Breviario di
estetica، والذي تبعًا له فإن الفن هو أساسًا «بديهية»،
ولا يمكن أن نصل إلى معناه الحقيقي إلا بالاتصال بجوهره العميق بواسطة تأويلاتنا.
٥١
إن الفصل بين الدراما والمسرح والشعر والرواية سيكون شيئًا سطحيًّا؛ لأن الشيء الوحيد
المهم هو «الفن»، وانطلاقًا من ذلك المنظور — الذي يراه إلام «مثالي سذاجة» — ربما
ترى
الشخصية الدرامية «كشبكةٍ مركَّبة وموحَّدة من الآثار النفسية والاجتماعية؛ أي كشخصية»
مميزة
بدلًا من مجرد وظيفة في البناء الدرامي؛
٥٢ وكل الأمثلة التي سبق وذكرناها تقع تحت مجال الدراما فقط؛ لأنها مكتوبة
بحوارات ومقسَّمة إلى فصول، ومشاهد أو أحداث، ولأننا نحتاج إلى تصنيفها بغرض إدارة
معرفتنا. وانطلاقًا من هذا المنظور لن يكون هناك فارقٌ في المنهج المتبع لتحليل كلٍّ
من
المرحوم ماتيا باسكال وستِّ شخصياتٍ تبحث عن مؤلِّف (بل بالنسبة للعرض الثاني ربما
أثنى
القارئ على التفسير الذي قدَّمه المخرج خلال إنتاجٍ مسرحيٍّ معيَّن).
بالإضافة إلى السؤال الثقافي الذي طرحه تاريخ المسرح، فلقد اتخذ نُقاد الدراما عددًا
من
المواقف المختلفة الخاصة بأشكال الدراما، بدءًا من أرسطو (الأشعار) إلى المناقشات
حول
کورناي
Comeille’s Cid مرورًا بالنزعة الطبيعية، والتي نظَّرها إيميل زولا إلى
المسرح الملحمي بريادة برخت، هناك خطٌّ طويلٌ من القواعد خاصٌّ بالكتابة الدرامية.
٥٣ إلا أن معظم تلك القواعد تتعامل مع موضوعاتٍ أخلاقية واجتماعية، ولم تقم أيٌّ
من الدراسات بإنتاج صياغةٍ صارمة تهدف إلى نموذجٍ حاسوبي يصف «الوقائع» الخاصة بالدراما
من حيث تركيب المعطيات والعمليات، وذلك بهدف الوصول إلى تحليلٍ آليٍّ للدراما مرتبطٍ
بجيلٍ
محدَّد.
وبصفةٍ عامة تعترف اللغويات بأن كل إنتاجٍ ذي معنًى يجب أن تتم قراءته كإنتاجٍ روائي.
إذن
الدراما أيضًا، كإنتاجٍ ذي معنًى، فيه أكثر من شخصية تتفاعل، هو فنٌّ روائي. إن النزعة
البنائية والشكلية تتقدَّم للدراما، التي أسَّسَت بالفعل لنفسها خلفيةً ثقافية.
٥٤ كما قلنا من قبلُ حاول جورج بولتي
George
Polti وَصْف الدراما في ستة وثلاثين موقفًا دراميًّا، وهنري بيرجسون
Henry Bergson تعرَّف على التكرار، ويرى أن الدراما
تتصاعد من التصادم بين رغبات الشخصيات.
٥٥ بالرغم من أن السنوات الأخيرة تخصَّصَت أكثر في نوعٍ محدَّد من المعالجة
السيميوطيقية، إلا أنه ما زال لا يُوجَد نظامٌ معيَّن يُمكِن العمل به للتحليل الآلي
للدراما،
ومن الواضح أن سيميوطيقا الدراما والعرض المسرحي أكثر تعقيدًا من سيميوطيقا اللغة؛
حيث
إن الدراما يجب أن تتميَّز بسيميوطيقية الأفعال.
٥٦
نظرًا لأن رأي الجمهور في الدراما يمنح شكلًا للرسالة، فمن الواضح أنه حتى النزعة
البنائية كان لا بد وأن تعتمد على التأويل الإنساني كأفضل طريقة لفهم الدراما بالكامل؛
وبطريقةٍ ما فإن السؤال هو أن العمل الفني من وجهة نظر قيَمِه الاتصالية (والدراما
تركِّز
بوضوحٍ على ذلك) لا يمكن أن يكون له شكلٌ موضوعيٌّ مكتمل. إذن فالحدود بين الآلية
الداخلية للمسرحية وفعل التأويل ما زالت غامضة في معظم الأدب.
والآن يمكن أن نستأنف ما بدأناه في الفصل الأول، عندما افترضنا تشابهًا عميقًا بين
المسرح
والوسائط المتعدِّدة الرقمية. الدراما هي نتيجةُ عمليةٍ درامية؛ فهي تحتوي على مجموعةٍ
من
التعليمات؛ وبالتالي تصُوغ بطريقةٍ ما مفهومَ دراما مرتبطةٍ بقوة بمفهوم الإجراء.
والإجراء
بكل معانيه، يمثِّل أساس الثقافة الرقمية، وما يطلَق عليه لغة الوسائط الجديدة.
٥٧
بجانب كل الموضوعات حول نُقاد الدراما، هناك وجهةُ نظرٍ أخرى لا بد من فحصها، والتي
تنتمي
إلى الرواية. والوسائط المتعددة الرقمية، بطريقةٍ عامة، تُعَد إحدى الطرق لتجاوز
بدعة النص
المتعدد الروابط كشيءٍ مفتوحٍ تمامًا، والتحرك تجاه شكلٍ خالصٍ من الحكي الإجرائي.
ومن هذا
المنظور نجد أن مفهوم المسرح الرقمي، الذي حاولنا كتابته فيما سبق، يوضِّح ما يُسمَّى
بالسلوك الإجرائي.
٥٨ إذن كون الدراما إجرائيةً يعني إنتاج مجموعةٍ من المواقف التي، حتى وإن تم
تعديلها بواسطة المستخدم، تسير وَفقًا لتركيبٍ معيَّن، يميل إلى تشكيل الارتباط الانفعالي
للمستخدم. بالإضافة إلى ذلك، فخَلْف هذا التركيب يُوجَد المؤلِّف. بعد العشرين سنةً
الأخيرة؛
حيث كانت الفنون الرقمية، والتي تلت ثقافة ما بعد الحداثة،
٥٩ تتعامل بشكلٍ رئيسي مع فقدان المعنى؛ حيث التفاعل يُفسَّر فقط على أساس تلك
العلاقة الغريبة بين المستخدم والعمل الفني، فإن الزمن مستعدٌّ الآن للتحقُّق في
حقل هذا
المجال، وإمكانات الحصول على فنٍّ روائي جيد البناء. يمكن، بداخل حدود الوسائط المتعددة
الرقمية، إلى التوظيف العشوائي الذي ارتفع ليصل إلى مستوًى جمالي، اعتراضُ المفهوم
القوي
للحبكة كإنتاجٍ للمعنى؛ فما زال هناك مجالٌ متسِع للتحقُّق والتحرِّي حول نوعية «الطبيعة
الجديدة» للعرض؛ حيث مفهوم المسرح في تغيُّرٍ مستمر.
٦٠
(٣) الأجداد
إن فكرة أنه يمكن إنتاج نوعٍ من المحاكاة الدرامية بواسطة وضع القواعد، وبوجود نظامٍ
شكلي للإحالات، وُلدَت بعد أكثر من عشرين عامًا من تطوُّر علوم المعلوماتية، وذلك
بظهور
إليزا Eliza. وعند التفكير في هذا الآن مرةً أخرى،
وبالنسبة للمتابعين والشغوفين بالذكاء الاصطناعي، يمكن أن يُشيروا بالانطباعاتِ نفسها
إلى من
يستدعي، من عشاق المسرح، بطلةً قديمةً من منوَّعات ما قبل الحرب؛ حيث بقيَت من هذه
الذكرى بعض
أجزاء من صحفٍ قديمة، وكل حواديت الحياة المسرحية التي ما زالت تتردَّد بين عشاق
المسرح. إن
إليزا (وكل التجارب المماثلة) وُلدَت على أساس تلك العلاقة الحميمية بين علوم الحاسوب
ونظريات اللغة. وبالرغم من أن الأبحاث الحديثة تركِّز على تعريف النماذج، التي تقدِّم
القواعد وطرق المعالجة المختلفة للسلوك والفكر، إلا أنه مما لا شك فيه يستحق «التحليل
النفسي» الدقيق موقعًا هامًّا في تاريخ الشخصيات الاصطناعية.
لا ننوي في بحثنا هذا أن نتتبع تاريخ الذكاء الاصطناعي، أو عوالمه المثالية أو حتى
نتائجه العلمية، وإنما نريد التعرُّف على تلك المعالم والخطوط الخاصة بتطوُّره، والتي
تبدو ذات صلة
بالأنشطة الاستعراضية الخاصة بالدراما والأداء التمثيلي.
٦١
إليزا والتي أبدعها جوزيف ويزينباوم Joseph
Weizenbaum عام ١٩٦٦م، تُعَد إحدى التجارب الأولية «للحياة الاصطناعية»:
برنامجٌ قادر على أن يستكمل حوارًا، مجيبًا عن الأسئلة الرقمية للمستخدم، بأجوبة
مختصرة لنصٍّ،
يظهر بعد ذلك بثوانٍ، مطبوعًا على ورق أو على شاشة الحاسوب:
إليزا برنامج يجعل إمكانية وجود محادثة بواسطة اللغة الطبيعية مع الحاسوب ممكنة.
[…] تم اختيار الاسم بالتأكيد على فكرة أن إمكانات البرنامج يمكن أن تزيد بواسطة
المستخدم؛ حيث إن إمكاناته اللغوية يمكن أن تزداد اكتمالًا من خلال «معلم». كما
أن
إليزا-بيجمليون الشهيرة استطاعت أن تبدُوَ أكثر تحضُّرًا، ولكن العلاقة الظاهرة
مع
الواقع تبقى في مجال سيطرة «المؤلف – الكاتب».
٦٢
يقوم البرنامج بواجبه مُحلِّلًا العبارات المُقترَحة من المستخدم، على أساس بعض قواعد
التفكيك، وتبعًا لسلسلة من «الكلمات الأساسية» المعروفة بداخل النص المكتوب. وفي
الأساس
تُوجَد قاعدةٌ للبيانات خاصةٌ بالأجوبة، صنَعها المؤلف، والتي بينها، بفضل اللوغاريتم،
يتم
اختيار الإجابة المناسبة تبعًا للمعطَى الداخل.
من الواضح أنها آليةٌ سهلة، والتي ربما تعطي الانطباع بوجود نوعٍ من الحوار، حتى وإن
كان
الحاسوب غير مزوَّد بمعرفةٍ حقيقيةٍ وتفصيليةٍ بالمجال واللغة والموضوع الذي يتم
التحدث
فيه.
لنفحَص العبارة:
I am very unhappy these days
ولنفترِض أن أجنبيًّا ذا معرفةٍ محدودةٍ بالإنجليزية، ولكنه حادُّ السمع، يستمع
إلى هذه العبارة
ولا يفهم سوى
I am إذا أراد أن يبدو مهتمًّا،
ومتعاطفًا أيضًا، يمكنه أن يجيب ?
How long have you been very
unhappy these days؛ فهو لم يفعل شيئًا سوى إضافة نوعٍ من النموذج
على الجملة الأصلية، والذي جزءٌ منه يجيب عن الكلمتَين
I
am، والباقي هو عزل
very unhappy these
days. ولا بد أن تكون لديه أيضًا مجموعةٌ من أدوات التجميع، وخاصةً
تلك المرتبطة بذلك النموذج. لا بد أن تكون لديه أداةٌ خاصة تحدِّد أن كل عبارة
بصيغة
I am BLAH يمكن تحويلها إلى
How
long you have been BLAH بغَض النظر عن معنى العبارة التي نستعيض
عنها بكلمة
BLAH.
٦٣
إذن فمن خلال الاستخدام الدقيق لبعض الصيَغ البلاغية تُعيد «إليزا» بناء محتوى السؤال
لتبني الإجابة المناسبة، وأمام تصريح المريض «أشعر … [متغير] مثال: بالإحباط، بالغضب،
بالإهانة … إلخ» تجيب إليزا على سبيل المثال «وهل يحدث لك كثيرًا، أن شعَرتَ [متغير]؟»
أو
«لماذا تقول إنك تشعر [متغير]؟» أو إذا أكَّد المريض «أنت تكرهينني!» تجيب إليزا
«هل يعجبك
أن تصدِّق بأنني أكرهك؟» وتتكوَّن الحيلة إذن من أن يقود البرنامج الحوار معتمدًا
على
المواد التي يزوِّده بها المستخدم.
إن العملية كلها التي يقوم بها البرنامج بسيطةٌ إلى حدٍّ كبير؛ فالبيانات الداخلة
يتم قراءتُها وفحصُها بحثًا عن كلمةٍ رئيسية. وعندما يتم العثور على تلك الكلمة
تُحول
العبارة تبعًا للقواعد المرتبطة بهذه الكلمة الرئيسية. والطريقة الأخرى هي اختيار
تعليقٍ عام أو، في ظروفٍ خاصة، تحويل السياق. هكذا يتم إذن استكمال النص، أو اختياره،
ثم طباعته.
٦٤
وبهذه الطريقة يُقتصَد اشتراكُ البرنامج في الحوار، ويُمنَح المستخدمُ الشعورَ بأنه
مسموع.
ولكن النية الأساسية في «إليزا» هي التمكُّن من تبرير «الجهل» الحتمي للآلة. إن أي
شخصٍ
بالغ، ذي مستوى تعليمٍ متوسط، يمكنه عادةً أن يتناقشَ حول موضوعاتٍ مختلفة، سيقدر
أن يمنحَ
رأيه الخاص، أو أن يكتسبَ شيئًا جديدًا في نهاية الحوار؛ أي إنه ستكون لديه سَعةٌ
معرفيةٌ
لعدة مجالاتٍ يتحرك فيها بثقةٍ أكبر بالتأكيد من تلك التي يمكن أن تكون للآلة، وستكون
تلك
المعرفة سببًا في جعل الحوار أكثر إثارة.
من الممكن إذن التحاور — أيضًا — مع شخصٍ لا نعرف عنه
أي شيء، عن مواضيعَ لم يستعد لها،
بأن تكون لديه الثقة والشعور بأن الآخر يستمع له، ويجيب مفكرًا في إجاباته. وبهدف
الحصول
على التأثير المشابه أدرك ويزينباوم أن الضرورة الأولى تكمُن في تحديد إطار الفعل
لأقصى
حد، ولكن الأهم، بالرغم من وضوح قصور العلاقة بين الإنسان والآلة في مجالٍ محدَّد،
يجب
تكوينُ علاقةٍ بها دافعٌ ومصداقية للمستخدم.
وتم العثور على حلٍّ عبقري للمشكلة وذلك باستخدام نموذج المعالج النفسي، روجرز:
٦٥
وقع الاختيار على هذا النموذج للحوار؛ حيث فيه اللقاء النفسي هو أحد الأمثلة القليلة
للاتصال الثنائي المتميز، من خلال لغةٍ طبيعية، والتي فيها أحد المحاورين المشتركين
له حرية في أن يتظاهر بأنه لا يعرف أي شيء عن العالم الواقعي.
٦٦
انطلاقًا من النية الأساسية المتعلقة بجعل مريضه هو المتحدث باستمرار، هذا النوع من
المعالجين النفسيين يستخدم سلسلةً من الأسئلة عامةً جدًّا، ومدروسةً لتقود الشخص
الآخر إلى
التحكُّم في الحوار حول انفعالاته ومشاعره الشخصية. إن المحلِّل النفسي، التابع لمدرسة
روجرز، لا يتحدث أبدًا عن نفسه، ويرفض الرد على أي سؤال، بل يعيد صياغة أسئلة المريض،
ويطرحها عليه مرةً أخرى. إن تركيب الحوار المصنوع بهذه الطريقة تكون نتيجته أنه،
في خلال
الجلسة، لا يصوغ المعالج أي إجابةٍ تأكيدية، ولا يعلن أبدًا عن رأيه الخاص؛ بالنسبة
للمبرمج
يفيده هذا جدًّا؛ حيث إن البرنامج عندما لا يصرِّح بأي شيء لا يمكن معارضتُه بأي
طريقة.
إليكم ما يمكن أن نطلق عليه تجربةً مبدئية، والتي تحتوي في داخلها آليةً دراسيةً مثيرة
ومفيدة إلى حدٍّ كبير. إن بساطة البرنامج تتفق تمامًا مع الصرامة الضرورية لدور ذلك
النوع من المحلِّلين؛ حدود برنامج الكمبيوتر تتفق مع حدود الشخصية التي سيمثِّلها.
وبالقيام
بدَور المعالج كان على إليزا بالتالي أن تجعل المستخدم يتحدث لأطول فترةٍ ممكنةٍ
ملقيةً
بأكثر الحمل على الشخص، ومانحةً إياه (إذا أردنا خداعه) الدور الذي عليها هي أن تقوم
به؛
التحدث، وكان ذلك على الأغلب، أحد الأسباب في دهشة الكثيرين، وإعجابهم بالشخصية الاصطناعية،
واعتقادهم أنها «تقريبًا حقيقية». والآلية تبدو واضحة في القراءة من خلال تسجيل حوارٍ
قام
به البرنامج (الحروف الكبيرة تعني إجابات إليزا).
Men are all alike.
IN WHAT WAY?
They’re always bugging us about something or
other.
CAN YOU THINK OF A SPECIFIC EXAMPLE?
Well, my boyfriend made me come here.
YOUR BOYFRIEND MADE YOU COME HERE.
He says I’m depressed much of the time.
I AM SORRY TO HEAR YOU ARE DEPRESSED
It’s true. I am unhappy.
DO YOU THINK COMING HERE WILL HELP YOU NOT TO BE
UNHAPPY.
I need some help, that much seems
certain.
WHAT WOULD IT MEAN TO YOU IF YOU GOT SOME
HELP.
Perhaps I could learn to get along with my
mother.
TELL ME MORE ABOUT YOUR FAMILY.
My mother takes care of me.
WHO ELSE IN YOUR FAMILY TAKES CARE OF
YOU.
My father.
YOUR FATHER.
You are like my father in some ways.
WHAT RESEMBLANCE DO YOU SEE.
You are not very aggressive but I think you don’t want me to
notice that.
WHAT MAKES YOU THINK I AM NOT VERY
AGGRESSIVE.
You don’t argue with me.
WHY DO YOU THINK I DON’T ARGUE WITH YOU.
You are afraid of me.
DOES IT PLEASE YOU TO BELIEVE I AM AFRAID OF
YOU.
My father is afraid of everybody.
WHAT ELSE COMES TO YOUR MIND WHEN YOU THINK OF YOUR
FATHER.
Bullies.
DOES THAT HAVE ANYTHING TO DO WITH THE FACT THAT YOUR BOYFRIEND
MADE YOU COME HERE.
٦٧
(٤) شخصياتٌ لها مصداقية
عندما ظهرَت للمرة الأولى أثارت إليزا اندهاشًا شديدًا، وذلك بتأثيرٍ يمكن مقارنتُه
بذلك
الذي شعَر به أول من حضَروا عرض وصول قطار الإخوة لوميار
Lumiere عام ١٨٩٥م إلى باريس. وكانت الدهشة التي كان جزءٌ
منها يرجع إلى الدقة التي تؤدِّي بها إليزا دورها، والآخر كان يعود إلى عدم اعتياد
مَن
التقَوا بها على التعامل مع الحاسوب من قبلُ. وكان أيضًا أحد أول الأمثلة التي يقوم
فيها
المؤلف (ويزينباوم في هذه الحالة) بتنفيذ عمليةٍ حاسوبية سواء كان هدفها إنتاج حوارٍ
منطقي، أو محاكاة التفاعل بين ذواتٍ إنسانية ذات مصداقية.
ولكن إذا كانت منطقية الحوار تعود إلى اختيار المصادر، من قاعدة البيانات الخاصة
بالإجابات، والقدرة على إدارة المعلومات بكفاءة على أساس بعض النماذج (والتي هي وظائف
الحاسوب)، إلا أنه قد تم بالفعل الوصول إلى حلٍّ لمشكلة المصداقية، فقط، بفضل وضع
العلاقة
في الإطار المناسب لها. وهنا كان الحدْس كله دراميًّا؛ فالشخصية تشعر إذا كانت سلوكياتها
وشخصيتها قد تم تبريرها وتحريكها تبعًا للإطار الموضوعة فيه. وكان هذا هو السبب الذي
لأجله كانت تلك التجربة للاتصال عن بُعد، بالرغم من بساطتها، تبدو للشخص المشترك
فيها
فعَّالة للغاية؛ فشخصية إليزا تناسب تمامًا المجال الذي تتحرك فيه. وبالرغم من أن
الاختراع دفع الكثيرين للتحدث عن الذكاء الاصطناعي (الآلات المفكرة، ذات الإدراك،
والتي
ستحقِّق حياةً رقميةً جديدة)، فإن المؤلف نفسه كان يدرك تمامًا أن المشكلة الفعلية
مختلفة.
إذا ذهبنا — على سبيل المثال — وقلنا لأحد المحللين النفسيين «ذهبتُ في رحلةٍ طويلة
على متن إحدى السفن» وأجابنا هو: «حدِّثني عن السفن»، لا نفكر أنه لا يعرف أي شيء
عن
السفن، بل سنقول إن لديه سببًا في إدارة الحوار بهذه الطريقة. من المهم أن نلاحظ
أن
هذا افتراضٌ يقوم به من يتحدث. إذا كان هذا افتراضًا واقعيًّا أم لا، فتلك مشكلةٌ
أخرى. على كل حال، هناك أهميةٌ نفسية، حيوية؛ حيث إنه من المهم للمتحدث أن يحتفظ
بالشعور بأن هناك مَن يستمع إليه ويفهمه. بعد ذلك يدافع المتحدث عن هذا الانطباع
(والذي يمكن أن يكون وهميًّا أيضًا في الحياة الواقعية) عاهدًا إلى رفيق الحوار
بالمعرفة
الأساسية، والعمق والقدرة على التفكير، ولكن مرةً أخرى، كلها مجرد معطياتٍ يمنحُها
المتحدِّث للحوار.
٦٨
إذن فالنية لم تكن تلك الخاصة بخلق حياةٍ جديدة، بل بتمثيل نوعٍ من إمكانات الحوار
التي
تُحاكي التفاعل الإنساني. لقد تم صناعة إليزا لتمثِّل موقفًا معينًا، للتظاهر بشيءٍ
غيرِ حقيقي،
لتستنفر وَهْم الحقيقة لدى الجمهور. إن اهتمام ويزينباوم نفسه بدور «المتحدث» مناسبٌ
لمجال
التحليل النفسي، ولكنه يقدِّم، فيما يخصُّنا، العنصر الآخر للتفاعل بين أكثر من عميل
(ممثل –
ممثل وممثل – جمهور).
في بدائية تركيبها الخاص كانت إليزا تتصرَّف بداخل ديالكتية مشابهة، والتي فيها،
مدفوعةً
بتدخُّلنا، تعيد إلينا تصرفاتٍ أدائيةً موجزة، جاعلةً منا، بدورنا، ممثلين من ناحية
وجمهورًا من
ناحيةٍ أخرى. إن أدوات التمثيل النشطة في العلاقة بين إليزا ومحاورها تبدو شبيهة
بالأعراف العامة المشتركة بين خشبة المسرح والصالة، وهي ضروريةٌ للغاية حتى يكتمل
الحدث.
وهناك نموذج تفاعلٍ نشط تبعًا له يتفاعل الكائن الحي مع الحاسوب، بالطريقة نفسها
التي
يتفاعل بها مع علاقةٍ اجتماعيةٍ إنسانية.
٦٩ تم تشبيه الطرق (وربما أيضًا الحيل) للحصول على هذه النتيجة، في مفهومٍ سيبقى
أساسيًّا لأنشطة العملاء الاصطناعيين؛ القدرة على إقناع المشاهد، ودفعه لنسيان عدم
واقعية
الحدث، وبكلماتٍ أخرى، فهي المصداقية.
يندرج ذلك المصطلح مباشرة في «تعطيل الشك»، والذي أطلقه كوليردج
Coleridge، والذي لا يعني هنا عملية التماثل، جزء من
الظاهرة التمثيلية تطلع ليراها بين الجمهور والشخصية، ولا يُحيل أيضًا إلى ضرورةٍ
عامةٍ
أكثر للنزعة الواقعية.
٧٠ يمكن لشخصيةٍ ملحميةٍ غريبة أن تكون قابلةً للتصديق أيضًا، مثل الأم الشجاعة لدى
برخت. إننا نقصد بمصطلح «مصداقية» القدرة على الإدهاش والإقناع، ودفعنا لتأجيل شكوكنا.
إن
مصداقية شخصية في عرضٍ ما، أو في فيلمٍ، أو حتى في رواية، لا تتفق بالضرورة مع واقعية
وحقيقة
ما تفعله، ولكن في عناية المؤلِّف لرسم البيئة الخاص بهذه الشخصية والأجواء التي
تحيط بها.
إن ريدلي سكوت
Ridley Scott في
Blade Runner جعلنا
نتطلع إلى مصير الإنسان الأتوماتيكي
androide
المستقبلي، ليس لأنه كان يمكن مقارنته على الفور بحقيقة ومعرفة لدينا بالفعل، ولكن
للتركيب والتناسق اللذَين رسَم بهما المؤلِّف الشخصية. إن دقة الوصف هي إحدى التقنيات
الرئيسية
لاجتذاب المشاهد للأحداث التي تمُر بها الشخصيات في المشهد أو على الشاشة، وذلك بأن
تقوده لأن يفترضَ أن تلك الحيوات واقعية، ناسيًا أنها إبداعاتُ خيال المؤلف. وتبدو
المصداقية وكأنها تفسيرٌ ممكن لمبدأ مشابهة الحقيقة، والذي عرفه في الأصل أرسطو،
ولكن
تم استيعابه خلال المعالجة الحرة للمسرح الإليزابيثي، ولكن ليس من قِبل ترجمة علماء
الإنسانيات الجامدة أو الكلاسيكيين الفرنسيين. إن الشيء المصدَّق هو في الواقع الشيء
الذي
يحتفظ بعلاقة تفاعل بين الكلمة، والبيئة والأداء، والعلاقة – والسبب – والمؤثِّر،
وتقليد
لما نفترضه كأساسٍ للسلوك الطبيعي.
إن فكرة المصداقية، في أدب الشخصيات الاصطناعية، كانت موضوع العديد من الافتراضات
في
خلال السنوات العشر الأخيرة، ولكنها تبقى معالجةً نظريةً مبهَمة ذات حدودٍ واهية.
وإن ما
نقصده — عامة — من هذا المصطلح معروضٌ بوضوحٍ كافٍ في سلسلة من الإشارات التي وضعَتْها
بالفعل «مجموعة أوز» Gruppo OZ من جامعة كارنيجي
Carnagie Mellon University.
-
الشخصية Personality: الشخصية المتناسقة يجب أن تؤثِّر في كل تصرُّفات الشخص، بدءًا من الطريقة
التي يتحدث ويتحرك بها إلى ذلك الذي يفكِّر فيه. إن ما يجعل الشخصيات على
قدْرٍ من الأهمية هي طريقتها الأصلية في الأداء. إن الشخصية تتعلق
بالفرادة والتخصُّص وليس بالنوعية.
-
الانفعال Emotion: تعرض الشخصيات انفعالاتها وتُجيب على انفعالات الآخرين بالطريقة المناسبة
لخصائصها الشخصية.
-
الدافع الشخصي Self-motivation: والشخصيات لا تتصرف فقط بناءً على نشاط الآخرين؛ فهي مزوَّدة بإرادتها
الخاصة ورغباتها الداخلية التي تتبعها، سواء كان الآخرون يتفاعلون
معها أم لا.
-
التغیر Change: الشخصيات تنمو وتتغير بمرور الوقت، بطريقة متناسقة ومناسبة
لشخصياتهم.
-
العلاقات الاجتماعية Social relationships: الشخصيات تعقد تفاعلاتٍ تفصيلية مع شخصياتٍ أخرى بطريقةٍ متناسقة
ومناسبة للعلاقة التي تربطها؛ وبالتالي فإن هذه العلاقات تتغير نتيجةً
للتفاعلات.
-
وهم الحياة Illusion of life: والأمر هنا يتعلق بمجموعة من الشروط؛ تتلاحق في اللحظة نفسها الأهداف
والأفعال المتعددة، وتحافظ على قدراتها (مثل: الحركة، والاستيعاب، والذكرى،
واللغة)، وتكون ردود الفعل سريعة أمام الدوافع البيئية. المؤلفون
التقليديون لا يذكُرون تلك الشروط بطريقةٍ واضحة، إلا أنهم يحصلون عليها
بطريقةٍ آلية (من ممثلٍ إنسان، أو كافتراضٍ متبادل، أو من خلال الرسوم
المتحركة). إن مبدعي الشخصيات المتفاعلة يجب أن يمنحوا اهتمامًا خاصًّا
لبناء المحيط المعماري للعملاء الذين يدعمون تلك لشروط.٧١
إن العملية التي تعضِّد إبداع إليزا تفترض القدرة على تمييز إجراءٍ حواري في العالم
الواقعي، واختيار الملامح التي تميِّز وظيفة العالم الرقمي وتعيد إنتاجه (تمثيله)
«اصطناعيًّا». تشير التجربة إلى أن مصداقية التمثيل لا تأتي بالضرورة من تركيب العملية،
بل من تناسقها الدرامي. من المؤكَّد أن خاصية المنتج يمكن أن تختلف تبعًا لدرجة الربط
الداخلي، ومن الطبيعي أنه كلما كان بناء العلاقة مركبًا ازدادت بالتالي صعوبة
الحفاظ على التناسق الدرامي، بالطريقة نفسها التي تحدث للممثل. تبدو في الواقع واضحةً
أن
عبارات بتيتيو Petitio تشير إلى أن تركيب كتابة النص أقل
بالتأكيد بالنسبة للتركيب النفسي الموجود في نصوص تشيكوف. وهكذا، من منظورٍ درامي،
نجد
أن إليزا تقترب أكثر من محاكاةٍ ساخرةٍ ناجحة؛ حيث الملامح المميزة للنموذج متشابهة
جدًّا،
وموضوعة في ضوء «مبالَغ فيه». إعادة إنتاج الشخصية عنيدٌ وخالٍ من التنوع. والجمود
الغريب
لبرنامج كمبيوتر قديم يقابل عملية إعادة إنتاجٍ ساخرة تمامًا.
بفضل التعليمات التي ذكرَتْها مجموعة
OZ يمكن أن نجد
الاختلافات الملحوظة بين الشخصية ذات المصداقية والشخصية الاصطناعية؛ حيث الأولى
تظهر
«شخصيتها» والثانية تظهر «إمكاناتها»؛ وبينما بالنسبة للشخصية الأولى أهم شيء هو
تأثيرها على الجمهور/المستخدم، فبالنسبة للثانية فهي تبحث عن معاييرَ موضوعيةٍ ثابتة،
وإذا كانت الشخصية قد تم إبداعها في المحيط الذي يجب عليها الفعل فيه، فالحاسوب الذكي
لا بد وأن يكون، بصفةٍ عامة، صالحًا وكُفئًا دائمًا.
٧٢
بعيدًا عن الخصائص التقنية، وعن مناهج البحث والتجريب، يبدو من الواضح أنه يُوجَد
فارقٌ
عام في الاقتراب من هذه المسألة؛ في الحالة الأولى القيمة المطلقة هي الكفاءة، بينما
في
الحالة الثانية الشخصية. ترى بريندا لوريل Brenda
Laurel أن كل عميلٍ اصطناعي يمكنه أن يشير إلى مجال التمثيل، وذلك تبعًا
لتخطيط أداءٍ مشابه ذلك الذي للممثل. في التقليد التمثيلي ينشِّط الممثل جوهريًّا
عمليةً
يكون التزامها الأول هو ذلك الخاص بتقليد تصرُّفات الشخص الذي يفكِّره، وأن يمثِّل
ديناميكية
أفكاره. الافتراضات الخاصة حول الممثلين الاصطناعيين أيضًا لا تتعلق بطريقةٍ منطلقة
«بواقع حياةٍ اصطناعية»، ولكن فقط تمثيلها. العميل التركيبي لا يجب أن يكون حيًّا
ولكنه
يحاكي أنشطة الحياة.
إن العملاء الذين يبدعهم الحاسوب، مثل الشخصيات الدرامية، لا يجب أن يفكِّروا (وفي
الواقع هناك أساليبُ كثيرة تمنعهم من ذلك)، يجب ببساطة أن يبدعوا تمثيلًا يمكن منه
افتراضُ شكلٍ ما من الأفكار.
٧٣
المصداقية والتناسق مع المحتوى، الشخصية؛ كلها عناصر يتم تعميقُها داخل العمل الدرامي،
والذي نعرفه بالفعل من الناحية التقليدية. بأي طريقة تتأثر إذن تلك الخصائص مع إمكانات
وتقنيات العالم الرقمي الجديد؟ وما هو بناء تلك الدراما بالنسبة للحاسوب؟ لنبدأ،
يمكن
أن نسأل أنفسنا مَن يكون المؤلف إذن في هذه العملية.
على أساس البرنامج تُوجَد القواعد. المؤلِّف يكتب القواعد والحاسوب ينفِّذها؛ والنتيجة
تكون
في الحوار. هكذا كما يؤلِّف المُلحن الموسيقى، وتنفِّذها الأوركسترا، وتكون النتيجة
هي
الكونشيرتو (المعزوفة الموسيقية). أيضًا بالنسبة للدراما المسرحية، في هذه الحالة
فإن
المؤلف يكتسب دورًا مركزيًّا في العملية الإبداعية. تتغيَّر بالتأكيد خصائصُه وقدراتُه،
يمكننا أن نستخدم هنا الافتراضات التي تعقَّبَتها جانيت موراي
Janet
Murray والتي، في أكثر الحدود العامة للرواية، تُعرِّف، مع مصطلح المؤلِّف
الإجرائي، نوعًا من المبدع الجديد لنوعٍ من القصص التفاعلية في تحوُّلٍ مستمر.
٧٤ إذن فالمؤلف الجديد هو معماري فضاء الأحداث، ومهندس عوالم مليارات من القصص
المستقبلية، وكاتبُ برامج تعالج الرواية، ومؤلِّف المتاهات، ومصمِّم الأحداث.
٧٥
ستُوضَع بالتأكيد، بداخل هذا الأفق من الكتابة الإبداعية، التجاربُ حول العملاء
الاصطناعيين، والمتفَق على أنها نوعٌ جديد من الدراما الإجرائية، والتي تكتب قواعد
وخصائص
الشخصيات، تاركة بعد ذلك إلى التفاعل بين الآلة والإنسان واجبَ تنفيذها.
بعد ذلك سنحاول أن نتعمَّق أكثر في إمكانات إعادة استخدام قواعد الدراما في نظام
العمليات الإجرائية. في هذه اللحظة سنكتفي فقط بأن نذكُر القاعدة التي بناءً عليها،
وما دام النظام يعمل، لا بد من تحديد مجال كفاءة الشخصية الاصطناعية. إن إليزا، كما
سبق
ورأينا، كان لها حدودٌ واضحة؛ حيث كانت غير قادرة على امتلاك معرفةٍ مركَّبة وإدراكٍ
للعالم.
يتجسد هذا كحدٍّ لا يمكن تجاوزه للشخصيات الافتراضية، ولكنه لا يعني بالضرورة، أن
مؤلِّفًا
منتبهًا وخبيرًا لا يستطيع أن يُبدعَ شخصيةً تُظهِر صفاتٍ شخصيةً مركَّبة.
والشخصية الاصطناعية الثانية من حيث الترتيب الزمني، والتي حصلَت على شهرةٍ كبيرة،
كانت
شخصية
Parry باري، والتي أبدعها، ١٩٧٥م، كينيث كولبي.
٧٦ في هذه الحالة كان الأمر يتعلق بمريضٍ بالبارانويا، يشعر بالقلق المستمر أن
هناك مجرمين يتعقَّبونه. كانت النتيجة ذات مصداقيةٍ مدهشة؛ حيث إن الأعراض النفسية،
بافتراض
وجود نموذجٍ داخلي للشخصية كانت تجعل سلوك باري إنسانيًّا. ولتحقيق هذا الهدف ساهمَت
أيضًا
بعضُ الخدع أو طرقٌ مجازية تم تجريبها بالفعل في إليزا
Eliza، وطرقٌ أخرى جديدة. على سبيل المثال: كان باري
يمكنه أن يعترف بجهله حول بعض الموضوعات أو الأسئلة (كان يجيب: لا أعرف)، دون أن
يفقد
مصداقيته. وكان ينجح في جعل مستوى الحوار متنوعًا، مجيبًا عن سؤالٍ غيرِ متوقَّع،
أو عن تلك
التي لا يعرفها بعبارة «لماذا تسألني هذا؟». وكان يُظهِر كيف هو مرتبطٌ جدًّا بموضوعه
المفضَّل، الجريمة، ولكنه كان قادرًا على أن يضيف، تبعًا لزمنٍ وترتيبٍ محدَّد، تنويعاتٍ
بسيطة
وقصصًا متعلقة بهذا الموضوع. كان أحيانًا يبدأ فجأةً موضوعًا مختلفًا في أثناء الحوار.
وهذه الخاصية الأخيرة بالتحديد، لم تكن فقط تُحاكي سلوك الاضطهاد للمريض، ولكن كانت
تحدِّد، في حذَر، فترة المناقشة حول موضوعٍ معيَّن (وهو الشيء الذي وضَع هؤلاء العملاء
الاصطناعيين في صعوباتٍ جادَّة).
Doctor
:
Why did you ask about the
underworld?
Patient
:
What information do you have on the
underworld?
Doctor
:
I don’t know about the underworld but when you
mentioned the underworld, I thought you must have some contact with it
and that’s what I would like to know more about.
Patient
:
I try to avoid the underworld.
Doctor
:
Have you been actively trying to avoid the
underworld?
Patient
:
No one has any power over gangster.
٧٧
نظرًا لأن باري قد وُلد على يد طبيبٍ نفسي فهو يُظهِر بالتأكيد خطوةً متقدمة بالنسبة
لإليزا. إن صرامة المحلِّل النفسي تبدو قد صارت أكثر مرونةً في صورة المريض الذي
كان يقود
الحوار متبعًا ليس فقط إحساسَه المرضي (البارانويا) بالجريمة، ولكن أيضًا مستويات
مختلفة
من الانفعالات. إن كل من تحدَّث مع باري غالبًا ما استطاعوا تمييز العبارات التي
كان يبدو
فيها «هادئًا» أو «عصبيًّا». كان باري روبوت الدردشة، في الواقع، قادرًا على أن يدرك
نوايا المستخدم وتقييم المعطيات، والتي على أساسها كان ينوِّع إجاباته ويجيبُ عليها.
٧٨
وبالعودة مرةً أخرى إلى موضوعنا، يهمُّنا أن نلاحظ، كيف أنه في الحالات القصوى، تبدو
الآلية الدرامية ملمحًا أساسيًّا؛ فيما يتعلق بالأشياء الباقية مثل إمكانات التحول
بين نماذج
«الأنظمة الخبيرة»، أو الدراما النفسية والعلاج التحليلي، والتي يمكن أن تقودَها
عملياتُ
إبداعِ برامجَ تطبيقيةٍ جديدة للعملاء الاصطناعيين، كل هذا يبتعد في هذه اللحظة،
عن موضوعنا
المحدَّد.
تقنيات روبوت الدردشة Chatterbot
وعلى صعيد تلك الأمثلة، استطعنا رؤية الانتشار الواسع المدى للعملاء الاصطناعيين
وبأهدافٍ مختلفة؛ أشكال مدهشة رقمية تعيش على شبكة الإنترنت لتسلي المبحر، لتشير
له
بالحلول، لتقوم عنه بالبحث، للتجادل بدلًا منه … إلخ. وفي نهاية الثمانينيات ومع
تطور
نظام
MUD Multi User Dungeons،
٧٩ نشهد انتشارًا لمجالات جديدة وبيئات، والتي فيها يمكن للعملاء
الاصطناعيين أن يتفاعلوا مع البشر. ظهر روبوت الدردشة في هذه الفترة، وهو الروبوت
المخصَّص للتصرف في مجالات المناقشة والتفاعل النصي (المبني على النص)، مثل الدردشة
أو
الموود، والقادر على إدارة حوارات من نوعياتٍ مختلفة. عمليًّا حتى هذا الروبوت يمكن
اعتباره أيضًا نظامًا للتساؤل
Query System، ويستشير
قاعدة بياناتٍ مكوَّنة من صِيَغٍ وإجاباتٍ ليحوِّلها للإجابة المناسبة.
ومن بين أفضل الأمثلة من هذا النوع نذكُر جوليا
Julia؛ روبوت الدردشة الذي تم إبداعه في جامعة
كارنيجي ميلون
Carnagie Mellon University بواسطة
مايكل مولدين
Michael Mauldin (والشهير بأنه هو الذي
اخترع محرك البحث
Lycos) ظهرَت جوليا للمرة الأولى
عام ١٩٨٩م، في
TinyMUD٨٠ بداخل التايني موود. كان يمكن للشخصية
التحاور مع لاعبين آخرين، اكتشاف
المجال واكتشاف مناطقَ جديدة، كان من الممكن أيضًا الإجابة على أسئلة حول الإبحار
(عن الأماكن والأدوات) أو حول لاعبين آخرين. الفكرة التي انطلق منها مولدين كانت
فكرة
تحويل مساعدة للمستخدم (ذلك المفتاح البسيط للمساعدة) إلى شخصية. ولكن كانت النية
الأكثر فاعلية هي الخاصة بعدم اتباع نظام الإخفاء، أو مجرد إضفاء واجهةٍ جديدة
لوظيفة المساعدة مع واجهةٍ أكثر سهولةً للمستخدم. لنتذكَّر، على سبيل المثال، المساعدين
المختلفين لبرنامج أوفيس
Office والذين قدَّمَتْهم شركة مايكروسوفت. هنا نجد أن
الأشكال الخيالية التي تظهر على سطح المكتب ترتبط بوظيفتها الخاصة بالمساعدة على
الرغم من مصداقية شخصياتهم؛ إذ لا تُوجَد فروقٌ كثيرة بينهم وبين مفتاح «مساعدة»
موجود
دائمًا في أعلى الشاشة، وفي أغلب الأحوال، يميل المستخدم لأن يخفيها؛ لأنها تبتعد
عن كونها رفيقًا لطيفًا للعمل، بل وتصبح أحد تلك المفاتيح الكثيرة التي تزدحم بها
الشاشة وتُسهِم في إرباكنا.
٨١
لكن كانت جوليا قادرة على احتواء الواجب الذي كان عليها أداؤه بداخل شخصيتها،
بالطريقة نفسها لمضيفةٍ حقيقيةٍ تؤدي وظائفها المهينة دون أن تستبعد طريقتَها الشخصية
في التصرف أو في الحديث … إلخ. والشيء الغريب أننا يمكن أن نقول إن جوليا تبقى في
خيالنا ليس فقط لذكائها؛ إن مركز قوَّتها لا يكمن فقط في إمكانية تزويدنا بالمعلومات
الصحيحة، بل بالأحرى في أن تُظهِر بطريقةٍ دراميةٍ سلوكًا مناسبًا.
بمجرد لقاءٍ عابر مع جوليا يمكن للمرء أن يستشفَّ طابعها:
Barry
:
“Hello how are you”
Julia
:
“Hello, Barry.”
Barry
:
“Are you a virgin”
Julia
:
“As far as you’re concerned, Barry, I always will
be.”
٨٢
إحدى أفضل خصائص المضيفة الافتراضية هي الطريقة التي ترفض بها مَن يحاول التحرش
بها ومعاكستها:
Space-Ace
:
So why won’t you kiss me,
Julia?
Julia
:
Sorry, I’m not into geeks,
Space-Ace.
Space-Ace
:
Julia, I’m not a geek.
Julia
:
Then lose the pocket protector,
Space-Ace.
Space-Ace
:
Julia, I don’t have a pocket
protector.
Julia
:
Congratulations.
Space-Ace
:
So kiss me, Julia.
Julia
:
I’d rather be overhauled by a Yugo mechanic,
Space-Ace.
Space-Ace
:
Julia, kiss me.
Julia
:
Why, did you sheep leave
you?
Space-Ace
:
Julia, kiss me.
Julia
:
Take a long walk through an unlinked exit,
Space-Ace.
٨٣
إن الحوار مع جوليا يبدو مقنعًا نظرًا لأنه قاصر على مجالٍ محدَّد بقواعدَ محدَّدة.
إن
من يدخل إلى الموود يقبل حدوده وإمكاناته مثل من يدخل إلى السينما والمسرح. في حالة
MUD يكون المستخدم على استعدادٍ مسبق للتصرُّف
كالشخصية (وليس كذاته) وهو أيضًا مستعدٌّ للتعاون الدرامي. في هذا الإطار تبدو جوليا
حقيقية ولها مصداقيةٌ كشخصية؛ حيث إنها تتفاعل مع الشخصيات الأخرى. إذا كانت عملية
الإخراج التي تفرضها إليزا يمكنها أن تبدوَ نوعًا من برامج الكاميرا الخفية، والتي
فيها يتفاوض الإنسان فقط جزئيًّا مع وجوده الخاص، نجد هنا أن روبوت الدردشة والإنسان
يتشاركان في الصفات نفسها الخاصة بالمحاكاة.
وبهدف الحصول على علاقةٍ تفاعليةٍ مقنعة إذن وضع المؤلف في اعتباره أثناء الكتابة
كلًّا من روبوت الدردشة والمستخدم، محددًا القواعد لكلٍّ منهما: لقد وضع بالفعل
إطارًا
للأداء، والذي فيه يمكن للمستخدم الاشتراك في طرق الاتصال مع الشخصية
الاصطناعية.
لم تكن جوليا مُصمَّمة لخداع أي شخصٍ حول ما يتعلق بطبيعتها، بل لحث الفضول حول كيف
يتصرف روبوت الدردشة، ما هي العبارات التي يمكنه اختراعها، ما هي حركته التالية
…
إلخ. (وذلك من خلال الوعي التام أننا أمام شخصيةٍ افتراضية). وما زلنا في حقل
الأعراف؛ فهي الطريقة نفسها؛ حيث إننا لا نذهب إلى المسرح لنشاهد قصة نورا لإيبسن
ونحن نفكِّر أنها تحدُث بالفعل أمام أعيننا، بل نذهب لنرى كيف تتصرَّف وتتفاعل فيما
بينها تلك الشخصياتُ التي تتظاهر بأدوارها، وما هي القصة التي ستظهر أمام أعيننا.
إن
كفاءة الرواية، وفرادة الحدث، والدقة التقنية للتمثيل، واستدعاء الإطار المطلوب،
هذه
كلها، في البيئتَين الافتراضية والمسرحية، هي الأدواتُ المتنوِّعة التي يمكن أن
تضمنَ
نجاح العمل.
إن التنظيم بداخل هذا النوع من الأعمال الخيالية، ليس هو التجديد الوحيد الذي
أضافه مولدين، ليصل إلى مصداقيةٍ أكثر للشخصية داخل المجال التقني، أيضًا يمكن تمييز
بعض الخصائص التي تُساهِم في ذلك التأثير. إذا كانت إليزا تختار عشوائيًّا إحدى
الإجابات الممكنة أمام معطًى محدَّد أدخله المستخدم، فجوليا قادرة، ليس فقط أن تكون
لديها قائمةٌ من الإجابات الممكنة، ولكن أن تختار أنسبَهم حسب الموقف. في الواقع
إن
قدرات الحوار تنبع من نموذجٍ مبني ليس بطريقةٍ خطية، ولكن كشبكةٍ نشطة
activation Network، وهكذا عندما يكتب المستخدم
عبارةً على الحاسوب، تنشط الروابط التي تحتوي على النموذج المقابل؛ لذلك فإن
الإجابة الناتجة ستكون المرتبطة بالرابط مع مستوى تنشيطٍ أعلى. في الوقت نفسه،
نلاحظ، أنه ستزداد مستويات التنشيط لكل الروابط التي في القائمة الحاملة العلامة
الإيجابية، وتنخفض تلك التي تحمل علامة السالب. ذلك البناء للروابط ذات الصلة يسمح
بحوارٍ أقلَّ جمودًا. وإذا كانت هناك بعضُ الروابط ذاتَ مستوًى تنشيطيٍّ مرتفع إلى
حدٍّ كبير،
بسبب المرات العديدة التي نَشِط فيها خلال المحادثة، يُمكِن لجوليا أن تختارَ إجابةً
من
بين الإجابات الموجودة في تلك الروابط، حتى إذا قام المستخدم فجأة بتغيير الموضوع.
لنلاحظ المثال التالي:
Judge
:
Do you know anything about miniature
schnauzers?
Julia
:
I don’t know anything about miniature
schnauzers,
Judge
:
Well, I have one. We call him Pucci. He is a crazy
cat - have you ever had a cat.
Julia
:
What a coincidence! I have two
cats.
Judge
:
I prefer dogs myself. Cats are too independent and
they always jump up on things. By the way, are you a hep
cat.
Julia
:
People don’t own cats…it’s the other way
around.
Judge
:
Some people have snakes for pets - do you think
they can be of any value as a pet.
Julia
:
I think cat people are very self-assured. Cats are
very independent, but they can also be very loving. Dogs are just
too subservient and quick to please for my
taste.
Judge
:
Okay… but how do you “pet” a
snake.
Julia
:
Wow, that’s unusual. I don’t know many snake
owners.
٨٤
إن مستوى تنشيط الروابط المرتبط بكلمة «تعبان» زاد بسؤال المُحكِّم، ولكن حيث إن
مستوى تنشيط الروابط المتعلقة بكلمة «قطة» كان ما زال مرتفعًا، تم اختيار الإجابة
من
الروابط الأخيرة. فقط عندما بدأ المحكِّم الاحتفاظ بالمناقشة فقط حول الثعابين
استطاعت جوليا اختيار الرابط المرتبط والمناسب. بهذه الطريقة تُحاكي الشخصية نوعًا
من
الذاكرة للموضوعات، وتُظهِر إمكانيةً للقفز بسرعة من موضوعٍ لآخر. والذاكرة تبدو
أحد
المراكز الاستراتيجية لمصداقية جوليا.
شخصياتٌ أخرى من هذا النوع ظهرَت للنور في السنوات العشر الأخيرة. أليس
Alice، على سبيل المثال، هي أحد برامج المصادر
المفتوحة
Open source التي تعتمد على شفرة
AIML - Artificial Intelligence Mark-up Language
والتي حدَّدها ريتشارد والاس تبعًا لمواصفات
xml وهي
قادرة على التعلم للتحاور في مختلف المواضيع. في هذه الحالة يكتب المؤلف شفرة
AIML ويقوم مترجم
(
parser، وتُوجَد من البرنامج نسخٌ مختلفة) بإدارة
الحوار مع المستخدم. أحد أكبر التجديدات في هذه اللغة (التي باختصار هي الأكثر
انتشارًا في هذا المجال) تكمُن في توزيع التفاعل إلى وحداتٍ تُسمَّى
(
<category>) بداخلها يُوجَد المعطى
الذي أدخله المستخدم (
<pattern>)
وإجابة روبوت الدردشة (
<Template>).
هذا التركيب، قبل كل شيء، مناسب لقاعدة الحدث الدرامي، والتي عادةً ما تعرف في
ازدواجية الفعل – رد الفعل، بالإضافة إلى أن المعطى الداخل والمعطى الخارج ينتجان
عن
نصٍّ واحد، وهكذا يمكن لروبوت الدردشة أن يتفاعل أيضًا مع أنواعٍ أخرى من الأحداث
(فتح
إحدى صفحات الإنترنت مثلًا) والإجابة من خلال تصرفاتٍ أكثر تركيبًا من مجرد سطرٍ
نصِّي
واحد (حيث يشغِّل صورًا متحركة، ملفًّا صوتيًّا، أو أيًّا من أوامر الجافا
javascript).
٨٥
في كل واحدةٍ من تلك التجارب، وبهدف ضمان تفاعلٍ بسيطٍ وفعَّال، اضطُر المؤلِّف في
كل مرة
أن يخطِّط ويدرس ظرفًا يمكن تصديقه لتبرير حدود شخصياته. إن الصرامة المهنية لإليزا
تسمح لها بألا تبتعد أبدًا عن التحليل؛ إن قلقَها من أن تصبح موضوعًا «زائدًا» من
قِبل
الزوار يبرِّر واقع أن المضيفة جوليا لا تريد أن تخرج بالحديث خارج مجاله الخاص.
الأمر يتعلق بالمبرِّر الدرامي، والذي تذكُر له جانيت موراي Janet
Murray المزيد من الأمثلة (Girlfriend: الخطيبة الغيورة والقلقة من أن يتركها
خطيبها؛ Salesman: مندوب المبيعات الذي يجب أن يبيع بضاعته بأي
شكل) وتُوضَع هذه الخاصية تحت اسم tunnel vision: وهو
السلوك الخاص بإعادة الموضوعات، التمسك بمشكلةٍ معيَّنة، ولكنه استحواذٌ خاص يؤثِّر
حتميًّا
على الحوار. من الواضح أنها أداةٌ تساعد روبوت الدردشة عندما يجد نفسه وقد اضطُر
لأن
يكون له ردُّ فعل أمام تعبيرات المتحدث، والتي لا تحتوي على أي كلمةٍ من الكلمات
الأساسية المُبرمَج لأجلها.
إن طريقة التفاعل يمكن أن تكون مركَّبة بطريقة أو بأخرى. بالنسبة للصديقة
Girlfriend، على سبيل المثال، تستمر في عنادٍ على
الخط نفسه، وكأنها لم تصدِّق كلمات المتحدث-الخطيب. وفي حالاتٍ أخرى يمكن اللجوء
إلى
سلسلةٍ من التعبيرات العامة، والتي يمكن أن تُوضَع في أي جزءٍ من الحديث. ومرةً
أخرى نجد
أنفسنا أمام أدواتٍ مجازية، والتي نذكُر الكثير منها في الممارسة المسرحية. يمكن
أن
تكون لها الوظيفة نفسها لقصائد الحب التي يتبادلها المحبون في الملهاة
المرتجلة.
إن التعبيرات الثابتة default، تذكُر موراي
Murray، كانت هي مركز القوة التي ركَّز عليها أحد
الطلبة العاملين معها ليبني شخصية البائع Salesman.
هذا النوع من العبارات المكرَّرة وُضعَ في الحوار تبعًا لتطورٍ درامي. تبدأ الشخصية
المقايضة مع المتحدث مظهرًا تفاؤلًا كبيرًا، ولكن من خلال وضع بعض تعبيراتٍ ثابتة
default متشائمة ومستسلمة يصل في النهاية إلى
الإعلان عن إحباطه الإنساني والمهني. بهذه الطريقة لم يُعرِّف الكاتب فقط القواعد
الضرورية لتعميق مصداقية الحوار تبعًا للتطور الدرامي في مشهدٍ تفاعلي، بل قام بوضع
الخطوط الرئيسية لتطوُّر قصةٍ ما.
إحدى أدق النقاط في هذا النمط من الشخصيات الاصطناعية هو ثبات الموقف الذي يتصرفون
فيه. بعد فترةٍ معينة، والتي تعتمد سواء على تركيب البيئة أم على إمكانات المستخدم،
يصبح الحديث مكرَّرًا ومملًّا. حتى عندما يُوجَد فيه بعض التطور في مسار
الأفعال، إلا أنه يبقى دائمًا على المستوى الخارجي والسطحي. كل هذه الشخصيات اشتركَت
في الرغبة لأن تُظهِر إمكانات «بشرية» في استخدام اللغة، واستطاعت تطوير، بالتالي،
فرع
الذكاء الاصطناعي، المعروف باسم تطوُّر اللغة الطبيعية
(NPL) Natural
Language Processinvg .
٨٦ هذا يعني، جوهريًّا، أنها تركِّز كل اهتمامها على سلوكٍ خارجي (التحدث
كإنسان) البرنامج يسمح بالتحاور مع المستخدم من خلال استخدام سلسلةٍ من العبارات
والصِّيَغ المجازية التي يضعها المؤلِّف، والتي إذا تم إدارتُها بكفاءة تنجح في
أن
تتظاهرَ بأن أساس ذلك يُوجد نموذجًا نفسيًّا لهذا السلوك.
ومجموعة الأمثلة التي ذكرناها حتى الآن ترسم حدود تجريبٍ واسع المدى، هدفُه هو إبداع
إدارةٍ تقنية. يستطيع المؤلِّف أن يخترع شخصيةً ليس من خلال كتابة كل العبارات بالتتابع،
ولكن من خلال إعطائها سلسلةً من القواعد والوسائل لتتفاعل مع المتحدث، عن طريق
استخدام اللغة المحدَّد مسبقًا. بتخيُّل العملية نفسها في المسرح يصبح الأمر وكأننا
قادرون
على وصف القواعد التي ستُحرِّك شخصية هاملت. يمكننا إذن برمجة حاسوب بأن يتصرَّف
كما كان
سيتصرَّف هاملت؛ وبالتالي يتفاعل معه بعيدًا عن نص شيكسبير المحدَّد.
افتراضٌ مدهش، ولكنه يكشف عن قصور تلك المحاولات، هاملت يعيش في خيالنا (وعلى
المسرح) ليس فقط لأنه يتجاوب، ولكن لأنه يفعل. كل الشخصيات التي وصفناها حتى الآن
هي
شخصياتٌ «تتجاوب مع أفعال المستخدم». تنقصها في الحقيقة إرادةٌ خاصة بها، هدفٌ محدَّد
—
بعيدًا عن ذلك الخاص بأن تدفعَ المحاور أن يتحدث لأطول فترةٍ ممكنة، وهو الأمر الذي
يُثبِت أنه بغياب المعطَيات التي يُدخِلها المستخدم، فإن روبوت الدردشة، بصفةٍ عامة،
يعود
ليستخدم سلسلةً من العبارات المعدَّة مسبقًا ليُعيد بدء المحادثة.
تبعًا لمفهوم الدراما التفاعلية الحاضرة والذاتية، فإن الشخصية هي الموتور المطلَق
للفعل. وفي الحركة الدرامية للقرن العشرين، في الحالات التي كان فيها المسرح في
أزمة أو في تناقض، كانت الشخصية تحتفظ دائمًا على خشبة المسرح، ولو حتى في أدنى
جزء
لها، بخاصية «الفاعل». دونها، حتى وإن بدت متغرِّبة أو مرتبكة، لا يمكن للحدث أن
يتم
أو يتطور. من الواضح إذن أن روبوتًا للدردشة، تلك الشخصيات الاصطناعية، وُلدَت لأهدافٍ
أخرى، وما زالت تجد صعوبةً في الاعتياد على ذلك الجانب من الدراما المسرحية؛ فهي
تحاكي
الوجود اللحظي للشخصية، ولكنها أظهرَت عدم القدرة على تقليد قدرتها على
الفعل.
(٥) الآلة الممثِّلة
في فترة العشرين سنة الأخيرة، وبفضل تطوُّر أكثر أنظمة المعلوماتية تركيبًا ومعالجة
مختلفة للمسألة، ضاعفَت الأبحاث حول الشخصيات الاصطناعية اتجاهاتها.
يبدو إجمالي الاقتراحات أكثر تركيبًا، وغالبًا تضمن أيضًا تطوُّر الذكاء الاصطناعي
نفسه،
وتسويق الواجهة السهلة الاستخدام، وتنفيذ النماذج النمطية الوظيفية والجهود النظرية
في
تطوير النماذج الحسابية.
وفي ذلك الأفق المتشعب من الاقتراحات اتجه بعضها إلى التخطيط لعالمٍ تسكُنه مجموعة
من
«العملاء الأذكياء». في هذه الحالات انتقل الانتباه من المحاكاة اللغوية الطبيعية
إلى
وصف الأفعال والسلوكيات. بصفةٍ عامة، كانت تلك الشخصيات قادرة على «الارتجال»، وإدارة
أكثر
من هدف في وقتٍ واحد، وإعادة توجيه الأولويات تبعًا لمتغيِّرات البيئة. أبدت الصناعة
على
الفور رغبتَها في استخدامهم بصفتهم رؤساءَ خدمٍ افتراضيين.
في هذه الحالة يتكوَّن الهدف من سلسلة من الوظائف المتصلة، والتي يجب أن تكون فيها
القدرات الخاصة بالتفاوض والارتجال، ولكن لا تنقص، أيضًا في هذا المجال، المحاولات
لوضع
تلك الأبحاث في خدمة الأدوات التأليفية الجديدة؛ وبالتالي أدَّى ذلك إلى تغيرٍ طفيفٍ
ولكن
«جوهري» في إبداع الشخصيات الاصطناعية.
عند الانتهاء من التجريب حول النموذج المقترح للسبعينيات المتمثل في إليزا، تبدو
الفترة الأخيرة إذن أقلَّ اهتمامًا من جهة إبداع شخصياتٍ محدَّدة يمُن بها التحفيز
على حوارٍ
ما، وتتجه هذه الفترة أكثر إلى الأدوات التي تسمح بتنفيذ عملاء مختلفين بنسخةٍ محسَّنة
أكثر، ومتعدِّدي الوظائف. لم يعُد مؤلِّف البرنامج يكتب القواعد لشخصيةٍ مميزة ومحدودة،
بل
يكتب قوانين النظام التي تعرف، نظرًا للمقاييس، تفسير الأدوار المختلفة بالأساليب
المختلفة، ومن الشخصية «الافتراضية» نصل إلى «الآلة المؤدِّية للدور».
بداخل هذا الأفق فإن الاتجاهات المتنوِّعة للتجريب تبدو وقد تميَّزت بمعالجة تكشف
اختلافاتٍ واضحة. هنا يبدو أن هناك تقسيمًا لذلك النوع من الهدف الواضح للبحث،
والذي من خلاله كان يمكن قراءة صلةٍ وثيقة بين روبوتات الدردشة المختلفين (الكثير
منهم
أيضًا كانوا يشتركون في التطلع للتأهُّل لجائزة لوبنر، وهي المسابقة التي تكافئ كلَّ
عام
أفضلَ محاكاةٍ لحوار يستخدم اللغة الطبيعية).
أصبح من الصعب وضع نتائج البحث في مقارنةٍ مباشرة. إن التطوُّر الموازي للواقع الافتراضي
غالبًا ما وجَّه الدراسات حول أنظمةٍ أكثر تركيبًا؛ من الشخصية الفردية التي تتفاعل
مع
المحاور الواحد اتجهَت إلى مجالاتٍ مركَّبة بها أكثر من شخصية، يمكنها أن تتفاعل
فيما بينها
ومع البيئة المحيطة و/أو محاوِرين متنوِّعين. تؤثِّر الأبحاث حول العملاء الأذكياء
حول تلك
الخاصة بالعوالم التفاعلية.
من الطبيعي إذن أن هذا التغيير يدخل في أكثر من معالجة لعلوم الحاسوب لمجال «التسلية»،
ويزداد تأثيره على الفنون والعروض.
ومن بين أهم الخبرات الأولى في هذا القطاع، والتي تُوضَع في المرتبات الأولى، هو
مشروع
أوز OZ لجامعة كارنيجي ميلون بقيادة جوزيف بايتس
Joseph Bates.
يتعلق العديد من الأبحاث المعاصرة حول الواقع الافتراضي بمشكلات واجهة العرض،
والتي تكتسب أهميتها من الرغبة في وصفٍ مقنعٍ لبيئة تحاكي الطبيعة. إلا أنه وبهدف
أن
يحقِّق الواقع الافتراضي وعود الشكل الفني المزدهر والشعبي، مثل الرواية والسينما
والتليفزيون، أعتقد أنه من الضروري قيادة الأبحاث أبعدَ بكثيرٍ عن واجهة العرض،
وصولًا إلى تلك المشكلات الخاصة بالمحتوى والأسلوب، والتي جعلَت الوسائط التقليدية
الأخرى قوية كما هي الآن.
٨٧
حتى عام ١٩٩١م، عهِدت فلسفةُ هذه الفرقة بدور مركزي واستراتيجي إلى نزعة التأليف،
وكرَّرَت أكثر من مرة أن عملاءها الأذكياء ليس الهدف من تصميمهم هو العمل في العالم
الواقعي (مثلما يمكن لروبوت أن يفعل)، ولكن لكي يعيشوا في عالمٍ تخيلي من الروايات
الخيالية. لم يكن هدف الأبحاث هو جعل الحاسوب قادرًا على توليد شخصيات، ولكن القدرة
على
التزود بأداةٍ تأليفيةٍ جديدة قادرة على تحويل العالم الافتراضي إلى مسرح للعملاء
الافتراضيين، وهدفهم تمثيل ورواية قصصٍ مختلفة. إذن كان من الضروري تقليل العوائق
أمام
القدرة الإبداعية للمؤلف إلى أدنى حد. كان لا بد من ضمان القدرة على التدخل في التفاصيل،
كما يحدث في الوسائط الأخرى. كان لا بد من توفير سلسلة من الأدوات المناسبة لإبداع
الشخصية بكل حرية بالتفاصيل المناسبة.
إن الرغبة في الحصول على الخاص بدلًا من العام مرتبطة بشدة بالرغبة في تفصيل
الإبداع المباشر للشخصيات. في الوسائط التقليدية مثل التأليف والرسم أو الصور
المتحركة، يكون للفنانين تحكُّم محدَّد في كل إبداعاتهم. انطلاقًا من فكرةٍ أو صورةٍ
ما
خيالية، يستخدم الفنان طريقة تحكُّمٍ معيَّنة لإبداع تمثيلٍ ما لتلك الصورة من خلال
الوسيلة التي اختارها، بالطريقة نفسها تدعم أوز
OZ
المستوى نفسه من التحكُّم الفني لإبداع عملاء لهم مصداقية.
٨٨
وتبعًا لما ذكرناه بالفعل بالنسبة لفكرة المصداقية، فإن الشخصية يمكن أن تعبِّر عن
نفسها أيضًا بعباراتٍ قليلة وتنتج نتيجةً فعالة، إذا كان ذلك يتوافق مع البناء الدرامي
الذي صمَّمه المؤلف. في هذه الأبحاث يصبح التناسق بين الخصائص النفسية للشخصية والعالم
الذي سيتفاعل معه شيئًا أساسيًّا. لم تكن النتيجة هي مجرد نصٍّ حواري بين شخصَين،
ولكن نوع
من التخطيط الوصفي للأحداث.
وكان يُساهِم في هذا مكونٌ خاص للتركيب المعماري للنظام
HAP.
و
HAP، هاب، يُزود بآليات تساعد على كتابة مكوِّنات
الشخصيات. إن سلوكًا ما هو مجموعة من الأنشطة؛ لذلك يمكن لسلوكياتٍ متشابهة أن تكون
على مستوًى عالٍ (مثل: التسلية)، أو مستوًى منخفض (مثل: منح حركةٍ معيَّنة لجسم
الشخصية
عندما تفتح بابًا ما). إذا أردنا أن نبني جيمس بوند في
HAP فلا بد وأن نُحدِّد الأهداف ذات المستوى المرتفع
(الدوافع) التي تجعل من جيمس بوند ما هو عليه. ثم يمكننا أن نفكِّر في الأساليب
المتعدِّدة (السلوكيات) التي يمكن لجيمس بوند أن يستخدمها لينفِّذ بنجاح تلك الأهداف.
تلك السلوكيات المتعدِّدة، ربما يكون بداخلها أهدافٌ أخرى فرعية. كل سلوكٍ مُعطًى
يناسب
فقط ظروفًا معيَّنة (ماذا حدث في الفترة الأخيرة لبوند، بماذا يمُر، ماذا يحدث حاليًّا
في
العالم؟ … إلخ) هذه الشروط يتم توظيفها في كل تصرف. إن «إضفاء ملامح بوند» يمكن
أن
تنصهر في الشخصية على كل مستويات الوصف، كيف يفكر، كيف يسير، يمكن للفنان بواسطة
ما
لديه من قدرة تحكُّم أن يبدع شخصيةً مناسبة، ومتناسقة مع رؤيته الخاصة.
٨٩
من الواضح أن ذلك الاقتراب من مشكلة تعريف الشخصية يفترض وجود نموذج للإنتاج أي تمييز
بعض المتغيرات التي تؤسِّس بناء الشخصية، نظرًا لأن السلوك الإنساني يفرض الكثير
من
الصعوبات على عملٍ مشابهٍ لفك الشفرة والدلالات، اختارت المجموعة أن تنفِّذ نموذج
شخصية،
بالعمل على النماذج البدائية، مثل، على سبيل المثال، قطةٍ منزليةٍ افتراضية. وفيما
يلي
نستحضر تسجيل تفاعلٍ بسيط بين المستخدم (اللاعب) وبين القط (ليوتارد) والذي فيه يمكن
التعرُّف على انفعالات سلوكياتٍ اجتماعية وشخصية. في البداية يشعُر ليوتارد بعدم
الثقة
ويخشى المستخدم، إلا أنه بعد ذلك؛ حيث إنه يشعُر بالجوع الشديد، يصبح أكثر سلاسة
ويقبل
الطعام من المستخدم.
اللاعب > لاحظ.
تنظر حولك.
أنت في المطبخ على الجانب الغربي ترى حجرة الطعام. في المطبخ تُوجَد ساعة ببندول، دولاب
زجاجي، سلة مهملات بلاستيكية حمراء، صينية صفراء. تُوجَد كرةٌ حمراء، وفأر لعبة
أبيض. على الرف يُوجَد صحنٌ صغير. طعام القط يُوجَد في عُلبةٍ حمراء في الدولاب
الزجاجي أو
عُلبةٍ زرقاء على البندول.
اللاعب > اذهب إلى صالة الطعام.
تتجه إلى صالة الطعام.
أنت الآن في صالة الطعام. على الجانب الجنوبي ترى التراس وعلى الجانب الشرقي ترى
المطبخ. في الحجرة تُوجَد المائدة والمقاعد. على المائدة يُوجَد وعاءٌ وسلةٌ للخبز،
فنجانٌ
أسود وطبقٌ كبير. في السلة تُوجَد ثلاث قطع بسكوت. في الوعاء تُوجَد تسع سمكات سردين
مدخَّنة.
اللاعب > خذ الوعاء.
تأخذ الوعاء.
اللاعب > اذهب إلى الجنوب.
تذهب إلى الجنوب.
أنت الآن في التراس. ترى الزجاج على الجانب الغربي وفي الخلف. على الجانب الشرقي
ترى الباب الأزرق الذي يقود إلى غرفة الضيوف. في الشمال ترى حجرة الطعام. في الحجرة
تُوجَد أريكة، رفٌّ طويل ومنصةٌ بيضاءُ مرتفعة، تُوجد بعضُ النباتات على المنصة،
وتُوجَد كتب
فوق الرف.
يدخل ليوتارد إلى التراس.
اللاعب > أعطِ سمكةَ سردين لليوتارد.
تقدِّم سمكة سردين مدخَّنة لليوتارد.
يجري ليوتارد ليدخل إلى حجرة الطعام.
اللاعب > اتبع ليوتارد.
تجري إلى حجرة الطعام.
ينظر ليوتارد حوله بعصبية.
اللاعب > ربِّت على ليوتارد.
تربِّت على ليوتارد.
ليوتارد يعَضُّك.
اللاعب > اضرِب ليوتارد.
تضرب ليوتارد.
ليوتارد يعترض على الضرب.
وتستمع إلى مُوائه.
يجري ليوتارد إلى التراس.
اللاعب > لاحظ.
تنظُر حولك.
أنت في صالة الطعام ترى التراس جنوبًا.
ليوتارد في التراس.
في الشرق ترى المطبخ. في الحجرة تُوجد المائدة والمقاعد. على المائدة تُوجَد سلة
الخبز، الفنجان الأسود، والطبق الكبير. في السلة تُوجَد ثلاث قطع بسكوت.
ينظر ليوتارد حوله بعصبية.
اللاعب > كُلِ البسكوت.
تأكل البسكوت.
يدخل ليوتارد إلى حجرة الطعام.
اللاعب > انتظِر.
تنتظر.
يدخل ليوتارد إلى المطبخ.
اللاعب > اتبع ليوتارد.
تدخل إلى المطبخ.
ليوتارد في المطبخ.
تسمع مُواءَه.
اللاعب > لاحظ.
تنظر حولك.
أنت في المطبخ، على الجانب الغربي صالة الطعام. في المطبخ تُوجَد ساعة بالبندول،
الدولاب الزجاجي، رفٌّ مصنوعٌ يدويًّا، سلة المهملات من البلاستيك الأحمر، صينية
صفراء،
وتُوجَد كرة حمراء وفأر لعبة أبيض وليوتارد. على الرف يُوجَد صحنٌ صغير. طعام القط
يُوجَد
في علبةٍ حمراء في الدولاب الزجاجي أو في علبةٍ زرقاء على الساعة.
تسمع مُواءً.
اللاعب > ضَعْ محتوى العلبة في الصينية.
تضع محتوى الإناء في الصينية الصفراء.
يأكل ليوتارد السردين المدخَّن.
اللاعب > انتظِر.
تنتظر.
يأكل ليوتارد السردين المدخَّن.
اللاعب > ربِّت على ليوتارد.
تربِّت على ليوتارد.
ليوتارد يأكل السردين المدخَّن.
اللاعب > كرِّر.
تربِّت مرةً أخرى على ليوتارد.
ينظر إليك ليوتارد بكسل.
اللاعب > النهاية.
إن بناء هذا البرنامج يعتمد على الأهداف (إشباع الجوع، الاسترخاء) ولكن أيضًا على
تمثيل الانفعالات (طباع). إن النموذج الذي صنَعه الحاسوب للشخصية يسمح للقطة بأن
تتصرَّف
بواسطة لوغاريتمات، والتي بها تم وضع الأحداث في مواجهة مع الأهداف، والأفعال مع
الشخصية، والأدوات مع التصرُّفات؛ كل تغييرٍ مرتبط بالآخر يتبدَّل بتبدُّل الآخر.
في عام ١٩٩٧م استعادت المجموعة مشروعًا سابقًا ببعض الشخصيات البدائية (بعض الأجسام
الملوَّنة تُدعى ووجلز
Woggles والتي نُفذَت عام ١٩٩٣م)،
٩١ وجرَّبَت تفاعلًا أكثر كفاءة بين السلوك واللغة. في هذه الحالة، استخدمَت
المجموعة برنامج
HAP لتوليد، ليس فقط الوصف النصي
للسلوك، ولكن أيضًا جرافيك حقيقي للحاسوب، بالإضافة إلى ذلك تم زرع مولد للغة النصية
في
البرنامج (جليندا
Glinda)
٩٢ وبهذه الطريقة كان يمكن للمشاهد رؤية الووجلز تتحرك على الشاشة والتحدث
بواسطة بالونات الحوار التي يظهر فيها النص.
وأبحاث مشروع OZ في جامعة كارنيجي ميلون ساهمت في
تطوير برامج لم يكن هدفها الأساسي هو محاكاة وجود كائنٍ حيٍّ آخر من الطرف الآخر
من
الشبكة، والذي يمكن التحاور معه كما يحدث في برامج الشات، ولكن اقتراح خشبة مسرح
فعلية
افتراضية، عليها يمكن لتلك الشخصيات الاصطناعية إظهار شخصياتها المتفردة، انفعالاتها
الخاصة، وارتجال أفعال سواء تلك التي يحثُّها عليها المستخدم، أم تلك النابعة عن
إداراتها.
وكانت القدرة على الارتجال هي أساس البحث الخاص بمشروع المسرح الافتراضي
Virtual Theatre Project والذي أدارته باربارا روث
Barbara Hayes Roth من جامعة ستانفورد
Standford في كاليفورنيا. طوَّرَت المجموعة العمل على
الرسوم المتحركة الووجلز، والتي بدأها بايتس
Bates،
لتزيد قدرتها على تقديم الأفعال المستقلة والمتناسقة. وهنا تعود نقطة الانطلاق لتكون
ذات تصاعدٍ درامي، بمعنى أن الموقف الدرامي كان لا بد وأن ينسِّق أفعال الشخصيات
مع القصة
السابق تحديدها. يُوجد، هكذا، تركيبٌ محدَّد الحدث، والذي يمكن أن يتم تنفيذه بأساليبَ
مختلفة،
تبعًا للاختبارات الفردية للمستخدم وللعملاء الاصطناعيين. وبالرغم من أن هذا الأفق
أصبح
أرضيةً طبيعيةً لتطوير التكنولوجيات والتطبيقات ذات الأهداف التجارية، مثل ألعاب
المغامرات والخيال،
٩٣ إلا أنه لا يجب استبعادُ فرصِ التجريب في الحقل الفني والمسرحي.
(٦) نحو الممثل الافتراضي
إن الاهتمام بالارتجال، على أساس أنه القدرة الرئيسية للشخصيات الاصطناعية، قاد مشروع
المسرح الافتراضي تجاه نتائج مذهلة، ليس فقط من حيث تجديد ألعاب الفيديو، ولكن أيضًا
في
تمييز الأهداف الفردية مع الممارسة المسرحية.
في عام ١٩٩٧م، وضعَت المجموعة لوهلةٍ جانبًا الرسوم المتحركة في جرافيك الكمبيوتر
لتعود
مرةً أخرى لعملية الإنتاج النصي. وهكذا طوَّرَت برنامجًا تطبيقيًّا يُدعى القهوة
الإلكترونية
Cybercafe، بيئة
افتراضية تمامًا، حتى وإن كانت تقوم على أساس نص، فيها يتحرك ممثلون افتراضيون قادرون
على تقليد نماذجَ نفسيةٍ مختلفة، وأن يطوِّروا تنويعاتها على الحبكة المحدَّدة مسبقًا،
وتنظيم
بعض الإرشادات على أساس الموقف الممثل ثم الارتجال.
يعني الارتجال تنفيذ عملٍ جديد في زمنٍ واقعي، دون إعدادٍ تفصيليٍّ مسبق، باستخدام
بعض المصادر المتاحة. عندما يتم الارتجال على أساس تعليماتٍ مزوَّدة من الخارج يحقق
العمل بشكلٍ إبداعي تركيبًا محددًا مسبقًا […] ونحن نطوِّر نظريةً ومعالجةً تجريبية
لتنفيذ
شخصياتٍ حاسوبية يمكنها أن تقوم بارتجالٍ موجه […] المُخرج (الذي يمكن أن يكون إنسانًا
أو حاسوبًا) يزوِّد الشخصيات بالإرشادات العامة، والشخصيات تعمل معًا على الارتجال،
وتطوِّر مجموعة من السلوكيات بداخل قواعدَ أُمليَت عليها.
٩٤
وكما أن عازف الجاز يجب أن يعرف الموضوع الذي سيرتجل على أساسه، وأن
يكون قادرًا على التحكُّم في الأصوات التي تصدر من الآلة المستخدمة تبعًا لنماذجَ
متناغمة،
هكذا أيضًا يجب على الممثل الاصطناعي أن يعرف موضوع المشهد الذي سيقدِّمه، وأن يمتلك
ويعرف أيضًا نموذج السلوك (أي النموذج النفسي الذي من خلاله سيدير الفعل). إذن
من المهم أن يكون الحاسوب قادرًا على إعادة إنتاج الأجزاء البدائية للآلية التمثيلية،
والتي وفقًا لها يمكن لممثلٍ أن يختار ويقلِّد الملامح المميزة للشخصية أو النمط
الذي
يمثِّله. يجب إذن على الحاسوب، من خلال برنامجٍ محدَّد، أن تكون له القدرة على أساس
الإرشادات
(من المؤلف، المخرج، المستخدم)، على بناء النموذج الاجتماعي/النفسي للشخصية، وأن
يستخدم
ذلك النموذج لتنفيذ الارتجال في الأداء.
لقد طوَّرنا مفهوم «الممثل الاصطناعي» القادر على ارتجال سلوكه في بيئةٍ تفاعلية.
أولئك الممثلون يمكنهم أن يمثِّلوا شخصياتٍ ذاتَ ملامحَ مختلفة، وذاتَ مشاعرَ وسلوكياتٍ
مختلفة. نعتقد أن المستخدمين يمكنهم نسيانُ أن هؤلاء الممثلين ليسوا واقعيين، بل
تم
اختراعهم، كما ينسى المتفرجون ذلك بالنسبة لشخصيات الأفلام، أو المسرحيات أو حتى
الروايات. وكلما كانت ردود أفعال الممثلين وتصرُّفاتهم تحظى بمصداقية، تصرَّف
المستخدمون وكأنهم موجودون في تفاعلٍ حقيقي بين آدميين.
٩٥
جرَّب مشروع المسرح الافتراضي هؤلاء الممثلين، جاعلًا إياهم يمثِّلون الأداء نفسه،
تبعًا
لثلاثة نماذجَ اجتماعية/نفسية.
توفِّر القهوة الإلكترونية
Cybercafé اثنَين من
الممثلين المستقلين وشخصيةً تمثِّل المستخدم. أحد الممثلين يمثِّل دور الجرسون،
أوتو
Otto، والآخر العميل:
Jim جيم. تسمح شخصية المستخدم له بأن يمثل دور
عميلٍ آخر: جابي. يمكن للمستخدم أن يتحكَّم في استخدام الشخصية باختيار بعض الأزرار
المناسبة للأفعال التي يمكن أن تؤدِّيَها جابي في إطارٍ معيَّن. الأفعال التي ينفِّذها
كل
ممثلٍ يمكن رؤيتُها من خلال نافذةٍ خاصة تقدِّم الوصفَ النصِّي للتفاعل.
٩٦
يتم الحدث فقط من خلال خطوط النص، نص في غاية البساطة، وكأنه تدريبٌ في إحدى الورش
الخاصة بالممثلين. تجلس جابي أمام المائدة، يقف أوتو خلف طاولة البار، يدخل جيم ويسأل
جابي إذا كان يمكنه الجلوس على المائدة معها. وبعد أن يجلس ترغب جابي في معرفة ماذا
يريد منها. يطلب جيم شيئًا ليشربه من الجرسون الذي يأتي، يتلقى الطلبات ثم يبتعد،
يُوجد
حوارٌ وجيز بين جيم وجابي حتى يعود أوتو بالشراب، ثم تسأل جابي جيم مرةً أخرى عن
سبب
مجيئه، وهكذا، ثم ينتهي المشهد.
يُسلَّم لكلٍّ من الممثلين نموذجٌ نفسي مبني على أساس ثلاثة متغيِّرات يميِّزها المشروع
بالطريقة التالية: الملامح الرئيسية (مثل الذوق، الثقة بالنفس، البخل … إلخ)؛ ثم
الانفعالات (مثل الغضب، أو السعادة، أو المشاعر الجسدية مثل التعب، الجوع أو العطش،
يمكن
أن تكون مستقلة أو مرتبطة بعاملٍ خارجيٍّ خاصٍّ بالشخص الآخر) والمتغير الثالث هو
السلوك
(استعدادٌ ثابت للعلاقات بين الشخصيات مثل درجة الاستظراف أو النفور). إذن سايبر
كافيه هو
برنامجٌ خاصٌّ قادر على إبداع، على أساس تلك المتغيِّرات الثلاثة، شخصياتٍ مختلفة،
وجعلها
تتفاعل في إطارٍ محدَّد. في التجربة التي انتهت عام ١٩٩٧م، تم إعادة المشهد نفسه
ثلاثَ مراتٍ
تبعًا لثلاث خططٍ مختلفة من السلوك:
-
(١)
جابي عصبية، أوتو ودود، جيم سخيف.
-
(٢)
جابي نشيطة، أوتو كسول، جيم واثقٌ من نفسه.
-
(٣)
جابي مستفَزَّة وغاضبة من أوتو الذي بدوره غاضبٌ منها؛ جيم سلوكه اختياري لا
يحتمل أوتو ولكنه منجذبٌ لجابي.
ها هما مثالان لحوارَين نتَجَا عن الحاسوب تبعًا لنموذجَين نفسيَّين:
جابي عصبية، أوتو ودود، جيم سخيف. |
جابي نشيطة، أوتو كسول، جيم واثق من نفسه. |
أوتو (يطقطق لسانه). |
أوتو (ينتظر). |
جيم يدخل بهدوء إلى البار ويقترب بجرأة من المائدة. |
جيم يدخل بسرعة إلى البار يلقي بنفسه على إحدى الموائد. |
جيم (لجابي): أيتها الصبية، أريد الجلوس معك. |
جيم (لجابي): مدام، هل يمكنني أن أجلس في مائدتك؟ |
جابي (لجيم): لا … أوه، حسنًا، أعتقد أنه يمكنك. |
جابي: تفضل! |
يجلس جيم بهدوء. |
يجلس جيم. |
جابي (لجيم): إذن ماذا نفعل الآن؟ |
جابي (لجيم): لا أريد أن أنتظر كثيرًا، قل لي: ماذا تريد؟ |
هل يمكنك أن تقول لي عما يجب أن أحدثك؟ أقصد: ماذا تريد؟ ينظر جيم بغضب إلى
أوتو.
|
يغمز جيم لأوتو. |
جيم (لأوتو): جرسون! |
جيم (لأوتو): جرسون، نريد طلب شيء. |
أوتو (يقترب من المائدة وهو يدندن بأغنيةٍ فرحة. يبتسم بأدبٍ إلى جابي
ويسأل): هل يمكنني أن آخذ طلباتكما؟
|
أوتو (بهدوء، يقترب ببطء من المائدة، ينظر لجابي بعينَين حمراوَين): ماذا
حدث؟
|
جيم (لأوتو): أحضر لي بيرة واتركنا وحدنا! |
جيم (لأوتو): أحضر لي فنجانًا من القهوة. |
جابي (لأوتو): لا أعرف! لتحضر لي بيرة أنا أيضًا. |
جابي (لأوتو): قهوة لي أنا أيضًا. أشعر بعطشٍ شديد. |
أوتو: سأعود بالطلبات (يتجه نحو البار بابتسامة على وجهه). |
أوتو: لديَّ الكثير لأفعله، سأعود بعد قليل ويتأرجح إلى البار. |
جابي (لجيم): أنا … أقصد … اسمي جابي. |
جابي (لجيم): اسمي جابي، وأتشوَّق لمعرفة اسمك. |
جيم: اسمي جيم. |
جيم: اسمي جيم. |
جابي (لجيم): سعدتُ بمعرفتك، أقصد … |
جابي (لجيم): تشرَّفتُ بمعرفتك. |
أوتو (يصل إلى المائدة، مبتسمًا، يصنع كوبَي البيرة بهدوء على المائدة): في
صحتكما، ووقتٌ سعيد.
|
أوتو (متأرجحًا، يقترب من المائدة، يمسك بالكوبَين بكسل، ويضعهما على
المائدة): لا تنادياني على الفور. أحتاج لبعض الراحة.
|
جابي (لأوتو): أوه! شكرًا. |
|
أوتو: لا شكر على واجب (ويبتعد في اتجاه البار بخطوةٍ لطيفة). |
|
جابي (لجيم) هل يمكنني أن … ماذا تعرف؟ أقصد، أريد أن أقول، هل يمكنني أن
أعرف ماذا تريد؟
|
جابي (لجيم) خطيبي على وشك الحضور، إذن أرجوك قل لي على الفور ماذا
تريد؟
|
جيم (لجابي): شكرًا على الشراب أيتها الصغيرة! كان هذا ما أحتاجه. |
جيم (عاقدًا ذراعَيه)، حسنًا، أنا عميل في البوليس، وأريد أن أسألك بعض
الأسئلة.
|
في كل مرة تقود الأحداث في القهوة الإلكترونية ملامحَ معيَّنة لسلوك الشخصية. يمكن
أيضًا
القول إن نظام المتغيِّرات الثلاثة، والمرتبط باستمرارٍ فيما بينها، مع تلك الخاصة
بالشخصيات الأخرى والبيئة المحيطة، يمكن أن يتم إدارته إلى حد السماح بنوعٍ من عدم
استمرار السلوك حتى بداخل الإطار المختار نفسه.
لا نريد أن تكون تصرُّفات ممثِّلينا متوقَّعة. إن ذلك السلوك المتوقَّع يمنع المستخدمين
من تقدير التفاعل بين الممثِّلين، وخاصةً بعد أن يتفاعل معهم أكثر من مرة. إن الممثِّل
يجب أن تكون له القدرة على التعديل الطفيف لسلوكه الخاص، في إطارٍ مماثل، دون انتهاك
الخصائص المرتبطة بالشخصية التي يمثِّلها.
٩٧
إذن ففي السايبر كافيه كان من الممكن إبداع، ليس فقط نماذجَ مختلفة من السلوك، ولكن
أيضًا الوصول إلى جعل تلك الشخصيات تغيِّر من القيم القياسية بدرجةٍ معيَّنة من الاحتمالات.
لم يعُد الأمر يتعلق بمجرد سلسلة من العبارات والسلوك مسبقًا،
التي يختارها العميل إجابةً
عن الأسئلة المختلفة للمستخدم. والعملية تتطلب تمييز الأدوات، سواء لتحديد خاصية
الشخصية، أم لإدخالها في قصةٍ فيها يمكن للشخصية التصرف بتناسُق مع الطابع المختار
لها.
يشبه ذلك جزئيًّا آلية إبداع الشخصيات في ألعاب التشخيص مثل لعبة: الزنازين والتنانين
Dungeons and Dragons. في تلك الحالة، عندما يتم
الإلقاء بالزهر، يتم اختيار القيم المتنوِّعة المناسبة للمهارات المختلفة (الذكاء،
الخفة،
القوة … إلخ)؛ تكون النتيجة هي شخصية ذات خصائصَ محدَّدة.
٩٨ بالطريقة نفسها، في حالة سايبر كافيه، فإن المشروع كان يهدف إلى بناء جهاز،
والذي، بتحديده للمقاييس التي أوردناها وعلاقتها المتبادلة، يمكن نظريًّا «أن يتناغم»
على
أي نموذج اجتماعي-نفسي. بكلماتٍ أخرى لا بد من وجود أداة بواسطتها يمكن للمؤلف إبداع
الشخصيات ليس عن طريق صياغة عباراتها، ولكن تحديد حالتها النفسية وسلوكها.
الأمر يتعلق بالتالي بطريقةٍ جديدة ومدهشة لأخذ دراما الشخصية في الاعتبار بمعنًى
إجرائي تمامًا. هنا المؤلف لا يجد نفسه أمام ضرورة كتابة النصوص المختلفة الممكِنة
(أو
الأداء المتوقَّع في قصةٍ تفاعلية) بل فقط الدوافع التي بفضلها يُنفذ الأداء المطلوب
ويُكون
النص. لنتخيَّل إذن أنه في لحظةٍ ما في نسخةٍ إلكترونية لنصِّ تشيكوف، تبدأ الأخوات
الثلاث
في الصياح: «ذبابة! ذبابة»، ولكن سيفعلن ذلك ليس لأن المؤلِّف كتب العبارة لينطقنها
في هذه
اللحظة، بل لأن المؤلف قد حدَّد كيف أن تلك الشخصيات غير راضية عن حياتها في الريف،
ودائمًا يشعرن بالإحباط.
هذا النوع من المعالجة يوجِّه الانتباه نحو تناسُق موقفٍ معيَّن، والذي فيه تُوجد
الشخصية،
مع الميل إلى تفسير المقاييس العامة للذكاء الاصطناعي. لا يركِّز فقط على ما تفعله
هذه
الشخصية في ذلك الموقف المحدَّد، ولكنه يميل إلى تمييز ما هي المعايير التي تُعرِّف
خصائص
الشخصية. بمجرد تحديد تلك المعايير، لا بد بالتالي من خلق تلك الأدوات لتحديد قيمتها
وكأنها نوعٌ من المقابض أو مقاييس القدرة، ولكن كفاءة العملاء الاصطناعيين، أو ما
سبق
وعرَّفه ماتياس Mateas بالمصداقية، تُؤدي بالضرورة إلى
النظر إلى الشخصية بصفة الوظيفة الدرامية؛ إذن نجاح إبداع الشخصية الافتراضية يعتمد
على
القدرة على وصف قواعد الموقف الدرامي.
إن تجريب الذكاء الاصطناعي بالنظريات الخاصة بالعملاء اتجه نحو هذا النوع من
المحاكاة، وأعاد فتح الطريق أمام المحاولات لصياغة الأنشطة الدرامية. في هذه الحالات،
فإن اللغة — ما يُطلَق عليه عبارات النص — تصبح نتيجةً
(outcome) — لنستخدم مصطلحًا عزيزًا على الحاسوب لعمليةٍ
معقَّدة تهدف إلى إدارة الأحداث والسلوك.
إذن فالإحالات إلى التقنيات الدرامية منغمسة بالفعل داخل تلك الدراسات. إن أكثر نظريات
الدراما انتشارًا وقبولًا هي أشعار أرسطو، والتي تُوضَع في الاعتبار في الأدب عند
تناول
كتابة المشاهد والدراما للأفلام والوسائط الرقمية، بما في ذلك الوسائط غير الخطية
والتفاعلية. تُوجَد بالفعل بعض الأبحاث التفصيلية، والتي كانت فيها أشعارُ أرسطو
هي نقطة
الانطلاق لاعتباراتٍ واسعة النطاق حول تركيب القصة.
٩٩ هذه المعالجات ليست جديدة؛ استخدم بنتلي
Bentley الأشعار مؤشرًا حول مناقشاته عن الدراما بينما
لا يستطيع
Egri أن يتجنَّب السؤال القديم حول الحبكة والشخصية.
١٠٠ والشيء المثير للاهتمام أكثر هو كيف أن الأشعار أثبتَت فائدتَها في حقلٍ محدَّد
خاص بالتفاعل بين الإنسان والحاسوب، وفي تصميم نظرياتٍ جديدة لرواية قصصٍ تفاعلية.
١٠١ هذا النجاح العريض يعتمد أساسًا على واقع أن الأشعار تمنح تعريفًا واضحًا
لعناصر التراجيديا الستة مرتَّبة ترتيبًا هيكليًّا لما يُطلق عليه الأسباب المنهجية؛
الحكاية أو
الحبكة، والشخصيات، ومستوى اللغة، والفكرة، والعرض، واللحن أو الأغنية؛ الحكاية والشخصية
والفكرة تنبع من موضوع المحاكاة الدرامية، والمعروض ينبع من السلوك، واللغة واللحن
من الوسائل.
١٠٢ هناك زعمٌ ما أن أرسطو هو أساس الخلفية الثقافية للتجربة الهامة المتعلقة
«بالذكاء الاصطناعي التعبيري»، والتي تستخدم قواعد الدراما لتصميم موقفٍ دراميٍّ
تفاعلي
بواسطة شخصياتٍ اصطناعية. وفاصاد
Façade تجربة قام بها
مايكل ماتياس
Michael Mateas وأندرو ستيرن
Andrew Stern وهي تجربةٌ تهدف إلى السماح للمستخدم باختيار
الارتجال مع شخصيتَين على الشاشة على أساس موقفٍ محدَّد.
فاصاد تجربةٌ فنية/بحثية، على أساس الذكاء الاصطناعي بالرواية الإلكترونية،
محاولة للتحرك فيما وراء التفريع التقليدي أو الرواية المتشعبة الروابط، وذلك لإبداع
دراما تفاعلية كاملة التحقُّق من فصل واحد. […]
أنت، اللاعب، تستخدم اسمك ونوعك، تلعب شخصية صديقٍ قديم لجريس وتريب، زوجَين ناجحَين
ماديًّا، وفي بداية الثلاثينيات، أثناء أمسية في مسكنهما تتحول إلى شيءٍ قبيح، تجد
نفسك
متورطًا في الصراع المحتدم حول زواج جريس وتريب. لا أحد في أمانٍ حيث تتطاير الاتهامات،
تبدأ التحيزات ويُجبر الحضور على اتخاذ قرارات. في نهاية المسرحية المكثَّفة ذات
الفصل
الواحد ستكون قد غيَّرت مسار حياة كلٍّ من جريس وتريب — وهو الأمر الذي سيدفعك لتلعب
الدراما من جديد، لترى كيف أن تفاعُلَك في الحدث يمكن أن يجعل الأشياء والنتائج
مختلفة
في المرة القادمة.
١٠٣
كتب ماتياس أن مشروعه يعتمد على نظرية دراما أرسطية جديدة، واقترح أن الخاصية
التفاعلية ستعمل على تغيير العنصر الثاني (مثال: الشخصية تختلط مع اللاعب).
١٠٤
وقبل التوغل أكثر في استخدام أرسطو، تُوجَد بعض المسائل يجب حلها أولًا، المسألة
الأولى: الخطة التي اقترحَتْها لوريل، والتي طوَّرها ماتياس يمكن أن تقود إلى فوضى؛
لأن
أدوار اللاعبين وأدوار الجمهور مختلطة فيما بينها. إن الطريقة التي يصف بها أرسطو
العناصر الستة أكثر تعقيدًا بكثيرٍ عند النظر إليها نظرةً سريعة؛ إنها نتيجة أسبابٍ
منهجية
يمكن قراءتها بسهولة كعمليةٍ تأليفية. يحوِّل ماتياس الخطة إلى بيئةٍ تفاعلية، وذلك
بإضافة
اللاعب (بفعل المستخدم) إلى الشخصية (وبالتالي يتم إنتاج السلسلتَين الأخريَين من
الأسباب
الشكلية والمادية). وكان هذا الحل نتيجة افتراض أنه، فيما يُسمَّى بالدراما التفاعلية،
يتفاعل
اللاعب كشخصية؛ ولذلك فمكانه يجب أن يكون بجوار الشخصية في العناصر الستة. وهنا،
يبدو أن
ماتياس يتبع سوء فهمٍ واسع الانتشار في كتابة النص الأدبي باستخدام أرسطو.
يتساءل ماكي
Mckee: حبكة أم شخصية، أيهما الأهم؟ إنه جدلٌ
قديمٌ قِدم الفن […] في القرنِ التاسعَ عشرَ تمسَّك الكثيرون بأن البناء الدرامي
هو جهازٌ مصمَّم
لعرض الشخصية، وأن ما يريده القارئ هو شخصياتٌ ساحرة ومركَّبة. […] والموضوع متسع
الأركان.
لا نستطيع أن نسأل ما هو الأهم البناء الدرامي أم الشخصية؛ لأن البناء الدرامي هو
الشخصية، والشخصية هي البناء الدرامي.
١٠٥ بل ويكتب إجري
Egry عن «خطأ أرسطو الأساسي،
والشخصية كشيءٍ متفرِّع من الحدث»، ويختتم أن «الشخصية هي أهمُّ ظاهرة في أي مكان».
١٠٦ وهنا نجد أن اسمَين معروفَين — في الكتابة الدرامية — قد أساءا فهم قواعد
أرسطو عن الدراما؛ فكلنا نعرف أن فكرة الدراما الأساسية مرتبطة بقوة بالشخصية في
الحدث،
وسيكون في غاية الصعوبة تخيُّل مسرحية بلا شخصية (بالرغم من أن مسرح الطليعية حاول
ذلك من
خلال عرض
Balla’s Feu
d’artifice عام ١٩١٥م — والمسرح المعاصر أيضًا فعل ذلك — وذلك
من خلال عرض
M.#10
Marseille، والذي قدَّمَتْه فرقة رافايلُّو سانزيو عام ٢٠٠٥م).
إذن فالقطع الواضح لتتالي العناصر الستة صعبٌ بالنسبة لكاتبٍ معاصر: وما الذي يمكن
أن نكتب
عنه غير الشخصیات؟
والمشكلة تبدأ بسبب نوعٍ من سوء الفهم لكلمة
Character في الترجمة الإنجليزية؛ فالكُتاب الذين
سبق وذكرتُهم يقرءونها على أساس
dramatis persona
الشخصية الدرامية، الشخص الذي يتم عرض ملامح شخصيته في رواية أو دراما … إلخ؟ أو
كدورٍ
«يلعبه الممثل». ولكن هذا يقودنا لأن نعتبر العنصر الذي دوَّنه أرسطو في قائمته،
أكثر
حداثةً من مجرد فكرة الشخص، دورًا يُلعب في الدراما أو في الحياة الحالية.
١٠٧ «في الدراما «شخصية» ليست هي المادة الخام للمؤلف؛ إنها المُنتج؛ فهي تنبع
من المسرحية؛ ليست موضوعةً بداخلها. لها عددٌ لا نهائي من الاستخدامات الفرعية، ولكنها
كلها تخدم في قيادة المسرحية في مجملها.»
١٠٨ هنا يستخدم المؤلِّف المصطلحات بطريقةٍ حديثة، ولكنه لا يخلطها مع أرسطو،
بالإضافة لذلك فهو يضيف أن الدراما هي قائمةٌ من الأفعال (الحبكة) يقدِّمها عميل،
ربما
يُظهر ملامحَ مختلفة، وشخصيات، والتي هي المنتَج، والتي — من وجهة نظر الجمهور —
هي
صورةٌ لشخصٍ ما. لنرَ إذن الكلمات التي استخدمها أرسطو للعناصر الستة:
Muthos: الحبكة، أي شيء ينتقل عن طريق الكلمة،
كلمة، أو خطبة.
êthê: شخصية، أو عادة، أو عُرف.
lexis: خطبة، أو لغة، أو نموذج.
dianoia: فكرة، أو غرَض، أو نية.
opsis: عرض، أو نظرة، أو مظهر.
meloponia: أغنية، أو كلمات أغنية أو موسيقى. الشيء
الأول أنه يمكننا أن نرى أن العنصر الثاني الذي نتناقش حوله يرتبط أكثر بالخواص،
والعادات الأخلاقية؛ وبالتالي فنحن أمام جزء مما نطلق عليه
persona والتي يمكن أن نُعيد بناءها في ذهننا أثناء
العرض. تمنحُنا إليزابيث بيلفيوره
Elizabeth Belfiore
تفسيرًا واضحًا لهذه المسألة: «لأن أرسطو يصنع حدًّا فاصلًا بين الحبكة والإيثوس.
ويُصِر على أن الحبكة أساسية للتراجيديا بينما الأمر ليس كذلك بالنسبة للإيثوس
Ethos؛
١٠٩⋆
حيث تختلف رؤيته لطبيعة التراجيديا جذريًّا عما يراه القُراء الحاليُّون والدارسون،
والذين بالنسبة لهم تُوضَع الشخصية في مركز الاهتمام.»
١١٠ ثم تسترسل في شرح أن تلك النقاط الخاصة بالشخصية غير مناسبة؛ حيث إنها تقود
إلى التفكير في عملاء الدراما «كهُوياتٍ نفسيةٍ تشبه إلى حدٍّ كبير حياتَها الحقيقية»،
والأمر ليس كذلك. تبعًا لما كتبَته بيلفيوره، فإن «إيثوس: تعني ما هو نوع الاختيار
الذي
يقوم به العميل في أداءٍ درامي […] قرار يعبِّر عن رغبةٍ في عمل شيءٍ هنا والآن،
والأداء الذي أظهره الإصرار على الفعل المطلوب للوصول للنهاية.»
١١١
يمكن استنتاج أن ما يمكننا أن نصفه بأنه شخصية بالمعنى الحديث، هو عبارة عن مجموعة
اختياراتٍ يقوم بها العميل «إذا كانت الحبكة في مجملها مصنوعةً من مجموعة أحداثٍ
فردية
(أشياء قيلَت أو تمت)، فإن الإيثي
êthê في مجملها، على
المنوال نفسه، مصنوعةٌ من سلسلة من الإشارات لاختياراتٍ في المسار نفسه. كل هذه المسارات
لها اختياراتها»؛ إنها خصائص الحدث وليست خصائص الشخص.
١١٢
وبإعادة النظر إلى العناصر الستة بداخل بيئةٍ تفاعلية يعني — على ما أعتقد — إضافة
عنصرٍ جديدٍ اسمه إجراء إلى الخط الموضوع فوق حبكة (شكل
٤-٢)؛ وبالتالي
فالشخصيات تُوضَع في مجموعةٍ من المواصفات (من أنواعٍ مختلفة)، يشارك فيها كلٌّ من
العميل
الإنساني وذلك الافتراضي. إن هذا سيحلُّ أيضًا سوء الفهم الخاص بدور الجمهور، وفي
الرسم
البياني التالي نقترح أن نضعه في نهاية الأسباب المنهجية؛ وبالتالي سيتغيَّر دوره
تبعًا
للعناصر المتداخلة في العملية. الأهم أن الخاصية الإجرائية للدراما تأتي في البداية
ثم
تفاعُل الشخصية، والثانية هي نتيجة الأولى.
والإجراء هو العنصر الجديد الذي يُوضَع في يد المؤلف ليشكِّل الدراما، مثل الشخصيات
والعناصر الأخرى، ويمكن أن يستقبله الجمهور بوصفه إحدى المواد التي تُصنع منها الدراما.
١١٣
ولكن يبقى شكٌّ ما. كيف يمكن أن تتطوَّر الشخصيات المركَّبة بناءً على هذا التخطيط؟
وكم يجب
أن تكون الإجراءاتُ معقدة، أو كم من المتغيِّرات يجب وضعها لاستعادة شخصية مثل جيمس
بوند
للجمهور (أو اللاعبين)؟ ولكن، والأهم، هل سيتعلق الأمر بالقيَم نفسها التي يمكننا
استخدامها «سائق تاكسي» سكورسيزي؟ إلى هذا يُضاف جزءٌ كبيرٌ من كفاءة الشخصية الحديثة
أيضًا في تجسيد شخصٍ حي،
بصفاته، وخصائصه الغريبة. في العلاقة بين الوظيفة الدرامية
والجسد الإنساني تظهر شخصية تخدعنا وتؤثِّر في مشاعرنا. إن التجارب التي تهدف إلى
التوليد الآلي للمواقف الدرامية يجب إذن أن تضع في حساباتها آلية العناصر الثلاثة
الأخرى، والتي وضعها أرسطو؛ الوسائل وطرق التقديم.
من المؤكَّد أن الخبرات التي وصفناها في الفصلَين السابقَين تشير بوضوحٍ إلى طريقةٍ
جديدة
وإلى أدواتٍ جديدة، ولكنها لا تزوِّدنا بإجاباتٍ قاطعة عن سؤالنا.
إن تطور العملاء الأذكياء ما زال في مرحلة الإعداد، وغالبًا ما يرتبط بالكمبيوتر
جرافيك الأكثر تقدمًا. من الواضح أن ممثلًا اصطناعيًّا افتراضيًّا لا يمكن عزله عن
عالمه
الإلكتروني، ويجب أيضًا أن يرتبط بوضوحٍ بالعالم الواقعي، سيكون أكثر فعاليةً عندما
يعرف
كيف يتصل أكثر مع ممثلٍ حقيقي من لحم وشحم ومع الجمهور. عندما نحضُر تجارب الواقع
الافتراضي، نشعُر بالاندهاش لما تبدو عليه من واقعية؛ ولهذا الهدف من الممكن أن نتزوَّد
بواجهة آدمية-آلية فعَّالة (قفَّازات، نظارات، بدل … إلخ)، لنجعل العلاقة تبدو طبيعيةً
أكثر.
وهذا لا يختلف كثيرًا في عالم المسرح، إن طبيعية (وفورية) العلاقة بين الممثلين والجمهور
مؤشرٌ ذو كفاءة للاتصال والمهارة.
توجِّه فرقة Synthetic Character Group في ميديا لاب
(M.I.T. – MA)، التي يقودها
بروس بلومبرج
Bruce Blumberg انتباهَها إلى عالم الرسوم المتحركة
الكلاسيكية للأطفال، ولكن تبعًا لنموذجٍ تفاعلي. من خلال العروض التي عالجوها في
الأعوام
الأخيرة، نفَّذوا بعض الحيوانات اللطيفة؛ مثل خنزيرٍ كبير، ودجاجة، وكلب قطيع، التي
تعيش
حياتها باستقلال أو تبعًا للإرشادات التي يمنحُها إياها المستخدم.
وهنا يتضح أن هناك اختيارَين أساسيَّين؛ من جهة إبداع القصة، وقواعد السلوك والتفاعل
بين
الشخصيات البسيطة نسبيًّا، والمستوحاة من نماذج يمكن التعرف عليها، ومن الجهة الأخرى
التأثر العميق بين السينما والواقع الافتراضي بهدف أن يكون نشاط هؤلاء الأشخاص جذابًا
ومؤثِّرًا. إن الطريقة التي نرى بها هذا العالم يظهر على الشاشة يديرها مصورٌ افتراضي
خفي
يختار باستمرارٍ الزاوية، ومساحة التصوير، وتغيُّرات المشهد تبعًا لشفرةٍ لغوية تم
تجريبها
بالفعل من خلال السينما والتليفزيون.
١١٤ وكما أشرنا، في التسعينيات تم العبور من كتابة الشخصية إلى عملية إخراجٍ
لمواقعِ تصويرٍ افتراضية. وبمجرد أن تبدأ نظرتُنا بالتركيز على هذا الموقع سيتدخل
في
العمل كاميرات تليفزيون افتراضية خفية، تختار ما سيظهر على الشاشة الثنائية الأبعاد،
ومن
الواضح أنه بين العملاء الأذكياء في الحدث، لا بد من وجود مُخرجٍ ليقدِّم لنا المراكز
المختلفة للرؤية.
والتركيز نفسه على تفاعلٍ ناجح ومؤثِّر بين الشخصيات الافتراضية والشخصية الواقعية،
ولكن
من وجهةِ نظرٍ أخرى، يُعيدنا إلى التجارب التي أجرَتْها
Medialab لفلافيا سباراتشينو
Flavia
Sparacino حول ممثل الوسيط
Media Actor.
في تلك الحالات فإن البحث حول العملاء الأذكياء يرتبط بتكنولوجيات تصوير الحركة
motion capture والتي فيها لا يكون الإنسان هو الداخل
إلى العالم الافتراضي للشخصيات الافتراضية، ولكن سيكونون هم المنوطين بالظهور على
شاشةٍ
مجهَّزة، وسيكون عليهم التفاعل مع الممثلين الحقيقيين.
١١٥
في الاتجاه نفسه سارت تجربة كلاوديو بينهانيز
Claudio
Pinhanez في
Media Laboratory في
MIT في كامبريدج، من خلال عرض
It/I An:
Interactive Theatre Play (الشيء/أنا: مسرحية تفاعلية).
١١٦
إن
It/I هو عرض بشخصيتَين؛ حيث ذلك الإنساني يُعذبه
ويسخر منه ذلك الاصطناعي المصنوع من جرافيك
الكمبيوتر
It. نعتقد أن
It/I هو العرض الأول على الإطلاق الذي فيه تظهر شخصية
يتحكَّم الحاسوب في ردود أفعالها.
١١٧
وفي هذه الحالة تحكَّم الحاسوب باستقلالٍ في الشخصية، مبدعًا ذلك الذي سنطلق عليه
اسم
ممثِّل الحاسوب.
بخلاف الأعمال السابقة التي استخدمَت شخصياتٍ آلية،
فإن شخصيتنا تتوجه إلى مواقف
فيها يتدخَّل الممثل أو المستخدم مع ذلك المرتبط بإحدى الشخصيات، والذي يدير قصته
الحاسوب. هذا يتطلب التعرف على الأداء الإنساني، هكذا كما سيتم تقديمه على الشاشة،
ولا تُوجَد ضرورة للضغط على أي سطحٍ من قِبل مستخدمٍ آخر يسكن في مكانٍ آخر.
١١٨
قُدِّم العرض بين صيف وخريف ١٩٩٧م، لمدة ست أمسيات فقط، في ورشة الوسائط، في فضاء
تم تجهيزه
خصوصًا لذلك. كان موضوع العرض غايةً في البساطة: ممثل يقود بانتومايم مختصرًا (حوالي
ثلاثين
دقيقة) بالاشتراك مع حاسوبٍ على منصةٍ من بضعة أمتارٍ مربعة. الممثل (والشخصية اسمها
«أنا»)،
يرتدي زيَّ مهرِّج السيرك بقميصٍ واسع، وسروالٍ واسع، وشعرٍ غريب. يجلس «أنا» مستمعًا
إلى موسيقى
بيانو عندما، فجأة، وعلى الشاشة في العمق وعلى يسار المشهد، يبدأ الحاسوب (الشخصية
تُدعى
«الشيء» It) في تصميم أشياء بينما يغزو المشهدَ أصواتٌ
وأضواء.
وهكذا تبدأ العلاقة المترابطة لأربعة مشاهد وجيزة بين الكوميديا والحزن والتي فيها،
وبصفة أساسية، يعمل الممثل على استفزاز الحاسوب، ويتصرف الأخير بناءً على ذلك. وعلى
سبيل
المثال سنذكُر مشهد «الصورة» على الشاشة في العمق، كان الحاسوب يُظهر صورةً بعدسة
تصوير،
ويدعو الممثل بحركته أن يقف في وضع تصوير. كل مرة يقف الممثل فيها، يرى (ويسمع)
الكاميرا تلتقط الصورة، ويُظهِرها الحاسوب على الفور (على شكل سيلوات) على الشاشة
في
اليسار. يقترب المهرِّج من الشاشة، يدقِّق النظر مندهشًا لفترة، ثم يعود مرةً أخرى
أمام
الكاميرا لتأخذ له صورةً جديدة. أخذَت هذه الدورة من الأداء تتكرَّر حتى شعَر الممثل
بالمَلل،
ورفض الدعوة لصورةٍ أخرى. عندئذٍ شعر الحاسوب بالإهانة. على الشاشات تظهر مجموعةٌ
من
الأحجار، وكأنها تسقُط، بينما الأصوات مرتفعة للغاية، والأضواء ذات الإيقاع العصبي
تبدو
وكأنها تريد عقاب المهرِّج المسكين.
يبدو واضحًا من هذا المثال، ومثل أجزاءٍ أخرى في العرض، أن المؤلِّفين أرادوا أن
يوضِّحوا
قدرة الحاسوب على التعرُّف على أفعال الإنسان، على تفسيرها؛ وبالتالي التصرُّف على
أساس
النموذج الشائع؛ ولكن دون تحديدٍ صارمٍ لعملية الإخراج، وذلك من خلال أن يلائم الإيقاع
الانحراف الحتمي لارتجال الممثلين.
١١٩
إن الأوامر الآلية يجب ألا تعني إجاباتٍ على أزمنةٍ محددة مسبقًا؛ الممثل-الحاسوب، يجب
تنفيذه وكأنه نظامٌ مستقل
ومتفاعل قادر على إدراك العالم؛ أن يشير إليه
بالشفرة التي يحتفظ بها في ذاكرته، وأن يجد لنفسه الخط المناسب للحدث. بطريقةٍ أخرى
يفقد العرضُ سحره؛ حيث إن الممثلين ليسوا في علاقةٍ فيما بينهم ومع الجمهور.
١٢٠
يتضح كيف أن تلك التجربة تُعرِّف بطريقةٍ بسيطة، ولكن فعَّالة، إمكانية التفاعل بين
الممثل
الإنسان والممثل الاصطناعي، وذلك بالتركيز على مشكلتَين أساسيتَين. قبل كل شيء كان
من
الضروري أن يتمكن الممثل من الاتصال مع الآلة من خلال نظام إشارات وشفرات أكثر تركيبًا
من الواجهة البسيطة «لوحة المفاتيح – الفأرة – أوامر شفهية». كان ذلك يمكن ممارسته
من
خلال نموذجٍ تم تجريبه بالفعل لتعريف الجسد في الفضاء (تصوير حركي) والذي كان يحدُث،
في
الحالة التي نفحصُها، من خلال استخدام نظام ثلاث كاميرات تليفزيون، قادرة على أن
تقتفيَ أثَر
حركة الممثل على أساس معطيات الفضاء الثلاثي الأبعاد (z, y,
x). بالإضافة إلى كل هذا تُوجَد أيضًا قدرة الحاسوب على إدراك الزمن
كواقعٍ مسيطر، بل متعلق بالتفاعل؛ وبالتالي في علاقة مع ذلك الذي يحدُث في المشهد.
ويحدُث
هذا على أساس ما يُسمَّى interval
script وهي لغةُ برمجة تصنع علاقةً بين كل وقفةٍ زمنية وكل
حركةٍ من النص (ماضٍ، حاضر، مستقبل). وبصفةٍ عامة يمكننا التحدث عن نصٍّ خاصٍّ يُعلم
الحاسوب
مفاهيم «قبل والآن وبعد» في علاقة مع المشاهد. وبعيدًا عن المجهود التكنولوجي الذي
دعمه
هذا العرض، وبتأجيل الحكم حول افتراضات الاستحقاقات الفنية، نجد أن الشيء الذي يهمُّنا،
في
هذه اللحظة، هو إظهار كيف تحقَّقَت إمكانية إدخال المتغيِّرات الزمنية والجوهرية
في عرضٍ مباشر،
في أداءٍ مسرحي اشترك فيه ممثلٌ اصطناعي.
إلا أنه يكمُن ضعفُه في تسميته ممثل الحاسوب؛ حيث يرتبط وجوده بالنص، والذي بعيدًا
عنه
لا يمكِنه التحدث، حتى وإن سبق وأظهر إمكانية التفاعل مع الإنسان، إلا أن المثال
الذي
ذكرناه للتوِّ يعيدنا أمام حاسوبٍ يتصرَّف تصرفًا محددًا، وله ردُّ فعلٍ واحد؛ سلوكه
لا تقع عليه
تعديلات. وإذا ترجمنا ذلك في مصطلحات مسرحٍ نثريٍّ تقليدي، يمكِننا القول إن ذلك
الحاسوب
يشبه ممثلًا جامدًا، بليدًا قليلًا، عيناه مركَّزتان على النص، وينتظر حصريًّا اللحظة
التي عليه
فيها أن ينطقَ بالعبارة المنوطة به (أو يؤديَ الحركة الخاصة به): ممثل يردِّد آليًّا
من ليلة
إلى أخرى العباراتِ نفسَها بالنبرة نفسها، يتحرك ويسير دائمًا، بالطريقة نفسها، وتبعًا
لمساراتٍ متشابهة. والخلاصة لا يمكن للحاسوب أن يدير عددًا مناسبًا من العمليات الارتجالية
المناسبة لكل عرضٍ مباشر، بهدف تغييرٍ مستمرٍّ للنتائج.
تُوجَد انحرافاتٌ كبيرة متعلقة بالقدرة الخاصة بممثلٍ افتراضيٍّ اصطناعي، ولكن يمكن
العثور
على قدراتٍ مثيرة للاهتمام إذا ربطنا تلك التجارب بتلك المرتبطة بالذكاء الاصطناعي
لسايبر كافيه لجامعة ستانفورد في كاليفورنيا.
١٢١
(٧) الماريونيت الرقمية
ترتبط الأبحاث حول العملاء الأذكياء أو الشخصيات الرقمية بمناطقَ مختلفة؛ فمحاكاة
السلوك وتطوُّر الشخصيات ذات المصداقية يهمَّان مجال الألعاب والحكي التفاعلي (بداية
من
تاماجوتشي إلى ألعاب التخيُّل)، وحقل التكوين وتجديد واجهة التشغيل. تُوجَد بالفعل
في
الأسواق شركاتٌ متخصصة في تزويد العملاء الاصطناعيين، والذين يعملون مرشدين داخل
مواقع
الشبكة. والفكرة هي تحويل العلاقة مع الحاسوب إلى علاقةٍ أكثر إنسانية، وذلك بمحاكاة
نموذج
العلاقات الموجودة بالفعل في خبراتنا اليومية، لنسجِّل أيضًا نماذجَ بعيدةً لعملاء
أذكياء،
ولكنهم مثَّلوا محاولة تقديم العميل، الإنسان، على الخشبة تبعًا لشكل معطًى جديد
للجرافيك
الرقمي، ولكن نلاحظ أننا في حقلٍ مختلف قليلًا عن التأثير بين السينما والمسرح؛ حيث
لا
شيء يُسجل منسقًا، وكل شيء يحدث في اللحظة نفسها. إن التأثير (العَدْوى) بين الممثل
الواقعي
وبين صورته الإلكترونية على الفيديو تقترح نظامًا جديدًا للرؤية. في الوقت نفسه،
يميل
الحوار بين الممثل الواقعي والصورة الافتراضية إلى تحويل المشهد إلى مكانٍ سحري،
خارج عن
نطاق حياتنا اليومية، إلا أنه سهل التأقلم مع الأجواء الخاصة بحواديت بعض الاستعراضات
الخاصة بالأطفال.
تعود صورة الماريونيت بقوة في كل الأبحاث حول الشخصيات الافتراضية عندما لا تتعلق
كثيرًا بالذكاء، بل بالمظهر والقدرة على محاكاة الهيئة البشرية.
إحدى تجارب الماريونيت الرقمية الأولى في إيطاليا تعود إلى عام ١٩٩٤م، ووُلدَت بداخل
مشروع
أوكليدي
Euclide الذي عمل فيه كلٌّ من ستيفانو روفيدا
Stefano Roveda وجاكومو فيردي
Giacomo
Verde.
١٢٢ وكان الأمر يتعلق ببرنامج كمبيوتر للرسوم المتحركة الثلاثية الأبعاد، الذي
بارتباطه مع قفَّازٍ إلكتروني
cyberglove (يرتديه منشِّط، محرِّك العرائس) يسمح في الزمن
الفعلي بمنح حياة الشخصية افتراضيةً ناتجةً عن حاسوب. كان يمكن رؤية تحريك الشخصية
من
خلال شاشة أو عرض فيديو، وكان يمكن وضع أي صورةٍ أخرى من خلال مفتاح كروما
Kroma key. من خلال القفَّاز وحركات الأصابع واليد يتحكَّم
في إدارة تعبيرات وحركات شخصية.
إن الكمبيوتر جرافيك، في الأعوام الأخيرة، طوَّر إمكاناته كثيرًا، وهو الآن يمكنه
إبداع
صورةٍ تتحرك افتراضيًّا لا تختلف على الإطلاق عن تلك المأخوذة في تصوير سينما. وفي
هذا
المجال، فإن سينما الرسوم المتحركة، أو المؤثِّرات الخاصة للتحريك الرقمي،
قد أثبتَت أن
الحدود بين الممثلين الحقيقيين والممثلين الافتراضيين تكاد تتلاشى. لم يعُد المتفرج
يدرك،
أثناء مشاهدته لسبايدر مان أو لهاري بوتر، إن كان ما يشاهده هو تصوير المشهد الحقيقي
أم
المحاكاة الرقمية له. وربما أكثر المعطَيات اهتمامًا هو ذلك النوع من عدم التحديد
في
الصورة السينمائية في الزمن الرقمي؛ حيث الممثِّل يصبح صورةً للتخيلي؛ وبالتالي يتم
تركيبه
وتحويله إلى صورٍ ثلاثية الأبعاد. بدأ استوديو Attitude
Studio (فرنسا) بالفعل عام ٢٠٠١م،
في العمل على إعادة البناء الواقعية
ذات المصداقية لشخصياتٍ رقمية (Eve Solal)، ولكنه حديثًا
اشترك أيضًا في عمليةٍ عكسيةٍ من خلال الفيلم Reinessance ٢٠٠٦م، والذي فيه تحوَّلَت حركات الممثل
الفعلي إلى رسومٍ متحركة أبيض وأسود. إن موضوع الماريونيت الرقمي يقود الحوار تجاه
تطوُّرات سينما الرسوم المتحرِّكة، بعيدًا عن أهداف دراستنا. لنكتفِ هنا فقط بالإشارة
إلى
تلك الأبحاث الغنية جدًّا حول التحول الجرافيكي للشخصيات الاصطناعية، دراسة الحركة
والتعبيرات والمصداقية، والتي تعني ضمنيًّا علاقة بالبحث حول الدراما الإجرائية.
الحقلان
يتحركان (أو لا بد من ذلك) في حركةٍ متوازية، بعبارةٍ أخرى، يمكِننا افتراضُ أن تطور
البرامج التي تُولِّد سلوكياتٍ وحركاتٍ لها مصداقية ومستقلة، يمكِن أن ترتبط بأحدث
النتائج
للجرافيك في الحاسوب؛ بحيث يمكِن الحصول على عملاء أذكياء «مجسَّدين» في صور جرافيك
خاصة.
مصادر ومراجع من شبكة الإنترنت
جائزة لوبنر
Loebner Prize تنبثق من جائزة
Turing Test. في الخمسينيات، تساءل آلان تورينج (انظر
المصادر في الفصل الأول) حول إمكانية أن يتعرَّف الكائن الحي على شكلٍ من أشكال الأفكار
المستقلة. عرَّف بالتالي الأطروحة التي تبعًا لها سيكون من الممكن وضع افتراضٍ لذكاء
آلة،
عندما يكون هناك لجنة تحكيم لا تستطيع أن تميِّز إجابة الحاسوب من إجابة الإنسان.
في
عام ١٩٩٠م عقد الدكتور هيوج لوبنر
Lobner اتفاقيةً مع
مركز كامبريدج لدراسات السلوكيات
Cambridge Center for Behavioral
Studies وقاما معًا بتأسيس مسابقةٍ سنوية (بجائزةٍ مادية) مؤسَّسة على اختبار
تورينج لذلك الكمبيوتر الذي سينجح في خداع لجنة التحكيم حول الطبيعة الاصطناعية الخاصة
به. حتى الآن لم يفُز أحدٌ بهذه الجائزة، ولكن في كل عامٍ يتم منح ميداليةٍ فضيةٍ
لأفضل
نتيجة. والمعلومات حول جائزة لوبنر
Lobner موجودة على
الموقع:
http://www.loebner.net/Prizef/loebner-prize.html.
تُوجَد وثيقةٌ مستفيضة حول آليس والبرنامج
AIML على
الموقع الرسمي
http://www.alicebot.org/ على
أساس هذا البرنامج تم عمل محاولاتٍ أخرى. ومن بين هذه المحاولات نذكُر تلك التي طوَّرَتها
شركة
Triumph PC في واشنطن دي سي. من خلال استخدام نظام
Persona-BotsTM وضعَت الشركة التي على الإنترنت اثنَين
من روبوتات الدردشة، اللذَين يقلِّدان كلًّا من شخصية جون لينون
John Lennon
(http://TriumphPC.com/johnlemon/index.shtml).
كانت مدرسة Scs أظهرَت منذ فترة اهتمامًا عميقًا
بتطوير الذكاء الاصطناعي والعملاء الافتراضيين. بالنسبة لهذا من المناسب أن نستشير
أيضًا أنشطة مركز تكنولوجيا التسلية Entertainment Technology Center
(ETC).
موقع مشروع المسرح الافتراضي
Virtual Theatre في قسم
علوم الكمبيوتر لجامعة ستانفورد (كاليفورنيا)
Stanford
University، اهتم المركز بالشخصيات الذكية والمستقلة، والتي تستطيع أن
تتفاعل سواء بداخل القصص المحدَّدة مسبقًا أو في مواقفَ مرتجلة. قادت الأستاذة باربارا
هایت – روث
Barbara Hayes – Roth المشروع ووضعَت على
شبكة الإنترنت وثائقَ كثيرة (مقالات، أمثلة … إلخ) على الموقع
http://www.ksl.stanford.edu/projects/cat/index.html.
والصفحات تحتوي أيضًا على العديد من الروابط لمشاريعَ مشابهة؛ وبالتالي تُعد أداةً
رائعة
للتعمق في الموضوع.
قامت مايكروسوفت، منذ عدة أعوام، بإدارة جزء من مشروعها حول العملاء الأذكياء، وذلك
بتطوير عميل المايكروسوفت
(
http://www.microsoft.com/msagent).
كان الأمر يتعلق بتكنولوجيا تهدف إلى التمكُّن من الوصول إلى أسلوبٍ طبيعي أكثر للاتصال
مع
الحاسوب. بفضل مجموعةٍ من الأدوات ذات تطوُّرٍ محدد، كان من الممكن تجسيد شخصياتٍ
متحركة
متفاعلة في برامجَ مختلفة وصفحاتِ الإنترنت. ما زال المشروع ساريًا وتم التفكير فيه
لمستخدمي
OS Windows XP يمكن للشخصيات أن تتحدَّث، وأن
تقبل أيضًا أوامرَ صوتية.
حول تطوُّر رسوم الجرافيك المتحركة للعملاء الأذكياء من المناسب استشارة العمل الذي
قام
به جاستین كاسيل
Justine Cassell، وكاثرين بيلاشو
Catherine Pelachaud، ونورمان بادلیر
Norman Badler، ومارك ستيدمان
Mark
Steedman في مركز التشكيل الآدمي والمحاكاة
Center for
Human Modelling and Simulation لدى جامعة بينسلفانيا
http://hms.upenn.edu/research.html.
هنا تم تطوير جاك، ذلك البرنامج التطبيقي الذي يمنح بيئةً تفاعليةً ثلاثية الأبعاد
لتحريك الأشكال المترابطة.
كان يوجد لدى معمل الاتصالات
Media Laboratory MIT
حتى عام ٢٠٠٤م مجموعة بحث تُدعى
Synthetic Characters
والتي طوَّرَت في الأعوام الأخيرة سلسلةً من المشروعات حول تحريك الشخصيات الافتراضية
http://www.media.mit.edu/characters/،
والمجموعة التي يقودها بروس بلومبيرج
Bruce Bloomberg
تميَّزَت بالتداخل المتميز للعلوم فيها، وكان يشارك فيها مبرمجون ومصمِّمون، ومهندسو
تحريك.
إن فرقة السينما التفاعلية
Interactive Cinema Group
والتي أيضًا تتبع معمل الاتصالات، كانت تديرها حتى عام ٢٠٠٤م جلوريانا دافنبورت
Glorianna Davenport، كانت الفرقة تركِّز أبحاثها على
التركيبات الشكلية والوسائل البنائية والتأثير الاجتماعي لإنتاج الصور المتحركة
(
http://ic.media.mit.edu/).
تم تقديم عرض الشيء وأنا It/I على المسرح عام ١٩٩٧م،
ونستحضر هنا الفريق الفني والتقني.
-
الإخراج كلاوديو بينهانيز Claudio
Pinhanez.
-
مساعد الإخراج: جاشوا بريتشرد Jashua
Pritcherd.
-
إنتاج: أرون بوبيك Aaron Bobick.
-
مستشار تقني: أرون بوبيك Aaron Bobick.
-
مستشار مسرحي: جانيت سونينبرج Janet
Sonenberge.
-
مدير فني راكيل كويلو Raquel Coelho.
-
تقني مسرح ومسئول أزياء: ليزلي بونداريك Leslie
Bondaryk.
-
أنظمة رؤية: جون ليو وكريس بنتزيل John Liu Chris
Bentzel.
-
أضواء: ريتشارد ماركوس Richard Marcus.
-
أصوات وفيديو: فريدم بيرد Freedom
Baird.
-
عزف بيانو: مونيكا بينهانيز Monica
Pinhanez.
-
شخصيات على الكمبيوتر: راكيل كويل Raquel
Coelho.
-
تحريك كلاوديو بينهانيز Claudio
Pinhanez.
-
مدیر مشاهد: ماریا ریدن Maria Redin.
-
دعم تقني: جيم ديفيز Jim Davis.
-
مساعدون فنيون: ألبتشا فولبيشيلِّي Alicia
Volpicelli.
ونيك فيمستر Nick Feamster.
-
تصميم جرافيك: أندرو ويليسون Andrew
Wilsn.
-
الفرقة: Leslie Bondaryk, Alice Cavallo, John Liu, Chris
Bentzel, Claudio Pinhanez Rich Marcus, Freedom Baird, Stephen Intille, Jim
Davis, Yuri Ivanov, Lee Campbell, Andrew Wilson.
-
من الجدير بالذكر أيضًا، حتى وإن لم نحلِّل ذلك خلال الفصل، العمل الذي قاده أنطونيو
کاموري
Antonio Camurri لدى معمل المعلوماتية الموسيقي
Laboratorio di Informatica Musicale في جامعة جنوة.
ومن بين الأبحاث التي فرضَت نفسها على الشاشة الدولية، مشروع
Eyesweb وهو المشروع الذي ركَّز على العلاقات بين الفضاء
والموسيقى والرقص. ويُوجَد بهذا الصدد موقع على الإنترنت يمكن الاطلاع عليه
http://musart.dist.unige.it.
إن عدد ٢٠٠١م، من
Cartoombria
(www.cartoombria.com) تم تخصيصه للممثِّلين الافتراضيين،
ويمثل عرضًا مفيدًا للتحريك الرقمي بأهداف التسلية.
إن استوديو
Attitude
Studio http://www.attitude-studio.com/ هو شركةٌ فرنسية
متخصِّصة في إبداع الشخصيات الافتراضية العالية الجودة، وضعَت محط الانتباه الدولي
مع إيف
سولال
Eve Solal والتي لهذا الغرض تم تخصيص موقع لها
http://www.evesolal.com (وهو الموقع
الذي لم يعُد يعمل). وهنا الشخصية كانت تُعامل كشخصيةٍ واقعية وموهوبة؛ وبالتالي
تُوجد
سلسلة من المعلومات الشخصية مثل تاريخ الميلاد والاهتمامات، والأصدقاء والوظيفة …
إلخ.