مقدمة

يهدف هذا الكتاب إلى تقديم خطوط عامة عن ماهية المعلومات؛ عن طبيعتها متعددة الأوجه، وعن الأدوار التي تلعبها في العديد من السياقات العلمية، وعن الموضوعات الاجتماعية والأخلاقية التي تثيرها أهميتها المتزايدة. الخطوط العامة انتقائية بالضرورة، وإلا فإنها لن تكون مختصرة جدًّا أو تتسم بطابع تقديمي إلى الموضوع. آمل أن يساعد هذا الكتاب القارئَ في فهم التنوُّع الكبير في الظواهر المعلوماتية التي نتعامل معها يوميًّا، والأهمية العميقة والأساسية لها، ومن ثَمَّ مجتمع المعلومات الذي نعيش فيه.

إن طبيعة المعلومات من حيث كونها تتجلى في صورٍ كثيرة، وما تتسم به من كثرة المعاني يسيء إلى سمعتها؛ فقد ترتبط المعلومات بالكثير من التفسيرات، بناءً على وجهة النظر المُتبنَّاة والمتطلبات والرغبات التي يسعى لها المرء. وفي معرض كلامه عن المعلومات كان أبو نظرية المعلومات كلود شانون (١٩١٦–٢٠٠١) حذرًا جدًّا حين قال:

منح كُتَّابٌ عديدون كلمة «معلومات» معاني مختلفة في المجال العام لنظرية المعلومات. ربما تثبت فائدةُ بعض هذه المعاني في بعض التطبيقات بما يجعلها تستحق المزيد من الدراسة والاعتراف بها بصورة دائمة. «من الصعوبة بمكانٍ توقُّع أن يقدِّم مفهوم واحد للمعلومات تفسيرًا مُقنِعًا للتطبيقات الممكنة المتعددة لهذا المجال العام.» (جرى تنصيص الجملة الأخيرة للتأكيد.)

في حقيقة الأمر، دعَّم وارن ويفر (١٨٩٤–١٩٧٨) — أحد رواد الترجمة الآلية والذي شارك شانون في تأليف كتاب «النظرية الرياضية للاتصال» — تحليلًا ثلاثيًّا للمعلومات من حيث:
  • (١)

    المشكلات الفنية المتعلِّقة بالتحديد الكَمِّي للمعلومات والتي تناولتها نظرية شانون.

  • (٢)

    المشكلات الدلالية المتعلقة بالمعنى والحقيقة.

  • (٣)

    ما أسماه المشكلات «المؤثرة» المتعلقة بأثر وفعالية المعلومات على السلوك الإنساني، والتي رأى أنها تلعب دورًا مساويًا في الأهمية.

يقدِّم شانون وويفر مثالين مبكرين على المشكلات التي يثيرها أي تحليل للمعلومات؛ فقد يكون فيض التفسيرات المختلفة محيرًا، وتكثر الشكاوى حول سوء فهم وسوء استخدام فكرة المعلومات في حَدِّ ذاتها، حتى وإن كان ذلك دون أي فائدة ظاهرية؛ لذا يسعى هذا الكتاب إلى وضع خريطة بالمعاني الرئيسية التي يتحدث من خلالها المرء عن المعلومات، ويجري وضع الخريطة بالاعتماد على تفسير مبدئي للمعلومات يعتمد على مفهوم البيانات. ولسوء الحظ، فإن هذا التفسير الاختزالي أيضًا قابل للاختلاف معه. وإنصافًا لهذا المنهج يمكن القول بأنه أقل خلافية من المناهج الأخرى إذا جازت الإشارة إلى إيجابيات هذا المنهج. بطبيعة الحال، يجب أن يبدأ أي تحليل مفهومي من موضعٍ ما، وهو ما يعني عادةً تبنِّي تعريف قائم للموضوع قيد النظر. لكن ليست هذه الملاحظة المعتادة هي التي أريد التأكيد عليها هنا، فالصعوبة هنا أكثر من ذلك بكثير، حيث لا تزال عملية صياغة مفهوم المعلومات تقف عند حدود تلك المرحلة المؤسفة عندما يؤثِّر عدم الاتفاق على أسلوب صياغة وتأطير المشكلات مؤقتًا، وبناءً عليه، يمكن أن توضع إشارات «أنت هنا» المتعددة الواردة في الأشكال التوضيحية في هذا الكتاب في مواضع مختلفة. الهدف الرئيسي لهذا الكتاب هو وضع عائلة المفاهيم حول المعلومات على الخريطة بصورة راسخة؛ ومن ثَمَّ التمكين من إجراء المزيد من عمليات التعديل وإعادة التوجيه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤