الفصل التاسع

العالم الغامض المشبوه للمصادر غير المحددة

لم يكن سعي الرئيس جورج دبليو بوش لجلب الديمقراطية إلى العراق يمضي على ما يُرام في عام ٢٠٠٥م. كانت الولايات المتحدة قد اعترفت للتو بأن جنودًا أمريكيين قد أساءوا معاملة سجناء في سجن عراقي، وأنهم قد هاجموا وقتلوا مدنيين من المحتمل أنه لم يكن لهم أي علاقة بالإرهاب. أوردت استطلاعات للرأي أن تأييد الأمريكيين للحرب كان ينخفض، وأن شعبية بوش كانت تسجل مستويات غير مسبوقة من الانخفاض.

وكانت تلك هي الفترة التي أخبر فيها «أحد قدامى المصادر الموثوق بها، وهو أحد كبار المسئولين الحكوميين الأمريكيين الذي كان على دراية بالأمر» مراسل مجلة «نيوزويك» مايكل آيزيكوف خبرًا مثيرًا للقلق. قال المصدر إن تقريرًا رسميًّا صادرًا عن محققين عسكريين أمريكيين سيتهم حراسًا أمريكيين في مركز الاحتجاز بخليج جوانتانامو في كوبا بأنهم قد وضعوا مُصْحَفًا في مرحاض في محاولة ترمي إلى دفع المحتجزين المسلمين للكلام. كتب آيزيكوف موجزًا من ١٢ جملة لقسم «بيريسكوب» (منظار الأفق) بمجلة «نيوزويك». في مسعى يرمي إلى التحقق من دقة التقرير، أطلع مراسل آخر في مجلة «نيوزويك»، وهو جون بيري، أحد مصادره بالبنتاجون على الموجز. اقترح المصدر تصحيحًا محدودًا، ولكنه لم يُبدِ أي تعليق حول فحوى المقال.

بعد أن ظهر التقرير في المجلة، كان رد الفعل فوريًّا، حسبما نقلت مجلة «نيوزويك»:
بحلول نهاية الأسبوع، كانت أحداث الشغب قد امتدت من أفغانستان إلى أنحاء كثيرة من العالم الإسلامي، من غزة إلى إندونيسيا. أحرقت حشود غوغائية تهتف «احموا كتابنا المقدس!» مباني حكوميةً، ونهبت مكاتب منظمات الإغاثة في أقاليم أفغانية عديدة. كلَّف العنف على أقل تقدير ١٥ قتيلًا، وأدى إلى جرح عشرات من الناس وأحدث هزة سرت عبر واشنطن، حيث شعر مسئولون بالقلق بشأن استقرار الأنظمة المعتدلة في المنطقة.1
بعد ظهور الموجز بفترة وجيزة، قال مسئولون بالبنتاجون لمجلة «نيوزويك» إنه لم يشتمل أي من تقارير المحققين على أي إشارة إلى ما كانت مجلة «نيوزويك» قد أوردته. قرر آيزيكوف أن يُراجِع ثانيةً الشخص الذي كان قد أعطاه الخبر الأصلي. هذه المرة، كان المصدر أقل تيقنًا من المعلومات. كان المصدر متأكدًا من أن المعلومات موجودة في السجلات الحكومية، ولكن ربما لم تكن جزءًا من تقرير رسمي صادر عن فريق تحقيق عسكري. عندما اتصل مراسل مجلة «نيوزويك» الآخر بالمصدر الذي كان قد استعان به لتأكيد الخبر، قيل له إن المسئول لم يكن يقصد تضليله، إلا أن المسئول اعترف بأنه لم يكن لديه معرفة مباشرة بأي شيء في التقرير العسكري. واضطُرت المجلة — التي أعربت في البداية عن أنها لن تتراجع عن الخبر — إلى الإقرار بأنه لم يعد باستطاعتها ضمان مصداقية الخبر.2
قوبل التصريح باستنكارات غاضبة، وانفجر الناطق الرسمي للبنتاجون لورانس دي ريتا قائلًا: «لقد مات أُناس بسبب ما قاله ابن العاهرة هذا. كيف يمكن أن يكون ذا مصداقية الآن؟» وبنفس القدر كانت حدة الانتقادات من الصحفيين، فقالت صحيفة «ذا ريدنج إيجل» إنه «لا مبرر» لخَطَأ مجلة «نيوزويك»، ولخَّص المدون الإعلامي تيم بورتر الواقعة بقوله إن «مجلة «نيوزويك» تُصَرِّف المصداقية في المرحاض.»3
جاءت غلطة مجلة «نيوزويك» بعد أقل من عام من تقارير دان راذر في برنامج «سيكستي مينتس» على شبكة «سي بي إس» بأن مصدرًا كان قد أعطى شبكة «سي بي إس» وثائق عديدة فيما يتعلق بخدمة الرئيس جورج دبليو بوش — أو عدم تأديته للخدمة — في الحرس الوطني إِبَّان حرب فيتنام. وبعد إنكار شبكة «سي بي إس» الإخبارية في البداية أن الوثائق كانت مزيفة، اعترفت بعدم استطاعتها إثبات صحة المعلومات، ودَعت شبكة «سي بي إس» الإخبارية الخبر «خطأً»، واعتذر راذر.4
هذه الحالات التي أعطت فيها مصادرُ غير مسماة معلوماتٍ مغلوطةً ظهرت في خضم جدل علني بخصوص مصداقية الأخبار. ورغم أن جيسون بلير الصحفي بصحيفة «ذا نيويورك تايمز» وجاك كيلي الصحفي بصحيفة «يو إس إيه توداي» لم يكونا من ضحايا المصادر غير الموثوق بها، فإنهما استخدما مصادر مجهولة لإخفاء حقيقة أنهما كانا يختلقان الأخبار.5 انعدام أمانة بلير وكيلي كان كافيًا لأن يكرر آل نيوهارث — مؤسس صحيفة «يو إس إيه توداي» — معارضته للمصادر المجهولة؛ فكتب يقول: «السبيل الوحيد للانتصار في الحرب على هذا الشر هو أن يمنع الصحفيون على كل المستويات كل المصادر المجهولة.»6 ودفع بأنه إن لم تُمنَع المصادر المجهولة، «فلن يثق الجمهور فينا، وسنُعَرِّض التعديل الأول للخطر.»7 (نتناول حالتي بلير وكيلي في الفصل السادس.)
يدافع بعض الصحفيين عن الاستعانة بمصادر مجهولة: قال فيليب توبمان — مدير مكتب صحيفة «ذا نيويورك تايمز» في واشنطن — لمجلة «إيديتور آند ببليشر» إنه اعتبر المصادر غير المسماة أداة «لا غنى عنها» للمراسلين.8 وتوصلت دراسة استقصائية وطنية أُجريت على الصحفيين أن نحو ٢٦ بالمائة فقط من المراسلين والمحررين اعتبروا أن استخدام مصادر مجهولة «ليس مقبولًا على الأرجح.»9

(١) علاقة حب وكراهية

الاستعانة الأشهر بمصدر مجهول كانت بلا شك هي فضح صحيفة «ذا واشنطن بوست» للحيل القذرة والتعتيمات التي قامت بها إدارة نيكسون؛ فقد وصف المراسلان بوب وودورد وكارل برنستين تحقيقهما في كتاب من أكثر الكتب مبيعًا — «كل رجال الرئيس» — ومنحا مصدرهما الاسم المستعار الذي لا يُنْسى «دِيب ثُرُوت» (ويعني الحلق الغامض). وبين عشية وضحاها، ارتفعت منزلة المراسلَيْن ارتفاعًا عظيمًا، وتوافد الطلاب على كليات الصحافة بأعداد غفيرة. كان كثيرون — بلا شك — يتطلعون لحياة مهنية تتضمن اجتماعات مستترة مع مصادر سرية في وقت متأخر من الليل في مرائب انتظار السيارات، مثلما رأوا مقابلات الممثل روبرت ريدفورد مع «دِيب ثُرُوت» في الفيلم السينمائي المُستنِد على الكتاب.

بعد فضيحة ووترجيت، لم ترتفع الاستعانة بمصادر غير مُسماة فحسب، بل كاد وجودهم يصير «أمرًا لازمًا» في بعض المؤسسات الإخبارية.10 قال جون كوكران — مدير مكتب شبكة «إيه بي سي» في واشنطن إبان هذه الفترة — إن المراسلين من شأنهم أن يستعينوا بمصادر غير مسماة حتى حينما يعرفون أن باستطاعتهم إيجاد مصادر على استعداد لأن تُذْكَر أسماؤها. وأضاف موضحًا: «يمكن لموضوعك الإخباري أن يُعْرَض على الشاشة أو يُطْبَع في الصحيفة على نحو أيسر إذا كان لديك مصدر مجهول.»11

وما هي إلا فترة قصيرة بعدما جعلت فضيحة ووترجيت المصادر غير المسماة جانبًا معتادًا من الصحافة، حتى فضح مراسل آخر من مراسلي صحيفة «ذا واشنطن بوست» — وبصورة علنية — الجانب السلبي للمصادر السرية. وفي عام ١٩٨١م — كما رأينا في الفصل السادس — لفقت جانيت كوك حكاية مختلقة عن طفل كان مدمنًا للهيروين. اعتمد جانب كبير من موضوعها الإخباري الذي حاز على جائزة بوليتزر على مصادر مجهولة وأُناس مجهولي الهوية. عندما كُشِفَت أساليبها المخادعة، بدأ محررون ومديرو أخبار يتساءلون عما إذا كانوا يعطون المراسلين سقفًا مرتفعًا أكثر مما ينبغي من الحرية فيما يتعلق بسرية المصادر؛ فانخفض عدد المصادر المجهولة في الصحافة الأمريكية لفترة من الوقت.

ثم ظهر الإسراف الإعلامي الذي اتسمت به تغطية محاكمة أُو جيه سيمبسون — لاعب كرة قدم أمريكية معتزل وممثل — بتهمة القتل العمد عام ١٩٩٤م. دفعت المنافسة المحمومة بين القنوات التليفزيونية الإخبارية وصحف التابلويد ووسائل الإعلام الرئيسية بعض المراسلين إلى البحث المستميت عن زوايا جديدة؛ فلجأ كثيرون إلى المصادر المجهولة. وللأسف، امتلأت بعض الأخبار الناتجة عن هذا بالمعلومات غير الدقيقة والمبالغات التي أغضبت القاضي وأحرجت الكثيرين في المجتمع الصحفي. تنبأ أحد الأساتذة الجامعيين البارزين بأن الأخطاء التي ارتُكِبَت أثناء تغطية محاكمة أو جيه سيكون من شأنها دق آخر مسمار في نعش الاستعانة بالمصادر المجهولة. وزعم أنه خلال ١٠ أعوام سوف ينظر الصحفيون إلى المصادر المجهولة بوصفها «الأيام السيئة البائدة في تطورنا الأخلاقي.»12 بالطبع لم يحدث ذلك؛ فبعد تراجع معدلات الاستعانة بالمصادر المجهولة، عادت ترتفع ثانيةً. تفحص الباحثون موضوعات إخبارية حائزة على جوائز من عام ١٩٩٥م إلى عام ٢٠٠٢م ووجدوا أنها احتوت على الكثير من المصادر المجهولة.13
ومع ذلك، فقد أدت الأخطاء المنشورة على نطاق واسع لشبكة «سي بي إس» الإخبارية ومجلة «نيوزويك» في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين إلى انخفاض عدد المصادر غير المسماة في الإعلام الإخباري الأمريكي انخفاضًا كبيرًا. وفي عام ٢٠٠٤م، فحص باحثون ١٦ صحيفة مختلفة الأحجام، ووجدوا أن ٢٩ بالمائة من الموضوعات الإخبارية كان بها مصدر واحد غير مسمى على الأقل. في عام ٢٠٠٥م، كان ٧ بالمائة فقط به مصدر غير مسمى.14 عندما استقصت وكالة «أسوشيتد برس» المحررين، قال ربع أولئك الذين أجابوا إنهم قد منعوا الاستعانة بمصادر مجهولة. كان أغلب تلك الصحف في أسواق صغيرة ومتوسطة، والتي كانت بشكل تقليدي تستعين بعدد أقل من المصادر غير المسماة.15 على الجانب الآخر، وجد الباحثون أيضًا انخفاضًا ملحوظًا في الاستعانة بهذه المصادر من جانب «صفوة الصحف».16 وضعت كل من صحيفتي «يو إس إيه توداي»، و«ذا واشنطن بوست»، ووكالة «أسوشيتد برس» قيودًا جديدة على الاستعانة بالمصادر السرية، وأعادت صحيفة «ذا نيويورك تايمز» صياغة سياساتها.17 وانخفض عدد المصادر غير المسماة في صحيفة «يو إس إيه توداي» بنسبة ٧٥ بالمائة بعد التغييرات.18
أما الجمهور فليس متأكدًا مما يشعر به حيال المصادر المجهولة؛19 ففي استطلاع للرأي أجراه مركز «بيو» للدراسات، اتفق ٧٦ بالمائة على أنه يوجد حالات يكون للمصادر المجهولة فيها ما يُبررها؛ بخاصةٍ إن لم يكن ثمة سبيل آخر للحصول على المعلومات. ومع ذلك فإن أكثر قليلًا من النصف قالوا إن المصادر المجهولة تزيد من مخاوفهم تجاه دقة الأخبار.20 وصادفت دراسة استقصائية أجرتها مؤسسة مديري تحرير «أسوشيتد برس» نفس المشكلة المحيرة. استشهد قراء الصحف باستمرار بعبارة وصفية واحدة: «السلاح ذو الحدَّين»؛21 فلقد سلَّموا بأن الاستعانة بالمصادر السرية أتاح للمراسلين كشف النقاب عن فضيحة ووترجيت، وأن عشرات الأخبار المحلية ربما لم تكن ستخرج إلى النور لو لم يكن المُبَلِّغِين الحكوميين عن المخالفات قد ائتمنوا المراسلين على معلوماتهم. رغم ذلك، يعرف كل من القراء والمحررين أن الاستعانة بمصادر غير مسماة أمر محفوف بالمخاطر.

(٢) الاستعانة بمصادر سرية أم إغفال موضوعات إخبارية مهمة؟

لو أن اللصوص التابعين لنيكسون كانوا قد اقتحموا الحزب الديمقراطي قبل ذلك ببضعة أسابيع، لكان من المحتمل جدًّا أن تبقى كلمة «ووترجيت» مجرد اسم مجمع فنادق بمدينة واشنطن، ولكان برنستين وودورد مجرد مراسلَين آخرَين من المراسلين الذين يُكلفون بالأخبار التقليدية. لفترة زمنية قصيرة، منعت صحيفة «ذا واشنطن بوست» الاستعانة بمصادر مجهولة. كان بن برادلي — الذي كان آنذاك مدير التحرير التنفيذي للصحيفة — قد سئم من مصادر إدارة نيكسون التي تُسَرِّب الأخبار لينفوها فيما بعد؛ لذلك قرر أن يمنع كليةً المصادر غير المسماة. وتلقى مراسلو صحيفة «ذا واشنطن بوست» تعليمات بالانصراف عن الساسة الذين يريدون الإدلاء بتصريحات غير رسمية، ويتكلمون على أساس مبدأ ألا تُنسَب المعلومات المقتبسة مباشرةً إلى المصدر. وحث برادلي كل وسائل الإعلام الإخباري على الانضمام إليه. على الجانب الآخر، استمر مراسلون آخرون في الاستعانة بمصادر غير مسماة، وحظوا بأخبار مهمة لم تكن لدى صحيفة «ذا واشنطن بوست»؛ فتخلى برادلي عن هذه السياسة بعد يومين.22
بعكس برادلي، لم يتراجع بعض المحررين عن منع المصادر المجهولة، مهما كانت أهمية الخبر. عندما بدأت تخرج من العراق تقارير مجهولة المصدر تفيد بأنه لم يُعْثَر على أسلحة دمار شامل هناك، انضمت معظم وسائل الإعلام الإخباري إلى تغطية الخبر؛ ففي نهاية الأمر، تذرعت إدارة بوش بتدمير تلك الأسلحة لغزو العراق. ولكنه لم يكن خبرًا في صحيفة «ذا نيوز آند أوبزرفر» في مدينة رالي، بولاية كارولاينا الشمالية؛ فقد رفض المحررون هناك نشر الأخبار لأنها كانت معتمدة على مصادر مجهولة. قال تيد فادِن — المحرر العام بالصحيفة — إن صحفًا لديها سياسات أكثر تساهلًا بشأن الاستعانة بالمصادر كانت قد تطرقت إلى الأمر من قبلُ حول موضوعات إخبارية كبرى، بما في ذلك أخبار مهمة تخص ولاية كارولاينا الشمالية. وقال إن المحررين مع هذا لم يفكروا في التخفيف من صرامة موقفهم.23
يشعر محررون أمثال أولئك المحررين في «ذا نيوز آند أوبزرفر» الذين يرفضون السماح بالاستعانة بمصادر سرية بالقلق حيال ما يلي:
  • يستعين عدد هائل من المراسلين بمصادر غير مسماة بسبب تراخيهم عن البحث عن مصادر علنية.

  • اختلاق المراسلين لأمور وتمريرها على سبيل الخداع على أنها تعليقات من مصادر غير مسماة هي مخاطرة بالغة الخطورة.

  • المعلومات الواردة من مصادر غير مسماة كثيرًا ما تكون إما غير دقيقة وإما تخدم مصالح شخصية.

مر بعض المحررين بتجارب مباشرة مع مراسلين كسالى لا يحرصون على جلب معلومات علنية يُذكَر فيها اسم المصدر. ويليام جيه سمول — الرئيس السابق لشبكة «إن بي سي» الإخبارية — قال إنه تمنى لو أنه كان قد حصل على دولار واحد عن كل مرة يتصل فيها مراسل به ليخبره قائلًا: «انظر، لماذا لا نفعل هذا الأمر دون الإشارة إلى اسم المصدر؟» أوضح سمول قائلًا: «هم دومًا يُصابون بصدمة عندما أقول إنني لا أتحدث أبدًا دون الإشارة إلى المصدر.»24 ذكرت نانسي وودهَل أنها عندما كانت تعمل محررة لدى صحيفة «ديمقرات آند كرونيكل» بمدينة روتشستر بولاية نيويورك، سلَّم أحد مراسليها خبرًا دون تحديد لهوية مصدره. وبسؤاله عن هذا، قال المراسل: «حسنًا، يا للعجب، إنني لم أعتقد أنهم سيرغبون في أن تُستخدَم أسماؤهم.»25
يخشى محررون آخرون أنه ربما كانت بعض المادة الصحفية المنسوبة إلى مصدر مجهول من ابتكار المراسل. العديد من الإصدارات الصحفية الكبرى — بما في ذلك صحف «ذا بوسطن جلوب» و«ذا نيو ريببليك» و«شيكاجو تريبيون» — كان بها مراسلون يقتبسون من مصادر لم يكن لها وجود. ورغم أن الخداع على ذلك المستوى أمر نادر، قال روبرت جرين — الذي كان مراسل تحقيقات صحفية ومحررًا بصحيفة «نيوزداي» — أنه عرف مراسلين حاولوا أن ينتحلوا أفكارهم الخاصة بنسبتها إلى مصادر مجهولة.26 «المصدر المقرب من الحملة» قد يكون في الحقيقة مراسلًا يتصف بكسل بالغ أو انعدام مفرط للأمانة لدرجة أنه لا يبحث عن مصادر حقيقية. قال مارك واشبرن — محرر في صحيفة «ذا ميامي هيرالد» — إنه تفاعل مع المصادر المجهولة على نحو أكثر قوة. وأضاف مفسرًا: «في كل مرة كنت أرى فيها عبارة «قالت مصادر»، أشعر بانزعاج شديد وأود أن أقول: «آه، هراء، أنت من لفق هذا الكلام».»27

(٣) مسربو معلومات خبثاء ومصادر سرية

عندما يفكر معظم الناس في المصادر المجهولة، يتصورون موظفين ناقمين يريدون التحدث بشأن ممارسات رؤسائهم الاحتيالية أو أفرادًا مهتمين بالصالح العام ضاقوا ذرعًا بإهدار المال والأفعال غير المشروعة. إلا أنه ليست كل المصادر المجهولة تتسم حتى بهذا القدر من نقاء القلب؛ فكثيرًا ما تكون دوافعهم هي مجرد تحقيق مصالح شخصية وموجهة صوب التعتيم على الحقيقة.

كتبت إليانور راندولف في صحيفة «ذا واشنطن بوست» تقول: «تسريب معلومة من مسئول رفيع المستوى كثيرًا ما يكون تحركًا استراتيجيًّا للمساعدة على صياغة سياسة ما أو تعزيزها.»28 أقرت صحيفة «ذا نيويورك تايمز» أنها قد تكون استُغِلَّت من قِبَل إدارة بوش في الأيام السابقة للغزو الأمريكي للعراق. كتب المحرر العام في الصحيفة يقول:

لأي شخص قرأ الصحيفة فيما بين سبتمبر ٢٠٠٢م ويونيو ٢٠٠٣م، بدا جليًّا الانطباع بأن صدام حسين امتلك — أو كان يحصل على — أسلحة دمار شامل. إلا أن ذلك لما يكن صحيحًا على ما يبدو.

استندت الصحيفة في الكثير من الأخبار على مصادر مجهولة تبين أنها لم تكن سوى مسئولي البيت الأبيض الذين يعملون لمصلحة الغزو أو عراقيين كانوا يعيشون في المنفى وكانت تربطهم علاقة صداقة مع إدارة بوش. بعد تحدثهم إلى هؤلاء الناس، كان المراسلون يحاولون إقامة الدليل على تعليقاتهم؛ فكانت المعلومات «تُؤكَّد بتلهف من المسئولين الأمريكيين المقتنعين بالحاجة إلى التدخل.» خَلُصَت صحيفة «تايمز» في خطاب إلى القراء نُشِر بعد ما يقرب من عامين من غزو العراق إلى القول: «ونحن إذ نتأمل الماضي، نتمنى لو أننا كنا أكثر شراسة في إعادة النظر في الادعاءات مع ظهور أدلة جديدة، أو عدم ظهورها.»29

وفي أوقات أخرى، يُسَرِّب الساسة معلومات حتى إذا ما ساءت الأمور، لا يتعرضون للوم. قال كاتب صحيفة «ذا واشنطن بوست» هوارد كورتز إنه عندما تولى جيمس بيكر أمر حملة إعادة انتخاب الرئيس جورج بوش الأب، بدأ في تسريب أخبار لمراسلين رئيسيين تفيد بأن الحملة كانت «في حالة يُرثى لها من الفوضى.» وكما كان بيكر يأمل، أوردت موضوعاتهم الإخبارية حالة الفوضى تلك، وأشارت إلى أنه إذا خسر بوش، فلن يكون هذا بسبب خطأ ارتكبه بيكر.

قد يُسَرِّب المطَّلعون على بواطن الأمور معلومات عندما يختلفون مع قرار ما: سرَّب أشخاص كثيرون في البيت الأبيض إبان ولاية ريجان مخاوفهم بشأن ميزانية مقترحة مثيرة للجدل؛ لأنهم لم يعتقدوا أن اعتراضاتهم كانت تحظى بآذان مصغية مُنصفة من جانب كبار مستشاري ريجان. وبعد تسريبات تكاد تكون يومية تورد معلومات مناقضة للتقييمات الاقتصادية لريجان، عُدِّلَت الميزانية المقترحة.30
يضيف ستيفن هيس — الذي يبحث في العلاقات بين الصحافة والحكومات — صنوفًا أخرى من مُسربي المعلومات إلى القائمة؛ فقد قال إن بعض الناس سيسربون أخبارًا لينالوا رضاء مراسل ما يعتقدون أنه يمكن أن يكون مفيدًا لهم في المستقبل.31 القائمون على العلاقات العامة في الحكومة بصدد التحول إلى خبراء في مناورة ذات صلة؛ فهم سوف يسربون معلومات لمراسل واحد فقط؛ لأنهم يعرفون أن المنافذ الإخبارية تميل إلى إبراز الأخبار التي ينفردون بها. قبل وقت قصير من أحد خطابات حالة الاتحاد الذي ألقاه الرئيس كلينتون، سرب سكرتيره الصحفي أجزاء مختلفة من الخطبة لمراسلين من صحيفتي «يو إس إيه توداي» و«ذا نيويورك تايمز» وبرنامج «وورلد نيوز تونايت» على شبكة «إيه بي سي.» وما هي النتيجة؟ «أخبار هامشية لا تكاد ترقى إلى أن تُذكَر في التليفزيون ارتفعت بفضل كونها حصرية.» حسبما كتب كورتز في كتابه «دائرة التلفيق» حول استغلال كلينتون للإعلام.32
وأحيانًا، حتى مراقبو واشنطن المخضرمون لا يستطيعون معرفة دوافع الأشخاص الموجودين فيما أطلق عليه كورتز «العالم الغامض للمصادر غير المسماة». في عام ٢٠٠٦م، أصدر قادة إيران الإعلان المفزع بأن بلدهم كان على أعتاب صنع أسلحة نووية. بعد بضعة أيام، أوردت صحيفة «ذا واشنطن بوست» ومجلة «نيويوركر» قول مصادر مجهولة إن بوش يفكر في استخدام الأسلحة النووية الأمريكية لتدمير برنامج إيران الوليد لصنع قنبلة. كان كورتز مهتمًّا بمعرفة دوافع مُسرِّبي المعلومات، وقال إنه ارتأى احتمالين:
  • أن البيت الأبيض يريد إبراز هذا الأمر؛ لأنه تلويح بالغ الفعالية باستخدام القوة يهدف إلى إجبار طهران على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.

  • أن المصادر العسكرية أو المصادر في إدارة بوش التي تظن أن بوش قد يقصف بالفعل إيران تريد أن تنسف البرنامج عبر التسريبات.33

(٤) بالون الاختبار

المراسلون الذين يغطون حتى أصغر المجتمعات وأكثر الهيئات خفاءً يتعلمون بسرعة أن يكونوا متأهبين لانحراف آخر في الاستعانة بالمصادر مجهولة الاسم هو: «بالونات الاختبار»؛ فيُرَوِّج القادة السياسيون لخبر كاذب حتى يكون في استطاعتهم اختبار توجهات الرأي العام. على سبيل المثال، قد يخبر مسئول حكومي في مجلس المدينة مراسلًا — على أساس مبدأ ألا تُنسَب المعلومات المقتبسة مباشرةً إلى المصدر — عن إحدى خطط العمدة. وحالما يُنشر الخبر في الصحيفة أو يُبَث، ينتظر المسئول بترقب استجابات الجمهور. فإذا لم يكن ثمة شكوى، قد تمضي المدينة قُدُمًا في الخطة. لكن إذا قُوبلت الخطة بهجوم، فقد يُعلِن العمدة أنه لا صحة على الإطلاق للتقرير الإخباري، ويطمئن الناخبين إلى أنه لن يكون ثمة تفكير ولو في هذه الفكرة مطلقًا.

يستخدم وكلاء المدعي العام ومحامو الدفاع في بعض الأوقات أساليب مماثلة؛ فقد يسربون تفاصيل تحقيق ما حتى عندما لا يكون لديهم دليل كافٍ لتوجيه اتهام؛ فهم يأملون أن تتسبب روايات الأخبار في ضغوط على الأشخاص الجاري التحقيق معهم أو أن تُشَجِّع شهودًا أكثر على التقدم للإدلاء بشهادتهم.34 أقر أحد وكلاء المدعي العام بأن الأشخاص العاملين في مكتبه «بالغوا إلى حد بعيد» حينما أخبروا المراسلين عن اعتداء مزعوم على الأطفال في إحدى الحضانات. فعلى سبيل المثال، قيل للمراسلين إن الأطفال قد استُغِلُّوا في ملايين الصور والأفلام الإباحية. وعندما أُحيلت القضية إلى المحكمة، اتضح أن الشرطة لم تعثر على أي صور أو أفلام على الإطلاق.35
عندما تذكر الشرطة أن شخصًا ما اعترف بجريمة ما، يفترض كثيرون أن القضية أُغلِقَت وأن الطرف المدان قد سُجن. غير أن كريستوفر هانسون — وهو مراسل سابق ويُدَرِّس أخلاقيات الصحافة في جامعة ماريلاند — نبه الصحفيين إلى أن وكلاء المدعي العام قد يسربون اعترافات «كشكل من أشكال التأمين؛ فإذا رفض القاضي قبول الاعتراف كدليل، يظل ثمة احتمال قائم وهو أن يكون أحد أعضاء هيئة المحلفين قد اطَّلَع على الأمر عبر باب خلفي.»36

الكثير من الاعترافات التي حظيت بتغطية إعلامية واسعة قد ثبت عدم صحتها. اهتمت وسائل الإعلام في شيكاجو بموضوع إخباري صادم جدًّا؛ فقد ادعت الشرطة ووكلاء المدعي العام أن صبيين — في السابعة والثامنة من عمرهما — قد اعترفا باغتصاب وضرب فتاة في الحادية عشرة من عمرها ضربًا أفضى إلى موتها، وبأنهما سرقا دراجتها بعد ذلك. وبعد شهور، أُسْقِطَت التهم الموجهة للصبيين. بدأت القضية تتداعى عندما توصل تحليل مختبري إلى سائل منوي في ملابس الفتاة الداخلية؛ مما يشير إلى أن الفتاة هوجمت من قِبَل معتدٍ أكبر سنًا، وليس من قِبَل الصبيين اللذين لم يصلا بعدُ إلى سن البلوغ. فلماذا اعترفا؟ لقد تعرَّض الصبيان للاستجواب بلا توقف على يد فرق من المحققين في غياب والديهما ومحاميهما.

في قضية أخرى، استخدمت صحيفة «شيكاجو تريبيون» دليل الحامض النووي (دي إن إيه) لتدحض أول اعتراف مسجل بالفيديو في الولاية بارتكاب جريمة القتل العمد. كان الموضوع الصحفي جزءًا من سلسلة فحصت آلاف قضايا القتل العمد خلال فترة ١٠ سنوات، ووجدت عددًا من الاعترافات المشكوك فيها. أُدلي بالاعتراف المسجل بالفيديو بعد أكثر من يومين من الاستجواب، وخلال اليومين اعتدى رجال الشرطة على المشتبه فيه بالضرب، وكذبوا عليه، وصرخوا في وجهه.37
إذا كان المراسلون يعرفون أن الاستعانة بمصادر غير مسماة يمكن أن تؤدي إلى أخبار مشكوك فيها، فلماذا لا يرفضون الانسياق وراء الأمر؟ أحد الأسباب هو الغريزة التنافسية لدى المراسلين للحصول على أخبار جيدة. أخبر الراحل آر دبليو آبل الابن من صحيفة «ذا نيويورك تايمز» كورتز قائلًا:
إن مهنتنا هي مهنة تنافسية، وإذا قال لنا شخص ما ممن يملكون صوتًا موثوقًا به إن قرارًا ما قد اتُّخِذ لفعل الشيء (س)، وتحققنا منه في بضعة أماكن أخرى، فسننشره. هكذا تفعل صحيفة «ذا واشنطن بوست»، وهكذا تفعل صحيفة «لوس أنجلوس تايمز». وستتعرض للاستغلال أحيانًا، وتفعل أقصى ما في وسعك لتتجنب التعرض للاستغلال، وذلك عن طريق اكتشاف الدافع والتحقق من الخبر من عدة زوايا.38

(٥) اتخاذ قرار بإخفاء الهوية

يفضل المراسلون كثيرًا أن يجروا مقابلات يمكن نشرها بالكامل؛ بمعنى أنه يكون بمقدورهم استخدام المعلومات واسم المصدر. وجد المراسلون أن الكثير من الناس الذين يتقدمون إليهم بمعلومات يرغبون حقًّا في أن يُنفسوا عما في صدورهم، وأن يتحدثوا دون إخفاء أسمائهم. لكن إذا كانوا يرفضون الإفصاح عن أسمائهم، لا يجد بعض المراسلين بُدًّا من اتخاذ قرار صعب، وخاصةً إذا ما كان المراسل في خضم المقابلة حينما يُطْلَب منه ذلك. يأخذ الصحفيون في الحسبان العديد من العوامل قبل حجب هوية المصدر، ويشمل ذلك ما يلي:

(٥-١) أهمية الخبر

حتى المحررون الذين يفضلون عدم الاستعانة بمصادر مجهولة الاسم يقرون بأن بعض الأخبار الكبرى لم تكن لتُذكَر مطلقًا لولا المصادر مجهولة الاسم. وعادةً ما يكون «دِيِب ثُرُوت» وفضيحة ووترجيت هما أكثر ما يُسْتَشْهَد به. في جميع أنحاء البلاد، كشفت مؤسسات إخبارية عديدة فسادًا وأعمالًا غير مشروعة؛ لأن المطَّلعين على بواطن الأمور كانوا على استعداد لإبلاغ المراسلين إذا ما عرفوا أن أسماءهم لن تُستخدَم.

(٥-٢) دوافع المصدر

أحيانًا يكون على المحررين فهم الأسباب التي من أجلها يرغب مصدر في أن تبقى هويته مجهولة؛ فقد تفقد بعض المصادر وظائفها، إذا ما تحددت هويتها. وفي حالات قليلة، قد تتعرض المصادر للإيذاء البدني أو حتى للقتل. ومن ناحية أخرى، قد تكون بعض المصادر تُصَفِّي حسابات قديمة أو تحقق تقدمًا في حياتها المهنية بينما تختبئ خلف ستار إخفاء الهوية. يزعم توم روزنستيل — مدير المؤسسة البحثية غير الربحية «مشروع الإجادة في الصحافة» — أن المراسلين «يخدعون القراء» عندما لا يذكرون أن المصدر قد يكون منحازًا أو لديه تضارب في المصلحة.39
راجعت مؤسسات إخبارية كثيرة قواعدها الأخلاقية لتشترط تقديم تفسير لسبب الاستعانة بمصادر سرية. عندما ذكرت صحيفة «أورلاندو سنتينل» أن عضوة مجلس النواب كاثرين هاريس أمرت موظفيها بدعم عطاء مقاول عسكري للحصول على أحد عقود وزارة الدفاع بعدما تلقت ترفيهًا ببذخ من جانب المقاول، احتاجت الصحيفة إلى فقرتين لتفسير الكيفية التي وجدت بها مصدرًا لخبرها:

تحدث الموظفان السابقان — اللذان كان كلاهما في ذلك الوقت عضوين من الأعضاء القدامى ضمن طاقم عمل هاريس — بشرط ألا يُذكر اسماهما. ما زال كلاهما يضطلع بنشاط سياسي في واشنطن، ويساورهما القلق من أن يضر الحديث إلى الإعلام بمسيرتهما المهنية.

أيد روايتيهما إد رولينز، كبير الخبراء الاستراتيجيين السابق لدى هاريس40

(٥-٣) غياب مصادر أخرى

من المرجح أيضًا أن يتحايل المحررون على القواعد إذا ما كانت المصادر المعتادة متحفظة دونما سبب معقول. إبَّان حرب الخليج، حاولت السلطات العسكرية الأمريكية الحد من التغطية الصحفية. ونتيجة لذلك، ازداد عدد الموضوعات الإخبارية التي تستعين بمصادر مجهولة الهوية في صحف كثيرة.41 في أحيان أخرى يقول المراسلون إنهم لا يملكون وقتًا لإيجاد مصادر تتحدث حديثًا يكشفون فيه عن أسمائهم. وحسبما قالت نينا توتينبرج من الإذاعة الوطنية العامة: «أنت تعمل في إطار أجل محدد، وتحتاج للمعلومات.» لذا فإن لدى المصادر القدرة على المطالبة بعدم استخدام أسمائهم.42

(٥-٤) حسب ظروف المنافسة

أيًّا كانت العواقب، تخفف بعض الصحف من قواعدها الأخلاقية عندما تكون بصدد المنافسة مع مؤسسات إخبارية أخرى حول أخبار كبرى. قال المحررون في صحيفة «سان بيترسبرج تايمز» — وهي صحيفة ملتزمة التزامًا شديدًا بالأخلاقيات — إن المنافسة بالإضافة إلى المسئولين الكتومين أفضيا إلى خرقهما لمبادئهما التوجيهية الصريحة المكتوبة حول المصادر غير المسماة، وذلك أثناء تغطيتهم لجرائم القتل العمد المصحوبة بالتشويه لخمس طالبات في جامعة فلوريدا. حافظت صحيفة «ذا فلوريدا تايمز يونيون» في مدينة جاكسونفيل على سياستها الملزمة للمراسلين بتوثيق كل المعلومات الواردة من مصادر غير مسماة، وأقر المحررون بأن تغطيتهم لم تكن بنفس جودة تغطية الصحف التي لديها قيود أقل.43

(٦) أنماط السرية

في بعض الأحيان، يدخل المراسلون في اتفاقات أخرى مع المصادر، بما في ذلك «ليس للنشر» و«عدم ذكر المصدر». إحدى المشكلات هي أنه ليس كل المراسلين يقصدون نفس الشيء عندما يستخدمون هذه المصطلحات؛ فيخلط كثيرون بين ما يُطْلَق عليه عادةً «دون الإشارة إلى المصدر» وبين «ليس للنشر». سيتأكد المراسلون الحريصون من أنهم ومصادرهم يفهمون الاتفاق قبل المضي قُدُمًا.

أحيانًا يتفق المراسلون والمصادر على أن مقابلة ما ستجري «دون الإشارة إلى المصدر»، وهو ما يعني أن المراسل يستطيع أن يذكر المعلومات ولكن لا يمكنه استخدام اسم المصدر. وبدلًا من ذلك، يكتب المراسل «وفقًا لأحد المسئولين الحكوميين» أو «وفقًا لمصدر قريب من التحقيقات.»

«ليس للنشر» تعني عادةً أن المراسلين سيستمعون للمعلومات ولكنهم سيعدون بعدم استخدامها. بعض المراسلين لا يمتنعون أبدًا عن النشر لأنهم لا يرون سببًا في جمع معلومات لا يمكنهم ذكرها. على الجانب الآخر، يعتقد آخرون أن الحديث مع الالتزام بعدم النشر يمنحهم في بعض الأحيان فهمًا أفضل للأخبار التي ينقلونها. وفي بعض الأحيان تصرفهم المعلومات التي ليست للنشر عن ارتكاب أخطاء سيئة.

من إحدى الحيل الصحفية القديمة أن تمتنع عن النشر مع أحد المصادر، وبعد ذلك تحاول إيجاد مصدر آخر سيؤكد المعلومات على نحو علني. وعلة هذا الأسلوب هي أنه إذا ظهر على المراسل أنه يعرف أكثر مما ينبغي بشأن ما يجري، فقد يفطن بعض المسئولين إلى أن شخصًا ما قد سرب المعلومات، وقد يخمنون هوية هذا الشخص. ينبه المراسلون الذين لديهم مراعاة للآخرين مصادرهم إلى أنهم قد يحاولون أن يستوثقوا من المعلومات التي ليست للنشر من مصادر أخرى. قال أليك كلاين — مراسل تحقيقات صحفية بارز بصحيفة «ذا واشنطن بوست» — إنه استبعد موادَّ من موضوعات صحفية — مواد حصل عليها من مصادر أخرى — لأنه اعتقد أن الشك قد يبدأ في مخامرة المسئولين الحكوميين بشأن من قد يكون مصدره المجهول.44
في بعض الأحيان قد يمتلك المراسلون مصدرًا ليس لديه الاستعداد لقول أي شيء مباشرةً. رغم ذلك، فإن المصدر سيؤكد معلومات تلقوها من مصادر أخرى. صاغ وودورد وبرنستين مصطلح «مصادر رفضت الكشف عن اسمها» للدلالة على هؤلاء الناس. «دِيِب ثُرُوت» كان مصدرًا رفض الكشف عن اسمه.45
يستخدم الصحفيون عبارة «للنشر دون الإسناد إلى مصدر محدد» بطريقتين: في بعض الأحيان تقدم المصادر للمراسلين معلومات لا يمكن تحديد مصدرها من شأنها أن تمنحهم فهمًا أفضل لأحداث إخبارية معقدة. أحد المراسلين قال إنه لو كُلِّف بكتابة تقرير صحفي عن «تعقيدات الحدود الدنيا والقصوى لسعر الفائدة المعروض بين البنوك في لندن»، فإنه سيتصل بمصدر بنكي كي يحصل على «دورة سريعة» في «كيفية عملها والمخاطر المنطوية عليها.» ويمكنه بعد ذلك أن يبدأ في كتابة التقرير الصحفي بدراية أكبر.46 ولا يُسنِد المراسل المعلومات إلى مصدر؛ لأن جانبًا كبيرًا منها سيكون من المعلومات الشائعة في هذا المجال.

في أحيان أخرى، تُعقد جلسات تقديم المعلومات الأساسية بين مراسلين وقادة حكوميين — في بعض الأحيان أثناء الإفطار — من أجل إجراء نقاش مفتوح حول الموضوعات. ويتفق المشاركون مقدمًا بشأن إذا ما كانت المعلومات ستصبح متاحة للنشر أم غير ذلك. الصحفيون منقسمون حول جدوى هذه الاجتماعات حينما لا تكون بغرض النشر. البعض يقول إنها فرصة طيبة للوقوف على ما يفكر به كبار المسئولين.

على الجانب الآخر، يعتقد آخرون أن اجتماعات تقديم المعلومات الأساسية تمنح الساسة ببساطة فرصًا لوضع أخبار دون تحمل مسئوليتها. حضر أحد مراسلي صحيفة «ذا نيويورك تايمز» — إلى جانب خمسة مراسلين آخرين — اجتماع معلومات أساسية مع الرئيس كلينتون في قاعة الخرائط بالبيت الأبيض. وقال إنه لو كان الاجتماع للنشر، لكان المراسلون قد سألوا كلينتون أسئلة صعبة حول بعض الأشياء التي كان يقولها، ولكانوا كتبوا أخبارًا تُنشر بالصفحات الأولى للصحف. ومع ذلك، «لم يكن ثمة فائدة من توجيه أسئلة صعبة؛ لأنه كان من شأنها أن تُغضِب الرئيس، ولن يكون بمقدورك استخدامها على أي حال.»47
طورت اجتماعات تقديم المعلومات الأساسية أسلوب الإسناد الخاص بها في واشنطن. عادةً ما يكون من المفهوم أن المعلومات والآراء التي يُعَبَّر عنها يمكن أن تُستخدَم ولكنها يجب أن تُسنَد إلى «مسئول كبير بالبيت الأبيض» أو «مستشار لوزير الخارجية» أو «أحد معاوني الكونجرس الرئيسيين» أو أي مسئولين آخرين. عندما كان هنري كيسنجر يشغل منصب وزير خارجية ريتشارد نيكسون، كثيرًا ما أجرى مقابلات كان يُعرَّف فيها بوصفه «مسئولًا رفيعًا بوزارة الخارجية، مسافرًا على طائرة وزير الخارجية.» وسريعًا ما عرف غالبية القراء شخصية المصدر.48
ابتكر المعاونون الصحفيون لقادة سياسيين آخرين طريقة أخرى لإخفاء الإسناد؛ فيُقال للمراسلين إن المعلومات يمكن أن تُستخدَم ولكن يجب أن يكون إسنادها على هذا النحو: «حسبما أخبر الرئيس أصدقاء له» أو يمكنهم أن يُوردوا تعليقات السياسي ولكن يجب أن يكتبوها وكأنهم يخمِّنون ما يفكر فيه الرئيس.49

(٧) المصادر السرية والمراسلون والسجن

استعان اثنان من مراسلي صحيفة «سان فرانسيسكو كرونيكل» بمصادر مجهولة الاسم لتقديم شهادة أمام هيئة المحلفين الكبرى قرنت تعاطي الستيرويدات (مُركَّبات عضوية منشطة محظورة) بالنجمين جيسون جيامبي لاعب فريق البيسبول نيويورك يانكيز وباري بوندز لاعب فريق جيانتس. عقب تقاريرهما، راجع مسئولو البيسبول سياساتهم الخاصة بالعقاقير، وبدأ الكونجرس تحقيقًا. حتى الرئيس جورج دبليو بوش — الذي كان مسئولًا تنفيذيًّا سابقًا بفريق البيسبول تكساس رينجرز — هنأ المراسلَين، قائلًا إنهما قد أديا «خدمة مهمة». رغم ذلك، طلب وكلاء المدعي العام الفيدرالي أسماء مصادر المراسلين. ولما رفضا، حكم قاضٍ فيدرالي عليهما بالسجن ١٨ شهرًا، وهي عقوبة أطول من العقوبة التي كان من المرجح أن يتلقاها أي من الأشخاص المتورطين في القضية الجنائية.

على الرغم من أن القضية ضدهما أُسقِطَت عندما اعترف محامٍ بأنه سرب المستندات، ما كانا ليصبحا أول مراسلين يذهبان إلى السجن لحماية مصادرهما. حُكِم على تيم روش — مراسل في الرابعة والعشرين من عمره — بالسجن ٣٠ يومًا في عام ١٩٩٣م لرفضه الكشف عن مصادر استعان بها في موضوعات صحفية كتبها عن معركة حضانة طفل تولى تغطيتها لحساب صحيفة «ذا ستيوارت نيوز» بولاية فلوريدا. قالت الأم الحاضنة للطفل إن موضوعاته الصحفية الاستهلالية بشأن القضية قد تكون ساعدت في إنقاذ حياة الطفل، الذي كان سيُرَد إلى بيت كان يتعرض فيه للإيذاء.50 وتعرض تيموثي فيلبس من صحيفة «نيوزداي» ونينا توتينبرج من الإذاعة الوطنية العامة للتهديد باتهامها بازدراء الكونجرس عندما رفضا تحديد هوية مصادرهما التي استخدماها للكشف عن ادعاءات أنيتا هيل بالتعرض للتحرش الجنسي من جانب المرشح لمنصب قاضي المحكمة العليا كلارينس توماس.51
كما في قضية تعاطي الستيرويدات، ينجو المراسلون في بعض الأوقات من السجن عندما يُفصح مصادرهم عن هويتهم للسلطات المعنية. حُكِم على سوزان وُرنيك — مراسلة لحساب قناة «دبليو سي في بي» التليفزيونية في بوسطن — على يد قاضٍ بالسجن ثلاثة شهور بعدما رفضت الامتثال لأمره لها بذكر اسم شاهد العيان الوحيد على عملية سطو على صيدلية. قالت وُرنيك للقاضي إنها تعهدت لشاهد العيان بالسرية لأنه خشي من انتقام الشرطة؛ فقد كان يُزعَم أن السطو ارتُكِب على يد أعضاء في قوة شرطية بمدينة رفير بولاية ماساتشوستس. وبعد أن تقدم الرجل وأدلى بشهادته أمام هيئة محلفين كبرى، سحب القاضي حكمه بالازدراء ضد المراسلة.52

ليست كل الأخبار التي يمكن أن تؤدي بمراسلين إلى السجن هي أخبارٌ تُنقِذ أطفالًا من إساءة المعاملة، أو تحمي الناس من ضباط شرطة فاسدين، أو تُشكِّك في نزاهة مرشح للمحكمة العليا؛ فأول مراسلة في العصر الحديث تُسجَن لتحمي مصدرًا كانت ماري توري، الناقدة الإذاعية والتليفزيونية لصحيفة «نيويورك هيرالد تريبيون» التي كانت تصدر قديمًا. وفي عام ١٩٥٨م، رفضت الإفصاح عن هوية مسئول تنفيذي بشبكة «سي بي إس» كانت قد اقتبست منه في عمودها ما مفاده أن جودي جارلاند — الممثلة التي لعبت دور دوروثي في فيلم «ذا ويزارد أوف أوز» — كان يجري استبعادها من برنامج تليفزيوني لأنها كانت مفرطة البدانة.

تعتقد مؤسسات إخبارية كثيرة أن المصادر المجهولة هي أمر أساسي للصحافة حتى إنها سعت إلى سن قوانين لحماية المراسلين من أن يُضطروا إلى الإفصاح عن هوية مصادرهم. نحو نصف الولايات لديها قوانين حماية، وهذه القوانين تتباين تباينًا كبيرًا في فاعليتها. في الولايات التي ليس بها قوانين حماية، عمِل القضاة بموجب إما القانون العادي أو النصوص الواردة في دساتير الولاية لمنح بعض الحماية للصحفيين.53
الاستعانة بمصادر سرية يمكن أن تتسبب أيضًا في مشكلات قانونية أخرى؛ فقد تواجه المؤسسات الإخبارية صعوبة في كسب دعاوى التشهير إذا لم تشهد المصادر في المحكمة. في بعض الصحف، يتشاور المحررون مع قضاة مختصين في دعاوى التشهير قبل استخدام موضوعات إخبارية تستند على مصادر مجهولة، ويطلب كثيرون منهم من المراسلين أن يجعلوا المصادر توافق على ذكر الصحيفة لأسمائهم إذا ما تورطت الصحيفة في دعوى تشهير.54

(٨) سيناريوهات للمناقشة

تعتمد السيناريوهات التالية على خبرات المراسلين والمحررين، ولقد عُدِّلَت من أجل المساحة والتأثير. في غالبية هذه المواقف، سيلتمس المراسل المشورة من محررٍ، وسيكون من شأن المحررين أن يتخذوا القرار النهائي. بَيْد أن المُدخَلات الرئيسية ستأتي من المراسل، والمحررون الجيدون سيستمعون مليًّا للمراسلين قبل اتخاذ قرار. في بعض الحالات، ستكون بحاجة أحيانًا لأن تتأكد مما فعله المحررون الحقيقيون. ذلك لا يعني أنهم فعلوا الأمر الصائب، ولكن يمكنك مقارنة أفكارك بأفكارهم.

(٨-١) سيناريو المصادر السرية الأول: السيناتور المغتصِب

يخوض عضو في الكونجرس الأمريكي المنافسة لإعادة انتخابه، ومن المرجح فوزه. ولبضع سنوات، عرفتَ أن ثماني نساء على الأقل اتهمنه بالاعتداء الجنسي عليهن، ومن بينهن واحدة تقول إنه اغتصبها. راجعتَ أنت ومحررون آخرون رواياتهن قدر استطاعتكم، ولكنكم لا تستطيعون تأكيد التهم الرئيسية نفسها لأنها وقعت بمنأى عن الأنظار.

المشكلة كانت أن النساء لم يُرِدْن أن يُتعَرَّف على هويتهن؛ فكلهن كنَّ عضوات في الحزب الديمقراطي يكسبن عيشهن كعضوات لجماعات حشد التأييد وموظفات بدوام كامل في الحزب الديمقراطي. كن سيفقدن أعمالهن إذا ما عُرِف أنهن تسببن في سقوط واحد من مسئولي الحزب المنتخبين.

تنتهج صحيفتك سياسة صارمة نحو استخدام اتهامات وُجِّهَت عن طريق مصادر مجهولة أو مصادر لن يواجهوا الأشخاص الذين يتهمونهم. ولكنك تفكر في التوجه إلى مدير التحرير وسؤاله عما إذا كانت هذه الحالة يمكن أن تكون استثناءً للقاعدة. ما العناصر التي ستأخذها في الحسبان قبل أن تقرر؟ هل ستفعل هذا؟

فلتفترض — سواء كنت توافق على فعل ذلك أم لا — أن مدير التحرير يقرر أنه يريد أن ينشر الموضوعات الصحفية بمصادر مجهولة. هل ستؤيد نشر الموضوعات قبل الانتخابات أم الانتظار إلى ما بعد الانتخابات؟ في كلتا الحالتين، سوف تُغْضِب أشخاصًا سيتهمون صحيفتك بالتأثير على نتيجة الانتخابات، أو سيقولون إنك حجبت معلومات ذات صلة كان يمكنهم الاستعانة بها في اتخاذ قرار كيفية الانتخاب. (قرارات الصحيفة في نهاية الكتاب.)

(٨-٢) سيناريو المصادر السرية الثاني: السجناء ولعبة الكراسي الموسيقية

سجن المقاطعة هو مبنًى قديم ليس مصممًا ليلبي احتياجات مجتمع آخذ في النمو. واجه السجن انتقادات في تقارير رسمية بأنه مكتظ منذ عامين على الأقل، وهددت هيئة تابعة للولاية بسحب أهليته. لم يعطِ مفوضو المقاطعة أولوية كبيرة لإصلاحات السجن في ميزانية المقاطعة.

تقدم إليك اثنان من قدامى الحراس، يودان أن يخبراك عن الأحوال في السجن والوسائل التي تخفي بها سلطات السجن حالة التكدس، ولكن لا يمكنهما الكشف عن هويتهما؛ فمن شأن هذا أن يسبب لهما مشكلات في السجن. وبالإضافة إلى ذلك، هما قد عملا مع مسئولي السجن لسنوات طويلة، ويريان أنهما شخصان صالحان يتعاملان مع مَهمة مستحيلة. تطوع أحدهما بقوله إنك إذا وافقت على ألا تُعلن عن هويتهما، فإنهما سيصفان لك «لعبة الكراسي الموسيقية بالسجناء». عندما يتحقق المفتشون لمعرفة إذا ما كان السجن مكتظًّا، يتعين على الحراس نقل العدد الزائد من السجناء من قسم بالسجن إلى قسم آخر حتى يكونوا بعيدين عن أعين المفتشين.

إنه موضوع صحفي مشوق. هل تمتنع عن الإفصاح عن المصدر؟ هل الاستعانة بمصادر مجهولة هنا أمر مناسب؟ (قرارات الصحيفة في نهاية الكتاب.)

(٨-٣) سيناريو المصادر السرية الثالث: المنتهكون لحقوق النشر

تقرر الجامعة المحلية بالولاية أن تغلق كل مختبرات الكمبيوتر الخاصة بالطلاب في الحرم الجامعي لأنها مكلفة جدًّا، وعوضًا عن ذلك، توجب على الطلاب أن يمتلكوا أجهزة كمبيوتر محمولة، ولكي تجعل الكلية مشاركة الملفات أسهل، تُلزم الجميع باستخدام نفس برمجيات معالجة النصوص والجداول الإلكترونية، إلخ. وللأسف، تأتي غالبية أجهزة الكمبيوتر مشتملة على نسخة أولية جدًّا من البرنامج؛ وعلى ذلك، يحتاج آلاف الطلاب إلى شراء البرامج المكلفة.

صمم المُصنِّع البرنامج بحيث لا يمكن نسخه إلا مرة واحدة فقط. رغم ذلك، اكتشفت مجموعة من طلاب علوم الكمبيوتر المتحلِّين بروح المبادرة طريقة لتجاوز النظام الذي وضعه المُصنِّع، وتمكنوا من فعل نفس الشيء مع برمجيات أخرى توجب الجامعة استخدامها مثل برامج للرسم وإنشاء الصفحات والإحصاءات، إلخ. ولا يطلب الطلاب مقابلًا لعملهم. على العكس من ذلك، طبعوا عشرات الأقراص المدمجة التي يتداولها الطلاب بتلهف في الحرم الجامعي.

  • الجزء الأول: من خلال أصدقاء، تكتشف هوية الطلاب، وترتب لإجراء مقابلة معهم، وتعتقد أنه موضوع صحفي عظيم. ومع ذلك، فإنهم لا يريدون لأسمائهم أن تُستَخدَم. وإذا كنت ستلتقط صورًا، فهم يريدون أن يتأكدوا أن وجوههم ليست ظاهرة. هل توافق؟
  • الجزء الثاني: ما إن يظهر الموضوع الصحفي، حتى تتصل بك شرطة الحرم الجامعي، وتريد أن ترى الصور التي التقطتها، وأن تحصل على أسماء الطلاب؛ فالطلاب يخرقون القانون. كل المواطنين ينبغي عليهم مساعدة الشرطة لإنفاذ القانون. كما تتصل بك محامية تمثل المُصَنِّع، تريد أن تعثر على الشبان وأن تمنعهم من انتهاك حقوق النشر الخاصة بالشركة. فلتفترض أن قوانين الحماية بولايتك ليست هي الأفضل: هل تكشف هوية الطلاب؟ هل تغير رأيك عندما يبدأ المحامون في الحديث عن كَمْ قد تطول مدة إقامتك بسجن المقاطعة؟

(٨-٤) سيناريو المصادر السرية الرابع: الطلاب والإداريون الصامتون

كان الأمر عبارة عن خطأ بيروقراطي كبير. تُجري الجامعة الشاسعة التابعة للولاية التي تقوم بتغطيتها إخباريًّا، تحديثًا لبرمجياتها لتُدمِج سجلات الدرجات والإعانات المالية وبيانات الطلاب الأساسية ومعلومات أخرى في قاعدة بيانات موحدة. ومن شأن النظام الجديد أن يضمن أن تُقدَّم الإعانات المالية وتصدر شيكات المِنح في موعدها، وأن تُحَدَّث سجلات الطلاب الدراسية أولًا بأول. وعندما جعلت الجامعة النظام الجديد متاحًا على الإنترنت، بدا أنه يعمل على نحو رائع؛ فالدرجات كانت تُسجَّل سريعًا، وإعانات الطلاب المالية لم تتأخر، كما كان يحدث في السابق. ومع ذلك، بعد بضعة أيام، بدأت الشكاوى تنهمر.

لسبب ما، خلطت البرمجية بين الطلاب الذين كان يُفترض إخطارهم بأنهم ضمن قائمة الطلاب المتفوقين مع الطلاب الذين رسبوا. ألف طالب تقريبًا — إضافة إلى آبائهم في بعض الأحيان — تلقَّوْا خطابات تُعْلِمُهم بأنهم لم يتمكنوا من التسجيل في المقررات الدراسية. كانت المشكلة مُرَكَّبة لأن النظام أخطر أيضًا هيئات الإعانة المالية والمنح الطلابية وبعض المتبرعين بالمنح الدراسية. أقر ممثل الجامعة بالمشكلة، وكانت الجامعة تحاول إخطار الجميع بشأن الأخطاء، إلا أن استخراج الإشعارات كان سيستغرق بعض الوقت.

أنت تريد اكتشاف التأثير الذي أحدثه الخلط. متدربون في مؤسستك الإخبارية كانوا على معرفة ببعض الطلاب الذين أُضيروا، وعندما لم تصل الإعانات وشيكات المنح، واجهوا مشكلة الشيكات المرتجَعة ورسوم التأخر في السداد ومشكلات مالية أخرى. خسر أحد الطلاب حتى حينه أكثر من ١٠٠٠ دولار بسبب الخلط، وطلاب آخرون لم يتكبدوا خسائر مالية، ولكن لم يُسمَح لهم بالتسجيل، والآن استكملتْ بعضُ المقررات الدراسية التي رغبوا في الالتحاق بها عددَ طلابها.

  • الجزء الأول: تُقرر أن تتصل ببعض الطلاب. تقول المرأة التي عانت معاناة كبيرة إنها سوف تتحدث، ولكنها لا ترغب في أن يُستخدَم اسمها. يقول طالب آخر إن تخرجه سيتأخر لفصل دراسي؛ مما يعني أنه سيُضطر إلى تقديم طلب جديد للالتحاق بكلية الطب: «لقد حالفني الحظ بالالتحاق هذا العام.» كما يقول. «من يعرف ماذا سيحدث في العام القادم؟» هو أيضًا يطلب منك ألا تستخدم اسمه.

    ما الأمور التي تنظر فيها قبل أن تقرر إذا ما كنت ستستشهد بأقوال هؤلاء الطلاب دون الإشارة إلى أسمائهم؟

  • الجزء الثاني: المسجل المساعد المسئول عن سجلات الكمبيوتر يقول إنه سوف يشرح بدقة ما حدث وأسباب فشل النظام، إلا أنه لا يريد لاسمه أن يُستخدَم. ما الأمور التي تنظر فيها قبل أن تقرر إذا ما كنت ستستشهد بأقواله دون الإشارة إلى اسمه؟

هوامش

(1) Evan Thomas, “How a fire broke out,” Newsweek, May 23, 2005.
(2) Ibid.
(3) Tim Porter, “First draft,” posted at www.timporter.com, May 16, 2005.
(4) “CBS names memo probe panel,” CBSnews.com, posted September 22, 2004, and “CBS statement on Bush memos,” CBSnews.com, posted September 20, 2004.
(5) Dan Barry, David Barstow, Jonathan D. Glater, Adam Liptak, and Jacques Steinberg, “Correcting the record: Times reporter who resigned leaves long trail of deception,” The New York Times, May 11, 2003, and Blake Morrison, “Ex-USA TODAY reporter faked major stories,” USA Today, March 19, 2004.
(6) Al Neuharth, “The evil of journalism: Anonymous sources,” USA Today, January 16, 2004.
(7) Ibid.
(8) Joe Strupp, “Losing confidence,” Editor and Publisher, July 1, 2005.
(9) Scott Reinardy and Stephanie Craft, “How journalists view the prevalence and acceptability of problematic practices,” a paper presented at the AEJMC convention in Toronto, 2004.
(10) B. P. Hussel, “Before Watergate, beyond Jimmy’s world,” paper presented to the AEJMC convention, 1996.
(11) See “Reporting in an ear of heightened concern about anonymous sources,” Nieman Reports, Summer 2005.
(12) Alicia Shepard, “Anonymous sources,” American Journalism Review, December 1994.
(13) Miglena Sternadori, “Use of anonymous, government and other types of sources in newspaper investigative stories,” paper presented at the AEJMC convention in San Antonio, 2005.
(14) Tom Rosenstiel, State of the News Media Report 2006, Project for Excellence in Journalism, posted on its Web site at http://www.stateofthenewsmedia.com.
(15) David Crary, “Survey shows many newspapers never permit use of anonymous sources,” AP story posted on the APME Web site and on the AP State and Local Wire, June 17, 2005.
(16) Martin Renee and Esther Thorson, “Says who? Examining the use of anonymous sourcing in news stories,” paper presented at the AEJMC convention in San Antonio, 2005.
(17) Joe Strupp, “Wash. Post changes guidelines on quotes,” Editor & Publisher, Feb. 19, 2004; Crary, op. cit.; and “Reporting in an ear of heightened concern about anonymous sources,” Nieman Reports, Summer 2005.
(18) Randy Dotinga, “Off the record, newspapers have a problem,” Christian Science Monitor, May 25, 2005.
(19) Rachel Smoklin, “69% A source of encouragement,” American Journalism Review, August/September 2005, pp. 30–32.
(20) Pew Research Center for the People and the Press, “Split over anonymous sources,” part of “Public more critical of press, but good will persists,” www.people-press.org, June 2005.
(21) Ryan Pitts, “Readers describe use of anonymous sources as ‘double-edge’ sword,” APME National Credibility Roundtables Project, www.apmecredibility.org, posted June 17, 2005.
(22) Ben H. Bagdikian, “When the Post banned anonymous sources,” American Journalism Review, August 2005.
(23) Ted Vaden, “’Anonymice’ menace papers’ credibility,” The News & Observer, March 6, 2005, revised October 24, 2005.
(24) Interview by Goodwin, October 5, 1981.
(25) Interview by Goodwin, October 16, 1981.
(26) Interview by Goodwin, October 6, 1981.
(27) Jean C. Chance and Connie Bouchard, “The Gainesville slayings: A study in media responsibility and unnamed sources,” paper presented at the AEJMC Southeast Colloquium at the University of Alabama, March 25–27, 1993, p. 14.
(28) Eleanor Randolph, “Journalists face troubling questions about leaks from criminal probes,” The Washington Post, August 12, 1989.
(29) “The Times and Iraq,” The New York Times, May 26, 2004, and Daniel Okrent, “The public editor: Weapons of mass destruction? Or mass distraction,” The New York Times, May 30, 2004.
(30) Doris Graber, Mass Media and American Politics, Washington: CQ Press, 1989, p. 254.
(31) “Lesson on flacking for government,” The New York Times, August 30, 1984.
(32) Howard Kurtz, Spin Cycle: Inside the Clinton Propaganda Machine, Glencoe, IL: The Free Press, 1998.
(33) Quoted in “The tangled webs we weave,” CBS PublicEye, April 18, 2006.
(34) For an example of this, see Rosenstiel, op. cit. or Randolph, op. cit.
(35) David Heckler, “Danger ahead: Sex abuse cases,” Washington Journalism Review, September 1991.
(36) Christopher Hanson, “Weighing The Costs Of A Scoop,” Columbia Journalism Review, January/February, 2003.
(37) Kirsten Scharnberg and Steve Mills, “DNA voids murder confession,” Chicago Tribune, January 5, 2002
(38) Quoted by Howard Kurtz, “Sez who?” The Washington Post, March 7, 1993.
(39) Howard Kurtz, “The stream of anonymous sources,” The Washington Post, August 8, 1998.
(40) Jim Stratton, “Contractor’s deal was Harris priority, former staffers say,” Orlando Sentinel, May 4, 2006.
(41) William Blankenburg, “The utility of anonymous attribution,” Newspaper Research Journal, Winter/Spring 1992.
(42) Quoted by Kurtz, “Sez who?”
(43) Chance and Bouchard, op. cit.
(44) Alex Klein, “Investigative reporting: Journalism of compassion,” posted at www.businessjournalism.org, March 20, 2006.
(45) Carl Bernstein and Bob Woodward, All the President’s Men, New York: Simon and Schuster, 1974, p. 71.
(46) Gary Ruderman, “Off-the-record comments should be just that,” Solutions Today for tomorrow’s Ethical Problems, Chicago: Society of Professional Journalists, October 1989, p. 8.
(47) Kurtz, Spin Cycle, pp. 40-41.
(48) Walter Isaacson, “The ‘senior official,”’ Washington Journalism Review, November 1992.
(49) Kurtz, Spin Cycle.
(50) “Reporter decides to serve jail time,” St. Petersburg Times, March 11, 1993, and “Protecting a principle,” St. Petersburg Times, March 11, 1993. Background to the case is in Bruce Sanford and Anne Noble, “Threats escalate to strip confidential sources from the reporter’s tool kit,” Quill, April 1992.
(51) “I’ll shield sources, reporter vows,” Newsday, February 14, 1992, and “NPR reporter won’t reveal sources,” The Washington Post, February 25, 1992.
(52) “Source saves reporter from jail term,” News Media and the Law, Summer 1985.
(53) Ralph Holsinger, Media Law, New York: Random House, 1987.
(54) “Confidential sources,” Freedom of Information Annual Report 1979, APME, pp. 4-5.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤