كلمة تمهيدية

تحتل المسألة الحبشية الصدر الأول من أخبار الصحف وأنباء المجالس والأندية وتستأثر بالنصيب الأوفى من اهتمام الجمهور، وقد خبرت ذلك بسبب مهنتي؛ فمنذ ظهرت المسألة الحبشية وشغلت أنباؤها الأذهان، رأيت الكثيرين من الفضلاء يزورون مكتبتي ويسألونني عن الكتب المؤلفة في «الحبشة».

figure
المؤلف.

صحيح أن هناك كتبًا مؤلفة في هذا الموضوع، ولكنها لا تشفي غليل الطلاب الراغبين في تتبع أخبار الصحف السيارة والوقوف على تاريخ جلي للنزاع الإيطالي الحبشي، وليس في الكتب المؤلفة قبل نجوم النزاع ما يفي بحاجتهم.

figure
جلالة هيلا سيلاسي إمبراطور الحبشة الحالي.

من أجل ذلك توجهت إلى حضرة العلامة الباحث المحقِّق، والمؤرخ المدقِّق، والكاتب الكبير، والسياسي المحنَّك، والوطني الغيور؛ الأستاذ عبد الله حسين المحامي، ورجوته أن يضع للجمهور كتابًا في «المسألة الحبشية»؛ لعلمي بأن حضرته قد توافر على البحث فيها خلال تأليفه ذلك الكتاب الفذ النادر المثال «كتاب السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية» الذي يقع في ثلاثة أجزاء، والذي أجمع المطلعون عليه على أنه لا مثيل له فيما صدر من تواليف عن السودان باللغات كلها.

بيد أن الأستاذ المؤلف قد اعتذر بضيق الوقت وبانحراف صحته، فناشدته باسم المصلحة الوطنية أن يلبي طلب الجمهور، فبسط حضرته لي ما ينبغي أن يشتمل عليه كتاب يُؤلَّف في المسألة الحبشية من بيانات وإحصاءات وصور وخرائط وعرض لحالة كل من الحبشة وإيطاليا وعصبة الأمم، وما إلى ذلك من شئون عسكرية واقتصادية وسياسية وعلاقة ذلك بمصر والسودان وأفريقيا، ومثل هذا البحث يحتاج إلى شهور ومراجعات كثيرة، لا يتسع له الوقت.

ولكني ذكرت له أنه يكفي وضع مؤلف يلم بالمسألة الحبشية ويساعد الجمهور على تتبع الأخبار الجديدة؛ لأن من بين القراء من يتعب ويكل ويضل عن مطالعة شتات الأنباء المتناقضة والشروح الناقصة.

figure
«الدوتشي» السنيور موسوليني زعيم إيطاليا ورئيس حكومتها.

وبعد إلحاح في الرجاء، تفضل الأستاذ المؤلف فوضع هذا الكتاب وقد أخرجه وافيًا ببيان المسألة الحبشية ولا سيما الطور الأخير من أطوارها، وها هو الكتاب قد صدر بحمد الله تعالى. ولا شك في أن القراء سيجدون فيه من الفوائد والبيانات ما سيحملهم على مشاركتنا في شكر حضرة المؤلف على مجهوده، والرجاء في أن يتمكن في القريب العاجل من وضع المؤلفات الأخرى في الحروب الحبشية وفق ما يوده المؤلف من بيان كامل وتحقيق وبالدقة المعروفة عنه في مؤلفاته وكتاباته وبحوثه القانونية المشهورة.

ويجد القارئ في هذا الكتاب بيانات مفيدة عن الحبشة وعاداتها وحكامها وملوكها، وعلاقاتها بغيرها وبإيطاليا والسودان ومصر، وعصبة الأمم ووظيفتها، وقناة السويس ومسألة إغلاقها، والغارات الجوية والغازات الخانقة — وقانا الله شرها، وفضلًا عن ذلك فإن حضرة الأستاذ المؤلف يُعَدُّ أول مؤرخ في العالم قد أرَّخ الحوادث الأخيرة التي وقعت بين سبتمبر وأكتوبر سنة ١٩٣٥، وأرجو أن يوفقه الله إلى تأريخ الحوادث التالية.

واللهَ أسأل أن يمنحه وافر الصحة والعافية، وأن يحفظه ذخرًا للعلم، وأن ينفع به البلاد والعباد، إنه سميع قريب مجيب الدعاء.

١١ أكتوبر سنة ١٩٣٥
إبراهيم يوسف
صاحب مكتبة الأهرام بشارع محمد علي بالقاهرة

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤