الفصل الأول

البحث عن أُسس

تخيل أن مدينة بضخامة مدينة نيويورك غُرست فجأة في السهل الساحلي لولاية كارولاينا الشمالية ثم ضُوعفت مساحتها. والآن تخيل أن هذه المدينة ليس بها محطات معالجة لمياه الصرف الصحي. هب أن كل المخلفات الناتجة عن ١٥ مليون قاطن تُقذَف ببساطة إلى حُفَر مفتوحة وتُرَشُّ في الحقول.

حوِّل أولئك البشر إلى خنازير، ولستَ بحاجةٍ للتخيل على الإطلاق؛ فهذا المكان موجودٌ بالفعل.

مدينة شاسعة من الخنازير قد ظهرت فعليًّا بين عشية وضحاها في المقاطعات الواقعة شرقي الطريق السريع ٩٥ بين الولايات. إنها مدينة عملاقة قِوامها ٧ ملايين حيوان يعيشون في حظائر عزل معدنية، وكل خنزير يُخلِّف ضعفَيْ إلى أربعة أضعاف المخلفات التي يُخلِّفها الإنسان العادي.

كل ذلك السماد — نحو ٩٫٥ ملايين طن في العام — يُخَزَّن في آلاف من التجاويف الطينية التي تُسمى بحيرات ضحلة؛ حيث تتحلل وتُرَش أو تُنشر على الأراضي المزروعة.

تلك هي بداية سلسلة من الموضوعات الإخبارية التي ظهرت في صحيفة «ذا نيوز آند أوبزرفر» في مدينة رالي، بولاية كارولاينا الشمالية. أن يكون لديك هذا القدر الضخم من السماد في فنائك الخلفي يمكن أن يؤدي إلى مشكلات. تحدثت الصحيفة إلى خبراء، وأوردت ما يلي:
  • استقر رأي أبحاث علمية حديثة على أن ثَمَّة مُلوِّثات من بحيرات الخنازير الضحلة تصل إلى المياه الجوفية. ووفق تقديرات أحد تقارير جامعة ولاية كارولاينا الشمالية، نحو نصف البحيرات الضحلة الموجودة — ربما المئات — يُسرِّب تسريبًا سيئًا بالقدر الذي يؤدي إلى تلويث المياه الجوفية.

  • العلماء بصدد اكتشاف أن مزارع تربية الخنازير ينبعث منها كميات ضخمة من غاز الأمونيا، الذي يعود إلى الأرض في المطر. ويُعتقَد أن الأمونيا يُسْهم في التزايد الهائل والفجائي في نمو الطحالب وهو ما يَسُد الكثير من أنهار الولاية ومصباتها.

  • قال الخبراء إن الرائحة تَمْتَصها الأنسجة الدهنية في الجسم البشري: «ذلك هو السبب في أن بعض الناس يقولون إنهم يظلون يشمون الرائحة بعد تركهم المزرعة بوقت طويل.»

  • يمكن للرائحة أن تكون أكثر من مجرد مصدر إزعاج. قالت باحثة في جامعة ديوك إنها كانت تؤثر على الصحة العقلية للسكان، واكتشفت أن الأشخاص الذين يعيشون بالقرب من مزارع تربية الخنازير الكبيرة عانَوْا من «مزيد من التوتر والاكتئاب والغضب والإرهاق والارتباك مع تراجع نشاطهم على نحو ملحوظ.»

مع كل الشواغل بشأن البيئة وصحة السكان، قد تظن أن الهيئات الحكومية كانت تحاول أن تفعل شيئًا بشأن هذا الوضع الخطر. ظنك ليس في محله؛ فطبقًا لسلسلة الموضوعات الإخبارية لصحيفة «ذا نيوز آند أوبزرفر»:

لست بحاجة لأن تُمعن النظر لتكتشف تداخلات صناعة لحم الخنزير في سياسة ولاية كارولاينا الشمالية وحكومتها، فقط ابدأ من القمة.

السيناتور الأمريكي لوش فيركلوث — عضو بالحزب الجمهوري يقود لجنة فرعية في الكونجرس تختص بالبيئة — هو مُزارع خنازير ثري.

الحاكم المنتمي للحزب الديمقراطي جيم هنت هو أعلى مُتلقٍّ للمساهمات السياسية من وينديل إتش ميرفي، الذي تُعتبر شركته دوبلين كاونتي للخنازير هي الأكبر في البلاد.

رئيس لجنة البيئة في مجلس الولاية، عضو الحزب الجمهوري جون إم نيكولز، يبني مشروعًا ضخمًا للخنازير في مقاطعة كرافين، وسوف يربي خنازير لحساب ميرفي.

رئيس لجنة الكونجرس للبيئة والزراعة، عضو الحزب الديمقراطي تشارلز دبليو ألبرتسون من مقاطعة دوبلين، هو صديق لميرفي، واستنادًا إلى الإسهامات، يُعد المُشَرِّع المُفَضَّل لصناعة لحم الخنزير …

من وجهة نظر الأشخاص الذين لديهم مظالم ضد صناعة لحوم الخنازير، تبدو التحالفات مثل تكتل قُوًى.

«لم نجد من يعيرنا آذانًا متعاطفةً صاغيةً في أي مكان.» هذا ما قاله روبرت مورجان من ليلينجتون، وهو سيناتور أمريكي سابق يمثل المُدَّعين في أربع دعاوى ضد مزارع ضخمة لتربية الخنازير.

القواعد الأخلاقية للهيئة التشريعية لولاية كارولاينا الشمالية لا تمنع الممثلين الذين لديهم مصلحة شخصية في مشروع قانون من الدفع به إلى الهيئة التشريعية. وهكذا اعْتُبِر انتخاب أحد منتجي الخنازير في الجمعية العمومية قانونيًّا وأخلاقيًّا على السواء؛ ومن ثم يمكن مساعدته على تمرير قوانين تعني ملايين الدولارات لشركته ولصناعته.

كانت سلسلة أخبار «الخنزير الملك» مشروعًا مهمًّا لصحيفة «ذا نيوز آند أوبزرفر». أمضت محررة المشروعات الخاصة ميلاني سيل والمراسِلَيْن بات ستيث وجوبي واريك سبعة شهور يجرون مقابلات مع مئات الناس، ويبحثون في تلال من السجلات. المصورون ومصممو الرسوم الفنية، والمحررون كذلك، عملوا في المشروع. كانت النتيجة سلسلة من الأخبار التي أتاحت وصفًا مفصلًا لتزايد مصانع الخنازير، وحفزت الكثير من مواطني ولاية كارولاينا الشمالية على إعادة النظر في تأثير المصانع على الولاية.1 فازت السلسلة بجائزة بوليتزر للخدمة العامة.

في هيوستن، افتتحت محطة «كيه إتش أو يو» التليفزيونية برنامجها الذي يُذاع في الساعة العاشرة بتقرير أعده فريق المدافعين الاستقصائي التابع لها. بدأت المراسلة آنا ويرنر المقطع هكذا:

آنا ويرنر : لقد كان زواجًا جديدًا لسينثيا وسي جيه جاكسون.
سينثيا جاكسون : نحن كنا مجرد شخصين في منتصف العمر يحاولان أن يبدآ من جديد وأن يستمتعا.
ويرنر : وهكذا في أحد أيام شهر يونيو جهزت معلمة الجوقة هذه وزوجها سيارتها الفورد إكسبلورر.
جاكسون : إنه يقول فلنذهب في نزهة فحسب.
ويرنر : وانطلقا صوب جالفستون، ولكن أثناء قيادة جاكسون عائدةً في اتجاه الشمال حدث أمر مُرَوِّع.
جاكسون : بينما كنت أشرع في تغيير الحارات، سمعت صوت فرقعة.
ويرنر : ما سمعَته كان خروج دولاب إطار إحدى العجلات الخلفية، إطار فايرستون راديال إيه تي إكس الذي جاء مع السيارة.
جاكسون : صحت في زوجي، يا عزيزي استيقظ! الشاحنة تهتز!
ويرنر : ثم بدأت السيارة في التدحرج.
جاكسون : وكل ما أتذكره بعد ذلك هو الاستيقاظ في المستشفى.
ويرنر : وكانت تواجه أخبارًا سيئةً. كان يجب بتر ساقَيْها الاثنتين من تحت الركبة. ولكن الأسوأ من ذلك أن مات زوجها الذي قضت معه عامًا ونصفًا … تاركًا إياها بذكرى واحدة عالقة بذهنها.
ويرنر : إذن المرة الأخيرة التي تتذكرين فيها رؤية سي جيه كانت حينما نظر إلى أعلى … هل تجدين نفسكِ تفكرين في ذلك؟
جاكسون (همست) : نعم …
ويرنر : الآن، هي تفعل أفضل ما يمكنها مع حياة شديدة الاختلاف عن الحياة التي كانت قد خططت لها.
بعد ذلك أوردت ويرنر خبرًا عن رئيسة مشجعات تبلغ ١٤ عامًا كانت تركب سيارة فورد إكسبلورر في طريقها إلى تَجَمُّع تحميسي لعودة الخريجين. تمزَّق أحد إطارات السيارة بينما كانت تسير بالسرعة المصرح بها على الطرق السريعة؛ فانقلبت المركبة ثلاث مرات، موديةً بحياة الفتاة. قالت ويرنر لمشاهديها:

هاتان حالتان فقط من حالات مشابهة كثيرة وجدها «المدافعون» في كل أنحاء تكساس؛ تبلغ اثنتي عشرة حالة خلال السنوات القليلة الماضية، وتتضمن كلٌّ منها مزيجًا مألوفًا: سيارة فورد إكسبلورر وإطار فايرستون إيه تي إكس مع ما يُطلق عليه انفصال السطح الخارجي للإطار، حيث ينسلخ حرفيًّا السطح الخارجي للإطار عن الإطار نفسه. يقول الخبراء إنه عندما يحدث ذلك مع بعض المركبات، فهذا يمكن أن يعني حادث انقلاب مدمرًا.

استمر تقرير ويرنر لما يقارب ١٠ دقائق. في سبيل جمع معلومات للتقرير، لم تتحدث ويرنر إلى ضحايا الحوادث المحليين وحسب، بل سافرت إلى واشنطن لتتحدث إلى رئيس سابق للمجلس الوطني لسلامة النقل، وأجرت مقابلة مع خبير في بناء الإطارات وموظف سابق في شركة فايرستون للإطارات، أقر بأنه صنع إطارات رديئة، وتعقبت حوادث مشابهة تورطت فيها سيارات من ماركة إكسبلورر وإطارات فايرستون في ولايات أخرى.

تواصلت ويرنر أيضًا مع شركة فورد ومع شركة بريدجستون/فايرستون للإطارات، وطلبت منهم أن يَقُصُّوا ما حدث من وجهة نظرهم. أخبرها متحدث باسم شركة فورد أن سيارات إكسبلورر لم تكن ملومة؛ لقد كان «خطأ سائق» هو سبب ما وقع من مشكلات. ولم تكن شركة فايرستون لتُعلق تليفزيونيًّا، ولكن أرسلت خطابًا يقول إن الشركة تقف إلى جانب سلامة إطاراتها.

على الفور، بعد أن بُثَّ تقرير ويرنر، غمر المشاهدون المحطة بفيض من التقارير لحوادث أخرى تورطت فيها سيارات إكسبلورر مزودة بإطارات فايرستون. بدأت ويرنر في إجراء متابعة إخبارية للموضوع. عندما علم مسئولو شركة فايرستون أنها كانت تنجز تقريرًا آخر، أسرعوا من فورهم بإرسال خطاب إلى المسئولين التنفيذيين في مؤسسة إيه إتش بيلو، مالكي المحطة. اتهم الخطاب ويرنر ﺑ «التزييف وتحريف الحقائق» في تقاريرها عن الإطارات. كتب نائب رئيس بشركة فايرستون: «نقلت هذه السلسلة بوضوح رسائل مُضلِّلة مفادها أن إطارات راديال إيه تي إكس خطرة، وأنها تهدد سلامة أي شخص يستخدمها، وأنها ينبغي أن تُنْزَع من كل مَرْكَبة مُثَبتة بها.» وأضاف: «كل رسالة من هذه الرسائل هي ببساطة مجافية للحقيقة.» بالإضافة إلى أن محطة «كيه إتش أو يو» كانت — كما ادعت شركة فايرستون — منشغلة ﺑ «إثارة المشاعر ونِسَب المشاهدة» أكثر من خدمة مشاهديها. لو أن المحطة أرادت حقًّا أن تمد يد العون لسائقي منطقة هيوستن، لكانت أعدت تقارير عن «الإجراءات الصحيحة لصيانة الإطارات» و«طرق القيادة الصحيحة».

رغم أن الخطاب لم يرد به ذكر للتشهير ولا هدد صراحةً بإقامة دعاوى قضائية، كان من الواضح أن شركة فايرستون كانت جادةً جدًّا. كانت وسائل الإعلام الأخرى بطيئة في التعامل مع الخبر ونشره، ومضت شهور قبل أن تبدأ الصحف والشبكات في الكتابة عن المشكلات المُحتملة. صرَّح صحفي بمحطة «كيه إتش أو يو» لصحيفة «ذا نيويورك تايمز» أنه اعتقد أن الخطاب الشديد اللهجة من شركة فايرستون قد يساعد في تفسير السبب في إحجام وسائل الإعلام الإخبارية الأخرى. ومع ذلك، لم يؤدِّ الخطاب إلى بث الخوف في محطة «كيه إتش أو يو». بثَّت المحطة مقطعًا مدته تسع دقائق قدمته ويرنر أوردت فيه حوادث أخرى تسببت فيها إطارات مَعيبة.

بعد شهور من التقارير الأولى لمحطة «كيه إتش أو يو»، فتحت الوكالة الوطنية لسلامة الطرق السريعة تحقيقًا استخلص أن محطة «كيه إتش أو يو» كانت على صواب. بدأت شركة بريدجستون/فايرستون في سحب ٦٫٥ ملايين إطار من السوق. ووفقًا لما قاله النائب بيلي توزين من لويزيانا: «لقد تطلب الأمر أن تُحرِج محطةٌ تليفزيونية الوكالة علانيةً كي تدفع الوكالة لأن تتحرك.» وأوردت صحيفة «ذا نيويورك تايمز» في افتتاحيتها: «لولا تقرير تليفزيوني من هيوستن عن المشكلة أدى إلى سلسلة من الشكاوى إلى الوكالة في وقت سابق من هذا العام، لظل غالبية السائقين غير ملتفتين إلى الخطر المحدق بهم.»2

جلبت السلسلة إلى المحطة وإلى ويرنر الكثير من مظاهر الحفاوة والتكريم، بما في ذلك جائزة سيجما دلتا تشي من جمعية الصحفيين المحترفين وجائزة بيبودي المرموقة.

•••

في مدينة سبرينجفيلد، بولاية إلينوي، سمع سكوت ريدر آباءً ومعلمين يسألون بعضهم بعضًا عن السبب في عدم فصل المعلمين غير الأكْفاء. كانت الإجابة دومًا هي نفسها: «لا يمكنهم فصله؛ إنه يتمتع بتثبيت وظيفي.» ومع ذلك فإن ريدر ليس أبًا عاديًّا يشعر بالسخط إزاء نوعية التعليم التي يحصل عليها طفله. يحيط ريدر بحكومة الولاية في إلينوي لصالح صحف في كانكاكي وأوتاوا ومولين وروك آيلاند؛ فقرر أن يكتشف حجم الصعوبة التي كانت تواجهها المدارس لفصل المعلمين السيئين.

لم تكن المهمة سهلة. تحديدًا لم تمتلك ولاية إلينوي قوانين سجلات عامة يقتضي من الحكومات إمداد المراسلين بالمعلومات التي يريدونها، وكانت سجلات المعلمين أكثر صعوبة في الحصول عليها لأنها كانت موزعةً على دوائر مدارس الولاية البالغ عددها ٨٧٦ قسمًا، وعادةً ما كانت سجلات العاملين غير متاحة للاستخدام. إلا أن ريدر لم يكن متهيبًا؛ فأتى بمراسل آخر ليتولى الأخبار الاعتيادية التي عادةً ما كان يكتبها. وفي الأشهر الست التالية، فعل ريدر ما يلي:
  • قدَّم ١٥٠٠ طلب مستنِدًا على قانون حرية الحصول على المعلومات يطلب أن تُطلِعه دوائر المدارس على سجلاتها العامة. في واقعة واحدة، كان على الشركة المالكة للصحيفة التابع لها أن تقيم دعوى قضائية وتحصل على أمر قضائي قبل أن يتمكن ريدر من أن يطَّلِع على السجلات.

  • قرأ كل قضية تحكيم تتضمن معلمًا مدرسيًّا ودائرة مدرسية.

  • أمضى عددًا لا يُحصى من الساعات يُنَقِّب في سجلات المحاكم والوثائق القانونية وتبويب النتائج.

  • أجرى مقابلات مع مئات من الناس، بما في ذلك آباء، وتلاميذ، ومحامون، وخبراء في التعليم.

  • قاد واحدًا من أكبر استقصاءات الوثائق الإعلامية في تاريخ مقاطعة كوك ومقر إدارتها مدينة شيكاجو.

وقد خصص ريدر ستة أشهر للعمل على هذا الخبر وحده، وسريعًا ما أدرك أنه كان ثمَّة الكثير ليفعله؛ فأصبح التحقيق أكثر من عمل بدوام كامل. قال ريدر: «استمررتُ في العمل خلال عدد من العطلات الأسبوعية … لم أحصل على إجازة حتى إنني وجدت نفسي أُدْخِل بيانات على كمبيوتر محمول في جناح الولادة بمستشفى بينما نامت زوجتي ورضيعتي بالقرب مني.»

ما الذي توصل إليه تحقيقه؟ لقد كشف أنه من النادر جدًّا في ولاية إلينوي أن يُفْصَل معلمٌ لديه تثبيت وظيفي. وجد ريدر دائرة ريفية صغيرة واحدة أنفقت أكثر من ٤٠٠ ألف دولار أمريكي على أتعاب المحاماة لفصل معلمٍ واحدٍ، وكانت القضية ما زالت في المحاكم. لم تستطع إحدى الدوائر أن تفصل مساعد مدير أنجب طفلًا من واحدة من طالبات الصف السابع في مدرسته؛ إذ أمره القضاء بأن يدفع نفقة إعالة الطفل، ولكنه احتفظ بوظيفته.

اكتشف ريدر أيضًا:
  • أن ولاية إلينوي بها نحو ٩٥ ألف معلم لديهم تثبيت وظيفي، إلا أنه لا يُفْصَل إلا اثنان كل عام بسبب عدم الكفاءة.

  • في الأعوام العشرة الماضية، لم تُقْدِم ٩٤ بالمائة من الدوائر على فصل معلم لديه تثبيت وظيفي.

  • خلال تلك المدة، ٨٤ بالمائة من الدوائر لم تُعطِ معلمًا لديه تثبيت وظيفي تقديرًا غير مُرضٍ قط في تقييم نهاية العام. «يحصل الجميع تقريبًا على تقدير «ممتاز» أو «فائق».» كما أخبره أحد المشرفين.

يعتقد ريدر أن السبب في أن قلة قليلة من المعلمين السيئين يُكتشَفون ويُفصلون في ولاية إلينوي له علاقة بنفوذ نقابات المعلمين في الولاية. على مستوى الولايات، هم أكبر المساهمين في الحملات السياسية لواضعي تشريعات ولاية إلينوي. لقد مَنحوا أكثر من ١٦ مليون دولار أمريكي في السنوات الاثنتي عشرة الماضية. على المستوى المحلي، أحيانًا ينتخب المعلمون رؤساءهم. عادةً ما تُعقد انتخابات مجالس إدارة المدارس في العام الفردي السابق أو التالي لانتخابات الرئاسة؛ مما يعني أنها تحدث عندما لا يكون ثمَّة سباقات انتخابية تحظى باهتمام إعلامي واسع مثل انتخابات الرئاسة أو انتخابات حاكم الولاية. ولا يُصَوِّت إلا عدد قليل من الناس. يقول المراقبون إن نقابات المعلمين تُخْرِج الناخبين من أجل تلك الانتخابات الثانوية وتنتخب من يُفضِّلهم المعلمون. لا تملك معظم الدوائر أموالًا لزيادات كبيرة في الأجور؛ لذا عندما تطلب الاتحادات أمانًا وظيفيًّا بدلًا من زيادة الأجر، توافق المجالس بسرور على النُّظُم التي تجعل من الصعب تحديد المعلمين الذين يؤدون أداءً متدنيًا وإقصائهم.3

•••

التقارير الثلاثة السابقة هي أمثلة لتقارير إخبارية شاملة ومروية على نحو جيد. سنمضي بذلك خطوة إضافية ونقول إن تلك التقارير تُمَثِّل «الصحافة المراعية للأخلاقيات».

ساهمت هذه التقارير في ضمان حياة أفضل للكثير من الناس. أطلعت سلسلة أخبار «الخنزير الملك» التي أطلقتها صحيفة «ذا نيوز آند أوبزرفر» المواطنين على تطور كبير في ولايتهم ورفعت درجة الوعي لدى الناخبين عن قضية مجتمعية مهمة. أظهر الصحفيون تعاطفًا إزاء أناس افتقروا إلى النفوذ السياسي كي يكون في مقدورهم إعلان وطرح شواغلهم. كان المحررون والمنتجون على استعداد لكشف بعضٍ من أقوى رجال الأعمال والساسة في الولاية.

مما لا شك فيه أن محطة «كيه إتش أو يو» قد عززت من سلامة آلاف من سائقي المركبات؛ فلقد دفعت السلسلةُ الحكومةَ الفيدرالية إلى التحقيق في هذه الحالات. مضت محطة «كيه إتش أو يو» قُدُمًا في الموضوعات الإخبارية رغم أنها كانت تأخذ على عاتقها مواجهة اثنتين من كبريات المؤسسات تنفقان الكثير من المال على الإعلانات التليفزيونية. عندما تساءل سكوت ريدر عن السبب في أن مدارس إلينوي العامة لم تفصل المعلمين السيئين، شرع في سلسلة من الإجراءات تمخضت عن إصلاحات قد يكون من شأنها تحسين جودة التعليم الحكومي في إلينوي.

توضح هذه التقارير حقيقة أخرى عن أخلاقيات مهنة الصحافة؛ فبعكس معظم المحامين والكثير من الأطباء، لا يعمل معظم الصحفيين من أجل أنفسهم. لقد عَمِل هؤلاء الصحفيون لحساب إدارات أظهرت شجاعة في حماية فريق الأخبار من ضغط أُناس ذوي نفوذ في مجال الأعمال وفي الحكومة. كانوا على استعداد لمنح المراسلين الحرية للعمل لشهور على موضوعات إخبارية، بدلًا من تحجيمهم بموضوعات إخبارية يمكن سريعًا عمل تقارير بها من أجل ملء المساحة الإخبارية. منحت صحيفة «ذا نيوز آند أوبزرفر» ومحطة «كيه إتش أو يو» والمجموعات الصحفية الصغيرة التي عمل معها ريدر الصحفيين الوقتَ والدعم اللذين احتاجوا إليهما لصنع صحافة عالية الجودة ومراعية للأخلاقيات.

(١) الصحافة والأخلاقيات

يرى الكثيرون أن عبارة «صحافة مراعية للأخلاقيات» تَناقُض لفظي من نفس فئة «جَمْبَرِي ضخم» و«استخبارات عسكرية». في مجموعة نقاشية على الإنترنت للصحفيين، تهكَّم مراسل يرصد أخبار الشرطة على التساؤلات الأخلاقية معتبرًا إياها «استمناءً عقليًّا لأناسٍ يريدون الحصول على درجة الماجستير.» إنه ليس الصحفي الوحيد الذي لديه فهم خاطئ عن الأخلاقيات. لعل أكثر المفاهيم الخاطئة شيوعًا هي التالية:
  • البعض يتصور الأخلاقيات فقط كقائمة من القواعد التي تحدد بوضوح ما يمكنهم وما لا يمكنهم فعله: لا تَقْبَل المِنَح، لا تنخرطْ في أنشطة قد تخلق تضاربًا في المصالح، لا تنتحل أفكار وتعابير شخص آخر، إلى آخره.

  • يخشى آخرون أنه إذا أفرط المراسلون في انشغالهم بالأخلاقيات، فسوف ينتجون صحافةً باهتةً يعتريها التردد: سوف يكونون بالغي القلق بشأن إيذاء مشاعر شخص ما أو ارتكاب خطأ حتى إنهم لن يسعوا سعيًا نضاليًّا إلى الحقيقة.

  • والبعض يعتبر الأخلاقيات مجرد حيلة من حيل العلاقات العامة لجعل الناس يحبون المراسلين. فكما يقولون، فليس من المفترض أن يكون المراسلون محبوبين. من المفترض أن يقدموا تقارير إخبارية.

بَيْد أن الأخلاقيات أرحب مما يدرك هؤلاء الناس. وكما سيتناول الفصل الثاني، ينظر غالبية الفلاسفة إلى الأخلاق على أنها دراسة الفوارق بين الصواب والخطأ، والطُّهر والفساد، والنفع والضرر. تفرض المهن مطالب أخلاقية أكثر تحديدًا على كاهل ممارسيها؛ فالمحامون، مثلًا، مُطالبون بأن يدافعوا عن موكليهم أفضل دفاع ممكن حتى وإن كانوا يشكُّون في براءتهم، والأطباء يقسمون أنهم لن يتسببوا في ضرر لمرضاهم، والكهنة والأخصائيون النفسيون ملزمون بعدم تكرار ما يجري إطلاعهم عليه أثناء الاعتراف أو الاستشارة.

تمامًا مثلما أن المحامين والأطباء والكهنة لديهم مسئوليات خاصة، الصحفيون أيضًا لديهم التزامات تُعرِّف مهنتهم. ورغم أن البعض قد يعترض على هذه القائمة، فإن غالبية الصحفيين الأمريكيين سيوافقون على أنهم يتقاسمون هذه الأهداف:
  • أن يُطْلِعوا العامة بالوقائع والتوجهات والتطورات بشأن المجتمع والحكومة. الصحفيون ملزمون بجمع معلومات بأفضل ما بوسعهم وأن يقولوا الحقيقة حسبما يجدونها. ويجب أن يكونوا غير متهيبين في سعيهم إلى الحقيقة ولا يعوقهم تضارب المصالح.

  • أن يعاملوا الناس — سواء أولئك الذين يدخلون ضمن قاعدتهم الجماهيرية أو أولئك الذين يصنعون الخبر — بإنصافٍ واحترامٍ، بل وبتعاطفٍ. لن يفيد الصحفيين النضالُ من أجل الحقيقة لو كان عدد كبير من الناس لا يصدقون التقارير الإخبارية لأنهم لا يثقون في الإعلام الإخباري أو لا يحترمونه.

  • أن يرعوا العملية الديمقراطية؛ فلكي يحكم الناس أنفسهم، ينبغي أن يكونوا مُطَّلِعين على قضايا وإجراءات حكومتهم. وسائل الإعلام الإخبارية هي المزود الرئيسي لتلك المعلومات.

(١-١) الصحافة والمجتمع الديمقراطي

التوقع بأن الصحفيين ينبغي أن يستكشفوا كلًّا من القضايا الاجتماعية والسياسية كان أمرًا أساسيًّا في الولايات المتحدة منذ وقت طويل. حتى قبل الثورة الأمريكية، كانت الصحف تقود المعارك في القضايا الدينية والصحية والسياسية. مثال ذلك، صحيفة أسسها الشقيق الأكبر لبن فرانكلين، جيمس، تصادمت مع رجال الدين البروتستانتيين حول قضية تطعيمات الجدري. ومع اقتراب الثورة، استخدم المهاجرون المنشورات والصحف لحشد التأييد ضد إنجلترا. وبعد فرض البريطانيين قانون التمغة البغيض، تنامى الاهتمام بالسياسة وتنامى بالمثل عدد الصحف الأمريكية. كانت هذه الإصدارات تمثل إلى حد بعيد جانبًا من الحياة الفكرية الأمريكية حتى إنه ما إن أُنشئت الدولة الجديدة، حتى ضَمِن التعديل الأول للدستور حرية الصحافة.

رغم أن المؤرخين يتجادلون بشأن الأفكار التي كانت في أذهان الآباء المؤسسين عندما كتبوا التعديل الأول، اعتقد المحررون الأمريكيون الأوائل أنهم فهموا كيف كان ينبغي أن يصبح دورهم في ظل هذه الديمقراطية الجديدة. تبدو تعليقاتهم عصرية جدًّا؛ فذهب أحد محرري كارولاينا الجنوبية إلى القول إنه ما دامت الصحف تُحْكِم الرقابة على الكونجرس، فلن يكون في مقدور أعضاء مجلس الشيوخ «خيانة الثقة الممنوحة لهم، أو أن يبدِّلوا الأمور المهمة إلى نكات، أو أن يقللوا من شأن المسائل المصيرية.» فسَّر محرر آخر التعديل الأول على نحو يقترب كثيرًا من تفسير المحكمة العليا بعد أكثر من ١٨٠ سنة في حكمها في قضية صحيفة «ذا نيويورك تايمز» ضد سوليفان؛ إذ كتب يقول: «يجب أن يُسمح بحيزٍ كبير عند مناقشة الشئون العامة، وإلا فلن تحقق حرية الصحافة نفعًا للمجتمع.»4 من وجهة نظر هؤلاء الصحفيين المهاجرين، كانت حرية الصحافة من الأمور الحيوية لإنجاح التجربة الأمريكية في الديمقراطية.
ويخالج محررو العصر الحديث نفس الشعور: «إذا نظرت إلى تاريخ هذا البلد … الشيء الذي يجعل هذه التجربة الحكومية متفردة وسط الديمقراطيات لطالما كان الاستقلالية المستمرة للصحف اليومية التي هي بمثابة ناقد وجهاز رقابة على الحكومة.» هذا ما قاله جيمس دي سكوايرز، حينما كان محرر صحيفة «شيكاجو تريبيون». «هذا يسير جنبًا إلى جنب مع كوننا المِنْبَر الذي يجري فيه النقاش السياسي.»5 ثيرتي أمريجار، مراسلة لحساب صحيفة «أكرون بيكون جورنال»، زعمت أن «الصحافة مهنة مثالية. فهي مرتكزة على الاعتقاد المفعم بالأمل أنه إذا عرف القراء الحقيقة، فسوف يتخذون قراراتٍ حصيفة مُطَّلِعة من شأنها أن تغير الأمور إلى الأفضل. قوة القلم وحرية الصحافة والتعديل الأول بمنزلة أفكار متفائلة، بل مُبهِجة.»6
يساور البعض قلقٌ من أن كثيرين من طلبة الصحافة اليوم لا يُقدِّرون الدور الذي تمارسه الصحافة في الديمقراطية. كشفت دراسات عن أن الكثير من الطلبة ينجذبون إلى الصحافة المقروءة؛ لأنه قيل لهم إن بإمكانهم الكتابة. وعلى نفس المنوال، كشفت دراسة حديثة أن نحو نصف الطلاب الذين سلكوا تخصص الأخبار المُذاعة انجذبوا إلى ما أُطلق عليه الجانب «التمثيلي» من العمل؛ فقد أرادوا أن يكونوا شخصيات تليفزيونية.7 ولا تنجذِب أي مجموعة إلى المبادئ الجوهرية للصحافة. عندما يبدأ بعض الطلاب العمل في الإعلام الإخباري، يطورون فهمًا لأهمية الصحافة، ويرَوْن التأثير الذي يمكنهم أن يُحْدِثوه. للأسف، لا يُدرك آخرون ذلك أبدًا؛ فينتهجون نظرة تهكمية تشاؤمية عن مهنتهم، وعادةً ما تنعكس هذه التهكمية وهذا التشاؤم على جودة عملهم.

(١-٢) الصحفيون كأداة رقابة

ظل الصحفيون يتحدثون عن «دورهم الرقابي» منذ الأيام الأُولى للجمهورية الأمريكية. وثمَّة عبارة أُخرى تُستَخدَم لتعريف دور الصحفيين هي عبارة حديثة نسبيًّا. أصبحت عبارة «حق الجمهور في المعرفة» (أو ما يُطلَق عليه «حرية تدفق المعلومات») بمثابة تعويذة للصحفيين الأمريكيين بعد الحرب العالمية الثانية؛ إذ كافح الصحفيون لتوسيع إمكانية الوصول إلى معلوماتٍ عن الحكومة.

إن التصور القائل بأن الصحفيين هم بمثابة أداة رقابة في مجتمعاتهم هو تصورٌ شائعٌ في أنحاء العالم الناطق باللغة الإنجليزية. تتبع الأغلبية الساحقة من الصحفيين الأمريكيين — وتحديدًا صحفيو الصحافة المقروءة — دور الجهاز الرقابي. وجد استقصاء واسع النطاق أن نحو ثُلُثَي الصحفيين الأمريكيين قالوا إن تحري الادعاءات الحكومية كان من بين أولوياتهم القصوى.8 بل إن الصحفيين البريطانيين والأستراليين هم أكثر التزامًا بدور الجهاز الرقابي؛ إذ إن نسبةً تتجاوز ٨٠ بالمائة منهم يدرجونها ضمن الأدوار الأكثر أهمية للإعلام الإخباري.
يرى الصحفيون في بعض الأمم الأخرى دورهم بطريقة مختلفة؛ فنحو ١٢ بالمائة من الصحفيين في ألمانيا و٢٥ بالمائة في هولندا هم فقط من يعتبرون أن تحري الادعاءات الحكومية هو دور مهم للإعلام الإخباري؛ فالمرجح أنهم — مثل الكثير من الصحفيين الأوروبيين — يعتبرون تحليل وتأويل الأخبار مسئولية رئيسية.9 كتب آدم جوبنيك في صحيفة «ذا نيويوركر»: «يميل الصحفيون الفرنسيون إلى الاعتقاد بأن ثمَّة أمورًا أكثر تشويقًا، يمكن للمرء فعلها في الحياة، من مضايقة سياسي أو موظفٍ عام ما، لم يُدلِ أبدًا بشيء مشوق من الأساس للحصول على تعليق جديد منه.» لا تكمن قوة أهم صحيفة في فرنسا — وهي صحيفة لوموند — في تقاريرها الشاملة، بل في القسم الضخم بها الذي يضم المقالات التحريرية ومقالات الرأي، حسبما قال جوبنيك.10 قررت مجموعة من الباحثين أن الفروقات بين الثقافتين الإخباريتين كانت كبيرة؛ حتى إنها حددت اتجاهات الصحفيين بأنها إما أنجلو أمريكية أو أوروبية.
تمزج الكثير من المدونات السياسية والإخبارية الأمريكية روح الرقابة الأمريكية بجرعات مكثفة من التحليل. تختلف هذه المدونات كثيرًا عن وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية، حتى إن كثيرين يرفضون أن يطلقوا عليها «صحافة». وبسبب أن معظمها يصنع قدرًا قليلًا من التقارير الأصلية، قال الصحفي المخضرم مايكل شير لحشد من المدونين: «أنتم نشطاء سياسيون. أنتم مروجو شائعات، أنتم محرضون. أنتم لستم بصحفيين.»11 يرى آخرون المدونات في صورة «صحافة تشاركية»؛ لأنها تنقل أخبارًا وتستجلب معلومات من مصادر عديدة بما في ذلك الإعلام التقليدي ومدونون آخرون وقُراء مدوناتهم.
وسواء كان عملهم يؤهلهم للقب «صحفيين» أم لا، ليس ثمة شك في أن الكثير من المدونين يأخذون على محمل الجد دورهم كأداة رقابية في مجالات تخصصهم. الكاتبة الصحفية آريانا هافينجتون — التي تعتبر مدونتها هافينجتون بوست واحدةً من أكبر المدونات — تسمي المدونين «كلاب البيتبول الحقة في مجال التقارير الإخبارية.» (كناية عن شراستهم وعدم تراجعهم مهما كلف الأمر) وتشير إلى أن المدونين قد ألحقوا ضررًا كبيرًا بالعديد من كبار الساسة في السنوات الأخيرة. فأُسْقِط الجمهوري ذو النفوذ السيناتور ترينت لوت بعد أن بدا مولعًا بأيام الفصل العنصري في الجنوب. كتبت هافينجتون تقول: «لقد حوَّله المدونون من زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ إلى ألعوبة سياسية بتعقبهم لخبر تجاوزته وسائل الإعلام عمومًا.»12 بعد أن استخدم جورج ألن السيناتور عن ولاية فيرجينيا في إحدى خطبه ما بدا وكأنه تعبير عنصري. أبقت المدونات على الخبر متقدًا، وكشفت مزاعم أخرى عن ماضي ألن؛ فخسر بفارق ضئيل في جولة إعادة انتخابه. كان لمواقع الويب مثل هذا التأثير على انتخابات عام ٢٠٠٦م التي قالت صحيفة «ذا نيويورك تايمز» إنها كانت أول انتخابات تؤثر فيها المدونات وموقع يوتيوب، وتنبأت بأن هذه المنابر الإعلامية الجديدة ستلعب دورًا أكبر في السياسات الوطنية.13

(١-٣) الجمهور يتشكك فيمن نصَّبوا أنفسهم رقباء

بينما قد يعتبر صحفيو الصحافة التقليدية في بريطانيا وأستراليا والولايات المتحدة أنفسهم رقباء يحمون الجمهور من الانحراف الحكومي، يُفَضِّل كثيرون من الجمهور أن تُتاح لهم حماية من الإعلام. فقد الجمهور الكثير من إيمانه في القائمين على الأخبار. في أستراليا، وفي أحد الاستقصاءات قُيِّم الصحفيون تقييمًا أدنى من موظفي المبيعات. في بريطانيا قال ١٥ بالمائة فقط من الجمهور إنهم توقعوا من صحفيي الصحافة المقروءة أن يطلعوهم على الحقيقة، بينما توقع ٥٢ بالمائة أن يخبرهم بالحقيقة أشخاص غرباء.14 وجد استقصاء آخر أن ٢٠ بالمائة فقط من الناس في بريطانيا كان لديهم ثقة في صحفهم. تلك كانت النسبة الأدنى بين دول الاتحاد الأوروبي، وحتى أدنى من إيطاليا التي امتلك فيها رئيس الوزراء — في الفترة التي أُجري فيها الاستقصاء — الكثير من الشبكات التليفزيونية والصحف في الدولة، وألزمهم بتأييد سياساته. كانت الثقة في أعلى معدلاتها في بلجيكا ولوكسمبورج وفنلندا؛ حيث قال نحو ٦٠ بالمائة من سكان هذه الدول إنهم يثقون في الإعلام الإخباري.15
يشهد احترام الأمريكيين للصحفيين تراجعًا حادًّا؛ في ثمانينيات القرن العشرين، كانت ثقة الجمهور الأمريكي في الإعلام الإجباري تماثل ثقته في معظم الجوانب الأخرى من المجتمع، ولم يمنح سوى ١٦ بالمائة من الأمريكيين معدلات مصداقية منخفضة لصحيفتهم اليومية. في الوقت الحالي، يبلغ هذا الرقم ٤٥ بالمائة. كتبت المديرة المساعدة لمركز «بيو» للدراسات، كارول دوهرتي: «سقطت كذلك ثقة الجمهور في شبكات البث الثلاث، والمجلتين الإخباريتين الرئيسيتين («تايم» و«نيوزويك»)، وشبكة «سي إن إن». النسبة التي تفيد بأنهم قد لا يثقون إلا بالقليل مما شاهدوه على شبكة «إيه بي سي» الإخبارية ارتفعت من ١٣ بالمائة إلى ٣٦ بالمائة، وشبكة «سي إن إن» من ١٥ بالمائة إلى ٢٨ بالمائة، وهكذا.» إن الجمهور — على أحسن تقدير — غير متيقن بشأن الوثوق في الإعلام الإخباري باعتباره أداتهم الرقابية. واختتمت دوهرتي قائلة: «في نهاية المطاف، لا يعتقد المزيد والمزيد من المواطنين كل عام أنه يمكنهم الثقة في الصحافة على الإطلاق.»16
يشير باحثون آخرون إلى أن الأمريكيين قد غفلوا عن إدراك الأهمية التي أولاها الآباء المؤسسون للإعلام الإخباري. فلم يستطع سوى ١٤ بالمائة منهم أن يذكروا أن حرية الصحافة واحدة من الحريات التي يحميها التعديل الأول للدستور. (تبين أن احتمالات اعتبار الأمريكيين حرية العقيدة ضرورة من ضرورات الديمقراطية أعلى من احتمالات اعتبارهم حرية الصحافة ضرورة للأمر نفسه.) قال نحو ٤٣ بالمائة إنهم يرون أن الإعلام الإخباري حصل على «حرية أكبر مما ينبغي.» وقرابة واحد من كل أربعة أشخاص اعتقد أن الحكومة يجب أن يكون بمقدورها أن تُخْضِع الصحف للرقابة.17 من المدهش والمحير أن الكثير من الأمريكيين يُؤْثِرون أن يكون لديهم موظفون بيروقراطيون حكوميون ينقحون الأخبار على أن يكون لديهم صحفيون.
وقد تزداد الأمور سوءًا؛ إذ يبدو أن طلبة المدارس الثانوية يقدمون دعمًا أقل من ذلك لحرية الصحافة؛ فما يزيد عن واحد من كل ثلاثة من طلبة المدارس الثانوية أخبر الباحثين أنه يعتقد أن الدستور «يُفْرِط» في الحريات التي يكفلها. وقال نحو نصف الطلاب إنهم لن يكون لديهم اعتراض على القوانين التي قد تُفرض على الإعلام الإخباري والتي من شأنها أن تفرض عليه الحصول على موافقة حكومية قبل نقل الأخبار. صرح هودينج كارتر الثالث — رئيس المؤسسة التي مولت الدراسة — لوكالة «أسوشيتد برس» قائلًا: «هذه النتائج ليست مثيرة للقلق فحسب؛ إنها خطيرة. الجهل بمقومات هذا المجتمع الحر هو خطر يحيق بمستقبل أمتنا.»18
لعل أكثر الاتهامات صراحةً للصحافة هو ما ورد في بحث استقصائي واسع النطاق أجراه أستاذ الصحافة روبرت أو ويات منذ بضعة أعوام. رغم أن الأمريكيين يفتخرون بأنهم يعيشون في بلد حر، فقد وجد ويات أنهم ما كانوا ليصادقوا على التعديل الأول للدستور لو كان أُجري الاقتراع عليه في الوقت الحالي.19

(١-٤) هل الأمور بهذا السوء حقًّا؟

ثمة لغز محير هنا؛ سيقول الكثيرون إن التغطية الإخبارية في الوقت الحالي أفضل كثيرًا مما كانت، لنقُل، منذ ٤٠ عامًا. تقدم كل من التقارير التليفزيونية والصحفية في الوقت الحالي أخبارًا شاملة حول موضوعات أكثر تنوعًا. يتيح التقدم المحرز في التكنولوجيا للبرامج التليفزيونية الإخبارية تقديم تقارير حية لمعظم الأخبار العاجلة. وتركز الصحف على الأخبار المفصلة. أوجدت شبكة الإنترنت مئاتٍ من المصادر الجديدة للمعلومات والتعليقات. يتسم صحفيو هذه الأيام بأنهم أفضل تدريبًا وتعليمًا ودخلًا، وأكثر حرفية من أي وقت مضى، بل قد يكونون أكثر مراعاة للأخلاقيات من غالبية الناس. وجدت دراسة تستخدم اختبارًا قياسيًّا في علم الاجتماع عن التفكير الاعتباري والأخلاقي أن الصحفيين كانوا «مفكرين أخلاقيين متمرسين» أكثر مما كان الناس في معظم المهن. وخلصوا إلى أن: «التفكير كصحفي يتضمن تأملًا أخلاقيًّا، يحدث عند مستوًى يكافئ أو يفوق في معظم الحالات أعضاء المهن الأخرى المكتسبة من خلال التعلم.»20
قارن الباحثون بين الكيفية التي يرى بها الصحفيون أنفسهم وبين تلك التي يراهم بهم الجمهور. واستخلصوا أن «الصحفيين يعتقدون أنهم يعملون من أجل المصلحة العامة، ويحاولون أن يكونوا منصفين ومستقلين في سبيل تلك القضية. يعتقد الجمهور أن هؤلاء الصحفيين إما يكذبون عليهم أو يضللونهم، ويعتقد الجمهور أن المؤسسات الإخبارية تعمل في أكثر الأحيان من أجل جني المال، وأن الحافز الرئيسي للصحفيين الذين يعملون لحساب هذه المؤسسات هو الطموح المهني والمصلحة الشخصية.»21

حاول الكثيرون تفسير هذه المعضلة بالإشارة إلى أن احترام الأمريكيين لكل المؤسسات، بما في ذلك الكنائس والمدارس والحكومة قد تدنَّى. وهم محقون إلى حد ما. ومع ذلك لم تفقد أي من هذه الفئات احترامًا بقدر ما فقد الإعلام الإخباري.

ربما تشكلت نظرة الجمهور للصحفيين نتيجة لعوامل متنوعة. أحد هذه العوامل قد يتمثل في أن الجمهور أصبح أكثر اعتيادًا على الكيفية التي تُجمَع بها الأخبار، وهذا الاعتياد تولَّد عنه ازدراء. منذ زمن ليس ببعيد، كان إذا أقام سياسي أو قائد عسكري مؤتمرًا صحفيًّا، كان الجمهور إما أن يقرأ عنه في الصحيفة أو يشاهد أبرز النقاط في أخبار المساء. لم يكن الجمهور أبدًا ليعرف إذا ما كان الصحفيون قد سألوا أسئلة غبية أو تصرفوا بطريقة همجية. في الوقت الحالي، من المرجح أن يُبَث المؤتمر الإخباري بثًّا حيًّا؛ فيمكن للجمهور أن يشاهد الصحفيون أثناء أدائهم عملهم، وعادةً ما لا يكون ذلك أمرًا لطيفًا.

كان للشبكات التليفزيونية الإخبارية التي تعمل على مدار الساعة تأثير أيضًا؛ فبعض التغطيات كانت مبهرةً، لا سيما التغطيات المتعلقة بهجمات الحادي عشر من سبتمبر. ومع ذلك فالدورة الإخبارية الممتدة على مدار الساعة والمقترنة بالسعي المستمر لتحقيق أعلى نسب مشاهدة تسببت في أن تفرط قنوات الكابل الإخبارية في عرض أخبار تافهة. وفجأة أصبحت مطاردة الشرطة لسيارة مسروقة في كاليفورنيا خبرًا وطنيًّا. ويتلقى خبر مراهق مفقود في جزيرة أروبا — التي هي بالتأكيد قصة إخبارية — نفس التغطية المكثفة التي يتلقاها اندلاع الحرب. كذلك، أوجدت قنوات الكابل الإخبارية «العروض الصاخبة» التي يُستحَث فيها الضيوف على إجراء مناقشات غاضبة. عادةً ما يكون مُضيف هذه البرامج شخصية إخبارية تخلط الحدود الفاصلة بين أدوار مذيع الأخبار ومذيع البرنامج الحواري، وكاتب المقالات، والمعلق، والمراسل. على سبيل المثال، بيل أورايلي على قناة فوكس نيوز يعترض على وصفه بالمراسل، مفضلًا مصطلح «محلل». ومع ذلك فكثير من الأمريكيين لا يدركون الفارق، ويحكمون على كل الصحفيين عن طريق سلوكهم.22
كذلك يتعرض الصحفيون للهجوم من الكثير من الساسة الذين اكتشفوا أن التهجم على الإعلام هو أسلوب دعاية فعال. «الإعلام هو كبش الفداء المفضل للجميع»، حسبما قال ماثيو تي فيلنج، مدير الإعلام لمركز أبحاث إعلام حيادي. «عندما يهاجم الساسة بعضهم بعضًا، فهذه سياسة حزبية مزعجة، ولكن عندما يهاجم الساسة الإعلام، ينضم الجميع إلى الرَّكْب.» إذا تعرضت حملةٌ ما لعقبةٍ شديدة، يفضل المرشحون ألا يقروا بوجود مشكلة، وسيصورون أنفسهم على أنهم ضحايا صحافة شريرة مُغرضة.23 البرامج الحوارية الإخبارية — التي تنبع في بعض الأحيان من التزام بتقديم تغطية متوازنة — تُناقِش هجمات المرشحين على الإعلام، وهو ما يؤدي من ثَمَّ إلى تزايد النقد، ويدعم بلا شكٍّ الآراء السلبية في الإعلام في أذهان الكثير من الناس.
تُشَكِّل البرامج التليفزيونية أيضًا بعض التصورات بشأن الصحفيين؛ فوحدهم ضباط الشرطة والمحامون يُعْرَضون بدرجة أكبر من الصحفيين أثناء برامج الترفيه وقت ذروة المشاهدة. بَيْد أنه نادرًا ما يكون هذا التصوير للإطراء؛ فتبعًا لإحدى الدراسات، يُعرَض ١٤ بالمائة فقط من شخصيات المراسلين الصحفيين التخيلية و٢٤ بالمائة من أقرانهم التليفزيونيين بطريقة إيجابية. ويُصوَّر معظم المراسلين على أنهم لا أخلاقيون وقذرون وعديمو الإحساس وحمقى.24
ورغم أن بعض الأفلام الحديثة العهد قد قدمت صورًا إيجابيةً لصحفيين، فإن هذا ليس هو المعتاد على وجه العموم؛ فبعد أن شاهد أحد الباحثين في بداية تسعينيات القرن العشرين أكثر من ١٠٠٠ فيلم يُصور الصحفيين، قال إن عددًا محدودًا جدًّا من هذه الأفلام أظهر الصحفيين على أنهم ذوو مستوًى متواضع من الكفاءة.25 حمل موضوع إخباري في صحيفة «ذا نيويورك تايمز» عن المراسلين في الأفلام عنوانًا رئيسيًّا «الأفلام تنسف الإعلام، والمشاهدون يبتهجون.» أوضح جلين جاريليك أن صورة المراسلين قد تغيرت؛ فالردود اللبقة للمراسلين القدامى قد أصبحت غطرسةً، والمراسلون الذين كانوا يُعرَضون في صورة الطبقة العاملة عدوة الادعاء، الآن يُنْظَر إليهم هم أنفسهم كمُدَّعين.26 ومع استمرار تراجع احترام الجمهور للصحفيين خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، زعمت كاتبة أخرى في صحيفة «ذا نيويورك تايمز»، وهي كارين جيمس، أن الأفلام تعامل الصحفيين على نحو أسوأ من ذلك؛ إذ كتبت تقول: «مع تراجع مستوى الثقة، تتزايد احتمالية تصوير الأفلام للمراسلين تصويرًا سلبيًّا؛ وبأثر تراكمي، كلما ازداد ظهور المراسلين على الشاشة بصورة بغيضة، ازدادت تلك الصورة رسوخًا.» كمثال، أوردت جيمس ما دعته «مشهد الطرح أرضًا» في فيلم «سندريلا مان» الذي يجعل فيه صحفي عديم الإحساس زوجة ملاكم تبكي لسؤاله لها عما إن كانت تعتقد أن زوجها سوف يُقتَل على الحلبة.27

أيضًا أصبح الجمهور الأمريكي على وعي بأن الإعلام مملوك لمؤسسات أعمال ضخمة من خارج الولايات المتحدة، وتلك اهتمامها منصب على الأرباح أكثر من المصلحة العامة. ورغم أن الصحفيين — وبالأخص الصحفيين العاملين في الصحافة المقروءة — قد يرون أنفسهم باحثين مستقلين عن الحقيقة، يراهم الكثير من الجمهور مجرد خُدَّامٍ يعملون لحساب الشركات الأمريكية. عندما تُخَفِّض الشركات عدد المراسلين الذين يغطون الأخبار، فإنها تعزز اعتقاد الجمهور بأن الدور الرئيسي للصحف هو ملء جيوب المالكين الأثرياء، وليس تقديم خدمة عامة.

عامل آخر من العوامل المُفضية إلى التدهور فيما يتعلق بالصحفيين هو جنوح الكثير من الناس نحو تجميع كل المصادر الإخبارية في كيان واحد. عبارات مثل «وسائل الإعلام الرئيسية» تخفي تنوعًا مذهلًا من وسائل الإعلام الإخباري. يجمع المصطلح برامج المناظرات على قنوات الكابل الإخبارية مثل برنامج «ذا أورايلى فاكتور» مع صحيفة مثل «ذا نيويورك تايمز»، والأخبار التليفزيونية المحلية المليئة بالجريمة في بعض الأسواق مع البرامج الإخبارية الليلية للشبكات، وإثارة جيرالدو ريفيرا الإعلامية مع برنامج جيم لهرر المتزن «نيوز آور» على شبكة بي بي إس. وحدة وسائل الإعلام الرئيسية هذه تصبح كيانًا واحدًا كبيرًا يسهل الهجوم عليه. على سبيل المثال، بعد موت الأميرة ديانا، ألمحت روايات إخبارية أولية خطأً أن المصورين المستقلين، الباباراتزي، تسببوا في حادث التصادم الذي أودى بحياتها. في اليوم التالي، تلقى المصورون العاملون لحساب المنافذ الإخبارية في المدن الأمريكية الصغرى السباب من المارة ووُصِفوا ﺑ «قتلة ديانا». عندما سأل مراسل في مؤتمر إخباري امرأة — قالت إن الرئيس بيل كلينتون قد أقام علاقة معها — عما إذا كان يستخدم واقيات ذكرية، استنكر أُناس كثيرون مسلك المراسلين عديمي الإحساس. طرح السؤالَ «مراسلٌ» من برنامج هوارد ستيرن الإذاعي، الذي يتفاخر بافتقاره إلى الذوق.

احتمالات أن يحكم الجمهور البريطاني بالسلب على وسائل الإعلام ككل بناءً على تصرفات البعض أقل كثيرًا؛ فهم يقسمون صحفهم في المعتاد إلى «صحافة التابلويد الصفراء ذات الترويسة الحمراء» و«الصحف عالية الجودة ذات القطع الكبير». في الماضي، أشار المصطلح إلى الحجم الفعلي للصفحات المطبوعة في هذه الصحف؛ إذ كانت صحف التابلويد الأصغر حجمًا تعادل تقريبًا في الحجم صحيفة «ناشيونال إنكوايرر» التي توضع في حامل محلات البقالة الأمريكية. ورغم أن الصحف البريطانية في الوقت الحالي غالبًا ما تكون في نفس الحجم، فما تزال الأسماء ودلالاتها قائمة. تغلَّف صحف التابلويد البريطانية مثل صحف «ذا صن»، و«نيوز أوف ذا وورلد»، و«ذا دايلي ميرور» بتقارير مثيرة، وفي بعض الأحيان مُبالَغ فيها، وصور لنساء بملابس لا تكاد تسترهن. في المُقابِل، تُعد صحف بريطانيا العالية الجودة ذات القطع الكبير مثل «ذا جارديان» و«ذا إندبندنت» ضمن أكثر الصحف احترامًا في العالم؛ إذ تتسم بالتقارير والتحليلات المتمكنة. يكنُّ البريطانيون احترامًا كبيرًا لهيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» التي تتلقى دعمًا حكوميًّا، والتي يعتبرها البعض المصدر الأبرز للأخبار المذاعة في العالم.

(٢) تحسين المهنة

افْتُتِح الفصل بمقتطفات من سلسلة أخبار «الخنزير الملك» لصحيفة «ذا نيوز آند أوبزرفر»، وتقرير محطة «كيه إتش أو يو» عن إطارات فايرستون، وجهد سكوت ريدر في قضية من قضايا التعليم في ولاية إلينوي. إنها أمثلة عظيمة على «الصحافة المراعية للأخلاقيات». كي يقدم الصحفيون هذه التغطيات الاستثنائية، فإنهم:
  • «مارسوا مبادئ الصحافة المراعية للأخلاق»: إذ وجدوا أخبارًا تلقي الضوء على جزء من المجتمع من المحتمل أنه كان خافيًا على الكثير من الناس، وكانوا دئوبين في إيجاد الحقائق. أطلعت سلسلة «الخنزير الملك» ناخبي ولاية كارولاينا الشمالية على بعض تصرفات حكومة ولايتهم ومسئوليهم المنتخبين. حذرت سلسلة محطة «كيه إتش أو يو» المستهلكين من خطرٍ ما، واستحثت أجهزة الرقابة الحكومية على أن تتحرك. أمضى ريدر شهورًا ينقب في وثائق حكومية، وقدَّم أكثر من ١٥٠٠ طلب بمعلومات عامة عندما لم يكن البيروقراطيون على استعداد للمساعدة وتقديم المعلومات.

  • «كانوا بارعين في مهنهم»: كي يكون الصحفيون أخلاقيين وجديرين بالثقة، ينبغي أن يكونوا مؤهلين لما يفعلونه. لو أن ثمة خبرًا منقوصًا أو يحتوي على أخطاء، فسيصل إلى الجمهور معلومات مغلوطة. ولو لم يُصرِّح بالخبر كما ينبغي، قد لا يهتم الجمهور بقراءته أو مشاهدته على شاشة التليفزيون. لن يخوض معظمنا في بحر من كتابة سيئة، وفيديو ممل، وتصميم بلا روح.

  • «اجتهدوا في سبيل منظومة إخبارية قوية»: منحتهم صحيفة «ذا نيوز آند أوبزرفر»، والصحف الصغيرة، ومحطة «كيه إتش أو يو» الدعم والوقت اللذين احتاجوا إليهما ليصنعوا أخبارهم، وساندت الإدارة الصحفيين وهم يتحدَّوْن شخصيات سياسية مؤثرة ومؤسسات تِجارية قوية. وبينما تُصنَع كلَّ يومٍ صحافةٌ من الطراز الأول في غرف أخبار من الدرجة الثانية، عادةً ما يكون وجود مالكين ومديرين مستنيرين مُقَوِّمًا رئيسيًّا في ممارسة الصحافة المراعية للأخلاقيات.

هوامش

(1) The “King Hog” series was written by Melanie Sill, Pat Stith, and Joby Warrick. It ran in The News & Observer from February 19 to 28, 1995. It is on the Internet at www.pulitzer.org. For the aftermath, see Craig Whitlock, “NandO hog series takes top Pulitzer, Public service prize rewards stories on pork industry,” The News & Observer, April 10, 1996, p. A-l.
(2) Information about the KHOU reports came from “Defenders Investigate Accidents,” aired on KHOU, August 10, 2000: “Local TV uncovered national scandal,” The New York Times, September 13, 2000; “11 News Defenders: Firestone ATX Tires,” aired October 5, 2000; Richard Connelly, “Rubber fetish: Glory days for KHOU and Anna Werner,” New Times, September 28, 2000; “Firestone letter to Belo and KHOU executives,” posted on KHOU Web site, February 10, 2000: Alicia C. Shepard, “Local heroes,” American Journalism Review, December 2000; “What they are saying about KHOU’s groundbreaking Firestone stories,” posted on KHOU Web site.
(3) Scott Reeder’s series on Illinois schools is online at www.thehiddencostsoftenure.com. They appeared in Small Newspapers in 2005. Also see Scott Reeder, “Teacher failures,” IRE Journal, March/April 2006.
(4) William David Sloan, James G. Stovall, and James D. Startt (eds), The Media in America, Worthington: Publishing Horizons, 1989, p. 104. It has an interesting section on Colonial editors, pp. 99–120.
(5) Interview with Goodwin, February 10, 1986.
(6) Thrity Umrigar, “A feeling of being set adrift,” Nieman Reports, Fall 2001.
(7) Lynn Corney, “Watchdogs or actors?: Student perception of television journalists,” paper presented at the annual meeting of the International Communication Association, 2006.
(8) The first is reported in John W.C. Johnstone, Edward J. Slawski, and William W. Bowman, The News People: A Sociological Profile of American Journalists and Their Work, Urbana: University of Illinois Press, 1976. David H. Weaver and Cleveland Wilhoit have replicated and expanded on their research three times. See their books The American Journalist: A Portrait of U.S. News People and Their Work, Bloomington: Indiana University Press, First Edition, 1986, and Second Edition, 1991, and their report, “The American Journalist in the 1990s: A Preliminary Report of Key Findings from a 1992 National Survey of U.S. Journalists,” Arlington: Freedom Forum, 1992.
(9) Mark Deuze, ‘National news cultures: A comparison of Dutch, German, British, Australian and U.S. Journalists,” Journalism and Mass Communication Quarterly, Spring 2002.
(10) Adam Gopnik, “The end of the world,” The New Yorker, November 15, 2004.
(11) “An MSM rebuke and admonition for bloggers,” Beltway Blogroll, June 20, 2006.
(12) Arianna Huffington, “Now the little guy is the true pit bull of journalism,” The Guardian, March 14, 2006.
(13) Ryan Lizza, “The YouTube election,” The New York Times, August 20, 2006.
(14) MORI poll, February 2002, cited in Karen Sanders, Ethics and Journalism, London: Sage Publications, 2003.
(15) Ian Black, “British newspapers ‘the least trusted in Europe,’” The Guardian, April 24, 2002.
(16) Carroll Doherty, “The public isn’t buying press credibility,” Nieman Reports, Summer 2005. Also see “Media: more voices, less credibility” at http://people-press.org/commentary/.
(17) “National Polls of Journalists and the American Public on First Amendment and Media,” University of Connecticut, May 16, 2005.
(18) “Survey finds First Amendment is being left behind in U.S. high schools,” John S. and James L. Knight Foundation Web site at www.knightfdn.org, January 31, 2005.
(19) George Garneau, “Press freedom in deep trouble,” Editor & Publisher, April 20, 1991. Wyatt’s report is titled “Free Expression and the American Public” and was commissioned by the American Society of Newspaper Editors.
(20) Lee Wilkins and Renita Coleman, The Moral Media: How Journalists Reason About Ethics, Mahwah, NJ: LEA Publications, 2004.
(21) Project for Excellence in Journalism, “The State of the News Media 2004,” at www.journalism.org.
(22) “Fair Reporting,” a segment on “The O’Reilly Factor,” January 31, 2006. A transcript is at www.foxnews.com/story/0,2933,183441,00.html.
(23) Quoted in Nick Madigan, “Making an issue of the media,” The (Baltimore) Sun, August 20, 2006.
(24) Gerald Stone and John Less, “Portrayal of journalists on prime time television,” Journalism Quarterly, Winter 1990, p. 707.
(25) Bill Mahon’s findings in his master’s thesis at Penn State University are cited in Chip Rowe, “Hacks on film,” Washington Journalism Review, November 1992, p. 27. A study of the newspaper industry’s efforts in the 1930s and 1940s to have journalists shown in a more favorable light can be found in Stephen Vaughn and Bruce Evensen, “Democracy’s guardians: Hollywood’s portrait of reporters, 1930–1945,” Journalism Quarterly, Winter 1991, pp. 829–837.
(26) Glenn Garelik, “Stop the presses! Movies blast media. Viewers cheer,” The New York Times, January 31, 1993, national edition, pp. H11 and H18.
(27) Caryn James, “The decline and fall of journalists on film,” The New York Times, July 19, 2005.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤