الفصل الثاني عشر

نشر كتاب «الأشكال المختلفة للزهور في نباتاتٍ من النوع نفسه»

١٨٧٧

[نُشر المجلَّد الذي يحمل العنوان أعلاه في عام ١٨٧٧، وأهداه المؤلِّف إلى البروفيسور آسا جراي، «بمثابة تعبير بسيط عن الاحترام والمودة». وهو يتألَّف من بعض الأوراق البحثية السابقة المعاد تحريرها، مع إضافةِ قدرٍ من المواد الجديدة. أمَّا الموضوعات التي تناولها الكتاب، فهي:

  • (١)

    النباتات المتغايرة الأقلام.

  • (٢)

    النباتات المتعدِّدة الأجناس والثنائية المسكن والثنائية المسكن-الأنثوية.

  • (٣)

    الزهور المقفلة الذاتية التلقيح.

تتضح طبيعة النباتات المتغايرة الأقلام في زهور الربيع الشائعة، التي تُعَد أحدَ أفضل الأمثلة المعروفة في هذه الفئة. فعند جمعِ عدد من زهور الربيع الشائعة، سيتبيَّن أن بعض النباتات لا تُنتج شيئًا سوى أزهار «ذات عين أشبه برأس الدبوس»، يكون فيها قلم الميسم (أو العضو المسئول عن نقل حبوب اللقاح إلى البويضة) طويلًا، في حين أن البعض الآخر لا يُنتج سوى أزهار «ذات عين أشبه بنسالة الخيوط» تتسم بقِصَرِ أقلام الميسم. وبذلك تنقسم زهور الربيع الشائعة إلى مجموعتَين تختلف كلتاهما عن الأخرى بِنيويًّا. وقد أظهر والدي أن كلتَيهما تختلف عن الأخرى جنسيًّا أيضًا، وأن الرابط بين المجموعتين في الحقيقة أشبهُ بالرابط بين جنسَين منفصلَين منه بأي علاقة أخرى. ولذا فزهرة الربيع ذات قلم الميسم الطويل مثلًا، مع أنها يُمكن أن تُلقَّح بحبوب لقاحها، لا تُصبح خصبةً «تمامًا» إلا إذا لُقِّحت بحبوب لقاح من زهرة ذات قلم ميسم قصير. معنى هذا أن النباتات المتغايرة الأقلام أشبهُ بالحيوانات الخنثى، كالحلزونات، التي تستلزم التقاء الفردَين، مع أن كلَيهما لديه العناصرُ الجنسية الذكرية والأنثوية معًا. الفرق أنه، في حالة زهور الربيع الشائعة، «الخصوبة التامة»، وليس «الخصوبة» فقط، هي التي تعتمد على التأثير المتبادل بين مجموعتَي الأفراد.

تجدُر الإشارة إلى أن العمل المتعلِّق بالنباتات المتغايرة الأقلام له علاقة خاصة بمسألة أصل الأنواع، وقد أولاها المؤلِّف أهميةً كبيرة.١
ذلك أنه اكتشف وجودَ تشابه شديد إلى حدٍّ مثير للعَجَب بين التهجين وأشكالٍ مُعيَّنة من التلقيح بين النباتات المتغايرة الأقلام. لذا لا توجد أيُّ مبالغة في قولِ إن الشتلات التي أُنشئت «بالتلقيح من قلم مغاير» هجائن، مع أن أبوَيها كلَيهما ينتميان إلى النوع نفسه بالضبط. وفي خطاب إلى البروفيسور هكسلي، والذي عرضنا له في الفصل الثالث من هذا الكتاب، يكتبُ والدي كما لو كانت أبحاثه عن النباتات المتغايرة الأقلام جعلته يميل إلى الاعتقاد بأن العُقم سِمةٌ منتقاة أو مكتسَبة. غير أنه في أعماله المنشورة اللاحقة، مثل الطبعة السادسة من كتاب «أصل الأنواع»، يتمسَّك بأن العُقم سِمة عارضة وليست منتقاة. وتُعَد نتيجةُ عمله على النباتات المتغايرة الأقلام مهمةً؛ لأنها تُبيِّن أن العُقم ليس اختبارًا للتمييز المحدَّد، وأنه يعتمد على تمايز العناصر الجنسية المستقل عن أي اختلاف في السلالات. أتصوَّر أن حُبَّه الغريزي لفهمِ الإشكاليات المُحيِّرة هو السبب الأكبر الذي جعله يعمل بصبرٍ شديد على النباتات المتغايرة الأقلام. لكنَّ حقيقةَ إمكانية استخلاص استنتاجاتٍ عامة ذات الطابع المذكور أعلاه من نتائجه هي التي جعلته يرى نتائجه جديرةً بالنشر.٢

أمَّا الأوراق البحثية المتعلِّقة بهذا الموضوع التي سَبَقت كتاب «الأشكال المختلفة للزهور في نباتاتٍ من النوع نفسه» وأسهمت فيه، فكانت كالتالي:

«عن الشكلَين أو الحالة الثنائية الشكل في أنواع جنس زهور الربيع (البريميولا)، وما يوجد بينهما من علاقات جنسية لافتة». دورية «جورنال أوف ذا لينيان سوسايتي»، ١٨٦٢.

«عن وجود الشكلَين، وعن العلاقات الجنسية المتبادلة بينهما، في أنواعٍ عديدة منتمية إلى جنس الكَتان (اللاينام)». دورية «جورنال أوف ذا لينيان سوسايتي»، ١٨٦٣.

«عن العلاقات الجنسية بين أشكال نوع الخثري الأرجواني الثلاثة»، المصدر نفسه، ١٨٦٤.

«عن طابع الذرية الناتجة من التزاوج التهجيني بين النباتات الثنائية الشكل والنباتات الثلاثية الشكل، وطبيعتها شبه الهجينية». المصدر نفسه، ١٨٦٩.

«عن الاختلافات المحدَّدة بين زهرة الربيع العطرية P. veris، بحسب تسمية مرجع «نباتات بريطانيا» (P. Officinalis بحسب تسمية لينيوس)، وزهرة الربيع الشائعة P. vulgaris، بحسب تسميةِ مرجع «نباتات بريطانيا» (P. Acaulis بحسب تسمية لينيوس) وزهرة الربيع الأكسليب P. elatior، بحسب تسميةِ جاكوين؛ وعن الطبيعة الهجينية لزهرة الأكسليب الشائع. مع تعليقاتٍ تكميلية على الهجائن المُنتَجة بطريقة طبيعية في جنس البوصير (الفيرباسكم)». المصدر نفسه، ١٨٦٩.

يُبيِّن الخطاب التالي أنه بدأ العمل على النباتات المتغايرة الأقلام وهو يحمل تصوُّرًا خاطئًا عن معنى الحقائق.]

من تشارلز داروين إلى جيه دي هوكر
داون، ٧ مايو [١٨٦٠]

… كنت أُلقي نظرةً على أزهارِ الربيع العطرية التي أُجري عليها التجاربَ صباح اليوم، ووجدت أن كل الزهور لدى بعضها أسديةٌ طويلة ومدقات قصيرة، وهذه النباتات سأُسمِّيها «نباتات ذكرية»، فيما كان البعض الآخر له أسدية قصيرة ومدقات طويلة، وهذه سأُسمِّيها «نباتات أنثوية». رأيت ذلك موصوفًا في مكانٍ ما من قبل، وأظن أن هنزلو مَن وصفه، لكني وجدتُ (بعد النظر إلى هاتين المجموعتَين) أن مياسم النباتات الذكرية والنباتات الأنثوية لها شكلٌ مختلف قليلًا، وبالتأكيد درجة مختلفة من الخشونة، وما أذهلني أن حبيبات لقاح النباتات المُسمَّاة بالأنثوية، وإن كانت وفيرةً جدًّا، أكثر شفافيةً من حبيبات لقاح النباتات المُسمَّاة بالذكرية، وأن حجم كل حُبيبة منها يبلغ على وجه التحديد ٢ / ٣ حجم كلٍّ من حُبيبات لقاح النباتات المُسمَّاة بالذكرية. فهل رُصِد هذا؟ لا أستطيع سوى التخمين أن زهرة الربيع العطرية ثنائية المسكن في الحقيقة، ولكن ربما يتضح أن ذلك خاطئ تمامًا، لكني على أي حال سأُميِّز النباتات المُسمَّاة بالذكرية والمُسمَّاة بالأنثوية بأعوادٍ صغيرة، وأُراقب إنتاجها للبذور. ستكون حالةً رائعة من حالات التدرُّج بين حالةٍ خنثى وحالة أحادية الجنس. وكذلك قد تكون، إلى حدٍّ ما، حالةً من حالات التوازن بين المدقات والأسدية الطويلة والقصيرة. وربما تُلقي ببعض الضوء أيضًا على زهور الربيع الأكسليب …

الآن قد تفحَّصت زهور الربيع الشائعة، ووجدت الاختلاف نفسه بالضبط في حجم حبيبات اللقاح مرتبطًا بالاختلاف نفسه في طول قلم الميسم وخشونة المياسم.

من تشارلز داروين إلى آسا جراي
٨ يونيو [١٨٦٠]

… كنت أُجري بعض الملاحظات البسيطة، وقد أثارت بالغَ اهتمامي وحيَّرتني بشدة. وجدتُ أن عددًا متساويًا تقريبًا من نباتات زهور الربيع الشائعة وزهور الربيع العطرية يتسم بما يلي.

  • نباتات «ذَكرية» (وهو اسم من تأليفي): تكون فيها المدقة أقصرَ بكثير من الأسدية، والميسم ناعمًا بعض الشيء، «وحبيبات اللقاح كبيرة»، وحَلق التُّويج قصيرًا.
  • نباتات «أنثوية» (وهو اسم من تأليفي أيضًا): تكون فيها المدقة أطولَ بكثير من الأسدية، والميسم أخشن، «وحُبيبات اللقاح أصغر»، وحَلق التُّويج طويلًا.

ميَّزتُ الكثير من النباتات بعلامات مميزة، وتوقَّعت أن أجد النباتات المُسمَّاة بالذكرية عقيمة، لكن ذلك ليس صحيحًا استنادًا إلى ملمس كبسولات البذور، وأنا مذهول جدًّا من الفرْق في حجم حبيبات اللقاح … إذا أثبتت هذه الحالة أن النباتات المُسمَّاة بالذكرية تُنتج بذورًا أقل من تلك المُسمَّاة بالأنثوية، فستكون حالةً جميلة جدًّا من حالات التدرُّج من حالة خنثى إلى حالة أحادية الجنس! أمَّا إذا اتضح أنهما يُنتجان العدد نفسه من البذور، فسيكون هذا مُحيِّرًا جدًّا.

من تشارلز داروين إلى جيه دي هوكر
داون، ١٧ ديسمبر [١٨٦٠؟]

… كنت أطلب للتو صورةً فوتوغرافية لي من أجل أحد أصدقائي، وطلبتُ واحدةً من أجلك، وأرجو من أجل الرب أن تُسدي إليَّ صنيعًا وتحرق تلك الصورةَ المُعلَّقة في غرفتك الآن. فهي تجعلني أبدو شريرًا إلى حدٍّ بشعٍ.

… في الربيع يجب أن أجعلك تبحث عن مدقات طويلة ومدقات قصيرة في الأنواع الأندر من جنس زهور الربيع، وفي بعض الأجناس المتصلة به. ينطبق هذا على أزهار الربيع الصينية. تتذكَّرُ كلَّ الضجة التي أحدثتُها بشأن هذا الموضوع في الربيع الماضي، حسنًا، حظيتُ أخيرًا منذ بضعة أيام بمتسع من الوقت لكي أزِن البذور، ووجدت بالفعل أن نباتات زهور الربيع الشائعة وزهور الربيع العطرية ذات المدقات القصيرة وحبوب اللقاح الكبيرة أخصبُ بعض الشيء من النباتات ذات المدقات الطويلة وحبوب اللقاح الصغيرة.٣ وأجدُ أنها تحتاج إلى تأثير الحشرات لإحداث التلقيح، ولن أُصدِّق أبدًا أن هذه الاختلافات ليس لها مغزًى مُعيَّن.

تقودني بعضُ تجاربي إلى أن أظن أن حبوب اللقاح الكبيرة تُناسب المدقات الطويلة، وأن حبوب اللقاح الصغيرة تُناسب المدقات القصيرة، لكني عازم على أن أرى ما إذا كنت سأستطيع فهمَ هذا اللغزِ في الربيع القادم.

كيف حال اختمار كتابك المتعلِّق بالنباتات في ذهنك؟ هل بدأته؟ …

ابعث بأطيب تحياتي إلى أوليفر. لا بد أنه مذهول من أنني ليس لديَّ سلسلة طويلة من الأسئلة، وأخشى أن تضعف قدراته بسبب عدم الممارسة!

[انتهى العمل المتعلِّق بجنس زهور الربيع في خريف عام ١٨٦١، وفي الثامن من نوفمبر، أرسل خطابًا إلى السير جيه دي هوكر، قائلًا:

«أرسلتُ ورقتي عن الحالة الثنائية الشكل في جنس زهور الربيع إلى الجمعية اللينية. سأذهب وأقرؤها وقتما يُحدِّدون موعدًا لمناقشتها، وآمُل أن تستطيع الحضور؛ لأنني أظن أن الكثيرين لن يهتمُّوا بالموضوع إطلاقًا.»

وبخصوص تلاوة الورقة البحثية (في ٢١ نوفمبر)، قال في خطاب إلى الصديق نفسه:

«لا أظن إطلاقًا أنني أحدثتُ «تأثيرًا هائلًا» في الجمعية اللينية، لكني أُقسم أن الجمعية اللينية أحدثت فيَّ تأثيرًا هائلًا؛ إذ لم أستطِع النهوض من الفراش حتى وقت متأخِّر من مساء اليوم التالي، حتى إنني عدتُ إلى المنزل زحفًا. يؤسفني القول إنني يجب أن أتوقَّف عن محاولة تلاوة أي ورقة بحثية أو إلقاء خطابات؛ فمن البغيض جدًّا أنني لا أستطيع فعْل شيء كالآخرين.»

وقال في خطاب إلى الدكتور جراي (في ديسمبر ١٨٦١):

«يُمكنك أن تثق في أنني سأُرسل إليك نسخةً من ورقتي البحثية عن جنس أزهار الربيع حالما أحصل على واحدة، لكني أعتقد أنها لن تُطبَع حتى الأول من أبريل، وبذلك ستكون بعد كتابي عن السحلبيات. أهتم برأيك ورأي هوكر أكثرَ ممَّا أهتم برأي بقية الدنيا كلها، وبرأي لايل بخصوص النقاط الجيولوجية. صحيح أن بينثام وهوكر استحسنا ورقتي عندما تُلِيَت، ولكن لا أحد يستطيع الحُكم على دليلٍ ما بمجرَّد سماع ورقةٍ تُتلى عليه.»

كان العمل المتعلِّق بجنس أزهار الربيع هو ما أنشأ التواصل بين والدي والراحل السيد جون سكوت، الذي كان آنذاك يعمل بستانيًّا في الحدائق النباتية في إدنبرة، ويبدو أنه اختار هذه الوظيفة ليُشبع شغفه بالتاريخ الطبيعي. لقد كتب واحدة أو اثنتين من الأوراق البحثية الممتازة عن مسائلَ متعلِّقة بعلم النبات، وفي نهاية المطاف عُيِّن في منصب مهم في الهند.٤ وتُوفي في عام ١٨٨٠.

ويُمكن اقتباس بضع عبارات من خطابات إلى السير جيه دي هوكر تُبيِّن ما كان يُكِنه والدي من تقدير لسكوت:

«إذا كنت تعرف، فأرجو أن تقول لي مَن هو جون سكوت الذي يعمل في حدائق إدنبرة النباتية؛ إنني أُراسله كثيرًا، وهو ليس بالرجل العادي.»

«لو كان لديه متسع من وقت الفراغ، لأصبح مُلاحِظًا رائعًا؛ إذ لم أُصادف أحدًا مثله من وجهة نظري.»

«لقد أثار اهتمامي على نحوٍ غريب، وأظن أن قدراته الفكرية رائعة جدًّا. آمُل أن يقبل المساعدة المالية مني، لكنه لا يزال رافضًا إلى الآن.» (نجح أخيرًا في أن يُسمَح له بالتكفُّل بنفقات سفر السيد سكوت إلى الهند.)

«لا أعرف عنه شيئًا إلا من خطاباته، وهي تُبيِّن أنه ذو موهبة لافتة، ومثابرة مذهلة وتواضع جَم، وأنه يختلف معي بإصرارٍ شديد بشأن العديد من النقاط، وهذا يُعجبني.»

كان يُكِن تقديرًا شديدًا لقدرات سكوت إلى حدِّ أنه وضع خطةً لتوظيفه من أجلِ فهمِ بعض المشكلات المتعلِّقة بالتلقيح المتبادل (لكن هذه الخطة لم تتجاوز مرحلةَ النقاش المبدئي قَط).

يشير الخطاب التالي إلى أبحاث والدي المتعلِّقة بجنس الخثري (الليثرم)،٥ الذي يكشف عن حالةِ تعقيدٍ جنسي أعجبَ بكثير حتى من حالات التعقيد الجنسي في جنس أزهار الربيع. وذلك لأن جنس الخثري لا يضم مجموعتَين فقط، بل ثلاث مجموعات تختلف كلٌّ منها عن الأخرى في البنية ووظائف الأعضاء:]

من تشارلز داروين إلى آسا جراي
داون، ٩ أغسطس [١٨٦٢]
عزيزي جراي

الوقت الآن متأخِّر ليلًا، وسأكتب بإيجاز، متوسِّلًا بالطبع أن تُسدي إليَّ صنيعًا.

جنس الميتشيلا جيد جدًّا، لكن حبوب اللقاح متساوية الحجم على ما يبدو. فحصتُ جنس الهوتونيا للتو، ووجدت اختلافًا كبيرًا في حبوب اللقاح. أمَّا الأخيون، فهو حالة مخادعة؛ إذ إنه حالةٌ شبيهة بأنواع جنس الثايمس. لكني أكاد أُجن تمامًا بسبب نبات الخثري؛٦ إذا استطعتُ إثباتَ ما أنا موقن به تمامًا، فهذه حالة عظيمة من الحالات الثلاثية الشكل؛ إذ توجد فيها ثلاثة أحجام مختلفة من حبوب اللقاح وثلاثة مياسم مختلفة؛ لقد عقَّمتُ وخصَّبت أكثرَ من تسعين زهرة، مجرِّبًا كل حالات التلقيح المتبادل المختلفة الممكنة في حدود نطاق هذا النوع الواحد، والتي يبلغ عددها ثماني عشرة حالة! لا أستطيع الشرح، لكني متيقن من أنك ستراها حالةً عظيمة. كنتُ أُرسل خطابات إلى بعض علماء النبات لأرى ما إذا كان يُمكنني الحصول على بعض أزهار جنس الخثري من نوع إل هيسوبيفوليا، وخَطَر ببالي للتو أنكم ربما يكون لديكم بعض أزهار جنس الخثري في أمريكا الشمالية، واستعنتُ بالدليل الخاص بك. فمن أجل الرب، أرجو أن تُلقيَ نظرةً على بعضِ الأنواع الموجودة لديك، وإذا استطعت أن تجلب إليَّ بذورًا، فافعل ذلك؛ أرغب بشدة في أن أُجرِّب أنواعًا ذات عدد قليل من الأسدية إذا كانت ثنائية الشكل، وأتوقَّع أن يكون نوع نيسيا فيرتيسيلاتا Nesaea verticillata ثلاثية الشكل. بذور! بذور! بذور! أُفضِّل بذرة أزهار الميتشيلا. لكن بذور أزهار الخثري هي ما أريد!
صديقك المخبول
سي داروين
ملحوظة: يوجد سببٌ لجنوني؛ ألَا وهو أنني أستطيع رؤيةَ أن هذه الحقائق ستُغيِّر تصوُّر التهجين كله إلى حدٍّ ما لدى أولئك المؤمنين بتغيُّر الأنواع بالفعل.

[كتب في خطاب إلى السير جوزيف هوكر في أغسطس ١٨٦٢ بخصوص الموضوع نفسه:

«هل أوليفر في كيو؟ في الوقت الذي أستقر فيه في بورنموث، أشعر بلهفة شديدة لتفحُّص أي زهور نضرة من أيِّ نباتات خثرية، وسأُرسل إليه خطابًا وأسأله عمَّا إذا كانت توجد أي نباتات مزهرة.»

وقال مُجدَّدًا في خطابٍ آخر إلى الصديق نفسه في أكتوبر:

«إذا سألت أوليفر، فأعتقد أنه سيخبرك بأنني اكتشفت حالةً غريبة في جنس الخثري، إنها تُثير بالغ اهتمامي، وأرى أنها أغرب حالة تكاثر مسجَّلة بين النباتات أو الحيوانات؛ ألَا وهي تزاوجٌ ثُلاثي حتمي بين ثلاثة نباتات خنثوية. أشعر بيقين من أنني أستطيع الآن إثباتَ صحة الحالة من عمليات التلقيح المتبادل العديدة التي أجريتها هذا الصيف.»

في مقالٍ بعنوان «الحالة الثنائية الشكل في الأعضاء الجنسية لدى النباتات» (دورية «سيليمان جورنال»، ١٨٦٢، المجلَّد الرابع والثلاثين، الصفحة ٤١٩)، ذَكَر الدكتور جراي أن الاختلاف البنيوي بين شكلَي أنواع جنس أزهار الربيع عُرِّف بالفعل في كتاب «نباتات أمريكا الشمالية»، بأنه حالةٌ «ثنائية الشكل ثنائية المسكن». وقد أثار استخدام هذا المصطلح التعليقات التالية من والدي. ويشير الخطاب كذلك إلى مقالٍ نقدي عن كتاب «تلقيح السحلبيات» في المجلَّد نفسه من دورية «سيليمان جورنال».]

من تشارلز داروين إلى آسا جراي
داون، ٢٦ نوفمبر [١٨٦٢]
عزيزي جراي

في اليوم الذي تلا خطابي الأخير مباشرة، وصل إليَّ خطابك المؤرَّخ بتاريخ العاشر من نوفمبر، والمقال النقدي الوارد في دورية «سيليمان جورنال» الذي كنت أخشى أن يكون قد ضاع. كنا جميعًا مهتمِّين للغاية بالجزء السياسي من خطابك، ولسببٍ ما غريب، لا يشعر المرءُ أبدًا بأن المعلومات والآراء المعروضة في الصُّحف آتية من مصدر حي؛ فهي تبدو ميتة، بينما كلُّ ما تكتبه مفعم بالحياة. أثارت المقالات النقدية اهتمامي بعُمق، لقد تهوَّرتَ وسألتني عن رأيي؛ ولذا يجب أن تتحمَّل خطابًا طويلًا مني. أولًا بخصوص الحالة الثنائية الشكل، صرت «حاليًّا» لا أستسيغ مصطلح «الثنائية الشكل الثنائية المسكن»؛ لأنني أظن أنه يُعطي فكرةً خاطئة تمامًا مفادُها أن الظواهر مرتبطة بانفصال الجنسَين. لا شك أن جنس أزهار الربيع يتسم بعدم تساوي الخصوبة في الشكلَين، وأظن أن ذلك ينطبق على جنس الكَتان؛ ولذا شعرت بأنني مُلزَم في الورقة البحثية المتعلِّقة بأزهار الربيع بأن أقول إنها ربما تكون خطوةً نحو حالة ثنائية المسكن، وإن كنت أومن بعدم وجود أشكال ثنائية المسكن في الفصيلة الربيعية ولا الفصيلة الكَتانية. لكنَّ الأشكال الثلاثة في جنس الخثري تجعلني مقتنعًا بأن الظاهرة ليست مرتبطةً بالضرورة إطلاقًا بأي نزعة إلى انفصال الجنسَين. تبدو لي الحالة شبه متطابقة في النتيجة أو الوظيفة مع ما أسماه الراحل سي كيه سبرينجل بظاهرة «تفاوت أوقات البلوغ»، وهي ظاهرةٌ شائعة جدًّا في المجموعات الخنثى حقًّا، وتعني تفاوت أوقات نُضج حبوب اللقاح والميسم لدى كل زهرة. إذا كنتُ على صواب، فمن المستحسن جدًّا ألَّا يُستخدَم مصطلح «ثنائية المسكن»؛ لأن ذلك يستدعي إلى الذهن فورًا تصوُّرات انفصال الجنسَين.

… حيَّرتني بشدة تعليقاتُ أوليفر في دورية «ناتشورال هيستوري ريفيو» على حالة جنس أزهار الربيع، التي قال فيها إن انفصال الجنسَين أكثرُ شيوعًا في النباتات الأدنى رتبةً من شيوعه في النباتات الأعلى رتبة، وهذا على النقيض تمامًا ممَّا يحدث لدى الحيوانات. وهوكر يُكرِّر هذا التعليق في مقاله النقدي لكتاب «تلقيح السحلبيات». يبدو أنَّ ثمة قدرًا كبيرًا من الصواب فيما تقوله،٧ عن أنه ليس من المستبعد وجود تخصيص في سلالات «مُعيَّنة» في الكائنات ذات التكوين البسيط، ولم يخطر ذلك ببالي. لا أشكُّ إطلاقًا في أن الحالة الخنثى هي الحالة الأصلية. ولكن كيف الحال في اقتران جنس الطحالب الخضراء الخيطية Confervae؛ أليس أحد الفردَين هنا ذكرًا والآخر أنثى في الحقيقة؟ يُحيِّرني جدًّا هذا التناقضُ في الترتيبات الجنسية بين النباتات والحيوانات. هل يُمكن أن يوجد أيُّ قدرٍ من الصواب في التفكير التالي: وفق حساب «تقريبي للغاية»، فإن حوالي ثلث «الأجناس البريطانية» من النباتات المائية ينتمي إلى الفئة الأحادية المسكن والفئة الثنائية المسكن حسب نظام لينيوس، أمَّا النباتات الأرضية (بعد استبعاد الأجناس المائية) فلا ينتمي من أجناسها إلى هاتَين الفئتَين إلا واحد على ثلاثة عشر. هل تحمل هذه الحقيقة أيَّ قدرٍ من الصواب عمومًا؟ أثمة احتمال لأن تتطلب النباتات المائية — لأنها مقصورة على نطاق صغير أو مجتمع صغير من الأفراد — قدرًا أكبر من التلقيح المتبادل، ولذا لديها جنسان منفصلان؟ ولكن بالعودة إلى نقطتنا، ألَا يقول ألفونس دي كوندول إن النباتات المائية ككل بسيطة التكوين، مقارنةً بالنباتات الأرضية؛ وأليس من الممكن أن يكون تعليقُ أوليفر عن انفصال الجنسَين في النباتات البسيطة التكوين له علاقةٌ ما بأنها غالبًا ما تكون مائية؟ أم إن هذا كله هراء؟

… يا له من إطراء هائل ذلك الذي أنهيتَ مقالتك به! يبدو أنك أنت وهوكر مُصران على أن تُصيباني بالغرور والخُيلاء (إذا لم أكن قد أُصِبتُ بهما بالفعل) وأن تجعلاني وغدًا لا يُطاق.

مع خالص الشكر يا صديقي الصدوق الطيب
إلى اللقاء
سي داروين

[تتضمَّن الفقرة التالية، المقتطفة من خطاب (بتاريخ ٢٨ يوليو ١٨٦٣) إلى البروفيسور هيلدبراند، إشارةً إلى الاستقبال الذي لاقاه العمل المتعلِّق بالحالة الثنائية الشكل في فرنسا:

«إنني سعيد للغاية بسماعِ أنك تتفحَّص طريقةَ التلقيح لدى السحلبيات الموجودة في بلدك، وأنا أشدُّ سعادةً بسماع أنك تُجري تجاربَ على جنس الكَتان. آمُل بشدة أن تنشر نتائج هذه التجارب؛ لأن أحدًا قال لي إن أبرز علماء النبات الفرنسيين في باريس قالوا إن ورقتي البحثية عن جنس أزهار الربيع عملٌ من وحي الخيال، وإن الحالة مستبعدة جدًّا إلى حدِّ أنهم لم يؤمنوا بنتائجي.»]

من تشارلز داروين إلى آسا جراي
١٩ أبريل [١٨٦٤]

… تلقَّيتُ، منذ فترة قصيرة، صحيفةً تتضمَّن تقريرًا جيدًا عن معشبتك ومكتبتك، وتلقَّيتُ قبل ذلك بفترة طويلة مقالك النقدي الممتاز عن ورقة «الفصيلة الربيعية» التي ألَّفها سكوت، وبعثتُ بها إليه في الهند؛ لأنه سيُسعده جدًّا. سُررتُ بشدة عندما رأيت فيها حالةً جديدة من الحالات الثنائية الشكل (نسيتُ اسم النبات الآن للتو)؛ سأكون ممتنًّا إذا سمعتُ عن أي حالات أخرى؛ لأنني لم أزَل مهتمًّا بالموضوع. سوف أكون سعيدًا جدًّا بتلقي بعض بذور نباتات لسان الحَمَل الثنائية الشكل الموجودة لديك؛ لأنني لا أستطيع التخلُّص من الظن بأنها تنتمي ولا بد إلى فئة مختلفة جدًّا مثل الزعتر الشائع.٨ كيف للرياح، التي تُعَد أداةَ التلقيح في نبات لسان الحَمَل، أن تُلقِّح زهورًا «ثنائية الشكل بصورةٍ متبادلة» كزهور جنس زهور الربيع؟ هذا محال وفقًا للنظرية، وفي مثل هذه الحالات حين تكون النظرية قد وضعها المرء بنفسه، أتبع أجاسي وأُصرِّح قائلًا «إن الطبيعة لا تكذب أبدًا». وسأكون سعيدًا جدًّا بتفحُّص أي نباتات لسان حَمَل ثنائية الشكل مُجففَة. الحق أنني سأكون ممتنًّا إذا تلقَّيت أيًّا من النباتات الثنائية الشكل المجفَّفة …

هل أثارت ورقتي البحثية عن جنس الخثري اهتمامك؟ أمضي ببطء شديد في العمل على كتابي الخاص بالتباين تحت تأثير التدجين؛ إذ أعمل فيه لمدة ساعتَين يوميًّا.

من تشارلز داروين إلى جيه دي هوكر
داون، ٢٦ نوفمبر [١٨٦٤]

… لا تعرف مدى سعادتي بأنك قرأت ورقتي البحثية عن جنس الخثري؛ كنت أظن أنك لن تحظى بمتسعٍ من الوقت، وأنا أنظر إليك منذ سنوات طويلة على أنك جمهوري، ورأيك عندي أهم من رأي بقية الدنيا كلها. فمنذ أن اكتشفتُ الذكور المُكمِّلة في هدابيات الأرجل، لم أعمل على شيء أثار اهتمامي بقدرِ ما أثاره جنس الخثري. أخشى أن أكون قد حشوت الورقة بقدرٍ أكبر ممَّا ينبغي من المواد المتنوِّعة.

… أتلقَّى من حينٍ إلى آخرَ خطابات تُبيِّن أن فرضية الانتقاء الطبيعي تُحرز تقدُّمًا «كبيرًا» في ألمانيا، وبعض التقدُّم بين الشباب في فرنسا. تلقَّيتُ للتو كُتيبًا من ألمانيا يحمل عنوانًا إطرائيًّا هو: «هُراء أصل الأنواع الدارويني»!

إلى اللقاء يا أعز أصدقائي القدامى
سي داروين

من تشارلز داروين إلى آسا جراي
١٠ سبتمبر [١٨٦٧؟]

… النقطة الوحيدة التي توصَّلتُ إليها هذا الصيف، وربما تثير اهتمامك، أن أزهار الأكسليب الشائع الموجودة في كل مكان، وبدرجةِ شيوع متفاوتة في إنجلترا، بالتأكيد أزهار هجينة بين أزهار الربيع الشائعة وأزهار الربيع العطرية، في حين أن أزهار الربيع الأكسليب P. elatior (حسب تسمية جاكوين)، التي لا توجد إلا في المقاطعات الشرقية، نوعٌ مستقل مختلف تمامًا، ولا يُمكن تمييزه تقريبًا عن أزهار الأكسليب الشائع، إلا بأنَّ كبسولة البذور طويلة بالنسبة إلى الكأس. أرى هذه حقيقةً مُزعجة بعض الشيء لكل المتخصِّصين المنهجيين في علم النبات …

من تشارلز داروين إلى إف هيلدبراند
داون، ١٦ نوفمبر ١٨٦٨
سيدي العزيز

كتبتُ رسالتي الأخيرة من لندن في عُجالةٍ شديدة لدرجة أنني نسيت تمامًا ما كنتُ أنوي قوله أساسًا: ألَا وهو أن أشكرك على مقالك النقدي القصير الممتاز في دورية «بوتانيشا تسايتونج» عن ورقتي البحثية المتعلِّقة بذُرِّية النباتات الثنائية الشكل. الموضوع مبهم جدًّا لدرجةِ أنني لم أكن أتوقَّع أن يُعلِّق أيُّ أحد على ورقتي البحثية؛ ولذا فأنا سعيد جدًّا لأنك طرحت الموضوع أمام علماء التاريخ الطبيعي الألمان الممتازين الكثيرين.

من بين كل المؤلفين الألمان الذين قرأت أعمالهم (وإن كانوا ليسوا كثيرين)، فإن أسلوب كتابتك هو الأوضح، لكني لا أعرف ما إن كان قولي هذا يُعَد إطراءً لمؤلِّف ألماني أم لا.

[يشير الخطابان التاليان إلى الزهور «المقفلة الذاتية التلقيح» الصغيرة الشبيهة بالبراعم الموجودة في نبات البنفسج ونباتات كثيرة أخرى. إنها لا تتفتَّح؛ ولذا فهي ذاتية التلقيح بالضرورة:]

من تشارلز داروين إلى جيه دي هوكر
داون، ٣٠ مايو [١٨٦٢]

… ما مصير كتابي عن التباين؟ إنني منهمك في تجاربَ كثيرة. فأنا أعكفُ على تسليةِ نفسي بملاحظة أزهار جنس البنفسج (الفيولا) الصغيرة. لو كان أوليفر لديه وقت لدراستها،٩ فسيرى الحالة الغريبة (حسبما تبدو لي) والتي فهمتُها بوضوح للتو؛ ألَا وهي أن حبوب اللقاح «القليلة»، في هذه الزهور، لا تُسقَط عنها أبدًا، ولا تترك خلايا المتك أبدًا، لكنها تبعث أنابيبَ اللقاح الطويلة، التي تخترق الميسم. اليوم أخذت المتك بما يحويه من حبوب لقاح (صار فارغًا الآن) عند أحد طرفَيه، وحُزمة من الأنابيب التي تخترق نسيج الميسم عند الطرف الآخر، ووضعت ذلك كله تحت المجهر دون أن أكسر الأنابيب، وأتساءل عمَّا إذا كان الميسم يضخ مائعًا ما داخل المتك ليثير حبوب اللقاح. إنها لحالةٌ غريبة بعض الشيء من حالات الارتباط أن الأزهار الصغيرة في البنفسج العطري المزدوج مزدوجة؛ أي إنها لديها عدد كبير من حراشفَ دقيقة تُمثِّل البتلات. ما أغرب هذه الزهور الصغيرة!

هل لديك متَّسع من الوقت لتقرأ سيرة هنزلو العزيز المسكين؟ لقد أثارت اهتمامي من أجل الرجل، بل حتى إنها رفعت من قدره في نظري، وهذا ما كنت أظنه غير ممكن …

[الجزء التالي مقتطف من الخطاب الذي وَرَد جزءٌ منه بالأعلى في هذا الفصل، ويشير إلى مقالةِ الدكتور جراي عن الاختلافات الجنسية لدى النباتات:]

من تشارلز داروين إلى آسا جراي
٢٦ نوفمبر [١٨٦٢]

… ستظن أنني أُطلِق أسخفَ النكات وأكثرها تناقضًا ومُشاكسةً عندما أُخبرك بأنني لا أستحسن مصطلحك «التلقيح المبكِّر» الذي أطلقته على نوعك الثاني من الحالة الثنائية الشكل؛ [أي، على تلقيح الزهور المقفلة الذاتية التلقيح]. وإذا لم تخُنِّي ذاكرتي، فإن حالة التُّويج، والميسم، وحبوب اللقاح مختلفة عن حالة الأجزاء في البرعم، ومن ثمَّ فهي في حالةٍ من التعديل الخاص. لكني أُقسم أنني خجلان من نفسي لأنني أختلف للغاية بخصوص هذه المسألة مع مَن هم أفضل مني. النظرية «المؤقَّتة»١٠ التي كوَّنتُها عن هذا النوع من الحالة الثنائية الشكل؛ لأسترشد بها في تجاربي ليس إلا، هي أن الأزهار «التامة» لا يُمكن أن تُلقَّح تلقيحًا تامًّا إلا بواسطة الحشرات، وفي هذه الحالة تُلقَّح تلقيحًا متبادلًا بكثرة، لكن الأزهار لا تشهد أحيانًا زياراتٍ كافيةً من الحشرات، لا سيما في أوائل الربيع؛ ولهذا تتشكَّل الأزهار الصغيرة غير التامة الذاتية التلقيح لتكفل توفير كمية كافية من البذور للأجيال الموجودة. إن أنواع جنس الفيولا كانينا عقيمة عندما لا تزورها الحشرات، أمَّا عندما تزورها الحشرات بكثرة، فتُكوِّن كميةً وفيرة من البذور. أستنتجُ من بنية ثلاثة أو أربعة من أشكال أزهار فصيلة البلسميات أن هذه الأشكال تحتاج إلى الحشرات، أو على الأقل لديها تكيُّف واضح مع زيارات الحشرات يكاد يضاهي التكيُّف الموجود لدى السحلبيات. لديَّ بعضُ أزهارٍ من نوع الأكصليس الحامض جاهزة في الأُصص لأجري عليها تجاربَ في الربيع المقبل، وأخشى أن يؤدِّي ذلك إلى اضطرابٍ في نظريتي الصغيرة … وتكون أزهار نوع الجريس الكارباتي، كما اكتشفتُ في هذا الصيف، عقيمةً تمامًا إذا استُبعِد تأثير الحشرات. أمَّا أزهار نوع سبيكولاريا سبيكولوم، فتكون خصبةً جدًّا عندما تكون مُقفلةً على نفسها، ويبدو لي أن أحد أسباب ذلك هو تكرار انقفال الزهرة؛ إذ تتصل طيَّات التُّويج الزاوية المطوية نحو الداخل بفلوق الميسم المفتوح، وفي أثناء هذه العملية تدفع حبوب اللقاح من خارج الميسم إلى سطحه. الآن هل تستطيع أن تُخبرني بما إذا كانت أزهار نوع سبيكولاريا بيرفولياتا تُغلق زهرتها مثل أزهار نوع سبيكولاريا سبيكولوم، مع طيِّ طياتها الزاوية نحو الداخل؟ إذا كانت كذلك، فأنا منتشٍ دون «ترنُّح» مخيف. هل الزهور «غير التامة» في زهور جنس السبيكولاريا الموجودة لديك هي الزهور المبكِّرة أم التي نمَت متأخِّرًا؟ وهل هي مبكِّرة جدًّا أم متأخِّرة جدًّا؟ من الجميل أن يُدرك المرء أهميةَ قفل زهور نوع سبيكولاريا سبيكولوم.

[نُشر كتاب «الأشكال المختلفة للزهور في نباتاتٍ من النوع نفسه» في يوليو، وفي يونيو ١٨٧٧، قال في خطابٍ إلى البروفيسور كاروس بخصوص الترجمة:

«كتابي الجديد ليس طويلًا؛ فهو يبلغ ٣٥٠ صفحة، معظمها من النوع الكبير، ويحوي خمس عشرة رسمةً توضيحية بسيطة مطبوعة من قوالبَ خشبية. كل بروفات الطباعة مُصحَّحة عدا الفهرس؛ لذا سيُنشر قريبًا.

… لا أظن أنني سأنشر أيَّ كُتب أخرى، لكن ربما سأنشر بضع أوراق بحثية أخرى. لا أُطيق البقاء عاطلًا عن العمل، لكن الرب وحده يعلم ما إذا كنت سأقدر على إنجاز أي عمل جيد آخر.»

المقال النقدي المشار إليه في الخطاب التالي وارد في الصفحة ٤٤٥ من عدد عام ١٨٧٨ من دورية «نيتشر»:]

من تشارلز داروين إلى دبليو ثيسلتون داير
داون، ٥ أبريل ١٨٧٨
عزيزي داير

قرأت للتو في دورية «نيتشر» المقالَ النقدي عن كتاب «الأشكال المختلفة للزهور في نباتاتٍ من النوع نفسه»، وأنا متيقِّن من أنك كاتبه. أتمنَّى من كل قلبي أن يكون الكتاب جديرًا ولو بربع الإشادة التي تنهال بها عليه. أثارت بعض تعليقاتك بالغَ اهتمامي … أشكرك من صميم قلبي على تعاطفك الكريم والطيب للغاية، الذي يُقدِّم خدمةً حقيقية إلى رجلٍ في وقتٍ يشعر فيه بإنهاكٍ شديد مثلما أشعر حاليًّا في ظل العمل طوال اليوم؛ لذا فإلى اللقاء.

سي داروين

هوامش

(١) طالِع فصل «سيرة ذاتية»، الجزء الأول من هذا الكتاب.
(٢) طالع كتاب «الأشكال المختلفة للزهور في نباتاتٍ من النوع نفسه»، الصفحة ٢٤٣.
(٣) ومن ثمَّ فالنباتات التي تخيَّل أنها أقرب إلى الحالة الذكرية كانت أخصب من النباتات التي افترض أنها أنثوية.
(٤) حينما كان في الهند، أجرى بعض الملاحظات الرائعة على التعبير عن العواطف من أجل والدي.
(٥) كان ما دفعه إلى إجراء أبحاثٍ على هذا الجنس، وهو أولى الحالات الثلاثية الشكل التي درَسها، هو كتاب «الجغرافيا النباتية لأوروبا» الذي ألَّفه لوكوك، ومن المؤكَّد أنه وَجد في ذلك عزاءً عن الخدعة التي خدعه إياها ذلك الكتاب عندما اتضح أنه أكبرُ بكثير ممَّا كان يتوقَّع. إذ قال عن ذلك في خطابٍ إلى السير جيه دي هوكر: «اسمع هذه النكتة المضحكة: رأيت جزءًا مقتطفًا من كتاب لوكوك «الجغرافيا النباتية لأوروبا»، وطلبته على أملِ أن يكون مجرَّد كُتيب كبير بعض الشيء، فوصلَت إليَّ تسعة مجلَّدات سميكة.»
(٦) كتب في مناسبةٍ أخرى (إلى الدكتور جراي) بخصوص جنس الخثري: «يجب أن أتوقَّف، وإلا سأقضي حياتي في دراسة الحالة الثنائية الشكل.»
(٧) «الأشكال الدُّنيا في التصنيف فيما يتعلَّق بدرجة اكتمال التشكُّل ربما تحتل مرتبةً عالية في التصنيف القائم على درجة تخصيص البنية أو الوظيفة.» الدكتور جراي في دورية «سيليمان جورنال».
(٨) كان مُحقًّا في هذا التنبؤ. طالع كتاب «الأشكال المختلفة للزهور في نباتاتٍ من النوع نفسه»، الصفحة ٣٠٧.
(٩) كتب بعد ذلك بوقت قصير في خطابٍ آخر: «أرسل إليَّ أوليفر، العالِمُ بكل شيء، ورقةً بحثية منشورة في دورية «بوتانيشا تسايتونج» تحمل وصفًا دقيقًا جدًّا لكلِّ ما لاحظتُه في جنس البنفسج.»
(١٠) يحظى هذا الرأي الآن بقَبول عام.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤