سقوط شعار تمكين المرأة١

دار الحوار بيني وبين مجموعة من الشباب والشابات حول الانتخابات البرلمانية خلال نوفمبر ٢٠٠٥.

أعلنت إحدى الحاضرات عن سقوط شعار تمكين المرأة، وفشل النساء في هذه المعركة الانتخابية.

وطُرح السؤال: ما معنى كلمة تمكين المرأة؟ وهل تختلف عن كلمة تحرير المرأة؟!

وهل سقطت كل المرشَّحات ما عدا مرشَّحة الحزب الحاكم؟ لكنها لم تنجح بالفعل، وإن نجحت لم تنجح لكونها «امرأة»، بل لكونها أداة للنظام الحاكم بقوته السياسية والاقتصادية والبشرية والإعلامية والأمنية، بالإضافة إلى قوة كونداليزا رايس حاملة شعار تمكين المرأة.

وضحك الحاضرون والحاضرات.

وكانت هناك مرشحة محجبة تحمل شعار تمكين المرأة «من ارتداء الحجاب وعودة المرأة إلى البيت تحت سلطة الزوج».

ما الفرق بين تمكين المرأة في فكر المرشحة المحجبة وتمكين المرأة في فكر النظام الحاكم والمجلس القومي للمرأة تحت رعاية السيدة الأولى؟

وقالت إحدى الحاضرات: كالفرق بين فكر جورج بوش وكونداليزا رايس، وبين فكر بن لادن والطالبان، هؤلاء يجعلونها سلعة في السوق الحرة أو أداة للقمع المودرن الحديث، وهؤلاء يجعلونها أداة للقمع التقليدي القديم؛ كلاهما وجهان لعملة واحدة.

هل فشلُ امرأة في الانتخابات مقياس أو دليل على تخلُّف النساء المصريات؟

– بالطبع لأ.

إن عدد النساء في البرلمان المصري قد لا يعني شيئًا إذا كان هذا البرلمان برجاله ونسائه خاضعًا للنظام الحاكم.

هل غيَّر البرلمان شيئًا من تدهور الأحوال في بلادنا؟ ألم يشارك بعض أعضاء البرلمان في الفساد؟ هل أسقط البرلمان الحكومة؟! ما هذه الضجة الشديدة حول نتائج الانتخابات؟ ما هذه الحُمَّى المنتشرة في العالم تحت اسم الانتخابات البرلمانية أو الانتخابات الرئاسية؟

ولماذا يتقاتل المرشحون والمرشحات إلى حد إراقة الدماء والأموال؟ وفي مصر، البلد الذي يعيش ثلثه تحت خط الفقر، كيف يصبح ثمن المقعد البرلماني الواحد أكثر من راتب الموظف أو العامل في سنة كاملة؟ أمَّا في البلاد الغنية فكم يبلغ ثمن المقعد بالدولار الأمريكي أو الجنيه الإسترليني أو اليورو؟

– يقولون إنهم يتقاتلون من أجل خدمة الشعب والقضاء على الفقر، ومن أجل الحرية والعدالة والديمقراطية!

وضحك الحاضرون والحاضرات.

وما نوع النساء المقاتلات من أجل دخول البرلمان؟

في تجاربنا المصرية مَن دخل البرلمان مِن النساء؟ هل تبنَّت واحدة منهن قضايا النساء؟

وهل هناك فرق كبير بين أعضاء البرلمان من الرجال والنساء من حيث الفكر والمفاهيم؟

ألم تدخل في البرلمان نساء حكوميات (أو غير حكوميات) لا علاقة لهن بقضية تحرير النساء، بل قد يساعدن على ترسيخ القيم التي تحافظ على الوضع القائم؟

إن المقياس الأساسي لمدى تقدُّم النساء المصريات هو مدى مشاركتهن في الحركة السياسية الشعبية من أجل تحرير أنفسهن، وتحرير المجتمع كله، مدى قدرتهن على التنظيم، أو تكوين قوة سياسية قادرة على تغيير النظام والقوانين غير العادلة.

بمعنًى آخَر تكوين حركة نسائية قوية ومتحدة قادرة على الضغط والتغيير.

فهل توجد حركة نسائية في مصر؟

– في عام ١٩٩٩ حدثت حركة نسائية نابعة من النساء أنفسهن، وليس من الحكومة أو الحزب الحاكم. تجمَّعت النساء من مختلف المحافظات في مصر، ومن مختلف الجمعيات، وشكَّلن لجنة تحضيرية لإحياء الحركة النسائية وتجميع صفوفها داخل الاتحاد النسائي المصري، وتحدد يوم ٢٣ أغسطس ١٩٩٩ لإعلان تأسيس اتحاد نساء مصر، إلا أن القوى الحاكمة تدخلت ومنعت هذا النشاط بالطرق البوليسية، والطرق الأخرى المُعلَنة وغير المُعلَنة.

– ولماذا تم ضرب الاتحاد النسائي المصري عام ١٩٩٩؟

– من أجل قيام المجلس القومي للمرأة تحت رعاية السيدة الأولى.

– وماذا فعل هذا المجلس حتى اليوم للحركة النسائية المصرية؟!

وهل يمكن للحركة النسائية في أي بلد أن تكون تابعة للحكومة أو الحزب الحاكم؟!

هل يمكن أن تصبح كونداليزا رايس هي رائدة الحركة النسائية في مصر، وحاملة شعار تمكين المرأة الذي أصبح يجري على ألسنة عضوات المجلس القومي للمرأة ورئيسات الجمعيات النسائية الجديدة التي انتشرت في السنين الأخيرة مثل إنفلونزا الطيور.

وفي جريدة الأهرام (١٢ /١١ / ٢٠٠٥، ص١٤) قرأنا الخبر عن سفر الأمينة العامة للمجلس القومي للمرأة إلى مدينة واشنطن لتشارك في الإعداد للمؤتمر النسائي، الذي يُعقَد في مصر خلال يونيو ٢٠٠٦ تحت رعاية السيدة الأولى.

وضحك الحاضرون والحاضرات. لم يندهش أحد من فشلِ النساء في الانتخابات إلا امرأة واحدة، قالوا إنَّها نجحت في اللحظات الأخيرة، ليس لكونها امرأة، بل لأنها جزء من ترسانة الحكم وأحد أركانه الضالعين في سَنِّ القوانين المُقيِّدة للحريات، ومنها قانون الجمعيات الذي يمنع إنشاء أي جمعية إلا إذا أعلنت الولاء والطاعة.

هذه المرأة الوحيدة التي نجحت في الانتخابات (أو لم تنجح) لها تاريخ عريق في ضرب أي حركة نسائية نابعة من النساء أنفسهن، وليست تابعة للحكومة.

وهل قرأت تصريحات بعض القيادات النسائية في الصحف يوم ١٢ / ١١ /٢٠٠٥، وهن يطالبن بإغلاق المجلس القومي للمرأة واستخدام أمواله في بناء مقابر للنساء؟

وانطلقت بعض الضحكات.

لكن بعض تلك القيادات النسائية شاركن في تكوين المجلس القومي للمرأة، وبعضهن كن عضوات فيه، يعملن تحت رعاية السيدة الأولى، فماذا حدث؟

– القفز من السفينة الغارقة؟

أو ربما القفز إلى السفينة الأخرى الأكثر قوةً سياسيًّا واقتصاديًّا، سفينة رجال ونساء الأعمال الجدد، ذوي البأس والجرأة في نقد النظام الحاكم، والسباحة في السوق الحرة، والبورصة، دون القيود الحكومية والجمارك والضرائب وإشراف الأمن وموظفي الشئون الاجتماعية.

وهل يمكن توجيه اللوم للمجلس القومي للمرأة وحده دون سائر الهيئات الحكومية وغير الحكومية، والتي انتشرت مشروعاتها في الريف والحضر، مشروعات اقتلاع الفقر في العشوائيات، وحماية الأمهات وأطفال الشوارع، ومن الأنشطة التجارية والبيزنس في جمعيات سيدات الأعمال وبنوك إطعام الجوعى من موائد الرحمن في رمضان إلى موائد المضاربات في البورصة، من القاهرة إلى نيويورك وواشنطن وغيرهما.

رغم كل هذه الهيصة لتمكين المرأة لم تتمكَّن هذه الهيئات جميعًا بما فيها المجلس القومي للمرأة، من ترشيح شخصية واحدة جديرة وقديرة على الحصول على ثقة الشعب المصري.

بالطبع هذا الشعب المصري مثل غيره من الشعوب ليس مُقدَّسًا، وهو يعاني الثالوث (الفقر والجهل والمرض) بدرجات متفاقمة، وقد يلجأ إلى بيع أصواته في سوق الانتخابات «الحرة»، وقد أصبحت الانتخابات في مصر «حرة» تابعة للسوق الحرة، والانتخابات الأمريكية الإسرائيلية الحرة، تحرَّرت السياسة والصحافة والاقتصاد والدِّين والأخلاق، أصبح كل شيء يُباع في المزاد العلني وغير العلني، ويدخل ضمن مضاربات البورصة، بما في ذلك أصوات الناخبين والناخبات، السافرات منهن والمحجبات، الحكوميات والمعارضات.

إنَّ فشلَ النساء في الانتخابات ليس إلا جُزءًا من فشل الحركة السياسية المصرية، برجالها ونسائها وأحزابها وجمعياتها، وفشل النُّخبة الحكومية وغير الحكومية.

هناك مرض مزمن ينخر في عضو النُّخَب المصرية من الرجال والنساء؛ فالواحد منهم (أو الواحدة) يمكن أن يكون مع الحكومة ومع المعارضة في آنٍ واحد، ويمكن للرجل منهم (أو المرأة) أن يكون مُرشَّحًا عن الحزب الحاكم وعن الحزب المعارض في آنٍ واحد، ويبدو الأمر طبيعيًّا تمامًا؛ لأن «النفاق» في بلادنا هو «سيد الأخلاق».

بل إن الحزب قد يضم المنشقين عنه إلى صدره الحنون، وقد يطرد غير المنشقين دون رحمة، وقد يضرب من تحت الحزام أو من فوق الحزام، وكل شيء مُباح في السياسة وليست المبادئ أو الأخلاق أو الحق أو العدالة.

وكيف ندفع النساء في مصر إلى مزيد من التمثيل النيابي، وهل من الضروري إجراء تعديل في الدستور وتعديل قانون الانتخابات لضمان وجود مقاعد للنساء أكثر بين نواب البرلمان؟ (أحد الوعود الوهمية في الانتخابات.)

ومَن الذي يُعدِّل الدستور؟! النظام الحاكم؟ هل يمكن أن يصدر «أي نظام حاكم» قانونًا أو دستورًا ينال من قوته وجبروته ويُضعف من سطوته؟

إذا أردنا تعديل الدستور المصري لصالح الشعب المصري نساءً ورجالًا، فإن هذا التعديل يجب أن يقوم به النساء والرجال من الشعب وليس من الحكومة.

وهذا لن يحدث إلا عن طريق «الوعي والتنظيم»، إن الشعب المصري غير واعٍ وغير منظَّم؛ هذه حقيقة.

والنساء المصريات غير واعيات وغير منظَّمات؛ هذه حقيقة.

لقد تم عن عمد تفتيت الحركة النسائية المصرية وتحويلها إلى مجموعة متفرقة متناحرة تحت ظل المجلس القومي للمرأة؛ هذه حقيقة.

والحل الوحيد أمام النساء المصريات (والرجال) هو العمل على خلق حركة سياسية منظَّمة وواعية، وخلق قيادات جديدة بين النساء (والرجال).

هناك قضايا خاصة بالنساء، وهناك قوانين وبنود في الدستور تفرِّق بين المواطنين على أساس النوع أو الجنس؛ فهل يتحمَّس لتغييرها الرجال أو أغلب الرجال؟! أو النظام الحاكم؟

من المعروف أنه لا أحد ينوب عن أحد في مجال التحرير؛ فالحكومة لا تنوب عن الشعب لتحريره، والرجال لا ينوبون عن النساء لتحريرهن، ومن هنا ضرورة إحياء الحركة النسائية المصرية وتجديدها بالدماء الجديدة والأفكار المتقدمة، والسعي لإقامة الاتحاد النسائي المصري أو إعادة إقامته على أسس أكثر عدلًا وحريةً.

١  جريدة العربي، ٢ / ١١ /٢٠٠٥، ص١١.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤