(١٧) الفصل الأخير: العدالة

تساءل السير آيزاك بصوتٍ خفيض: «إلى أين نحن ذاهبان؟»

فهمس بلاك في أذنه بصوت أجش: «ذاهبان إلى ساوثهامبتون. سنَلتقي بعض الأصدقاء هناك.» ابتسم في الظلام، ثم مال إلى الأمام وأعطى السائق بعض التعليمات بنبرةٍ خافتة.

انطلقت السيارة إلى الأمام بارتجاجةٍ مفاجئة، وفي غضون بضع دقائق، كانت قد عبرت مركز «هامرسميث برودواي» التسويقي، وصارت تسير مسرعة نحو حي «بارنز».

ولم تكَد تجتاز الزحام المروري بسلام حتى شقَّت سيارة سباق رمادية طويلة طريقها بخطورةٍ شديدة عبر الزحام، والتوت بخفة استثنائية بين عدد من السيارات الأخرى دون التفات إلى شتائم السائقين اللاذعة، وسارت في الاتجاه نفسه الذي سلكته سيارة بلاك.

كان بلاك قد تخطَّى بلدة «كنجستون» وكان يسير على طريق «سانداون رود» حين سمع هدير سيارةٍ صاخبًا خلف سيارتهم. استدار ونَظَر، متوقعًا أن يجد سيارته الثانية، لكن أحد إطاراتها قد تعرض للثقب؛ فتوقَّفت على طريق «بوتني هيث». كان بلاك قلقًا بعض الشيء، بالرغم من أنَّ سير السيارات على طريق بورتسموث في تلك الساعة من الليل لم يكن بالشيء الغريب. وكان يعرف أيضًا أنَّه لا يستطيع أن يُعلق آماله على البقاء متقدمًا على مُطارِدِه. سمع ذلك الصوت الجلي المميز الذي كان يصاحب سيارة السباق في أثناء حركتها؛ فقال: «سننتظر ريثما يتسع الطريق قليلًا، ثم سنترك ذلك الرجل يتخطَّانا.»

أخبر السائق بخُلاصة هذه النية، ولم تُظهِر السيارة السائرة خلفهم أي استعدادٍ لتخطِّيهم حتى اجتازوا أبرشية «سانداون» وقرية «كوبهام» وصارت أنوار بلدة «جيلدفورد» على مشارف أن تلوح في أفقهم. وبعدئذ، على جزء ممتد مهجور من الطريق يقع على بعد ميلين من البلدة، صارت السيارة، دون أي جهدٍ ملموس، على استقامة واحدة مع سيارتهم، ثم اجتازتهم على الممر الأوسط في الطريق، ثم تباطأت، واضطرَّت سيارة التجوال، التي كانت تُقلُّهم، إلى الإبطاء مثلها.

شاهد بلاك تلك المناورة ببعض الارتياب. ظلَّت سيارة السباق تتباطأ حتى توقفت بالعرض في الطريق، بل توقفت أيضًا بوضعيةٍ أعجَزَت سيارة التجوال عن تجاوزها. فتوقف سائق بلاك فجأة بارتجاجةٍ شديدة.

رأوا، على ضوء مصابيح سيارتهم، رجلين يترجَّلان من السيارة المتوقفة أمامهم، وبدا أنهما يُجريان فحصًا سريعًا لإحدى العجلات، ثم عاد أحدهما، بمشيةٍ بطيئة مسترخية، حتى وصل إلى حيث كان بلاك ورفيقه جالسَين.

قال الغريب لبلاك: «معذرة، أظن أنني أعرفك.»

وفجأة، وَمض ضوء مصباح كهربائي في وجه بلاك. والأدهى من ذلك أنَّ ماسورة مسدس مطلية بالنيكل قد ظهرت جليةً في أشعة ذلك الضوء المنتشرة، وكانت موجهة مباشرة نحو بلاك. قال الرجل المجهول بهدوء: «فلتترجَّل من السيارة يا سيد بلاك، أنت ورفيقك.»

لم يستطع بلاك أن يأتي بأي حركةٍ وسط الضوء الساطع الذي كان يغمره. ترجَّل من السيارة إلى الشارع دون أن ينبس ببنت شفة، وكذلك فَعَل رفيقه. قال الرجل ذو المسدس: «تقدَّما إلى الأمام.»

أطاعه الاثنان، وقابلهما سيلٌ آخر من أشعة الضوء؛ إذ كان سائق السيارة الأولى واقفًا، وهو يحمل في إحدى يديه مصباحًا كهربائيًّا وفي يده الأخرى مسدسًا. أمرهما بالجلوس على المقاعد الخلفية من السيارة باقتضاب فظ، واستدار أول من قبض عليهما ليُعطيَ سائق سيارة التجوال الرمادية بعض التعليمات، ثم قفز داخل جسم السيارة حيث كانا يجلسان، وجلس على كرسي مقابل لهما.

أمَرهما وهو يحرك ضوء مصباحه الصغير عليهما: «ضعا أياديكما على رُكبكما.»

فقَدَّم بلاك يديه المكسوتين بقفازين إلى الأمام على مضض. وحذا حذوه السير آيزاك، الذي كان منهكًا من شدة الخوف.

انطلقوا من الطريق الرئيسي وسلكوا طريقًا ريفيًّا ضيقًا لم يكن بلاك يألفه، وظلوا طوال عشر دقائق يلتوون ويَنعطفون بالسيارة في منطقةٍ بدت أنَّها في قلب الريف، ثم توقفوا. أمَرهما الرجل ذو المصباح قائلًا: «انزلا!» لم يكن بلاك ولا صديقه قد تفوَّها بكلمة واحدة حتى تلك اللحظة.

سأله بلاك: «ما الخطب؟»

فأمره الآخر قائلًا: «انزل!» فترجَّل الرجل الضخم من السيارة متفوهًا بلفظٍ بذيء. وكان في انتظاره هو ورفيقه رجلان آخران.

قال بلاك بسخرية: «أظنُّ أنَّ هذه مسرحية رجال العدالة الأربعة الهزلية.»

فقال أحد الرجلين المنتظِرَين: «هذا ما ستعرفه.»

اقتيد بلاك والسير آيزاك في دَرب طويل وعر عَبر حقل وسط أجمةٍ صغيرة من الأشجار، حتى لاح أمامهما في ظلام الليل مبنى صغير. كان المبنى معتمًا. وقد أوحى لبلاك بأنَّه كنيسة صغيرة. لم يكن لديه متسعٌ من الوقت لملاحظة طراز بنائها. سمع صوت أنفاس السير آيزاك المتسارعة من ورائه، وطقَّةِ قفل. وارتخت اليد التي كانت تُمسك بذراعه آنذاك.

قال صوتٌ: «الزم مكانك.» فتوقف بلاك. كان يتأجَّج في قلبه خوفٌ ممزوج بالسقَم ممَّا كان يوحي به كل ذلك. قال صوت: «خطوة إلى الأمام.» فتقدم بلاك خطوتين، وفجأة توهَّجت الغرفة الكبيرة التي كان يقف فيها بالأنوار، فرفع يده ليَحميَ عينه من الوَهَج الباهر.

كان المشهد الذي رآه لافتًا؛ إذ كان في كنيسة صغيرة. فقد رأى النوافذ ذات الزجاج الملوَّن، لكن في مكان المذبح، كانت توجد منصة منخفضة تمتد بطول أحد جوانب المبنى. كانت مكسوة بقماش أسود متدلٍّ من عند طرفها، وكانت تحمل ثلاث طاولات. تبادر إلى ذهنه حينئذٍ أنَّها أشبه بطاولات القضاة، باستثناء أنَّ الستائر كانت أرجوانية اللون، والطاولات من خشب البلوط الأسود، والسجاد الذي يُغطي المنصة متشحٌ بذاك اللون القاتم نفسه.

كان ثمة ثلاثة رجال جالسين إلى المكاتب. كانوا مقنَّعين، وكانت رابطة عنق أحدهم مزينة بدبوس ماسي يتلألأ في ضوء الثُّريَّا الكهربائية الكبيرة المتدلية من السقف المحدب؛ فقد كان جونزاليس يعجز عن مقاومة ميله الشديد إلى الحُلي.

كان العضو المتبقي من «الأربعة» واقفًا على يمين الأسيرين.

كانت النوافذ ذات الزجاج الملون والسقف الهرمي ذو العوارض الخشبية المائلة، والطابع المعماري المهيب، هما كل ما يوحي بأنها كنيسة. لم يكن يوجد أثاث آخر على الأرضية، التي كانت مغطاةً بالبلاط وخالية من أيِّ كرسي أو مقصورة كنسية.

لمح بلاك كل ذلك بسرعة. ولاحظ بابًا خلف الثلاثة أتوا من خلاله، وبدا أنه كان مَخرجهم أيضًا. لم يستطع أن يرى أي وسيلة للهرب إلا بالطريقة التي جاء بها.

تحدَّث أوسط الثلاثة القاعدين إلى الطاولة بصوتٍ أجش صارم لا هوادة فيه. قال بجدية شديدة: «يا موريس بلاك، ماذا تقول عن فانكس؟»

هز بلاك كتفيه ونظر حوله كما لو أنَّه سئم سؤالًا كان يجد الإجابة عنه مستحيلة.

ثم سأله الصوت: «ماذا عن جيكوبس وكولمان وعشرات الرجال الذين وقفوا في طريقك وماتوا؟»

ظل بلاك صامتًا. كانت عيناه تتفحَّصان المكان المُحيط. كان خلفه بابان، ولاحَظ أنَّ المفتاح كان في القفل. واستطاع أن يرى أنَّه كان في كنيسة نورماندية قديمة قد رمَّمتها شركة خاصة لغرضٍ ما.

كان الباب عَصريًّا ومن صنف الأبواب «الكنسية» المعتاد.

قال قائد «الأربعة»: «يا آيزاك ترامبر، ما الدور الذي أديته؟»

قال السير آيزاك ترامبر مُتلجلجًا: «لا أعلم. أنا لا أعرف شيئًا مثلك تمامًا. أظن أنَّ فكرة محل المضاربة غير القانوني بغيضة للغاية. حسنًا، أصغ إليَّ، هل يوجد شيءٌ آخر أستطيع إخبارك به؛ لأنني حريص جدًّا على الخروج من هذه القضية نظيف اليدين؟»

خطا خطوةً إلى الأمام، ومَدَّ بلاك يده ليَكبحه، لكن الرجل الواقف بجواره شدَّه إلى الوراء.

قال القائد: «تعالَ إلى هنا.» فمشى السير آيزاك بسرعةٍ في الممر نحو المنصَّة مُرتجِف الركبتين.

قال بلهفة وهو يقف كصبي نادم على خطاياه أمام قامة سيده: «سأفعل أيَّ شيء أستطيعه. سأسعد للغاية بتقديم أي معلومات أستطيع الإدلاء بها.»

صاح بلاك بعلو صوته قائلًا: «كُفَّ عن ذلك!» كان وجهه يستشيط غضبًا. قال بصوت أجش: «كُف عن ذلك، أنت لا تعي ما تفعله يا آيكي. الزم الصمتَ وقِف بجانبي ولن تعاني.»

أضاف السير آيزاك: «أعرف أمرًا واحدًا فقط؛ ألا وهو أنَّ بلاك كان على خلاف مع فانكس …»

لم تكد هذه الكلمات تخرج من فمه حتى دوَّت ثلاث طلقات مُتتالية بسرعة؛ إذ لم يكن «الأربعة» قد حاولوا تجريد بلاك من سلاحه. وبسرعةٍ كالبرق، استلَّ مسدسه الذي كان من طراز براوننج، وأطلق النار على الخائن.

صار عند الباب في غضون ثانية. وبعد لحظة، أدار المفتاح وأصبح خارج الكنيسة.

قال صوت آتٍ من المنصة: «أطلق النار، أطلق النار يا مانفريد.» لكن الأوان قد فات؛ إذ كان بلاك قد اختفى بين غياهب الظلام. وبينما كان الرجلان يهرعان وراءه، بدا ظلهما للحظة أمام الضوء الذي كان آتيًا من داخل الكنيسة. «طاخ! طاخ!» أصابت رصاصة من النيكل الدعامات الحجرية في مدخل الكنيسة، وغطَّتهما بغبار ناعم وشظايا حجرية.

قال مانفريد بسرعة: «أطفئا الأضواء، ولاحِقاه.»

لكنَّ الأوان كان قد فاته؛ إذ كان بلاك قد انطلق في طريقه بالفعل، ومَنحه مزيج الخوف والكراهية الكامن فيه آنذاك سرعة لا يتخيَّلها أحد. قادته غريزته البهيمية عبر الحقل بدقةٍ متناهية. وصل إلى الدرب الضيق، واتجه إلى اليسار، ووجد سيارة السباق الرمادية تنتظر دون رقابة.

هُرع إلى ذراع المحرِّك وأداره. وفي غضون ثانية، صار جالسًا في كرسي السائق. كان عليه أن يجازف؛ فقد كان من المحتمل أن توجد مصارف مائية على جانبي الطريق، لكنَّه لفَّ عجلة القيادة حتى آخرها تقريبًا، ووضع قدمه على الدواسة. قفزت السيارة إلى الأمام، وانحرفت إلى الجانب بحدة، ثم استعادت توازنها وسارت على الطريق ترتج بصوتٍ صاخب.

رأى مانفريد المصابيح الخلفية للسيارة تختفي مع ابتعاد المسافة؛ فقال: «لا فائدة. هيا نَعُود.» كان قد خلع قناعه.

ركضوا عائدين إلى الكنيسة. وأضيئت الأنوار مرة أخرى. كان السير آيزاك جثة هامدة على الأرض؛ إذ كانت الرصاصة قد أصابتْه في كتفه اليسرى واخترقت قلبه، لكنَّهم لم يكونوا ينظرون إليه؛ إذ كان القائد راقدًا بلا حَراكٍ على أرض وسط بِركة من الدماء.

قال لهم: «افحصوا الجرح، وإذا لم يكن قاتلًا، فلا تخلعُوا قناعي.»

فَحَص بويكارت وجونزاليس الجرح سريعًا. «إنَّه خَطِر جدًّا.»

لخَّصا رأيهما بهذه الجملة المقتضبة؛ فقال الجريح بهدوء: «ظننتُه كذلك بالفعل. من الأفضل أن تُواصلا المسير إلى ساوثهامبتون. سيلتقي فيلو في طريقه على الأرجح.» ابتسم هنا من وراء قناعه «أظن أنني يجب أن أدعوه الآن باللورد فرانسيس ليدبورو. إنه ابن أخي وهو بمثابة مُفوَّض شُرطي. لقد بعثتُ إليه ببرقية ليتبعني. ربما تستطيعان أن تأخذا سيارته وتذهبا معه. أمَّا أنت يا مانفريد، فتستطيع البقاء معي. اخلعوا عني هذا القناع.»

فانحنى جونزاليس ونَزع القناع برفق، ثم انتفض إلى الوراء.

صاح مشدوهًا: «اللورد فيرلوند!» وأومأ مانفريد، الذي كان يعلم، برأسه.

كان الطريق خاليًا من الزحام المروري في تلك الساعة من الليل، وكان معتمًا وضيقًا عند بعض مناطقه على رجلٍ لم يلمس عجلة قيادة سيارة منذ عدة سنوات، لكنَّ بلاك قد جلس حسير الرأس يقود السيارة الكبيرة قُدُمًا دون أن يخشى العواقب. لقد كان، للمرة الأولى والوحيدة في حياته، ينطلق بالسيارة في بلدة صغيرة بسرعة تضاهي سرعات السباقات.

حاول شرطي إيقافه، فكاد أن يموت ولم ينجُ إلا بشق الأنفس. وصل بلاك مجددًا إلى طريق رئيسي سريع دون أضرار، باسثتناء تحطُّم واقي أحد الإطارات بعد اصطدامه بعمود إنارة في أحد المنعطفات الحادة. سار عبر مدينة «وينشستر» بأقصى سرعة، وواجه محاولةً أخرى لإيقافه؛ إذ أُوقِفت عربتان كبيرتان في الشارع الرئيسي، لكنه رآهما في الوقت المناسب، وسلك طريقًا جانبيًّا، واجتاز البلدة مجددًا بفضل حُسن حظه أكثر من أي شيء آخر. صار يعرف آنذاك أنَّ الشرطة تعلم بأمر هروبه؛ فكان لا بد أن يُغيِّر خططه. اعترف في قرارة نفسه بأنَّه لم يكن يملك خططًا كثيرة ليُبدِّل فيما بينها؛ إذ كان قد رتَّب لمغادرة إنجلترا عبر أحد ميناءَين؛ دوفر أو ساوثهامبتون. كان يأمل في الوصول إلى متن السفينة المتجهة إلى ميناء «لو هافر» الفرنسي دون أن يلفت إليه الانتباه، لكن ذلك قد صار الآن مستحيلًا. فالسلطات ستراقب السفن، ولم يكن لديه أي وسيلة تنكُّر تُساعده.

وعلى بُعد ثمانية أميال جنوب «وينشستر»، لحق بسيارة أخرى وتخطاها قبل أن يُدركَ أنَّ هذه السيارة لا بد أن تكون هي السيارة الثانية التي استأجرها. وتزامنًا مع هذا الإدراك، دوَّى صوت فرقعتين؛ فقد ثُقِب الإطاران الأماميان في سيارته. داس المكبح وأبطأ السيارة حتى توقفت تمامًا. كم كان حظه رائعًا آنذاك! أن يأتيه البلاء حيث كان الخَلاص متاحًا في متناوله!

قفز من سيارته، ووقف جليًّا في وهج مصابيح السيارة القادمة مادًّا ذراعَيه؛ فوقفت السيارة على بُعد بضع أقدام منه. قال للسائق: «خُذني إلى ساوثهامبتون، لقد تعطَّلت سيارتي.» فقال السائق شيئًا غير مفهوم.

فتح بلاك باب السيارة ودخلها. فأُغلِقَ الباب بحدةٍ خلفه قبل أن يدرك وجود ركاب آخرين معه. استهلَّ الكلام قائلًا: «مَن …؟» ثم أمسكته يدان، وأُغلِقَ شيء بارد صلب على معصميه فجأة، وقال صوت مألوف: «أنا اللورد فرانسيس ليدبورو، مفوض شُرطي مُساعِد، وسأحتجزك بتهمة القتل العمد.»

فكرَّر بلاك بشيءٍ من بلادة العقل: «ليدبورو؟»

فقال الصوت: «تعرفني بأنني الشرطي فيلو.»

شُنِق بلاك في سجن «بينتونفيل» في ٢٧ مارس من أحد أعوام القرن العشرين، وقرأ اللورد فرانسيس ليدبورو الذي كان قاعدًا بجوار فراش عمِّه السقيم، ذلك البيان المقتضَب الذي أُدلي به إلى الصحافة.

سأله: «هل تعرفه يا سيدي؟»

فالتفت الإيرل العجوز بشيء من الضيق.

وصاح غاضبًا: «أعرفه؟ بالطبع كنت أعرفه، إنَّه صديقي الأوحد الذي شُنِق.»

أصر المفوَّض الشرطي المساعد المتشكِّك على سؤال الإيرل عن بلاك؛ فقال: «أين التقيته؟»

قال الرجل العجوز بتجهُّم: «لم أَلتقِه قط، بل هو الذي التقاني.»

وتجهم وجهه قليلًا إذ كان جرح كتفه لا يزال مؤلمًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤