ما هي القضية؟
خلال رحلة لي إلى باريس أثناء احتدام الحرب الجوية ومعركة «الخفجي» مع العراق، دار نقاش حول أزمة الخليج بيني وبين مُثقف عربي مُقيم هناك، ظلَّ يتغنَّى طويلًا بصمود حاكم العراق في مواجهة ثلاثين دولة. وبعد أن صبرتُ على الاستماع إلى قصيدة المدح المُتحمس، طرحتُ عليه سؤالًا واحدًا: ما هي القضية التي يُحارب من أجلِها حاكم العراق حربًا بطوليةً كما تقول؟ وكما توقَّعت، فإن مُحدِّثي لم يُجِب عن السؤال، وكان واضحًا أنه لم يطرحه على نفسه طوال شهور الأزمة.
وأغلب الظن أن نسبةً كبيرة من مُثقفينا الذين تعاطفوا صراحةً أو على استحياءٍ مع صدام، لم يخطر ببالِهم أن يُوجهوا هذا السؤال إلى ضمائرهم، أو أقنعوا أنفسهم بإجاباتٍ سطحية عنه. ذلك لأن حجم المأساة التي دمَّرت العراق والكويت وخرَّبت عقل الإنسان العربي، يظهر أوضح ما يكون حين يسألُ المرء نفسه: ما الذي كان يدافع عنه صدَّام بالضبط حين خاض هذه المواجهة المشئومة ضد العالم؟ ولكن الذي حدث هو أن الكثيرين منَّا تصرفوا كالصبية الذين يُهلِّلون للصٍّ يُقاوم برصاص بندقيته مئاتٍ من مهاجميه، ولا يَدرون أنه في نهاية الأمر لِص، وأنه لا «يستبسل» إلا حفاظًا على مسروقاته.
إن مأساة هذه المُغامرة الفادحة العواقب تتلخَّص كلها في ذلك المشهد الختامي الحافل بالدلالات؛ مشهد الدبابة العراقية المُحطمة، المكدسة بالأجهزة الكهربائية المسروقة. فالدبابة هي الوسيلة التي اختارها النظام العراقي لحلِّ خلافاته مع جارته (أيًّا كان الطرف المسئول عن هذه الخلافات)، والمسروقات هي الهدف مِن العملية كلها، والحطام هو ما حصده العرب جميعًا، وعلى رأسهم العراق، من جرَّاء سكوتهم على الطغيان المُتشبث بمواقِعه في ديارهم.
إنها لحظة لا نظير لمأساويَّتها في تاريخنا المُعاصر، لأنها شطرَتنا نصفَين «من الداخل» على حين أن اللحظة الأليمة الأخرى التي واجهناها في يونيو ١٩٦٧م قد وحَّدتنا، على الأقل، في الشعور بالهزيمة إزاء عدوٍّ خارجي. وكما حدث بعد يونيو ١٩٦٧م أن وجَّهَ المُثقَّفون العرب إلى أنفسهم اللَّوم على أخطاءٍ عديدة لم يكونوا في واقع الأمر مسئولين عنها، فإن أقلامًا كثيرة قد ردَّدت، في صدَد أزمة الخليج الأخيرة، أن المثقفين «جميعًا» قد شاركوا في هذه الجريمة، حين عملوا على تضخيم صورة الزعيم العراقي والتغنِّي بأمجاده والإشادة ببطولته في الدفاع عن بوابة العرب الشرقية، وحين شاركوا في احتفالاته ومهرجاناته التي كان يُحاول أن يستقطب لها ألمع الأسماء من كافة الأقطار العربية.
وحقيقة الأمر أن المُثقَّفين لم يكونوا «جميعًا» مُشاركين في مَوكب المديح الصاخب هذا، وأن منهم من تمسَّك بمبادئه منذُ اللحظة الأولى، وأدرك أن أبسط أشكال التعامُل مع نظامٍ فاشي كالنظام العراقي يعني قبولًا ضمنيًّا لمُمارساته، فوقف ضدَّه موقفًا صلبًا منذ لحظة استيلائه على الحُكم في بلاده.
وأستميح القارئ عذرًا إذ أجد نفسي مُضطرًّا إلى أن أضرب مثلًا لفئة المُثقفين هذه بالمَوقف الخاص الذي اتخذتُه من هذا النظام. ولستُ أستهدف من ذلك أيَّ نوع من الدعاية الشخصية، وإنما أردتُ أن أُقدِّم نموذجًا واحدًا — له بالطبع أمثلة أخرى — لِمُثقفٍ قال «لا» للطغيان، متناسيًا في ذلك أية اعتباراتٍ تتعلق بالمصلحة الشخصية.
ففي خلال إقامتي الطويلة في الكويت:
-
(١)
اتخذت منذ بداية الحرب العراقية الإيرانية، أي منذُ عشر سنوات، موقفًا مضادًّا للمغامرة العراقية التي لن يربح منها إلَّا أعداء أُمتنا. ولمَّا كان الموقف الرسمي والشعبي في الكويت مُتعاطفًا بشدة، في ذلك الحين، مع وجهة النظر العراقية، فقد كان إعلان موقفي هذا، خلال وجودي في الكويت، كفيلًا بإلحاق أضرارٍ بي. وعلى سبيل المِثال فقد هاجَمني سفير كويتي سابق، اشتهر بتوحُّده التام مع الموقف العراقي، في افتتاحية على الصفحة الأولى من جريدة «الأنباء» الكويتية بحجَّة أنني وافد أعمل في الكويت وأقول بآراء مُخالفة لسياستها.
-
(٢)
رفضتُ، طوال ثماني سنوات، دعواتٍ ملحَّة من المستشار الثقافي العراقي في الكويت، حامد الملا، لحضور مهرجانات المربد منذُ سنةِ افتتاحها حتى السنة الأخيرة، إذ كنتُ أرى أنَّ مجرد المشاركة في مهرجانٍ واحدٍ يُقيمه نظام فاشي ينطوي عل قبولٍ ضمني لمُمارسات هذا النظام.
-
(٣)
اعتذرتُ في خطاب رسمي موجَّه إلى المسئولين، عن التقدُّم لجائزة صدَّام حسين حين رشَّحتني كلية الآداب بجامعة الكويت قبل حوالي عامٍ من الغزو.
هذه مجرد نماذج للمواقف التي اتخذتُها منذ سنوات طويلة، وهي تدلُّ على أن موقفي الحالي من الأزمة الخليجية إنما هو استمرار طبيعي لموقف قديم العهد، لا شأن له بالمصالح، بل إنه كان في ذلك الحين ضارًّا أشدَّ الإضرار بهذه المصالح.
وأنا على ثقةٍ تامَّة من أن هناك كثيرين غيري كان موقفهم الراهن من الأزمة الخليجية امتدادًا طبيعيًّا لمواقف سابقة كانوا فيها يُعارضون الدكتاتورية من حيث المبدأ، وكانوا على وعيٍ تامٍّ بأن هذه المعارضة سِباحة ضد تيارٍ كاسح يحسُن بمن يبحث عن المصالح والمنافع أن يُجاريه.
وهذا يُثير سؤالًا جوهريًّا عن موقف المُثقفين الذين اختاروا الوقوف في الطرف الآخر: لماذا اتخذ البعض في بلادنا موقفًا مائعًا من مشكلة الغزو العراقي للكويت، مُتَّبعِين في ذلك الأسلوب المعروف: إننا نُدين احتلال العراق للكويت ولكن … ثم يأتي الموقف الحقيقي بعد «ولكن» هذه؟ إن الخطورة هنا هي أن مبدأ استنكار العدوان الفاشي ليس مبدأً راسخًا في نفوس الكثيرين. والدليل على ميوعة هذا الموقف هو تلك المجموعة من الحجج التي ردَّدها هذا الفريق منذ بداية الأزمة، والتي كانت تؤدِّي جميعًا — من الناحية الموضوعية — إلى دعم الاحتلال والتغاضي عن جرائم النظام الفاشي الذي هبَّ شعبه الآن لمواجهته في بطولة نادرة.
- أولًا: كانت فكرة «الانسحاب المُتزامِن» للقوات العراقية والأجنبية، وهي في ظاهرها برَّاقة، تنطوي على مُغالطة واضحة؛ ذلك لأن حضور قوات الطرفَين لم يكن متزامنًا، بل كانت نقطة البدء في سلسلة الكوارث هي تحرُّك الجيش العراقي لاحتلال الكويت. وعلى الرغم من تهرُّب أنصار هذا الموقف من مبدأ «السبب والنتيجة»، فقد كان لهذا المبدأ أهمية قصوى طوال مراحل النزاع: أزيلوا السبب تَزُلِ النتيجة، أو على الأقل تُصبح إزالتها أسهل بكثيرٍ مما لو ظلَّ السبب قائمًا.
- ثانيًا: كذلك كانت فكرة الحل العربي البحت ترتكِز على أسسٍ لا تصمد للنقد: أولها أن حاكم العراق يُمكن أن يقبل بمبدأ المفاوضة وبما يسفر عنه من نتائج، وهو أمر يُكذِّبه احتلاله المُتسرِّع للكويت في أولى مراحل المفاوضات العربية. وثانيها أنه يحترم مبدأ التضامُن العربي ويقبل وساطة الدول العربية، وهو ما يَدحضه خروجُه السافر عن كلِّ السوابق والأعراف في التعامل بين العرب باحتلاله بلدًا عربيًّا آخر. وثالثها أنه يُفضل العلاقات السلمية مع جيرانه العرب، وهو ما يُفنده غرورُه بجيشه الضخم الذي كان بالمقاييس العربية شيئًا مُخيفًا، واتجاهه إلى فرْض مبدأ «الوحدة» بقوة السلاح. وربما كان الأهم من هذا كله أن نزول العراق إلى ملعب النفط، الذي تتوقَّف عليه أخطر المصالح في العالم المُعاصر، دون أن يكون على استعدادٍ لمنازلة عمالقة هذه اللعبة، ودون أن تكون لديه قضية شريفة يخوض من أجلها الصراع النفطي، كان مِن المُحتم أن يُضفي على النزاع، منذ البدء، طابعًا عالميًّا يتجاوز الإطار العربي بكثير.
-
ثالثًا: أما فكرة إطالة أمَد الحصار
الاقتصادي بدلًا من اللجوء إلى
الحل العسكري، فقد كانت بدَورها
براقة المظهر، ولكنها تُخفي وراءها
خطورةً شديدة. ولن أتحدث هنا عن
الثغرات الهائلة في ذلك الحصار
الذي كانت الدول الصديقة للعراق،
بل وبعض الدول المُعادية له، تخرقه
بلا انقطاع، بل إن الأهم مِن ذلك أن مَن
يُلحُّون على هذه الفكرة يفترضون أن
موضوع انسحاب العراق من الكويت
غير وارد، وأن الاحتلال العراقي
باقٍ، ولا بد أن يبقى، والمطلوب منَّا
هو البحث عن حلٍّ آخر غير الانسحاب
وغير الحرب. ولم يكن خافيًا على أحدٍ
أن استمرار الاحتلال حتى نهاية
موسم الشتاء كان يعني بقاءه عامًا
آخر على الأقل، وخلق أمر واقع
تتوطَّد فيه أركان السلطة المُغتصِبة،
وتكتسِب قوةً مُضافة تزيد من إمكانات تحوُّلها
إلى نموذجٍ يفرض نفسه على المُستقبل
العربي كله.
لقد كان المسلك الوحيد الكفيل بإنقاذ الأمة العربية من الخطر هو أن تتضافر جميع القوى الوطنية في الضغط على النظام العراقي لكي ينسحِب قبل أن تقع الكارثة، ولكن شطرًا هامًّا منها اختار، للأسف، أن يمدَّ في حبال الاحتلال بالحديث العقيم عن الحلِّ العربي وإطالة أمد الحصار الاقتصادي. وحتى لو اضطُر حاكم العراق إلى ابتلاع جزءٍ من كرامته مُقابل إزالة آثار الجريمة الفادحة التي ارتكبها، فإن وضعَه — من حيث الكرامة — كان سيُصبح أفضل بكثيرٍ من وضعه الراهن، الذي اضطُر فيه إلى الانسحاب الذليل، وأصبح — على حدِّ تعبير أكبر أنصاره في مصر — (كالقرد الذي يقول له صاحبه «الْعب يا جمعة») (انظر مقال رئيس تحرير جريدة «الشعب» ٢٦ / ٣).
-
رابعًا: وأخيرًا، فقد كان تحليل هذه
الفئة من الكتَّاب للدور الأمريكي في
هذا النزاع يتَّجه، منذ البدء، اتجاهًا
خاطئًا؛ فمن المؤكد أن الغرب قد خاض
هذا النزاع من أجل
مصالحه، وهو الذي جنى المكاسب كلها في
النهاية، ولكن الذي أعطى، الغرب هذه
الفرصة هو حاكم العراق.
- (١) فعن طريق صدَّام عمِل الغرب على تحجيم الثورة الإيرانية، وزوَّده بأضخم آلةٍ عسكرية في المنطقة بأسرِها.
- (٢) وعن طريق صدام بدَّد الغرب موارد البترول العربي والإيراني وأضاع زهرة شباب البلدَين.
- (٣) وعن طريق صدَّام ضرب مبدأ الوحدة العربية ضربةً ماحقة في الأزمة الأخيرة.
- (٤) وعن طريق صدَّام قدَّم الغرب أعظم الخدمات إلى إسرائيل، فزادت أعداد المُهاجرين المُستوطنين زيادةً ضخمة في زحام أحداث الخليج، وقدَّم إليها الأموال والأسلحة بكمياتٍ هائلة.
- (٥) والأهم من ذلك كله أن الغرب تمكَّن عن طريق صدَّام من حلِّ المشكلة الاقتصادية الكبرى التي ترتَّبت على الاتجاه العام نحو نزع السلاح منذ حدوث التحوُّل الحاسم في العلاقات الدولية عام ١٩٨٩م؛ تلك المشكلة التي تجلَّت آثارها بوضوح في كساد صناعة السلاح وكل ما يرتبط بها من صناعات حيوية. فسرعان ما خاض مبعوث العناية الإلهية لإنعاش الصناعة العسكرية مغامرةً جديدة، كان فيها الحل السعيد للمشكلة، فدارت عجلة تجارة السلاح من جديد، لكي تبيع نواتجها المُميتة بمبالغ طائلة إلى المناطق «الحمقاء» في العالم، وعلى رأسها منطقتنا. وقدمت مغامرة صدام العقيمة إعلانات مجانية لسِلع متوحِّشة مثل باتريوت، وستيلث، وسكود، وجَنَوا هم الأرباحَ الفاحشة، وجنَينا نحن المصائب الفادحة.
لا مجال إذن للمزايدة على خطورة الدور الذي قام به الغرب في هذه العملية، ولكن الذي سكت عنه الكثيرون هو الكشف عن الدور الحقيقي لذلك النظام العربي الذي يعيش بين ظهرانينا، والذي لا عملَ له سوى أن يحل مشاكل الغرب ويُكدس المشاكل فوق رءوسنا. والذي حدث، للأسف، هو أن هؤلاء أساءوا طرح المشكلة منذُ البدء، فصوَّروها بأنها صراع بين نظامٍ وطني يسعى إلى استرداد الحقوق العربية، وبين الغرب المُستغل. وهكذا صفَّقوا للمُذنب الموجود بين صفوفِنا وصبُّوا جام غضبهم على العقرب الأجنبي، ناسين أن من طبيعة العقرب أن يلدغ وأن المَلوم حقًّا هو ذلك الذي غافلنا وجذب ذراعنا وقدَّمها عاريةً إلى العقرب.
إن فَهم حقيقة ما حدث، وتحديد المسئولية عن الكارثة، أمر لا غناء عنه إذا شئنا أن نُخطط لمسارنا المُقبل تخطيطًا سليمًا. وأحسب أنَّ الخطوة التالية هي الوقوف بحزمٍ أمام استمرار أمريكا في تبنِّي وجهة النظر الإسرائيلية التقليدية في الصراع العربي الإسرائيلي.
- ذلك أولًا: لأن إسرائيل هي، في جانبٍ هامٍّ من جوانبها، حقيقة من حقائق الحرب الباردة، كانت لها منذ البدء وظيفة أساسية في الدفاع عن مصالح المعسكر الغربي ضد الخطر الشيوعي في منطقةٍ من أكثر المناطق حساسية في العالم. هذه الوظيفة لم يعُد لها مجال بعد أن وصلت العلاقات بين المُعسكرَين إلى مرحلة التفاهُم والتنسيق، بل بدأت فكرة «المعسكرَين» ذاتها تتلاشى. فما معنى استمرار الانحياز الأمريكي لوجهات النظر التي لم تعُد تُعبر عن حقائق العصر؟
- وثانيًا: فإن ردود فعل الشارع العربي خلال الأزمة الأخيرة قد كشفت عن كميةٍ رهيبة من السخط المُختزن ضد الغرب، بسبب تحيُّزه الدائم لإسرائيل. وإذا كان هذا السخط قد دفع الكثيرين إلى اتخاذ مواقف خاطئة؛ كالاعتقاد بأن صدام حسين هو الذي يُجسد أمانينا في التصدي للغرب وربيبته إسرائيل، فإن هذا لا ينفي أن تلك الجماهير تختزن كميةً من الغضب لن تعرِف معها هذه المنطقة طعم الاستقرار ما لم تتم تهدئتها بحلولٍ جذرية.
هاهنا إذن يأتي أوان «الربط» بين موقف الشرعية الدولية من قضيتي الكويت وفلسطين؛ فقد رفضنا باستنكارٍ ذلك النوع من الربط الذي اصطنعه النظام العراقي في بداية الأزمة، ربط اللصوص والخطَّافين الذين يحتجزون لدَيهم رهينةً إلى أن يتقاضوا الثمن. وكان أسوأ مدخل إلى حلِّ القضية الفلسطينية هو اختطاف بلدٍ كامل وتشريد أهله وتعذيبهم تكرارًا للمأساة التي ما زلنا نُعاني منها إلى اليوم. فلم يكن الهدف عندئذٍ حل القضية الفلسطينية على أيِّ نحو، وإنما كان إحراج المُجتمع الدولي أملًا في أن يترُك الغنيمةَ لقمةً سائغة في يدِ الخاطف. أما الآن، وبعد أن تم حل إحدى المشكلتَين، وبعد أن أدرك العالم كله طوال أيام الأزمة أن القضية الفلسطينية هي أصل جميع المشاكل في المنطقة العربية، وبعد أن أصبحت لدَينا سابقة ملموسة في مراعاة الشرعية الدولية، فمِن الواجب أن تنصبَّ جهودنا جميعًا من أجل إيقاف هذا العبث، ووضع حدٍّ للمواقف الإسرائيلية المتحجرة، والتصدي بحزمٍ للانحياز الأمريكي الذي يُعبر عن مرحلة عفا عليها الزمان. إن أحدًا في أمريكا لن يستطيع أن يبتزَّنا بالإشارة إلى «اللوبي» الصهيوني واقتراب موعد الانتخابات الأمريكية، والحرص على أصوات اليهود، بعد أن بلغت شعبية بوش في بلاده حدًّا يجعله واثقًا من فوزٍ كاسح. وأي موقف مُنحاز تقِفُه أمريكا الآن، سيكون معناه إضاعة فرصةٍ لا تعوَّض للقضاء على ظلمٍ طويل الأمد، وإعلانًا صريحًا للعداوة الدائمة مع العرب، وهو إعلان لا بد أن تكون له عواقبه الوخيمة على المدى الطويل.
القضية إذن هي أن نضالَنا الوطني ينبغي أن يستمر، وأن مُغامرًا جشعًا قد اعترض مسيرة هذا النضال، وحاول أن ينحرِف به إلى مَسارب جانبية تخدم طموحاته الجنونية، ولا يفيد منها سوى أعدائنا. والآن وبعد أن انتهت المغامرة بأكثر الطرقِ دموية، نتيجة لأخطاء الحسابات التي وقعَ فيها هو ومُؤيدوه، فلا بدَّ لنا أن نُواصل المسيرة، مُتحمِّلين كلَّ ما أضافته إلينا المغامرة الفاشلة من أعباء.
١٨ / ٤ / ١٩٩١م