الْفَصْلُ الثَّالِثُ

(١) النَّذِيرُ الْأَوَّلُ

أَمَّا «قَيْصَرُ» فَقَدْ سَارَ مَعَ رِفَاقِهِ الْغَادِرِينَ — وَهُوَ لَا يَعْلَمُ مَا تَخْبَؤُهُ لَهُ الْأَقْدَارُ — حَتَّى بَلَغُوا دَارَ النِّيَابَةِ.

وَمَا سَارَ «قَيْصَرُ» خُطُوَاتٍ قَلِيلَةً، حَتَّى دَانَاهُ فَيْلَسُوفٌ رُومِيٌّ (يُونَانِيٌّ). وَكَانَ هَذَا الْفَيْلَسُوفُ الرُّومِيُّ يُحِبُّ «قَيْصَرَ» وَيُخْلِصُ لَهُ؛ فَقَدَّمَ إِلَيْهِ وَرَقَةً يُحَذِّرُهُ فِيهَا غَدْرَ أَصْحَابِهِ الْمُحِيطِينَ بِهِ.

فَقَالَ لَهُ «قَيْصَرُ»: «أَرْجِئْ هَذِهِ الْوَرَقَةَ إِلَى مَا بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ.» فَقَالَ لَهُ الْفَيْلَسُوفُ النَّاصِحُ: «بِرَبِّكَ — يَا سَيِّدِي الْقَيْصَرَ — عَجِّلْ بِقِرَاءَتِهَا؛ فَإِنَّ فِيهَا أَمْرًا خَطِيرًا يَعْنِيكَ، وَيَهُمُّكَ أَنْ تَتَعَرَّفَهُ.» فَقَالَ لَهُ «قَيْصَرُ»: «مَا دَامَتِ الْوَرَقَةُ لَا تَعْنِي سِوَايَ، وَلَا تَهُمُّ غَيْرِي، فَإِنِّي مُرْجِئٌ رُؤْيَتَهَا، وَمُؤَخِّرٌ قِرَاءَتَهَا حَتَّى أَنْتَهِيَ مِنْ وَاجِبَاتِ الدَّوْلَةِ وَفُرُوضِهَا.»

فَلَمَّا رَأَى «كَسْيَاسُ» الدَّاهِيَةُ الذَّكِيُّ إِلْحَاحَ ذَلِكَ النَّاصِحِ، خَشِيَ أَنْ تَسُوءَ الْعَاقِبَةُ، وَتَوَجَّسَ مِنْهَ شَرًّا؛ فَقَالَ لَهُ غَاضِبًا: «حَذَارِ أَنْ تُلْحِفَ (إِيَّاكَ أَنْ تُلِحَّ) عَلَى الْقَيْصَرِ الْعَظِيمِ! وَحَسْبُكَ أَنَّهُ قَدْ وَعَدَكَ بِالنَّظَرِ فِي أَمْرِكَ.»

وَانْتَهَزَ «كَسْيَاسُ» الْمَاهِرُ هَذِهِ الْفُرْصَةَ، فَأَخَذَ الْوَرَقَةَ، وَاسْتَبْدَلَ بِهَا أُخْرَى؛ لِيَأْمَنَ كُلَّ شَرٍّ.

(٢) النَّذِيرُ الثَّانِي

وَسَارَ «قَيْصَرُ» خُطُواتٍ قَلِيلَةً أُخْرَى، فَلَمَحَ الْعَرَّافَ الَّذِي حَذَّرَهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ — مِنْ قَبْلُ — فَقَالَ لَهُ «قَيْصَرُ» بَاسِمًا: «أَلَيْسَ هَذَا الْيَوْمُ مُنْتَصَفَ «مَارِسَ» الَّذِي حَذَّرْتَنِي إِيَّاهُ؟»

فَقَالَ لَهُ الْعَرَّافُ: «إِنَّ الْيَوْمَ — يَا سَيِّدِي الْقَيْصَرَ — لَمَّا يَنْتَهِ، وَلَا زِلْتُ أُوصِيكَ بِالْيَقَظَةِ وَالْحَذَرِ.»

فَقَالَ لَهُ «قَيْصَرُ» هَازِئًا: «مَا أَنَا بِحَاجَةٍ إِلَى تَحْذِيرِكَ؛ فَإِنَّ «قَيْصَرَ» لَا يَخْشَى كَائِنًا كَانَ.»

(٣) ضَرَاعَةُ الْمُؤْتَمِرِينَ

ثُمَّ تَبَوَّأَ «قَيْصَرُ» — سَيِّدُ الدُّنْيَا — مَجْلِسَهُ، تَحْتَ تِمْثَالِ «بُمْبِي»، وَأَحَاطَ بِهِ شُيُوخُ «رُومَةَ».

وَتَأَهَّبَ الْمُؤْتَمِرُونَ بِهِ، وَاسْتَعَدُّوا لِإِنْفَاذِ جَرِيمَتِهِمْ.

فَاقْتَرَبَ أَحَدُهُمْ مِنْ «أَنْطُنْيُوسَ» — صَدِيقِ الْقَيْصَرِ الْحَمِيمِ — وَشَغَلَهُ بِشَتَّى الْحَدِيثِ، وَاسْتَدَرَجَهُ حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنْ مَجْلِسِ «قَيْصَرَ»؛ لِيُمَكِّنَ رِفَاقَهُ مِنِ اغْتِيَالِ سَيِّدِ «رُومَةَ» وَزَعِيمِهَا الْأَوْحَدِ. وَتَقَدَّمَ «مَتِيلُوسُ» مُتَوَجِّهًا إِلَى «قَيْصَرَ»؛ فَرَكَعَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ ضَارِعًا، مُتَوَسِّلًا إِلَيْهِ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ أَخِيهِ، وَيُرْجِعَهُ إِلَيْهِ مِنْ مَنْفَاهُ السَّحِيقِ (الْبَعِيدِ).

فَغَضِبَ عَلَيْهِ «قَيْصَرُ»، وَقَالَ لَهُ: «إِنَّ الْمَهَانَةَ وَالْمَذَلَّةَ وَالضَّرَاعَةَ لَا تَلِيقُ بِالرِّجَالِ، وَلَيْسَ «قَيْصَرُ» بِنَاقِضٍ حُكْمَهُ، وَلَا رَاجِعٌ عَنْهُ، وَلَا مُتَرَدِّدٌ فِي أَمْرِهِ.»

فَانْضَمَّ إِلَيْهِ بَقِيَّةُ الْمُؤْتَمِرِينَ ﺑ«قَيْصَرَ»، وَرَكَعُوا — وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ — يَلْتَمِسُونَ الرَّحْمَةَ بِأَخِيهِ، وَالْعَفْوِ عَنْ زَلَّتِهِ (التَّجَاوُزِ عَنْ خَطِئِهِ)؛ فَلَمْ يَزْدَدْ إِلَّا عِنَادًا وَإِصْرَارًا.

(٤) الْأُغْنِيَةُ الْأَخِيرَةُ

وَاقْتَرَبَ «بُرُوتَسُ» مِنْ صَدِيقِهِ «قَيْصَرَ» مُسْتَعْطِفًا، رَاجِيًا أَنْ يَقْبَلَ الْتِمَاسَ صَاحِبِهِ، وَيُرْجِعَ إِلَيْهِ أَخَاهُ مِنْ مَنْفَاهُ.

فَقَالَ لَهُ: «لَيْسَ مِثْلُ «قَيْصَرَ» مَنْ يَلِينُ لِلرَّجَاءِ، أَوْ يَحُولُ عَنْ عَزْمِهِ. وَمَا كَانَ «قَيْصَرُ» لِيَنْقُضَ الْيَوْمَ مَا أَبْرَمَهُ بِالْأَمْسِ.

ثُمَّ اسْتَأْنَفَ «قَيْصَرُ» كَلَامَهُ، مَزْهُوًّا تَائِهًا، وَقَالَ: «إِنَّ نُجُومَ السَّمَاءِ تَظْهَرُ مُؤْتَلِقَاتٍ (تَبْدُو مُضِيئَةً مُلْتَمِعَةً)، وَلَكِنْ بَيْنَهَا نَجْمًا قُطْبِيًّا يَهْدِي الْحَائِرِينَ، وَيَثْبُتُ ثَبَاتِ الرَّوَاسِي (الْجِبَالِ). كَذَلِكَ الرِّجَالُ: يَظْهَرُونَ وَقَدْ تَفَرَّقَتْ أَهْوَاؤُهُمْ، وَاخْتَلَفَتْ نَزَعَاتُهُمْ وَمَذَاهِبُهُمْ. وَلَكِنَّ «قَيْصَرَ رُومَةَ» — فِي هِمَّتِهِ الشَّمَّاءِ (الْعَالِيَةِ) — كَذَلِكَ النَّجْمُ الْقُطْبِيُّ فِي اللَّيْلَةِ الدَّيْجَاءِ (الشَّدِيدَةِ الظُّلْمَةِ)، فَلَا كِفَاءَ لَهُ (لَا نَظِيرَ). وَإِنَّ «قَيْصَرَ رُومَةَ» لَأَلْمَعِيٌّ (قَوِيٌّ الذَّكَاءِ، صَادِقُ الْفِرَاسَةِ وَالظَّنِّ)، وَإِنَّهُ لَذُو مَضَاءٍ (صَاحِبُ قُوَّةِ وَنَفَاذٍ). فَإِنْ أَقَرَّ أَمْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ صُرُوفُ الْقَضَاءِ (حَوَادِثُ الْأَيَّامِ) أَنْ تَرُدَّهُ عَنْهُ، وَتَقِفَهُ دُونَهُ.»

ثُمَّ قَالَ:

«هَذِي نُجُومُ السَّمَاءِ
مَنْثُورَةٌ فِي الْفَضَاءِ
يَشِعُّ مِنْهَا ضِيَاءٌ
فِي سَائِرِ الْأَرْجَاءِ
تَدُورُ مُؤْتَلِقَاتٍ،
تَجْرِي لِغَيْرِ انْتِهَاءِ
وَثَمَّ — فِي الْقُطْبِ — نَجْمٌ
يَبْدُو لِعَيْنِ الرَّائِي
بِالنُّورِ يَهْدِي الْحَيَارَى
فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ
ثَبْتٌ ثَبَاتَ الرَّوَاسِي
بَاقٍ بَقَاءَ السَّمَاءِ
وَفِي الرِّجَالِ أُلُوفٌ
مُفَرَّقُو الْأَهْوَاءِ
مِثْلُ النُّجُومِ تَرَاءَتْ
مَوْفُورَةَ الْأَضْوَاءِ
لَكِنَّ «قَيْصَرَ رُومَا»
ذَا الْهِمَّةِ الشَّمَّاءِ
يَسْمُو عَلَيْهِمْ جَمِيعًا
فِي رِفْعَةٍ وَاعْتِلَاءِ
كَسَاطِعِ الْقُطْبِ يَهْدِي
فِي اللَّيْلَةِ الدَّيْجَاءِ
يَجِلُّ عَنْ كُلِّ شِبْهٍ
فَمَا لَهُ مِنْ كِفَاءِ!
لَا يَنْقُضُ النَّاسُ رَأْيًا
لِسَيِّدِ الْعُظَمَاءِ
الْأَلْمَعِيِ الْمُفَدَّى
الْأَوْحَدِيِّ الذَّكَاءِ
وَمَنْ ﮐ «قَيْصَرِ رُومَا»
فِي عَزْمَةٍ وَمَضَاءِ
إِنْ رَاحَ يُبْرِمُ أَمْرًا
أَعْيَا صُرُوفَ الْقَضَاءِ!»

(٥) مَصْرَعُ «قَيْصَرَ»

وَكَانَتْ هَذِهِ الْكَلِمَاتُ آخِرَةَ حَيَاةِ «قَيْصَرَ»، وَخَاتِمَةَ صَحِيفَتِهِ فِي الْوُجُودِ؛ فَمَا أَتَمَّهَا حَتَّى صَاحَ «كَسْكَا» ثَائِرًا: «تَكَلَّمِي الْآنَ، يَا يَدِي …!»

ثُمَّ طَعَنَهُ بِخِنْجَرِهِ طَعْنَةً نَجْلَاءَ (وَاسِعَةً)، وَتَابَعَهُ رِفَاقُهُ بِخَنَاجِرِهِمْ. ثُمَّ سَدَّدَ «بُرُوتَسُ» طَعْنَةً إِلَى صَدِيقِهِ، فَذَهِلَ «قَيْصَرُ» مِمَّا رَأَى، وَقَالَ ﻟ«بُرُوتَسَ» مَدْهُوشًا: «حَتَّى أَنْتَ يَا «بُرُوتَسُ»! الْآنَ يَمُوتُ «قَيْصَرُ»!»

ثُمَّ فَاضَتْ رُوحُ «قَيْصَرَ»: زَعِيمُ «رُومَةَ» وَسَيِّدُهَا!

(٦) شَنَاعَةُ الْهَوْلِ

ذُعِرَ شُيُوخُ «رُومَةَ» وَسَرَاتُهَا (أَعْيَانُهَا)، وَسَوَادُ أَهْلِيهَا (عَامَّةُ شَعْبِهَا) وَجُمْهُورُ سَاكِنِيهَا، وَاشْتَدَّ جَزَعُهُمْ لِمَصْرَعِ «قَيْصَرَ» الْعَظِيمِ، وَصَاحَ الْقَتَلَةُ هَاتِفِينَ بِاسْمِ الْحُرِّيَّةِ، لِيُخَفِّفُوا وَقْعَ الْمُصَابِ عَلَى قُلُوبِ النَّاسِ.

وَاشْتَدَّ هِيَاجُ الْمَدِينَةِ، وَاسْتَوْلَى الذُّعْرُ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْأَطْفَالِ جَمِيعًا، حَتَّى سَلَبَهُمُ الْخَوْفُ عُقُولَهُمْ؛ فَجَرَوْا مَشْدُوهِينَ ذَاهِلِينَ، وَصَاحُوا مِنْ فَرْطِ الْأَسَى وَالْخَوْفِ، فَمَلَئُوا الْفَضَاءَ بِصَيْحَاتِهِمُ الْمُفَزِّعَةِ.

وَلَمْ يَجِدِ الْمُؤْتَمِرُونَ — أَمَامَهُمْ — وَقْتًا يَتَشَاوَرُونَ فِيهِ؛ فَاقْتَرَحَ عَلَيْهِمْ «بُرُوتَسُ» أَنْ يُشْهِرُوا سُيُوفَهُمْ، وَيَغْمِسُوا سَوَاعِدَهُمْ فِي دِمَاءِ «قَيْصَرَ»، هَاتِفِينَ بِالسَّلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ، مُتَغَنِّينَ بِمَجْدِ «رُومَةَ»، وَخَلَاصِهَا مِنْ نَيْرِ الظُّلْمِ وَالِاسْتِبْدَادِ.

(٧) مَقْدَمُ «أَنْطُنْيُوسَ»

وَعَلِمَ «أَنْطُنْيُوسُ» بِمْصَرَعِ «قَيْصَرَ». فَأَقْبَلَ عَلَى دَارِ النِّيَابَةِ مُسْرِعًا، وَتَظَاهَرَ أَمَامَ «بُرُوتَسَ» وَأَصْحَابِهِ بِقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ بِمَا حَدَثَ، وَأَثْبَتَ لَهُمْ أَنَّهُ مُجَدِّدٌ عُهُودَهُ وَمَوَاثِيقَهُ مَعَهُمْ، إِذَا اسْتَطَاعُوا أَنْ يُقْنِعُوهُ بِصَوَابِ مَا فَعَلُوهُ.

فَقَالَ لَهُ «بُرُوتَسُ»: «لَكَ عَلَيْنَا أَنْ نَشْرَحَ الْأَسْبَابَ الَّتِي حَفَزَتْنَا إِلَى الْفَتْكِ ﺑ«قَيْصَرَ». وَنَحْنُ وَاثِقُونَ أَنَّكَ سَتَرَى رَأْيَنَا؛ لِأَنَّ قُوَّةَ بُرْهَانِنَا، وَصِدْقَ حُجَّتِنَا: كَفِيلَانِ بِإِقْنَاعِ أَقْرَبِ النَّاسِ إِلَى «قَيْصَرَ» وَلَوْ كَانَ ابْنَهُ.»

وَنَظَرَ «أَنْطُنْيُوسُ»، فَرَأَى جُثَّةَ «قَيْصَرَ» هَامِدَةً مُضَرَّجَةً (مُلَطَّخَةً) بِالدِّمَاءِ؛ فَلَمْ يَتَمَالَكْ أَنْ يَحْزَنَ عَلَى صَدِيقِهِ الْحَمِيمِ، وَيُذْرِفَ الدَّمْعَ مِنْ عَيْنَيْهِ. وَلَكِنَّهُ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ أَدْرَكَ خَطَرَ الْمَوْقِفِ؛ فَاسْتَعْصَمَ بِالْحَزْمِ وَالْجَلَدِ، وَالْتَفَتَ إِلَى «بُرُوتَسَ» وَرِفَاقِهِ، وَقَالَ: «إِذَا كُنْتُمْ حَاقِدِينَ عَلَيَّ؛ فَإِنِّي أَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَنْ تَقْتُلُونِي، وَتَرْوُوا — مِنْ دَمِي — سُيُوفَكُمُ الَّتِي فَتَكَتْ ﺑ«قَيْصَرَ»!»

فَقَالَ لَهُ «بُرُوتَسُ»: «لَسْنَا نَشُكُّ فِي إِخْلَاصِكَ لَنَا، يَا «أَنْطُنْيُوسُ». وَمَا نَحْنُ بِسَفَّاحِينَ، وَلَا مُتَعَطِّشِينَ إِلَى الدِّمَاءِ. وَلَكِنَّنَا قَتَلْنَا «قَيْصَرَ» فِي سَبِيلِ الْوَطَنِ، مُنْتَصِرِينَ — بِذَلِكَ — لِلْحُرِّيَّةِ، وَلَمْ نَقْتُلْهُ لِبُغْضٍ كَامِنٍ فِي نُفُوسِنَا، أَوْ حِقْدٍ مُتَأَصِّلٍ فِي قُلُوبِنَا.»

(٨) خُطْبَةُ «بُرُوتَسَ»

فَقَالَ «أَنْطُنْيُوسُ»: «إِنِّي مُعَاهِدُكُمْ عَلَى الْوَفَاءِ؛ فَهَلْ تَأْذَنُونَ لِي أَنْ أَبْكِيَهُ، وَأَرْثِيَهُ، وَأُعَدِّدَ مَنَاقِبَهُ (أَذْكُرَ مَحَاسِنَهُ)؟ فَهُوَ صَدِيقٌ لَكُمْ وَلِي عَلَى السَّوَاءِ.»

فَقَالَ لَهُ «بُرُوتَسُ»: «قُلْ فِيهِ مَا شِئْتَ، بَعْدَ أَنْ أُهَدِّئَ الْجُمْهُورَ الثَّائِرَ الصَّاخِبَ، وَأُسَكِّنَ مِنْ رُوعِهِ (قَلْبِهِ).»

وَانْتَحَى «كَسْيَاسُ» بِصَاحِبِهِ «بُرُوتَسَ»، وَحَاوَلَ أَنْ يُثْنِيَ مِنْ عَزْمِهِ عَلَى مُسَالَمَةِ «أَنْطُنْيُوسَ»، وَيُحَذِّرَهُ الِانْخِدَاعَ بِمَا زَوَّرَهُ (زَيَّنَهُ) مِنْ زُخْرُفِ الْقَوْلِ (لِينِ الْكَلَامِ)؛ فَلَمْ يَسْمَعْ لَهُ «بُرُوتَسُ» قَوْلًا، وَأَثْبَتَ لَهُ أَنَّ «أَنْطُنْيُوسَ» لَنْ يُسِيءَ إِلَيْهِمْ فِي خِطَابِهِ. وَخَتَمَ «بُرُوتَسُ» حِوَارَهُ قَائِلًا: «لَنْ يَجْرُؤَ «أَنْطُنْيُوسُ» عَلَى اتِّهَامِنَا، وَلَنْ يَتَعَدَّى خِطَابُهُ رِثَاءَ «قَيْصَرَ»، وَتَعْدَادَ مَنَاقِبِهِ (التَّمَدُّحِ بِخِلَالِهِ)، وَالثَّنَاءِ عَلَى أَخْلَاقِهِ.»

ثُمَّ افْتَرَقَ «بُرُوتَسُ» وَ«كَسْيَاسُ»، لِيَخْطُبَا سَوَادَ الْجُمْهُورِ (عَامَّتَهُ)، وَيُهَدِّئَا خَوَاطِرَهُ الثَّائِرَةَ.

وَاعْتَلَى «بُرُوتَسُ» مِنَصَّةَ الْخَطَابَةِ، فَصَاحَ فِي الْحَاضِرِينَ بِصَوْتٍ جَهْوَرِيٍّ (عَالٍ)، وَأَنْشَأَ يَقُولُ:

«لَقَدْ كَانَ «قَيْصَرُ» — كَمَا عَلِمْتُمْ — رَجُلًا عَظِيمًا، كَبِيرَ الْقَلْبِ، مَوْفُورَ الْحَظِّ، وَلَمْ يُحِبَّهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَكْثَرَ مِمَّا أَحْبَبْتُهُ أَنَا. وَلَكِنَّ طَمَعَ «قَيْصَرَ» هُوَ الَّذِي أَحْفَظَنِي عَلَيْهِ وَأَغْضَبَنِي، وَبَدَّلَ حُبِّيهِ (مَحَبَّتِي لَهُ) كَرَاهِيَةً وَمَقْتًا. لَقَدْ فَتَكْنَا بِهِ لِأَنَّهُ كَانَ طَمَّاعًا. لَقَدْ حَاوَلَ أَنْ يَسْتَعْبِدَكُمْ — وَأَنْتُمْ أَحْرَارٌ — فَثُرْنَا — فِي وَجْهِهِ — انْتِصَارًا لِحُرِّيَّتِكُمْ، وَقَتَلْنَاهُ لِنُنْقِذَكُمْ مِنْ نَيْرِ الطُّغْيَانِ، وَنُخَلِّصَكُمْ مِنْ بَرَاثِنِ الظُّلْمِ (أَصَابِعِهِ). فَهَلْ أَثِمْنَا فِيمَا فَعَلْنَا؟ إِنْ كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ قَدْ بَلَغَ بِهِ الْعُقُوقُ لِوَطَنِهِ، وِالِاسْتِهَانَةِ بِحُرِّيَّتِهِ، حَدَّ السُّخْطِ عَلَى مُحَارَبَةِ الِاسْتِعْبَادِ وَالذُّلِّ؛ فَلْيُكَاشِفْنَا بِرَأْيِهِ، وَلْيَتَكَلَّمْ أَمَامَنَا، وَلْيَتَّهِمْنَا بِأَنَّنَا قَدْ أَسَأْنَا فِيمَا فَعَلْنَا.»

فَصَفَّقَ الْجُمْهُورُ لِلْخَطِيبِ الْبَارِعِ الْمُفَوَّهِ: «بُرُوتَسَ»، وَأُعْجِبُوا بِفَصَاحَتِهِ وَقُوَّةِ حُجَّتِهِ، وَتَعَالَى هُتَافُ الْحَاضِرِينَ بِحَيَاتِهِ.

(٩) خُطْبَةُ «أَنْطُنْيُوسَ»

وَظَهَرَ «أَنْطُنْيُوسُ» — حِينَئِذٍ — وَهُوَ يَحْمِلُ جُثَّةَ «قَيْصَرَ».

فَأَشَارَ «بُرُوتَسُ» إِلَى الْحَاضِرِينَ أَنْ يَكُفُّوا عَنْ هُتَافِهِمْ، وَقَالَ لَهُمْ: «الْبَثُوا (ابْقَوْا) فِي أَمَاكِنِكُمْ، لِتَسْمَعُوا رِثَاءَ «أَنْطُنْيُوسَ» لِصاحبِه، فقَدْ أَذِنَّا لهُ في ذلكَ.»

ثمَّ خَرَجَ «بُرُوتَسُ»، وَتَرَكَ خَصْمَهُ «أَنْطُنْيُوسَ» يَخْطُبُ الْجُمْهُورَ، وَلَمْ يَدْرِ أَنَّهُ سَيُلْهِبُ نَارَ ثَوْرَتِهِ، وَيُذْكِي ضِرَامَ حِقْدِهِ.

وَمَا ارْتَقَى «أَنْطُنْيُوسُ» الْمِنْبَرَ حَتَّى قَالَ:

«أَصْدِقَائِي وَأَصْحَابِي أَبْنَاءَ «رُومَةَ»: أَعِيرُونِي أَسْمَاعَكُمْ؛ فَقَدْ جِئْتُ لِأَحْتَفِلَ بِدَفْنِ «قَيْصَرَ»، وَلَمْ أَجِئْ لِأَمْتَدِحَ فِعَالَهُ، وَأُثْنِيَ عَلَى مَزَايَاهُ؛ فَإِنَّ عَمَلَ الْإِنْسَانِ — وَحْدَهُ — أَحْسَنُ ثَنَاءٍ يُخَلِّدُهُ، وَيَرْفَعُ مِنْ قَدْرِهِ، إِنْ كَانَ صَالِحًا. لَقَدْ حَدَّثَكُمْ «بُرُوتَسُ» أَنَّ «قَيْصَرَ» كَانَ طَمَّاعًا، وَ«بُرُوتَسُ» رَجُلٌ شَرِيفٌ. فَإِذَا صَحَّ مَا يَقُولُ «بُرُوتَسُ»؛ فَقَدْ لَقِيَ «قَيْصَرُ» جَزَاءَهُ الْعَادِلَ، وَاسْتَحَقَّ الْمَوْتَ، بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ مِنْ شُرُورٍ وَآثَامٍ.

لَقَدْ أَذِنَ لِي «بُرُوتَسُ» فِي أَنْ أَرْثِيَ «قَيْصَرَ»، وَ«بُرُوتَسُ» رَجُلٌ شَرِيفٌ. وَقَدْ كَانَ «قَيْصَرُ» نِعْمَ الصَّدِيقُ الْوَفِيُّ الْعَادِلُ الرَّحِيمُ، وَلَكِنَّ «بُرُوتَسَ» يَقُولُ: «إِنَّ «قَيْصَرَ» رَجُلٌ طَمَّاعٌ.» وَ«بُرُوتَسُ» رَجُلٌ شَرِيفٌ!

لَقَدْ كَانَ «قَيْصَرُ» يُغْدِقُ عَلَيْكُمُ الْمَالَ (يُفِيضُهُ بِلَا حِسَابٍ)، وَيَبْكِي رَحْمَةً بِالْفَقِيرِ، وَيُؤَسِّي الضَّعِيفَ. فَهَلْ تَعُدُّونَ مِثْلَ هَذَا الرَّجُلِ طَمَّاعًا؟ وَلَكِنَّ «بُرُوتَسَ» يَقُولُ: «إِنَّ «قَيْصَرَ» كَانَ طَمَّاعًا.» وَ«بُرُوتَسُ» رَجُلٌ شَرِيفٌ! لَقَدْ قَدَّمْتُ التَّاجَ ﻟ«قَيْصَرَ» — مَرَّاتٍ ثَلَاثًا — فَرَفَضَهُ «قَيْصَرُ»، وَلَمْ يَقْبَلْهُ. فَهَلْ كَانَ «قَيْصَرُ» طَمَّاعًا؟ وَلَكِنَّ «بُرُوتَسُ» يَقُولُ: «إِنَّ «قَيْصَرَ» كَانَ طَمَّاعًا.» وَ«بُرُوتَسُ» رَجُلٌ شَرِيفٌ! لَسْتُ أُكَذِّبُ «بُرُوتَسَ» فِيمَا يَقُولُ، وَلَكِنَّنِي أَكْتَفِي بِتَقْرِيرِ مَا أَعْرِفُهُ — وَتَعْرِفُونَهُ — عَنْ «قَيْصَرَ»:

لَقَدْ أَحْبَبْتُمْ «قَيْصَرَ» — كَمَا أَحَبَّكُمْ — فَلِمَاذَا أَحْبَبْتُمُوهُ، وَأَخْلَصْتُمْ لَهُ، وَهَتَفْتُمْ بِاسْمِهِ؟ وَكَيْفَ لَا تَبْكُونَ الْيَوْمَ مَصْرَعَ مَنْ أَحْبَبْتُمُوهُ وَأَحَبَّكُمْ؟ هَا هِيَ ذِي وَصِيَّةُ «قَيْصَرَ»، الَّتِي أَوْدَعَهَا حُبَّهُ وَإِخْلَاصَهُ لَكُمْ؛ فَآهٍ لَوْ عَلِمْتُمْ مَا تَحْوِيهِ! إِذَنْ لَمَزَّقَ الْأَسَى قُلُوبَكُمْ، وَقَطَّعَ الْحُزْنُ أَفْئِدَتَكُمْ …!»

(١٠) وَصِيَّةُ «قَيْصَرَ»

وَمَا وَصَلَ «أَنْطُنْيُوسُ» إِلَى هَذَا الْحَدِّ مِنْ خُطْبَتِهِ، حَتَّى تَهَدَّجَ صَوْتُهُ (ضَعُفَ وَارْتَعَشَ)، وَبَكَى؛ فَاسْتَبْكَى سَامِعِيهِ، وَصَاحُوا جَمِيعًا، يَطْلُبُونَ إِلَيْهِ أَنْ يَتْلُوَ عَلَيْهِمْ وَصِيَّةَ «قَيْصَرَ».

فَقَالَ «أَنْطُنْيُوسُ»: «كَلَّا، لَا سَبِيلَ إِلَى هَذَا، فَإِنِّي أُشْفِقُ (أَخَافُ) عَلَيْكُمْ أَنْ تَتَقَطَّعَ قُلُوبُكُمْ حُزْنًا، وَتَذُوبَ أَكْبَادُكُمْ أَسًى، مَتَى سَمِعْتُمْ وَصِيَّةَ «قَيْصَرَ»!»

فَصَاحَ بِهِ الْحَاضِرُونَ هَاتِفِينَ: «الْوَصِيَّةَ! الْوَصِيَّةَ! لَا بُدَّ أَنْ تُسْمِعَنَا وَصِيَّةَ «قَيْصَرَ»!»

فَقَالَ «أَنْطُنْيُوسُ»: «إِذَا شِئْتُمْ أَنْ تَسْمَعُوا مِنِّي وَصِيَّةَ «قَيْصَرَ» فَتَعَالَوْا — أَيُّهَا الْإِخْوَانُ — وَالْتَفُّوا حَوْلَ جُثَّةِ عَظِيمِنَا الرَّاحِلِ، لِأُرِيَكُمْ مَاذَا فَعَلَ أَصْحَابُ «قَيْصَرَ»: صَاحِبِ الْوَصِيَّةِ.»

ثُمَّ تَرَكَ «أَنْطُنْيُوسُ» الْمِنَصَّةَ، وَرَفَعَ عَبَاءَةَ «قَيْصَرَ» الَّتِي ارْتَدَاهَا يَوْمَ انْتِصَارِهِ الْمَجِيدِ، ثُمَّ قَالَ: «لَيْسَ لِي مِثْلُ فَصَاحَةِ «بُرُوتَسَ» وَلَبَاقَتِهِ، وَظُرْفِهِ وَفِطْنَتِهِ. وَلَكِنْ حَسْبِي أَنْ أُنْهِيَ إِلَيْكُمْ فَصْلَ الْخِطَابِ (الْقَوْلَ الْحَاسِمَ)، حِينَ أُرِيكُمْ جِرَاحَ «قَيْصَرَ» الْعَظِيمِ، الَّذِي أَخْلَصَ لَكُمْ الْإِخْلَاصَ كُلَّهُ، وَمَحَضَكُمْ (أَصْفَى لَكُمْ) الْحُبَّ وَالْوَلَاءَ. فَإِنَّ هَذِهِ الْجِرَاحَ وَحْدَهَا لَتَنْطِقُ بِأَبْلَغِ لِسَانٍ، فَتُثِيرُ شَكْوَاهَا صُمَّ الْجَمَادِ، وَتُحَرِّكُ أَحْجَارَ «رُومَةَ» جَمِيعًا. انْظُرُوا إِلَى هَذَا الْجُرْحِ الدَّامِي، تَرَوْا طَعْنَةَ «كَسْكَا»، وَتَرَوْا إِلَى جَانِبِهَا طَعْنَةَ «بُرُوتَسَ»: الصَّدِيقِ الْحَبِيبِ إِلَى نَفْسِ «قَيْصَرَ»، وَالصَّفِيِّ الْوَفِيِّ الَّذِي اخْتَارَهُ «قَيْصَرُ»! وَهَا هِيَ ذِي طَعْنَةُ الطَّعَنَاتِ الَّتِي مَزَّقَتْ قَلْبَهُ الشُّجَاعَ!»

وَمَا بَلَغَ «أَنْطُنْيُوسُ» هَذَا الْحَدَّ مِنْ خُطْبَتِهِ، حَتَّى ثَارَ الشَّعْبُ، وَاسْتَوْلَى عَلَيْهِ الْغَضَبُ، وَغَمَرَتْهُ مَوْجَةٌ مِنَ الْحَنَقِ وَالْغَيْظِ. فَصَاحَ الْجَمْعُ مُهْتَاجِينَ: «الْوَيْلُ! ﻟ«بُرُوتَسَ» وَرِفَاقِهِ. أَمَا وَاللهِ لَنُزَلْزِلَنَّ دَارَهُ، وَلَنُحَرِّقَنَّ أَصْحَابَهُ الْغَادِرِينَ!»

فَقَالَ «أَنْطُنْيُوسُ»: «أَنَاةً وَمَهْلًا — يَا بَنِي وَطَنِي — وَصَبْرًا، فَإِنَّكُمْ لَمَّا تَسْمَعُوا وَصِيَّةَ «قَيْصَرَ»!»

فَصَاحُوا: «الْوَصِيَّةَ! الْوَصِيَّةَ! صَدَقْتَ — أَيُّهَا النَّبِيلُ — فَاتْلُ عَلَيْنَا وَصِيَّةَ «قَيْصَرَ»!»

فَقَالَ «أَنْطُنْيُوسُ»: «هَاُكُمُ اقْرَأُوا وَصِيَّتَهُ، وَعَلَيْهَا خَاتَمُهُ، وَانْظُرُوا مَا تَحْوِيهِ. اسْمَعُوا مَا كَتَبَهُ لَكُمْ. لَقَدْ وَهَبَ لَكُمْ — فِي هَذِهِ الْوَصِيَّةِ — كُلَّ مَا يَمْلِكُ مِنْ مَالٍ، وَأَوْرَثَكُمْ فِيهَا كُلَّ مَا فِي حَوْزَتِهِ مِنْ حَدَائِقَ وَمُتَنَزَّهَاتٍ! هَذَا هُوَ «قَيْصَرُ» الَّذِي غَدَرُوا بِهِ؛ فَهَلْ يَجُودُ الزَّمَنُ بِمِثْلِهِ؟»

فَصَاحُوا مَحْزُونِينَ: «كَلَّا، كَلَّا! فَإِنَّ الدَّهْرَ بِمِثْلِهِ لَضَنِينٌ (بَخِيلٌ)!»

(١١) مَقْدَمُ «أُكْتَفْيُوسَ»

وَهَكَذَا أَفْلَحَ «أَنْطُنْيُوسُ» فِي إِثَارَةِ الْجُمْهُورِ، وِإَلْهَابِ نَارِ الثَّوْرَةِ؛ لِيُصْلِيَ (لِيُحْرِقَ) بِهَا أَعْدَاءَ «قَيْصَرَ». فَانْدَفَعَ سَوَادُ الرُّومَانِيِّينَ (عَامَّتُهُمْ)؛ لِيَفْتِكُوا بِقَاتِلِي «قَيْصَرَ» وَأَنْصَارِهِمْ.

وَثَمَّةَ ارْتَاحَ «أَنْطُنْيُوسُ»، وَتَنَفَّسَ الصُّعَدَاءَ (وَالصُّعَدَاءُ: التَّنَفُّسُ الطَّوِيلُ مِنْ هَمٍّ أَوْ تَعَبٍ)، وَقَدِ اطْمَأَنَّ قَلْبُهُ، بَعْد أَنْ أَدْرَكَ مَا يَرْمِي إِلَيْهِ مِنْ تَأْلِيبِ الْجُمْهُورِ عَلَى خُصُومِهِ وَأَعْدَائِهِ.

وَسُرْعَانَ مَا وَلَّى «بُرُوتَسُ» وَ«كَسْيَاسُ» فِرَارًا مِنَ الثَّائِرِينَ، وَخَرَجَا مِنَ الْمَدِينَةِ هَائِمَيْنِ عَلَى وَجْهَيْهِمَا (سَائِرَيْنِ عَلَى غَيْرِ هُدًى، لَا يَعْلَمَانِ لَهُمَا وِجْهَةً.)

وَبَعْدَ قَلِيلٍ، عَلِمَ «أَنْطُنْيُوسُ» بِمَقْدَمِ صَدِيقِهِ «أُكْتَفْيُوسُ» إِلَى «رُومَةَ»؛ فَأَيْقَنَ — حِينَئِذٍ — بِالِانْتِصَارِ عَلَى الْأَعْدَاءِ، وَحَمِدَ اللهَ عَلَى مَقْدَمِ «أُكْتَفْيُوسَ» فِي تِلْكَ السَّاعَةِ الْحَرِجَةِ (الْخَطِيرَةِ)؛ لِتَتِمَّ عَلَى يَدَيْهِمَا هَزِيمَةُ الْقَتَلَةِ الْغَادِرِينَ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤