المقالة الحادية عشرة

المرأة والرجل وهل يتساويان؟١

مسألةٌ كثُر تحدُّث الخاصة بها، وذهبوا فيها رأيَين مُتضادين، وطالب القائل بتساويهما بحقوق المرأة المرتَّبة على هذا التساوي، والتي اهتضمها الرجل، في زعمه، من قانون البشرية صلفًا وعتوًّا، أو كما تقول المرأة لأنه هو الذي سنَّ هذا القانون، فآثر نفسه فيه استبدادًا حتى أنكر عليها النفس التي يفتخر بها على سائر المخلوقات. وأنكر هذا الحقَّ من ذهب ضد مذهبه، ونسب دعواه إلى غيرةٍ أعماها الهوى، ورأيٍ أضلَّه الوهم. وقد شحذ المُتباحثون في المسألة قرائح أمضى من القواضب، وجرَّدوا ألسنةً أحدَّ من الأسنَّة وبرَوا لها أقلامًا أقوَم من قُدود الهِيف إذا أخجلت سُمْر القنا، وطعنوا بها طعناتٍ أوقع من لحاظهنَّ إذا رنَّت سهامها في القلوب، وتجارَوا في مِضمارها تجاريَ خيل الطِّراد في يوم الوغى؛ فمن آخذٍ بنصر المرأة ارتفع بها إلى أوج البشرية، وقال ما هي بشرٌ إنْ هي إلا ملكٌ كريم. ومن مُتحامل عليها انحطَّ بها إلى حضيض البهيمية، وقال إنْ هي إلا متاعٌ خُلِق للرجل، وليست بشرًا سويًّا. وكلاهما تجاذب في القول طرفَي الإفراط والتفريط، وادَّعى نصر الحق، وما اتَّبع في نصره إلا الهوى.

ولم يفُت نُبهاءَ قومنا جولةٌ في حومة هذا المجال؛ فقد سمعتموهم في هذه الجمعية يتباحثون ويتناظرون مُستمطرين دراريَّ المعاني من سماء الألفاظ حتى كِدن يلقطن باليد، وشهدتم مواقع نِزالهم في حلبة المقتطف الأغرِّ وغيره من الجرائد الوطنية، ورأيتم كيف أن هذه الحرب قد اتَّقدت نارها في قلوبهم، وحمي أُوارها في رءوسهم ونعم المرام، إلا أنه لا يؤاخذني كُماة هذه الحرب وفُرسانها إذا قلت إنهم جالوا بنا إلى غير محسم نزاع، ووقفوا بنا على غير موقف هدًى، حتى تخيَّل للقارئ والسامع أن المسألة ككثير من المسائل الخلافية سلسلةٌ لا تنتهي حلقاتها، ودَور لا يُعرَف طرفاه، وما ذلك في اعتقادي إلا لأنهم ولجوها من غير بابها؛ ولذلك رأيت أن أقرعها من الباب الذي يُدخل منه، وأنخعها من الوجه الذي يُختلف إليه.

•••

ذهبت طائفة من أهل النظر إلى أن المرأة مُساوية للرجل في العقل. وفي اعتقادنا أن المبحث طبيعيٌّ محض؛ أعني أنه من مباحث علم الحيوان المعروف بالزُّوولوجيا، أو بالحريِّ من مباحث علم الإنسان الذي هو فرع منه، والمعروف بالأنثروبولوجيا، ولا يصحُّ أن يُنظر إليه من غير هذا الوجه، أو يُقطع فيه حكم بدونه. والأنثروبولوجيا لا كما يفهمه المُتقدمون علمٌ أقرب إلى النظر، وإلا اتسع بنا مجال القول، وتُهْنا في فيافيه، ووقعنا في بَلْبالٍ لا يجمعنا فيه سوى فوضى الاختلاف، وخرجنا منه كما خرجنا إليه، وربما تشعَّبت المسألة دوننا إلى فروعٍ كثيرة أفضى بنا الولوج فيها إلى الإعراض عنها، والتوغل في أمورٍ جدلية لا طائل تحتها، كما هو دأب الذين لا يستندون في بحثهم إلى أساسٍ متينٍ مُرشد لبرهان المُستطلع، كابحٍ لجماح المُشط؛ ولكن كما يفمهه المتأخرون؛ علمٌ يُبحث فيه عن الإنسان من حيث كَوْنه حيوانًا وإنسانًا معًا في تركيبه وقُواه وأفعاله. فمساق الكلام على هذا المنهج يسهِّل علينا فهمه، ويقينا فيه عثرة الشطط، فلا نرتفع به مُحلِّقين إلى «لا أوج»، ولا نهبط به سافلين إلى «لا قرار»، بل نضعه في مقامه الطبيعي.

•••

وأولًا ننظر إليه في الأنواع، أي أنواع الحيوان المختلفة. فمن المعلوم لأهل النقد من علماء طبائع الحيوان أن الأنثى أشدُّ من الذكر في الحيوانات السافلة، وأضعف منه في الحيوانات العالية، ومُساوية له فيما كان بينهما، وذلك قاعدةٌ مطردة إلا فيما ندر، والنادر لا يُعتدُّ به. فأنثى النحل والزنابير والفراش وكثير من الأسماك والحشرات أشدُّ من الذكر،٢ وأنثى الطير والحيوانات اللبونة وسائر ذوات الفِقر العالية أضعف منه غالبًا.

ويُستفاد من هذا أن امتياز الأنثى على الذكر من صفات الحيوانات المنحطَّة في سُلَّم النشوء، وأن امتياز الذكر عليها من صفات الحيوانات المُرتقية. وسنُبين أوجه الامتياز. وهنا الطريق وعر، والمسلك صعب، فأرجوكم أن تتبعوني فيه مُتزوِّدين جانبًا من الصبر.

ففي الطيور والحيوانات اللبونة التغذيةُ أقوى في الذكر منها في الأنثى، والدم أشد، وفيه من الكريات الحُمْر الصالحة للتغذية أكثر ممَّا فيها، ومن الكريات البِيض القليلة الصلاحية لها أقل (كوينكود وكرنيلوف)، وفي المليمتر المكعب من دم الرجل مليون من الكريات الحُمْر أكثر ممَّا في دم المرأة (ملاسز).

•••

والرجل يأكل أكثر من المرأة، ولكنها أنهَمُ منه؛ أي إنها تشره فيه أكثر منه. والتنفس أقوى في الذكر منه في الأنثى. وإذا تساوى الرجل والمرأة في القد، فتسع رئته من الهواء نحو نصف لتر أكثر من رئتها. وهو يتناول من الأكسيجين المطهِّر للدم أكثر منها، وإن كانت تتنفس أكثر منه، وتزيده نفسًا واحدًا في الدقيقة من سن ١٥ إلى سن ٥٠ (كواتلت). وهو يُفرز من الحامض الكربونيك المُتحصل من احتراق الأنسجة أكثر منها في جميع الأسنان (أندرال وغفرَّت). وحرارته أكثر من حرارتها، وكذلك حرارة الديك بالنسبة إلى الدجاجة.

وقوة ضغط الدم أعظم في الذكر منها في الأنثى، وإنما نبضه أبطأ من نبضها، والفرق من ١٠ إلى ١٥ نبضة في الدقيقة بين الرجل والمرأة، و١٨ بين الأسد واللبوة، و١٠ نبضات بين الثور والبقرة، و١٢ نبضة بين الكبش والشاة.

وعظام المرأة أخفُّ من عظام الرجل، وفي عظامه من المواد الترابية أكثر، ومن المواد الحيوانية أقل، ومن كربونات الكلس أكثر، ومن فصفاته أقل ممَّا في عظامها (ملن أدوار).

والرجل يستعمل يُمناه أكثر من المرأة، والمرأة تستعمل يُسراها أكثر من الرجل (دلوني). ومنكبها الأيسر أعظم من الأيمن بخلاف الرجل، كما في فروع البشر السفلى (هرتين وليفون). والترقوة بالنسبة إلى العضد أطول فيها منها فيه (بروكا)، كما أنها أطول في السُّود منها في البِيض.

والذكر أعظم من الأنثى، كما هو معروف، في الحيوانات الأهلية. والرجل يزيد المرأة اثنَي عشر سنتيمترًا طولًا (توبينار)، وهي أخفُّ منه وإن ظهرت أسمن؛ لتغلُّب الشحم فيها الذي يُكسب بدنها استدارةً وهشاشة، ويستر عضلها بخلاف الرجل، فإنه قليل الشحم نافر العضلات صلب البدن، وهي بارزة الفكَّين أكثر منه في الشعوب الهندوجرمانية (توبينار).

وقدم المرأة أكثر انبساطًا وأقل تحدبًا من قدم الرجل (دلوني)، وذلك يدلُّ على الانحطاط. وذوات الغُنج والدلال يُحاولنَ إخفاء ذلك بالأحذية المصنَّعة ذات الكعب المُتطاول.

وصوت المرأة أعلى من صوت الرجل، وكذلك أصوات إناث الحيوانات أعلى من أصوات ذكورها.

وعضل الذكر أغلظ وأشد من عضل الأنثى كما في الحيوانات الوحشية والأهلية، وقوة المرأة من سن ٢٥ إلى ٣٠ مُقاسة بالدينامومتر ثُلثا قوة الرجل في هذا السن، وحركاته أضبط من حركاتها؛ ولهذا يفوقها هو، ولا تدركه هي في فنَّي الموسيقى والتصوير.

وجمجمة الرجل أكبر من جمجمة المرأة (بروكا والجمهور)، وسعتها في الرجل الأبيض ١٤٤٦ سنتيمترًا مكعبًا، وفي امرأته ١٢٢٦ (هُشك). والجمجمة أقلُّ ارتفاعًا وأطول في المرأة منها في الرجل (بروكا).

ودماغ الذكر أثقل من دماغ الأنثى، فدماغ ذكر الكورلَّا، وهو نوع من القرود، يزن ٥٤٠ غرامًا، ودماغ أنثاه ٤٧٠. ومعدَّل وزن دماغ الرجل ١٣٢٣ غرامًا، والمرأة ١٢١٠، والفرق ١١٣ غرامًا (بروكا). ولا يُحمل هذا الفرق على صِغرِ قدِّ المرأة بالنسبة إلى الرجل؛ فإن قامة المرأة بالنسبة إلى الرجل هي كنسبة ٩٢٧ إلى ١٠٠٠، وأما وزن دماغهما فهو كنسبة ٩٠٩ إلى ١٠٠٠.

وبإجماع الأنثروبولوجيين مقدَّمُ الدماغ، الذي هو مَقرُّ القوى العاقلة الرفيعة، أصغر في المرأة منه في الرجل، سواءٌ هُذِّبا أو كانا على الفطرة، وهذا الفرق ٥٤ سنتيمترًا مكعبًا راجحة من جانب الرجل (هشك)، ومؤخَّر الدماغ الذي فيه مركز العواطف أكبر في المرأة منه في الرجل؛ ولهذا قيل: «إن المرأة تحيا بقلبها، أي بعواطفها، والرجل يحيا بعقله.»

ونصف دماغ المرأة الأيمن أكبر من الأيسر بخلاف الرجل. وهذا يُفهم منه لماذا المرأة تُياسر، أي تذهب ذات اليسار، والرجل يُيامن، أي يذهب ذات اليمين. وهذا ظاهر حتى في عُرى ثيابهما وأزرارها، فإن حركة التزرير في المرأة يسارية وفي الرجل يمينية، كما يمكن تحقُّقه من إرسال النظر إليهما. وهذا يدل على أن الاختلاف بين الرجل والمرأة من أصل الطبع.

و«دلوني» أول من نبَّه النظر إلى ذلك، وقال إن حركة المرأة اليسارية، أو التقريبية كما يُسمِّيها أيضًا، دليل على الانحطاط؛ لأنها تُشاهَد في الحيوانات كالقرود وفي فروع البشر السافلة، وإن حركة الرجل اليمينية، أو التبعيدية كما يقول أيضًا، دليل على الارتقاء.

•••

فهذا نظرٌ تشريحي وفزيولوجي، يَبِين منه هذا الفرق بين الرجل والمرأة. وأما من الوجه الأدبي فقد اختلفوا في: هل المرأة أنبل خُلقًا من الرجل أم لا؟ وتوجد مؤلفاتٌ كثيرة في مدح المرأة وذمها. وقد ذهب مؤلفون كثيرون إلى أن المرأة أنهَمُ من الرجل وأكسل وأشبق وأبخل، وأكثر عجبًا وكبرًا وحسدًا، وأشد حنقًا وحقدًا. وفي العصور الوسطى طرح أحد المجامع هذه المسألة مطرح البحث، وهي: «هل للمرأة نفس؟» ولا نظن أن احتقار المرأة بلغ هذا القدر في عصر من العصور أو عند شعب من الشعوب.

وجميع الحكماء والفلاسفة المُتقدمين كأبقراط وأرسطو على أن المرأة أحطُّ من الرجل، ويَضيق بنا المقام عن استيفاء جميع ما قالوه في ذلك من مدح وذم وتسنيع وتشنيع؛ فنحن لذلك نُغفل أقوالهم، ونعتمد لحل المسألة على مباحث المُتأخرين المبنيِّ أكثرُها على علم مُقابلة أفعال الإنسان المعروف عندهم بالدموغرافيا.

من المقرَّر المتَّفَق عليه أن المرأة أقلُّ ارتكابًا للجرائم من الرجل. قال كواتلت: «والذي يمنعها من ذلك إنما هو خجلها وحياؤها، وحالها من الرضوخ، وعوائدها التي تحجبها، وضعف جسدها.» وقال غيره: «إن التسميم الذي هو سلاح الجُبناء هو في الغالب سلاحها، وهي أحيَلُ من الرجل وأخدَعُ منهُ؛ لأنها أضعف منه، والحيلة والخداع سلاح الضعيف. إن استقوَتك استعطفتك ببكائها، وإن استضعفتك قتلتك بكبريائها.» والجمهور على أنها مُحبة ومُحسنةٌ أكثر من الرجل، إنما إحسانها لا يُغني ولا يُطاق، وقلَّما تفعله إلا لغرضٍ ديني.

وأما من الوجه البسيكولوجي أو العقلي، فمن المقرَّر أن القوى العاقلة تابعة لحالة الدماغ، أو بالحريِّ لمركز هذه القوى فيه، وهو في الحيوان العالي، كما تقدَّم، أعظم في الذكر منه في الأنثى؛ ولذلك كان الذكر أعقَلَ من الأنثى بإجماع الحكماء والطبيعيين.

وقد اتفقت جميع الشرائع على أن تُعامل المرأة مُعاملة القاصر المُحتاج إلى وصي، وسببه ما بها من الخفة والطيش. وأما زعماء المُساواة فيدَّعون أن هذه الشرائع قد ضحَّت المرأة للرجل؛ لأن الذين سنُّوها إنما هم الرجال. ووصف علماء الأخلاق المرأة بأنها لاهيةٌ مُتقلبةٌ مفرِّطةٌ أكثر من الرجل، وجميعهم على أنها مطبوعة على الخرافات والعناد والتشبه والتمسك بالعادات القديمة أكثر من الرجل، وعلى أنها مِهذارٌ مِخوافٌ أكثر منه. وقال بروكا العالم الأنثروبولوجي إن المرأة أقلُّ إدراكًا من الرجل. وهو أيضًا رأي داروين كبير الطبيعيين في هذا العصر، قال ما معناه إن الرجل والمرأة إن تجارَيا فالسابق السابق هو، وهل يبلغ الظالع شأوَ الضليع؟

ونقل دلوني عن التجار والصُّناع أن المرأة تُثابر على العمل أكثر من الرجل، إلا أنها أقلُّ إدراكًا منه. ويقرب عملها من أن يكون ميكانيكيًّا أكثر من أن يكون عقليًّا؛ ففي المطابع تُحسِن إعادة صف الكتب المطبوعة، ولا تُحسِن صف الكتب المخطوطة كالرجال؛ لأنها لا تفهمها نظيرهم. وقال أيضًا: «إذا قِيست المرأة بالرجل في أوروبا وُجدت مُتأخرة عنه نحو قرن؛ فبينما الرجل يشتغل بالتاريخ والفلسفة والعلم تشتغل هي بمُطالعة الأقاصيص وكتب الأدب. نعم، إنه حصل اليوم في أوروبا وأمريكا ثورة في خواطر النساء، فنهضنَ يُطالبنَ الرجال بالأعمال التي انفردوا بها، ويُنازعنهم المراكز العلمية، وقد صار عددٌ غير قليل منهنَّ طبيباتٍ، غير أنه لا يُعلم أنهنَّ سِرنَ إلا على خطواتهم مُقلداتٍ غير مُخترعات، وعلى المستقبل أن يُنبئنا بما إذا كُنَّ يستطعنَ أكثر من ذلك.»

والخلاصة من كل ما تقدَّم أن الذكر في الأنواع العالية يمتاز على الأنثى بشدة التغذية، وبالنتيجة بالقوة العضلية والعقلية أيضًا؛ لأنه يوجد نسبة بين الحياة النباتية الخارجة عن سلطان الإرادة وحياة النسبة الواقعة تحت هذا السلطان. فالرجل لما كان يتغذى أكثر من المرأة، ويولِّد قوةً أكثر منها؛ كان ضرورةً أقوى منها جسديًّا وعقليًّا.

وممَّا ينبغي التنبيه إليه هنا أن الفرق بين الذكور أشد منه بين الإناث، وذلك يُرى في الحيوان والإنسان؛ فإن الرجال من الشعب الواحد بل من العائلة الواحدة يفرقون بعضهم عن بعض في القامات ولون الشعر والقوة العضلية والصوت والمشارب حتى الخط أيضًا، أكثر جدًّا ممَّا يفرق النساء بعضهنَّ عن بعض. وشدة التباين من علامات الارتقاء كما لا يخفى على علماء هذا المذهب.

•••

هذا نظرٌ في المسألة من حيث الأنواع، وإذا نظرنا إليها الآن من حيث الفروع البشرية، أعني بالمُقابلة بين الشعوب المختلفة، فنجد نفس النتيجة التي وجدناها في الأنواع؛ أعني أن المرأة تنحطُّ عن الرجل كلما كان الإنسان أعرَقَ في الحضارة والمدنية، وتُساويه أو ترتفع عنه كلما كان أقرب إلى البداوة والخشونة جسديًّا وعقليًّا. وشهادات السياح التي تؤيد ذلك لا يُحصيها عدٌّ، فنقتصر منها على ذِكر اليسير فرارًا من التطويل: حكى بستيان في رحلته أن نساء همج أفريقيا أشدُّ من الرجال، وأنهنَّ يسُدْن عليهم ويُحاربن نظيرهم. وهنَّ كذلك على شهادة مينرس في جزيرة كمشتكا وجزيرة جافا وفي بعض قبائل أمريكا الجنوبية وفي كوبا. وحكى فولي أن المرأة تسُود على العائلة في بعض قبائل السُّود، حتى إنها تضرب الرجل.

وقال بروكا: «إن طول عظم الزند في الأَسود بالنسبة إلى عظم العضد باعتبار طول العضد مائةً؛ هو ٧٩٫٤٣، وفي امرأته ٧٩٫٣٥، والفرق ثمانية أجزاء من مائة جزء؛ وفي الأوروباوي ٧٣٫٨٢، وفي امرأته ٧٤٫٠٢، والفرق بينهما عشرون جزءًا من مائة جزء. وعليه فالأوروباوي أعلى من امرأته أكثر من الأَسود بالنسبة إلى امرأته السوداء، والفرق بين الجنسَين في حجم المنكب هو في الشعوب المُتمدنة أعظم منه في الشعوب المُتوحشة، وهذا الفرق يقلُّ كلما نزلنا من الأصول العليا إلى السفلى. والفرق بين الرجل والمرأة في القامة أقلُّ في الشعوب السفلى منه في العليا، ومعدَّله بين الأوروباويين ٨٦ مليمترًا حسب تعديل كواتلت، و١٢ سنتيمترًا حسب تعديل توبينار. وأما في الشعوب السافلة فهو أقلُّ من ذلك جدًّا، وفي البوشمان والبتغون يكاد الجنسان لا يفرقان بالقامة.»

وأما الفرق في سعة الجمجمة بين المرأة والرجل فهو ٣٧ سنتيمترًا مكعبًا من جانب الرجل لأهالي أستراليا (دفيس)، و٥٩ لأهل الصين، و١٢٩ لأهالي كلدونيا الجديدة (بروكا)، و١٤٩ لقبائل الإسكيمو، و١٥٠ لعموم سكان فرنسا، و٢٠٣ لسكان بريطانيا، و٢٢١ لسكان باريس، على قول بروكا. ورُجحان هذا الفرق من جانب الرجل يكون أعظم كلما كان الشعب أرفع (هشك وبافيس).

•••

وحكى بوشت أن النساء في السودان يُشبِهن الرجال في الصورة، وذكر غيره عن غيرهم ما يُضاهي ذلك؛ ممَّا يُستفاد منه أن اختلاف الصورة الظاهرة بين الرجل والمرأة يكون أقلَّ كلما كان الشعب أدنى. وما هو كائنٌ اليوم في القبائل السافلة الحاضرة كان أيضًا في القبائل السافلة الغابرة. وممَّا ذكره دلوني، دليلًا على ذلك، أن بعض الشعوب في القديم كان النساء يحكمن عليهم كسميراميس وكليوبترا وزنوبيا … إلخ. ونحن وإن كنا نعتقد صحة القاعدة، وهي أن تغلُّب الرجل على المرأة من ضروريات الارتقاء والضد بالضد، إنما لا نعتقد صحة الاستشهاد الذي أُتي به عن الملكات المذكورات؛ لأنه لا يبعد أن تكون سيادتهن قد استتبَّت لهن لأسبابٍ أخرى، إما لإرثٍ ملوكي، وإما لنبوغٍ غير اعتيادي، وقيامهن بعبء الملك ليس دليلًا قاطعًا على أن كل نساء شعوبهن كُنَّ أرقى من رجالهم، وإلا لوجب أن نُطلِق هذا الحكم على ضيوفنا الذين تحكم عليهم ملكة وهم أرفع جدًّا من أن يُوصفوا في المقام الذي يضعهم فيه هذا القول، بل هم أرفع من كل شعب آخر، وهم هم السابقون في مِضمار الارتقاء البشري بلا مُنازع. وذكر ديودوروس أن رجال الصقالب ونساءهم في القديم كانوا مُتشابهين، وبخلاف ذلك اليونان والرومان؛ فإن الفرق بين الرجل والمرأة عندهم كان عظيمًا جدًّا جسديًّا وعقليًّا.

والغريب أن نساء الأجيال التي عاشت قبل التاريخ كانت نسبة سعة جمجمتهن أعظم منها في نساء اليوم. قال بروكما: «وهذا يظهر منه أن المرأة كانت في ذلك العهد تُقاسم الرجل الأعمال أكثر منها في هذا العهد.» والخلاصة ممَّا تقدَّم أن امتياز المرأة على الرجل قد يُرى أحيانًا في الشعوب السافلة الحاضرة والغابرة، ولكنه لا يُرى البتة في الشعوب العالية، وإنما يُرى فيهم عكس ذلك؛ أي امتياز الرجل على المرأة دائمًا.

•••

ولنتقدَّم الآن إلى النظر في المسألة من حيث الأسنان، وهنا نجد أيضًا نفس النتيجة التي وجدناها في الفروع والأنواع؛ أعني أن الإناث يَمْتزن على الذكور امتيازًا إلى أجل في أول سِني العمر، ثم يستتبُّ الفوز بعد ذلك لهؤلاء. فقد ذكروا أن البنات يفُقْن الصِّبيان في الطول من سن ١٠ إلى ١٥ سنة، وبعض الأنثروبولوجيين زعموا أن البنت من سن ١٠ إلى ١٢ تكسب رطلًا أكثر من الصبي في السنة، وأما بعد السنة السابعة عشرة فالإناث يقِفن والذكور يستمرُّون على النمو. والحال كذلك أيضًا في العقل؛ ففي المدارس التي يجتمع فيها الصِّبيان والبنات معًا رأوا أن البنات لغاية سن اثنتَي عشرة سنة يسبقن الصِّبيان ويفُقْنهم ذكاءً، وأما بعد ذلك فالصِّبيان هم السابقون.

ويُستفاد ممَّا تقدَّم أن المرأة في النمو أسبق من الرجل جسديًّا وعقليًّا وأدبيًّا، وهذا ما حمل بعضهم على أن يظنها أعقل منه، وقد علَّل بوفون الطبيعيُّ الفرنساوي إبطاءَ الرجال بقوله: «إن الرجال لما كانوا أكبر وأقوى من النساء، أعني لما كان بدنهم أشد وأعظم، وعظامهم أصلب، وعضلاتهم أقوى، ولحمهم أكنز ممَّا في النساء؛ كان من الضروري أن يكون زمن نموهم أطول من زمن نموهن.» وقال كابنيس: «إن المرأة أسرع نموًّا وانحطاطًا معًا من الرجل، لا تلبث أن تشبَّ حتى تهرم، وليس بين انتقالها من سن الصِّبا إلى سن الهرم فترةٌ تُذكَر.»

والنمو السريع دليل على الانحطاط. ويُرى، حسب مباحث دلوني، في جميع الإناث كما يمكن تحقُّقه من النظر إلى سرعة نمو إناث الحيوانات الأهلية بالنسبة إلى ذكورها، وإنما كانت هذه السرعة في النمو التي تُرى في الحيوانات وفروع البشر السفلى علامةَ انحطاط لأنه يعقبها وقوفُ النمو دائمًا. قال بخنر في كتابه الذي عرَّبناه تحت عنوان «شرح بخنر»، صفحة ٩١، ما نصه: «إن في الطبيعة ناموسًا عامًّا، وهو أن صغار الحيوانات والقرود والبشر الذين هم من أدنى جنسهم، يتشابهون أكثر من البالغين في تكوين الجمجمة وقابلية العقل، فإن صغار القرود خاصةً يُشبِهون أطفال البشر جدًّا باستدارة جمجمتهم، ولا تتميز فيهم صفات القرد إلا مع السن، وحينئذٍ تظهر المُباينة، فتبدو الانخفاضات والبروزات، والشكل الزاوي، وبروز الوجه عن الجمجمة. وكذلك يحصل في الأخلاق، فتزداد القرود شراسةً وقساوة، ولا تُذعِن للتربية كلما زادت في السن. وهكذا أيضًا أولاد السُّود كما يُعلم من رواياتٍ يُوثَق بها؛ فإنهم يُظهرون في المدارس ذكاءً وقابلية للتهذيب لا مزيد عليهما، فإذا بلغوا أشُدَّهم تخلَّقوا بأخلاقهم الوحشية، وخسروا كل ما اكتسبوه بالتعليم كأن لم يكن شيء من ذلك.» أعني أن الصفات الجسدية والعقلية تكون مشتركة بين صغار الأنواع والفروع في أول سِني الحياة، ثم تتباين فيهم بمقدار تبايُن الأنواع والفروع نفسها، فيقف نمو بعضها السافل أو يسير في خطته، ويستمر نمو البعض الآخر المُرتقي. والوقوف علامة انحطاط، واستمرار النمو علامة ارتقاء.

•••

وفي الجملة، فمعظم الفرق بين الرجل والمرأة يكون في الكهولة، أي عند مُنتهى النمو، وأقلُّه في سن الصبوة والشيخوخة، سواءٌ نظرنا إلى البدن كله أو إلى عضو من أعضائه؛ فإنه لا يوجد فرق ما بين الذكر والأنثى في الحياة الجنينية، ثم يكون الفرق قليلًا عند الولادة، ويبلغ معظمه في الكهولة، ثم يتناقض في الشيخوخة.

فالطفل يكون أطول من الطفلة عندما يُولَدان بسنتيمترٍ واحد، فإذا بلغا مُنتهى النمو، أي متى صار هو رجلًا وهي امرأة، زادها بستة وثمانين مليمترًا حسب تعديل بعضهم (كواتلت)، وباثنَي عشر سنتيمترًا حسب تعديل غيره (توبينار)، ثم يميلان للتساوي بعد ذلك؛ لأن الرجل يقصُر أكثر من المرأة.

ولنا نفس النتيجة من مُقابلة الوزن؛ فإن معدَّل وزن الطفل المولود حديثًا ٣٢٥٠ غرامًا، والطفلة ٢٩٠٠ غرام؛ أعني أن الذكر يزيد الأنثى ٣٥٠ غرامًا، وقلَّما يفرقان بعد ذلك إلى ما بعد السنة الثانية عشرة، ثم يزيد هذا الفرق جدًّا برجحان الذكر، ويبلغ حسب تعديل بعضهم (كواتلت) من أربعة إلى خمسة كيلوغرامات، ثم يتناقص في الشيخوخة. وذكر بعضهم أن هذا الفرق بينهما كيلوغرام من سن ٢ إلى ٧، و«٦» كيلوغرامات من سن ١٤ سن إلى ٢١، و«٧» من سن ٢١ إلى ٢٨، و«١١» من سن ٤١ إلى ٥٦، ثم يتناقص إلى «٩» من سن ٥٦ إلى ٦٣، وإلى «٨» من سن ٦٣ إلى ٧٠.

وأما حجم الجمجمة فحسب تعديل بعضهم (ليثرزيك) أن دائر جمجمة الذكر عند الولادة أكبر من دائرة جمجمة الأنثى بسنتيمترٍ واحد، ثم يزيد هذا الفرق بعد البلوغ؛ لاستمرار نمو جمجمة الرجل ووقوف نمو جمجمة الأنثى بعد ذلك.

وأما وزن الدماغ فحسب تعديل كولكر يزيد دماغ الذكر عن دماغ الأنثى بأربعين غرامًا عند الولادة، و٥٠ عند سن سنة واحدة، و٧٠ عند سن ٣ سنين، و١١٠ في سن ١٠، و١٥٠ من سن ٢٠ إلى ٦٠.

ثم يتناقص هذا الفرق من بعد السن المذكور، فينقص دماغ الرجل في الهرم ٨٤ غرامًا من معدَّل وزنه عند مُنتهى النمو، ودماغ المرأة ٥٩ غرامًا. وهذا الفرق التشريحي يُرافقه فرق في القوى العاقلة والأدبية، ومنه يُفهم لماذا يشترك الذكر والأنثى بالألعاب في سن الحداثة، ثم يفترقان كثيرًا في العقليات في سن البلوغ، ثم يتقاربان ثانية في الهرم؟

وعلى هذه النسبة أيضًا يجري باقي الفروقات في شكل العظام والتغذية وتركيب الدم … إلخ. وأما النبض فهو ١٣٦ في الجنين الذكر، و١٣٨ في الجنين الأنثى. وذكر بعضهم أن هذا الفرق، أي زيادة نبض الأنثى على الذكر، هو نبضةٌ واحدة من سن ٢ إلى ٧، و«٦» نبضات من سن ١٤ إلى ٢١، و«٧» من سن ٢١ إلى ٢٨، و«١٠» من ٣٥ إلى ٤٢، و«١١» في سن ٥٠، ثم «٩» من ٥٦ إلى ٦٣، و«٨» من سن ٦٣ إلى ٧٠. ويطول بنا الشرح جدًّا لو أردنا استيفاء باقي الفروقات مفصَّلًا؛ لذلك نكتفي بما مرَّ.

والخلاصة ممَّا تقدَّم أن الأنثى تفُوق الذكر في بعض الأمور في الاثنتَي عشرة سنةً الأولى، ثم يفُوقها الذكر بعد ذلك في الجمعيات المُتمدنة إلى مُنتهى النمو حينما يبلغ الفرق معظمه، وهذا يكون بين سن ٤٠ و٥٠، ثم يتناقص هذا الفرق في الشيخوخة والهرم.

وهذه الملاحظات المُتقدمة المأخوذة من عِلم مُقابلة الحيوان وتشريح الأعضاء ومنافعها، تُنبئنا لماذا يميل الجنسان، أي الذكر والأنثى، لأن يفترقا كلما صعدا من طبقات البشر السفلى إلى العليا. ففي الطبقات السفلى تكون الصفات العقلية والأدبية بين الرجل والمرأة مُتساوية؛ لذلك كانا كلاهما أقرب إلى الاتفاق من الاختلاف، وليس الأمر كذلك في الطبقات العليا الرفيعة المَدارك؛ فإنه لما كان فيها الفرق بين الرجل والمرأة عظيمًا كانا أقرب إلى الاختلاف؛ لاختلافهما بالأفكار والإحساسات والمشارب … إلخ. وهو أكثر في سكان المدن منه في سكان القُرى، وآخذٌ في التزايد سنةً فسنة، كما نبَّه الحكماء إلى ذلك منذ زمانٍ طويل.

•••

على أن زعماء المُساواة يدَّعون أن هذا الفرق بين الرجل والمرأة جسديًّا وعقليًّا سببه عدم تساويهما في الرياضة والتعليم، وأنه إذا تساوت أحوالهما المعاشية والتهذيبية تساويا في القوة والعقل. وإذا دقَّقنا النظر لا نجد هذا الاعتراض في محله؛ ففي العصور الغابرة حيث كانت الأمم غارقة في ظلمات الجهل لم يكن أحد الجنسَين يُعلَّم أكثر من الآخر، وفي هذه الأيام نجد في البُلدان المُتمدنة عددًا وافرًا من الجنسَين متروكين على الفطرة، بحيث لا يصحُّ أن يُقال إن هذا الفرق نتيجة التعليم والتهذيب، بل اليوم إذا نظرنا إلى الفنون التي تعلمها النساء كما يعلمها الرجال وأكثر منهم أيضًا كفنِّ الموسيقى في أوروبا، فلا نجد من النساء من نبغن كما نبغ الرجال. ومع أن عدد المُتعلمات هذا الفن أكثر من عدد الرجال، فلا تجد منهن من ألَّفت فيه أو استنبطت شيئًا جديدًا، بل جميع المؤلِّفين من الرجال.

وما قيل عن فن الموسيقى يُقال أيضًا عن فن التصوير، وكذا صناعة الطبخ نفسها، فحتى الآن لم يستطع النساء أن يُبارين الرجال المُتعاطين هذه المهنة، مع أن عددهن بالنسبة إلى عددهم وافر جدًّا. والمانع في هذا وسواه ليس عدم تساوي الرجل والمرأة بالوسائط، بل عدم تساويهما بالقابليات كما ترى في المدارس التي يعلَّم فيها الصِّبيان والبنات معًا؛ فإن البنات كما تقدَّم يفُقْن الصِّبيان لغاية سن ١٢ سنة، ثم يتقهقرن عنهم بعد ذلك، مع أن الوسائط واحدة في الحالَين؛ وما سبب ذلك إلا لأنهن من طبعهن أضعف منهم قابلية، وإلا لما وجب أن يتأخَّرن عنهم بعد هذا السن لو كُنَّ من طبعهن قادرات. وسَبْقهن الصِّبيان في أول سِني الحياة دليل على سرعة نموهن بالنسبة إلى نموهم، وهذه السرعة من علامات الانحطاط، كما قلنا فيما تقدَّم.

والخلاصة من جميع ما تقدَّم أن غلبة الأنثى على الذكر لا تُرى إلا في بعض أنواع الحيوانات السفلى، أو في بعض فروع البشر السفلى، ولا يُرى تساويهما إلا فيما كان فوق ذلك قليلًا، كما في بعض الأنواع الحيوانية والفروع البشرية السافلة، وكما في أحداث الأمم المُتمدنة ومشايخهم؛ إذ إن الطرفَين يستويان في كل أمر. وأما في الأنواع الحيوانية العليا، وفي فروع البشر المُرتقية، وفي مُنتهى النمو؛ فالغلبة دائمًا للذكر جسديًّا وعقليًّا وأدبيًّا، ولا تكون غير ذلك إلا إذا انقلب الموضوع وانعكس المطبوع.

وعليه فنطلب في المستقبل ألا يُقدَّر لنسائنا أن يتغلَّبن على رجالنا أو يُساوينهم، ولا نظن أن نساءنا يرضَين غير ما طلبنا؛ بناءً على ما عهِدن من سنن الارتقاء.

•••

فهذا أيها السادة نظرٌ عامٌّ يضع المسألة في مقامها الطبيعي، ويُرشدنا إلى الحكم فيها حكمًا صحيحًا عادلًا، فلا نُحقِّر المرأة كما فعل شوبنهور الألماني أحد فلاسفة هذا العصر حيث جعلها تحت العجماوات، وقال إنها من شر المخلوقات، وهو قول فيلسوف كانط؛٣ ولا نُبالغ في تعظيمها كما فعل ديدرو الفرنساوي أحد فلاسفة العصر الحالي، حيث جعلها فوق الرجل، وقال إن الذي يتكلم عنها ينبغي له أن يغطَّ قلمه في قوس قزَح، ويرمِّل خطه بغبار أجنحة فراش الحقل، وهو تصوُّر شاعر غاوٍ، بل نضعها في مقامها الحقيقي الذي يليق بها، والذي جُعلت فيه؛ أعني عضوًا لازمًا للهيئة الاجتماعية، تابعةً للرجل في ارتقائه، مُساعدةً له مُتمِّمةً ما نقص من كماله، مخفِّفةً عنه مشاقَّ الحياة الداخلية كما هو يُذلِّل لها مصاعب الحياة الخارجية، حاضنةً أولادها تحت جناحَي حُنوِّها وتدبيرها عن طبع وتهذيب كما هو يسهر على راحتهم بعين سعيه وإقدامه عن سليقة ومعرفة، لا تُنازعه هي ما لا تُجديها المُنازعة فيه نفعًا، ولا يبخسها هو حقًّا اعترف لها به مقامها في الهيئة الاجتماعية، مُتقاسمَين الأعمال كلٌّ منهما في دائرته غير مُتطاول إلى دائرة سواه؛ وبذلك يتمُّ نظام العائلة البشرية، التي هي أم الاجتماع الإنساني.
١  خُطبةٌ تُليت في جمعية الاعتدال بالقاهرة، ونُشرت في المجلد الحادي عشر للمقتطف سنة ١٨٨٦.
٢  وشاهدنا المَقتلة التي تنتشب في قفران النحل، أي جماعاتها بين الإناث والذكور، والتي تدور فيها الدائرة على الذكور؛ لضعفها عن مُقاومة الإناث. وهذه المَقتلة البربرية على جانب من الحكمة والاقتصاد؛ لأنها تحصل من شهر حزيران إلى شهر آب من كل سنة عندما لا يعود للذكور فائدة، ويصير لوجودها ضرر، وهو أكل جنى النحل، والحكمة لا تعرف الرفق ولا تُشفق خلافًا لما يُظن، بل كثيرًا ما تقضي بتضحية البعض حفظًا لحياة الجماهير، كما هو شأن السياسيين أيضًا في الاجتماع البشري.
٣  وكان يُعرِّف المرأة أنها طويلة الشعر قصيرة الفكر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤