المقالة السابعة والأربعون

إن من العلم لسحرًا١

كلما زاد الإنسان علمًا زاد تفننًا في العمل، فلا غَرْو إذا كنا نرى في عصرنا هذا، على ما هو عليه من التدقيق في العلوم والإتقان في الصناعات، أمورًا يصنعها البعض، ويُشكِل كشف سرها على كثيرين، فيتقبَّلها بعضهم كأمورٍ روحانية، ويحل بها الوهم عنده محل الحقيقة مع أنها ضرب من الشعوذة التي لا طائل تحتها، والموجودة عند جميع الشعوب، ولكن على صورٍ مختلفة تُناسب روح كل شعب، وكلها إما من باب صناعة استخدام القوى الطبيعية بطريقةٍ مُحكمة التوقيع، وإما من باب الخفة. ومن هذا القبيل الكتابة الروحية التي يدَّعي أصحابها أنها من صنع الأرواح، والتي كثيرًا ما يتحدث بها القوم في مجالسهم كأنها من البراهين القاطعة على صحة ما يدَّعون. والغريب في ذلك هو أن هذه المسألة اخترقت صفوف العامة، ودخلت إلى قاعات العلماء، وجرت المُباحثة فيها علميًّا في الجمعية العلمية الإنكليزية، وشوَّشت أفكار البعض، حتى تعرَّض أخيرًا لكشف هذا السر العلَّامةُ لنكستر، أستاذ طبائع الحيوان في مدرسة لندن، فأدركه، وهاك البيان.

قصد العلَّامة المُومى إليه المدعو هاتر، المدَّعي الوساطة بين الناس والأرواح، وسأله أن يستدعي له الأرواح للمُجاوبة على سؤالاته. ولا يخفى أن الأرواح لا تُجاوب جهارًا، وإنما تُتمُّ عملها تحت مائدة يكون الوسيط ألصق بسطحها السفلي اللوح الحجري المعدَّ لكتابة الأجوبة الروحية، ولإزالة كل شبهة يأمر الوسيط السائل بأن يضع يده تحت المائدة على اللوح، ويضغط عليه بكل قوَّته حتى لا يتغير وضعه، والقلم يكون موضوعًا بين المائدة وبرواز اللوح بحيث لا يستطيع الإنسان أن يستخدمه.

فلنكستر تظاهر بأنه مُنذهل جدًّا من أفعال القوات الروحية، وأخذ يُراقب حركات الوسيط جيدًا، فتأكَّد بأن هاتر يكتب الجواب بسرعة عند إدخال اللوح تحت المائدة لتسليمه للأرواح، والوقت اللازم لذلك يُطيله هاتر تحت عِللٍ شتَّى، ويُحدِث حينئذٍ بعض الأصوات ليُخفي صوت صرير القلم على اللوح الحجري. وفي هذه الفرصة يكتب الكلمات السحرية إما بالقلم المعدِّ للأرواح، وإما بطرف قلم آخر موجود تحت ظفر سبَّابته، وقد لاحظ بأن المِرفق الذي يبقى وحده ظاهرًا من اليد كان يتحرك مدة هذا العمل المهم.

فلما أيقن لنكستر باكتشاف السر حضر في اليوم الثاني ومعه أحد الأطباء، وقدَّمه كمُنكرٍ يريد أن يُقنعه، ولكنه هذه المرة لم يستنظر استدعاء الأرواح بعد عرض السؤالات، بل مد يده حالًا تحت المائدة، وأخذ اللوح فوجد الجواب مكتوبًا عليه. ولا يخفى أن الوسيط لا بد أن يكون ماهرًا جدًّا في توقيع الجواب وسرعة الكتابة.

١  رسالة من الآستانة، نُشرت في الأهرام سنة ١٨٧٦.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤