الفصل الرابع

الأخطاء

فلتفترض أنك موظف مسئول عن التحرش الجنسي في جامعة ضخمة، وتتطلب منك وظيفتك أن تكتسب ثقة المجتمع الجامعي، ويجب أن يشعر الطلاب بحرية الحديث إليك حول مشكلات شديدة الخصوصية. يجب أن يُصدِّقوا أنك ستأخذ شواغلهم على محمل الجد، وأنك ستبذل أقصى ما في وسعك لحلها. يعتمد المديرون والكلية على حكمك وحساسيتك ومثابرتك وعنايتك في التعاطي مع هذه المسائل الحساسة، وحيث إن جانبًا من عملك هو تثقيف الناس بشأن التحرش الجنسي؛ فإنك تلقي خطبًا في مجموعات الحرم الجامعي وفئات المجتمع، ويُجري معك المراسلون مقابلات كثيرة.

في أحد الأيام أثناء قراءتك لصحيفة محلية، تُصاب بصدمة؛ إذ تطالع خبرًا حول جهود للحد من التحرش الجنسي في مقر جامعتك. يورد الخبر حالة تعلمها، واقعة تتعلق بتجمع لتدوين الملاحظات في كلية الطب بالجامعة. دوَّن اثنان من الطلاب الذكور ملاحظات في إحدى المحاضرات حول العملية التناسلية الأنثوية، ومررا هذه الملاحظات إلى طلبة آخرين في التجمع. تضمنت الملاحظات الكثير من التعليقات التي تنم عن التحيز الجنسي؛ مما قاد أحد الطلاب في التجمع إلى تقديم شكوى رسمية للجامعة.

ثم ترى اسمك في المقالة، وتشرع في قراءة ما زُعِم أنك قلته. في المقالة، تبدو وكأنك لا تأخذ شكاوى التحرش بجدية شديدة؛ فيُنقَل عنك قولك إنك تعتقد أن واقعة تدوين الملاحظات «هي موقف يستدعي اعتذارًا وليلة في المشرب وليس تحقيقًا رسميًّا.» تستمر المقالة في النقل على لسانك أنك تهاجم أساتذةً جامعيين في المعاهد المتخصصة التابعة للجامعة. وتزعم المقالة أنك توقعت الكثير من مشكلات التحرش الجنسي في تلك المدارس؛ لأن «بنية واقعهم بأكملها تتسم بتوجه ذكوري وسلطوي.» وعلى الرغم من أنك تعلم أن الجامعة ليس لديها معايير مزدوجة في الطريقة التي تعامل بها الطلبة وأعضاء هيئة التدريس المتهمين بالتحرش الجنسي، يُنقَل عنك القول بأن حث إداري الجامعة للتعامل مع شكاوى ضد أعضاء هيئة التدريس أصعب كثيرًا مما عليه الحال مع الشكاوى ضد الطلبة.

أنت تعرف أن هذه الآراء ليست آراءك، وتعرف أنك لم تقل هذه الأشياء للمراسل؛ لأن المراسل لم يُجرِ معك مقابلة قطعًا! ماذا يمكنك أن تفعل؟

كان هذا هو الظرف الذي وَجدت فيه دونا فيرارا كير — الموظفة المسئولة عن التحرش الجنسي في جامعة كالجارى — نفسها بعد أن «استشهدت» صحيفة «كالجاري هيرالد» «بقولها». حينما ظهر الخبر، قالت دونا إن رد الفعل كان «فوريًّا وعنيفًا ومؤذيًا». أَضعفت الاستشهادات الخاطئة من قدرتها على اكتساب ثقة الأشخاص الذين تعرضوا للتحرش في الجامعة، وألحقت ضررًا بعلاقاتها بالكثير من الناس في الحرم الجامعي. قالت إنها تلقت العديد من المكالمات من أشخاص ثائرين، تشكَّك كثير منهم فيها عندما قالت إن تلك لم تكن آراءها.

بعد أن شكَت للصحيفة، بعثت المراسلة الصحفية إلى فيرارا كير برسالة تعترف فيها أنها ارتكبت خطأً، وهو أنها نَسبت إلى فيرارا كير عن طريق الخطأ تصريحات قالها شخص آخر، ونشرت الصحيفة تصحيحًا.1

مع الأسف، ليست تجربة فيرارا كير مع الإعلام الإخباري بفريدة من نوعها؛ فحتى أفضل وألمع الصحفيين يرتكبون أخطاءً. في نفس اليوم الذي أعلنت فيه صحيفة «ذا نيويورك تايمز» على الصفحة الأولى أنها قد فازت برقم قياسي من جوائز بوليتزر، وهو سبع جوائز، أجرت أربعة تصحيحات في الصفحة الثانية. معظم الأخطاء هي ناتجة عن مراسلين يُثبتون أنهم بشرٌ. (ذات مرة قال محرر ما: «الأطباء يدفنون أخطاءهم، أما نحن فننشر أخطاءنا.») ومع هذا، أحيانًا، وكما سنرى في هذا الفصل، ينقل الصحفيون معلومات غير دقيقة لأسباب أقل استحقاقًا للصفح.

(١) ما عدد الغلطات؟

تعج الأخبار الصحفية والتليفزيونية بالأخطاء. استعرض الأستاذ الجامعي سكوت ماير أعوامًا من الدراسات، ووجد أن نسبة الأخبار التي تحوي أخطاء تراوحت بين ٤٠ إلى ٦٠ بالمائة. عندما أعطى نسخًا من الأخبار من ١٤ صحيفة إلى المصادر المذكورة في المقالات، وجدوا أخطاء تتعلق بالحقائق كغلطات في التواريخ، والأماكن، والألقاب، والهجاء، وهكذا، في نحو نصف المقالات. ووجدوا أيضًا الكثير من «الأخطاء الشخصية»؛ ما يعني أنهم اختلفوا مع التشديد أو السياق الذي أعطاه المراسل لبعض أجزاء الخبر.2 وجد باحثون آخرون أن الأخبار التليفزيونية المحلية تتضمن أخطاءً أقل تتعلق بالوقائع، ربما يكون السبب أن تقاريرها تشتمل عادةً على معلومات أقل تفصيلًا. ومع ذلك، الأرجح أن تشكو المصادر من أخطاء شخصية، وهو ما قد يكون نتيجة لضغط الخبر بما يتلاءم مع المتطلبات الزمنية للتليفزيون.3 أما المجلات، فحتى مع الآجال الأطول لديها، فإنها ليست أفضل حالًا بكثير. قالت إحدى القائمات على مراجعة الحقائق لدى مجلة «كولومبيا جورناليزم ريفيو» — التي تنشر مقالات كتبها صحفيون كبار وأساتذة صحافة جامعيون — إنه في الأعوام الثلاثة التي عملت خلالها مع المجلة، اكتشفت غلطات في كل مقالة راجعتها.4
توصل كل الباحثين إلى نتيجة واحدة، مفادها أن هذه الأخطاء تلحق الضرر بثقة الناس بالإعلام الإخباري. كشفت استطلاعات أجرتها الجمعية الأمريكية لمحرري الصحف أنه «حتى الأخطاء التي تبدو صغيرة تغذي تَشَكُّك العامة بشأن مصداقية صحيفة ما.»5 وقال قراءٌ للباحثين في واحدة من الدراسات إنهم رأوا الكثير من الأخطاء الصغيرة:
  • ٣٥ بالمائة يرون غلطات في الهجاء وقواعد اللغة في صحيفتهم أكثر من مرة أسبوعيًّا.

  • ٢١ بالمائة يرونها يوميًّا تقريبًا.

  • ٢٣ بالمائة من الجمهور يجد أخطاءً تتعلق بالحقائق في أخبارٍ مرة واحدة أسبوعيًّا على الأقل.

غلطات الهجاء والترقيم والمعلومات الأساسية قد تبدو طفيفة، إلا أنها مُجتمِعةً يمكن أن تتسبب في تشكك الجمهور في قدرة الصحفيين. أجاب ما يقارب ثلاثة أرباع الأشخاص الذين سُئلوا بأنهم يفقدون الثقة في دقة الإعلام الإخباري. أثناء مناقشات إحدى مجموعات النقاش المركزة، سأل أحد القراء باحثي الجمعية الأمريكية لمحرري الصحف (اختصارًا؛ إيه إس إن إي): «هل لديهم مؤهلات في الصحافة أم أنهم يتخرجون من روضة الأطفال وكفى؟»6 فهم محرر واحد ما قصده القارئ؛ فقال: «إذا ارتكبت غلطات، فإن هذا يُشوِّه كل ما تفعل. إذا ما اختلط عليك تاريخ زفاف ابنتك، فكيف يمكن أن يصدق الناس أي شيء آخر تكتبه؟»

(٢) لماذا يُرتَكب هذا القدر الكبير من الأخطاء؟

إذا ما كان الصحفيون مُدرَّبين تدريبًا أفضل، ويتلقَّوْن أجورًا أعلى عن ذي قبل، فلماذا يرتكبون هذا القدر الكبير من الغلطات؟ تتراوح الإجابات بين عدم المعرفة الكافية بالمجتمع، وضغوطات تنافسية لا فكاك منها.

(٢-١) عدم المعرفة الكافية بالمجتمع

كثير من الأخطاء في الأخبار يتسبب فيها انعزال المراسلين عن مجتمعاتهم. ومن المفارقات أن بعضًا من هذا الانعزال هو نتيجة مبادئ توجيهية أخلاقية أكثر صرامة تتطلب من الصحفيين أن يكونوا شديدي الحذر بشأن التنظيمات التي ينضمون إليها والأشخاص الذين يتواصلون معهم اجتماعيًّا. قد يمنع هذا تضارب المصالح، إلا أنه قلما يسهم في زيادة حساسية الصحفيين وإحاطتهم وإلمامهم بالناس والأحداث التي يتناولونها في تغطياتهم. ويزداد الأمر سوءًا نظرًا لميل الصحفيين إلى الدخول في صداقات مع صحفيين آخرين في الأساس.

غالبًا ما يبدأ الصحفيون حياتهم المهنية في صحف ومحطات تليفزيونية صغيرة، وغالبًا لا يخططون للعيش في هذه المجتمعات الصغيرة إلا ريثما تحين انطلاقتهم الكبرى، ويستقرون في وظيفة في صحيفة كبرى أو محطة تليفزيونية أكثر تنافسية؛ لذا لا يكلفون أنفسهم عناء إنشاء صلات وصداقات أو معرفة الكثير عن مجتمعاتهم. عندما يرحلون، توظف الإدارة مبتدئين أكثر ليحلوا محلهم. قال محرر متمرس في إحدى صحف المدن الصغيرة: «غالبية غلطاتنا يتسبب فيها كوننا صحيفة صغيرة تُوظِّف أشخاصًا يفتقرون إلى الخبرة، وغالبًا ما يكونون حديثي العهد بالمنطقة.»7 وصف جَس موريسون، العمدة السابق لمدينة فريمونت بولاية كاليفورنيا، المراسلين الذين غطَّوْا مدينته بأنهم «شباب متألقون، لا يعرفون أي شيء؛ متحمسون، ويتلقَّوْن أجورًا زهيدة. وبحلول الوقت الذي يكونون فيه قد تعلموا شيئًا ما، يذهبون إلى صحيفة مختلفة. ليس ثمة تاريخ.»8

(٢-٢) عدم الاعتناء

عدم الاعتناء يمكن أن يؤدي إلى أخطاء ساذجة تجعل الصحيفة نفسها تظهر بمظهر أخرق، كما فعل هذان التصحيحان الصحفيان:
ليس الأمر كما لو أن استخدام أطباء الأسنان لأكسيد النيتروز (غاز الضحك) قد ظهر لتوه على الساحة. لقد استُخدِم أولًا كغاز تخدير في ١١ ديسمبر، ١٨٤٤م. إن ذلك ليس خطأً مطبعيًّا. ألف وثمانمائة وأربعة وثمانون.9
نشرت صحيفتنا الإشعار الذي ينص على أن أوسكار هوفنجيل مخبل في قوات الشرطة. هذا كان خطأً مطبعيًّا. هوفنجيل هو، بالطبع، مُخبِر في قواد الشرطة.10
لعل الأخطاء الأكثر شيوعًا التي يسببها الإهمال هي الخطأ في تهجئة الأسماء وعناوين الأماكن والتواريخ المغلوطة. يَعتبِر الكثير من المحررين أن الغلطات من هذا النوع لا تُغتفر؛ فقد فصلت صحيفة «سان بيترسبرج تايمز» مصورًا فوتوغرافيًّا محنكًا لارتكابه أخطاء في التعليقات أسفل الصور. قال مدير قسم التصوير الفوتوغرافي في الصحيفة إن سياسة الصحيفة كانت تتمثل في أنه إذا ما ارتكبت في عام واحد «ثلاثة أخطاء هجائية (في الأسماء)، فسيكون مستقبلك في فريق التصوير الفوتوغرافي موضع شك.» كان المصور الفوتوغرافي المفصول قد أخطأ في تهجئة اسم في الوقت الذي كان فيه في فترة اختبار؛ نظرًا لارتكابه أخطاء سابقة.11
الافتقار إلى الإتقان، والخطيئة المتصلة به، المتمثلة في وضع افتراضات، يمكن أيضًا أن يتسببا في أخطاء جسيمة؛ فبعد الاشتباه في اغتصاب بعض لاعبي رياضة لاكروس من جامعة ديوك لراقصة في حفل للفريق، اتهم كثيرون في منطقة رالي-دورهام المُدَّعي العام بالاستعراض السياسي من أجل الترويج لحملة إعادة انتخابه. نشرت صحيفة «ذا نيوز آند أوبزرفر» في مدينة رالي، بولاية كارولاينا الشمالية، خبرًا يشير إلى أن المدعي العام كان يوجه اتهامات إلى الرجال قبل حتى أن يُطلب من الشرطة أن تجمع بعض الأدلة الرئيسية. قرأ ستة محررين الخبر، ولم يتشكك أحد منهم في التسلسل الزمني الذي أورده؛ إلا أنه بعد يومين، أقرت الصحيفة بأن الخبر كان غير صحيح؛ فبينما كان المراسل يتفحص سجلات التحقيقات التي كان قد أُتيحت للعموم، افترض أنه فهم معنى التواريخ المكتوبة في الملاحظات بخطٍّ ينقصه الاعتناء. والواقع أنه لم يفهم؛ فقد تلقَّى المدعي العام الدليل قبل أن يوجه الاتهامات بما يقارب الأسبوعين. خشي المحرر العام بالصحيفة أن يكون من شأن الغلطات «أن تُغذي الرأي القائل بأن الصحفي يفتقر إلى الإتقان.» وقال إن خطأ المراسل «كان ناتجًا عن الرعونة، وليس عن سوء قصد.»12

(٢-٣) مراسلون جهلاء؟

لم يعد الصحفيون هم الأجلاف غير المتعلمين الذين رآهم المحرر والكاتب الأسطوري إتش إل مينكين في غرف الأخبار الأمريكية في عشرينيات القرن العشرين؛ فقد كتب مينكين يقول:
هذا الجهل الهائل والمتشدد، وهذا التحامل واسع الانتشار والمستعصي على الفهم ضد الذكاء، هما ما يجعلان الصحافة الأمريكية واهنة وسوقية على نحو مثير للشفقة، وسيئة السمعة في أغلب الأحيان.13
للأسف، ما زال الجهل يمثل مشكلة؛ فلم يشعر سوى ١٠ بالمائة من المحررين والناشرين في أمريكا أن مراسليهم كانوا على استعداد جيد لتغطية القضايا الحكومية المعقدة، حسبما كشفت إحدى الدراسات. قال المحررون إن المراسلين يحتاجون تثقيفًا أفضل في الاقتصاد والعلوم السياسية والأعمال التجارية، وغيرها من التخصصات. ولدى المصادر النوع نفسه من الآراء؛ فعندما سأل الباحثون المصادر عن السبب في اعتقادهم أن المراسلين ارتكبوا أخطاءً في الأخبار التي تتناولهم، كانت أكثر الإجابات تكرارًا هي أن المراسلين لم يفهموا ما كانوا يكتبون عنه. لقد اعتقدوا أن المراسلين لم يمضوا وقتًا كافيًا في بحث الموضوع لاستيعاب المعلومات التي كانت المصادر تمدهم بها.14

في وقت ما، اكتسب المراسلون بعضًا من هذه المعرفة والخلفية بشأن المهنة. في معظم الصحف ومعظم المحطات التليفزيونية الكبرى، خصص المراسلون جُل وقتهم لتغطية قطاعات معينة مثل الشرطة ومجلس المدينة والمحاكم. بعد ستة شهور أو عام من التعامل يوميًّا مع الشرطة أو مجلس المدينة أو الأنظمة القضائية، يتضح للمراسلين الكيفية التي تسير بها الأمور. وبسبب الاستقطاعات والتغيرات في تركيز الاهتمام الإخباري، يقضي المراسلون وقتًا أقل في المراسلة المتخصصة ووقتًا أكثر في القيام بمهام عامة. وبَّخ مجلس أخبار مينيسوتا مراسلةً تليفزيونيةً وقرر أن تغطيتها لقضية إدانة معقدة كانت «غير مُنصِفة» و«غير دقيقة». وخَلُص المجلس إلى أنها مراسِلة مهام عامة تورطت في موقف يفوق قدراتها. قال أحد أعضاء المجلس — وهو مراسل تليفزيوني سابق: «سيستولي عليَّ الذعر لو كنت مراسلًا (كُلفتُ بتغطية هذا النوع من الأخبار) دون أن أعرف كيف كانت تجري الأمور في مجلس المدينة.»

يتضح جهل المراسلين أيضًا في تغطية النظام القضائي وتغطية الأعمال التجارية. قال العديد من المحامين لديفيد شاو من صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» إنهم كانوا «مندهشين من عدد المراسلين الذين وافقوا على ما قالوه — أو ما لم يقولوه — دونما سؤال ولا تحدٍّ، إما بسبب الكسل أو الجهل أو الخوف من أن يُنظَر إليهم كجهلاء.» ذات مرة أوقف قاضٍ في فلوريدا مقابلةً عندما سأله مراسل شاب عن معنى كلمة «مُدَّعٍ». ووجد استطلاع عن مديري الشركات أن ٢٧ بالمائة فقط منهم اعتقدوا أن التقارير الصحفية عن الأعمال التجارية كانت مُنصِفةً ودقيقة.15 قال أحد مديري الشركات إنه قابل مراسلين لم يعرفوا الفارق بين الأسهم والسندات أو يدركوا المغزى من شركة تعيد شراء أسهمها، مع أن هذه الموضوعات كانت أساسية للأخبار التي خططوا لكتابتها.16 في أحد الاستطلاعات، قال ٨٠ بالمائة من محرري الأعمال إن الخريجين من طلبة الصحافة لم يكونوا على استعداد لتغطية الأخبار المالية.17 وأطرى الاقتصاديون الذين أجرت مجلة «بيزنس ويك» مقابلات معهم على الصحفيين إطراءً زائفًا، وقالوا إنه لم يكن بمقدورهم العثور على أي تحيز سياسي في التغطية الإخبارية للقضايا الاقتصادية. ولكن، حسب قول الاقتصاديين، غياب الانحياز هذا لم يكن بسبب موضوعية المراسلين؛ لقد قالوا إن المراسلين ببساطة لم يستوعبوا القضايا، وتركوا المرشحين يتصرفون بلا مسئولية أخلاقية عندما تحدثوا عن الاقتصاد.18
يمكن أن ينتج عن الجهل أيضًا أخبار تعجِز عن تقديم رؤية ما. حسب قول ساندرا ميمز روي، محررة صحيفة «ذي أوريجونيان» في بورتلاند: «ثمة عدد أكثر من اللازم من الأخبار فضفاضة للغاية، ولكنها تتسم بالسطحية الشديدة» لأن المراسل لا يعرف خلفية ولا دلالة الأحداث الإخبارية. تعتقد ميمز روي أن المراسلين يحتاجون إلى خبرة متخصصة حتى يمكنهم نقل الأخبار بثقة راسخة بالنفس. «لا يمكنك أن تتلقف اقتباسًا أو اثنين أو تلصق ميكروفونًا في وجه شخصٍ ما وحسب. نحتاج إلى أن نعرف القدر الذي يعرفه قراؤنا.»19
يشعر بعض المحررين بالقلق إزاء افتقار الصحفيين للمعرفة، إلى حد أنهم يعتقدون أن التعليم في مجال الصحافة يحتاج إلى الإصلاح. وتستمر الجمعية الأمريكية لمحرري الصحف في الضغط من أجل ضرورة أن يقضي الطلبة الذين تخصصوا في الصحافة أغلب أيام المرحلة الجامعية في حضور محاضرات خارج مجال تخصصهم في مجالات الفنون والعلوم الإنسانية؛ وبذلك يتعرفون أكثر على ما يتناولون من قضايا. لا يريد المحررون أن يرَوُا الطلاب يشغلون جداولهم بمقررات في الكتابة والتواصل على حساب العلوم السياسية والتاريخ وعلم الاجتماع ومجالات أخرى ستمنحهم خلفية أفضل.20 تُحوِّل بعض الصحف غرف الأخبار الخاصة بها إلى قاعات درس من وقت إلى آخر. ويدعون خبراء وأساتذة جامعيين لتدريس مقررات قصيرة للعاملين في علم الاقتصاد والجداول الحسابية والقضايا السياسية وموضوعات أخرى. وللأسف، هذه الفصول الدراسية نادرة؛ إذ لا يتلقى ثلثا صحفيي الأمة تدريبًا مهاريًّا منتظمًا إطلاقًا، طبقًا لدراسة استقصائية صناعية.21

لربما يكون من المغالاة أن يُطلب من الصحفيين أن يكون مستواهم المعرفي فوق المتوسط على أقل تقدير بالكثير من القضايا التي يتناولونها في كل يوم عمل. ولكن الصحفيين في وقتنا الحاضر لديهم الكثير من المصادر السريعة للمعلومات، بما في ذلك الإنترنت وقواعد البيانات الإلكترونية. في خلال بضع دقائق من البحث في موقع جوجل أو موقع ليكسس نيكسس، يمكن للصحفيين أن يعرفوا ما يكفي لتقليل الأخطاء في أخبارهم، وللفوز بثقة المصادر ذات الخبرة التي لا يريد الكثير منها تبديد وقته في تلقين المبادئ الأساسية لكل مراسل يتصل به.

(٢-٤) الخوف من إجراء العمليات الحسابية

الرياضيات كذلك هي مصدر متاعب للصحفيين. أجرت إحدى الصحف مسابقة في الرياضيات بين مراسليها ومحرريها ومصوريها. طُلب منهم في المسابقة أن يفعلوا أشياء مثل حساب نسبة الزيادة في راتب عمدة ما؛ فردوا على ٦٨ بالمائة من الأسئلة بإجابات صحيحة، وهو ما يوازي بالكاد الحد الأدنى للنجاح في معظم المدارس.22
مع الأسف، الأخطاء المتصلة بالرياضيات موجودة في صحفٍ بدءًا من صحيفة «ذا نيويورك تايمز» إلى صحف البلدات الصغرى الأسبوعية. يخلط المراسلون بين «النسب المئوية» و«النقاط المئوية»، ويخطئون في حساب المتوسطات، ولا يفهمون البيانات الإحصائية الأساسية. نشرت صحيفة «ذي أتلانتا جورنال آند كونستيتيوشن» خبرًا رئيسيًّا بعنوان «رقم ١ ثانيةً: أتلانتا صُنِّفَت الأكثر عنفًا.» بعد يومين، وفي نفس الموضع الرئيسي، نشرت الصحيفة هذا العنوان الرئيسي: «رقم خاطئ: أتلانتا ليست رقم ١ في الجريمة.» أقر الخبر أن المراسلين ارتكبوا خطأً في حساباتهم وتحليلاتهم الرياضية.23
يُرتَكَب الكثير من الغلطات عندما يحاول المراسلون الذين لا تروق لهم الرياضيات تفسير نتائج استطلاعات الحملة الانتخابية. نقلت صحيفة «ذا كنساس سيتي ستار» خبرًا مفاده أن استطلاعًا للرأي أظهر أن أحد المرشحين «احتل الصدارة بفارق ضئيل» ما بين ٤٦ إلى ٤٣ بالمائة. أوضح العديد من القراء أن هامش الخطأ في الاستطلاع كان أكثر أو أقل من ٤ نقاط مئوية. وبعد يومين، أشارت الصحيفة إلى نفس الاستطلاع، بطريقة أصح، حيث أظهرت وجود تقارب شديد في السباق.24 إن أخطاءً كهذه هي أخطاء معهودة. ورغم أن المراسلين يناقشون على نحو متكرر الدراسات الاستقصائية واستطلاعات الرأي، فلم يبذل كثيرون الوقت مطلقًا لتعلُّم معاني مصطلحات جوهرية مثل «هامش الخطأ» و«أخذ عينات احتمالية».25
أيضًا يمكن أن يؤدي الإخفاق في وضع الأرقام في السياق إلى أخبار مُضَللة للغاية. نشرت صحيفة «ذا فلوريدا تايمز-يونيون» في مدينة جاكسونفيل سلسلة من الأخبار حول مدرسة ثانوية محلية كانت «خارجة عن السيطرة»، وتسودها «ثقافة العنف». تزعمت المدرسةُ الحيَّ في عدد المشاجرات والتوقيفات على خلفية ارتكاب جناية. ومع ذلك، وكما أوضح القراء، كانت المدرسة الثانوية أضخم من معظم مدارس المنطقة. وعندما احتُسِب الرقم على أساس نصيب الفرد، كانت المدرسة تماثل إلى حد بعيد المدارس الثانوية الأخرى في المنطقة.26

كثيرًا ما يطالب المحررون أن يجد المراسلون أرقامًا تدل على أهمية حدثٍ ما؛ إذ إنه إذا كان أحد مرتكبي الجرائم الجنسية يستخدم الإنترنت لتتبع الفتيات الشابات، فهذه حادثة مأساوية. ولكن إذا كان ثمة ٥٠ ألفًا من هؤلاء الأشخاص البغيضين، فهي ظاهرة مأساوية. للأسف، لا يدرك المراسلون دومًا حقيقة الأرقام التي يستخدمونها. أورد برنامج «ديت لاين» الذي أُذيع على شبكة «إن بي سي» أن «٥٠ ألفًا من مرتكبي الجرائم الجنسية كانوا يجولون على الإنترنت بحثًا عن الأطفال.» بعدما استخدم برنامج «ديت لاين» الرقم، استشهد به المحامي العام للولايات المتحدة في إحدى الخطب، مُرجِعًا الرقم إلى برنامج «ديت لاين».

لم يستطع المحررون في مجلة «ليجل تايمز» أن يجدوا خبراء سمعوا عن الرقم ٥٠ ألفًا؛ فسألوا برنامج «ديت لاين» عن مصدر ذلك الرقم. أوضح الباحث المعني ببرنامج «ديت لاين» أنه سأل مختصًّا من مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) عما إذا كان حقيقيًّا أن ثمة ٥٠ ألفًا من مرتكبي الجرائم الجنسية؛ فقال المختص إنه ليس لديه دليل دامغ، ولكن «اعتمادًا على كيفية تعريفك لمرتكب الجريمة الجنسية، قد يكون الرقم في الواقع منخفضًا للغاية.» في إحدى المتابعات الإخبارية، أجرى المراسلون في الإذاعة الوطنية العامة مقابلة مع مختص آخر؛ حيث قال إنه ضحك حينما سمع الرقم ٥٠ ألفًا لأنه كثيرًا ما يُستخدَم في تقديرات وليدة اللحظة. وقال إنه في ثمانينيات القرن العشرين حينما كان خطف الأطفال من الأحداث الكبيرة، كان يُنقَل على نطاق واسع القول بأن ٥٠ ألف طفل يُختَطفون كل عام. وأظهرت إحصاءات مكتب التحقيقات الفيدرالي لاحقًا أن الرقم مُبالَغٌ فيه. في تسعينيات القرن الماضي عندما استحوذت الطوائف الشيطانية على الأخبار في وسائل الإعلام، زُعِم أن الطوائف كانت تقتل ٥٠ ألف شخصٍ كل عام كجزء من طقوس تقديم قرابين شعائرية. ذلك الرقم كان يتجاوز مجموع أرقام جرائم القتل المبلغ عنها في ذلك العام. عندما ركزت التقارير الإخبارية على مثالب التدخين السلبي، أشارت التقديرات إلى أنه كان يقتل ٥٠ ألف شخص كل عام رغم أنه لم يكن ثمة دليل قوي يدعم هذا الرقم.

استنتج كارل بياليك — وهو مراسل يتتبع الأرقام ويعمل لحساب صحيفة «وول ستريت جورنال» — ما يلي: «لربما كانت جاذبية الرقم ٥٠٠٠٠ أنه لم يكن رقمًا صغيرًا جدًّا؛ إذ لم يكن مثل أرقام ١٠٠ و٢٠٠، ولم يكن رقمًا كبيرًا على نحو يستدعي السخرية مثل ١٠ ملايين. لقد كان رقمًا متوسطًا؛ إذ لم يكن مبالَغًا فيه، ولا صغيرًا أكثر من اللازم.» ويزعم بياليك أن الصحفيين لا يتشككون في الأرقام بما يكفي. وقال: «عندما تجد رقمًا يدعم الطرح الذي تبنيه في خبرك، يصبح من الصعب حقًّا إهداره.»27

(٢-٥) «متلازمة العصمة من الخطأ»

يروي محرر طباعة رياضي حكاية كاتب رياضي ناشئ، كتب خبرًا عن كرة السلة أخطأ فيه في تهجئة اسم إحدى المدارس الثانوية. عندما نبهه المحرر إلى الخطأ، شعر المراسل بالاستياء، وقال إنه كان هناك، وأن تلك هي الطريقة التي يُكتَب بها الاسم. وحتى بعد أن عرض المحرر على المراسل صورةً واضحٌ فيها بجلاءٍ تهجئة الاسم على الزي الرسمي للفريق، استمر المراسل في الإصرار على أن ما كتبه هو الصواب.

قد تكون حالة متطرفة، ومع ذلك فإن الكثير من المراسلين والمحررين يعانون من عِلةٍ لا يمكن أن يُطلَق عليها إلا «متلازمة العصمة من الخطأ». هذه المتلازمة قد تكون نتاجًا ثانويًّا للضغوط التي يواجهها الصحفيون؛ إذ يُتوقع من المراسلين والمخرجين والمحررين أن يحققوا إنجازًا يفوق قدرة البشر، يتمثل في أنهم يجب أن يكونوا على صواب طيلة الوقت. هذا الضغط يجعل الكثيرين يقاومون أي إيحاءات بأنهم قد يكونون على خطأ.

وقد تكون المتلازمة مسئولة عن الكثير من أخطاء الصحف؛ ففي بعض الأحيان يصبح المراسلون شديدي التيقن من أنهم على صواب حتى إنهم يتقاعسون عن التحقق والتثبت من معلوماتهم، أو يتظاهرون بأنهم يفهمون ما تقصده مصادرهم. وكما قال محرر طباعة، لا يستطيع بعض المراسلين أن يعترفوا لأنفسهم أنهم قد ارتكبوا أخطاءً «لأن فكرة الخطأ هي فكرة مُشينة. في تحول سلبي، يؤدي الخوف الشديد من ارتكاب أخطاء إلى الوقوع في المزيد من الأخطاء.»28

يدرك المراسلون الذين يسيطرون على الأنا لديهم والذين لديهم استعداد للتسليم بأنهم بشر، بأنهم يمكن أن يرتكبوا أخطاء. ولتجنب الأخطاء، هم يتأكدون من مصادرهم من المعلومات التي حصلوا عليها، ويتفقدون الأشياء في المواد المرجعية، ويدركون أيضًا أن المصادر يمكن أن تكون على خطأ؛ لذا فإنهم يتصلون بمصادر إضافية لمجرد التحقق من الوقائع.

(٢-٦) الوقوع في شرك الخبر

قدمت شبكة «سي إن إن» خبرًا مثيرًا للمشاعر في بداية برنامج «نيوز ستاند»، وهو برنامج أخبار استقصائي. زعم الخبر أن الجيش الأمريكي قد استخدم غاز الأعصاب في جنوب شرق آسيا، وطارد الفارِّين من الخدمة العسكرية، وقتلهم. وقال المراسلون إن عميدًا بحريًّا متقاعدًا كان رئيسًا لهيئة الأركان المشتركة قد أكد المعلومات.

أُثيرت شكوك حول الخبر حتى قبل أن يُذاع؛ إذ كان مراسلو شبكة «سي إن إن» بوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) قد توقفوا منذ وقت طويل عن إجراء مقابلات مع العميد البحري الذي كان في السادسة والثمانين من عمره، وعاش في دار للمسنين حيث تقدم له الرعاية. وبعد إذاعة الخبر، أذعنت شبكة «سي إن إن» للنقد، وبدأت في إجراء مراجعتها الداخلية للخبر، وهو ما قاد سريعًا إلى سحب الخبر. استخلصت شبكة «سي إن إن» أن المراسلين والمنتجين لم يكونوا مخادعين، وأنهم صدقوا كل كلمة كتبوها. «لو أن ثمة أي شيء، فإن الأخطاء الجسيمة في المادة المُذاعة … قد تتولد من ثنايا تلك الاعتقادات.» بلغت شدة ثقة المراسلين والمنتجين في صدق الادعاءات حد التقليل من قيمة أي معلومات كانت مناقضة لما اعتقدوه. أنكر المراسلون الاتهام، واستمروا في القول بأن خبرهم كان دقيقًا، واتهموا شبكة «سي إن إن» بالانصياع للضغط الحكومي.29

(٢-٧) الاحتفاظ بالطريقة السردية

في وقت مضى، ارتبطت الأخبار الصحفية بالوقائع الأساسية، وركزت على الإجابة عن الأسئلة الخمسة التي تبدأ بمَن، ومتى، وماذا، وأين، ولماذا. الكتابة المعاصرة في الصحف أكثر تعقيدًا؛ إذ يُتوَقَّع من الكُتَّاب أن يجدوا قصة يَرْوُونها حتى يصبح لتقاريرهم وقع أشد. ها هو استهلال خبر في صحيفة «ذا فيرجينيان بايلوت» عن مقتل حارس أمن في كلية فيرجينيا وِزليان:

لم يُرِد والتر زاكرزوفسكي أن يغادر شيكاجو؛ فجذوره وعائلته كانت هناك.

إلا أن زوجته، ماري آن، أرادت أن تكون بالقرب من عائلتها في هامبتون رودز. وهكذا في هذا العام، ترك زاكرزوفسكي عمله في مصنع الصلب، وتوجه شرقًا ليجد عملًا وبيتًا آخرين.

اتصل أفراد العائلة من فورهم من أجل تقديم شكوى، وأشاروا إلى أخطاء صغيرة تختص بالوقائع؛ حيث فقد زاكرزوفسكي عمله منذ فترة عندما أُغْلِق مصنع الصلب، بل إن الأكثر أهمية — حسبما قالت أم زوجته — كان التلميح المُضلِّل في الخبر؛ إذ كتبت تقول: «لا أستحسن إضافتكم التي قلتم فيها إنهما انتقلا بسبب ابنتي.» اعتقدت العائلة أن الخبر ألقى كثيرًا من اللوم على إصرار زوجته على أن يعيشا بالقرب من والديها. قال المراسل ومحرره إن المراسل أورد ما قيل له، وإنهما كانا «شديدَي الاندهاش عندما أدركا أن الخبر يمكن أن يُفسَّر على ذلك النحو.» وألمح المحرر العام بالصحيفة إلى أنه كان من الممكن لإسنادٍ إضافي أن يحل المشكلة، إلا أنه نبه إلى أن «إسنادًا من هذا النوع في بعض الأحيان يُحذَف لإضافة حس سردي.»30

(٢-٨) نقص طاقم العمل في غرف الأخبار

من المعلوم أن الكثير من المؤسسات الإخبارية لديها عدد من الناس في غرف الأخبار الخاصة بها أقل مما كان لديها في أعوام سابقة؛ فسُرِّح بعض الصحفيين تسريحًا كليًّا، وآخرون تركوا الخدمة مبكرًا، وترتب على ذلك منحهم مبلغًا إضافيًّا من أجل تقديم استقالتهم. وحتى في المؤسسات الإخبارية التي لم تنتهج هذه الخطوات الجذرية، قرر المديرون ألا يأتوا بمن يحل محل الصحفيين الذين يتقاعدون أو يتركون أعمالهم. والناتج هو عدد أقل من الصحفيين في غرف الأخبار يُتوقَّع منهم أن يبذلوا المزيد من الجهد.

ليس ثمة موضع يتجلى فيه ذلك أكثر من طاولة المواد المُعدة للطباعة؛ فقد جرى العرف على أن الأخبار كانت تُنقَّح مرتين على الأقل من الأخطاء: مرةً على يد محرر مُكلَّف أشرف على عمل المُراسِل، ومرةً على يد محرر طباعة كانت مهمته أن يفحص الأخبار لاكتشاف مشكلات لغوية ومشكلات تتصل بالوقائع وبالأخلاقيات، وأن يكتب العناوين الرئيسية. وغالبًا يقرأ محررون آخرون أيضًا الخبر قبل أن يُطبَع، حتى في أصغر الصحف، كان من النادر أن يظهر خبر في الصحيفة بدون مراجعته على يد محرر واحد على الأقل.

هذا الخط الدفاعي ضد الخطأ يضعف شيئًا فشيئًا في الكثير من الإصدارات الصحفية؛ فقد خفَّضت بعض الصحف من عدد المحررين المُكلَّفين ومحرري الطباعة كأحد تدابير تقليل التكاليف. وغالبًا ما تكون النتيجة هي ضعف تدقيق النصوص؛ فوصف أحد محرري الطباعة في صحيفة كبرى من صحف الغرب الأوسط هذا الأمر هكذا:
لو أنه — على سبيل المثال — ثمة ٣٥ خبرًا يظهرون في الصحيفة، فمن الأرجح أن تنتقل ٢٥ من الأخبار إلى طاولة المواد المُعدة للطباعة في غضون الدقائق الخمس والأربعين الأخيرة قبل أن يصدر العدد الجديد؛ إذ يطرأ كل شيء (أو الكثير من الأشياء) مع الاقتراب من الموعد النهائي. وذلك يشكِّل ضغطًا على القدرة على التحقق من الوقائع، وتوخي الإنصاف والتدقيق في التهجئة وقواعد اللغة وتصحيح التناقضات وكتابة عنوان رئيسي جيد وتهذيب الخبر ليلائم الحيز المتاح.31
عادةً ما كان يُطلَق على محرري الطباعة «حماة أخلاقيات الصحافة الأخيرين» لأنهم كانوا آخر من يقرأ الخبر من الموظفين التحريريين، وما زالوا يؤدون هذا الدور في الصحف عالية الجودة. إلا أنه في معظم الصحف، لم يعد محررو الطباعة يحررون النصوص فقط، ومع أن المحررين كانوا دومًا يصممون الصفحات؛ فإنه يجب عليهم أيضًا أن يُخرجوها على أجهزة الكمبيوتر، وهي مهمة كان يؤديها في السابق أشخاص غير الصحفيين في غرفة تنضيد الحروف. في دراسة استقصائية حديثة، أخبر عدد كبير منهم الباحثين أن مهامهم الآن في المقام الأول هي: التحقق من قواعد اللغة، ودليل أسلوب «أسوشيتد برس»، وكتابة العناوين الرئيسية، واستخدام أجهزة الكمبيوتر لتجهيز الصفحات. لم يكن لديهم وقت للتحقق من الأخطاء المتعلقة بالوقائع والتشهير أو لإثارة شواغل أخلاقية. تحسر أحدهم على أن «الأقسام الأخرى تنسى في بعض الأحيان أننا لسنا قرَدة مدربة على إخراج تصميمات الصفحات على الكمبيوتر.»32

مخرجو الأخبار التليفزيونية يواجهون هم أيضًا تحديًا يتعلق بمراجعة الأخبار قبل بثها. يُفضِّل العاملون بالأخبار في أغلب الأحيان أن تُراجَع نصوصهم، إلا أن المراسلين يقرُّون أن هذا لا يحدث في كثير من الأحيان؛ إذ لا يتحقق أي شخص إلا من نحو ١٠ بالمائة فقط من النصوص التي يستخدمونها لأجل تقاريرهم المباشرة، بل إن الكثير من التقارير الاستقصائية واستطلاعات الرأي لا تُراجَع قبل إذاعتها.

وجد استقصاء أجراه مركز أبحاث «نيوز لاب» أن صحفيي التليفزيونات المحلية قالوا إن محطاتهم لم توفر لهم المصادر التي يحتاجونها لإعداد تقاريرهم بدقة قدر الإمكان. كتب أحد المشاركين في الدراسة يقول: «في محاولة لتوفير المال، مُزق الكثير من شِباك الأمان المصممة لالتقاط الأخطاء والغلطات. أكثر من أي وقت مضى، تعتمد جودة نشرة الأخبار على جودة المُعِد؛ لأنه ليس ثمة أحد ليلتقط أخطاءه.»33

(٢-٩) غياب التنوع في غرف الأخبار

أقر مديرو الصحف والمحطات التليفزيونية منذ وقت طويل بأن التغطية الإخبارية ستخدم مجتمعاتهم على نحو أفضل إذا ما كانت غرف أخبارها أكثر تنوعًا. لأعوام، وضع الغالبية نصب أعينهم هدفًا هو تحقيق «التكافؤ»؛ ما يعني أن تكافئ نسبة صحفيي الأقلية مع نسبة الأقلية التي ينتسبون إليها في مجتمعاتهم، وما زالوا غير قريبين من تحقيق ذلك الهدف؛ فمع أن الأقليات تُشَكِّل نحو ثلث تعداد الولايات المتحدة، فإن أقل من ١٤ بالمائة من الناس في غرف الأخبار بالصحف هم من الأقليات: نحو ٦ بالمائة سود، و٥ بالمائة لاتينيون، و٣ بالمائة أمريكيون من أصل آسيوي، وأقل من ١ بالمائة من الأمريكيين الأصليين.34 كانت لجنة الاتصالات الفيدرالية قد طلبت منذ وقت طويل من المحطات التليفزيونية تنويع موظفيها، وحتى الآن لم يحققوا التكافؤ بعد؛ فنحو ٢٢ بالمائة من موظفي غرف الأخبار من الأقليات: نحو ١٠ بالمائة أمريكيين من أصول أفريقية، و١٠ بالمائة من أصول إسبانية، و٣ بالمائة أمريكيون من أصول آسيوية، وأقل من ١ بالمائة أمريكيون أصليون. في الإذاعات المحلية، تُشكِّل القوى العاملة من الأقليات نحو ٦٫٤ بالمائة.35 (سنتناول هذه القضية أيضًا في الفصل الرابع عشر.)

(٣) التحقق من الوقائع والاستشهادات من خلال المصادر

ذات مرة قال محرر في صحيفة «ذي أتلانتا جورنال آند كونستيتيوشن» إنه قد أُجري معه عدد لا يُحصى من المقابلات على مر السنين، وإنه لم يُستشهَد بكلامه بطريقة صحيحة إلا مرة واحدة فقط.36 وقالت المراسلة الدينية السابقة لشبكة «إيه بي سي» بيجي ويماير إنها دومًا ما تسأل المراسلين الذين يجرون مقابلات معها عما إذا كان يمكنها رؤية الخبر قبل طباعته. «إذا ما سمحوا لي أن أطلع على الخبر فإنني أكتشف أخطاءً في أغلب الأحيان.»37
مع الأسف، فإن خبراتهم ليست شائعة. عندما يقارن الباحثون الاستشهادات في الموضوعات الإخبارية حول المحاكمات مع النسخ الرسمية، غالبًا ما يجدون اختلافات. ومع ذلك، سيرفض معظم الصحفيين السماح لويماير أو أي مصدر آخر بقراءة أخبارهم قبل طباعتها. قال ماثيو في ستورين لمجلة «أمريكان جورناليزم ريفيو» عندما كان محررًا في صحيفة «ذا بوسطن جلوب»: «لا أعتقد أنه من المقبول مطلقًا أن نُطلِع الآخرين على الأخبار أو نعيد عليهم قراءة الاستشهادات.» وأردف قائلًا: «أحد مخاطر إعادة قراءة الاستشهادات أن ذلك الشخص سيقول: «لم أقل هذا.» فأنت تترك نفسك عُرضة للضغط عليك لتغيير ما قالوه.» قد يضغط بعض المصادر على المحررين للتخلي عن نشر الأخبار غير الملائمة لهم أو تغييرها.38
من وجهة نظر البعض، عرض الأخبار على المصادر هو «صحافة مسلوبة الإرادة.» قال فرانك ستانسبيري، الذي كان مراسلًا لمجلة «بيزنس ويك» قبل أن يصبح مديرًا تنفيذيًّا للعلاقات العامة في إحدى الشركات: «كمسئول علاقات عامة، لم يكن لدي الجرأة مطلقًا أن أطلب من مراسلٍ الاطلاع على خبر ما، وكمراسل، كنت سأشعر بالإساءة أن يُطلَب مني هذا.»39
ومع ذلك، فإن إعادة القراءة أمر معتاد في مجلات مثل «تايم»، و«ناشيونال جيوجرافيك»، و«ذا نيويوركر.» وبعض مراسلي الصحف أيضًا يجعلون منها ممارسة معتادة. قال جاي ماثيوز من صحيفة «ذا واشنطن بوست» إنه قرأ الأخبار على المصادر أو أرسل لهم بالفاكس نسخًا منها طوال السنوات العشر الماضية: «لقد فعلت هذا الأمر طوال تلك المدة دون وقوع أي مكروه. كل عام ازددت ثقة في الإجراء الذي أقوم به.» وقال إنه أصبح مؤمنًا بذلك الإجراء في المرة الأولى التي أعاد فيها قراءة خبر ما على المصدر. كان قد ارتكب خطأً فادحًا لكنه كان في مقدوره تصحيحه قبل أن يُطبَع الخبر. أضاف ماثيوز أنه وجد أن مراجعة الخبر مع المصدر قبل نشره ذو أهمية قصوى في اكتشاف «الأخطاء غير المقصودة والالتباسات اللفظية وأخطاء التهجئة الغريبة والعثرات العقلية التي تطرأ في التواصل بين البشر …»40
يود الكثير من الصحفيين أن يرَوْا هذه الممارسة تنتشر، ويعتقدون أن التيقن من أن الأخبار صحيحة يستحق المتاعب الإضافية. وقالت مراسلة التحقيقات الصحفية روزماري أرماو من صحيفة «ساوث فلوريدا صن سنتينل»: «كل ما في الأمر أنني حقًّا أواجه صعوبة في رؤية الجانب السلبي.»41

وحتى مناوئو إعادة قراءة الخبر على مصدره يُسلِّمون بأن إعادة التواصل بالمصدر من أجل التحقق من الوقائع يكون في بعض الأحيان ضروريًّا. قال ستورين إنه كان مندهشًا من سماعه لواحدة من مراسليه في صحيفة «ذا بوسطن جلوب» تخبر أحد المصادر عن تحقيقٍ ما قبل أن يُنشَر في الصحيفة. بعد أن تحدث معها، استقر رأيه على أنها كانت تفعل الأمر الصائب؛ «عندما تُجري تحقيقات إخبارية طبية مع مصادر طبية؛ فإنها تتصل بهم للتحقق من فحوى ما يقولون. إنني أعتبر أن ذلك ليس مقبولًا فقط، بل … إنه منطقيٌّ.»

ابتكر فريد براون، الرئيس المشارك السابق للجنة الأخلاقيات التابعة لجمعية الصحفيين المحترفين، مجموعة من القواعد التي يتبعها عند مراجعة ما سينشره مع المصادر؛ إذ يوضح لهم أنه يحاول أن يجعل خبره دقيقًا دقةً كاملةً، لا أن يصل إلى تسوية معهم. ويبدأ في التحقق من دقته أثناء المقابلة، ويطرح أسئلة من قبيل: «أعتقد أنني فهمت ما قُلتَه عن إنفلونزا الطيور والوسائد ذات الزغب، ولكن دعني أُعيد قراءتها عليك للتأكد أن ما وصلني صحيح.» ويُحجم عن تغيير الاستشهادات إلا إذا كان الاستشهاد الجديد يوضح الخبر توضيحًا أكثر جلاءً. وكذلك يسمح للمصادر في أغلب الأحيان بقراءة أجزاء فقط من الخبر، وليس الخبر كله.42

(٤) الكارثة تستخرج الأفضل والأسوأ أيضًا

اتسمت بعض التغطيات لإعصار كاترينا الذي ضرب ساحل الخليج في عام ٢٠٠٥م ببسالة متميزة؛ إذ استمر الصحفيون في العمل رغم أن بيوتهم وعائلاتهم كانت قد حوصرت في الدمار الواقع.

واضْطُر الصحفيون في صحيفة «ذا تايمز بيكايون» في مدينة نيو أورلينز إلى التخلي عن مبناهم في وسط المدينة، وإقامة غرف أخبار بديلة بداخل متاجر، ومع ذلك استمروا في نقل الأخبار عبر الموقع الإلكتروني للصحيفة ومن خلال المدونات. تميزت تغطيتهم بالإلمام بالمدينة وبالتصميم الدءوب على نقل الوقائع بدقة. عندما سمع مراسلو صحيفة «ذا تايمز بيكايون» شائعات عن مدرسةٍ كان عشرات من الناس قد حوصروا فيها وغرق الكثيرون، أحضروا زوارق تجديف وتوجهوا إلى المدرسة. لم يكن ثمة جثث؛ إذ كانت الشائعة غير صحيحة. بعض المؤسسات الصحفية الأقل اجتهادًا نقلت خبر الشائعة ببساطة ونقلوا وقائع غير حقيقية، فضلًا عن إصابة العائلات التي كان لها أحباء يعيشون بالقرب من المدرسة. وبطول ساحل نهر المسيسيبي، لم تتوقف صحيفة «ذا صن هيرالد» عن النشر مطلقًا، حتى في اليوم الذي ضرب فيه الإعصار بقوة. اشتملت الصحف — التي كانت تُوَزَّع في مراكز الإجلاء — على تقارير مُفصَّلة عن حجم الضرر. أنشأت الصحيفة منتديات مناقشة على الموقع الإلكتروني الخاص بها كي يتمكن الناس من تبادل المعلومات عن الأصدقاء والأحباء المفقودين.

نالت كلتا الصحيفتين جائزتي بوليتزر عن الخدمة العامة، وهي أعلى جائزة يمكن أن تُعطى لصحيفة؛ فقد أشادت لجنة التحكيم بصحيفة «ذا صن هيرالد» على «توفير حبل نجاة للقراء المنكوبين، في صورة مطبوعة وعبر الإنترنت، وقتما كانوا في أشد الحاجة إلى المساعدة.» وتلقت صحيفة «ذا تايمز بيكايون» جائزة بوليتزر ثانية عن تغطيتها العاجلة للمأساة.

وتلقَّى صحفيو الشبكات والقنوات الإخبارية على تليفزيون الكابل إشادات واسعة النطاق على قدرتهم على تجميع المعدات والأفراد اللازمين لإطلاع العالم على ما كان يحدث. أشار آندي سميث من صحيفة «ذا بروفيدينس جورنال» أنه بينما استغلت بعض الشخصيات التليفزيونية الموقف (جيرالد ريفيرا انتَحَب بينما كان يحمل رضيعًا عمره عشرة شهور في مركز المؤتمرات)، تميز آخرون من خلال اتخاذهم مواقف قوية وحاسمة تجاه المسئولين الفيدراليين الذين كانوا يحاولون تبرير إخفاقات جهود الإنقاذ. ومن الأمثلة البارزة على ذلك، كان رد تيد كوبيل من شبكة «إيه بي سي» عندما قال مايكل براون رئيس الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ — بعد ثلاثة أيام من ضرب العاصفة للمدينة — إن الحكومة الفيدرالية قد علمت لتوها أنه كان يوجد أشخاص في مركز المؤتمرات. سأله كوبيل: «ألا تشاهد التليفزيون؟ ألا تستمع إلى المذياع؟»43

(٤-١) الأخطاء تخلق مصاعب

لا شك في أن المراسلين واجهوا أثناء الإعصار عقبات غير مسبوقة؛ إذ كانت خطوط الهاتف مقطوعة والهواتف الخلوية مُعطَّلة ولم يكن يوجد كهرباء. وكان من الصعب جدًّا العثور على بنزين، إلى حد أن الشرطة لجأت إلى شفطه من المركبات المُهمَلة. وحتى لو كان لدى الصحفيين بنزين، فإن مياه الفيضان جعلت التنقل بالسيارات مستحيلًا. واختفت السبل المعتادة للحصول على المعلومات، وقُضي على الحكومة، وفقدت الشرطة الاتصال. وكان كثيرون من مسئولي الطوارئ يحصلون على معلوماتهم من الإعلام الإخباري بدلًا من أن يكونوا مصادر للمراسلين.

وبطبيعة الحال، في ظروف مثل تلك لا مناص من وقوع أخطاء. ومع ذلك، عندما اطلع الصحفيون على التغطية؛ فوجئ الكثيرون بعدد التحقيقات التي احتوت على أخطاء جسيمة. ومن بين تلك المعلومات الخاطئة:
  • أطفالٌ اغتُصِبوا في ملعب السوبردوم ومركز المؤتمرات.

  • فتاة في السابعة من عمرها ماتت بعد أن اغتُصِبت وذُبِحت.

  • ثلاثون إلى أربعين جثة حُفِظَت في إحدى الثلاجات في مركز المؤتمرات.

  • مئات الجثث كُوِّمَت في سرداب ملعب السوبردوم.

  • قناصة وحشود مسلحة استهدفت ضحايا أثناء محاولتهم مغادرة ملعب السوبردوم.

  • إطلاق أعيرة نارية على مروحيات عسكرية أثناء محاولتها إنقاذ ضحايا.

كل هذه التقارير كانت مغلوطة؛ فقد مات ما مجموعه ١٠ أشخاص فقط في ملعب السوبردوم ومركز المؤتمرات، ولم يُقتل منهم إلا واحد فقط. لم يكن ثمة ادعاءات مُثبَتة بأن قناصة أطلقوا النار على ضحايا خارج المستشفيات. التقارير الزاعمة بأن مروحيات عسكرية قد أُطْلِق عليها النار رُفِضت من كلٍّ من الحرس الوطني وحرس السواحل، وهما الهيئتان العسكريتان الوحيدتان المشاركتان.44
هذه الأخطاء ربما تكون أعاقت جهود الإنقاذ؛ إذ أرجأت الشرطة مجيء المساعدات إلى نيو أورلينز، بل إنها أوقفته بعد سماع تقارير عن إطلاق نار على عمال إنقاذ. وأوردت وكالة «أسوشيتد برس» تقارير أفادت بأن خدمة إخلاء طبي بالمروحيات أوقفت نقل المرضى والمصابين جوًّا من ملعب السوبردوم بعد سماع المسئولين لتقارير حول إطلاق نار على مروحية عسكرية.45 وطبقًا لصحيفة «ذا نيويورك تايمز»، منعت الشرطة فرقًا للمسعفين من دخول موقع الكارثة لما يُقارِب عشر ساعات بسبب تقارير عن حشود مسلحة. وبينما كان المرضى عالقين في المستشفيات بلا تكييف للهواء ولا مياه جارية مع تناقص في الأغذية والخدمات الطبية، ظلت سيارات الإسعاف التي كان من الممكن أن تنقذهم واقفة في مناطق «آمنة» خارج المدينة.46

انتاب الذعرُ أشخاصًا كثيرين في أحياء مجاورةٍ جراء التقارير الإخبارية عن القتل والتخريب. واتخذ بعضهم خطوات لإخراج الضحايا عن أحيائهم. كان ملعب السوبردوم ومركز المؤتمرات — حيث كان الآلاف محتجزين — يقع قريبًا من ممرات فرعية مؤدية إلى جسور تقود إلى أرض جافة في مدينة جريتنا على الضفة الأخرى من نهر المسيسيبي. إلا أن ضباط شرطة مدينة جريتنا قطعوا الجسر وأجبروا نحو ٥٠٠٠ شخص على العودة إلى وسط مدينة نيو أورلينز، إثر سماعهم تقارير عن عصابات من الخارجين عن القانون والقتلة الذين أذهبت المخدرات عقولهم. وظلت الحافلات التي كان من الممكن أن تُخرِج الناس من المدينةِ بلا حراك؛ لأن السائقين اعتقدوا أنهم في حاجة إلى حماية الشرطة ليقودوا حافلاتهم إلى مدينة نيو أورلينز.

(٤-٢) لماذا يُرتَكب هذا القدر الكبير من الأخطاء؟

تعرض المراسلون لوابل من التقارير عن الموت والدمار، وترك ذلك أثره على الكثير منهم. براين ثيفنوت مراسل صحيفة «ذا تايمز بيكايون» كتب عن طريق الخطأ أن إحدى الثلاجات في سرداب مركز المؤتمرات احتوت على ٣٠ إلى ٤٠ جثة، بما في ذلك جثة فتاة في السابعة من عمرها مذبوحة. لاحقًا أوضح المشهد لمجلة «أمريكان جورناليزم ريفيو» بالقول:

بينما كنت أمشي مسرعًا خلال المنطقة الخافتة الضوء في مدخل خدمات الأغذية بمركز مؤتمرات إرنست ناثان موريال بمدينة نيو أورلينز، بدت فكرة سحب الملاءات التي تغطي الجثامين كريهة الرائحة المتحللة خاطئة بل منحرفة، وحتى قبل أن أفكر في أن أسأل، أبى جندي الحرس الوطني لأركانساس ميكيل بروكس — أحد الجنديين اللذين رافقاني — إمكانية النظر بداخل الثلاجة التي قال إنها احتوت على «٣٠ أو ٤٠» جثة.

وقال: «لا أمتلك الجرأة على فعل هذا، حتى بعد ما رأيت في العراق.»

لم أبالغ في الإصرار على الأمر. الآن أتمنى لو كنت فعلت، رغم الشناعة التي قد يبدو عليها ذلك. لربما كان الجنديان اعتبراني شيطانًا ذا تفكير مَرَضي كئيب، ولأخرجاني من ذلك المكان، ولكن كان تحقيقي سيصبح صائبًا، أو على الأقل كان سيتضمن سطرًا يقول إنني قد حُرمت من فرصة أن أنظر بداخل الثلاجة.47

من الصعب أن نلوم ثيفنوت لأنه لم ينظر في الثلاجة. لاحقًا اكتُشف أن الجنديين هما أيضًا لم يكونا قد نظرا بداخل الثلاجة؛ كانا قد سمعا عن الجثث والطفلة القتيلة من جنود آخرين أثناء وقوفهم في طابور الطعام. ونشرت صحيفة «ذا تايمز بيكايون» تصحيحًا؛ ولكن بعد أن كانت التقارير قد تناقلت القصة في أنحاء العالم.

الواقع أن الشائعات في أماكن وقوع الكوارث هي من الأمور المتوقعة، وحتى مراسلو أخبار الشرطة في المدن الصغيرة كثيرًا ما يشعرون بالدهشة إزاء الروايات ذات التدليس الواضح التي يتطوع بتقديمها مَن يُفترض أنهم شهود عيان. في الأحداث الإخبارية الكبرى، يجب على المراسلين دومًا استبعاد الشائعات. في تحقيق صحفي نشرته صحيفة «ذا نيويورك تايمز» بعنوان «أكثر فظاعة من الحقيقة: التقارير الإخبارية»، كتب ديفيد كار يقول:
كنت في موقع برجَيْ مركز التجارة العالمي بعد ظهر يوم الحادي عشر من سبتمبر ٢٠١١م. لقد رأى الناس أشياءَ لا يمكن تصورها، إلا أن نسبة صغيرة من هؤلاء الناس — كثير منهم كانوا ما زال يغطيهم الرماد — حكَوْا لي حكايات كانت أسوأ مما حدث بالفعل. أمهات يلقين بأطفالهن من البرجين، ورجال يدخلون في شجارات وهم على حواف المباني، ورءوس بشرية تنفجر لتخرج أشلاءً من المباني، وكل ذلك وقع على ارتفاع شاهق في الهواء؛ مما يصعب معه تمييز البشر المتساقطين من الحُطام المتساقط.48
نَقل مئات الصحفيين الموجودين في موقع الكارثة قليلًا من تلك الشائعات في تقارير إخبارية. في إحدى المراحل، انتهر بيتر جينينجز مذيع شبكة «إيه بي سي» مراسليه على الهواء مباشرةً عندما اعتقد أنهم ربما كانوا ينقلون معلومات غير مُثبَتة. كشف استعراض تفصيلي للتغطية الإخبارية التليفزيونية أنه أثناء أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لم يمضِ المراسلون الكثير من الوقت في تكرار الشائعات، ونبه المذيعون المشاهدين حينما كانوا ينقلون معلومات لم تتأكد.49

كان الكثيرون في وسائل الإعلام أقل تحفظًا بكثير في نيو أورلينز. ما نشأ نتيجة ذلك كان «غرفة صدى»، حسبما سماها مراسل صحيفة «ذا بوسطن جلوب» كيفن كولن. افتُرِض في كل مرة سمع فيها الناس عن عمل من أعمال العنف، أنه حادثة جديدة. كما أوضح أحد نواب رئيس الشرطة: «رأى شخص ما ست جثث، ثم رأى شخص آخر ست جثث، وشخص ثالث رأى الجثث الست نفسها، وهكذا فجأة تصبح ١٨ جثة.»

إضافةً إلى المشكلات الناجمة عن وسائل الإعلام، بدا الأمر وكأن العمدة راي ناجين ورئيس الشرطة إيدي كومباس يؤكدان حكايات مخيفة عن حوادث عنف، ونقلا حكايات أخرى ثبت عدم مصداقية الكثير منها. ألمح البعض إلى أن ناجين وكومباس كانا يأملان في أن تحفز الأخبار المسئولين الفيدراليين على بذل جهود إغاثة أسرع. ظن آخرون — مثل مايكل بيرلستين من صحيفة «ذا تايمز بيكايون» — أن مسئولي المدينة كانوا يبالغون عن عمدٍ، وقال:

أعتقد أن العمدة علق في نفس الشَّرَك الذي علق فيه الكثير من الناس؛ مراسلون ومسئولون وجميع من كانوا هناك، وأنه كان ثمة تعتيم معلوماتي. كان العمدة يتلقى تقارير من مصادر ذات مصداقية كبيرة، ولكن بحلول ذلك الوقت — بعد أن تكون تلك التقارير قد نُقِلت أربع أو خمس مرات مختلفة — يتعرض الخبر للمبالغة فيه أثناء تناقله في كل مرة.

يزعم البعض أن الطبقة الاجتماعية والعِرق ربما يكونان قد تسببا في تخلي الكثير من العاملين في الإعلام عن نزعتهم التشككية. أخبر كارل سميث — وهو أستاذ جامعي في جامعة نورث ويسترن — ديفيد كار أنه لم يشعر بالدهشة لتصديق الأمريكيين بسهولة حتى أسوأ الشائعات. وقال: «ثمة إغراء أزلي لقصة مدينة في حالة فوضى والناس ينطلقون بلا قيد.» غذَّت الشائعات «بعض الأفكار والأحكام المسبقة المتعلقة بالنظام الاجتماعي الحالي.» يعتقد كيفن كولن أن سمعة المدينة بوصفها «الكبيرة المتساهلة» ومعدل جرائم القتل المرتفع سيئ السمعة جعلا الكثيرين يتقبلون ما تردد من روايات عن وقوع أعمال عنف.

ثمة عنصر آخر قد يكون ساهم في ذلك. كتب كولين يقول: «بينما قد يأبى كثيرون الاعتراف بالحقيقة، بدت الصورة الذهنية للسود الفقراء الذين ينهبون معًا البنادق وأجهزة التليفزيون ذات الشاشة العريضة من متاجر وول مارت في هياج مدمر للحضارة يتضمن استهداف البيض، واردة تمامًا للكثير من المراسلين والمحررين، ناهيك عن القراء والمستمعين والمشاهدين.» وقال إن الطبقة الاجتماعية والعِرق كانا «مرتبطَيْن ارتباطًا وثيقًا في نيو أورلينز» وواجه الكثير من المراسلين مصاعب في فهمها واستيعابها.

(٤-٣) خمس طرق يمكن بها لوسائل الإعلام أن تُحَسِّن من نفسها

يعتقد ثيفنوت من صحيفة «ذا تايمز بيكايون» أن التغطية كان من الممكن أن تكون أفضل لو كان الصحفيون قد اتبعوا الأدوات الأساسية لنقل الأخبار، وما يلي مثال لهذا:
  • «اسأل باستمرار»: كان ينبغي على المراسلين أن يطرحوا على المصادر المحتملة سيلًا من الأسئلة: «كيف علمت بذلك؟ هل رأيته؟ من قال لك هذا؟ هل أنت متأكد بنسبة ١٠٠ بالمائة أن هذا حدث؟ من يمكنه أيضًا أن يؤكده؟» استنتج أحد الصحفيين أن الكثير جدًّا من الصحفيين قد بدءوا في تصديق أن قصة ما هي قصة موثقة إذا ما سمعوا نفس الشائعة مرتين.

  • «كن مباشرًا فيما يختص بالتحقق من صحة المعلومات»: قال ثيفنوت إن مراسلي الصحف والقنوات التليفزيونية ينبغي ألا يتراجعوا عن هذه الملاحظة الأمينة: «هذه الرواية لم يكن ممكنًا التحقق من صحتها منفردة.»

  • «صحح الأخطاء بطريقة جلية وعلى الفور»: أخبر هَب براون — وهو أستاذ مُشارِك في جامعة سيراكيوز — ثيفنوت أن الصحفيين العاملين في الصحافة المسموعة والمرئية ينبغي أن يكونوا بنفس «تدقيق» صحفيي المطبوعات الصحفية فيما يختص بتصحيح أخطائهم. «لماذا لا يكون ثمة قسم في النشرة الإخبارية يقول: «لقد نقلنا هذا الخبر اليوم الفائت، وتبين عدم صحته»؟»

  • «استخدم وصفًا دقيقًا»: أوضح من هم المصادر الذين وصلوا إلى معلوماتهم وكيف وصلوا إليها، حتى لو كانت مصادر رسمية.

  • «لا تتعجل نشر الأشياء أو إذاعتها»: أخبر آف ويستن — الذي كان نائب رئيس سابق لشبكة «إيه بي سي» الإخبارية — ثيفنوت قائلًا إن الصحافة تتطلب مراجعة مدروسة. وأردف يقول: «عندما كنت في شبكة «إيه بي سي»، لم يجد أي شيء طريقه للبث دون قراءة الخبر علينا». وقال إن الدورة الإخبارية المستمرة على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع تؤدي إلى «نقل شائعات وتكهنات … فبدلًا من أن يقولوا: «فلننتظر خمس دقائق.» يمضون في بث الخبر فحسب لأنه موضوع أمامهم، ويستمرون في تعلم ذلك الدرس ونسيانه.»50

هوامش

(1) The original story was “Dean probes sexism issue,” Calgary Herald, November 15, 1991, p. B1. The correction was printed the next day. The newspaper’s ombudsman, Jim Stott, discussed the incident in “More flexible error correction policy would serve all,” Calgary Herald, December 8, 1991, p. A7.
(2) Scott Maier, “Accuracy matters: A cross-market assessment of newspaper error and credibility,” Journalism and Mass Communication Quarterly, Autumn 2005.
(3) Gary Hanson and Stanley T. Wearden, “Measuring newscast accuracy: Applying a newspaper model to television,” Journalism and Mass Communication Quarterly, Autumn 2004.
(4) Ariel Hart, “Delusions of accuracy,” Columbia Journalism Review, July/August 2003.
(5) American Society of Newspaper Editors, Examining Our Credibility: Perspectives of the public and the press, 1999.
(6) “Accuracy matters,” in Examining Our Credibility, American Society of Newspaper Editors, www.asne.org.
(7) Donica Mensing and Merlyn Oliver, “Editors at small newspapers say error problems serious,” Newspaper Research Journal, Fall 2005.
(8) Nancy Davis, “Views from City Hall,” Presstime, August 1998.
(9) Reprinted in “The lower case,” Columbia Journalism Review, November/December 1990.
(10) Paula La Rocque, “Corrections, however painful or funny, needed for credibility,” Quill, April 2005.
(11) “Errors in print a firing offense?” News Photographer, April 1998.
(12) Ted Vaden, “Lacrosse error clouds story’s credibility,” The News & Observer, August 3, 2006.
(13) H. L. Mencken, Promises: Sixth Series, New York: Knopf, 1927, p. 15.
(14) Scott Maier, op. cit.
(15) “F.Y.I.” Washington Journalism Review, January/February 1993, p. 13.
(16) Cortland Anderson, remarks to APME Convention, Toronto, October 21, 1981.
(17) Mary Jane Pardue, “Most business editors find news reporters unprepared,” Newspaper Research Journal, Summer 2004.
(18) Business Week, November 11, 1996.
(19) Sandra Mims Rowe’s comments were taken from her remarks at the Asian American Journalists conference in Boston, August 15, 1997, and from “Journalism values in an era of change,” a speech to a Poynter Institute Conference in New York, February 14–16, 1996.
(20) Seymour Topping, “‘Expert journalism’ requires a broad education,” ASNE Bulletin, November 1992, p. 2.
(21) Geneva Overholser, “Careening toward extinction with salvation firmly in hand,” Columbia Journalism Review, September/October 2002.
(22) Scott R. Maier, “Journalists + math = anxiety, self-doubt,” The American Editor, January/February 2002.
(23) Geneva Overholser, “Reading into what you read,” The Washington Post, June 2, 1996.
(24) Derek Donovan, “Readers share skepticism about election polls,” The Kansas City Star, October 29, 2006.
(25) If you were curious enough to check this footnote, you might want to read journalism Professor Philip Meyer’s Precision Journalism, Lanham, MD: Rowman and Littlefield, 4th edn (May 2002). Probability sampling is a highly precise method of making sure everyone has an equal chance of being in the sample pool. For example, selecting every 10th person entering the library is not a legitimate sampling method.
(26) Wayne Ezell, “When headlines go too far,” The Florida Times-Union, September 3, 2006.
(27) “Prime number,” On the Media, NPR, May 26, 2006.
(28) Ariel Hart, “Delusions of accuracy,” Columbia Journalism Review, July/August 2003.
(29) Information taken from reports on the CNN Web site, July 2, 1998.
(30) Marvin Lake, “Security guard came to area willingly,” The Virginian-Pilot, October 22, 2006.
(31) Quoted in Susan Keith, “Newspaper copy editors’ perceptions of their ideal and real ethics roles,” Journalism and Mass Communications Quarterly, Winter 2005.
(32) ibid.
(33) Deborah Potter and Amy Mitchell, “Getting It Right,” study posted at www.newslab.com.
(34) The American Society of Newspaper Editors surveys diversity each year and posts the results on its Web site, www.nsne.org.
(35) The Radio Television News Directors Association surveys diversity each year and posts the results on its Web site, www.rtnda.org.
(36) Eleanor Randolph, “The other side of the pen,” Messages: The Washington Post Media Companion, Boston: Allyn and Bacon, 1991, p. 351.
(37) Alicia C. Shepard, “Show and print,” American Journalism Review, March 1996.
(38) Alicia C. Shepard, “Show and print,” American Journalism Review, March 1996.
(39) Information taken from reports on the CNN Web site, July 2, 1998.
(40) Jay Matthews, “When in doubt, read it back,” Washington Journalism Review, September 1985.
(41) Alicia C. Shepard, “Show and print,” American Journalism Review, March 1996.
(42) Maria Trombly, “To check or not to check,” Quill, May 2004, and Fred Brown, “Letting sources check your story can be a good thing,” Quill, April 2006.
(43) Andy Smith, “TV at its best,” The Providence Journal, September 9, 2005.
(44) Taken from Kate Parry, “A duty to separate fact from rumor; Posthurricane coverage reviews failed to substantiate the most extreme stories. How did the Star Tribune do?” (Minneapolis) Star Tribune, October 9, 2005.
(45) Adam Nossiter, “Superdome evacuation disrupted because of fires and gunshots; More National Guardsmen are sent in,” Associated Press, September 1, 2005.
(46) Jim Dwyer and Christopher Drew, “Fear exceeded crime’s reality in New Orleans,” The New York Times, September 29, 2005.
(47) Brian Thevenot, “Myth-making in New Orleans,” American Journalism Review, December 2005/January 2006.
(48) David Carr, “More horrible than truth: News reports,” The New York Times, September 19, 2005.
(49) Amy Reynolds and Brooke Barnett, “This just in … How national TV news handled the breaking ‘live’ coverage of September 11,” Journalism and Mass Communication Quarterly, Autumn 2003.
(50) The media coverage of Katrina was widely studied. It should be noted that figures continued to change and that myths continued to be exposed long after the event. The information presented is as accurate as possible. Among the articles consulted were Adam Nossiter, “Superdome evacuation disrupted because of fires and gunshots,” Associated Press, Sept. 1, 2005; Andy Smith, “TV at its best,” The Providence Journal, Sept. 10, 2005; David Carr, “More Horrible Than Truth: News Reports,” The New York Times, Sept. 19, 2005; Eric Deggans, “Media outlets exaggerated some of New Orleans’ woes,” St. Petersburg Times, Sept. 28, 2005; Jim Dwyer and Christopher Drew, “Fear Exceeded Crime’s Reality in New Orleans,” The New York Times, Sept. 29, 2005; Anne Applebaum, “The Rumor Mill,” The Washington Post, Oct. 5, 2005; Robert E. Pierre and Ann Gerhart, “News of Pandemonium May Have Slowed Aid,” The Washington Post, Oct. 5, 2005; “Taking journalists by storm,” The News Media and The Law, Fall 2005; Brian Thevenot, “Apocalypse in New Orleans,” American Journalism Review, October/November 2005; Marc Fisher, “Essential Again,” American Journalism Review, October/November 2005; Thevenot, “Myth-Making in New Orleans,” American Journalism Review, December 2005/January 2006; Matthew Power, “Immersion Journalism,” Harper’s, December 2005; “They Shoot Helicopters, Don’t They?” Reason, December 2005; Katie O’Keefe, “Ethical Firestorm,” Quill, December 2005; Kevin Cullen, “Rumors, Race and Class Collide,” Nieman Reports, winter 2005; Scott Cohn, “Journalists were fair in covering Katrina,” Quill, January/February 2006; and James O’Byrne, “Katrina: The Power of the Press Against the Wrath of Nature,” Poynteronline, www.poynter.org, posted Sept. 1, 2006.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤