المقدمات النظرية
أولًا: من تكوين النص إلى بنية النص
قد لا يحتاج هذا الجزء الثاني (بنية النص)، إلى مقدمةٍ نظرية أخرى للكتاب كله، والتي جاءت في الجزء الأول (تكوين النص)، ومع ذلك تحتوي هذه المقدمات النظرية على كيفية العمل والتدوين، أكثر منها نظرية عامة عن المنهج والموضوع.
(١) الشكل والمضمون
جاء الجزء الأول (تكوين النص) أقرب إلى الشكل منه إلى المضمون؛ لمعرفة كيفية تكوين النص باعتباره شكلًا، أما هذا الجزء الثاني (بنية النص)، فهو أقرب إلى المضمون منه إلى الشكل؛ لمعرفة بنية النص خارج الشكل وخارج اللغة، إلى بنية الشعور في علاقته بالعالم، فالشعور شعور بشيء، والوجود وجود في العالم.
وقد كُتب الجزءان في عامين نظرًا لحضوره في الذهن منذ حوالي نصف قرن، كما أن حدسه الرئيسي ما زال في الذهن، وهموم قِصر العمر ما زالت مستمرة.
(٢) النص تجربة شعورية
والزمن الأصولي تجربة معيشية عند الأصولي الحديث عندما يعيش النص، ويعرف مدى دلالته للعصر، فالنص تجربةٌ مشتركة بين الأصولي الأول القديم، والأصولي الثاني الحديث الذي يقوم بالقراءة، وهو المؤلف، لصالح قارئٍ ثان يئنُّ من الفقه القديم الذي تضيع فيه مصالحه، وتتعقد فيه أزماته. وإذا كان القدماء قد اتبعوا طريقتين في تدوين علم الأصول، طريقة المتكلمين وطريقة الفقهاء، فإن بنية النص تتبع طريقة المحدثين؛ تحليل النص باعتباره تجربةً شعورية.
(٣) النص الأول
وتأتي أولوية «المستصفى» لأنه يمثل التراكم الأصولي حتى القرن الخامس، ومن أجل بيان تطابق النص مع العقل، وهو آخر ما دوَّن الغزالي، والنص الأصولي الوحيد الذي لخصه ابن رشد في «الضروري في أصول الفقه»، وميزته الهدوء العقلي والاعتدال، بعد أن وصل صاحبه إلى الكشف والإلهام، كما دونه في «إحياء علوم الدين»، والذي يشير إليه. ربما جمع فيه بين علوم العقل وعلوم الذوق لكثرة التحليلات النفسية؛ إذ يقوم على تحليل العقل والنقل الخالص دون إحالة إلى مصادره، وربما تم الاعتماد فيه على الذاكرة الخالصة التي قوَّتها علوم الذوق عن طريق الاستبطان.
(٤) الأصل الأول
وكثرة الأدلة والحجج والشبهات، والتقسيمات والمقدمات والبيانات والأقسام، والخطب والأقطاب والدعامات والفنون، والامتحانات والفصول والأصول والأبواب والمسائل عند القدماء؛ تقضي على وحدة الموضوع ورؤيته رؤية مباشرة عند المحدثين، ويمكن ضمها إلى الموضوع ذاته بحيث تبدو جوانبَ له أو وجهات نظر فيه.
وتم إسقاط أسماء الأعلام بمنهج تحليل المضمون، لكل متنٍ وشرح حاشيةٌ وتقرير، بعد أن أُسهب في ذكرها في «تكوين النص»؛ من أجل الإبقاء على النص المستقل، أي الأصل، ثم الكشف عن بنيته في الشعور، باستثناء الفرقتين الكلاميتين المعتزلة والأشاعرة، والمذاهب الفقهية الأربعة لمواقفها المتعددة في الأصول، وإعادة الاختيار بينها طبقًا لتحديات العصر دون الالتزام بأحدٍ منها.
ظل القدماء في النصوص، والمطلوب التحول من النص إلى الواقع، ومن الصياغة إلى المصالح العامة؛ لذلك لم تتكاثر الأدلة النقلية، ولم توضع إلا في الهوامش؛ لأن صدق الدليل النقلي في تحليل التجربة البشرية. وضعت في الهوامش حتى لا ينكسر الخطاب العقلي الذي يحتوي على براهينه في ذاته.
(٥) دلالات النصوص
والنصوص القديمة على نوعين من حيث دلالاتها. النصوص الدالة، وهي التي تثير في النفس المعاني، وتبعث على الحوار، وتستدعي تغيير المنظور طبقًا لظروف النص. ونصوص أخرى استدلالية صورية لا تجارب فيها ولا مواقف ولا حدوس. الأولى هي التي يتم التوقف عندها للتفاعل معها، والثانية هي التي لا تثير في النفس أي دلالات، وتبقى نموذجًا للاستدلال النظري القديم، عندما انعزل النص عن الواقع، وأصبح فارغًا من غير مضمون.
والنصوص المقتبسة في الهوامش ثلاثة أنواع:
- الأول: النصوص التي في حاجةٍ إلى إعادة نظر وتأويل، وقلبها من جنبٍ إلى جنب، والتي تمنع العلم من التطوير، وهي النصوص التي قد تثير في الوجدان المعاصر بعض الرفض أو التساؤل أو الاستدراك، وهي النصوص الأكثر.
- والثاني: النصوص المؤيدة للتحليلات الجديدة، لتدل على أن الجديد له أيضًا جذوره في القديم، وأن «من النص إلى الواقع» ليس بدعًا بين القدماء، بل له جذوره لديهم، إنما طواه النسيان وسط النص الغالب، الأشعري الشافعي؛ كما اتضح في تحليل الوعي التاريخي من خلال «الشروح والملخصات»، عندما ثبتت البنية، بالرغم من محاولة أصول الفقه الشيعي تحريكها، وهي النصوص الأقل.
- والثالث: النصوص المحايدة التي تبين قسمة العلم وموضوعاته ومناهجه، وهو ما يمكن التواصل معه دون تغيير كبير فيه، سلبًا أم إيجابًا، وهي النصوص الأندر.
(٦) المصطلح الأصولي والمادة الفقهية
وما زالت أمثلة الفقه التقليدية الخاصة بالعبادات واردةً في علم الأصول، في حين تغير العصر من العبادات إلى المعاملات، بل إن المعاملات نفسها قديمةٌ خاصة بالعبودية والغنيمة، أو موضوعات لا دلالة لها، مثل مس الذكر هل ينقض الوضوء، والنكاح والزواج والقتل والدية، وبيع أمهات الأولاد أو الجارية المشتراة إذا وطِئها المشتري، ثم وجد بها عاهةً هل يردُّها للبائع؟
ثانيًا: المقدمات الأصولية القديمة
(١) موضوع المقدمات
- (أ)
بين الإيمانيات الخالصة التي تضع المطلوب إثباتُه في البداية، وتجعل النتائج هي المقدمات.
- (ب)
ظروف التأليف والدافع عليه والسائل عنه، والغرض منه، والمنهج المختار، والمصادر التي اعتمد عليها التأليف، والأسلوب، ثم الأبواب والفصول، وظهور الوعي الثلاثي، ركيزة العلم.
- (جـ)
تحديد العلم؛ موضوعه وغايته ومنهجه ومصطلحاته، ومرتبته في منظومة العلوم، وفضله.
- (د)
وضع علم أصول الفقه داخل منظومة العلوم الإسلامية كلها، العقلية أو النقلية والعقلية النقلية.
- (هـ)
مضادات العلم مثل الاعتقاد والجهل، والشك والظن، والوهم والسهو، والإلهام والتقليد والخبر.
- (و)
نظرية العلم، حدُّه، قسمته إلى ضروري وكسبي، والضرورة الحسية والعقلية، والنظر وصحته.
- (ز)
الدلالة وأنواع الأدلة وطرق الاستدلال.
- (ﺣ)
تحليل اللغة باعتبارها مادة مباحث الألفاظ مع نشأة اللغة، والمعاني الثلاثة للَّفظ، والكلام والأصوات والمعاني، ومعاني الحروف.
- (ط)
تأسيس نظرية العلم في الاستدلال والنظر؛ كما هو الحال في علم أصول الدين.
- (ي)
التحول من اللغة إلى المنطق، باعتبار أن علم أصول الفقه هو منطق الاستدلال على الأحكام الشرعية من أدلتها اليقينية، فالمنطق هنا جزء من نظرية العلم وليس منطقًا مستقلًّا بذاته من حيث هو علم، والصلة بين اللغة والنحو والتصورات، واللفظ والمعنى (الحدود)، والقضايا والبرهان.
- (ك)
المادة الأصولية القديمة واعتمادها على علم أصول الدين وعلوم الحكمة وعلم التصوف وبعض العلوم النقلية؛ القرآن والحديث والتفسير والسيرة والفقه.
- (ل)
التحول إلى النزعة العملية للعلم، والبداية بالمصالح العامة وبالعلوم الإنسانية وبالواقع المعاصر في الدورة الثانية للحضارة الإسلامية.
(٢) البسملات والحمدلات الخالصة
(٣) العلم
(٤) العلم والعمل
والعلم الباعث على العمل هو الذي يتجاوز الهوى، فالعلم على ثلاث مراتب: الأولى التقليد تكليفًا أو ترغيبًا وترهيبًا، وهو العلم المنقول. والثانية العلم البرهاني الذي يتجاوز التقليد إلى البرهان، والتصديق بالعقل وليس بالنفس، بالنظر لا بالحدس مثل علم السحرة. والثالثة العلم النفسي الذي يتحول فيه العلم النقلي والعقلي إلى تصديق بالنفس، وتجربة حية مثل علم موسى. والرسوخ في العلم يقتضي العمل به بالأدلة التجريبية، ويمنعه العناد والغفلة أو دنو المرتبة في العلم، على الضد من الراسخين في العلم الذين يعملون بما يعلمون. علماء السوء الذين لا يعملون بما يعلمون.
(٥) العلم والعمل والمصالح العامة
(٦) وحدة الأمة
(٧) تعظيم المذهب والدعاء إلى السلطان
ثالثًا: ظروف التأليف
(١) النص الأمثل
(٢) النص الجديد
(٣) إحكام الاستدلال
(٤) التأليف المذهبي
(٥) بنية العلم
وتقسيم «بنية النص» الثلاثي إلى أبواب وفصول هو نفسه تقسيم الموضوع. الوعي التاريخي لاستقبال الوحي في قنواته الأربع: الكتاب (التجربة الإنسانية العامة)، والسنة (التجربة النموذجية)، والإجماع (التجربة المشتركة)، والاجتهاد (التجربة الفردية)، ثم يتلوه الوعي النظري من أجل فهم الوحي، بعد استقباله؛ ابتداءً من مباحث الألفاظ، التي تضم الصيغة، أي اللفظ، ثم المفهوم، أي المعنى، ثم المضمون، أي الفحوى، والإحالة إلى العلم الخارجي، ثم المنظور وتعدد الصواب. ثم يتلوه الوعي العملي الذي يتضمن أحكام الوضع، أي بناء الشريعة في العالم، وأحكام التكليف، أي تحقيقها كأنماط للسلوك البشري.
رابعًا: تعريف علم الأصول
(١) علم أصول الفقه
وقد يحُدُّ علم أصول الفقه على التفصيل، حد العلم، وحد الأصول، وحد الفقه، ثم استقل حد العلم في نظرية العلم، أما الفقه اشتقاقًا، أي في أصل الوضع، فهو العلم والفهم. واصطلاحًا: العلم بالأحكام الشرعية الثابتة لأفعال المكلفين. هي الأفعال الإنسانية: الوجوب والندب والحظر والكراهة والإباحة، وقضاء الأفعال على الفور أو التراخي في العبادات أو صحة العقود في المعاملات. العلم إذن يتضمن أدلة الأحكام، أي مصادرها، وطرق الاستدلال بها إجمالًا وليس تفصيلًا، وإلا كان علم الخلاف الذي يتضمن الأدلة تفصيلًا، ودون تطبيق للعلم في مسائل جزئية، وإلا تحول إلى علم الفروع.
(٢) مصطلحات العلم
(٣) تداخل المصطلحات
(٤) آداب العلم
(٥) قسمة العلوم
ثم تنقسم هذه الطبقة بدورها إلى أربع طبقات أخرى: الأولى عارفة عن جهل بتأويل النص الشرعي، وهي على شفا العبث والبدعة. والثانية عارفة عن علم بتأويل النص بلا استمداد من الألباب، وهي على شفا الضلال والارتياب؛ لأن الحوادث غير محدودة، والنصوص محدودة. والثالثة عارفة متفقة على رأي القلب، ولكن غائبة عن طرق الفقه، وهي على شفا الهلاك بالهوى. فالعقل وحده لا يكفي وما يتجاوزه هوًى. والرابعة عارفة عالمة بالنص الشرعي؛ تأويلًا وفقهًا وتعليلًا. ولهذه الطبقة إمام على شفا الهاوية؛ لأن العلم صالح لكسب الدنيا والآخرة، لا ينجو عن المحظور إلا بالنظر في المستور.
لذلك انقسمت هذه الطبقة أيضًا إلى أربعة أقسام: الأول لهْو عن العمل والعلم. والثاني انشغال بالعمل عن العلم. والثالث اتخاذ العلم مكسبه للدنيا. والرابع الاكتفاء بالعلم حظًّا يُبتغى. والكل على شفا جرف هاوٍ. فما العلم إلا للعمل، وما العمل إلا بترك العاجلة إلى الآجلة.
خامسًا: نظرية العلم
(١) مضادات العلم
والتقليد أنواع، تصديق الأمة صاحب الوحي، وهو ليس تقليدًا، بل هو تصديق عن برهان. وتصديق العالم صاحب الرأي، وهو مراجعة للرأي والبرهنة عليه. وأما اتباع الهوى بلا نظر عقلي واستدلال، فهو ليس أصلًا من أصول العلم. ويذكر التقليد في المصادر غير الشرعية، وفي التقليد والاستفتاء، وأنه نقيض العقل، وهو من مقاصد الشريعة ابتداءً.
(٢) حد العلم
ولا يتفاوت إلا بكثرة المتعلقات. والعلم النظري ما احتاج إلى استدلال. العلم الكسبي يزيد وينقص، والضروري ثابت، إما علم أو لا علم.
- (١)
علم الإنسان بنفسه وما يجده من صفاته كألمه وفرحه.
- (٢)
العلوم الضرورية غير المستحيلة أو المتضادات. وهي العلوم العقلية والطبيعية.
- (٣)
العلوم المحسوسة مع الاحتراز من خداع الحواس.
- (٤)
العلوم التاريخية مع التأكد من صدق الأخبار.
- (٥)
العلوم الحرفية والصناعية مع ضمان عدم الخطأ في الحساب والمقاييس.
- (٦)
العلوم المستندة إلى قرائن الأحوال، كالخجل والوجل والغضب، وهي علوم الأحوال النفسية.
- (٧)
العلوم الاستدلالية العقلية.
- (٨)
العلم بجواز النبوات وابتعاث الرسل وجواز الشرائع، وتدخل في علم أصول الدين.
- (٩)
العلم بالمعجزات إذا وقعت، وتدخل في الأخبار أو في العلوم الحسية، وتدخل أيضًا في علم أصول الدين.
- (١٠)
العلم بالأدلة السمعية، الكتاب والسنة والإجماع، وهي ليست مستقلة عن الأخبار.
سادسًا: أنواع الأدلة
(١) الدلالة والدليل والدال والمستدل والاستدلال
ليس النظر فقط من حيث الناظر، بل هو أيضًا من حيث المنظور. ليس فقط من حيث الذات، بل أيضًا من حيث الموضوع، فالعلم قصد متبادل بين الذات والموضوع، والمنظور هي الأدلة على الأحكام.
وكل استدلال إما طلب بالسؤال أو بالاستشهاد أو في الجواب.
(٢) الدليل العقلي والدليل السمعي
لا يخالف الدليلُ الدليلَ النقلي حتى تستقيم أفعال العباد، ولا ينشأ تضارب في السلطة المعرفية بين الشرع والعقل، ولو وقع تناقض بينهما لكان تكليفًا بما لا يطاق. العقل مناط التكليف، ولو ناقض العقل الشرع لاستطاع غير المسلمين نقْضَ الشريعة بالعقل. وهناك معيار ثالث للصدق، وهو اتفاق العقل والشرع مع مجرى العادات، فكلاهما ثابتٌ بالاستقراء.
(٣) أنواع الحجج
والعلة اسم لحال، وفي الشرع المعاني المستنبَطة من نصوص الأحكام في الأصول والفروع، وتسمى مقاييس، وهي أعلام وآيات على الأحكام. بها معنى الإيجاب، وهو غير موجود في الدليل، والحال هو الحكم الثابت عن دليل.
وكل حجة قسمان: ظاهر وباطن. الظاهر ما عُقل بالبديهة، والباطن يعقل بتأمل. النص حُجة ظاهرة، والعلة حجة باطنة.
(٤) الدلالة على الأحكام
سابعًا: اللغة
(١) نشأة اللغة
(٢) المعاني الثلاثة للفظ
ولكل لفظ ثلاثة معانٍ: المعنى الاشتقاقي، والمعنى العرفي، والمعنى الاصطلاحي. المعنى الاشتقاقي هو الذي يبين نشأة اللغة في الواقع الحسي. فاللغة اصطلاح. والمعنى العرفي هو الذي يبين استعمالات اللفظ، ومعانيَه المختلفة في المجتمع، وتطوره عبر التاريخ. والمعنى الاصطلاحي هو المعنى الجديد، الذي يأتي به الشرع فيما يسميه الألفاظ أو الأسماء أو المعاني الشرعية.
(٣) معاني الحروف
الحروف هي التي تدل على منطق العلاقات، في حين أن الأسماء تشير إلى منطق الجواهر، والأفعال تحيل إلى منطق السلوك.
(٤) من اللغة والبيان إلى الشعر والعالم
كانت اللغة المدخل عند القدماء، فالنص لغة. في حين يحيل النص إلى العالم الخارجي. والعلوم الإنسانية هي علوم العصر. وإذا كان علم أصول الفقه القديم، قد نشأ كمنطق لغوي لأحكام القرآن، كما هو الحال عند الشافعي والجصَّاص، وكمنهج تاريخي لأحكام صحة الحديث (كمقدمة لعلم التفسير)، ولقياس فقهي لضبط الرأي والاجتهاد، فهل يمكن أن ينشأ أصول الفقه الجديد طبقًا لظروف العصر ونوازله الجديدة، من استعمار وقهر وفقر وتجزئة وتخلف واغتراب وعجز؟ هل يمكن إعادة بناء علم أصول الفقه القديم بناءً على معارف العصر، العلوم الإنسانية، كما نشأ أصول الفقه القديم على معارف عصره، العلوم اللغوية؟
ويظل الشعر مستمرًّا، فالشعر تجربة إنسانية واحدة عند القدماء والمحدثين، بالرغم من تغير الواقع. وكما تحيل اللغة إلى البيان، وإلى الصورة الفنية في الشعر، فإنها تحيل أيضًا إلى الوجود. فاللغة منزل الوجود بتعبير أحد المعاصرين.
ثامنًا: من اللغة إلى المنطق
(١) منطق النحو
(٢) أقسام الكلام
والاسم مفرد ومركب ومؤلف، واحد أو متعدد. والواحد جزئي وكلي. والجزئي يمنع الشركة التي لا تقع إلا في الكلي.
والاسم محصل وغير محصل، أي معدول، مثل لا عالم. والصفة أيضًا محصلة، أو معدولة، أي ضدها.
واللفظ إما مفرد أو مركب. والمفرد مقابل المثنى والجمع. والمضاف أو الجملة، والمركب. وفي المنطق يدل اللفظ على معنًى كلي، دون أن يدل جزء من اللفظ على جزء من المعنى. والمركب ما دل جُزؤه على جزء من المعنى.
وينقسم المفرد إلى اسم وفعل وحرف. والفعل ماضٍ ومضارع وأمر. وقد يزاد الخوالف، مثل الظرف والجار والمجرور وأسماء الأفعال. وهي في الحقيقة زيادة مركبة من القسمة الأولى، الاسم والفعل والحرف.
(٣) اللفظ والشيء
(٤) اللفظ والمعنى
(٥) مستويات المعنى
تاسعًا: الحد بالتصور والتصديق بالبرهان
(١) العلم تصور وتصديق٣٧٠
(٢) الحد بالتصور
(٣) القياس
والقياس كلام مؤلف من مقدمتين أو أكثر يتولد منها نتيجة، هي المطلوب إثباتها أو نفيها. وهو القياس المنطقي، غير القياس الأصولي. إن كانت مقدماته قطعية مركبة طبقًا لشروطها، فهي البرهان، وكانت النتيجة يقينية، وما دونه هو الظن.
والقضية إما كلية أو جزئية أو كلية وجزئية معًا، وهي المهملة. وصدقها على الجزئي والضروري.
(٤) التصديق بالبرهان
ويتألف البرهان من عدد من المعاني صادقة أم كاذبة. وهو عمل القوة الفكرية، أي حكم العقل. وهما المبتدأ أو الخبر عند النحويين، والموصوف والصفة عند المتكلمين، والموضوع والمحمول عند المناطقة، والمحكوم عليه والحكم عند الأصوليين. وهي أسماء مختلفة للقضايا. والمقدمة في المنطق هي القضية، من موضوع ومحمول، وفي النحو هي الجملة الخبرية من مبتدأ أو خبر. وفي الفقه الحكم.
والقضايا على أنواع أربعة بالنسبة للتعيين والإهمال أو للخصوص والعموم. القضية المتعينة التي يكون موضوعها معينًا، والمهملة التي يكون موضوعها مطلقًا، خاصة إذا سبقتها ألفاظ التبعيض، وعامة إذا سبقتها ألفاظ الكل والجميع.
- (١)
الأوليات، وهي القضايا العقلية المحضة دون حس أو تخيل، مثل علم الإنسان بوجود نفسه والبديهيات الرياضية.
- (٢)
المشاهدات الباطنة، وتعني فقط الإحساسات الطبيعية الباطنية، التي سماها الفلاسفة الحواس الباطنة، مثل التخيل والتوهم والتصور والتذكر والحفظ، وتقابل الحواس الخمس الظاهرة.
- (٣)
المحسوسات الظاهرة طبقًا للحواس الخمس.
- (٤)
التجريبيات، وهي المحسوسات بعد تكرارها، مثل اطِّراد العادات طبقًا لتلازم الأسباب والمسببات.
- (٥)
المتواترات، وهي المعارف التاريخية التي لا يدخلها الشك.
- (٦)
الوهميات مثل أن كل موجود مشار إليه، والغيبيات نوع منها، ويمكن التحقق من خطئها.
- (٧) المشهورات، وهي المقبولات التي يسلم بها الجمهور، مثل الأمثال العامية والأقوال المأثورة وكثير من قياسات المتكلمين والفقهاء.٤١٨
ويتم تحديد العلة والحكمة والسبب والمانع، فالعلة ما يوجب التفكير. والحكمة الشيء الذي يُثبت الحكم. والسبب مظنة الحكم مصلحة أو مفسدة. والمانع الحكم أو السبب. ولكلٍّ أمثلة فقهية.
(٥) الاستقراء والتمثيل
(٦) منطق الظن
والسفسطة المغالطة من جهة اللفظ أو المعنى أو بالحذف والإضمار، أو تركيب المقدمات أو نقص شروطها، أو وضع المقدمات الوهمية بدل القطعية، واستعمال الألفاظ على غير استعمالها في اللغة أو الاصطلاح.
والخطابة مقدمات مقبولة تؤدي إلى غلبة الظن، فتقتنع بها النفس وتركن إليها، مع عدم استبعاد نقيضها وحضوره بالبال. يميل السامع إليها خاصة إذا كان الكلام فصيحًا والألفاظ عذبة، والنغمة طيبة. وتعني لغةً كلامَ الخطيب؛ سواء أفاد الظن أم اليقين، وغالبًا ما يفيد الظن.
(٧) المادة الأصولية
لم يعُد المنطق الآن منطقًا صوريًّا خالصًا في أشكال القضايا وضروبها فقط، من أجل استنباط الجزء من الكل؛ لأنه مجدب وتحصيل حاصل. ولم يعُد أيضًا المنطق التجريبي الذي يقوم على استقراء الكل من الأجزاء، نظرًا لاستقلال المعنى. ولم يعد أيضًا تمثيلًا بمعنى قياس الجزء على الجزء، إلا من أجل ضرب المثل والتشبيه في أساليب التعبير. هناك المنطق الشعوري الذي يحلل التجارب الشعورية، ويحول العالم الخارجي إلى قصد منسي، وإحالة الذات إلى الموضوع إلى الذات في قصد متبادل.
بل إن المنطق الآن أصبح جزءًا من مناهج البحث في العلوم الاجتماعية. فالظواهر الإنسانية بها منطقها الخاص نظرًا لطبيعتها، وارتباطها بالحرية الإنسانية بحدود التنبؤ بها وبالقيم الإنسانية، أي حدود تحويل الواقع إلى فكر، والشيء المادي إلى قيمة.
– La Phénoménologie de L’Exégèse, èssai d’une hermeneutique existentielle á partir du Nouveau Testament, Paris 1966, Dar al-Fikr al-Arabi, Caire, 1987.

Les Méthodes, d’Exégèse, essai sur la Science des Fondements de la compréhension, ‘IIm usul al-Fiqh, Conseil superieur des Arts, des Letters et des Sciences Sociales, Le Caire 1965, la Transposition, PP. LXXIX–CXXXVIII.
ويذكر الشافعي عديدًا من الآيات على ذلك.


- (أ)
العلم: النظرة والمناظرة، الجدل والمجادلة، الفقه، أصول الفقه، الاعتقاد، السهو أو الغفلة، الظن، الدليل والمستدل والدلالة، الحجة والبرهان، الاسم والفعل والحرف.
- (ب)
اللغة: الخطاب، الكلام، النطق، الكتابة، العبارة، الأمر والنهي، الخبر والاستخبار، الصدق والكذب، الحقيقة والمجاز، الظاهر والمؤول، المطلق والمقيد، العام والخاص، الاستثناء والمستثنى، الكم والتشابه، المجمل والمبهم والمبين، النص والمفسر، مفهوم الخطاب، دليل الخطاب، فحوى الخطاب، لحن الخطاب، الإشارة، المحذوف.
- (جـ)
السلوك: الفعل والترك، التكليف، الواجب والفرض، المحظور والحرام، المندوب والمكروه، الحلال والمباح، الحَسن والقبيح، العدل والظلم والجور، اللزوم والإلزام، السنة والنخل والتطوع والجواز، الصحة والبطلان، الحق، الباطل، الفاسد، السبب والمانع، العزيمة والرخصة.
- (د)
التاريخ: الناسخ والمنسوخ، الخبر، الآحاد والتواتر، المتن والسند، الجرح والتعديل، التدليس، الإجماع، الشاذ، النادر، المعتاد.
- (هـ)
الاجتهاد: العرف، الرأي، الصواب والخطأ، القياس، الأصل والفرع، العلة والحكم، المعلول والوصف، والشرط والغاية، العبرة والاعتبار، الطرد والعكس والدوران والاعتراض، التعادل والتراجيح، المناقضة، الفرق والجمع، المنع والوضع، التأثير والملاءمة، الاشتراك، السؤال والجواب، الجدل والمناظرة، الإرشاد والكلام. قواطع الأدلة، ص٣٣-٤٤.
الحد، العلم، المجمل والمبين، التأويل، البيان، الدليل، النص، الظاهر، العام، الخاص، الكفاءة، العين، الواجب، المحظور، الأمر، المندوب، الطاعة، المكروه، المباح، الجائز، القبيح، الحكم الشرعي.
- (أ)
المقدمات النظرية: حد الحد، العلم، العقل، الحس، الجهل، الشك، اليقين، النظر، الدليل والدال والمدلول، الحجة والجدل، السؤال، اليقين والاعتقاد.
- (ب)
الوعي التاريخي: الخبر، الصدق والكذب، الصواب، المحال، السنة، العدول.
- (جـ)
الوعي النظري: البيان، الأمر، النهي، الجائز والتجوز، العام، الاسم، الفصل، الحرف العام والخاص، المهمل والمستعمل، الحقيقة والمجاز، المحكم والمتشابه.
- (د)
الوعي العملي: الطاعة، الإصرار، الفرض، الواجب، المندوب، النافلة، الترتيب، الباطل، العبادة، الإباحة والمستحب، الحسن والقبيح، الظلم، الفاسد، الشرط، السبب.
(أ) الوعي التاريخي: الصدق، الكذب، المحال، الحفظ، الفهم، العدل، الظلم، الجور، الإنصاف.
(ب) الوعي النظري: الحقيقة، المجاز، النظر، التأمل، النفي، الصواب، الخطأ، الضرر، التحصيل، الاجتهاد، محكم، متشابه.
(ﺟ) الوعي العملي: الوجوب، الفرض، الندب، الإباحة، الحظر، الطاعة، النافلة، الانقياد، الاتباع، المعصية، الإذن، العقد، اللزوم، الجواز، الذمة، الهدنة، الضرورة، المضطر، الاضطرار، الفسق، المكروه، المنهي عنه، صحيح، فاسد، باطل، الفقه، الملك، الطهر، الحيض، الجنس، النوع، الطبع، التفسير، الحروف أوائل السور.







تفسير جملة من حروف المعاني، ج١، ٤٠٩–٤٢١؛ وذلك مثل:
(١) من: للخبر والجزاء والاستفهام.
(٢) أي: للخبر والشرط والجزاء والاستفهام.
(٣) من: لابتداء الغاية والتبعيض وصفة زائدة.
(٤) ما: للنفي والجحود أو للاستفهام.
(٥) أم: للاستفهام.
(٦) إلى: لانتهاء الغاية.
(٧) الواو: للجمع والاشتراك، وربما أحيانًا بمعنى أو، أو للترتيب والتعقيب مثل ثم والفاء.
(٨) الفاء: للنسق والعطف والترتيب.
(٩) ثم: للترتيب مثل الواو.
(١٠) بعد: للترتيب دون اقتراض المهملة.
(١١) حتى: للغاية وبمعنى الواو.
(١٢) متى: للزمان.
(١٣) أين: للمكان.
(١٤) حيث: للمكان.
(١٥) إذ، إذا: للزمان.

















الأمثلة الكلامية، المستصفى، ج١، ٣٥، ٣٩، ٤١-٤٢.