الفصل الأول

مصدر القوانين والأوهام الاشتراعية

ينم كثير من الحوادث السياسية على تفتح عدد قليل من المبادئ التي تأصلت في النفوس، واعتقاد سلطان القوانين المطلق هو من أشد هذه المبادئ تأثيرًا.

وفي فرنسا جمهور كبير من الناس يزعم أنه تخلص من ربقة كل معتقد ديني، وأنه يجحد الآلهة ويستهزئ بالخرافات والأساطير ولا يخشى غير نبوآت المنومين تنويمًا مغنطيسيًّا أو تأثير العدد الثالث عشر، غير أنه لا شيء أصعب في فرنسا — التي قيل إنها بلاد حرية الفكر — من مصادفة أناس يشكون ولو قليلًا في قدرة الدساتير والقوانين، فكل فيها يعتقد أن النصوص الاشتراعية قادرة على إصلاح حال الشعب الاجتماعية، وأنها تستطيع إغناء الفقير على حساب الغني والمساواة بين الناس في معايشهم ونشر ألوية السعادة في العالم.

إن المذهب القائل بسلطان القوانين هو المذهب الوحيد الذي يقدسه أصحاب العلوم النظرية على وجه التقريب، فلو دققنا في حقائق الأمور لرأينا جميع أحزابنا مُجمِعة على عدِّه مثالها الأعلى، فكل منها يسعى وراء إصلاح المجتمع بقوة النظم والمراسيم، ويلح على الحكومة في التدخل في حياة الأفراد الاجتماعية، ولا أحد يعلم إذا ساقته المصادفة إلى الاجتماع بفرنسي أن هذا الفرنسي متدين أم غير متدين، وإنما يحق له أن يعتبره حكوميًّا على كل حال.

واعتقاد تأثير القوانين المطلق من أعظم العوامل في تاريخنا، فقد كان رجال الثورة الفرنسوية مقتنعين بأن المجتمع يتم إصلاحه بقوة الأنظمة، وما لبثوا أن ألهوا العقل الذي كانت المراسيم تعلن باسمه.

وهنالك أسباب كثيرة جعلت الأمم ذات الأفكار الدينية النامية تبحث عن الوسائل التي تعالج بها أمراضها الاجتماعية، ومنها أن هذه الأمم لما أيقنت أن مطالبة الرب بالمعجزات لا تجدي نفعًا أخذت تطالب بها المشترعين، فأحلت بذلك قدرة القوانين محل قدرة الآلهة.

والفشل الذي أصاب القوانين التي سُنَّت بمؤتمر شعبي لم يضعضع إيمان الناس بقدرتها، فقد حافظت على نفوذها الذي ضارعت به مذاهب الأديان، وهي كالآلهة تأمر دون أن تفسر ما تأمر به، والأمر يفقد حرمته إذا فُسِّر كما هو معلوم.

والقول إن القوانين تصلح المجتمع هو — كما بيَّنت آنفا — من أعظم الأغلاط التي سجلها التاريخ، فقد مات في سبيله عدة ملايين من البشر ميتة بؤس وشقاء، ونالت يد التخريب كثيرًا من المدن الزاهرة، وغابت عن الوجود دول عظيمة، ومع ذلك يحافظ الوهم المذكور على سلطانه أكثر منه في أي وقت.

وقد سعى بعض الفلاسفة في إثبات خطل ذلك، وما آلوت جهدًا في كشف القناع عن حقيقة الأمر في كثير من مؤلفاتي، ولا سيما في كتاب «سر تطور الأمم»، ولكن ماذا تفعل الكتب في جموع متقلبة لا تلقي سمعها إلى غير زعمائها المشاغبين المداهنين؟

•••

يعتقد المشترع قدرة القوانين الخارقة فتراه يشترع لمعالجة ما خفيت عليه علله من الأمراض الاجتماعية الظاهرة، هو يشترع ويسرف في الاشتراع كلما رأى القوانين التي وضعها غير شافية أو أتت بنتائج مخالفة للمقصود، ثم يشترع فيشتد هيجانه فيستوضح الوزراء، ويعين لجانًا لتراقب تطبيق المراسيم، ويتدخل في أدق أمور الإدارة بلا ملل، وهكذا يسير نظامنا النيابي نحو نظام يذكرنا بنظام دور العهد، ويثبت لنا أن الأمم اللاتينية لا تتحرر من استبداد إلا لتدخلَ في ربقة استبداد آخر، وأن حكم الجماعات المطلق فيها يحل بالتدريج محل حكم الأفراد.

ومن يطالع تاريخنا يجده مفعمًا بنتائج مخربة نشأت عن قوانين لم يقصد المشترعون بوضعها سوى النفع العام، فلقد ظنت حكومة الجمهورية في ١٨٤٨ أنها أحسنت صنعًا عندما سنت قوانين للعمال، وأنشأت مصانع وطنية يكسب منها أبناء البلاد العاطلين عيشهم، ولكن حينما أكرهتها مقتضيات الاقتصاد المهيمنة على إغلاق تلك المصانع نشبت ثورة دامية أدت إلى قتل كثير من النفوس، ومن نتائج ذلك أيضًا إعادة النظام الإمبراطوري، ومن المصائب التي جرها هذا النظام انكسارنا في (سيدان) وغزو الأجنبي بلادنا.

وما أشأم فصيلة محبي الإنسانية! فبتأثيرهم تسن القوانين الخطرة في الغالب، والتدابير الاشتراعية التي أدت إلى نتائج منافية لما قصده المشترعون لا تحصى، فمنها قوانين جوائز الملاحة التي أوجبت انحطاط أسطولنا التجاري كما سيأتي بيانه، وبفعل المبدأ الذي نعزو به إلى القوانين قدرة مطلقة نرى أن نطبق أنظمتنا الخاصة على جميع الأمم التي دخلت في ذمتنا غافلين عن أن هذا النهج سوف يقضي على حياة مستعمراتنا قضاءً مبرمًا.

واعتقاد اللاتين قدرة المراسيم على تحويل الأمور يسوق المشترعين — بضغط من الشعب ذي العزائم المتقلبة — إلى سن قوانين ثقيلة الوطأة غير مبالين بما فيها من ظلم وإجحاف. فبعد أن تراءى لصنوف العمال مال اليسوعيين الذي قُدِّر بمليار فرنك اضطر البرلمان إزاء عجيج الغوغاء إلى وضع قانون للاستيلاء على هذا المليار، وقد أوجد المشترعون بهذا العمل الوحشي ذي الحيف الفاضح سابقة مروعة في البلاد، فلتلق مصادفات الانتخاب مقاليد الأمور إلى الاشتراكيين الثوريين في أحد الأيام لنرى كيف تعلموا من تلك السابقة نزع أموال بعض طبقات الأمة في سبيل البعض الآخر، متعللين بمبدأ قدرة الحكومة المطلق أي مبدأ حق الأقوى.

ولم يتخلص مجتمعنا ولو قليلًا من الفوضى التي أوجبتها مراسيم مشترعينا إلا لتعذر تطبيقها في كل وقت، فكل قانون يستلزم إيجاد جحفل من الموظفين؛ ليقوموا بتنفيذه ثم إنفاق رواتب وافرة على هؤلاء الموظفين، ولقد ترددت الحكومة في تكوين جيش مؤلف من خمس مئة ألف مفتش للمحافظة على قوانين العمل، فأنقذت هذه الاستحالة العددية وحدها صناعتنا من الانحطاط الكبير الذي يؤدي إليه تدخل الموظفين في أمور المصانع.

ومن جهة أخرى نرى الحكومة نفسها تعدل عن قوانين يتعذر تطبيقها لخرق جميع الناس حرمتها؛ ولأن الجرم إذا عم ينقلب إلى حق. على هذا الوجه حبطت المراسيم التي وضعت لعرقلة المضاربات المالية والشركات المغفلة (آنونيم) وسائر العقود الناشئة عن التحول الاقتصادي الحديث.

نستنبط من الملاحظات السابقة أن الإصلاحات يجب أن لا تسن من قبل المجالس الاشتراعية، وأنه يجب على أولي الأمر أن يظلوا مكتوفي الأيدي إزاء جريان الأمور، نعم إن بقاء مشترعي سنة ١٨٤٨ مكتوفي الأيدي كان أفيد من وضعهم قوانين مضرة كما وصفنا، إلا أن هذه النتيجة لا تطبق على جميع الأحوال، فهنالك قوانين كثيرة النفع إذا صدرت عن ضرورات مهيمنة مستقلة عن إرادة المشترعين.

ومن يود أن يعرف ماذا يجب عمله وما لا يجب عمله في أمر القوانين، فليبحث عن كيفية تكوينها، ولنيل هذه الغاية نشير قبل كل شيء إلى أن الأمة لا تقدر على الانتفاع بدساتير أمة أخرى وقوانينها إذا تباينت أفكار الأمتين ولو كانت تلك الدساتير والقوانين غاية في الكمال، وعلى ذلك أرى الفقهاء بمحاولتهم إقناع الناس بأن بعض البلاد اقتبست من الرومان حقوقهم، وبأن بلادًا أخرى اقتبست من الإنكليز دستورهم، يدلون على قصر باعهم في علم النفس، وإذا حدث أن أمة — كالأمة الألمانية مثلًا — اعتنقت الحقوق الرومانية لا تلبث هذه الحقوق أن تصبح مختصة بتلك الأمة، وعلى رغم اتخاذ كثير من الشعوب قانون الإنكليز الأساسي دستورًا لها لا نتذكر أن أحدها استطاع أن يطبق ذلك الدستور.

•••

تكوين أحد الحقوق لا يتم إلا إذا اجتاز ثلاث مراحل؛ وهي العادة والقضاء والقانون، ولا تكون مداخلة المشترع مفيدة إلا في المرحلة الثالثة أعني مرحلة القانون، وفي الغالب يقتصر القانون على جميع العادات وإفراغها في قالب المواد، وبهذا يتجلى شأنه الحقيقي، فلو دققنا في قانوننا المدني — وقد زعم الكثيرون أنه من مبتكرات مجلس الفقهاء الذي كان يرأسه نابليون — لرأيناه عبارة عن عادات فرنسوية جُمعت على شكل قانون، وأنه الطور الأخير لانتحاء بلادنا نحو الوحدة القضائية؛ أي أنه ليس بالحقيقة قانون الحال بل قانون الماضي.

والعادة تنشأ عن مقتضيات الاجتماع اليومية صناعية كانت أم اقتصادية، والقضاء يعينها والقانون يؤيدها، وما يؤيده القانون فهو طور الحال الاجتماعي، ولما كان نشوء الحضارات — ولا سيما الحضارات الحاضرة — أسرع من نشوء القوانين، فالقضاء يتدخل ليعدل هذه حسب ما تقتضيه العادات الجديدة.

وفي البلاد التي يظهر أن القاضي فيها مقيد مكره على مراعاة نصوص القانون في أحكامه، يجب على القانون أن يسير فيها مع العادة متحولًا بتحولها، وأما البلدان التي يكون فيها القاضي طليقًا كإنكلترة فلا احتياج لمس قوانينها، فالقاضي نفسه يراعي في تطبيقها تحول الأمور.

والقضاء — وهو يعين العادات — يكون عند جميع الأمم أعظم شوكة من القوانين؛ لأن تجدد الاحتياجات الاجتماعية أسرع من تجدد الشرائع والقوانين، فمع أنه لم يكن بين الشعوب من يداني الرومان احترامًا لنصوص الشرائع «نرى القانون الذي أيد في تطبيقه تأييدًا قضائيًّا لم يفرط — كما قال (كرويه) — في تجاوز حد نصوصه كما أفرط في روما، ولم تخالف شريعة مكتوبة في الحكم بين الناس كما خولفت شريعتها، وذلك لم يمنع الناس في الوقت الحاضر من عدهم حقوق روما التي تختص بمجتمع ميت نموذج اشتراع عام خالد!».

ثم إن المجتمع الذي تظل حقوقه جامدة غير متجددة يغيب عن الوجود بسرعة، وهذه حال لم تحدث قط، حتى إن الشريعة الإسلامية التي عين القرآن حدودها لم تلبث أن تجاوزت تلك الحدود، وكيف تظل الحقوق ثابتة وكل شيء يتغير في أطرافها تغيرًا يجعل تطبيقها أمرًا مستحيلًا؟ قد يستمر الناس على احترام نصوص الشريعة، ولكنهم سرعان ما يكفون عن مراعاة أحكامها، فقد كان الرومان يمجدون قانون الألواح الاثني عشر دون أن يطبقوها، وكذلك المسلمون الذين يقدسون القرآن يحولون أحكامه بما يأتون به من تفسير وتأويل.

وهكذا يتحول القضاء بتحول العادات مستقلًّا عن القانون وأحيانًا ضد القانون، وما كان القانون في أي زمن من القوة بحيث يقف أمام العادة، قال الأستاذ (دركيم): «لو طوحت بنا الحياة العائلية إلى مسافحة ذوي القربى لما استطاع المشترع أن يحول دون ذلك»، ولا شيء أفصح من هذا القول، فأي محكمة تجرؤ اليوم أن تحكم على رجل قتل خصمه في مبارزة بالأشغال الشاقة كما يأمر القانون؟ ومع أن القانون يحرم الطرح عدل القضاة عن الادعاء على المذنبة لما رأوا المحلفين يبرئونها على الدوام، فليس على القضاة أن يلزموا الناس قواعدهم الحقوقية، بل عليهم أن يسيروا كما تمليه عليهم مشاعر المجتمع.

ولولا القضاء الذي يسير مع تقلبات العادة لأصبح القانون ظالمًا في نهاية الأمر، فالقضاء على الخصوص هو الذي يحرر زوجة النوتي الذي انقطع خبره في سياحة بعيدة من الترمل الأبدي الذي يأمر به القانون عندما يتعذر عليها إبراز وثيقة خطية دالة على وفاة زوجها، والقضاء أيضًا هو الذي يكره المغوي على ضمان ضرر المرأة التي أغواها وتربية ولدها وإن كان القانون يحرم الأبوة في هذه الحال.

بمثل تلك الأمور تتضح كيفية تكوين القوانين، ويتجلى الشأن الحقيقي للمشترع، فعلى المشترع أن يقتصر على تأييد القوانين بعد أن تظهرها العادة ويعين القضاء حدودها، وكل قانون يصدر فجأة من غير أن يجتاز هاتين المرحلتين محكوم عليه بالإخفاق.

ولنورد مجلسنا الشوري — الذي يزيد كل يوم سلطة أكثر من ذي قبل — مثالًا على حقوق جديدة تتكون الآن بفعل العادة وتأثير القضاء، كان هذا المجلس فيما مضى عبارة عن هيئة إدارية ذات واجبات لا أهمية كبيرة لها، فصار بالتدريج ذا سلطة تنحني أمامها جميع السلطات، إذ أصبح يأتي بأحكام قاطعة غير تابعة للاستئناف في أمور مختلفة كنقض قرارات الولاة وأوامر الوزارة وإعادة ضباط البحرية المعزولين إلى وظائفهم وعزل المأمورين المعينين.

وما هو مصدر تلك السلطة؟ مصدرها العادات التي هي بنت الضرورة، والتي عين القضاء حدودها، وما تخيل مجلس الشورى أن يتطاول على بقية السلطات، وإنما الجمهور هو الذي ألجأه إلى ذلك لرغبته في تقييد أهواء الوزراء وسائر رجال الإدارة، ولاشتياقه إلى إيجاد قوة تحميه ضد الفوضى العامة، وفضلًا عن ذلك تتدرج جميع النظم الديمقراطية إلى تكوين سلطات عليا لتكون عنوانًا للاستقلال والثبات، كمحكمة الولايات المتحدة العليا التي يظهر أن مجلسنا الشوري سيكون له ما لها من الشأن بعد قليل من الزمن، ومما يبرر ما قلناه هنا في تكوين الحقوق وظهور تلك السلطات ظهورًا غريزيًّا هو مع أنها لا تستند في قوتها إلى نص قانوني ولم يدعمها نظام تكتسب به ما لا يتيسر للقوانين المحررة الصريحة من نفوذ وسلطان.

ومثل ذلك يشاهد في إنكلترة أيضًا، ففي هذه المملكة لا تستند مبادئ الحكم الأساسية إلى مواد قانونية، وليس فيها قانون يأمر بقسمة البرلمان إلى مجلسين، وبتفويض سن القوانين إليهما ويجعل الملك يحكم البلاد بواسطة وزراء مسؤولين … إلخ، وهي مع أنها عاطلة من دستور مكتوب١ تعد عنوان الحكومات الدستورية، وقد صارت بالتدريج جمهورية يرأسها ملك، وإذا استثنينا جمهورية الولايات المتحدة رأينا جميع جمهوريات العالم لا تدانيها حرية، فأبناؤها أحرار في مواظبتهم على الكنيسة، ويستطيعون تأسيس جمعيات واشتراء أملاك بواسطتها من غير أن يكونوا عرضة لنزعها من أيديهم.

كل شيء في إنكلترا يناقض مبادئنا في النظام والعقل والقياس والمنطق، وتتألف حقوقها من عناصر ومقومات هي غاية في التباين، قال الوزير (شامبرلن) في البرلمان الإنكليزي: «إن أعظم مزية تتصف بها أنظمتنا هو أنها غير منطقية»، فأكرم به من تصريح بعيد الغور؛ لأن القوانين إذا استغنت عن قواعد المنطق فلأنها وليدة مشاعر ناشئة عن ضرورات مستقلة عن العقل.

ومن سوء الحظ بقاؤنا بعيدين من مثل هذه الأفكار غير منتفعين بالتجارب، ولقد أدت أوهامنا في تكوين القوانين ووضعها إلى نشوب ثورات كثيرة وتخريب عدة مدن وإهراق دماء غزيرة، ولا أحد يستطيع أن ينبئنا بما تكلفنا في المستقبل.

ولا شيء يدل على دنو الوقت الذي تتبدد فيه تلك الأوهام، بدليل أنها لا تزال تجد لها بين أولي النفوس النيرة من يدافع عنها، فقد صرح أحد أقطابنا السياسيين في مقدمة كتاب نشر حديثًا «ضرورة تنظيم المجتمع تنظيمًا سياسيًّا اجتماعيًّا حسب ما يمليه العقل والقوانين»، ولم يعبر هذا القطب في كلامه عن غير ما هو سائد لنا منذ قرن من أباطيل متأصلة سببت نشوب ثورات مخيفة في بلادنا، أفلم يحن الوقت الذي نعدل فيه عن الاشتراع والتنظيم والإصلاح باسم ذلك العقل الأعمى الذي لا يعرف مقتضيات الطبيعة ويجهل مقتضيات الاقتصاد وكل ضرورة؟ وهل نعلم يومًا أن المجتمعات لا تتجدد كما يرغب ولاة الأمور؟ فالحقوق لا تصنع وإنما هي تصنع نفسها، وهذه كلمة وجيزة ينطوي تحتها تاريخ الحقوق جميعه.

١  هذا الكلام يلقي الدهش في قلوب الذين لا يرون لغير القوانين المكتوبة قيمة، وقد ساقتني المصادفة إلى الاطلاع على خطبة ألقاها الوزير الإنكليزي المستر (اسكويث) أمام مجلس اللوردات في اليوم الأول من شهر أيلول سنة ١٩٠٩، فرأيت فيها ما أدعم به صحة قولي وإليكه:

نسير منذ قرون كثيرة حسب دستور غير مكتوب، أجل عندنا أنظمة مكتوبة خالدة كدستور (ماغنا كارتا)، ولكننا لو نظرنا إلى ما في بلادنا من حرية وعادات دستورية لرأيناها لم تقترن حتى الآن باستحسان خطيٍّ قاطع من قبل الملك أو مجلس اللوردات أو مجلس النواب، فنحن نعيش تحت سلطان العرف والعادة والمواثيق التي فقمت شيئًا فشيئًا فأصبحت محترمة لدى الجميع على مر الزمن.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤