الفصل السادس عشر

صناعة الصحافة

أدت الحرب في فيتنام إلى حدوث انقسام في أمريكا: رأى الصقور — أولئك الذين يؤيدون العمل العسكري — أن الحرب كانت لا غنى عنها لإيقاف المد الشيوعي، وأن المحتجين المناهضين للحرب هم خونةٌ معادون للوطن يقدمون عونًا للعدو. ورأى الحمائم — أولئك الذين يميلون إلى حلول أكثر سلمية ودبلوماسية — والكثير من الشباب أن الحرب بلا مغزى؛ فنظموا مسيرات حاشدة، وسخروا من الرئيس ليندون جونسون (الذي كان يُعرَف عادة بالأحرف الثلاثة الأولى من اسمه؛ إل بي جيه) بالهتاف التالي: «يا إل بي جيه، كم ستقتل من الأطفال اليوم؟»

طوال ذلك الوقت، في قلب البنتاجون، كان هناك مسئولون يكتبون تاريخًا خفيًّا مذهلًا للحرب، ويسجلون بالوثائق أن الإدارة العسكرية الأمريكية وقادة الحكومة قد ضللوا — وفي بعض الحالات خدعوا — الكونجرس والشعب الأمريكي سعيًا لتبرير تصعيد الصراع. كان هذا التاريخ، الذي أصبح معروفًا باسم أوراق البنتاجون، مصنفًا باعتباره سريًّا للغاية. ومع ذلك حصل مراسل في صحيفة «ذا نيويورك تايمز» على نسخة من تلك الوثائق. عندما بدأت صحيفة «ذا نيويورك تايمز» في نشر تحقيقاته الصحفية، حصلت إدارة نيكسون على أمر من المحكمة يجبر صحيفة «ذا نيويورك تايمز» على وقف النشر.

حدث ذلك في نفس وقت تدخل مراسلون من صحيفة «ذا واشنطن بوست» في الأمر؛ فقد تمكنوا من التوصل إلى نسختهم من «أوراق البنتاجون». وبينما كانوا يعملون في عزلة في بيت رئيس التحرير التنفيذي بنجامين برادلي في حي جورج تاون، قرءوا الوثائق المُفَصَّلة، وحددوا مقدار مكتشفاتهم الرئيسية، وأعدوا سلسلة من التحقيقات الصحفية. أراد برادلي نشر تلك التحقيقات في أسرع وقت ممكن، من ناحيةٍ لإظهار الوحدة مع صحيفة «ذا نيويورك تايمز» ومن ناحية أخرى للمساعدة في توطيد دور صحيفة «ذا واشنطن بوست» كعنصر فاعل رئيسي في الصحافة الأمريكية.

على الجانب الآخر، أراد كثيرون في إدارة صحيفة «ذا واشنطن بوست» أن تظل الصحيفة بمنأًى عن هذه المعركة. دفع محامو الشركة بأن نيكسون من دون شك سيكتشف أن صحيفة «ذا واشنطن بوست» لديها نسخ من أوراق البنتاجون، وسيطلب من المحكمة استصدار أمر تقييدي آخر. وما إن يفعل، فسيُزَج بصحيفة «ذا واشنطن بوست» في معركة قضائية طويلة ومكلفة جدًّا. فضلًا عن ذلك، حسبما زعم المحامون، قد يسعى إلى توجيه تهم جنائية لصحيفة «ذا واشنطن بوست» لانتهاك التشريعات المتعلقة بالتجسس، وشككوا في أن التعديل الأول للدستور يمكن أن يحمي المراسلين من هذه التهم.

كذلك كان هناك مخاوف اقتصادية؛ فشركة «ذا واشنطن بوست» كانت تغير وضعها من منشأة تجارية مملوكة لأسرة إلى شركة مساهمة. كانت الشركة تأمل في بيع أسهم تبلغ قيمتها أكثر من مليون دولار. وساور القلق فريدريك بيبي، رئيس مجلس الإدارة، من أن طرح الأسهم يمكن أن يُلغى إذا تورطت صحيفة «ذا واشنطن بوست» في دعوى قضائية تتسم بالفوضى والقذارة. كذلك أعرب بيبي عن مخاوفه من أن نيكسون قد يستغل لجنة الاتصالات الفيدرالية للتسبب في مشكلات للمحطات الإذاعية والتليفزيونية المملوكة لشركة «ذا واشنطن بوست». في ذلك الوقت، كان للجنة الاتصالات الفيدرالية سلطة تنظيمية كبيرة على مؤسسات الإذاعة والتلفزة.

كانت كاثرين جراهام، ناشرة صحيفة «ذا واشنطن بوست» حاضرةً وسط كل هذه المجادلات، وبعد محادثات هاتفية مطولة مع بيبي وبرادلي ومحامِيِّ الشركة، طلبت من برادلي أن يمضي قُدُمًا وينشر التحقيقات. وصف ديفيد رودنستين، أستاذ القانون الذي كتب التاريخ المفصل لأوراق البنتاجون، قرارها هكذا:
افترضت جراهام أن النشر سيتسبب في مقاضاة الحكومة لصحيفة «ذا واشنطن بوست» من أجل استصدار أمر قضائي مانع، وأنه قد يكون ثمة صعوبات فيما يتعلق ببيع الأسهم، وأنه قد يكون كذلك ثمة تداعيات على محطات الإذاعة والتلفزة التابعة للشركة. ولكنها كانت تشعر بقلق بالغ على الحالة المعنوية لمحرريها ومراسليها وارتباطهم بالصحيفة وبقلق كذلك على سمعة الصحيفة.1

في نهاية الأمر سمحت المحكمة لصحيفتي «ذا واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز» بنشر أوراق البنتاجون، وأدت المعلومات التي احتوتها الوثائق إلى تغير آراء أشخاص كثيرين بشأن الحرب. واستمرت عملية بيع أسهم الشركة، إلا أن لجنة الاتصالات الفيدرالية قامت بالفعل بالتدقيق في قنوات الإذاعة والتلفزة المملوكة للشركة تدقيقًا صارمًا.

بعد ذلك بربع قرن، واجه مديرو شبكة «سي بي إس» قرارًا مماثلًا. أعد برنامج «سيكستي مينتس» تقريرًا يتهم كبار المديرين التنفيذيين لشركات التبغ بالكذب على الكونجرس عندما شهدوا بأن النيكوتين ليس مسببًا للإدمان. عثرت شبكة «سي بي إس» على عالم كان يعمل في السابق لحساب شركة براون ويليامسون للتبغ قال إن الأبحاث الخاصة بالشركة نفسها أظهرت أن النيكوتين مسبب للإدمان، وكذلك نما إلى علم مراسلي برنامج «سيكستي مينتس» أن شركات التبغ أضافت عن عمدٍ مادة مسببة للسرطان لتبغ الغليون.

ما إن سمعت شركة براون ويليامسون أن برنامج «سيكستي مينتس» يعد التقرير، حتى هددت بمقاضاة شبكة «سي بي إس». لم تكن الدعوى لتدعي أن التقارير اشتملت على تشهير أو أنها كانت عارية عن الصحة. ولكن بدلًا من ذلك، اعتزمت شركة براون ويليامسون اتهام شبكة «سي بي إس» باستدراج العالم إلى انتهاك فقرة في عَقده كانت تمنعه من الحديث عن عمله.

كانت تلك طريقة مبتكرة لمقاضاة وسائل الإعلام، ولكن المحامين الإعلاميين شككوا في إمكانية قبول المحكمة للدعوى؛ فقد قال جيمس سي جوديل — الذي مثَّل صحيفة «ذا نيويورك تايمز» في مسألة أوراق البنتاجون: إن ذلك من شأنه أن يكون «انتصارًا ساحقًا» لشبكة «سي بي إس». وقال جوزيف بي جمايل — المحامي الذي صدر لصالحه حكم بقيمة ١٠٫٥ مليارات دولار على ادعاء مماثل من جانب شركة «بنزويل» ضد شركة «تكساكو»، لصحيفة «ذا نيويورك تايمز»: «فلتمضوا في الأمر لو كنتم تمتلكون الشجاعة، إنني لا أرى أي أضرار جراء ذلك.»

إلا أن مسائل أخرى ألقت بظلالها على قرار شبكة «سي بي إس»؛ إحداها كانت العلاقة بين مالكي الشركة ودوائر صناعة التبغ. في ذاك الوقت، كانت الشركة الأم المالكة لشبكة «سي بي إس» هي شركة «لوز كورب» المملوكة لعائلة تيش. كان لشركة «لوز كورب» مصلحة كذلك في لوريلارد، وهي شركة سجائر. وأثناء ما كانت شبكة «سي بي إس» الإخبارية تحضر لحلقة برنامج «سيكستي مينتس»، كانت شركة لوريلارد تتفاوض مع شركة براون ويليامسون لشراء ست علامات من علاماتها التجارية. علاوة على ذلك، كان لورانس تيش، الذي شغل منصب رئيس شبكة «سي بي إس» حينذاك، هو والد أندرو تيش، رئيس شركة لوريلارد وأحد المديرين التنفيذيين لشركات التبغ الذين أقسموا للكونجرس أن النيكوتين في السجائر ليس مسببًا للإدمان.

وكان لدى المديرين التنفيذيين لشبكة «سي بي إس» أمور أخرى عليهم أن يضعوها في حسبانهم. كانت شبكة «سي بي إس» وشركة وستنجهاوس تتفاوضان بشأن دمج الشركتين. ألمح مقال افتتاحي في صحيفة «ذا نيويورك تايمز» إلى أنه:

مع وجود صفقة الدمج مع شركة وستنجهاوس للإلكترونيات بقيمة ٥٫٤ مليارات دولار في طور التحضير، لم تكن دعوى قضائية بعدة مليارات من الدولارات لتصبح مقبولة. بعض المديرين التنفيذيين يجنون هم أنفسهم ملايين الدولارات من خيار طرح الأسهم للاكتتاب وغير ذلك من المدفوعات بمجرد الموافقة على الصفقة.

أنكر مديرو شبكة «سي بي إس» التنفيذيون بشدة أن احتمال تحقيق ربح مالي كان له تأثير عليهم.

ومع ذلك فقد وُئدت القصة، ولم يسمح مديرو شبكة «سي بي إس» لبرنامج «سيكستي مينتس» بإذاعة الحلقة إلا بعد أن نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» تحقيقًا مشابهًا. كان مايك والاس، المراسل الذي عكف على التحقيق الصحفي، حادًّا وصريحًا عندما تحدث إلى المراسلين بعد إذاعة الحلقة عندما قال:
لأول مرة، اهتمت شبكة «سي بي إس» الإخبارية وإدارة شبكة «سي بي إس» بصفقة البيع لشركة وستنجهاوس أو بمعضلات التصدي المحتمل لدعوى قضائية أكثر من اهتمامهم بالخبر. نتيجة لذلك، استغرق منا الأمر شهورًا كي نتمكن أخيرًا من إذاعة حلقة عن التبغ على الهواء، وهي حلقة أردنا القيام بها، وأجرينا بشأنها تحقيقًا مدققًا، وكانت جديرة بأن تُعرَض على الهواء.2
كانت القضايا والوقائع التي واجهها المديرون التنفيذيون في كل من شركة «ذا واشنطن بوست» وشبكة «سي بي إس» مختلفة بالتأكيد. إلا أن ثمة ملاحظة واحدة يمكن إبداؤها: تلعب الإدارة دورًا رئيسيًّا في قدرة الصحفيين على ممارسة مهنتهم. وقفت جراهام إلى جانب الصحفيين العاملين معها رغم التهديدات التي كانت تتعرض لها سلامة الوضع المالي لصحيفة «ذا واشنطن بوست»، بينما لم تفعل شبكة «سي بي إس». كما عبَّر مقال افتتاحي في صحيفة «ذا نيويورك تايمز» عن الأمر: «إن أكثر الجوانب مدعاة للقلق في قرار شبكة «سي بي إس» هو أنه لم يُتَّخَذ من جانب المديرين التنفيذيين لقطاع الأخبار ولكن على يد مسئولين إداريين قد يكون تفكيرهم مُنْصَبًّا على المال وليس الخدمة العامة.»3

ونظرًا لأن وسائل الإعلام الإخبارية هي مشاريع تجارية كبرى، فإنها تتأثر بنفس القوى التي تؤثر على كل المؤسسات التجارية الأمريكية. وليس ثمة شيء خاطئ أو غير قانوني في حد ذاته في اتباع وسائل الإعلام لنفس المغريات الاقتصادية التي تحرك شركات وول مارت وإكسون موبيل ويونايتد تكنولوجيز وماكدونالدز وكريزي جو للسيارات المستعملة.

ومع ذلك فإن المؤسسات الإخبارية تختلف عن المؤسسات الأخرى في مَنْحًى واحد مهم، وهو: أن حريتها المتمتعة بالحماية بموجب الدستور تُفَسَّر من جانب معظم الناس على أنها خدمة شبه عامة بالإضافة إلى كونها مؤسسات خاصة تهدف إلى الربح. في ظل أي نظام ديمقراطي، يتعين أن يعرف المواطنون ما يجري. وتلك المهمة تقع على كاهل وسائل الإعلام الإخبارية بمختلف أشكالها. ووفق الاستطلاعات، يضطلع معظم المراسلين بهذا الدور بجدية؛ فهم ينظرون إلى القيام بصحافة جيدة على أنه دورهم الأول، وأن تحقيق أرباح للشركة التي تملك الصحيفة يأتي في المرتبة الثانية بفارق كبير عنه.

التضارب بين القيم المهنية للصحفيين والشواغل الأساسية للمالكين هو قضية مهمة تواجهها وسائل الإعلام الإخبارية. قال فرانك بليثن، ناشر صحيفة «ذا سياتل تايمز»، وهي واحدة من أكبر الصحف المتبقية التي تمتلكها عائلات في الولايات المتحدة: «إن ديمقراطيتنا أكثر هشاشة مما نود أن نعترف.»4

(١) الطبيعة المتغيرة للملكية

في بداية القرن العشرين كان أكثر من ٩٨ بالمائة من الصحف الأمريكية مملوكًا لجهات مستقلة، عادةً ما كانت هذه الجهات عائلات محلية.5 بعض العائلات امتلكت صحفًا لكسب المال، ورغبت عائلات أخرى في النفوذ والمكانة المترتبَيْن على الملكية.
ازدهرت صحف كثيرة على أيدي الناشرين المحليين؛ فقد دفعتهم جذورهم المتأصلة في المجتمع المحلي وارتباطهم بالمؤسسة المملوكة للعائلة إلى إصدار صحف بجودة عالية. وعادةً ما كانت هذه العائلات تفتخر أيما فخر بصحفها حتى إنها كانت تعيد عن طيبِ خاطِر ضخ قسطٍ كبيرٍ من أرباحها في غرفة الأخبار من أجل تحسين الصحيفة. وذلك ما حدث لصحيفة «ذا واشنطن بوست». في الوقت الحاضر تعتبر صحيفة «ذا واشنطن بوست» واحدة من أفضل صحف أمريكا، إلا أن الناشر السابق لصحيفة «ذا واشنطن بوست» دونالد جراهام تذكر الوقت الذي كانت الصحيفة تناضل فيه. قال: «في بداية عقد الخمسينيات من القرن الماضي، كانت صحيفة «ذا واشنطن بوست» تطمح لأن تصبح صحيفة عالمية، وتوفرت لديها النية لتحقيق ذلك، ولكنها لم تملك المال الكافي. ثمة مزحة قديمة تُتَداوَل عن صحيفة «ذا واشنطن بوست» أنه في تلك الأيام كان يمكننا تغطية أي مؤتمر دولي ما دام في نطاق المنطقة الأولى للتاكسي.» ومع وجود المالكين الذين كانوا مستعدين لإنفاق المال لتحسين التغطية الإخبارية، عينت صحيفة «ذا واشنطن بوست» أفضل الصحفيين ومنحتهم الوقت والموارد التي كانوا يحتاجون إليها من أجل تقديم أخبار موثوق بها ووافية.6 اكتسبت الصحف في لويفيل وسانت بيترسبرج ودي موين ومدن أمريكية أخرى احترامًا على مستوى البلاد عندما كانت مملوكة لعائلات.
ولملكية العائلات أيضًا جانبها السلبي؛ فبعض الصحف المملوكة لعائلات عانت تحت وطأة مالكين ضيقي الأفق دفعوا بالصحف نحو تقارير صحفية متحيزة ومحسوبية سياسية. استشهد أستاذ الصحافة جون هولتنج بالعديد من الحالات الشائعة لناشرين ناشطين سياسيًّا، مثل المحافظَيْن يوجين بوليام من صحيفة «ذا إنديانا بولس ستار» وويليام لوب من صحيفة «ذا يونيون ليدر» في مدينة مانشستر بولاية نيوهامبشير. عندما قرر لوب أن يساند مرشحًا في إحدى الانتخابات، بدأت صحيفته حملةً تضمنت مقالات افتتاحية في الصفحة الأولى احتوت على استشهادات مُضَللة من صحف أخرى. في أحد الانتخابات التمهيدية للسباق الرئاسي، خصصت صحيفة «ذا يونيون ليدر» للمرشح الذي اختاره لوب (الذي لم يكن معظم المراقبين يعتبرونه مرشحًا جديًّا) ضعف المساحة التي خصصتها لكل المرشحين المتصدرين للسباق الانتخابي مجتمعةً. وعلى غرار ذلك، عندما كان روبرت كينيدي في غمار الترشح للرئاسة في الانتخابات التمهيدية في ولاية إنديانا، انهالت صحيفة «إنديانا بولس» بزعامة بوليام بتغطية سلبية عن كينيدي بينما كانت تكتب الكثير من الأخبار الإيجابية الداعمة عن «مرشح الولاية المفضل» الذي رشح نفسه ليعوق كينيدي فحسب عن الفوز بالانتخابات التمهيدية في ولاية إنديانا.7 ذكر كتاب يسرد سيرة حياة روبرت مكورميك، الناشر ذائع الصيت لصحيفة «شيكاجو تريبيون» أن صحيفة «شيكاجو تريبيون» أصبحت في عهده «مكبرًا للصوت دوره أن يُضَخِّم نزوات ورغبات ناشرها العارضة.» كان مكورميك مناهضًا بشدة لفرانكلين روزفلت حتى إنه قبل ٩٧ يومًا من انتخابات عام ١٩٣٦م، جاء نص أحد العناوين الرئيسية للصفحة الأولى على النحو التالي: «تبقَّى لكم ٩٧ يومًا فقط لإنقاذ بلدكم.» استحوذت العبارة على إعجاب مكورميك بشدة لدرجة أنه جعل العاملات في مَركز خُطوط الهاتف (السويتش) يُجِبْن على جميع المكالمات بتلك الطريقة، وكُنَّ يقمن كل يوم بِعَدٍّ تنازليٍّ حتى الانتخابات.8

وفي حين أنه لم تكن كل الصحف المملوكة للعائلات تُستغَل بهذا الطريقة السافرة للترويج للفلسفات السياسية لمالكيها، كانت صحف كثيرة تخضع خضوعًا تامًّا لسيطرة «البقرات المقدسة»، وهو تعبير أعطاه الصحفيون لأصدقاء الناشرين والمؤسسات المُفَضَّلة التي كان مقررًا حصولها على معاملة تفضيلية. وانخرطت صحف أخرى في دعم حماسي لمدنها، وهو ما استلزم أن يرسم المراسلون صورًا وردية لاقتصاد المدينة وإدارتها.

(١-١) الصحف تتحول إلى استثمار عظيم

تراجع عدد الصحف المملوكة لعائلات تراجعًا مذهلًا منذ بدايات القرن العشرين، وهو الوقت الذي كانت فيه كل الصحف تقريبًا مملوكة لأُناسٍ كانوا يعيشون في المجتمع. وبحلول نهاية القرن العشرين، استحوذت السلاسل التجارية على ما يقارب كل الصحف المتوسطة وفوق المتوسطة. هذه السلاسل الإعلامية، كسلسلتي جانيت وماكلاتشي، هي شركات مساهمة عامة (شركات تُتداوَل أسهمها للجمهور). هذا يعني أنها ليست مملوكة لأفراد أو عائلات. ولكن عوضًا عن ذلك، تطرح الشركات أسهمًا عامةً في سوق الأوراق المالية. عندما يشتري المستثمرون الأسهم، يصبحون نتيجة لذلك شركاء في ملكية الشركة. وغالبًا ما يتشاركون في أرباح الشركة، ويكون لهم دور فاعل ومؤثر في إدارتها. أيضًا، يجني مُلَّاك أسهم الشركة المال بطريقة أخرى. إذا ما استمرت صحف السلسلة في تحقيق أرباح، فسوف يرغب أشخاص آخرون في امتلاك حصص من الأسهم. وبتطبيق قانون العرض والطلب، سوف يرتفع سعر حصص الأسهم؛ مما يدرُّ ثروة إضافية (على الأقل على الورق) للأشخاص الذين يمتلكون أسهمًا.

ذلك هو بالضبط ما حدث طيلة عقودٍ. كانت الصحف لوقت طويل «قادرة على توليد أنهار من التدفقات النقدية عقدًا بعد عقد»، على حد تعبير مجلة المال والأعمال الوطنية «فوربس».9 وسرعان ما عرفت الشركات أنه بقليل من الجهد يمكن لأنهار المال تلك أن تتحول إلى سيول. في عام ١٩٨٠م كانت هوامش الربح من صحيفة «شيكاجو تريبيون» تبلغ ٨ بالمائة، وبحلول عام ٢٠٠٠م بلغت ٣٠ بالمائة.10 وبين عامي ١٩٩٠م و٢٠٠٠م، تضاعفت نسبة أرباح الصحف ثلاث مرات على مَدَارِ صناعة الصحافة بكاملها.
كان معظم المستثمرين سعداء بذلك؛ فقد تقاسموا حصص أرباح الشركة، وكانوا يتلقَّون شيكاتٍ تزداد قيمتها عامًا بعد آخر. وكذلك تصاعدت قيمة الأسهم، مانحةً المستثمرين عوائدَ ماليةً غير متوقعة أخرى. كان من شأن تكلفة شراء ١٠٠ حصة أسهم في إحدى كبرى الشركات الإعلامية أن تبلغ نحو ٢٤٠٠ دولار عام ١٩٩٥م. بعد خمسة أعوام، كانت قيمة الأسهم قد ارتفعت، وصار ممكنا لتلك المائة سهم أن تُباع بنحو ٥٨٠٠ دولار.11 إن زيادة مالك لأكثر من الضعف في خمسة أعوام هو أسعد أحلام أي مستثمر.

بسبب هذا السجل المتميز للأرباح، كانت الأسهم في مجال الإعلام جاذبة لمؤسسات استثمارية مثل صناديق الاستثمار المشتركة ومديري المَحافظ الاستثمارية ومجموعات الأسهم، وصناديق المعاشات التقاعدية والبنوك وشركات التأمين والصناديق الوقفية الخاصة بالجامعات. أغلب هؤلاء المستثمرين لم يكن لديه أي اهتمام فيما إذا كانت الصحف تضطلع بمسئولياتها الخاصة بالخدمة العامة. كان اهتمامهم مُنْصَبًّا فقط على الأرباح؛ فربما تكون جائزة بوليتزر أمرًا مستحبًّا، ولكن العائدات السنوية المرتفعة أفضل بكثير. امتلكت هذه المؤسسات الاستثمارية أكثر من نصف حصص الأسهم في عمالقة وسائل الإعلام مثل سلسلتي جانيت ونايت ريدر.

(١-٢) ماذا يحدث عندما تكون صحيفة ما مملوكة لشركة؟

أدى تملك الصحف من جانب الشركات إلى تحسين بعض تلك الصحف. غالبًا ما كانت الشركات مهتمة فقط بالجانب التجاري للصحيفة؛ ومن ثَمَّ فإنها أعطت الصحفيين حرية تحريرية وافرة. وكان ذلك تغييرًا مرحبًا به في المجتمعات التي كانت الصحف فيها مُقَيَّدة بأيديولوجيات وأهواء ناشريها المحليين. وكان هناك تطور أكثر إيجابية هو أن بعض الشركات المالكة للصحف أبدت فخرًا بالأداء الصحفي الذي كانت تقدمه صحفها. بعد شراء سلسلة ماكلاتشي لصحيفة «ذا نيوز آند أوبزرفر» في مدينة رالي، عينت الصحيفة المزيد من المراسلين، وبدأت في التأكيد على التغطية العملية الواقعية لأخبار المجتمع المحلي.12 وحسَّنَت شركة تريبيون من الأداء الصحفي لكثير من الصحف التي اشترتها، مثل صحيفة «أورلاندو سنتينل».
كان لسلسلة جانيت — الأكبر في البلاد بامتلاكها لنحو ٩٠ صحيفة يومية، منها صحيفة «يو إس إيه توداي» — الفضل في تحسين أداء بعض صحف المدن الصغرى التي اشترتها. جلبت السلسلة محررين متمرسين، وحدَّثَت معدات الصحيفة، وجددت تصميمها. إلا أنه معروفٌ أيضًا عن السلسلة اهتمامها بالعائد النهائي؛ ففي بعض الحالات ضاعفت سلسلة جانيت أرباح الصحف التي اشترتها باستعانتها بإدارة أكثر صرامة، وباتباع نظام تحديد السعر تبعًا للكمية، وزيادة أسعار الإعلانات. ترأس روبرت إتش جايلز تحرير صحفٍ يوميةٍ مملوكة لسلسلة جانيت بمدينة روتشستر، بولاية نيويورك وفي مدينة ديترويت، وزعم بأن سلسلة جانيت تريد كلا الأمرين: «أن تصدر صحفًا جيدةً، وتستمر في جني الكثير من المال، وليس في استطاعتك دائمًا أن تفعل ذلك.»13

بعض الشركات المالكة للصحف لا تهتم إلا بالعائد النهائي. يُبقي هؤلاء الناشرون على حجم العمالة المختصة بالأخبار صغيرًا حتى يمكنهم توفير المال والحفاظ على أرباحهم مرتفعة، ويوجبون على موظفيهم أن يعملوا لساعات طويلة لينتجوا قدرًا وفيرًا من الأخبار تمتلئ به الصحيفة. لهؤلاء المراسلين، قد تظهر بعض المبادئ الصحفية على أنها ترف لا يقدرون عليه؛ فهم لا يملكون الوقت لمراجعة مصادر عدة أو توفير سياق اجتماعي لأخبارهم. ومما يزيد طين هذه الأوضاع المجحفة بلةً أن هؤلاء الصحفيين غالبًا ما يكونون من بين الأقل أجرًا في مهنة الصحافة؛ إذ بالكاد يحصلون على أجرٍ كافٍ للمعيشة.

لسنوات عديدة، كان يُشار إلى شركة تومسون المحدودة للصحف باعتبارها شركة تُعطي أولوية للأرباح قبل الأخبار بكثير. يستشهد بعض الصحفيين الذين عملوا في الصحف المملوكة لسلسلة تومسون بعبارة على لسان مؤسس السلسلة، روي تومسون: «الأخبار ما هي إلا مجرد أشياء تفصل بين الإعلانات.» في أوج مجدها عام ١٩٩٣م، امتلكت هذه الشركة الكندية ١٥٦ صحيفة يومية و٢٥ صحيفة أسبوعية في الولايات المتحدة، وأكثر من ٤٠ صحيفة يومية ونحو ٢٠ صحيفة أسبوعية في كندا، وإصدارات في بريطانيا العظمى وأستراليا.

كان معروفًا عن سلسلة تومسون شراؤها لصحف في مدن صغيرة وتحويلها إلى كيانات مدرة للمال.14 أوضح ريتشارد هارينجتون، الرئيس والمدير التنفيذي لسلسلة تومسون، لمجلة «برِس تايم» كيف كانت الشركة تحقق ذلك الإنجاز: «رفعنا الأسعار، وقللنا التكاليف، وحققنا هوامش ربح تزيد كثيرًا على ٢٠ بالمائة.» واعترف هارينجتون بأن سلسلة تومسون كانت «معروفة بأنها شركة لم تكن تضخ الكثير من المال في صحفها.»15 كانت النتيجة في أغلب الأحيان هي الكثير من الصحافة الرديئة. رفض أحد المحررين أن يصنِّف سلسلة صحف تومسون، مفضلًا أن يدعوها «مطبعة تجارية».16 وخلُصَت لجنة حكومية كندية فحصت الصحف المملوكة لسلاسل إعلامية في ذلك البلد إلى أن الصحف التابعة لسلسلة تومسون «التي تحتكر مدنًا صغيرةً هي — دونما استثناء تقريبًا — عبارة عن تكديس يفتقر إلى الإبداع لصناديق نقدية.»17
قررت سلسلة تومسون أن تترك صناعة الصحف، وباعت كل صحفها الأمريكية في عام ٢٠٠٠م.18 يزعم البعض أن السبب في تدهور سلسلة تومسون كان يتمثل في أن صحفها احتوت قدرًا ضئيلًا من الأخبار وكانت رديئة المستوى؛ حتى إن القراء انصرفوا عنها؛ مما تسبب في تحول المعلنين إلى وسائل إعلامية أقل تكلفة، وعادةً ما كانت مواقع التسوق المجاني.19 وقال جيم أوتاواي، رئيس شركة أوتاواي للصحف: «أعتقد أن [شركة] تومسون تمثل حالة طردت فيها السوق الشركة من صناعة الصحافة في نهاية المطاف.»

(١-٣) الشركات المالكة للصحف تواجه مشكلات

في أوائل القرن الحادي والعشرين، واجهت الصحف منافسة عنيفة على جبهات كثيرة. كان توزيع الصحف في انحدار، بل إن ما أثار قلقًا أكبر هو أنه بدا أن الكثير من القراء الشباب لم يعد لديهم اهتمام بالأخبار؛ فلم يكونوا يقرءون الصحف، ولا يتصفحون المواقع الإخبارية على الإنترنت، ولا يشاهدون الأخبار على شاشة التليفزيون.20
تراجع الإعلان الذي تستمد منه الصحف معظم دخلها، وفي الكثير من المجتمعات المحلية، حلت متاجر البيع بالتجزئة مثل وول مارت — التي لا تُعتبَر مُعْلِنًا رئيسيًّا في المطبوعات الورقية — محل المتاجر المحلية الكبرى التي كانت من الجهات التي تهتم بالدعاية المكثفة. وكلاء بيع السيارات هم من المعلنين الرئيسيين في الصحف والتليفزيون. ولكن مؤخرًا بدأ كثير منهم يتحولون إلى الإعلانات على الإنترنت، التي لم تكن أرخص فحسب ولكنها سمحت للوكلاء بالتجاوب مع الأشخاص الذين شاهدوا الإعلان. وكانت الطريقة الأساسية التي طرحت بها شركة مُصَنِّعة مثل تويوتا سيارتَيْها من طرازي «ياريس» و«راف-٤» هي باستخدام إعلانات الإنترنت التفاعلية ومقاطع الفيديو القابلة للتنزيل على الهواتف الخلوية وأجهزة الآي بود. وقال أحد المديرين التنفيذيين: «إننا ببساطة لا نسعى لشراء صفحة إعلانية في الصحف.»21
تلقت الإعلانات المبوبة في الصحف هي كذلك صفعة؛ فطيلة سنوات عديدة، عندما كان يريد الناس بيع أدوات منزلية وتأجير منازل والعثور على وظائف جديدة، كانوا يلجئون إلى أقسام الإعلانات المبوبة في الصحيفة. كانت تلك الإعلانات الصغيرة توفر نحو ٤٠ بالمائة من دخل الصحيفة في عام ٢٠٠٠م. بعدئذ سحبت Monster.com، وCraigslist.org، وeBay، وشركات إنترنت أخرى كثيرًا من تجارة الإعلانات المبوبة. وبدا المشهد كئيبًا لمالكي الصحف والمستثمرين فيها. كانت الصحف تفقد القراء والمُعلنين والإعلانات المبوبة.

ليس المقصود من أيٍّ من هذا أن الصحف بدأت تخسر المال. في الواقع، ظلت الصحف مربحةً للغاية وفقًا لمعظم المعايير، وغالبًا ما كانت هوامش ربحها توازي ضعف المتوسط الذي كانت عليه الشركات الخمسمائة الواردة بقائمة مجلة «فورشن» السنوية. ومع ذلك، لم يكن مالكو الأسهم من الأفراد والمؤسسات الاستثمارية سعداء؛ فقد كانوا معتادين على تلقي شيكات أرباح أسهم متزايدة الارتفاع وعلى مشاهدة سعر السهم يرتفع. وعندما لم يعد ذلك يحدث، طالبوا بتغييرات.

(١-٤) القصة المحزنة لشركة نايت ريدر

تضرب ملحمة شركة نايت ريدر مثلًا لما يمكن أن يحدث للسلاسل الإعلامية المملوكة لشركات ومالكين غير راضين. فيما مضى كانت شركة نايت ريدر واحدة من السلاسل الإعلامية الأمريكية الرئيسية؛ فقد امتلكت صحيفة «ميامي هيرالد» التي حظيت بتقدير كبير، وصحيفة «سان جوزيه ميركري نيوز»، وصحيفة «تشارلوت أوبزرفر»، وعشرات الصحف المرموقة الأخرى. عندما كانت شركة نايت ريدر تشتري صحيفة ما، عادةً ما كانت أمورٌ طيبةٌ تحدث. كانت «ذا فيلادلفيا إنكوايرر» صحيفةً ذات وضعٍ مُزرٍ عندما اشترتها شركة نايت ريدر؛ ومن خلال ضخ سيولة نقدية وتحسين إدارة غرفة الأخبار بها حولتها شركة نايت ريدر إلى الصحيفة التي نالت ١٧ جائزة بوليتزر واستقطبت بعضًا من صفوة مراسلي البلاد لينضموا إلى العاملين بها. ونالت صحيفة «أركون بيكون جورنال» التي كانت مملوكة لشركة نايت ريدر جوائز بوليتزر تفوق أي صحيفة أخرى في حجمها.

رغم ذلك، وأمام المنافسة المتزايدة وتدهور حجم الإعلانات في أوائل القرن الحادي والعشرين، بدأ سعر سهم شركة نايت ريدر في الهبوط. ذلك كان يعني — على الأقل نظريًّا — أن مستثمرين كثيرين كانوا يخسرون المال. ولم يعجبهم ذلك؛ فقد حاول مديرو شركة نايت ريدر التنفيذيون إرضاءهم بزيادة الأرباح؛ فقلصوا حجم العاملين بالأخبار، وقللوا الأموال التي تُنْفَق على جمع الأخبار؛ فهبطت معنويات العاملين بغرفة الأخبار. عندما تلقى كبار المديرين التنفيذيين لصحيفتي «ذا فيلادلفيا إنكوايرر» و«سان جوزيه ميركري نيوز» أمرًا بتسريح مراسلين، استقالوا. أرسل الناشر في مدينة سان جوزيه خطابًا إلى العاملين معه يقول فيه إن متطلبات الربح لشركة نايت ريدر قد تنطوي على خطر «إلحاق ضرر بالغ ودائم بصحيفة «سان جوزيه ميركري نيوز»؛ كمؤسسة صحفية ومن ناحية ما هي عليه من كونها بيئة العمل الاستثنائية تلك.» استمرت التخفيضات في العمالة؛ فخُفِّض العاملون بالأخبار بصحيفة «ذا ميامي هيرالد» من أكثر من ٥٠٠ إلى ٣٧٥، وفقدت صحيفة «ذا فيلادلفيا إنكوايرر» ٢٠ بالمائة من صحفييها.

حتى هذه الجهود المضنية لتقليص النفقات لم تدفع الأرباح للارتفاع بسرعة كافية لإرضاء المستثمرين؛ فسرعان ما أصدرت الشركة أمرًا بتخفيضات إضافية شاملة في العمالة بنسبة ١٠ بالمائة في صحفها الاثنين والثلاثين.22 في نهاية المطاف، ارتفعت هوامش ربح شركة نايت ريدر من ١٠ بالمائة في عام ١٩٩٥م إلى ٢٠٫٨ بالمائة في عام ٢٠٠٠م. في عام ٢٠٠٥م، قال الرئيس التنفيذي للسلسلة أنتوني ريدر للمحللين: «تتسم دوائر صناعة الصحف بوجه عام، وسلسلة نايت ريدر بوجه خاص، بأنها قوية مزدهرة وذات مستقبل مشرق.» لم يوافق الجميع على ذلك القول؛ فقد اعتقد أحد كبار المستثمرين أن أسهمه ستساوي مالًا أكثر إذا فُضت الشركة. في عام ٢٠٠٦م، نال الرجل ما تمنى، وباعت سلسلة نايت ريدر كل صحفها وصفَّت أعمالها.23
لو أن ثمة نقطة مضيئة في تفكك سلسلة نايت ريدر، فربما تتمثل في أن الصحف قد بيعت لسلسلة ماكلاتشي، التي تتمتع بسمعة طيبة من ناحية امتلاكها لصحافة راسخة في صحف مثل «ذا ساكرامنتو بي» و«ذا نيوز آند أوبزرفر» في مدينة رالي، بولاية كارولاينا الشمالية. تمنى الصحفيون والقراء أن تستعيد سلسلة ماكلاتشي جودة صحف سلسلة نايت ريدر البائدة. لم تحتفظ سلسلة ماكلاتشي، على أي حال، بكل صحف نايت ريدر؛ فعندما باعت صحيفة «أكرون بيكون جورنال» لناشر كندي، قيل للفريق العامل بالأخبار إن المالكين الجدد يهتمون حقًّا بالصحافة، وإن وظائفهم في مأمن. وبعد بضعة أسابيع، سُرِّح ٤٠ من ١٦٠ موظفًا بغرفة الأخبار. قال أحد المراسلين: «إنكم تكادون تنسون حقيقة أننا مصدر ربحٍ.» كان هامش ربح الصحيفة نحو ٢٠ بالمائة، وهو ما من شأنه أن يعتبر مرتفعًا في معظم الصناعات.24 باعت سلسلة ماكلاتشي كذلك صحيفة «ستار تريبيون» في مدينة مينيابوليس لشركة استثمارية خاصة لم تكن قد امتلكت مؤسسة إخبارية كبرى مطلقًا.
كانت شركات صحف ضخمة أخرى تعاني ضغوطًا مماثلة. اشترت شركة تريبيون، ومقرها شيكاجو، سلسلة تايمز ميرور بقيمة ٨ مليارات دولار عام ٢٠٠٠م، وهو ما أسفر عن خلق عملاق إعلامي يغطي طول البلاد وعرضها بصحف مثل «لوس أنجلوس تايمز»، وصحيفة «نيوز داي» بجزيرة لونج آيلاند، وصحيفة «ذا صن» بمدينة بالتيمور، وصحيفة «هارتفورد كورانت»، وصحيفة «شيكاجو تريبيون» وصحيفة «ساوث فلوريدا صن سنتينل»، بالإضافة إلى ٢٢ محطة تليفزيونية وفريق البيسبول «شيكاجو كابز». تنبأ خبراء كثيرون أن الجمع بين هذه الشركات التي تحقق أرباحًا مرتفعة سوف يخلق أوجهًا جديدة للتآزر وفرصًا لجذب عدد أكبر من المعلنين وجني المزيد من المال لأصحاب الأسهم. ليس ذلك ما حدث بالضبط؛ فبعد مرور بضعة أعوام على الدمج، وتحت ضغط لتقليص النفقات، بدأت شركة تريبيون في تخفيض عدد الموظفين في كل مكان في السلسلة. وبدا كثير مما أعقب ذلك وكأنه تكرار لما حدث مع سلسلة نايت ريدر. عارض مجموعة من المحررين والناشرين في صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» الإدارة العليا بشأن التخفيضات في العمالة؛ فاستُبْدِلوا. وقوبل أحد المحررين بتصفيق حار بينما كان يُقتاد إلى خارج المبنى. بحلول عام ٢٠٠٦م، كان المستثمرون يشجعون شركة تريبيون على بيع الكثير من صحفها وجعل هيكلها التنظيمي أكثر بساطة. في شهر أبريل ٢٠٠٧م، اشترى سام زيل — أحد أباطرة العقارات في مدينة شيكاجو الذي لم يكن يمتلك أي خلفية عن الصحف — شركة تريبيون في صفقة مالية معقدة، وسرعان ما تعرض عدد العاملين بالأخبار في العديد من الصحف التي كانت مملوكة في السابق لشركة تريبيون إلى مزيد من التقليص. قال زيل إنه يعتقد أن الإنترنت سوف تصبح مصدرًا رئيسيًّا لدخل الشركة.25
بالطبع لم تكن سلسلتا نايت ريدر وتريبيون عملاقي الإعلام الوحيدين اللذين أُجبرا على تقليص النفقات؛ فقد توصل استطلاع أجرته مجلة «إديتور آند ببليشر» إلى أن ٥٠ بالمائة من الصحف المملوكة لشركات مساهمة قلصت العمالة لديها أثناء التراجع الاقتصادي الذي حدث في الأعوام الأولى من العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. سرحت شركة نيويورك تايمز نحو ١٢٠٠ من العاملين في صحفها، وقللت شبكة «سي إن إن» عدد موظفي أقسام الأخبار التابعة لها بنحو ٢٠٠ موظف. وعندما قلَّصَت شبكة «إن بي سي» ٧٠٠ وظيفة في عام ٢٠٠٦م، أوردت مجلة «برودكاستينج آند كيبل» قائلة: «التخفيضات في العمالة لن تُحَمَّل تبعاتها بجانب كبير على قسم الترفيه بشبكة «إن بي سي» الذي يمر بفترة صعبة ولكن ستُحَمَّل على محور الربح الرئيسي لشبكة «إن بي سي»؛ وهو الأخبار في القنوات الوطنية والقنوات الفضائية والمحطات التليفزيونية المحلية التي تمتلكها وتديرها.»26

(١-٥) أشكال أخرى للملكية

يشكك الآن بعض خبراء الإدارة في أن ملكية الشركات لوسائل الإعلام هي في صالح وسائل الإعلام، ويأمل المتفائلون بينهم أن تتمكن صحفٌ أكثر من الاهتداء إلى ملكية على غرار تلك التي أوجدتها عائلة بوينتر لصحيفة «سان بيترسبرج تايمز» في ولاية فلوريدا. منح نيلسون بوينتر حصة الأغلبية التي كان يمتلكها في الصحيفة إلى معهد له هدفان هما: إبقاء الصحيفة مستقلة، واستخدام أرباحها في تمويل برامج لدراسة الصحافة وتدريب صحفيين عاملين. ويبدو أن الخطة تؤتي ثمارها؛ فشركة «تايمز ببليشينج» هي مؤسسة مزدهرة ماليًّا وتدفع الضرائب وتهدف إلى الربح. وتُدْرَج صحيفة «سان بيترسبرج تايمز» بانتظام ضمن الصحف الأكثر ابتكارًا في أمريكا. وكذلك يمكن القول بأن معهد بوينتر هو المؤسسة الصحفية البحثية الأولى في العالم.27

حدث أمر مماثل في المملكة المتحدة: أنشأت العائلة التي تمتلك صحيفة «ذا جارديان» — التي تُعَد إحدى الصحف الرئيسية في بريطانيا — شركة أمناء منوطًا بها استمرار استقلالية الصحيفة إلى الأبد. بضع صحف يومية أمريكية صغيرة مثل صحيفة «ذا داي» في مدينة نيو لندن بولاية كونيتيكت وصحيفة «ذا نورث إيست مسيسيبي دايلي جورنال» في مدينة توبيلو بولاية مسيسيبي مملوكة لمنظمات أو مؤسسات خيرية، ولم يُتبيَّن بعدُ ما إذا كان نموذج الملكية هذا سينتقل إلى صحف أخرى. بحثت مؤسسة نايت — وهي كيان غير ربحي أسسته عائلة نايت — شراء صحف مدينة أكرون بعد زوال سلسلة نايت ريدر، إلا أنها تراجعت عندما أصبحت أسعار العطاءات مرتفعة على نحو بالغ.

يرى الأستاذ جو ماثيوسن من جامعة نورث ويسترن أن الصحافة الأمريكية سوف تكون في حالٍ أكثر أمنًا، وتلقَى اهتمامًا ورعاية أفضل إن أصبحت ملكية الصحف على غرار نموذج القنوات التليفزيونية العامة، وهو يتوقع تغييرات في قوانين الضرائب قد تشجع الشركات المالكة للصحف على منحها لمنظمات غير ربحية. هذه المنظمات سوف تسلك نفس مسلك الشركات الإعلامية التقليدية، وسوف تسدد التزاماتها عبر بيعها للصحف والإعلانات، وسوف تتملك عقارات وممتلكات، وسوف تدفع أجورًا (قد تكون أعلى مما تدفعه الصحف التي تعمل من أجل الربح)، إلا أنها لن تكون تحت ضغوط من مالكي الأسهم لزيادة الأرباح، وسوف تتمكن من التركيز على أداء العمل الصحفي.28
تسمح أنظمة ديمقراطية كثيرة لحكوماتها بالمساعدة في تمويل وسائل الإعلام الإخبارية، وبينما تحقق الصحف البريطانية أرباحًا تشبه كثيرًا أرباح الصحف الأمريكية، فإن الحكومة تشرف على هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي». يُلزَم المواطنون البريطانيون كلَّ عام بدفع رسوم ترخيص تبلغ قيمتها نحو ٢٤٠ دولارًا على كل جهاز تليفزيون ملون و٧٥ دولارًا لطرازات التليفزيونات الأبيض والأسود. هذه الرسوم تُمَوَّل بها هيئة الإذاعة البريطانية. يُمْسِك المسئولون المكلفون بإنفاذ القانون — باستخدام أجهزة مراقبة إلكترونية وقواعد بيانات — بنحو ١٠٠٠ شخص يوميًّا يشاهدون التليفزيون دون ترخيص. يمكن أن تصل الغرامة الموقعة على المتهربين من دفع رسوم الترخيص إلى ٢٠٠٠ دولار.29 في كندا، يأتي أكثر من نصف تمويل هيئة الإذاعة الكندية «سي بي سي» من الحكومة. ودفعت الحكومة الفرنسية دعمًا ماليًّا للصحف وصل في مجموعه إلى ما يزيد على ٥٠٠ مليون دولار عام ٢٠٠٧م، وتبحث إنشاء مؤسسة سوف يكون من شأنها أن تقبل المساهمات المالية المعفاة من الضرائب لتوزعها على الصحف. يعد الفرنسيون — الذين تكلفهم الصحف يوميًّا نحو ٢٫٥ دولار — من أقل القراء المنتظمين للصحف في أوروبا. وبالمثل تتلقى الصحف الإيطالية تمويلًا حكوميًّا.

(١-٦) عودة إلى الملكية المحلية؟

شهدت بعض المجتمعات المحلية عودةً إلى الملكية المحلية لصحفهم؛ فقد باعت سلسلة ماكلاتشي صحيفة «ذا فيلادلفيا إنكوايرر» إلى مجموعة من مواطني مدينة فيلادلفيا. وفي عام ٢٠٠٦م أبدى سكانٌ محليون اهتمامًا بشراء صحيفة «ذا صن» في مدينة بالتيمور، «ليس لأنه كان أفضل مشروع تجاري متاح» ولكن لأنهم آمنوا بأن ملكية وسائل الإعلام الإخبارية «هي، في جانب منها، مسئولية وطنية». وحتى وقت كتابة هذه السطور، كان مستثمرون محليون قد أبدَوا اهتمامًا بصحيفتي «بوسطن جلوب» و«هارتفورد كورانت» وصحف أخرى.

لدى الصحفيين والقراء أمنية واحدة كبرى؛ وهي أن المالكين المحليين الجدد سوف يدفعهم إحساس بأهمية الصحيفة في المجتمع المحلي، وأن يتيحوا للصحفيين حرية ممارسة مهنتهم. يبدو أن ذلك يحدث في بعض المجتمعات؛ فقد قال جاي جريلين — وهو كاتب مقالات في صحيفة «أركنساس ديمقراط جازيت» في مدينة ليتل روك — لمجلة «إديتور آند ببليشر» إن مالك صحيفته، والتر هوسمان، طالب بالمزيد من التغطية المتعلقة بالتعليم، ولكن ذلك «لم يؤدِّ مطلقًا إلى أي نوع من التدخل [في العمل الصحفي].» وقال أيضًا إن الصحيفة كان لها مراسل ومصور في العراق أثناء شهر أكتوبر، وأرسلت مراسلين لتغطية أحداث عديدة بدءًا من المعارك في أفغانستان وحتى إعصار كاترينا. وأضاف قائلًا: «بالنسبة لصحيفة من ولاية أركنساس، يُعَد ذلك أمرًا طموحًا جدًّا.» وقال ديل كينج، محرر أخبار المدينة بالصحيفة ذات الملكية الخاصة «بوكا راتون نيوز» بولاية فلوريدا، إنه يعتقد أن المشكلات «تصبح أيسر كثيرًا في التعامل معها عندما يكون مالك صحيفتك في الطابق العلوي وليس يبعد عنك بأربع أو خمس ولايات.»

ومع ذلك فإن الملكية المحلية تُقْلِق البعض لسببين؛ أحدهما: هو أنها قد تعني عودةً إلى الأيام التي كان فيها الناشرون يستخدمون صحفهم للترويج لمعتقداتهم السياسية الخاصة ومشروعاتهم المفضلة. صرح أحد العاملين بصحيفة «ذا جرينفيل صن» بولاية تينيسي لمجلة إديتور آند ببليشر» أن العائلة التي تمتلك صحيفته تضع قيودًا على تغطيتها؛ «إن الأمر يكاد يكون رِدةً إلى الأربعينيات من القرن الماضي، ومناصرةً متحمسةً لكل ما هو محلي.» مصدر القلق الآخر: هو أن بعض المالكين الجدد لن يكونوا أفضل من أسوأ الشركات المالكة للصحف، وسوف يحرمون الصحف من ممارسة دورها الصحفي الحيوي من أجل تحقيقهم أرباحًا سريعة. ثمة انتقاد يُوجَّه إلى الكثير من المالكين المحليين؛ وهو رغم أنهم قد لا يكونون يمارسون ضغطًا مفرطًا لزيادة هوامش الربح، فإنهم كذلك أقل استعدادًا لتوظيف المال في توسيع التغطية الإخبارية وتحديث الأجهزة والمعدات.30
بعد مراجعتها لوضع ملكية الصحف في أوائل القرن الحادي والعشرين، خلُصَت صحيفة «ذا كريستيان ساينس مونيتور» إلى أن «للملكية الخاصة والمحلية مخاطرها، ولكن إن كان في وسعها منح الصحف مُتَنفَّسًا للعثور على وجهتها، فيبدو أن ثمة فائدة؛ في سبيل العمل الصحفي ورأي عام مُطَّلِع.»31

(٢) صناعة الأخبار التليفزيونية

في وسع الأشخاص الذين يمتلكون ما يكفي من المال أن ينشئوا أو يشتروا أي عدد يشاءون من الصحف، وتستطيع السلاسل الإعلامية أن تمتلك المئات من الصحف، ولكن ليست هذه هي الطريقة التي تجري بها الأمور في صناعة الإذاعة والتليفزيون؛ إذ تنظم هيئة حكومية — وهي لجنة الاتصالات الفيدرالية — ملكية المحطات الإذاعية والتليفزيونية. وحتى أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، حددت ضوابط لجنة الاتصالات الفيدرالية ملكية الفرد أو الشركة بحيث لا تزيد على سبع محطات تليفزيونية. وحتى مع ذلك التقييد، كان بالإمكان كسب الكثير من المال، وكان كثيرون ينظرون إلى امتلاك رخصة ملكية محطة تليفزيونية على أنه امتلاك تصريح بطباعة النقود. وكان بمقدور مالك كسول أن يحقق ربحًا طيبًا فقط من الأجر الذي كانت تدفعه الشبكة للمحطة لتنقل جدول برامجها. الكثير من المحطات لم تُدْرِج إلا جداول برامج محلية لتفي باشتراطات لجنة الاتصالات الفيدرالية. في المجتمعات المحلية الصغيرة، كان الشيء الذي غالبًا ما كان يتطلبه برنامج إخباري يقدم للجمهور هو مجرد رجل جالس خلف منضدة يقرأ من الصحيفة الصباحية، ومع ذلك — وبقليل من الجرأة والخيال — كان بمقدور المالكين أن يحولوا محطاتهم إلى منابع للمال.

بعد ذلك، وفي أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، قررت لجنة الاتصالات الفيدرالية أن تسمح للشركات بامتلاك عدد من المحطات التليفزيونية يصل إلى اثنتي عشرة محطة ما دامت لا تتجاوز نسبة العائلات الأمريكية التي تصل إليها ٢٥ بالمائة. اغتنمت شركات إعلامية كثيرة الفرصة لتشتري عددًا أكبر من المحطات في أسواق أكبر؛ فاقترضت تلك الشركات بكثافة، ودخلت في حروب مزايدات أدت إلى وصول أسعار المحطات إلى مستويات قياسية. فعلى سبيل المثال، بعد مرور ثلاثة أعوام فقط على بيع «دبليو سي في بي» — وهي محطة تليفزيونية بمدينة بوسطن — بقيمة ٢٢٠ مليون دولار، اشترتها شركة هيرست للتليفزيون بقيمة ٤٥٠ مليون دولار.

لفتت الأرباح المرتفعة التي تحققها محطات البث الأمريكية انتباه روبرت مردوخ، وهو أحد بارونات الصحافة، وكان يمتلك ممتلكات إعلامية في أنحاء العالم. حصل الرجل على الجنسية الأمريكية حتى يتمكن من الوفاء بالقواعد التنظيمية للجنة الاتصالات الفيدرالية التي تشترط أن يكون مالكو المحطات مواطنين أمريكيين. سريعًا جمع مردوخ محطات تليفزيونية تكفي للوصول إلى ٢١ بالمائة من مشاهدي التليفزيون في الولايات المتحدة، وبعد ذلك أسس شبكة فوكس وجعل لها شركات فرعية في معظم الأسواق الكبيرة، وأسس قنوات فوكس للكابل. في عام ١٩٩٣م منحته لجنة الاتصالات الفيدرالية تصريحًا خاصًّا لامتلاك كل من محطة تليفزيونية بمدينة نيويورك وصحيفة «ذا نيويورك تايمز»، على الرغم من نُظُمها التي تمنع امتلاك شركة واحدة لمحطة تليفزيونية وصحيفة معًا في نفس المدينة.

أضاف قانون الاتصالات لعام ١٩٩٦م المزيد من السخونة للطلب المستعر على المحطات التليفزيونية؛ فقد ألغى الحد الأقصى لعدد المحطات التي يمكن لشركة واحدة امتلاكها، ورفع الحد الأقصى للتغطية حتى يكون باستطاعة محطات شركة واحدة أن تصل إلى ٣٥ بالمائة من البيوت في الولايات المتحدة. كانت معادلة تحديد حد الخمسة والثلاثين بالمائة معقدة؛ فكانت بعض الشركات تستطيع الوصول إلى أكثر من ٦٠ بالمائة من البيوت وتظل ممتثلة للقانون.

بحلول أوائل القرن الحادي والعشرين، كانت أيام مجد مالكي المحطات المحلية قد بدأت في الأُفول. لم تعد الشبكات التليفزيونية تدفع للمحطات المحلية لتنقل جداول برامجها. في بعض الأحيان، كانت الشبكات تنتظر من المحطات المحلية أن تساهم في تغطية تكلفة بعض برامجها. والأسوأ من ذلك بالنسبة إلى المحطات المحلية، أن الشبكات بدأت في تجربة وسائل لتجاوزها تمامًا، بالسماح للمشاهدين بتنزيل البرامج على أجهزة الكمبيوتر والآيبود الخاصة بهم. في تلك الأثناء، كان المشاهدون يهجرون البرامج الإخبارية المحلية التي كانت المصدر الأكبر للربح لأي محطة محلية. وكانت خسارة الشباب — الشريحة المفضلة لدى المعلِنين — هي الأمر المؤلم بشدة.

تخسر المحطات المحلية أيضًا بعضًا من أفضل معلنيها؛ فعلى مدى سنوات، كانت شركات السيارات الأمريكية من بين معلنيها الرئيسيين؛ إلا أن مشكلات مالية فادحة جعلت شركتي جنرال موتورز وفورد تخفضان من إنفاقهما. ولم تكن الشركات اليابانية والأمريكية في العادة تعلن بنفس الكثافة على شاشة التليفزيون. وأيضًا، أتاحت جودة مقاطع الفيديو على الإنترنت الآخذة في التحسن للمواقع الإلكترونية أن تُنافِس التليفزيون على الإعلانات المعتمدة على مقاطع الفيديو. تسببت هذه العوامل مجتمعة في حدوث انخفاض بنسبة ٩ بالمائة في الإعلانات على المحطات المحلية في عام ٢٠٠٦م. ظلت بضع محطات قوية في أسواق المدن الكبرى تحقق أرباحًا مذهلة؛ فوصلت هوامش الربح في كثير منها إلى ٤٠ بالمائة، حسب صحيفة «ذا وول ستريت جورنال». وحتى في المدن متوسطة الكثافة السكانية، شهدت بعض المحطات المحلية هوامش ربح تصل إلى ٣٠ بالمائة؛ إلا أن أغلب المحطات — وبخاصة تلك المملوكة لشركات صغيرة وعائلات — لم تكن تصيب نجاحًا مثلما كانت تفعل منذ عشر سنوات.32

(٢-١) التليفزيون يحقق أرباحًا من الأخبار

بينما تبيع شركات الصحف في المقام الأول منتجًا واحدًا وهو الصحف، تبيع المؤسسات التليفزيونية نوعين من المنتجات: البرامج الإخبارية والترفيهية. في السابق، لم يتوقع مالكو القنوات والمديرون التنفيذيون للشبكات التليفزيونية أن تدرَّ عليهم إدارات الأخبار أموالًا. تجاهل بعض مالكي المحطات إدارات الأخبار لديهم، وأدرجوا فقط ما يكفي من برامج الأخبار والشئون العامة للوفاء باشتراطات لجنة الاتصالات الفيدرالية. واعتقد مالكون آخرون أن النشرات الإخبارية القوية كانت تمنح محطاتهم شأنًا ومكانةً في المجتمع المحلي وتجتذب المشاهدين إلى برامج الترفيه الجالبة للمال؛ فأنفقوا المال طوعًا على غرف الأخبار في محطاتهم. كانت هذه المحطات تعتبر الأخبار «سلعة جاذبة»، حسب قول بن باجديكيان، الذي عمِل في السابق في صحيفة «ذا واشنطن بوست»، والذي كان يشير إلى ممارسة محلات البقالة المتمثلة في الدعاية لبضعة منتجات بأسعار أقل من التكلفة على أمل أن الزبائن سوف يعبئون عربات التسوق الخاصة بهم ببضائع مربحةٍ أكثر.

بدأت أيام التعامل مع الأخبار كمجرد وسيلة لتحقيق المكانة والمنزلة تتلاشى عندما اكتشفت الشبكات أن الأخبار يمكن أن تجلب المال. يُلقي باجديكيان بقدر كبير من اللوم على برنامج واحد:

كان برنامج «سيكستي مينتس» في الوقت نفسه هو أفضل البرامج وأسوءها على الإطلاق. كان أفضل البرامج من حيث قيامه بالكثير من التحقيقات الصحفية الاستقصائية … إلا أنه كان الأسوأ من حيث كونه البرنامج الأول من برامج الشئون العامة الذي أدر مالًا.

كان برنامج «سيكستي مينتس» — وما زال — أحد أفضل ١٠ برامج تُعْرَض في وقت ذروة المشاهدة لأكثر من ٢٠ موسمًا متتاليًا، وأصبح أكثر البرامج المسلسلة تحقيقًا للربح على التليفزيون على الإطلاق. ولاحقتاه شبكتا «إيه بي سي» و«إن بي سي» ببرنامَجَيْ «برايم تايم لايف» و«داتا لاين إن بي سي». أعجِبَ محاسبو الشبكات التليفزيونية ببرامج المجلات الإخبارية هذه لأنها رخيصة نسبيًّا، وتكلفتها أقل بكثير من الأعمال الدرامية التي تعرض في وقت ذروة المشاهدة.

في السنوات الأخيرة، هبط عدد الناس الذين يشاهدون البرامج الإخبارية المسائية على الشبكات التليفزيونية هبوطًا حادًّا؛ ففي عام ١٩٩٦م، كان ما يقارب نصف البيوت الأمريكية يتابع إحدى النشرات المسائية على الشبكات الإخبارية. بحلول عام ٢٠٠٦م، كان الثلث فقط هو الذي يتابعها، والمفارقة أن الدخل من الإعلانات في البرامج الإخبارية لم يشهد انخفاضًا ملحوظًا؛ فما زالت النشرات الإخبارية المسائية تشكل نحو ٢٠ بالمائة من عائد الشبكات التليفزيونية؛ وذلك لأن الكثيرين من المعلنين يعتبرون أن الشبكات الإخبارية ذات شأن كبير. وحتى أقل نشرات الشبكات في معدلات المشاهدة تجتذب ثلاثة أضعاف مشاهدي نشرات القنوات التليفزيونية الإخبارية على الكابل الأعلى في معدلات المشاهدة، وتعطي مكانة الشبكات الإخبارية قيمةً إضافية. (تتصاعد معدلات مشاهدة القنوات التليفزيونية الإخبارية على الكابل تصاعدًا كبيرًا أثناء الأزمات والأحداث الكبرى، ويرجع ذلك لقدرة القنوات الفضائية منقطعة النظير على تغطية الأخبار العاجلة.)33
تدر البرامج الإخبارية الصباحية ربحًا أعلى كثيرًا من نظيراتها المسائية. قبل أن تترك كاتي كوريك برنامج «إن بي سي توداي»، كان أكبر البرامج تحقيقًا للأرباح على التليفزيون؛ فحسب صحيفة «ساكرامنتو بي»، جنى البرنامج أرباحًا سنوية تزيد على ما كانت تحققه باقي برامج شبكة «إن بي سي» مجتمعة بنحو ٢٥٠ مليون دولار.34 تصيب البرامج الصباحية قدرًا كبيرًا من النجاح مما دعا الشبكات الثلاث الكبرى («سي إن إن»، و«فوكس نيوز»، و«إم إس إن بي سي») إلى الاستمرار في التوسع في البرامج المقدمة. للاستفادة من شعبية خريطة البرامج الإخبارية الصباحية، تقدم المحطات المحلية هذه الأيام برامج إخبارية في الخامسة والسادسة صباحًا، قبل بدء البرامج الإخبارية التي تقدمها الشبكات. اكتشفت محطات كثيرة تمتلك إدارات أخبار تأسست منذ وقت طويل وسيلةً لتحقيق أرباح إضافية بتقديمها الأخبار لقنوات أقل رسوخًا لا تمتلك إدارات للأخبار.

(٣) تصاعد وسائل الإعلام الاثنية

يتداول الصحفَ الصادرة الأمريكيون المنحدرون من أصول أفريقية منذ عام ١٨٢٧م عندما أنشأت مجموعة من الصحفيين السود صحيفة «فريدومز جورنال». أعلنت الطبعة الأولى للصحيفة ما يلي: «إننا نبتغي الدفاع بأنفسنا عن قضيتنا. ظل آخرون لأمدٍ طويلٍ جدًّا يتحدثون نيابةً عنا.» كما يوضح أستاذ الصحافة فرانكي فلتون، كانت صحيفة «فريدومز جورنال» وأوائل صحف السود الأخرى تُعَد أكثر من أوراق سياسية مناهضة للاسترقاق. ركزت صحيفة «فريدومز جورنال» على الأخبار من مجتمعات السود، وسردت قصص أمريكيين ناجحين من أصول أفريقية. ركزت الصحيفة — التي توجهت برسالتها إلى القراء البيض والسود على السواء — على أن السود هم أيضًا أمريكيون.35 بحلول وقت نشوب الحرب الأهلية عام ١٨٦١م، اقتفت أكثر من ٤٠ صحيفة مملوكة للسود درب صحيفة «فريدومز جورنال». أشهرها كانت صحيفة فريدريك دوجلاس «ذا نورث ستار»، التي استقطبت الكثيرين في مكافحة العبودية.
بعد الحرب الأهلية، انتشرت الأعمال التجارية المملوكة للسود وازدهرت، وازدادت أعداد المنتمين إلى الطبقة الوسطى من السود، وظهر أكثر من ١٠٠٠ صحيفة للسود. استمر بعضها لبضعة شهور فقط، بينما تحولت صحف أخرى إلى إصدارات صحفية كبرى. وصل توزيع صحيفة «بيتسبرج كورير» إلى ما يقرب من ٣٠٠ ألف نسخة. ووصل توزيع صحف أخرى مثل «شيكاجو دفندر» و«أمستردام نيوز» في مدينة نيويورك إلى أكثر من ١٠٠ ألف نسخة. حمل محررو هذه الصحف لواء مكافحة حواجز التفرقة على أساس اللون في مختلف أرجاء المجتمع الأمريكي، وشجعوا نزوح السود من الجنوب إلى مدن الشمال. غطت هذه الصحف أخبار الرياضة، وبخاصة الأخبار الرياضية لكليات السود التاريخية (وهي مجموعة من المؤسسات التعليمية التي تأسست في الولايات المتحدة قبل عام ١٩٦٤م بهدف توفير التعليم للأمريكيين من أصول أفريقية، كما كانت تتيح التسجيل لجميع الطلاب من جميع الأجناس والأعراق)، وآذَنت باندماج دوري البيسبول الرئيسي على يد جاكي روبنسون. حوى أغلب تلك الصحف صفحات مفعمة بالحيوية، كُرِّسَت لأخبار المجتمع والأخبار الترفيهية. وكان هناك وكالتا أنباء يديرهما السود — أُنشئتا على غرار وكالة «أسوشيتد برس» — تقدمان الأخبار المحلية والدولية.36
كانت صحيفتا «بيتسبرج كورير» و«شيكاجو دفندر» توزَّعان في أنحاء الولايات المتحدة. كانت الصحف تُتَناقَل من أسرة إلى أسرة، وكان بعض القساوسة يقرءونها على أسماع أفراد رعيتهم. وحظرت بعض الحكومات المحلية تلك الصحف بسبب مناصرتها للحقوق المدنية ولنزوح السود إلى الشمال. وكان الناس يُضطرون إلى تهريب الصحف إلى داخل المدن، وغالبًا ما كان يفعل ذلك الحمالون السود في قطارات الركاب. وصف محرر سابق لأخبار المدينة في صحيفة «بيتسبرج كورير» عمليات التوزيع السرية:
كان القائمون على صحيفة «بيتسبرج كورير» يُهَرِّبون حِزَمًا صغيرة من الصحف إلى داخل محطة قطار بيتسبرج في الشاحنات التابعة للصحيفة بالتمويه على شكلها لإخفاء تبعيتها للصحيفة، وكان الحمالون يخبئون حزم الصحف تلك على متن القطارات أو تحتها … كانت الصحف تُلَف في ورق مقاوم للعوامل الجوية لإعدادها للشحن. وما إن تصل الصحف إلى الجنوب حتى يُسْقِطها الحمالون على بُعد ميلين تقريبًا خارج المدن الرئيسية مثل تشاتانوجا بولاية تينيسي وموبيل بولاية ألاباما وجاكسونفيل بولاية فلوريدا. وكان القساوسة السود يجمعون الصحف، ويوزعونها على الأطفال من رعيتهم الذين كانوا يقومون بدور بائعي وبائعات الصحف.37

إلا أنه في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، أضعفت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الآخذة في التغير الكثيرَ من هذه الصحف؛ فكانت تلك الصحف إلى حد ما ضحية لنضالها الناجح في مواجهة الفصل العنصري. كتب برنت ستابلس، من صحيفة «ذا نيويورك تايمز»، إنه: «مع مُضِي حركة الحريات المدنية قُدُمًا أخيرًا، واهتمام صحف البيض الذي جاء متأخرًا بأخبار السود، أخذ القراء السود في الابتعاد بوتيرة مطردة عن صحف السود.» وكذلك — مع حدوث الاندماج العرقي في السكن بين البيض والسود — ابتعد كثير من الأمريكيين المنحدرين من أصول أفريقية عن مجتمعات السود المحلية التقليدية، وتوقفوا عن شراء صحيفة ذلك المجتمع المحلي. ومع ترك هؤلاء الناس للمجتمع المحلي، فقد الكثير من الأعمال التجارية المملوكة للسود زبائنها، وبدأت تعاني ماليًّا. وأدى ذلك إلى وقوع صحف السود في مأزق؛ فقد كانت عدد النسخ التي توزعها في تراجع، وكان كثير من معلنيها الأساسيين يوقفون نشاطهم التجاري.

في الوقت الحاضر يُنْشَر نحو ٢٣٠ صحيفة للسود، أغلبها صحف أسبوعية، في حين أن بعضها — كصحيفة «شيكاجو دفندر» — يَصْدُر أسبوعيًّا. يؤمن أغلب الصحفيين بهذه المطبوعات الصحفية أن صحفهم تلبي دعوة صحيفة «فريدومز جورنال». تزعم ألنيسا بانكس، رئيسة تحرير صحيفة «تشالنجر» في مدينة بفالو بولاية نيويورك لأكثر من عقدين، أن «صحافة السود تخاطب الاحتياجات الخاصة لمجتمع الأمريكيين المنحدرين من أصول أفريقية؛ فنحن نريد أن نكون منبرًا لأولئك الناس الذين ليس لديهم من يتحدث عنهم في وسائل الإعلام الرئيسية.»38
ومع أن المحررين في صحف الأمريكيين المنحدرين من أصول أفريقية يهدفون إلى تلبية احتياجات مجتمعاتها، إلا أنهم لا يتفقون على السبيل الأمثل لتحقيق ذلك؛ فبعضهم — كصحيفة «شيكاجو ريبورتر» — يزاول صحافة استقصائية حادة شديدة اللهجة، والبعض يرى أن دورهم يتمثل في نقل أخبار الأحداث اليومية في حياة قرائهم وتشجيع قادة السود ومنظماتهم.39
على مدى أكثر من ٥٠ عامًا، كانت مجلتا «جيت» و«إيبوني» من أكثر المجلات نجاحًا. تأسست المجلتان على يد جون إتش جونسون، الذي أنشأ أيضًا قناة «بلاك إنترتينمينت تليفيجين» الفضائية في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي. نقلت قناة «بلاك إنترتينمينت تليفيجين» الفضائية أول بث إخباري وطني موجه إلى الأمريكيين من أصول أفريقية. عندما باع جونسون القناة الفضائية لعملاق الإعلام فياكوم في عام ٢٠٠٠م، أفادت التقارير أنه أصبح أول ملياردير أسود في البلاد.40

(٣-١) وسائل الإعلام اللاتينية والآسيوية المتنامية

لعل أسرع وسائل الإعلام القائمة على العِرق نموًّا في أمريكا هي وسائل الإعلام اللاتينية؛ ففي سنة ١٩٩٠م، كان توزيع الصحف الناطقة بالإسبانية يبلغ ٤٫٢ ملايين نسخة، وبحلول عام ١٩٩٥م كان ٨٫١ ملايين نسخة. وفي سنة ٢٠٠٢م، كان يوجد أكثر من ٤٠٠ صحيفة ناطقة بالإسبانية، تتضمن نحو ٢٠ صحيفة يومية. وفي سنة ٢٠٠١م، التي كانت من السنوات العجاف للاقتصاد الذي شهد هبوط عائد الإعلانات في الصحف الناطقة بالإنجليزية بنحو ١٠ بالمائة، ارتفع تقييم الإعلانات في الصحف الإسبانية بنسبة ١٩ بالمائة، حسبما أوردت الجمعية الوطنية للمطبوعات الصحفية الناطقة بالإسبانية.41 وبينما يتناقص توزيع الصحف الرئيسية، يبلغ متوسط النمو السنوي للمطبوعات الصحفية اللاتينية أكثر من ٣ بالمائة. وتجتذب المحطات التليفزيونية الناطقة بالإسبانية مشاهدين كثيرين لنشراتها الإخبارية. وفي ميامي ودالاس ولوس أنجلوس ومدن أخرى، تسجل تلك المحطات معدلات مشاهدة أعلى من الكثير من القنوات الناطقة بالإنجليزية.
أدرجت المؤسسة البحثية غير الربحية «مشروع التميز في الصحافة» المحطات الإسبانية في تحليلها للأخبار التليفزيونية المحلية لعام ٢٠٠٢م. أورد الباحثون في تقريرهم أن المحطات الإنجليزية والإسبانية كانتا متساويتين جوهريًّا في الجودة في معظم المدن، وأن المحطات الإسبانية تجاوزت المحطات الناطقة بالإنجليزية في مدينة ميامي. كشف التقرير عن وجود اختلافات في نوعية الأخبار، ووجد الباحثون أن «أخبار القنوات التليفزيونية المحلية باللغة الإسبانية تزخر أكثر بأخبار الأشخاص العاديين، وتتفشى فيها أخبار الجريمة والضحايا بقدر أكبر من القنوات التليفزيونية الإنجليزية. وهي أكثر اهتمامًا بأخبار أوطانهم الأصلية البعيدة، بل بأخبار العالم بوجه عام.» وغطت المحطات باستفاضة الأخبار السياسية الخاصة بدول أمريكا الجنوبية والوسطى والكاريبي. على صعيد السلبيات، وجد الباحثون أن الأخبار كانت في الغالب الأعم متحيزة وأحادية الرؤى أكثر من الأخبار في القنوات التليفزيونية الناطقة بالإنجليزية، وكان احتمال استعانتها بمصادر غير مسماة أعلى.42 وأخبار الصحف أيضًا في كثير من الأحيان تُكْتَب على نحو مختلف عن الصحف الناطقة بالإنجليزية؛ ففي صحيفة «نويفو هيرالد» في مدينة ميامي، قال محرر إن الأخبار أقصر وأكثر عنادًا وتشبثًا بالرأي من الصحيفة الأم «ذا ميامي هيرالد»: «إنه مجرد أسلوب من نوع مختلف، وهو أقرب، حسبما أظن، لما يعتاد عليه ذوو الأصول اللاتينية.»

(٤) مشكلات غرف الأخبار التي تعاني من قلة التمويل

مع استمرار ضغوط التكاليف والأرباح المادية؛ إذ تواجه غرف الأخبار المزيد من التقليصات في الميزانية في صحف ومحطات تليفزيونية كثيرة، فإن ثمة مشكلة تتعلق بجودة الأخبار. أحد الأمثلة على ذلك هو الحالة المتردية لمحرري الطباعة؛ فحتى أواخر القرن العشرين، كان محررو الطباعة يراجعون محتوى الخبر من أجل الدقة وقواعد اللغة، أما في الوقت الحالي فهم أيضًا يصممون الصفحات على أجهزة الكمبيوتر. وفي الوقت نفسه تسببت التقليصات في الميزانية في تقليل عدد محرري الطباعة في صحف كثيرة، ونتج عن محاولة القيام بالكثير من العمل في وقت أقل المزيد من الأخطاء. ومع انخفاض عدد المراسلين، تُملأ الصحف بأخبار من وكالات أنباء مثل «أسوشيتد برس». أما في الصحف الأصغر، فيقرأ محررو الطباعة على عجل الفقرات القليلة الأولى لأخبار من وكالة «أسوشيتد برس» أو من وكالة أخرى. فإذا كانت تلك الفقرات تبدو جيدة، وإذا كان الخبر سيملأ المساحة، فقد يظهر الخبر في الصحيفة دون أن يقرأه أحد من غرفة الأخبار بمجمله على الإطلاق. فلا تُحرر الأخبار أو تُعد للطباعة، وإنما يُلقى بها على نحو متعجل في الصحيفة وكأنما تُجرَف جرفًا.

وتتزايد أيضًا الضغوط التي يتعرض لها المراسلون؛ في غرف أخبار كثيرة، يوجب المحررون على المراسلين أن يقدموا عددًا معينًا من الأخبار كل أسبوع. وإذا كان ثمة نقص في العمالة في غرفة الأخبار، يزيد المحررون حصة كل مراسل من الأخبار التي يجب عليه تقديمها. ولكي يلبي المراسلون هذا التوقع الجديد، قد يشعرون بضغوط تدفعهم إلى تسليم الأخبار قبل أن يتسنى لهم الوقت الكافي لجمع كل المعلومات التي يحتاجون إليها أو للتحقق من مصادر إضافية وضمان الدقة. وقد يقدمون أخبارًا مستندةً على مصدر واحد فقط، غالبًا ما يكون مسئولًا حكوميًّا، ويتجاهلون تمامًا أخبارًا مهمة ولكنها تستغرق الكثير من الوقت. تمتلئ الصحف ﺑ «الخبطات الصحفية السريعة» التي يستطيع المراسلون إنجازها في عصر أحد الأيام.

يتعرض العاملون بأقسام الأخبار في المحطات التليفزيونية في أغلب الأحيان لنفس المشكلات. على الرغم من تزايد التعيينات من قبل المحطات المحلية، فإن عدد الساعات التي يجري بثها هو أيضًا في تزايد. قال مراسل تليفزيوني متمرس: «تقليص النفقات والتكنولوجيا والممارسات المتعلقة بالتوظيف المحدود وفرص العمل هي في الوقت الحالي العوامل التي تحدد كيفية تغطية الأخبار.»

من المتعارف عليه أن المحطات التليفزيونية عادة ما توظف أقل من عُشر المراسلين الذين توظفهم الصحف في المدن المتماثلة في الحجم. عندما كان دان روزنهايم مدير تحرير صحيفة «سان فرانسيسكو كرونيكل» كان يشرف على طاقم من ٢٢٥ مراسلًا، وعندما ترك تلك الوظيفة ليصبح مدير أخبار محطة «كيه بي آي إكس تي في» في مدينة سان فرانسيسكو، كان لديه ١٦ مراسلًا بدوام كامل. وهو ما أكدته ديبورا بوتر، الصحفية والخبيرة الاستشارية التليفزيونية، في مجلة «أمريكان جورناليزم ريفيو» بقولها: «ستة عشر مراسلًا لتغطية نفس الإقليم الذي تغطيه الصحيفة بأكثر من ٢٠٠ مراسل.» صرح فيليب بالبوني، رئيس محطة «نيو إنجلند كيبل نيوز» في مدينة بوسطن لمجلة «أمريكان جورناليزم ريفيو» بقوله: «لا توجد محطة تليفزيونية في أمريكا تمتلك عددًا كافيًا من المراسلين.»43
وإذ يحاول محررو المهام أن يسدوا حاجة نشرة الأخبار المحلية بعدد قليل من المراسلين، يجب عليهم أن يختاروا بعناية مكان إيفاد أطقم الأخبار، ويجب عليهم أن يرسلوهم إلى أخبار يمكن تغطيتها سريعًا وسوف ينتج عنها مقطع فيديو جيد. قال أحد الصحفيين التليفزيونيين الذي يعمل في واحدة من أفضل ٢٥ سوقًا: «ليس لدينا وقت لتغطية الأخبار المعقدة. يتعين علينا القيام بتغطية الأخبار السريعة، الأخبار السهلة. ما ينقصنا هو الملاءمة.»44
يقول بعض مديري الأخبار إن المشكلة تزداد سوءًا. في أحد الاستقصاءات، قالوا إن «عدم وجود عدد كافٍ من طاقم العمل» يشكل إلى حد بعيد العائق الأول أمام تقديم أخبار عالية الجودة. توصلت الدراسة إلى أنه كان يجب على المراسلين تقديم ١٫٨ حزمة يوميًّا في المتوسط. وحسبما قال أحد مديري الأخبار، الحقيقة المرة هي أن «بعض القرارات التحريرية كانت تستند فقط على توفير المال». يتجه الكثير من المحطات التليفزيونية إلى تغطية أخبار الجريمة؛ فكما قال مدير تنفيذي سابق في قناة «إن بي سي نيوز»: «إنها أسهل وأرخص وأبطأ الأخبار التي يمكن تغطيتها؛ لأن كل ما يفعلونه هو الاستماع إلى موجة الشرطة، والاستجابة لها، وإرسال وحدة كاميرات محمولة، وقضاء ساعة أو ساعتين في تغطية الخبر وعرضه على الهواء.»45 في معظم المحطات التليفزيونية، تشغل جرائم القتل وعمليات السطو المسلح على متاجر البيع بالتجزئة والحوادث المرورية نحو ثلث النشرة الإخبارية المسائية. في بعض المحطات التليفزيونية، ترتفع النسبة لتصل إلى ٦٠ بالمائة. فعلى حد قول مراسل يعمل في إحدى الأسواق الخمسة والعشرين الأعلى في البلاد: «لقد صرنا وكأننا دفتر أحوال الشرطة.»
من الأرجح أن تعتمد غرف الأخبار التي تعاني من نقص العمالة على الأشخاص المختصين بالعلاقات العامة لمساعدتها على سد فجوة الأخبار. في الصحف الأصغر، قد يُلْقي المحررون بنظرة سريعة على النشرات الصحفية، وبعد ذلك يقتطعونها ويضعونها في الصحيفة بعد شيء يسير من التنقيح أو دونما تنقيح على الإطلاق. ولأن الخبر التليفزيوني يتطلب استخدام مقاطع فيديو، فإن المختصين بالعلاقات العامة والمروِّجين يعرفون أن في مقدورهم إيصال رسالتهم في نشرة أخبار الساعة السادسة بتنظيم فعاليات إعلامية تُبَشِّر بتقديم لقطات جيدة. تشير إحدى الدراسات إلى أن ما يصل إلى ٧٠ بالمائة من بعض النشرات الإخبارية يمثل تغطية لفعاليات إعلامية زائفة؛ وهي أحداث يصطنعها أفراد أو فئات للفت الانتباه إلى أنشطتهم أو مواقفهم.46

تتخذ النشرات الصحفية المرئية (وتُسمى اختصارًا «في إن آر») طريقها لتصبح طريقة شائعة لملء الوقت. البعض يدعوها «أخبارًا زائفةً» لأنها تبدو في شكلها وهيئتها وكأنها جزء من نشرة أخبار، ولكنها مصنوعة بواسطة الشركات أو الساسة الذين يرد ذكرهم فيها. في بعض الأحيان، يقدم مذيع المحطة التليفزيونية الخبر، ويترك لدى المشاهدين انطباعًا بأن المراسل في النشرة الصحفية المرئية يعمل بالمحطة التليفزيونية. في أحيان أخرى، يصبح مراسل محلي جزءًا من النشرة الصحفية المرئية بقراءته لنص مرفق. وفي كثير من الأحيان تبدو الفقرة وكأنها دليل للمشتري؛ ولكن لا يُذْكَر إلا منتجات شركة واحدة.

ومما يبعث عل المزيد من القلق أن إدارة بوش أنتجت سلسلة من النشرات الصحفية المرئية للترويج لتغييرات خلافية في برنامج الضمان الاجتماعي وغزو العراق ومقترحات بشأن التعليم، وقضايا أخرى. استخدمت محطات تليفزيونية محلية هذه النشرات الصحفية المرئية دون ذكر مصدرها. وكما أشارت صحيفة «ذا نيويورك تايمز»، فإن الجميع مستفيد باستثناء المشاهدين؛ إذ:
تُعْفى المحطات التابعة من تكلفة التنقيب عن مواد إعلامية خاصة بها، وتضمن شركات العلاقات العامة عقودًا حكومية تُقدر قيمتها بملايين الدولارات … وتبعث المؤسسة الرئاسية في أثناء ذلك برسالة منقولة بحذافيرها، توصل في صورة تغطية صحفية تقليدية.47

(٤-١) الرواتب المتدنية في غرف الأخبار التي تعاني من قلة التمويل

ثمة جانب سلبي آخر لغرف الأخبار التي تعاني من قلة التمويل؛ هو الرواتب المتدنية التي تُدْفَع لمراسلي النشرات الإخبارية والصحف المبتدئين التي غالبًا ما تكون أقل كثيرًا من متوسط رواتب خريجي الجامعات حديثي التخرج. يبدأ حوالي ٢٠ بالمائة من الصحفيين الجدد حياتهم المهنية مع مؤسسات لا توفر مزايا أساسية مثل التأمين الصحي.48 ذكر مقال في مجلة «أمريكان جورناليزم ريفيو» أن بعض الصحف اليومية الصغيرة بولاية كاليفورنيا تدفع للمراسلين نفس ما يُدْفَع تقريبًا للأشخاص الذين يعملون في إحدى مقاهي ستاربكس.49
مما يُؤسف له أن الرواتب المتدنية كانت منذ وقت طويل — وما زالت — هي القاعدة فيما يتعلق بالصحفيين المبتدئين. في عام ١٩٩٦م، كان ٢٢ بالمائة من الصحفيين العاملين بالصحف الذين تقل أعمارهم عن ٢٥ عامًا يتقاضون رواتب أدنى من المستوى الرسمي للفقر المُقدَّر بمبلغ ١٥١٤١ دولارًا. حصل المراسلون العاملون في بعض المؤسسات الإخبارية الصغيرة على زيادات في الأجور في عام ١٩٩٧م، ولكن ذلك لم يحدث إلا لأن الحكومة رفعت الحد الأدنى للأجر. الأمر الأسوأ من ذلك هو أن الرواتب في الصحف الصغيرة غالبًا ما تظل متدنية بغض النظر عن جودة العمل المُنْجَز على يد الصحفي. عندما فازت بيتي جراي بجائزة بوليتزر في عام ١٩٨٩م، منحتها صحيفتها، «واشنطن دايلي نيوز» المنتمية إلى مدينة صغيرة في ولاية كارولاينا الشمالية، زيادة بلغت ٢٥ دولارًا في الأسبوع.50 بعد إجرائه استطلاع عن الرواتب التي تُدفع للصحفيين المبتدئين في ولاية فيرجينيا، خَلُص أستاذ الصحافة ستيف ناش إلى أنه من الأفضل للصحفي المبتدئ أن يكون مستعدًّا لقيادة سيارة مستهلكة للغاية وأن يعيش على شطائر زبدة الفول السوداني.51
أحد أسباب التدني الشديد لرواتب الصحفيين المبتدئين هو أن الأشخاص العاملين في الصحافة عادةً ما يبدءون في صحف ومحطات تليفزيونية صغيرة. في المجال الإخباري، تتناسب الرواتب تناسبًا يكاد يكون مباشرًا مع معدل توزيع الصحيفة أو مع السوق الكائنة فيها المحطة التليفزيونية. على سبيل المثال، في الصحف الكبيرة مثل «ذا بوسطن جلوب»، بلغ الحد الأدنى للأجور بعد فترة خمس سنوات مع الصحيفة نحو ١٤٠٠ دولار أسبوعيًّا في عام ٢٠٠٦م؛ وفي الصحف متوسطة الحجم مثل «كانتون ريبوزيتوري» في ولاية أوهايو بلغ ٨٩٠ دولارًا؛ وفي صحيفة «نوريس تاون تايمز هيرالد» في ولاية بنسلفانيا بلغ ٥٣٥ دولارًا. بلغت رواتب بدء التعيين نحو ١٦٠٠ دولار أسبوعيًّا في صحيفة «ذا نيويورك تايمز». الصحفيون في كل هذه الصحف هم أعضاء في الاتحاد العمالي للعاملين بالاتصالات في أمريكا (سي دبليو إيه)-رابطة الصحف. أما رواتب الصحف غير التابعة للاتحاد فغالبًا ما تكون أقل.52
تزداد هوة التباين في الرواتب في الصحافة المرئية؛ ففي الأسواق الخمسة والعشرين الأعلى، يجني مديرو الأخبار ما يصل إلى ٢٥٠ ألف دولار. كان المتوسط ١٢٠ ألف دولار في عام ٢٠٠٦م، وفقًا لاستقصاء أُجري في جامعة بول ستيت. في المحطات الصغيرة يبلغ متوسط الراتب نحو ٦٥ ألف دولار. ويمكن للمذيعين المعروفين في الأسواق الكبرى أن يجنوا ما يصل إلى مليون دولار في العام. رغم ذلك، كان متوسط الراتب ١١٥ ألف دولار في عام ٢٠٠٦م. وكان متوسط الراتب للمذيعين العاملين في الأسواق الصغيرة يبلغ ٣٠ ألفًا و٥٠٠ دولار. التباين في رواتب المراسلين يبدأ من ٢٠٠ ألف دولار للمراسل من ذوي الأسماء المعروفة في إحدى الأسواق الكبرى وحتى ١٤ ألف دولار في المستوى الأدنى. كان متوسط الرواتب ٥١ ألف دولار في الأسواق الرئيسية و٢٠ ألف دولار في المحطات الصغيرة. ورغم اعتماد التليفزيون على المرئيات، فإن المصورين الصحفيين للنشرات الإخبارية يتقاضَوْن أجورًا أقل قليلًا من المراسلين، بمتوسط رواتب يبدأ من ٤٤ ألف دولار في الأسواق الكبرى ويصل إلى ٢١ ألف دولار في الأسواق الصغيرة. ويتقاضى مذيعو النشرات الجوية أجورًا أقل من مذيعي الأخبار. ويتقاضى المذيعون والمراسلون الرياضيون أجورًا أقل من نظرائهم العاملين في قطاعي الأخبار والنشرات الجوية.53

تسهم هذه المرتبات المتدنية في سوء نوعية الصحافة في الكثير من المدن والبلدات الصغيرة. تساءل جي كيلي هاويس، الرئيس السابق لجمعية الصحفيين المحترفين والمحرر في صحيفة «ذا مونسي ستار» بولاية إنديانا، قائلًا: «هل تجتذب المنافذ الإخبارية متقدمين مؤهلين للوظائف بأجور موازية لمستوى خط الفقر؟ أم أن تلك المنافذ الإخبارية تقنع بما يمكنها الحصول عليه؟»

عادةً ما يخطط الصحفيون المبتدئون الذين يرضَوْن بالرواتب المتدنية للبقاء في صحفهم أو محطاتهم التليفزيونية الأولى الوقت الذي يكفيهم فقط للحصول على الخبرة الكافية للانتقال إلى وظائف ذات رواتب أفضل. في بعض المحطات التليفزيونية الأصغر، يرتفع معدل تغيير الموظفين في غرف الأخبار ليصل إلى ٥٠ بالمائة في العام.54 وبدلًا من الاطلاع على احتياجات المجتمع المحلي، يبحث المراسلون عن الخبر الذي قد يؤدي بهم إلى وظيفة في سوق أكبر، أو قد يتركون المهنة كليةً. توصلت دراسة أجرتها الأستاذة الجامعية بيتي مِدْسر إلى أن ٤٣ بالمائة من الصحفيين الجدد قالوا إنهم قد يبحثون عن وظائف تؤمِّن لهم أجورًا أفضل.

(٤-٢) خفض الجدار الفاصل

تنتقص غرف الأخبار التي تعاني من قلة التمويل تدريجيًّا من المبادئ الصحفية الراسخة منذ أمد بعيد. طوال معظم سنوات القرن العشرين، تخيل المحررون والمراسلون وجود جدار منيع فاصل بين أقسام الأخبار والإدارات التجارية. كان الفريق التجاري يقوم بتوزيع الصحف وبيع الإعلانات، وكان الفريق الإخباري يتخذ كل القرارات المتعلقة بالمحتوى الإخباري للصحيفة. ومما يرمز لهذه العلاقة أنه في وقت ما لم تكن المصاعد التي كانت تحمل العاملين في قسم الإعلانات إلى مكاتب الإدارات التجارية لصحيفة «شيكاجو تريبيون» تستطيع التوقف في الدور الذي كانت فيه غرفة الأخبار.

كان الكثير من الصحفيين يرَوْن أن الجدار الفاصل بين المحتوى الإخباري والإعلانات كان بنفس أهمية الفصل بين الكنيسة والدولة في الدستور الأمريكي. وبالطبع كانوا يرَوْن أن أهمية الإعلانات تنحصر في أنها تشكل الجانب الأكبر من دخل الصحيفة. كما قال محرر سابق في صحيفة «ساكرامنتو بي»: «يجب عليك أن تكسب المال حتى تقدم صحافة جيدة. في مخيلتي أن هذا لا يعدو كونه أمرًا بديهيًّا جدًّا.» ومع ذلك، فإنه كان يشعر بالقلق من أن الصحف قد تكون آخذة في المضي على منحدر خطر نحو ممارسة نفوذ مفرط من قبل الجهات المعلنة.

امتلك العاملون في الصحف الكبرى المقدرة على مجابهة وصد التدخلات في العمل الصحفي. تحدث جون كرويكشانك، ناشر صحيفة «شيكاجو صن تايمز» في الوقت الحالي، لمراسل من صحيفة «نيويورك تايمز» عن الأوضاع عندما كانت صحيفته يسيطر عليها مجموعة هولينجر المملوكة لكونراد بلاك؛ فقال إن ناشر الصحيفة «كان يطلب باستمرار أن نكتب أخبارًا سلبية عن الجهات التي لا تعلن بالصحيفة، وأن نكتب أخبارًا إيجابية عن الجهات المعلنة بالصحيفة؛ وهو الأمر الذي لم نقم به بالطبع.» وأضاف كرويكشانك: «لم يكن الرجل كارهًا للصحافة عالية الجودة؛ كل ما في الأمر أنه كان يرى أنها ينبغي أن تحدث في مكان آخر.»55

في أواخر التسعينيات من القرن الماضي، تعرض الصحفيون في صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» للإذلال، وفوجئ القراء عندما دخلت إدارة الصحيفة — دون إطلاع كبار المحررين، ولا العاملين، ولا الجمهور — في اتفاق لتقاسم الأرباح مع إدارة «ستابلز سنتر»، صالة الألعاب الرياضية المغلقة الجديدة في المدينة. وبمناسبة الافتتاح الكبير لصالة الألعاب الرياضية، نشرت الصحيفة قسمًا خاصًّا مليئًا بالمبالغات والتملق. عندما أُميط اللثام عن الشراكة، كتب صحفيو صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» تحقيقات صحفية تبين تفصيليًّا الخرق البالغ للجدار بين الإعلانات والأخبار. عندما اشترت شركة تريبيون صحيفة «لوس أنجلوس تايمز»، تعهدت بأنه لن يكون ثمة تكرار لإساءة التقدير تلك.

الأمر المؤسف، أنه في بعض الصحف والمحطات التليفزيونية الأصغر، تعرض الجدار للتخفيض بقدر كبير؛ فيعد العاملون بمبيعات الإعلانات المعلنين المحتملين بأن شراء مساحات إعلانية سوف ينجم عنه تحقيق إخباري؛ فقد يقال لإحدى شركات توريد الأجهزة إنها سوف تُبْرَز في فقرة عن ماكينات جز العشب. وقد يقال للمطاعم إنها إن اشترت إعلانًا، فسوف يكتب ناقد الطعام عنها تقييمًا إيجابيًّا.

في بعض الصحف والكثير من المحطات الإخبارية، ليست المشكلة في تخفيض الجدار الفاصل بين الإعلانات والأخبار، وإنما المشكلة هي محاولة منع الجهات المعلنة من اختراقه. يُشَكِّل المعلنون ما يصل إلى ٨٠ بالمائة من عائد الصحف وتقريبًا كل عائد المحطات التليفزيونية. تستعين بعض الجهات المعلنة بسطوة أموالها الإعلانية للتأثير المباشر على التغطية الإخبارية. توصل استطلاع أجراه أستاذ بجامعة ماركيت إلى أن أكثر من ٩٠ بالمائة من الصحف قد تعرضت للضغط من قبل الجهات المعلنة لتغيير أو منع نشر خبر ما، وأن نحو ثلث المحررين أقروا بأنهم قد رضخوا وانصاعوا لرغبات الجهات المعلنة.56 في أوائل القرن العشرين، بدأت الجهات المعلنة تضيف في عقودها ما ينص على أنه يجب على الإصدارات الصحفية إخطارها قبل نشر «محتوًى غير مقبول» حتى يكون في مقدورها سحب الإعلان أو نقله إلى طبعة أخرى.57
ومن الشائع أن تهدد الجهات المعلنة بوقف الإعلان مع المنفذ الإخباري كعقاب على نشر موضوعات صحفية غير مناسبة. ذات مرة نشرت صحيفة «ذا واشنطن بوست» تحقيقًا صحفيًّا عن دراسة أُجريت في جامعة هارفرد تتوقع حدوث انخفاض في أسعار المنازل في المنطقة المحيطة بالعاصمة واشنطن. وبغية تحقيق توازن، أدرج المراسل تعليقات من خبراء لم يتفقوا مع هذا التوقع، إلا أن التحقيق الصحفي مع ذلك لم يَرُق للأوساط العقارية؛ فسحبت شركات الإنشاءات الرئيسية من الصحيفة إعلاناتٍ قُدِّرَت قيمتها بما يعادل ٧٥٠ ألف دولار.58 تسارع بعض وكالات السيارات في شن حرب على التغطية السلبية في المحطات التليفزيونية المحلية؛ مما يدفع محطات تليفزيونية كثيرة إلى تجنب القيام بأي تغطية، فيما عدا الاستعراضات المتحمسة للطرازات الجديدة. كتب مراسل مختص بموضوعات حماية المستهلك في محطة تليفزيونية بمدينة سياتل: «إننا لم نعد حتى نزعج أنفسنا بمعظم الأخبار المتعلقة بالسيارات؛ ففي الوقت الحالي، يمكن لمجرد تحقيق عادي لتوعية المستهلك بشأن كيفية شراء سيارة جديدة أن يستجلب غضب تجار السيارات المحليين.»59 عندما شبه كاتب رياضي بصحيفة «سوذرن إلينويزان» في مدينة كاربونديل بولاية إلينوي ضاربي فريق البيسبول سانت لويس كاردينالز غير الفعالين بالسيارات المستعملة المعيبة المصقولة من أجل بيعها سريعًا على يد بائع مريب، اشتكى تجار السيارات. نشرت الصحيفة اعتذارًا، وأوفقت الكاتب الرياضي ورئيس تحريره عن العمل. قال الناشر إن التشبيه كان «صورة نمطية عفَّى عليها الزمن» لتجار السيارات المستعملة.60

تتخطى بعض الصحف هذا النوع من المشكلات باستحداث أقسام خاصة للسيارات والسفر والعقارات تُصدرها إدارات الإعلانات لديها. تصف الصحف الأفضل حالًا تلك الأقسام بأنها «إعلانات» وبعض الصحف تستخدم خطوط طباعة مختلفة لتتحرى المزيد من الفصل بينها وبين الأخبار. المشكلة هي أنه في بعض الصحف، يكون الصحفيون مطالبين بأن يقدموا هذه «الإعلانات التي تتخذ شكل مقالات تحريرية»، مستقطعين وقتًا كان يمكنهم استثماره في ممارسة عمل صحفي حقيقي.

ولعل ضغط الإعلانات في غرف الأخبار بالمحطات التليفزيونية يمثل مشكلة أكبر مما عليه الحال في معظم الصحف؛ ففي أحد الاستطلاعات، أعرب أكثر من نصف مديري الأخبار التليفزيونيين عن حسرتهم على أن للجهات المعلنة دورًا فاعلًا ومشاركًا أكثر من اللازم في اتخاذ قرارات تتعلق بالأخبار التي يقدمونها.61 ذكر مدير أخبار في مدينة ديترويت أن الجدار الفاصل بين الخبر والعمل التجاري قد اختفى تمامًا في معظم المحطات التليفزيونية المحلية. وقال: «إن العمل التجاري التليفزيوني ليس مستقلًّا عن غرفة الأخبار؛ إنه من دون شك جزء من غرفة الأخبار.»62 وانتهت الاستطلاعات إلى أن المشاهدين يستشعرون بأن المحتوى الإخباري لا يسيطر عليه دومًا الحس الصحفي. وتوصل استفتاء أجرته جمعية مديري أخبار الإذاعة والتليفزيون إلى أن ٨٠ بالمائة من المشاهدين اعتقدوا أن الجهات المعلنة كانت تمتلك «تأثيرًا غير مبررٍ» على المحتوى الإخباري.63

بينما يناضل العاملون بأقسام التحرير في الكثير من المجلات من أجل الإبقاء على فصل صارم بين الإعلانات والمحتوى التحريري، خسرت مجلات مستهلكين كثيرة المعركة أو كادت. عندما تشتري الجهات المعلنة مساحة من أجل إعلاناتها، تتلقى وعدًا بإلحاقها بالموضوعات الإخبارية على نحو يشبه كثيرًا توظيف المنتجات في الأفلام؛ فيمكن لمقال عن قيمة المشي أن يختتم بعبارة «لذا ارتدِ حذاءك من نوع «ريبوك» وابدأ في المشي.» ويبدو أن القراء يدركون هذا الأمر؛ فقد ذكر اثنان من كل ثلاثة اسْتُطْلِعَت آراؤهم أنهم افترضوا أن ذكر المنتجات في المجلة هو أمر دفعت الجهات المعلنة مقابلًا ماديًّا من أجله.

والأمر البديهي بالمثل للقراء هو ممارسة تغليف الأخبار بالإعلان في بعض الإصدارات الصحفية؛ فإذا اشترى مستشفى ما الكثير من الإعلانات لمركز القلب الجديد به، فقد تضع الصحيفة تحقيقًا صحفيًّا بين الإعلانات عن وجود ارتفاع في أعداد النساء اللواتي يصبن بأزمات قلبية. وحتى مجلة «نيويوركر» المرموقة نفسها سقطت تحت إغراء الإعلانات. كانت سلسلة متاجر «تارجت» هي المعلن الأوحد في إحدى طبعات المجلة في عام ٢٠٠٥م، بل إن إعلانات شركة «تارجت» كانت مكتوبة بنمط كتابة مشابه لنمط الكتابة الخاص بمجلة «نيويوركر» ولم تُعَنْوَنْ بوصف «إعلانات».64
قارنت إحدى الدراسات بين التوصيات المقدمة في أبواب المشورة المالية في الصحف وبين التوصيات التي تحتويها مجلات تجارية استهلاكية مثل «سمارت موني» و«موني». أفاد باحثون بأنه كان من الأرجح أن تروج الموضوعات الصحفية في المجلات لاستثمارات مُباعة من جانب جهات معلنة. ولسوء حظ القراء الواثقين في المجلة، فإن تلك الاستثمارات لم يكن من المرجح أن تحقق مكاسب أكثر من تلك التي أوصت بها الصحف أو أوصت بها مجلة «كونسيومر ريبورتس»، وهي مجلة لا تقبل إعلانات.65

وجد ضغط الإعلانات سبيله أيضًا إلى مواقع الأخبار على الإنترنت والمدونات؛ ففي مفارقة مذهلة، نجد أن الصحف التي تصارعت حول ما إذا كان ينبغي أن تسمح بإعلانات صغيرة في الصفحات الأولى لأقسام الأخبار في إصداراتها المطبوعة لا يكاد يخالجها إحساس بالذنب بشأن السماح لكل أنواع الإعلانات المتحركة على الصفحة الرئيسية لمواقع تلك الصحف على شبكة الإنترنت. تسمح بعض المواقع الإخبارية ﺑ «محتوًى مشمول برعاية»؛ وهو ما يعني أن الجهة المعلنة قد دفعت مقابلًا من أجل أن تُنشر أخبارها على تلك المواقع.

يحاول الكثير من المواقع الإلكترونية مساعدة المتسوقين في اتخاذ قرارات شرائية. وكثيرًا ما تسمح تلك المواقع للقراء بأن يعرضوا بعضهم على بعض تجارِبهم مع أنواع معينة من المنتجات. اكتشفت الجهات المعلنة وسيلة بارعة للوصول حتى إلى المدونات التي تفتخر بتقديمها لأخبار صِرْفة وتقييمات منتجات خالصة. تدفع إحدى شركات الإعلانات ٥ دولارات لكتاب مستقلين لكل منشور يضعونه يمتدحون فيه منتجات عملاء الشركة.

(٥) هل يمكن للصحافة الجيدة أن تجني المال؟

كما قد يتوقع البعض، يعتقد معظم الصحفيين أن الإجابة على ذلك السؤال بديهية؛ فهم يعتقدون أنه على المدى الطويل ستؤتي الجودة ثمارها في ظل أرقام توزيع ونسب مشاهدة أعلى، وإعلانات أكثر، وأرباح متنامية. وتقول معظم البحوث الأكاديمية بصحة ما يذهبون إليه.

توصلت إحدى الدراسات إلى أنه عندما أنفقت الصحف المال على زيادة أعداد العاملين، وزيادة الأخبار المحلية والارتقاء بها، والتغطية المتعمقة، ارتفع عدد النسخ التي توزعها.66 يرى الأستاذ الجامعي فيليب ماير، المدير التنفيذي السابق بإحدى الصحف، أن بإمكانه توضيح السبب في ذلك؛ فقد دفع في كتابه «نهاية الصحيفة» وفي العديد من المقالات في المجلات، بحُجة مؤداها أن ما تملك وسائل الإعلام الإخبارية بيعه هو تأثيرها المجتمعي ومصداقيتها؛ فالمنتج ذو الجودة العالية يجتذب القراء، وامتلاك عددٍ أكبر من القراء يجعل المنتج أكثر استقطابًا للجهات المعلنة التي لديها استعداد لدفع المال مقابل القيمة التي تضيفها إحاطة إعلاناتها بصحافة محترمة.67

توصل بعض الناشرين إلى النتيجة نفسها. صرح دونالد جراهام، رئيس مجلس إدارة شركة واشنطن بوست ومديرها التنفيذي، لمجموعة من محللي الأسهم أنه يؤمن بأن الصحافة الجيدة «سوف تؤتي ثمارها على المدى الطويل.» ذهب ديفيد لافنثول، وهو مدير تنفيذي آخر لإحدى الصحف، إلى أن نوعية وحجم الناتج الإخباري لا يعطي القراء إلا المزيد من المبررات لعدم شراء صحيفة.

لعل أكثر الصحف إثارة للدهشة التي استفادت من إدخال الجودة هي صحيفة «يو إس إيه توداي»؛ فعندما بدأت الصحيفة، كانت عبارة عن مطبوعة قليلة الصفحات أبرزت تصميمًا مبهرجًا وموضوعات تُقرأ سريعًا مع القليل من العمق أو التميز. فقد قال رئيس تحريرها فيما بعد مازحًا إن «يو إس إيه توداي» كانت «الصحيفة التي جلبت عمقًا جديدًا لما تعنيه كلمة سطحي.» على مدى أعوامها العشر الأولى، تسببت الصحيفة في خسائر مالية لسلسلة شركات جانيت. في التسعينيات من القرن المنصرم، أنهت الصحيفة عامها المالي محققةً أول أرباحها، وفي الوقت الحالي هي من الصحف التي تدرُّ أرباحًا باستمرار. يعتقد المسئولون التنفيذيون بسلسلة شركات جانيت أنهم يعرفون السبب في تغير الأمور؛ فقد قال توم كيرلي، ناشر صحيفة «يو إس إيه توداي»: «كان السبب هو جودة الأداء الصحفي؛ عندما تحسن الأداء الصحفي تدفقت الإعلانات، كان تحسين المنتج هو ما جلب الإعلانات.» عينت الصحيفة المزيد من الصحفيين، وانتظرت منهم أن يقدموا موضوعات صحفية تتسم بالعمق والتغطية الصحفية المبدعة والجرأة.68 لم تعد أخبار المشاهير والفقرات المتعلقة بنمط الحياة تهيمن على الصفحة الأولى للصحيفة. يقارب مزيجها من الأخبار الجادة والخفيفة في الوقت الحالي المزيج الذي تحويه الصفحة الأولى لصحيفة «ذا نيويورك تايمز».
ازداد معدل توزيع صحيفة «دايلي هيرالد» في ضواحي مدينة شيكاجو بوتيرة أسرع من أي من منافستَيْها الشهيرتين، «شيكاجو تريبيون» و«شيكاجو صن تايمز». الصحيفة مملوكة لشركة مطبوعات بادوك، وهي شركة عائلية ذات ملكية خاصة. قال دان بومان، وهو ناشر متقاعد: «ثمة التزام بإخراج منتجٍ جيد، وبخدمة المجتمع المحلي، وبالقيام بإعادة استثمار متواصلة في المنتج، وبتبني منظور النتائج طويلة الأجل للشركة.» لدى الصحيفة عدد من الصحفيين في غرفة الأخبار يوازي ضعف متوسط عدد الصحفيين لدى الصحف التي تكافئها في الحجم في مجال الصحافة، ولديها نحو ٦٠ موظفًا في الأقسام التحريرية أكثر من صحيفة «صن تايمز» التي تفوقها حجمًا. بسبب هذا المزيج من التميز التحريري والنجاح التجاري، منحت مجلة «إديتور آند ببليشر» دوج راي، الرئيس التنفيذي الحالي للسلسلة، لقب «ناشر العام» عام ٢٠٠٦م.69

ويبدو أن الأخبار المتميزة تؤتي ثمارها أيضًا في حالة المحطات التليفزيونية؛ فلأعوام عديدة ظلت مجموعة تُسمى «مشروع التميز في الصحافة» — التابعة لكلية الدراسات العليا للصحافة بجامعة كولومبيا — تجري دراسة مستفيضة عن الأخبار التليفزيونية المحلية. بعد فحص أكثر من ٣٠ ألف موضوع إخباري وتحليل أكثر من ١٢٠٠ ساعة من الأخبار المحلية، استقر الباحثون على أن تحسين جودة العمل الصحفي في المحطات التليفزيونية كان «المسار الأرجح من أجل تحقيق نجاح تجاري». كانت النشرات الإخبارية التي تحوي عملًا صحفيًّا متميزًا تحصل في الأغلب على معدلات مشاهدة أعلى، وتستقطب الجمهور الأساسي ذا الفئة العمرية التي تتراوح بين ١٨ إلى ٥٤ عامًا: «يبدو أن التميز يجدي نفعًا في المنظومة بأكملها، ومع وجود الكثير من العوامل التي تؤثر في معدل المشاهدة فإن العمل الصحفي المتميز ليس مجرد أمر ثانوي، بل هو بالفعل ممارسة تجارية مربحة.» حُكِم على النشرات الإخبارية بناءً على نطاق الموضوعات، وعدد التحقيقات الإخبارية الجريئة، وعدد المصادر في التحقيقات الإخبارية، وعدد وجهات النظر المعروضة، وصلة التحقيقات الإخبارية بالواقع المحلي.

قدمت المؤسسة قائمة بمقترحات تزعم أن من شأنها أن تُحَسِّن كلًّا من جودة المحطات التليفزيونية المحلية ومعدلات مشاهدتها. مع بعض التعديلات، يمكن للقائمة أن تُطَبَّق على كل المؤسسات الإخبارية:
  • «قَدِّم المزيد من التقارير الإخبارية الجريئة»: تبين أن التحقيقات المبتكرة والتقارير الإخبارية ذات المصادر المحلية تستقطب المشاهدين وتجعلهم يستمرون في متابعة النشرات الإخبارية.

  • «اجعلْ تغطيتك الإخبارية تشمل نطاقًا أكبر من المجتمع المحلي»: وُجِد أن التقارير الإخبارية المحلية والوطنية المهمة ذات الصبغة المحلية تستقطب المشاهدين وتجعلهم يستمرون في متابعتها أكثر من أخبار الشائعات والنميمة المعتمدة بشكل أكبر على الإثارة والمستمدة من وكالات الأنباء الوطنية.

  • «اعرض المزيد من التقارير الإخبارية الطويلة»: على الرغم من أنه يُفْتَرَض أن الإيقاع السريع يجذب المشاهدين، توصلت الدراسة إلى أن المحطات التليفزيونية ذات معدلات المشاهدة الأعلى كانت تعرض في الأغلب تقارير إخبارية طويلة؛ فالمشاهدون يرغبون في تقارير تستحوذ على انتباههم بالكامل.

  • «استعنْ بالمزيد من المصادر في تقاريرك الإخبارية»: كانت المحطات التليفزيونية ذات معدلات المشاهدة الأعلى أكثر ميلًا لأن تعرض تقارير إخبارية «تحوي مصادر متعددة وأن تُقَدِّم مصادر تمتلك مستويات أعلى من الخبرة المتخصصة.»

  • «وَظِّف المزيد من المراسلين الصحفيين وامنحهم المزيد من الوقت»: كانت المحطات التليفزيونية ذات معدلات المشاهدة الأعلى تخصص قدرًا أكبر من ميزانيتها للتوظيف وقدرًا أقل للمعدات والأجهزة. وكان يُتَوَقَّع من المراسلين إنجاز عدد أقل من التقارير الإخبارية يوميًّا.

أعربت كريستيان آمانبور من شبكة «سي إن إن» الإخبارية، أثناء إلقائها لكلمة أمام حفل توزيع جوائز إدوارد مورو لعام ٢٠٠٠م، بقوة عما يشغل أذهان الكثير من الصحفيين:

اتخذت مراكز القوى، وأقصد بذلك رجال المال، على مدى السنوات العديدة الماضية قرارًا بحرماننا من أن يكون لما نقوم به معنًى أو مغزى؛ فتقديم صحافة جيدة والسفر والاستقصاء وطرح آراء قوية، كل هذا يكُلف بالفعل قدرًا أكبر من المال.

ولكن حاشا لله أن ينفقوا المال لتحقيق الجودة … كلا، فلنبخل بالمال باللجوء إلى أحط وأتفه وأصخب الأساليب إثارة يمكننا أن نجدها. وبعد ذلك نتساءل عن السبب في تجاهل الناس لنا وابتعادهم عنا بأعداد كبيرة. ليس السبب هو المنافسين الجدد فحسب، إنه الهراء الذي نطلقه في غرف معيشتهم. إنني أومن بأن الصحافة الجيدة والإعلام المرئي الجيد يمكنهما أن يغيرا العالم إلى الأفضل. كما أومن أيضًا بأن الصحافة الجيدة هي عمل تجاري مربح.70

هوامش

(1) David Rudenstine, The Day the Presses Stopped: A History of the Pentagon Papers, Berkeley, CA: University of California Press, 1996, p. 134. Details of the decision process at the Post are taken from this book.
(2) “Wallace: Some investigative journalism is caricature,” WCCO Channel 4000 News, May 17, 1996; a transcript of an interview between Wallace and Don Shelby.
(3) Among the sources for the discussion of CBS were Lawrence K. Grossman, “Lessons of the 60 Minutes cave-in,” Columbia Journalism Review, January/February 1996, p. 39–51; Tom Wolzien, “The consequences of media empires in the United States,” Media Studies Journal, Spring-Summer 1996; “With friends like these,” Mother Jones, March 1996; “Up in smoke,” Frontline documentary (lengthier versions of the interviews with Ben Bagdikian, James C. Goodale, and Lawrence Grossman were carried on PBS’s Web site); and transcripts of 60 Minutes, February 4, 1996.
(4) Frank A. Blethen, “Only in variety is there freedom,” presentation to a symposium at the University of Illinois at Urbana-Champaign, September 8, 2002.
(5) Christopher H. Sterling and Timothy R. Haight, The Mass Media: Aspen Institute to Communication Industry Trends, New York: Praeger, 1978, p. 83.
(6) Interview by Goodwin, June 4, 1981.
(7) John L. Hulteng, The Messenger’s Motives: Ethical Problems of the News Media, Englewood Cliffs, NJ: Prentice-Hall, 1976, pp. 214–220.
(8) Richard Norton Smith, The Colonel: The Life and Legend of Robert R. McCormick, Boston: Houghton Miffin, 1997.
(9) Alex Ben Block, “Communications media,” Forbes, January 12, 1987, p. 99.
(10) Paul Tash, in speech to Inland Press Association, September 12, 2002. Text of speech is available at www.poynter.org.
(11) These figures are based roughly on Gannett stock prices. They take into account a 2-for-l stock split but not any reinvestment of dividends
(12) Leonard Downie Jr. and Robert G. Kaiser, The News About the News: American Journalism in Peril, New York: Knopf, 2002.
(13) Interview by Goodwin, October 15, 1981.
(14) Kay Lazar, “Provincial profits,” News Inc., March 1990, p. 25.
(15) Anne Lallande, “Alive and kicking,” Presstime, p. 35.
(16) Interview by Goodwin, October 21, 1981.
(17) Quoted in Lazar, op. cit, p. 23.
(18) Thomson maintained ownership of its flagship paper in Canada, The Globe and Mail.
(19) Stephen Lacy, “Newspapers confront a barrage of problems,” Nieman Reports, Fall 2001.
(20) Research indicates that young adults are less likely than older Americans to check Internet news sites or to read newspapers.
(21) Michael Oneal, “A tidal shift for newspapers,” Chicago Tribune, November 2, 2006.
(22) Fortune; Felicity Barringer, “At Knight Ridder, good journalism vs. the bottom line,” The New York Times, May 29, 2001; and Jim Naughton, “The Philadelphia Inquirer: Cuts jeopardize quality,” Nieman Reports, Fall 2001. Also see David Shaw, “Papers’ cuts put readership at risk,” Los Angeles Times, July 3, 2001.
(23) The decline of Knight Ridder was widely reported. Much of the information here came from Katharine Q. Seelye, “What-ifs of a media eclipse,” The New York Times, August 27, 2006.
(24) Denise Grollmus, “Beacon massacre,” New Times, August 30, 2006, and Gloria Irwin, “Beacon to cut its news staffing,” Akron Beacon Journal, August 23, 2006.
(25) Phil Rosenthal, “On the future, dealmaking and bad press,” Chicago Tribune, April 4, 2007.
(26) “NBC U: More with less,” Broadcasting & Cable, October 23, 2006.
(27) For more about the St. Petersburg ownership arrangement, see Louis Hau, “Why newsrooms pray to St. Petersburg,” Forbes, December 4, 2006.
(28) Joe Mathewson, “Newspaper saved! Newspaper saved! Read all about it!” Editor & Publisher, December 8, 2005.
(29) The price of licenses at www.tvlicensing.co.uk in 2007 is £ 135.50 a year for color and £ 44.50 for black and white. The fine is £ 1,000 plus court costs.
(30) Joe Strupp, “New ‘local’ ownership raises new issues in newsrooms,” Editor & Publisher, November 22, 2006.
(31) “Giving newspapers breathing room,” editorial, Christian Science Monitor, November 14, 2006.
(32) Brooks Barnes, “Local stations struggle to adapt as Web grabs viewers,” The Wall Street Journal, June 12, 2006.
(33) John M. Higgins, “Big draw: Evening news can make money despite audience declines,” Broadcasting & Cable, August 15, 2005; George Winslow, “News network’s top story: Facing the future,” Multichannel News, June 12, 2006; and Rachel Smolkin, “Hold that obit,” American Journalism Review, August/September 2006.
(34) Rick Kushman, “As Couric goes, so will all TV newscasts,” Sacramento Bee, September 4, 2006.
(35) Interview by Smith.
(36) Roland Wolseley, The Black Press, U.S.A., Ames: Iowa State University Press, 1990, pp. 68-69.
(37) Ervin Dyer, “Porters’ ‘underground railroad’ carried Pittsburgh Courier into the South,” Pittsburgh Post-Gazette, February 24, 2002.
(38) Anthony Violanti, “Black media prides itself on community service,” The Buffalo News, February 22, 2002.
(39) Discussions of the two papers can be found in Ashley Fantz, “The Broward Times delivers unconventional, often shrill journalism to an unsuspecting town,” New Times, February 14, 2002, and Roger Williams, “Keith Clayborne in black and white,” New Times, November 9, 2002. Also see Tammy Webber, “Investigative magazine probes race, poverty issues in Chicago,” Associated Press report, February 15, 2002.
(40) Eugene Kane, “BET’s skimpy coverage no match for Jet magazine,” Milwaukee Journal Sentinel, December 2, 2001.
(41) Louis Aguilar, “Outlets for ethnic voices on rise,” The Denver Post, March 31, 2002, p. Kl.
(42) Laurien Alexandre and Henrik Rehbinder, “Separate but equal” in On The Road to Irrelevance, Project for Excellence in Journalism, www.journalism.org, 2002.
(43) Deborah Potter, “Body count,” American Journalism Review, July/August 2002.
(44) Comments made during a panel discussion on ethics at the Central Florida Press Club, April 10, 1997.
(45) Lawrie Mifflin, “Crime falls, but not on TV,” The New York Times, June 6, 1997.
(46) Robert Rutherford Smith, “Mystical elements in television news,” Journal of Communication, Fall 1979, pp. 75–82.
(47) “The message machine: How the government makes news; Under Bush, a new age of prepackaged news,” The New York Times, March 13, 2005.
(48) “Salary, benefits dropping for J-grads,” Quill, October-November 2002; Maria Mallory White, “Grads facing a decline in hiring,” The Atlanta Joumal-Constitution, September 8, 2002; and “Little increase in college graduates’ starting salaries according to new ERI college graduate compensation study,” College Press Wire, www.cpwire.com, November 13, 2002.
(49) Tim Porter, “Vacancies in Vacaville,” American Journalism Review, March 2003.
(50) Heidi Evans, “Working for peanuts,” Quill, April 1991, pp. 11–13.
(51) Steve Nash, “With an efficiency, used car, peanut butter and byline, what more could one want,” Presstime, April 1985.
(52) Wages are taken from 2006 salary list on The Newspaper Guild Web page, www.newsguild.org.
(53) RTNDA/Ball State University Radio and Television Salary Survey data is available at http://www.rtnda.org. Median salaries shown are from the 2006 survey. Also see Vernon Stone, “Paychecks and market baskets: Broadcast news salaries and inflation in the 1990s,” St Louis: University of Missouri, 1997. Stone’s research is posted on the University of Missouri School of Journalism’s Web site.
(54) Dow C. Smith, “Slowing the revolving door,” Communicator, December 1996, p. 22.
(55) Richard Siklos, “Lord Black’s man preferred the ledger to the limelight,” The New York Times, August 22, 2005.
(56) Ann Marie Kerwin, “Advertiser pressure on newspapers is common: Survey,” Editor and Publisher, January 16, 1993, pp. 28-29, 39.
(57) Erica Iacono, “Advertisers’ efforts to screen editorial tone grab media attention,” PR Week, May 30, 2005.
(58) Elizabeth Lesly, “Realtors and builders demand happy news and often get it,” Washington Journalism Review, November 1991, p. 21.
(59) Ibid., p. 28.
(60) “Darts and laurels,” Columbia Journalism Review, July/August 1990, p. 14.
(61) Survey by Bob Papper of Ball State University for Radio Television News Directors Foundation, posted on www.rtnda.org, 2003.
(62) Sharyn Vane, “Taking care of business,” American Journalism Review, March 2002 and John Lansing, “The pressure for ratings is hard to underestimate,” remarks prepared for the “Journalism Values in an Era of Change” seminar, Poynter Institute for Media Studies, February 14–16, 1996.
(63) Al Tompkins, “Balancing business pressure and journalism values,” Poynter Online, April 9, 2002, www.poynter.org.
(64) Lewis Lazare, “Target, New Yorker cross line,” Chicago Sun-Times, August 19, 2005.
(65) Jonathan Reuter and Eric Zitzewitz, “Do ads influence editors? Advertising and bias in the financial media,” Quarterly Journal of Economics, February 2006.
(66) Sooyoung Cho, Esther Thorson, and Stephen Lacy, “Increased circulation follows investments in newsroom,” Newspaper Research Journal, Fall 2004.
(67) Philip Meyer, The Vanishing Newspaper: Saving Journalism in the Information Age, St Louis: University of Missouri Press, 2004.
(68) James McCartney, “USA Today grows up,” Columbia Journalism Review, September 1997, pp. 18–25.
(69) See Mark Fitzgerald, “Newspaper Publisher of the Year: The Daily Herald’s Doug Ray,” Editor & Publisher, April 3, 2006; Gregory Meyer, “E&P names Daily Herald’s CEO ‘publisher of the year,’” Crain’s, March 27, 2006; Mark Fitzgerald, “Why one newspaper did not buy in to buyouts,” Editor & Publisher, December 26, 2005; Mark Fitzgerald, “Some publishers believe in big newsrooms,” Editor & Publisher, February 6, 2003.
(70) Christiane Amanpour, speech to the 2000 Murrow Awards Ceremony. Transcript available at www.rtnda.org/news/2000/asera.shtml.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤