الفصل الثاني عشر

الطب والسحر

تحركت بولينيزيا بهدوء؛ فتسللت خلسة من الشجرة التي وقفت عليها، وطارت إلى السجن، ثم دخلت الزنزانة من جديد عبر النافذة المرتفعة.

كل الحيوانات كانت تجلس بهدوء على الأرض والقلق باد عليها. كانت العودة إلى السجن مخيفة.

غير أن الدكتور دوليتل كان غافيًا، فتنحنحت بولينيزيا إلى أن استيقظ الطبيب الذي نهض بعدئذ من رقدته، وانتصب في جلسته، ثم فرك عينيه لينفض عنهما النوم.

قالت بولينيزيا: «اسمع، لدي أنا وتشي تشي خطة، الأمير سيأتي لرؤيتك الليلة، وقد أخبرته بأنك تتمتع بقوى سحرية، وهو يريدك أن تجعله بطل قصة خيالية.»

فصاح الدكتور دوليتل: «ماذا؟! وكيف بحق السماء سأفعل هذا؟ لا أعلم شيئًا عن السحر.»

قالت داب داب: «الدكتور دوليتل محق. لا يسع المرء ببساطة أن يحيل أميرًا إلى شخصية في قصة خيالية. هذا مستحيل.»

تابعت بولينيزيا كلامها قائلة: «حسنًا، لقد أقنعت الأمير بأن هذا واقع، وقمت بدوري، والآن حان دوركم؛ عندما يعرض عليكم مكافأة، يجب أن تطلبوا منه إطلاق سراحكم.»

تنهد الدكتور دوليتل قائلًا: «حسنًا، متى سيأتي الأمير؟»

أجابت بولينيزيا: «سيأتي للقائك بعد مغرب الشمس.»

قال الدكتور دوليتل: «إذن علي أن أبدأ العمل»، وأخرج مفكرته من جيبه، وقال: «لا أملك إلا بضع ساعات للتفكير في خطة.»

زار الأمير السجن في تلك الليلة، وأمر الحراس بانتظاره بجوار باب الزنزانة ودخلها. كان يشعر بالتوتر وهو يحدث الدكتور دوليتل العظيم، لكنه حاول أن يبدو رابط الجأش.

قال الأمير: «مساء الخير أيها الطبيب. أخبرتني ملكة الجنيات بأن علي أن أحدثك؛ قالت إن بإمكانك مساعدتي.»

فقال الدكتور دوليتل: «بالطبع، سأبذل كل ما بوسعي.» وبدا حنونًا ولطيفًا كعهده دائمًا. لم يستطع حتى أن يتظاهر بالجفاء.

قال الأمير: «أحب القراءة، وأقرأ طيلة الوقت، القراءة هي أكثر ما أفضل القيام به، لكن ليس بالقصص شخص مثلي. الشخصيات في القصص ترتدي ثيابًا فاخرة، وتملك شعرًا أشقر وعينين زرقاوين، وجميعهم يملكون جيادًا ويحاربون التنانين.»

قال الدكتور دوليتل: «فهمت، تريد أن تصبح كشخصيات القصص.»

فقال الأمير: «أجل، هذا هو بالضبط ما أريد.»

قال الدكتور دوليتل: «هل تعلم أن السعادة تصبح صعبة المنال جدًّا عندما تحاول أن تكون شخصًا مختلفًا.»

قال الأمير: «أعي ما أريد. أريد أن أصبح بطلًا كأبطال القصص الخيالية!»

فقال الدكتور دوليتل: «حسنًا، عليك أن تمهلني بعض الوقت، فعلي أن أخلط بعض الأدوية، إذ سنحتاج إلى شراب خاص.»

ثم التفت إلى حقيبة الأدوية الخاصة به واستخرج منها زجاجات مختلفة، وصب بعضها في وعاء مزج فيه محتوياتها. لم تكن تلك أدوية حقيقية، فقد أمضت بولينيزيا عصر اليوم في جمع الماء له، فلما فرغ من خلط الماء، التفت مجددًا إلى الأمير.

وقال له: «عليك أن تشرب هذا بسرعة. حاول أن تشربه كله على ثلاث جرعات.»

أخذ الأمير الوعاء وفعل بالضبط ما طلبه منه الدكتور دوليتل.

ثم سأله الدكتور دوليتل: «ما الذي تشعر به؟»

تلعثم الأمير قائلًا: «لا أدري. لا أدري حقيقة إن كنت أشعر بشيء أم لا.»

عندئذ أخذ جيب في النباح ووقف أمام الطبيب ونبح في وجهه.

فتراجع الأمير وقال: «ما الذي أصاب كلبك؟»

وأخذت البطة داب داب أيضًا في الصياح، وأخذ البومة تو تو في النعيب في وجه الأمير.

قال الدكتور دوليتل: «عجبًا. الشراب يحدث مفعوله سريعًا.»

قال الأمير: «حقًّا! ألديك مرآة؟»

قال الدكتور دوليتل: «آسف. لا، ليس لدينا مرآة.»

سأل الأمير: «إذن كيف سأعلم بما جرى لي؟ أريد أن أرى هذا بأم عيني.»

قال الطبيب: «انظر إلى جميع الحيوانات. يبدو عليها الانزعاج الشديد، لا بد أن شيئًا لا يصدقه عقل يحدث، والكل يعلم أن الحيوانات لا تكذب.»

نظر الأمير إلى الحيوانات التي بدا عليها بلا شك القلق، ثم نظر مجددًا إلى الطبيب وقال له: «هلا وصفتني إذن؟»

قال الدكتور دوليتل: «بالطبع، لقد صرت أطول بكثير. تبدو كمحاربي التنانين.»

سأل الأمير: «لكن كيف أبدو؟ هل أنا أشقر ذو عينين زرقاوين؟»

أجاب الدكتور دوليتل: «تبدو كأبطال القصص الخيالية.»

رد عليه الأمير قائلًا: «إذن لا بد أنني طويل وأشقر.»

فرد عليه الطبيب: «ثمة أنواع عديدة من الأبطال.»

فرح الأمير فرحًا بالغًا؛ كان موقنًا من أنه صار بالضبط كما تخيل، وقال للطبيب: «كيف عساي أن أشكرك؟»

قال الدكتور دوليتل: «بإمكانك أن تطلق سراحنا. الحبس هكذا يضر بالحيوانات.»

قال الأمير: «بالطبع. سأطلب من الحراس إطلاق سراحكم على الفور.»

تنحنحت البومة تو تو، ووكز جيب الطبيب في ساقه مذكرًا إياه بأمر ما، فقال الطبيب: «آه، سنحتاج أيضًا إلى سفينة، فعلينا أن نعود إلى وطننا في أسرع وقت ممكن.»

قال الأمير: «أستطيع أن أتدبر هذا أيضًا.» واتجه إلى الباب.

قال له الطبيب: «مهلًا، ثمة أمر آخر مهم. عليك أن تلزم القصر ثلاث ساعات على الأقل، فلا يمسك ضوء القمر أو الريح، وإلا أُبطل مفعول السحر.»

فقال الأمير: «آه، شكرًا. أنا سعيد بأنك حذرتني.»

ثم اتجه الأمير إلى باب الزنزانة وفتحه فتحة صغيرة، ووقف خلفه حتى لا يمسه ضوء القمر، فلم يبصره الحراس من خلف الباب.

وصاح: «أيها الحراس، أُعطي الإذن بإطلاق سراح هؤلاء السجناء. عليكم أن تصحبوهم إلى البحر. سيأخذون أحد قواربنا. رجاء احرصوا على مغادرتهم بسلام.»

قال أحد الحراس: «لكن ماذا عن الملك؟ لن يرضى عن مغادرتهم.»

قال الأمير: «سأهتم أنا بأمر والدي. الآن افعلوا ما آمركم به، وخذوهم إلى البحر.»

نفذ الحراس ما طلب منهم، وتبعهم الطبيب والحيوانات إلى البحر، وهناك أشار لهم الحراس إلى سفينة.

وقال أحدهم للدكتور دوليتل: «بإمكانك أن تأخذ هذه السفينة. علينا أن نعود إلى السجن الآن، ولا نملك الوقت لمساعدتكم للصعود على متنها.»

قال الدكتور دوليتل: «لا بأس. نشكركم على إحضارنا إلى هنا.»

وما إن غادر الحراس، حتى تنهدت الحيوانات.

وقال جاب جاب: «تلك كانت خطة جيدة. لقد صدّق الأمير بالفعل أن جيب يشعر بالقلق.»

فسألت تو تو: «كيف اهتديت إلى هذه الخدعة؟ كيف علمت أنه سيصدقك؟»

أجاب جيب: «لقد أراد أن يصدق الخدعة، فأدركت أن كل ما علينا هو أن نتظاهر بالأمر، فيصدقنا.»

قالت بولينيزيا: «ما أدهاك! أتمنى لو أن تلك الفكرة قد خطرت لي أنا.»

فقال الدكتور دوليتل: «البديهة — كما يعلم أي طبيب جيد — تكون أحيانًا أفضل الحلول.»

وقبل أن يصعد الدكتور دوليتل والحيوانات السفينة، اضطروا إلى وداع تشي تشي وبولينيزيا والتمساح الذين قرروا أن يمكثوا في أفريقيا؛ فرغم أنهم أحبوا الحياة مع الدكتور دوليتل، افتقدوا أسرهم التي كان فراقها للمرة الثانية سيكون شديد الصعوبة. تلك كانت لحظة عصيبة للجميع.

صعد الدكتور دوليتل، وجيب، وجاب جاب، وداب داب، والفأر الأبيض، والبوشميبوليو، وتو تو إلى متن السفينة، والتفتوا إلى الشاطئ من خلفهم ولوحوا لأصدقائهم مودعين.

سرى حفيف بين الأشجار، فالتفت الجميع على متن السفينة إلى الأدغال. كان القمر مكتملًا هذه الليلة، فأمكنهم الرؤية بوضوح. لقد حلقت فجأة الآلاف من عصافير الجنة في السماء.

فقال الدكتور دوليتل: «لم أع أننا مكثنا في أفريقيا وقتًا طويلًا إلى هذا الحد. سيكون الصيف قد شارف على القدوم عندما نعود إلى بودلبي. لا بد أن هذه هي عصافير الجنة العائدة إلى هناك.» ثم صاح مناديًا العصافير قائلًا: «كم هو لطيف منكم أن تنتظرونا. نحن الآن متجهون شمالًا، سيساعدنا أن تدلونا على الطريق.»

فأبحرت السفينة ووقف الدكتور دوليتل وحيواناته عند سورها، ولوحوا لأصدقائهم على الشاطئ؛ تشي تشي وبولينيزيا والتمساح الذين صاحوا مودعين لهم إلى أن بحت أصواتهم، ووعدهم الطبيب بأن يمضي إجازاته في أفريقيا مع أصدقائه. ومع ذلك كانت لحظة عصيبة بكوا فيها جميعًا بحرارة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤