قوميات

يوم الجهاد ذكرى ١٣ نوفمبر في سنة ١٩٣٥

أجل هو يوم الفدى والذمم
ويوم الجهاد ويوم القَسَمْ
ويوم الذين دعوا أمة
ونادوا بدعوتها في الأممْ
ويومٌ له غده المُرْتَجَى
ويوم له سره في القِدَمْ
هنا حرم في جوار الزمان
فحيوا الزمان وحيوا الحرمْ
هنا فليقم عهده من أقام
ويعزمْ على أمره من عزمْ
ويستقبل الهول من راضه
ويرتد من خافه فانهزمْ
تعز الصفوف بنبذ الجبان
كعزتها بشجاع هجمْ
وتُحمى الحقوق بدفع الضعيف
كدفعك عن حوضها من ظلمْ
فليستْ تُصان الحقوق التي
حمى جانبيها ضعاف الهممْ
وهيهات تعلو لنا شوكة
بشكوى الذليل ونجوى السأمْ
إذا كرمت أمة لم تكن
كرامتها من هبات الكرمْ
إذا استرحمتْ أمة خصْمَها
فلا رحمتها عوادي النقمْ

•••

أفيقوا أفيقوا حماةَ الديار!
حماة الديار ببأس الرمم!
أتسمعكم «لندن» يا تُرَى
على النَأْي أم لم تزل في صَمَم؟!
أيشفق هاجركم يا ترى
هنالك أم قد جفا واعتصم
أيُطمعكم منه ذاك الدلال
أَمْ حَسَمَ الشَّكُ فيما حسم
إذا لم يكن صوتكم بالغًا
إليه فما قولكم في النغم؟!
عليكم بقيثارة حلوة
وناي وعود وزيز وبم
وبثوا له لوعة أو ضنى
وشقوة حال ونجوى ندم
فقد ينثني في غد راضيًا
إذا صُدَّ في أمسه أو صدم
وقد ينثني طيفه في الكَرَى
وطاب الكرى عندكم والظلمْ
ويا ويلكم بعدها إن جفا
وعاف المقام بأرض الهرمْ
فكيف تُطيقون منه الجلاء
إذا ما انجلى بعدها وانصرمْ!

•••

أفيقوا أفيقوا دعاة الديار
دعاة الديار وفيكم بَكَمْ
وأوصوا الرفاق بصمت طويل
وصبر جميل وهزل عمم
وقولوا لهم مثلنا فاصنعوا
إذا نابكم نائب أو دهم
ومَنْ جَدَّ من أمره بينكم
فذاك هو الخائن المتهم
فإن الأمانة في شرعنا
ولائم تُغشى ولهْوٌ يُؤم
وإن الخيانة فتح العيون
وفتح العيون عدو النعم
كفى لعبًا أيها الهازلون!
فقد ملأ الخطب مصرًا وَطَم
لقد أسأمتْكم كبارُ الأمور
لقد أسأمتنا صغارُ اللمم
وقد أسأمتنا رعاة تُسَاقُ
فأين الرعاة وأين الغنم؟
أأصنام باغين تبغونها
وأنتم تذلون ذل الخدم؟!
أأطلب حرية للعبيد
وألقي بحريتي عن رَغَم؟!
فماذا أقول لهذا الجبين؟!
وما عابه عائب أو وَصَم
وماذا أقول لهذي اليمين
وإني بها قد صنعت الصنم؟!
معاذ الفتوة إني لكم
على رصد ساهر لم ينم
هو الحق ما دام قلبي معي
وما دام في اليد هذا القلم
بني مصر طوفوا بهذا الحرم
بيوم الفخار ويوم الألم
يسر ويُؤلم تذكاره
وفي الغد من حالتيه الحكم
بدأنا بسعد وغاب الإمام
فمن شاء فليحسن المختتم
إذا نحن سرنا على نهجنا
فلا ضير في أن تزل القدم
حذارِ القعود مع القاعدين
وسر فالطريقُ سويٌّ أمم
فِدًى للبلاد وأعوانها
على النصر من خانها وانهزم
ومن هونوا الأمر حتى غدا
أجير الهتاف دعيَّ العِظَم
وحتى غدت كل تصفيقة
تبوِّئ في المجد أعلى القمم
وما المجد صفقًا ولا صفقة
ولكنه معقل يقتحم
فلا تركبوا السهل واستصعبوا
فللسَّهل أصعب هول نجم
تضيع البلاد به سهلة
فمن رامها عاديًا لم يلم

•••

بني مصر! صونوا لها حقها
كبار النفوس كبار الشيم
لكم مصر لا لدعيٍّ دعا
ولا لذوي سطوة أو غشم
لكم مصر حيث يقر الثَّرَى
وحيث يرف عليها العلم
وحيث جرى النيل من أرضها
وحيث نما شعبها وازدحم
وحيث تلاحق موج البحار
على جانبي شطها والتطم
وحيث تلألأ ضوء الشموس
وأسفر عن صحوها وابتسم
فلا تتركوا ذرة من ثرًى
لباغٍ ولا قطرة من خضم
ولا لمحة من شعاع سرى
ولا نفحة من نسيم نسم
لكم وحدكم ما ضننتم به
وما يُستباح وما يُغتنم
فما تبذلون فذاك الكرم
وما تمنعون فنار ودم
على العهد فليقترب من رعى
ذمامًا وفليبتعد من وجم
وهذي الكنانة من رَامَهَا
بسوء وَهَى ظهره وانقصم
وأنتم لها سيفها المنتضى
وأنتم لها عزمها المعتزم
فقولوا يردَّ لها مجدها
يرد وما تم بالعزم تم

عيد بنك مصر

أُلْقِيَتْ في الاحتفال بمُضِي خمس عشرة سنة على إنشاء بنك مصر:

بلغتَ الشباب فعِشْ وازْدَدِ
وأوحِ التهانئ للمنشدِ
نما بك جَدُّك في المعجزات
فيا لك من معجز مفردِ!
أفي السن كاليافع المرتجى
وفي المجد كالهرم المخلدِ؟
وما هرم الصخر في مجده
نظيرك يا هرم العسجدِ
وما بنيةٌ حرةٌ في الرضى
تقام كبنية مستعبدِ
بنو مصر! في كل عهد لهم
بناء على سُنَّة الموعدِ
فحينًا معابد فوق الذُرَى
وحينًا مصارف كالمعبدِ
بهذا وهذا نجاري الزمان
ونسبق في شوطه الأبعدِ
وندرك في يومنا أمسنا
ونرفع شأويهما في الغدِ

•••

أجل هو أشبه بالمعبدِ
بناءٌ بقبلته نقتدي
ومن كان ينشد حريةً
وعزًّا فذلكم المهتدي
وما يبتغي الدين من مؤمن
سوى البر والجِدِّ والسُّؤْدَدِ
وإني لأحسب ذاك البناء
بناء العقيدة لا الجامدِ
عقيدة داعين قد أخلصوا
لمصر وللحق في المقصدِ
يريدونها حيث لا يُعتدى
عليها بضَيْم ولا تعتدي

•••

أراه فأزْهَى به عِزَّةً
كأن غناه غِنًى في يدي
وأحسب أنفاله حسبتي
لكنز «على ذمتي» مرصد
إذا قيل: مورد أبناء مصر
فلي أن أقول: نعم موردي
وما ثروة الموئل المُفتَدَى
سوى ثروة الوائل المُفتدِي
إذا أنا سُدت ولي موطن
مهين فما أنا بالسيدِ

•••

ترنَّم كما شئتَ واستطردِ
وهنئ كما شئت بالمولدِ
وقُلْ ما بدا لك فيما مضى
وفي مقبل بعده مسعدِ
تربى الوليد وأمسى بنوه
وأحفاده زينة المعهدِ
أفي أسرة الشيخ من عُمره
عددناه كاليافع الأمردِ!
أفي الخمس والعشر يُطوى المَدَى
ويفتح كل حمى موصدِ
وتملأ آثاره الخافقين
أنَّى يُنادَ به يوجدِ
سَلْ الطير إنْ رامَها فاتها
سَلْ الريح إنْ قادها تنقدِ
سَلْ الحوت بين شعاب البحار
إن جاءها صائدًا يُصطدِ
سَلْ الشرق عمن قضى حجه
سَلْ الغرب عن رائح مغتدِ
وسَلْ قطن مصر وسل تُوتَها
عن الغازل الناسج المرتدي
وما لك لا تسأل المستغيث؟!
عن السامع المبصر المنجدِ
وما لك لا تسأل القارئين!
عن الطابع الناشر الأجودِ
وما لك لا تسأل الفن! عن
صروح حسان وروض ندِ
وما لك لا تسأل الطيف! في
شباك من الظل بالمرصدِ
تُمثله حُلمًا ناطقًا
على الستر من يبغِه يشهدِ
كذاك يبارك في الصالحا
ت من عمل الصالح الأيدِ
وخير النجاح نجاح به
نصيبان للقوم ملء اليدِ
نصيب الغنيمة يغنى بها
وحسن الثناء على المحتدِ

•••

فيا قائمين على (حصن مصر)
سعدتم برضوانها الأسعدِ
إذا قيل (بنك) فقد قيل حصن
نجا بالعتاد وبالمُعْتَدِ
ومن قال يا أمتي وفِّري
فقد قال يا أمتي جَنِّدي
هنيئًا لكم قادة ذادة
يصولون صولة مُستشهِدِ
هنيئًا لكم (حربكم) إنه
من الحرب في وصفها الأحمدِ
لكم راية النصر مرفوعة
على ساحة الزمن السرمدِ
تعود لكم كل أعيادكم
بأجمل مما به تبتدي

في ذكرى سيد درويش في شهر سبتمبر سنة ١٩٣٥

اذكروا اليوم سيدًا
واحفظوا الذكر سرمدا
وتغنَّوا بحمد مَنْ
قد تغنَّى فأسعدا
مَنْ يكن ذاك أمسه
يبتدئ مجده غدا

•••

كان للصوت مالكًا
كيف لا يملك الصدى؟
قد حوى السمع شاديًا
وسيحويه مُخلدًا
أخلدُ الناس مَنْ إذا
قيل تاريخه شدا
عاش للفن والفنو
ن مصابيح للهُدى
مطلع النور نبعها
جاوز الشمس مصعدا
من يعش في السماء هيـ
ـهات لا يعرف الرَّدَى

•••

جدِّدوا اليوم ذكر مَنْ
قد تغنى فجددا
الذي صور الحيا
ة هتافًّا مرددا
علَّم الناس كيف يعـ
ـنون باللحن مَقصِدا
ما ابتغوا قبله المعا
نيَ في القول مسندا
فابتغوا بعده المعا
نيَ في الصوت مفردا
وانثنوا يعجبون للطـَّ
ـير لما تغردا
ولهمس النسيم في الـ
ـغصن لما تأوَّدا
والدراريّ والسنا
والأزاهير والندى
سمعوا كل ما انطوى
من سرار وما بدا
سمعوا الكون بيِّنًا
والمقادير شُهَّدا
فُتح الباب كله
بعد أن كان مُوصَدا
ربما جاز فاتح
في المدى ما تعمدا

•••

إنما الفن في الشعو
ب شباب له الفِدَى
فيض ما زاد من شعو
ر وما هام مبعدا
سورة في عروقها
يتقي بأسها العِدَى
لا أنينٌ ولا طنينٌ
ولا ضجة سُدَى
أو نديم لشارب
بالطِّلا قد تزودا
أو بكاء كما بكى
سائل يطلب الجَدَى
رحم الله سيِّدًا
كان للفن سؤددا
ليت أحياءنا الأُلَى
سبقوا الموت موعدا
لحقوا وهو في الثرى
منه روحًا تمردا
وارْتَأَوْا مثل رأيه
واقتدوا مثلما اقتدى
أكبر الظن أنه
جاور البحر فاهتدى١
مُفلحٌ مَنْ يكون أسـ
ـتاذه البحر مزبدا

•••

إنما اللحن ترجما
ن عن النفس ما عدا
مبدع وهو ناقل
كلما قال أوجدا
واصف لن ترى له
عاذلًا أو مُفنِّدا
هكذا كان سيدٌ
صادقَ الوصفِ مُرشدا
ما سمعنا لشعب مصـ
ـر على ما تعددا
واصفًا كان مثله
مستجابًا مؤكدا
كل رهط أعاره
لحنه أسلم اليدا
وحباه بسِرِّه
ناطق الوسم منشدا
ليس من عامل ولا
عاطل راح أو غدا
أو سريٍّ مجلَّل
أو فقير تجردا
أو قويٍّ مزمجر
أو ضعيف تنهدا
أو دعاء دعاه إلا
عرفناه جيِّدا
هكذا يسمع الخليـ
ـقة مَنْ يسمع الصدى

•••

إنما اللحن منطق
وحَّد الكون إذ حدا
فيه لا في اللغات يبـ
ـدو نظيمًا منضِّدا
اسمعوا منه في الضما
ئر وحيًا مؤيدا
حيثما يقصر الكلا
م ويمشي مقيدا
وارفعوا الفن واحذروا
مهبطًا منه أوهدا
واجعلوا من تراث در
ويش للفن معبدا
إنه مَهَّد الخُطى
فابلغوا أنتم المدى
رحم الله سيِّدًا
كان في الفن سيِّدا

فاز سعد

نُظِمَتْ عندنا نقل رفات الزعيم الخالد سعد زغلول من ضريحه في صحراء الإمام إلى ضريحه المقام إلى جوار بيت الأمة:

عرف النفي حياة ومماتا
وأصاب النصر روحًا ورُفَاتا
كلما أقصوه عن دارٍ له
رَدَّه الشعب إليها واستماتا
كيف يجزيه افتياتًا وهو من
كان لا يرضى على الشعب افتياتا
أصبحت دارك مثواك فلا
تخشَ بعد اليوم يا سعد شتاتا
حبذا الخلد ثمارًا للذي
غرس المجد ونَمَّاه نباتا

•••

كل أرض للمصلِّي مسجد
غير أن الكعبة الكبرى مقام
هكذا قبرك مرفوع الذُرَا
في جوار البيت أو سفح الإمام
أرض مصر حيث أمسيت بها
فبنو مصر حجيج وزحام
غير أن الذكر يبغي منسكًا
مثلما يبغيه حج واستلام
فالْقَ في قبرك خُلدًا كلما
مر عام تبعته ألف عام

•••

جيرة الأحياء أولى بالذي
بعث الدنيا حياة لن تبيد
معشر الأحياء أنتم لكم
مدد من ذلك الميت مديد
مستعيدين رجاءً كلما
جزتموه وهو منكم مستعيد
إنه في كل جيل ذاكر
من بنيه أبد الدهر وليد
تلك يا سعد مغانيك فما
في سواها يسكن اللحد شهيد

•••

اعبر القاهرة اليوم كما
كنت تلقاها جموعًا ونظامًا
ساعة في أرضها عابرة
بين آباد طوال تترامى
ساعة من عالم الفردوس لا
تشبه الساعات بَدْءًا وختاما
كل مَنْ شاهدها زِيدَ بها
من معانيك جلالًا ودواما
قل لهم أبلغ ما قلت لهم
أيها الواعظ صمتًا وكلاما

•••

جردوا الأسياف من أغمادها
ذاك يوم النصر لا يوم الحداد
ارفعوا الرايات في آفاقها
أين يوم الموت من يوم المعاد؟
لا يُلاقَى الخلد بالحزن ولا
يُكتَسى الفتح بجلباب السواد
ذاك يوم ما تمناه العِدَى
بل تمناه ولاء ووداد
فانفضوا الحزن بعيدًا واهتفوا
فاز سعد وهو في القبر رماد

•••

الفراعين الأُلَى أجليتهم
لَتَمَنَّوا لو أجازوك الطريق
أنت أضفيتَ على أوطانهم
سعة وهي من الأسر مضيق
أنت أيقظتَ لهم تاريخهم
وهو في نومته لا يستفيق
فضلك اللاحق أحيا فضلهم
فاستوى منه طريف وعريق
آية في الحق لا ينسخها
أبد الدهر عدو أو صديق

•••

يا بني مصر اجعلوا نقلته
رمز إحياء وعزم ومضاء
وانظروه كيف حالت دونه
غِيَرٌ شتَّى وما حال القضاء
المُنحَّون تنحَّوا جانبًا
آخر الأمر، وسعد في البناء
كل ذي حق سيعطى حقه
ليس للمجد من الخلد نجاء
كل ما عارض سعيًا باقيًا
عَرَضٌ فانٍ وزورٌ ورياء

•••

ترمز الشمس٢ إلى نقلته
بسفور غالب بعد حجاب
صرعت ليلين صبحًا فروَتْ
عن حضور ناصع بعد غياب
هو أيضًا قد طوى ليل الردى
وطوى ليل الغواشي والكِذَاب
في السموات وفي الأرض له
أثر ينبئ عن يوم المآب
أثر الفجر إذا انْجاب لنا
عن ضحاه بعد لَأْيٍ وغِلَاب

•••

دان يا سعد لك الذكر بما
شيد الباني وما خط الزبور
قَدَر نادى فلبَّته على
موعد الذكرى صخور وسطور
أنا بانٍ لك في مُلْك النهى
منزلًا يبقى ولا تبقى الصخور
من أسانيدك آساس له
ومن الحق له حسن ونور
إن أنل شَأْوَك فيه إنني
بالذي شيدت منه لفخور

•••

فتية الوادي بسعد فاقتدوا
إن تخيرتم له خير وفاء
اذكروه بالذي يعمله
منكم العامل في غير وناء
واذكروه بالذي امتاز به
من مزاياه الأبيَّات الوضاء
هكذا يخلد سعد بينكم
بتماثيل حياة وروَاء
كل ما يعظم من أعمالكم
هو تخليد لذكرى العظماء

إلى متطوع مشروع القرش

نُظِمَتْ هذه القصيدة تشجيعًا للشبان الذين كانوا يطوفون بالطرقات والمنازل؛ لجمع الاكتتابات بالقروش وتخصيص ما يجتمع منها لإحياء الصناعة الوطنية:

يا آخذًا أشبه بالمانح
بوركت في مجهودك الصالحِ
تمد كفيك ولكن كما
مُدت يمين المنقذ الناضحِ
وتعقد الصفقة لا تنطوي
في عقدها إلا على رابحِ
فباذل القرش ومن ناله
صنوان في وزن الندى الراجحِ

•••

يا فتية القرش ورواده
على سواء المنهج الواضحِ
خذوا هبات الجود حتى إذا
فرغتم من فيضها الناقحِ
طوفوا على الدور ولا تتركوا
بابًا قد استعصى على فاتحِ
وحاصروا الراكب في ركبه
واسطوا على السانح والبارحِ
وراقبوا الجو ولا تتقوا
غوصًا وراء الغائص السابحِ
وعلموا مَنْ ضن بالقرش أن
يخجل من عدوانه الفاضحِ
فمن أبى قرشًا على أمة
فذاك كالجاني وكالجارحِ
أنتم رجال الغد فاسعوا له
برأس مالٍ لغد ناجحِ
وزودوا مصر بزاد الغنى
والعزم من هذا الصبا الطامحِ
وأنبتوا مصرًا لكم حرة
تغلو بها أحدوثة المادحِ
نعم البنون الأذكياء الأُلَى
ردوا جميل الدرهم الفادحِ!
أرضاكم إذ كنتم صبية
صحتم صياح الغاضب الجامحِ
فلم يزل حتى رجعتم به
رضى لهذا الوطن الصائحِ

بين عهدين

أُلْقِيَتْ في مؤتمر حافل أوائل سنة ١٩٢٥:

أحسنتم الصبر والعقبى لمن صبروا
نادى البشير فقولوا اليوم وائتمروا
تلك السنون التي ذقتم مرارتها
هذا جناها فطاب الغرس والثمرُ
مرت وفي كل مصريٍّ لها أثرٌ
إلا اليقين فما فيه لها أثرُ
سيهدم الطَّوْدُ مَنْ يبغيه معتديًا
وليس يُهدم من أركانكم حجرُ
بناكم الله في أرض إذا رفعت
صرحًا من المجد لم تعبث به الغِيَرُ
الدهر في غيرها هدَّام أبنية
والدهر في شاطئيها حارس حذرُ
كِنَانَة الله كم أوفت على خطر
ثم استقرت وزال الخوف والخطرُ
وكم توالت على أبوابها أممٌ
ومصر باقيةٌ والشمس والقمرُ
كأن رمسيس حيٌّ في مدينته
يرعى بَنِيه وهم من حوله زمرُ

•••

ها أنتمُ أنْتُمُ والشمل مجتمعٌ
لا الأمن طاش ولا أجناده حضروا!٣
أين القلاقل؟ بل أين المعاقل؟ بل
أين الزبانية الفتاكةُ الشزرُ
وأين من أرسلوهم في محافلكم؟
وأين ما خوفوا الدنيا وما زجروا؟
خافوا على أمنهم لا أمن أمتهم
كذاك يخشى بغاة السوء من سهروا
إذا الظلام حواهم في مساربهم
فالنور في الليل ذنب ليس يُغْتَفرُ
لا يرحم الله عهدًا كان آمنه
حربًا على الأمن لا يُبْقِي ولا يذرُ
من كل باغ له في الشر ألف يد
لو قُطَّعت كلها لم يُجْزِهِ القدرُ
ينعى على الشرف العالي مفاخره
وينثني وهو بالآثام مفتخرُ
قالوا «النظام!» وطافوا حوله نُذُرًا
شاه النظام وشاهتْ تلكم النُّذُرُ
بئس النظام الذي تعلو بقمته
نفاية في حضيض الذلّ ما ظهروا
تسللوا شِيَعًا في كل ناحية
كأنهم منسر في الأرض منتشرُ
ظلم ولؤم وإتلاف ومفسدة
وسطوة وقلوب كلها خورُ
الله في عون مصر من رذائلهم
كم أجرموا في نواحيها وكم فجروا
لو أنصفوا كان سجنًا دار ندوتهم
يحمى المهارب منها حارس عَسِرُ
نَصُّوا الشرائع فيها للعقاب بها
وهم لكل عقاب زاجر وطرُ
ما كان خارجها جانٍ أضرُّ على
بلاده من جُنَاة عندها حشروا
قالوا: انتخاب! فقلنا: إي نعم صدقوا
هو انتخاب لمن خانوا ومن غدروا
هو انتخاب، أجل! بل تلك غربلة
وهم هنالك في غِربالها وضرُ
لا تدخلوها إذا جئتم بساحتها
إلا إذا غُسلت ألفًا وتعتذرُ
فازوا بمال وقد فزتم بأنفسكم
ربحتمُ أنتم العقبى وهم خسروا
عرفتم الخطة المثلى بتجربة
وراء تجربة تمضي وتندثرُ
وفي التجارب من حق ومن عِبَر
فما لهم ما وعوا حقًّا ولا اعتبروا
آن الأوان لمصر أن تجدَّ على
مناهج السعي لا زيغ ولا غررُ
قويمة الخطو لا التيه الذي نصبوا
يُثنى خطاها ولا الجب الذي حفروا
على الصراحة إن ودَّت وإن نفرتْ
ويستوي بَعْدُ مَنْ وَدُّوا ومن نفروا
هيهات تحجب عينيها براحتها
إذا اتقوا نظرة منها لما ستروا
شِعَارها ذاك فليحمل نظائره
من يبتغي ودها تنفعهم الشّعرُ

•••

يا فتية النيل هذا النيل مستمع
ومصر ناظرة والشرق منتظرُ
صونوا لمصر تراثًا من أوائلها
وثروة من ثراها الحُرُّ تُدَّخَرُ
ووفُّروا من قواها كل ما وفرت
من الضمائر في الجُلَّى وما تفِرُ
وعلِّموا علمها من ينفعون به
سيان في العلم ذو مال ومفتقرُ
ويسروا من صناعات الأكفِّ لها
ومن فنون بها الأرواح تزدهرُ
أمانةُ تلك في أعناقكم عَظُمَتْ
وبالأمانة فليعظُم من اقتدروا
فباركوا شعبكم وادعوا بدعوته
واستبشروا ومُروا بالحق وائتمروا

دار العمال

أُلْقِيَتْ في دار العمال عند افتتاحها في صيف سنة ١٩٣٥:

حيِّ «دار العمال» بالإقبال
وتَرَقَّب لها بلوغ الكمالِ
وانتظر رافعي الدعائم حتى
يرفعوا بيتهم عزيز المثالِ
رفعوا أمس ما علا من صروح
ولهم في غد صروح عوالي
ولهم في غد من الأمر قِسْط
من يكن مؤمنًا به لا يُغالي
أيها العاملون لبَّيكم اليو
م ولبَّيكم غدًا في المجالِ
نعمَ جيش السلام أنتم إذا ما
جرَّد البغيُ جيشه لاغتيالِ
لكم العدة التي ما استطاعت
أمة قد تركها في نزالِ
ولكم أذرع شداد وأيدٍ
من حديد وأظهر من جبالِ
ولكم في اتحادكم رأس مال
إن فقدتم ذخائر الأموالِ
ولكم صيحة يهاب صداها
سادة في نفوسهم كالموالي
فابلغوا بالوئام والصبر ما لا
يبلغ المرجفون بالأهوالِ
لا يسخِّركم المسخِّر جهلًا
وانبذوا كل عاطلٍ مكسالِ
حبذا الناس يعكفون على الأعـ
ـمال حتى ذوي الغِنَى والملالِ

•••

لا يكن من بَنِي الكنانة باغٍ
يملأ الناسُ دوره وهو خالِ
ويكيل النَّضار وهو دماء
جُمِعَت من مصارع الآجالِ
كيف ترعى عناية الله أرضًا
باء فيها المُجِدُّ بالإقلالِ؟
ينسج الخزَّ والحرير ويمشي
حافيًا في الرقاع والأسمالِ
ويشيد القصور وهو شريد
في زوايا الكهوف والأطلالِ
ويُدِرُّ الغِنَى وما في يديه
شِبْعَةُ الوالدين والأطفالِ
يهب المترفين عمر فراغ
وهو باكي الأيام باكي الليالي
ذاك ظلم نُعِيذُ بالله مصرًا
من أذاه في مقبل الأجيالِ

•••

أيها المنقذون بِنْيَة مصر
من فتور ومن ضنى أو كلالِ
أنتم الكف والذراع وأنتم
قوة في يمينها والشمالِ
حظكم حظها من العلم والصحـَّ
ـة والبأس والحجى والخصالِ
كلما نالها نصيب من الخيـ
ـر فأنتم لكم نصيب تالي
أعجب الناس عامل في بلاد
صاح فيها: ما للبلاد وما لي؟
لا تقولوا العمال حسب وأنتم
في بلاد تموج بالعمالِ
إن مصرًا تنال من غاصبيها
أجر بخس وخدعة ومطالِ
وهي أرض للواغلين عليها
سطوة أشعبية الإيغالِ
كل من في جوانب النيل عانٍ
مستغَلُّ الجهود والآمالِ
كلهم غارس لآخر يجني
ثمر الماء والثَّرَى والرجالِ
وإذا ما تفرقوا طبقات
جمعتهم جوامع الأغلالِ
وإذا قيل مُوسِر وفقير
فقصاراهما إلى استغلالِ
حققوا الأمر ما قضية مصر
بعدُ إلا قضية العمالِ
فاعملوا جهدكم لمصر جميعًا
واتبعوا خطة الهدى لا الضلالِ
ما لكم منصف ولا لبنيها
منصف قبل يوم الاستقلالِ
١  كانت نشأة الموسيقار الكبير في ثغر الإسكندرية.
٢  إشارة إلى كسوف الشمس صباح ذلك اليوم.
٣  كان أعداء الحرية يمنعون كل اجتماع بدعوى الخوف على الأمن العام.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤