عصبة الأمم ووظيفتها

أثارت الحرب المحتملة بين الحبشة وإيطاليا البحث فيما على جمعية الأمم أن تفعله.

وعصبة الأمم هي جمعية دولية سياسية عامة تقرَّر تأليفها عقب شروط الدكتور ولسون لعقد الهدنة في ١١ نوفمبر سنة ١٩١٨، وبمقتضى معاهدة فرساي التي أُبرِمت سنة ١٩١٩ بين الحلفاء وألمانيا، على أن تكون الجمعية لدول العالم جميعًا، وأن يكون للدول ممثلون فيها، وأن تكون أداة للسلام ومنع الحروب والتعاون الدولي بأنواعه، ومركزها جنيف بسويسرا، ولغتها الرسمية الإنجليزية والفرنسية فقط.

ولجمعية الأمم دستور أو ميثاق ينقسم إلى ثلاثة أقسام: (١) مادة ١–٧ تعالج موضوع التنظيم العالمي. (٢) مادة ٨–١٧ تعالج موضوع السلام العالمي. (٣) مادة ١٨–٢٦ تعالج موضوع التعاون العالمي.

وبمقتضى القسم الأول قُسِّمت الدول المستقلة إلى ثلاثة أقسام: (١) الدول الموقِّعة لمعاهدات الصلح المنطبقة على دستور الجمعية. (٢) ثلاث عشرة أمة طُلِب إليها الانضمام بغير قيد ولا شرط. (٣) بقية الدول والمستعمرات؛ ومن الدول: ألمانيا وحلفاؤها النمسا وتركيا والبلغار، ومن المستعمرات: الهند وأستراليا والبلاد التي تحت الانتداب والحماية.

وللمندرجات تحت هذا القسم الثالث الانتظام في عضوية الجمعية إذا نالت كلٌّ منها ثُلُثَيْ أصوات الجمعية العمومية، وقد انتظمت النمسا ثم تركيا وألمانيا ثم روسيا، وقد انسحبت اليابان وألمانيا من جمعية الأمم.

وقد رفض مجلس الشيوخ الأميركي عند تأسيس الجمعية — وإلى الآن — الانتظام في الجمعية، ويُنتَظر انسحاب إيطاليا منها، والعصبة تجتاز أزمة كبيرة، وأكبر نفوذ فيها لبريطانيا ثم لفرنسا.

وللجمعية جمعية عمومية ومجلس، ولكل دولة في الجمعية صوت مساوٍ لعضو آخر، أما المجلس فيضم الدول الكبرى وأعضاء محدودي العدد يمثلون الدول الأخرى جميعًا، ولا بد في كل قرار في الجمعية العمومية أو في المجلس من إجماع أعضاء كل منهما، وملحق بالجمعية مكتب العمل الدولي. وللجمعية لجان كثيرة، ويمكن أن يُقَال أن الجمعية قد أخفقت في مهمتها الأصلية وهي صون السلام، وأنه ليس لها قوة تنفيذية في ذاتها، بالرغم من فوائد كثيرة قامت بها لمصلحة الإنسانية ولمنع منازعات صغيرة.

(١) الحروب التعسفية والعقوبات

أثار النزاع القائم بين الحبشة وإيطاليا مسألة العقوبات التي يجوز لعصبة الأمم فرضها على إيطاليا إذا عمدت إلى تحقيق ما أعلنته وهددت به من غزو الحبشة بالقوة وأَنْفُ عصبة الأمم راغِمٌ، وقد بحث رجال القانون في هذه المسألة.

وقد قرأنا بحثًا لحضرة الأستاذ الدكتور محمد توفيق يونس في صدد «الحروب غير المشروعة والعقوبات» المقررة ضد الدولة المعتدية، فقال:

تناولت الأنباء البرقية في الأيام الأخيرة مسألة العقوبات التي قد تلجأ إليها عصبة الأمم إذا عجزت عن حل المشكلة الحبشية الإيطالية واندلعت نيران الحرب بين الدولتين المتنازعتين؛ لذلك رأينا أن نتحدث — وقد أخذ مجلس العصبة ينظر في النزاع — عن ماهية هذه العقوبات ومداها وأثرها والحالات التي تُوقَّع فيها.

•••

من بين الوسائل التي نصَّ عليها ميثاق عصبة الأمم لمنع الحروب توقيع عقوبات معيَّنة على الدول التي تُخِل بارتباطاتها الناشئة عن الميثاق وتلجأ إلى حروب غير مشروعة.

ونود قبل أن نتحدث عن هذه العقوبات أن نبيِّن الحالات المختلفة للحروب التي يعتبرها ميثاق العصبة حروبًا غير مشروعة.

تُحِيلنا المادة السادسة عشرة من الميثاق في ذلك على المواد ١٢ و١٣ و١٥ ناصَّة على أن أي عضو من أعضاء العصبة يلجأ إلى الحرب مخالفًا في ذلك أحكام المواد المذكورة يُعتبَر أنه قام بعمل حربي ضد جميع أعضاء العصبة الآخرين، وتُوقَّع عليه العقوبات التي فرضتها هذه المادة؛ أي: المادة ١٦.

وفيما يلي أحكام تلك المواد:

  • أولًا: (أ) تنص المادة ١٢ على أنه إذا قام نزاع بين دول أعضاء في العصبة قد يؤدي إلى قطع العلائق بينها؛ فيجب أن تلجأ هذه الدول فيه إلى التحكيم أو تعرضه على مجلس العصبة للنظر فيه.

    (ب) كذلك تقضي المادة المذكورة بعدم الالتجاء إلى الحرب قبل انقضاء ثلاثة شهور تلي قرار المحكمين أو المجلس.

  • ثانيًا: وتنص المادة ١٣ — كما عُدِّلت في ٢٦ سبتمبر سنة ١٩٢٤ — على وجوب التجاء الدول الأعضاء في العصبة إلى التحكيم في كل نزاع قابل له إذا لم يكن من المستطاع تسويته بالطرق الديبلوماتيكية تسوية مرضية «فقرة أ»، وبعد أن قدَّمت عدة أمثلة لهذا النوع من المنازعات، وتكلمت عن الهيئة المختصة بالحكم فيها «الفقرتان: ٢ و٣»؛ قضت بوجوب تنفيذ الدول لقرار المحكمين بحسن نية تامة عدم الالتجاء إلى الحرب ضد أي عضو في العصبة يمتثل له «فقرة ٤».
  • ثالثًا: أما المادة ١٥ فتلزم الدول الأعضاء في العصبة بأن تعرض على المجلس كل نزاع قد يؤدي إلى قطع العلاقات بينها ولا يكون قد طُرِح للتحكيم وفقًا للمادة ١٣ السالفة الذكر «فقرة ١»، كما تلزمها بعدم الدخول في حرب ضد طرف النزاع الذي يمتثل لقرارات المجلس إذا صدرت منه هذه القرارات باجتماع هذه الآراء دون أن تُحسَب في ذلك أصوات الدول المتنازعة «فقرة ٦»، أما إذا لم يتحقق الإجماع فإن كل دولة تحتفظ لنفسها بحق إجراء ما تراه لازمًا لصون الحق والعدالة «فقرة ٧».
  • رابعًا: وعلينا أن نضيف إلى هذه الحالات التي أشارت إليها المادة ١٦ حالة أخرى نصت عليها المادة ١٧؛ وهي حصول نزاع بين دولة عضو في العصبة ودولة غير عضو أو بين دول غير أعضاء؛ ففي هذه الحالة تُدعَى الدولة — أو الدول غير الأعضاء — إلى قبول الالتزامات السالفة الذكر حلًّا للنزاع «فقرة ١»، فإذا رفضت ودخلت في حرب ضد عضو في العصبة اعتُبِرت هذه الحرب غير مشروعة، وطُبِّقت عليها أحكام المادة السادسة عشرة «مادة ١٧، فقرة ٣».

عرفنا الآن الحروب التي يعدها ميثاق عصبة الأمم حروبًا غير مشروعة، وبقي أن نعرف أنواع العقوبات التي يفرضها على الدول التي تقوم بهذه الحروب.

هذه العقوبات ثلاثة أنواع في الواقع:
  • (١)

    عقوبات اقتصادية.

  • (٢)

    عقوبات حربية.

  • (٣)

    عقوبات أدبية.

فالعقوبات الاقتصادية تتلخص فيما يلي «مادة ١٦، فقرة ١»:
  • أولًا: قطع جميع الدول الأعضاء في العصبة لكل ما لها من العلاقات التجارية أو المالية مع الدول المخالفة في الحال.
  • ثانيًا: منعها أية صلة بين أهاليها وأهالي تلك الدولة.
  • ثالثًا: وقف كل اتصال مالي أو تجاري أو شخصي بين أهالي الدولة المخالفة وأهالي جميع الدول الأخرى سواء أكانوا أعضاء في العصبة أو لم يكونوا.

ولما كان توقيع هذه العقوبات الاقتصادية من شأنه أن يلحق خسائر وإضرار الدولة التي تساهم فيه، فقد قضت المادة السادسة عشرة في فقرتها الثالثة على أعضاء العصبة بأن يُعاوِن كل منهم الآخر معاونة متبادلة لإنقاص هذه الخسائر والأضرار إلى أدنى حد ممكن، وأن يتعاونوا كذلك على مقاومة كل إجراء خاص يُوجَّه ضد أحدهم من الدولة الناقضة للعهد.

•••

أما العقوبات الحربية، فعبارة عن اشتراك الدول الأعضاء في تقديم ما أوصى به مجلس عصبة الأمم من الإجراءات الحربية والبحرية والجوية اللازمة للعمل على احترام التزامات العصبة «مادة ١٦، فقرة ٢».

وإذا أمعنَّا النظر في نص هذه الفقرة لألفينا أن المجلس في الواقع غير ملزم قانونًا بالتوصية بتوقيع العقوبات الحربية كما أن الدول غير ملزمة التزامًا قانونيًّا باتباع توصية المجلس في حالة صدورها منه، بعكس الحال في العقوبات الاقتصادية التي يتحتم توقيعها في الحال.

وتوقيع هذه العقوبات الاقتصادية وحده كفيل في الواقع بأن يحوِّل مجرى الحرب بجعل الدولة المخالفة في عزلة اقتصادية تكون أجدى وأعم إذا اشتركت فيها الدول الكبرى غير الأعضاء في العصبة.

•••

بقيت العقوبة الأدبية؛ وهي أن تُطرَد من العصبة الدولة التي تُخِل بأي التزام من التزاماتها «مادة ١٦، فقرة ٤»، وإن كنا أصبحنا نرى الدول الكبرى هي التي تهدِّد عصبة الأمم بالخروج منها!

(٢) العقوبات وعصبة الأمم

المواد الآتية من عهد العصبة هي التي تعيِّن ما تتبعه عصبة الأمم نحو الدولة المعتدية.

ننشر فيما يلي المواد التي يدور عليها بحث جامعة الأمم الآن لمناسبة المشكلة الحبشية:
  • المادة العاشرة: تتعهد الدول الموقعة على هذا بأن تحترم سلامة أملاك الدول أعضاء هذه الجامعة واستقلالها السياسي الحالي، وأن تدافع عنها من كل اعتداء مثل هذا أو خِيف من وقوعه؛ فإن المجلس التنفيذي يشير بالطرق التي ينجز بها هذا العهد.
  • المادة الحادية عشرة: كل حرب أو تهديد بحرب يمس إحدى الدول الموقعة على هذا مباشرة أو لا يُعَد من المسائل التي تقتضي اهتمام الجامعة، والدول الموقعة على هذا تحفظ لأنفسهن حق عمل أي الأعمال التي تُعَد لازمة لحفظ سلام الأمم، ويحق لكل منهن أن تنبه مجمع المندوبين أو المجلس التنفيذي إلى جميع الأحوال التي تمس علاقات الأمم بعضها ببعض، وتهدد السلام الدولي وحسن التفاهم بين الأمم مما يتوقف السلام عليه.
  • المادة الثانية عشرة: تتعهد الدول الموقعة لهذا بأنه إذا قامت بينهن أسباب للنزاع لا يمكن تسويتها بالطرق السياسية المعتادة لا يعمدن بوجه من الوجوه إلى الحرب قبلما يُعرَض مسائل النزاع للتحكيم أو ليحققها المجلس التنفيذي، وقبلما تمر ثلاثة أشهر على حكم المحكمين أو حكم المجلس التنفيذي، ومع هذا كله لا يعمدن إلى محاربة عضو من أعضاء جامعة الأمم يذعن لحكم المحكمين أو حكم المجلس التنفيذي. وفي كل الأحوال المنطوية تحت هذه المادة يجب أن يصدر حكم المحكمين في وقت معقول، وحكم المجلس التنفيذي في خلال ستة أشهر تمر من عرض مسألة الخلاف عليه.
  • المادة الثالثة عشرة: تتعهد الدول الموقعة على هذا فإنه إذا قام بينهن نزاع أو مشكلة يرين أنهما قابلان للتحكيم وأنه لا يمكن حلهما بالطرق السياسية تُعرَض المسألة كلها للتحكيم؛ ولهذه الغاية يكون مجلس التحكيم الذي تُعرَض عليه المسألة هو المجلس الذي يتفق عليه الفريقان، أو المنصوص عليه في معاهدة من المعاهدات المعقودة بينهن، كذلك تتعهدن بتنفيذ كل حكم يصدر بإخلاص وحسن نية، وإذا لم ينفذن هذا الحكم ينظر المجلس التنفيذي في خير الطرق لتنفيذه.
  • المادة الرابعة عشرة: يضع المجلس التنفيذي الخطط لإنشاء محكمة دائمة للقضاء الدولي يكون من اختصاصها النظر في المسائل التي يرى الفريقان المتخاصمان وجوب عرضها عليها للتحكيم بموجب البند السابق.
  • المادة الخامسة عشرة: إذا قام بين الدول أعضاء الجمعية نزاع لا يُعرَض للتحكيم كالنزاع المذكور آنفًا ويُخشَى أن يفضي إلى قطع العلاقات بين الدول المتنازعة؛ فإن الدول الموقعة على هذا تقبل أن تعرض المسألة على المجلس التنفيذي، وكل فريق من الفريقين المتنازعين له أن يبلغ السكرتير العام وجود هذا النزاع، والسكرتير يتخذ جميع التدابير اللازمة لتحقيقه تحقيقًا تامًّا. ولهذه الغاية يتفق الفريقان المتنازعان على إبلاغ السكرتير العام بأسرع ما يمكن حججهما وجميع الوقائع والأوراق المتعلقة بالقضية، وللمجلس التنفيذي أن يأمر بنشرها كلها، فإذا أفضت مساعي المجلس إلى حل النزاع؛ فحينئذ يُنشَر بلاغ عن ماهية النزاع ووجوه حله والشروح اللازمة، وإذا لم يُحَل النزاع ينشر المجلس تقريرًا يضمِّنه الإرشادات التي يراها عادلة ولازمة لحل الخلاف مع جميع الوقائع والشروح اللازمة، فإذا وافق أعضاء المجلس من غير الدول المتنازعة على التقرير بالإجماع فإن الدول الموقعة على هذا تتفق أن لا تحارب الفريق الذي يذعن للإرشادات المشار إليها، أما الفريق الذي لا يذعن لها فإن المجلس يعيِّن الوسائل اللازمة لتنفيذ تلك الإرشادات فيه، وإذا لم يجمعن عليه فمن واجب الأكثرية وحق الأقلية أن تصدرا بيانات تعربان فيها عن وقائع الحال كما تريانها وعن الإرشادات التي تحسبانها عادلة وموافقة. وللمجلس التنفيذي في أي حال تعرض وتدخل تحت هذه المادة أن يحيل النزاع على هيئة المندوبين بطلب أحد الفريقين المتنازعين، على شرط أن يعرض هذا الطلب في خلال أسبوعين بعد عرض النزاع، وفي كل نزاع يعرض على هيئة المندوبين تُطبَق جميع شروط هذه المادة والمادة الثانية عشرة الخاصة بعمل المجلس التنفيذي وسلطته على عمل مجمع المندوبين وسلطته.
  • المادة السادسة عشرة: إذا نكثت إحدى الدول الموقعة على هذا عهودها المذكورة في المادة الثانية عشرة أو لم تكترث لها تُعَد في حكم المحاربة لسائر أعضاء الجامعة، وعليه تقطع الجامعة كل علاقة تجارية أو مالية بتلك الدولة وتمنع كل مواصلة بين رعاياها ورعايا سائر الدول سواء أكانوا من الدول الداخلة في الجامعة أم لا. وعلى المجلس التنفيذي والحالة هذه أن يبدي رأيه في مقدار القوة البحرية أو الحربية التي تقدمها كل من الدول أعضاء الجمعية للدفاع عن عهود الجمعية، وكذلك تتعهد الدول الموقعة على هذا بأن يساعد بعضها بعضًا في التدابير المالية والاقتصادية التي يُعمَد إليها بموجب هذه المادة لتقليل الخسارة والمضايقة الناشئتين عن التدابير المشار إليها، وبأن يساعد بعضها بعضًا أيضًا في الدفاع عن إحداهن فيما إذا أرادت الدولة الناكثة للعهد أن توجِّه عليها معظم قوتها، وبأن تفتح طريقًا في بلادها لجيوش أية دولة من الدول الموقعة في سبيل الدفاع عن عهود الجامعة.

العقوبات الاقتصادية

نشر خبير إنجليزي في جريدة الصنداي إكسبرس بلندن ما يلي:
إذا عدت إلى معجم أوكسفورد وجدت معنى تعريف Sanction «أي العقوبات» هكذا: «العقاب الخاص الذي يُفرَض للإكراه على طاعة القانون.»

فما هو معنى هذا التعريف إذا طُبِّق على العلاقات التي بين الدول ذوات السيادة؟

إن الغرض من العقوبات الاقتصادية هو منع أمة — بلا التجاء إلى القوة الطبيعية؛ من شهر حرب أو نقض معاهدة — بحرمانها المواد اللازمة للحرب أو الوسائل لنقل تلك المواد إلى ميدان القتال.

وليس في الأرض بلد — ما عدا روسيا — فيه جميع المواد الأولية اللازمة في الحروب الحديثة، وكثير من البلاد — والحبشة شاهد ظاهر منها — ليس فيها مصانع لتحويل مواردها الأولية أو المواد الأولية التي تستوردها من الخارج أدوات للنقل والدمار.

وأول لوازم الحرب السلاح، وعليه فإن أول أشكال العقوبات الاقتصادية حظر إصدار السلاح إلى أمة محاربة.

وفي العالم نحو اثنتي عشرة دولة يُصنَع فيها السلاح الحديث على قدر كبير، فإذا اتفقت هذه الدول على منع تلك المصانع من أن تبيع دولة معينة السلاح لم تستطع هذه الدولة حربًا.

•••

وقد استُخدِم هذا النوع من الضغط أخيرًا لوقف حرب دامت ثلاث سنوات بين بوليفيا وبارجواي في أمريكا الجنوبية، ولكن هناك أمرين يجب ملاحظتهما في هذا النوع من العقوبة، وهما؛ أولًا: إن جامعة الأمم لا تستطيع فرضها؛ لأن ثلاثة من أعظم البلدان إخراجًا للسلاح ليست أعضاء في الجامعة وهي ألمانيا واليابان وأميركا. وثانيًا: إن العقوبات لا قيمة لها في بلد فيه مصانع للذخيرة والميرة مثل إيطاليا.

•••

أما النوع الآخر فأشد فعلًا، وإذا أمكن تنفيذه كان ذا أثر في كل دولة يُفرَض عليها، وهو حظر إصدار المواد الأولية التي تُستعمَل لصنع السلاح والذخيرة إليها، وقد كان في وسع جمهورية شيلي الأمريكية منذ عشرين سنة أن تمنع كل دولة تقريبًا من شهر حرب بحظر إصدار النترات منها، وقد كانت محتكرة لها، وهي لازمة لصنع المواد المفجرة، لكن النترات تُستخرَج الآن صناعيًّا من الهواء.

وهناك مواد أخرى — ولا سيما المعادن — لازمة للسلاح ولا وجود لها إلا في بعض البلدان، فتسعة أعشار نيكل العالم تجيء من كندا، وثلثا الأنتيمون من الصين، و٩٠٪ من البوتاس من فرنسا وألمانيا، وثلاثة أرباع الحديد الخام تُصهَر في البلدان التي على ساحل الأتلنتيكي الشمالي، وهذه المواد كلها لازمة للحرب فلا تستطيع دولة تمنع عنها أن تشهر حربًا، وفي وسع أميركا والإمبراطورية البريطانية معًا أن تمنعا كل دولة من إشهار الحروب ما عدا روسيا.

وقد دلت الحرب العالمية على أن تنفيذ هذا الحظر متعذر إلا بإعلان حصار عام؛ إذ في وسع الدولة المحاربة أن تشتري ما يلزمها على أيدي سماسرة مختلفين، وقد بقيت ألمانيا تستورد المواد الأولية بواسطة دول محايدة مدة الحرب الماضية كلها بالرغم من حصار الحلفاء لها.

•••

وهناك شكل ثالث من أشكال العقوبات، وهو في الواقع «امتداد» من الثاني وقابل للاعتراضات نفسها، ومآله حظر جميع الصادرات إلى الدولة المحاربة وفي جملتها مواد الطعام.

والمشروع كله خيالي إلا إذا اتفقت جميع الأمم على التعاون في تنفيذ الحظر تنفيذًا فعليًّا، وهذا غير مرجح.

•••

هذه الوسائل الثلاث مباشرة، ولكن هناك وسائل أخرى غير مباشرة والغاية منها شل الدولة المحاربة ماليًّا، بحيث لا تستطيع شراء شيء من الخارج نقدًا أو وعدًّا، وهذه يمكن فرضها بلا مساعدة الحكومات على أيدي رجال المال والبنوك المركزية، وكثيرًا ما تُستعمَل على قدر صغير لمضايقة الدولة أو الدول التي سياستها المالية مناقضة للعرف المالي في مراكز العالم المالية الكبرى، ولكن إذا وقعت حرب أو تهددت حرب، فلا غنى عن تأييد الحكومات في هذه الحال، وإذا كانت دولة لا تستطيع بيع بضائعها في الخارج فلا يمضي وقت قصير حتى تعجز عن الشراء.

•••

ومن الطرق الفعالة غير المباشرة حظر التعامل في الأسواق المالية الكبرى بنقود الدولة المحاربة، فإذا مُنِع الناس مثلًا من شراء الماركات أو الكورونات أو الليرات لم يستطع أهل البلدان التي لها هذه النقود أن يستبدلوا بها نقود الدول التي اشتروا منها فيبطل الشراء لذلك. خذ بولونيا مثلًا؛ فإنها إذا شاءت شراء ماكينات إنجليزية وجب أن تدفع ثمنها جنيهات، فإذا لم تستطع تحويل نقودها جنيهات فلا سبيل أمامها إلى دفع ثمن ما اشترته.

ومنها منع التعامل بسندات حكومة الدولة المحاربة أو حوالاتها المالية، فلا تجد في هذه الحالة تاجرًا يستمر في تقديم البضائع إلى عميل لا يستطيع قطع تحاويله في السوق المالية.

ومنها منع الاعتمادات والقروض المالية عن الدولة المحاربة، وهذا غير لازم إذ لا يكاد أحد يجازف بإقراض حكومة أقدمت على حرب، ويكون غرضه استثمار ماله تجاريًّا.

•••

وهناك وسيلة أخيرة؛ وهذه تتعلق بمنع نقل مواد الحرب إلى ساحة القتال، وفي الحالة الحاضرة هي إغلاق ترعة السويس؛ فتنقطع المئونة والذخيرة عن الجيش الإيطالي في شرق أفريقيا، ويتعذر نقلها إلا بالدوران حول أفريقيا.

وقد مُنِعت إسبانيا من المرور في ترعة السويس مدة حربها مع أمريكا سنة ١٨٩٨، ولكن هذه الطريقة أخطر العقوبات وأصعبها؛ فإن بريطانيا أكثر الدول امتلاكًا لأسهم ترعة السويس، وهي مقيدة بفتحها في وجه كل دولة. ويمكنها التخلص من هذا القيد بعد موافقة سائر الدول الموقعة للمعاهدة، وهي: تركيا، وفرنسا، وألمانيا، والنمسا. ولا توافق إحداهن على ذلك مراعاة إيطاليا، وإذا أغلقت إنجلترا الترعة بلا موافقتهن كانت من ناقضي المعاهدات.

وأعتقد في الختام مع السير أوستن تشمبرلن أن لا فائدة من فرض العقوبات الاقتصادية إلا إذا دُعِمت بالقوة الحربية؛ فالعقوبات الناجعة هي الحرب نفسها.

(٣) بين بريطانيا وفرنسا بشأن الاعتداء في أواسط أوروبا

كانت الحكومة الفرنسوية قد أرسلت تسأل الحكومة البريطانية عن الخطة التي تنتهجها فيما إذا اعتدت دولة على أخرى في أواسط أوروبا، واشترطت الحكومة الفرنسوية لموافقتها على إنزال العقوبات بإيطاليا أن يكون جواب بريطانيا على سؤالها مرضيًا لها؛ أي إن فرنسا أرادت أن تشترك مع إنجلترا في فرض العقوبات على إيطاليا مقابل تعهد إنجلترا بمساعدة فرنسا عند الاعتداء عليها. وهذا هو نص الجواب البريطاني:

نص الجواب

نُشِر في لندن في ٢٩ سبتمبر ١٩٣٥ صورة المذكرة التي سُلِّمت إلى سفير فرنسا في لندن في ٢٦ الجاري منه، بإمضاء السير صموئيل هور — وزير الخارجية البريطانية — وفيها نص الجواب. وهذه ترجمته:

في السؤال الذي تكرمتم بتوجيهه إلى السير روبرت فنسيتارت في ١٠ سبتمبر أعربتم عن رغبة حكومتكم بمناسبة النزاع الحاضر بين إيطاليا والحبشة في أن تعلموا إلى أي مدى يمكن أن تطمئن حكومتكم في المستقبل إلى مساعدة هذه البلاد في تنفيذ جميع العقوبات العاجلة والفعالة المنصوص عليها في المادة السادسة عشرة من عهد الجامعة فيما إذا نُكِث هذا العهد والتُجِئ إلى السلاح في أوروبا.

وأشرتم بوجه خاص إلى وقوع هذا الاعتداء على يد دولة هي عضو في الجامعة أو خارجة عنها.

فأتشرف الآن ردًّا على سؤالكم بأن أوجِّه أنظاركم إلى الكلمات التي فُهْتُ بها في خطبتي أمام اجتماع الجامعة يوم ١١ سبتمبر الحالي.

فقد قلت يومئذ أن حكومة المملكة المتحدة «بريطانيا العظمى» لا تكون ثانية لدولة من الدول في عزمها على القيام على قدر استطاعتها بالواجبات التي يوجبها عهد الجامعة عليها، وأضفت إلى ذلك قولي أن الأفكار التي يتضمنها العهد — ولا سيما الأماني المعقودة على تأييد حكم القانون في الشئون الدولية — صادفت هوى شديدًا في خلق الشعب البريطاني المطبوع على الاحتفاظ بالمبادئ؛ حتى صارت هذه المبادئ جزءًا من الضمير الوطني.

وتذكرون كذلك أنني اغتنمت الفرصة في خطبتي لإنكار كل تقوُّل فحواه أن الحكومة البريطانية مدفوعة بغير الإخلاص الثابت للجامعة وكل ما تمثله، ولفت النظر إلى الأدلة الأخيرة التي بدت على الرأي العام البريطاني، ودلت على عظم تأييد الأمة للحكومة في قبول تبعة الالتزامات التي تقيدت بها كعضو في الجامعة أتم قبول، حتى أعلنت مرارًا أن هذه العضوية هي مفتاح سياستها الخارجية.

وأضفت إلى ذلك قولي أن الزعيم — تصريحًا أو تلميحًا — أن هذه السياسة خاصة بالنزاع الإيطالي الحبشي فيه من سوء التفاهم التام؛ إذ ليس هناك شيء أبعد عن الحقيقة منه.

وقلت إنني أُرحِّب مخلصًا بهذه الفرصة السانحة لأعيد القول وأنا أحتمل تبعته كاملة أن أهل هذه البلاد أظهروا تمسكهم بمبادئ الجامعة لا بظاهرة من ظواهرها، وكل رأي غير هذا فإنما هو انتقاص لصدق بريطانيا وإخلاصها.

وبناء على تلك العهود والواجبات الصريحة؛ قلت — وأشدد القول الآن — إن الجامعة ثابتة، وهذه البلاد ثابتة إلى جنبها في سبيل المحافظة الإجماعية على العهد بكامله، ولا سيما المقاومة الإجماعية لكل أعمال الاعتداء التي تقع بلا استفزاز.

وأوجه أنظاركم إلى هذه العبارة الأخيرة بنوع خاص، وأظن أنكم توافقونني إجمالًا على أنه لم يبيِّن عضو من أعضاء مجلس الجامعة هذه السياسة مقدمًا قبل حدوث حادثة معينة يُحتمَل أن تؤدي إلى النظر في تلك السياسة؛ لم يبيِّن أحد هذه السياسة بجلاء وحزم يفوقان ما في هذه الكلمات منهما.

وتلاحظون أنني تكلمت حينئذ — كما أكتب الآن — عن جميع أعمال الاعتداء الذي لا استفزاز فيه، وكل كلمة في هذه العبارة يجب أن تكون لها قيمتها التامة.

فظاهر من هذا أن الإجراء الذي يُتبَع بمقتضى المادة السادسة عشرة من عهد الجامعة فيما يختص بالاعتداء الإيجابي الذي لا استفزاز فيه لا ينطبق على العمل السلبي أي التقصير في عدم إنجاز شروط المعاهدة.

وظاهر كذلك أنه في حالة الالتجاء إلى القوة قد تكون هناك درجات في الإجرام ودرجات في الاعتداء … وعليه ففي الحالات التي تنطبق المادة السادسة عشرة عليها قد تتغير الأحوال الخاصة بكل حادثة.

وقد عرفت أن حكومتكم تعلم هذه الفروق، وأذكر بهذا الصدد أن المرونة جزء من السلامة — كما قلت في جنيف، وأنه يجب على كل عضو في الجامعة أن يدرك كما هو مبين في العهد أن العالم ليس واقفًا ولا ماكثًا على حال.

وإذا اعترض معترض بأن إعلان هذا التأييد لمبادئ العهد — كما بَسطتُه في خطبة جنيف وأَعدْتُه في هذه المذكرة — إنما يمثِّل سياسة الحكومة الحاضرة ولا يمثل بالضرورة سياسة الحكومات التي تخلفها على مناصبها.

فأرُد على ذلك بقولي أن الكلام الذي قلته في خطبة جنيف إنما قلته بالنيابة عن الحكومة الحاضرة، ولكنني قلته أيضًا بتأييد أهل هذه البلاد وموافقتهم تأييدًا ساحقًا.

وقد قلت في جنيف قولًا زاد إيضاحًا بعد ذلك؛ وهو أن الرأي العام في هذه البلاد أَبَان أنه غير مدفوع بعاطفة متقلِّبة لا يُعتمَد عليها، بل بالمبدأ العام لآداب السلوك الدولي، وسيبقى محافظًا على هذا المبدأ ما دامت الجامعة هيئة فعَّالة.

وتعتقد حكومة جلالة الملك أن تلك الهيئة التي تمثل رأي هذه الأمة وهي الرجاء الوحيد لتدارك أمثال الكوارث الطائشة التي نزلت بالعالم في الماضي وضمان سلم العالم بضمان السلامة الإجماعية في المستقبل؛ هذه الهيئة لن تجعل نفسها عاجزة ضعيفة بعدم إخلاصها في إنفاذ العمل الفعال تلبية لمبادئها.

ولكن ذلك الإخلاص وذلك العمل ينبغي أن يكونا إجماعيين كمبدأ السلامة، وهذه النقطة على غاية من عظم الشأن، حتى أراني في الختام مضطرًا إلى إعادة العبارة التي قلتها في جنيف؛ وهي:

إذا كان لا بد من مواجهة أخطار السلام فالواجب أن يستهدف الجميع لها، وما دامت الجامعة تحافظ على نفسها بقدرتها فإن هذه الحكومة وهذه الأمة تتبعان مبادئها إلى الآخر. ا.ﻫ.

واختلفت تعليقات الصحف الفرنسية على الجواب، وقد قُوبِل إجمالًا في فرنسا بالارتياح. ومن جهة أخرى وجهت الحكومة الإنجليزية إلى فرنسا سؤالًا عن هل يساعد الأسطول الفرنسي الأسطول الإنجليزي إذا تعرض لاعتداء.

(٤) حول تقرير لجنة الخمسة

أشرنا من قبل إلى تقرير لجنة الخمسة، ونذكر الآن بيانات أوفى فيما يلي: نُشِرت في ٢٤ سبتمبر في جنيف صورة مشروع لجنة الخمسة للصلح بين إيطاليا والحبشة، وهو مقسوم خمسة أقسام؛ الأول: يبحث في الحالة بحثًا إجماليًّا، ويذكر خلاصة أعمال اللجنة. والثاني: يحتوي على عدد من الاقتراحات لتنظيم الحبشة. والثالث: يتضمن تفاصيل هذا التنظيم. والرابع والخامس: يشتملان على اقتراحات واضحة الحدود لحل النزاع.

ومما جاء في الأول قول اللجنة أنها حاولت الاهتداء إلى قاعدة للمفاوضة يُحافَظ فيها أولًا على استقلال الحبشة وسلامة أملاكها وأمان جميع أعضاء الجامعة، وثانيًا على حفظ علاقات الصداقة بين أعضاء الجامعة.

ويلي ذلك خطبة مندوب الحبشة في اجتماع الجامعة؛ وهي التي أعرب فيها المندوب عن رغبة حكومة الحبشة في درس جميع الاقتراحات الخاصة بترقية البلاد اقتصاديًّا وماليًّا وسياسيًّا؛ طبقًا لروح عهد الجامعة.

واقترحت في القسمين الثاني والثالث تنظيم الفروع التالية في الإدارة: البوليس، والتجارة، والصناعة، والمالية، والحقانية، والمعارف … وغيرها. وأشارت بتعيين خبراء أجانب لتنظيم البوليس، وبأن يكون في مقدمة المهام التي تتولاها الحكومة تنفيذ القوانين الخاصة بإلغاء النخاسة، وتنظيم حمل السلاح، وضمان النظام والأمن على مقاطعات الحدود وسائر الأماكن التي يقطنها الأجانب.

وجاء في باب الترقية الاقتصادية بند يقول بمنح امتيازات في الزراعة، واستنباط المناجم، والإتجار، وتنظيم البريد والتلغراف.

ومن الاقتراحات المالية وضع الميزانية، وإنشاء الاحتكار المالي، ودرس مسألة عقد قروض أجنبية.

واقتراح لتنفيذ الإصلاحات التي يُراد إدخالها بإنشاء سلطة مركزية تشتمل على رئيس كل فرع من فروع الإدارة، ويجب أن يكون هؤلاء الرؤساء أوروبيين كلهم، وأن يكون أحدهم ممثلًا لجامعة الأمم، وأن يكونوا جميعًا تابعين لرئيس يمثِّل الجامعة أمام الإمبراطور.

وقد جاء في الجزء الأخير من المشروع أنه يُفرَض على الممثل الخصوصي للجامعة أمام الإمبراطور أن يعرض على الجامعة تقريرًا مرة واحدة في السنة على القليل، وأن يطلع الإمبراطور عليه قبل عرضه على الجامعة؛ لتضيف حكومة الحبشة إليه ما يعِنُّ لها من الآراء.

ويدوم تنفيذ المشروع مدة خمس سنين، وبعدها يُنقَّح على ضوء الاختبارات في تلك المدة.

ومما جاء فيه أن مندوبَي فرنسا وإنجلترا أبلغا اللجنة أن حكومتيهما تساعدان على حل النزاع سلميًّا بالاشتراك في تخطيط الأراضي بين إيطاليا والحبشة، والتضحية بشيء من أراضيهما في الصومال الفرنسوي والصومال البريطاني.

وفي أثناء هذه المفاوضات جربت فرنسا وإنجلترا الحصول على ضمانات تضمن إلغاء النخاسة في الحبشة والإتجار بالسلاح.

وقالت أنهما مستعدتان لأن تسلِّما بامتياز لإيطاليا يُمكِّنها من ترقية البلاد اقتصاديًّا؛ فلذلك ترحِّبان بعقد اتفاق اقتصادي بين إيطاليا والحبشة بشرط أن تُراعَى فيه حقوق رعاياها، والحقوق التي منحتها إنجلترا وفرنسا بموجب المعاهدات الحاضرة.

(٥) ملاحظات المندوب الإيطالي على الاقتراحات

قال المندوب: إن الحبشة خالفت تعهداتها وفقدت بذلك مكانتها كعضو في عصبة الأمم.

وأشار تقرير المندوب إلى الملاحظات الشفهية التي أُبدِيَت يوم ٢٢ سبتمبر، فقال إن المندوب الإيطالي احتجَّ بأن اللجنة لم تأخذ بعين الاعتبار التُّهَم المعيَّنة التي وجهتها إيطاليا إلى الحبشة، والتي من شأنها أن تثبت أن الحبشة لم تبرَّ بالعهود التي قطعتها على نفسها عند انضمامها إلى عصبة الأمم وقد خالفت غيرها من التعهدات علانية؛ ولذلك لم يعد في الإمكان عدها حائزة للمركز والمقام الذي يتمتع به العضو في العصبة.

  • لا يمكن إيجاد حل عن طريق العصبة: وإن إيطاليا لا ترى أن بالإمكان إيجاد حل للنزاع عن طريق العصبة، ثم إن مشروع اللجنة لتنظيم الجيش تُرِك بدون رقابة على الإطلاق.
  • رفض ما تعرضه فرنسا وبريطانيا للتسوية: أما ما أبداه مندوبا فرنسا وبريطانيا العظمى بشأن تعديل الحدود لمصلحة إيطاليا في مقابل التعويض على الحبشة في منطقة ساحل الصومال، فالحكومة الإيطالية ترى أنها مرغمة على معارضة هذا الاقتراح لأنها أظهرت مكررًا الخطر الذي نجم عن حل كهذا يجعل الحبشة دولة بحرية ويزيد في خطرها على الممتلكات الإيطالية.
  • حقوق إيطاليا بمقتضى المعاهدة الثلاثية: وتقول إيطاليا في ملاحظتها أيضًا أنه كان يجب على اللجنة أن تأخذ بعين الاعتبار الحقوق الإقليمية الممنوحة لإيطاليا بمقتضى المعاهدة الثلاثية، وتلك الحقوق تنطوي على إيجاد الاتصال بين مستعمرة الأريتريا ومستعمرة الصومال الإيطالي إلى الغرب من أديس أبابا.
  • الحبشة غير جديرة بالدخول في اتفاقات دولية: واختتم البارون الويزي — مندوب إيطاليا — ملاحظاته بالقول أن جميع الأسباب التي أدت إلى النزاع الإيطالي الحبشي تدل على استحالة الوصول إلى أي اتفاق حتى ما كان اقتصاديًّا منه مع الحبشة، وذلك بالنظر لعدم جدارتها بالدخول في الاتفاقات الدولية وعدم كفاءتها على احترامها.
  • رد الحبشة بقبول الاقتراحات أساسًا للمفاوضة: أما رد الحبشة فقد تضمن تصريحًا منها باستعدادها التام للدخول فورًا في مفاوضات على أساس اقتراحات اللجنة.

(٦) مذكرة إيطاليا إلى عصبة الأمم

ننشر فيما يلي نص مذكرة الحكومة الإيطالية إلى عصبة الأمم في سبتمبر ١٩٣٥.

تعرض الحكومة الإيطالية على مجلس عصبة الأمم الموقف الخاص والقانوني لإيطاليا مع علاقاتها مع الحبشة.

فقد بدأت علاقات إيطاليا بالبلاد المكونة للإمبراطورية الحبشية منذ أواسط القرن الماضي، وتثبتت علاقاتها رسميًّا في معاهدة ١٨٨٩.

وقد نصت المادة ١٧ من المعاهدة المذكورة على أفضلية النفوذ الإيطالي، وأُبلِغ فحواها إلى الدول.

وعلى أثر إمضاء الاتفاق بدأت الحبشة بأعمال عدائية ضد إيطاليا كانت نتيجتها مشكلة ١٨٩٥-١٨٩٦.

وبالرغم من هذه التجربة رجعت الحكومة الإيطالية إلى استئناف سياسة التعاون اللازمة للمستعمرات الإيطالية في الصومال والأريتريا، كما أنها أبرمت طائفة من المعاهدات.

وإن الدليل على حسن نية إيطاليا ظاهر في أنها قامت بتوريد أول مقطوعية للأسلحة في الحبشة، ومن بينها: ٤٠٠٠ بندقية، وألف موسكتون، ومليون خرطوشة، و٢٤ متراليوزًا بمبلغ ١٩٠٠٠٠٠ ليرة. بقي منها ٨٤٦٠٠٠ ليرة لم يسددها النجاشي بعد.

وفي هذه الأيام طلبت الحبشة أسلحة ورَدَت إليها خلسة، والمفهوم أن هذه الأسلحة الغرض منها استخدامها ضد إيطاليا؛ إذ لا يعزب عن البال أن لإيطاليا أكثر من ٢٠٠٠ كيلومتر حدودًا مشتركة بينها وبين الحبشة.

خرق المعاهدات: وقد قامت العلاقات بين البلدين في الأربعين سنة الأخيرة على وقائع تدخل في أحد الأبواب الأربعة التالية:
  • (١)

    رفض الحبشة تحديد الحدود بينها وبين المستعمرات الإيطالية، وكذلك احتلال الجنود الحبشية لمناطق إيطالية.

  • (٢)

    إهانات يومية موجهة إلى حصانة المعتمد الإيطالي.

  • (٣)

    تعريض متواصل بحياة وأملاك الرعايا الإيطاليين في الحبشة، وقد رفضت الحكومة لهم كل مشروع أو عمل اقتصادي.

  • (٤)

    التعريض بحياة وأملاك الإيطاليين في الأراضي الإيطالية.

مسألة الحدود: كثيرًا ما أعربت الحكومة الإيطالية عن رغبتها في تحديد الحدود بينما كانت الحكومة الحبشية ترفض أو تسوِّف.

ثم إن الحبشة رأت بعد ذلك أن تعتبر بعض القبائل مثل قبيلة كومانا تابعة لها بينما نصت المعاهدات على أنها تتبع إيطاليا.

ولما أرادت إيطاليا تحديد الحدود بين الأريتريا والتجر بناء على اتفاق سنة ١٩٠٠ لم يُستطَع البدء فيه إلا في سنة ١٩٠٧، وقد أوقف الأحباش المشروع في هذه الناحية وفي حدود الدنقالي.

كذلك تجددت العقبات من ناحية الحبشة فيما يختص بحدود الصومال، وقد جاء ذكرها في معاهدة ١٩٠٨.

معاهدة الصداقة الإيطالية الحبشية: قدمت الحكومة الإيطالية أبلغ دليل على صداقتها وحسن نياتها بإبرام معاهدة سنة ١٩٢٨ لمدة عشرين سنة، وهذا الاتفاق يؤكد سلامة النيات الإيطالية.

والمادة الأساسية لهذا الاتفاق قد أعطت للحبشة منفذًا على البحر، ونصت على وجوب «تنشيط التجارة بين البلدين».

وقد كانت المعارضة الحبشية في هذا السبيل دائمة؛ إذ إن جميع المستشارين الأجانب الذين عيَّنتهم الحكومة الحبشية لم يكن بينهم سوى إيطالي واحد.

وقد وكلت الحكومة إلى فرنسي وسويدي إدارة محطة الراديو، والتي قامت بإنشائها مصانع أنصالدو الإيطالية.

وبالرغم من افتقار الحبشة إلى الطرق لم تمهد إحداها نحو المستعمرات الإيطالية، ولم تقبل الحكومة إيطاليًّا من الفنيين أو الأطباء أو رجال الدين.

وقد رفضت الحكومة كذلك المعاونة الإيطالية للكفاح ضد الطاعون البقري الذي كان يهدد المستعمرات الإنجليزية والفرنسية أيضًا.

ولم يتيسر السير في تنفيذ أحد المشاريع الإيطالية النادرة؛ وهي استغلال بوتاس ولوال على أثر عرقلة الحبشة ورفضها تمهيد الطريق للوصول إلى المنطقة.

كذلك عارضت الحكومة في كل نشاط إيطالي في الشئون الزراعية، كما رفضت البدء في تمهيد الطريق بين دسي وأديس أبابا الذي ينتهي إلى المنفذ البحري، ويُرَى من ذلك أن اتفاق سنة ١٩٢٧ الذي كان يجب أن يؤدي إلى تمييز إيطاليا على سائر الدول في الحبشة جعلها أقل الدول امتيازًا في هذه البلاد.

معاهدة كلوبوكوفسكي: وقد خرقت الحبشة معاهدة أخرى هي معاهدة كلوبوكوفسكي التي نظمت حقوق الأوروبيين في الحبشة، وكل خرق لهذه المعاهدة يُعتبَر في نظر الإيطاليين خرقًا لمعاهدة الصداقة المبرمة بين البلدين.

وقد حرَّم الأحباش على الإيطاليين امتلاك الأراضي واحتلالها بعقود ذات أمد طويل، وبالرغم من هذه المعاهدات فإنه لم يُسمَح للأجانب بحرِّيَّة المرور في الأراضي الحبشية، ومثال ذلك أن قُنصُلَي بريطانيا في ليجا ودنقلة لم يستطيعا القيام برحلات في داخل البلاد.

وقد نصت المعاهدة على حرية التجارة في البلاد، وبالرغم من ذلك أعطت الحكومة امتياز احتكار الكؤل لشركة بلجيكية سنة ١٩٢٢، وامتياز احتكار الملح شركة فرنسية في سنة ١٩٣٠، ولم يُجدِ احتجاج السلك السياسي نفعًا.

وقد أنشأت الحكومة ضرائب جمركية إضافية، وخصت البضائع الواردة من الصومال البريطاني دون البضائع الواردة من البلاد الأخرى بامتيازات خاصة.

وهناك خرق آخر للمعاهدات؛ وهو إيجاد هيئة سلبت اختصاصات القناصل القضائية المعترف بها في معاهدة كلوبوكوفسكي، وقد عارض السلك السياسي دون جدوى ضد إنشاء محاكم مختلطة للأجانب.

واضطر الممثلون الأوروبيون إلى الالتجاء إلى الإضراب القضائي ليصلوا إلى نتيجة ما.

وكثيرًا ما قُبِض على رجال من البيض دون تسليمهم إلى السلطات المختصة.

التهديدات والاعتداءات: وقد أغارت القوات الحبشية على الحدود الإيطالية في أحرج أوقات السياسة الإيطالية، وقد كانت مستعدة للهجوم بمناسبة اشتغال بريطانيا في حرب برقة، فقد تجمع ٥٠٠٠٠ مقاتل على حدود الأريتريا في مارس سنة ١٩١٤، وقبيل اشتراك إيطاليا في الحرب الكبرى جمع النجاشي ميكايل ١٥٠٠٠٠ مقاتل ضد إيطاليا التي اضطرت إلى إرسال جنودها إلى الأريتريا.

وفي سنة ١٩١٦ كان ليج ياسو مسئولًا عن حادث بولوبورتي كما أن الحبشة ورَّدت أسلحة للثوريين الصوماليين في سنة ١٩٢٥-١٩٢٦.

الاعتداءات على أعضاء السلك السياسي: وقد حدث ٢٦ اعتداء في بحر سبع سنوات في المدة الواقعة بين مايو ١٩٢٨ وشهر أغسطس ١٩٣٥، وحدث قبل ذلك في سنة ١٩١٦ أن أطلق الحبشيون رصاص بنادقهم على المفوضية الإيطالية، وقد سُرِقت رسائل قنصلية عدوة، ثم سُرِقت وثائق قنصلية جندور، ولم يقبض ولاة الأمور على المسئولين أو يعاقبوهم.

وكذلك جرت اعتداءات مسلحة ضد قنصلية هرر سنة ١٩٣٠ ودسي في سنتي ١٩٣١ و١٩٣٢، وقُبِض على مستشار المفوضية واعتُقِل مدة خمسة أيام كما قُتِل حامل رسائل منذارو وقُبِض على كثيرين من أتباع القناصل والمستشارين، وانتُهِكت حرمة رسائلهم.

الاعتداء على حياة الإيطاليين وأملاكهم: ولم يتمتع الرعايا الإيطاليون بالأمن الذي كفلته لهم المعاهدات، وقد حدث خمسة عشر حادثًا اعتُدِي فيه على الإيطاليين اعتداء منكرًا — وخاصة في سنة ١٩٢٤؛ إذ هجم الأحباش على قافلة إيطالية من الأريتريا في بيارا، وفي ١٩٢٩ هجموا على قافلة مكونة من ٧٠٠ جمل وقُتِل ألفردو يلوزو في سنة ١٩٣٢.

الفوضى في الحبشة: إن الحبشة في حالة من الفوضى الداخلية والتأخر السياسي والاقتصادي والثقافي لا تستطيع معها أن تجري وحدها الإصلاحات العميقة المقتضى إجراؤها لكي لا تكون خطرًا مستمرًّا على المستعمرات الإيطالية المتاخمة كما هو الحال الآن.

وفي الظروف الحالية لا تقدم الحبشة أي ضمان للقيام بالتعهدات التي أخذتها على نفسها كما أنه لا يمكنها أن تساهم في تطور النشاط الاقتصادي للمستعمرات الإيطالية.

ثم إن الحرب الداخلية تجعل السوق الحبشية في حاجة إلى الأمن؛ إذ إن تاريخ الحبشة في العشر السنوات الأخيرة حافل بالحرب الداخلية.

منطقة النفوذ الإيطالي في الحبشة: اضطر اتساع نطاق الفوضى في الحبشة الدول المجاورة إلى المحافظة على مصالحها بواسطة المعاهدات؛ ولذلك قُسِّمت البلاد إلى مناطق نفوذ، كان لإيطاليا القسم الأكبر منها.

ومن بين هذه الاتفاقات معاهدة سنة ١٩٢٨ التي ضمنت المصالح الإيطالية والفرنسية والإنجليزية.

الحبشة وعصبة الأمم: لم تُقبَل الحبشة في عصبة الأمم في سنة ١٩٢٣ إلا بعد أن أخذت على نفسها تعهدات خاصة باتفاق سان جرمان إن لاي المبرم في سنة ١٩١٩.

ولما كانت الحبشة موضوع بروتوكول إيطالي إنجليزي في سنتي ١٨٩١ و١٨٩٤، وبروتوكول إيطالي فرنسي إنجليزي بعد ذلك؛ فهي تُعتبَر في مركز قانوني تحت الوصاية.

ومن واجب عصبة الأمم أن تسأل نفسها كيف قابلت الحبشة منذ ١٢ سنة الثقة التي منحتها وكيف قامت بتنفيذ تعهداتها.

ميثاق عصبة الأمم: نصت المادة الأولى لميثاق العصبة على أن عضو العصبة يجب أن يكون له من السلطان ما يلزم لبسط حكمه في كل أنحاء البلاد.

إلا أن الحبشة مكونة من قسمين: الدولة الحبشية المعروفة وخارجها إمارات؛ مثل: هرر، وتافا، وأولاما، وجيجا. وهي تختلف عن الحبشة في الدين، واللغة، والنظام السياسي والجنسي.

ثم إن أوامر الحكومة المركزية لا تصل إلى خارج حدود عواصم الإمبراطورية كما شهدت بذلك أبحاث وزارة إنجلترا في أديس أبابا، وكذلك لورد نوبل ولورد بولوارث.

ثم إن حالة الحبشة لا تتفق مع فحوى شروط المادة ٢٣ من ميثاق العصبة الذي ينص على أن الحكومة يجب أن تضمن حياة إنسانية عادلة لجميع سكان البلاد، وتضمن أيضًا الأمن على طول المواصلات.

الرق: يظهر من المستندات الدبلوماسية أن الرق لا يزال جاريًا في الحبشة، ثم إن قرار الإمبراطورية لم يغيِّر شيئًا؛ إذ إن علو مركز الكبراء لا يزال يُقاس اليوم بعدد عبيدهم.

وحتى القضاة المكلفون بتحريم الرق يملكون عددًا كبيرًا من العبيد.

ويقوم الممولون بدفع العوائد بعدد من العبيد — نساء أو أطفال، وتجارة الرقيق كثيرة الانتشار في الحبشة كما تشهد بذلك أبحاث لورد نوكستن ولورد بولوارث ومذكرة فرنسية قُدِّمت في أغسطس سنة ١٩٢٣.

وكذلك لورد لوجارد مندوب عصبة الأمم ولم يمكن نشره لما احتواه من أشياء مروعة.

النتيجة:
  • (١)

    تعترف الحبشة بالشكل القانوني للرق.

  • (٢)

    لا تزال وقائع الخطف وتجارة الرقيق جارية في أنحاء البلاد.

  • (٣)

    تجارة الرقيق منتشرة.

  • (٤)

    وتشترك الحكومة الحبشية في هذه التجارة بشكل غير مباشر.

  • (٥)

    وبجانب العبيد يوجد الغجر الذين يسومون العبيد العذاب.

  • (٦)

    لم ترعَ الحبشة حرمة التعهدات التي أخذتها على نفسها قبل عصبة الأمم.

وإن ظروف الحياة الداخلية للحبشة تجعل هذه البلاد غير جديرة بأن تكون عضوًا في مجلس العصبة؛ إذ إنهم يوالون الاعتداء على الصغار والكبار لمقتضيات تجارة الأغوات، وكذلك عادات آكلي لحوم البشر وتعذيب البعض على يد السحرة، وكذلك إهمال حياة المصابين بالرصاص، ونظام قتل المحكوم عليهم بالإعدام.

ويظهر من ذلك أن الحبشة لم تظهر أنها جديرة بثقة جنيف ولم تعمل بها، ولما كانت بهذا السلوك أخرجت نفسها من العصبة لا يمكن أن تظل بها دون المساس بمركز أكبر هيئة للدول المتمدنة.

ويلزم العصبة أن تنظر إلى الخلاف على وجه أن إيطاليا أكثر الدول خسارة على أثر خرق الحبشة للتعهدات التي أخذتها على نفسها بصفتها عضوًا في عصبة الأمم.

ولا يمكن لعضو الالتجاء إلى الميثاق إذا كان قد خرق هو حرمته ولم يقم بواجباته بينما أظهر أنه غير جدير بالثقة التي حباه بها المجلس.

ثم إنه من المخالف لأصول الحق أن يُقال إن أعضاء العصبة مكلفون باحترام شروط الميثاق إزاء دولة خرجت على الميثاق بخرقها تعهداتها.

وإن قبول الحبشة في مجلس العصبة كان مفهومًا باعتبار أن الحبشة ستنتهز فرصة جوار الدول المتمدنة كي ترفع نفسها إلى مركزها، ولكن هذه الآمال خابت.

وقد أظهرت الحبشة أن ليس في استطاعتها أن تجد في انتمائها إلى العصبة الدافع القوي الكافي لرفعها إلى مستوى باقي الدول المتمدنة.

وإذا لم تسجل العصبة نتيجة هذه التجربة والدرس الذي يُستفاد منها؛ فإنها تكون أول من يهدم الأغراض السامية التي تعمل لها.

وقد انتهكت الحبشة جميع المعاهدات، وهي خطر داهم لإيطاليا؛ إذ هي تهدد مستعمراتها الأفريقية.

وقد جرت الحبشة بمسلكها إلى خروجها على العصبة وميثاقها، وأظهرت عدم جدارتها بثقة عصبة الأمم عند قبولها بين أعضائها، وإذا احتجت إيطاليا على مثل هذه الحالة فإنها تدافع عن كيانها ومركزها وكرامتها، وهي تدافع أيضًا عن سمعة وكرامة عصبة الأمم.

حالة إيطاليا ومعاقبتها اقتصاديًّا

إن العقوبات الاقتصادية التي توشك إيطاليا أن تواجهها تكاد تُطبَّق من الآن؛ لأن طبيعة الحالة الاقتصادية في إيطاليا تستدعيها، ففي الميزانية الإيطالية الحالية عجز يبلغ نحو ٣٥ مليون جنيه وفاقًا لتقدير الحكومة، ويُقدَّر أدنى حد للنفقات التي تقتضيها الحملة العسكرية الإيطالية في أفريقيا الشرقية بنحو مائتي مليون جنيه، ولدى إيطاليا الآن بعض هذا المبلغ وهي تنفق منه على الحملة.١

وقد جعلت استيراد الفحم والقصدير والنحاس والنيكل احتكارًا للحكومة، وألفت عشر هيئات تجارية من الفاشستي لتنظيم استيراد المواد الأولية وتوزيعها، ووضعت يدها على ما يمتلكه الإيطاليون في الخارج من الاعتمادات الأجنبية وأعطتهم عملة إيطالية بدلًا منها، وجعلت تستخدم تلك الاعتمادات في شراء المواد الأولية واللوازم الحربية، وحاولت أخيرًا أن تبيع جزءًا مما تملكه من سندات الحكومة الفرنسية في باريس؛ فخشيت الحكومة الفرنسية نزول هذه الأسهم، واضطر بنك فرنسا إلى عقد قرض صغير لإيطاليا مقابل تلك السندات لكي يصون سعرها.

وقد عمدت الحكومة أخيرًا إلى الذهب الاحتياطي الموجود في بنك إيطاليا وجعلت تستخدمه في شراء المواد الأولية والمعاهدات الحربية من الخارج، وعندما نزل هذا الاحتياطي إلى الحد القانوني اللازم لغطاء العملة — وهو ٤٠ في المائة — وضعت قانونًا بإلغاء هذا الحد، ثم سحبت العملة الفضية الموجودة في التداول، وتبلغ قيمتها الاسمية ١٦٣٥٧٤٩٠٠٠ ليرة إيطالية، وجعلتها غطاء لورق النقد، وأصدرت بدلًا منها ورقًا جديدًا.

ومن المتوقع من الآن أنه إذا قامت إيطاليا بما يخل بميثاق العصبة فلا بد أن نشهد احتلالًا بريطانيًّا للقسم الغربي الأقصى من الحبشة؛ أي من بحيرة رودلف جنوبًا إلى بحيرة تانا شمالًا، بحيث يتناول هذا الاحتلال المنطقة الغنية الوحيدة المتاخمة لكنيا، ويشمل مناجم الذهب والنحاس والبترول الهائلة. أما كل ما بقي من أراضي الحبشة فإنه يكون ميدانًا للحرب مع إيطاليا، وهي باعتراف جميع الخبراء ستكون من أشق الحروب بالنسبة لإيطاليا.

وفي هذه الحالة تعرض مسألة على جانب عظيم من الأهمية؛ وهي مسألة الخط الحديدي بين جيبوتي وأديس أبابا، والمعروف أن هذا الخط من المشروعات الفرنسية، والطريق الوحيد الذي يجعل للحبشة منفذًا إلى البحر. وهذه المسألة تُعرَض من نواحٍ ثلاث: «الأولى» ناحية المصالح الفرنسية و«الثانية» ناحية مصلحة الدول والإنسانية، «والثالثة» ناحية العلاقات بين فرنسا وإيطاليا.

ومن الأمور التي يُنتظَر حدوثها أن ينزل الحبشيون في أنحاء «أساب» — وهي مركز المعسكر العام للجيش الإيطالي — وأن يعمد الإيطاليون بمجرد بدء الأعمال الحربية إلى استخدام الطيارات لقطع الخط الحديدي الذي يصل بين جيبوتي وأديس أبابا على مسافة سبعمائة كيلومتر تقريبًا، وبذلك يُدمَّر مشروع فرنسي عظيم؛ مما يؤدي إلى موقف دقيق.

بلاغ من مجلس الوزراء الإيطالي

«في برقية من روما في ٢٨ سبتمبر»: عقد الوزراء الإيطاليون اجتماعًا جديدًا برئاسة السنيور موسوليني، وجاء في البلاغ الرسمي الذي نُشِر على أثر هذا الاجتماع — وهو بمثابة تعليق على اقتراحات لجنة الأمم — أن أعضاء اللجنة لم يُقِيموا أي وزن لما تشعر به إيطاليا من ضرورة التوسع وطلب الأمن، وتجاهلوا أيضًا تجاهلًا تامًّا معاهدات ١٨٨٩ و١٩٠٦ و١٩٢٥.

ويؤكد البلاغ أن إيطاليا لم تضع نصب عينيها — لا سرًّا ولا جهرًا — معارضة مصالح إنجلترا ولا حاولت ذلك، ويقول أيضًا أن الحكومة الإيطالية تعلن رسميًّا أنها ستتجنب كل عمل من شأنه أن يؤدي إلى توسيع نطاق الخلاف بينها وبين الحبشة.

ويقول البلاغ في الختام أن إيطاليا ستعبئ قريبًا تعبئة مدنية لم يسبق لها مثيل في التاريخ.

ومما قرره مجلس الوزراء أيضًا أن لا تنفصل إيطاليا عن جامعة الأمم ما دامت لم تتخذ تدابير ضدها.

ثمن فوز إيطاليا

كتب الدكتور «ويلفر بدا وزوحوود» الذي سبق أن طاف ألفي ميل في الحبشة والأخصائي في علم الحيوان بمتحف التاريخ الطبيعي بمدينة شيكاغو مقالًا في إحدى المجالات الأمريكية تحت العنوان المتقدم، جاء فيه:

لا مندوحة للإيطاليين من المقاتلة وجهًا لوجه في محاربتهم الأحباش كما أنهم لا مناص لهم من أن يفعلوا ذلك خمس سنوات متتابعة إذا كانت غايتهم الانتصار على الحبشة!

ومن المحتمل جدًّا أن يقتحموا البلاد من «مصوع» في الحدود الشمالية الشرقية، وسرعان ما يجدون أنفسهم في مهايع من الفضاء لا نهاية لأطرافها.

ومن المحتوم عليهم إنشاء الطرق قبل أن يتقدم الجيش في زحفه، ومثل هذا لا بد من إجلاء القبائل حتى يأمنوا مواصلة العمل لإنشاء تلك الطرق، والطيارات في هذه الحالة لا جدوى منها البتة لأولئك الغزاة اللهم إلا للاستكشاف والاستطلاع؛ إذ ليست هناك مدن أو شبه مدن تستحق إلقاء القنابل عليها. حينئذ تصبح الدبابات أيضًا عديمة المنفعة!

وبديهي أن يواصل الإيطاليون زحفهم بينما الشهور تمر تباعًا، حتى يقبل فصل الأمطار فيشلهم عن جميع حركاتهم ولا يبقى إلا المقاتلة وجهًا لوجه.

نعم؛ يستطيع الإيطاليون أن يستولوا على إثيوبيا، وتستطيع ذلك أية دولة عصرية، ولكن لا مناص للسنيور موسوليني من مواصلة الجهاد خمسة أعوام على الأقل يتولى خلالها «الشيطان» إنفاق مالية إيطاليا!

(٧) لجنة الثلاثة عشر لعصبة الأمم

«في برقية من جنيف في ٢٧ سبتمبر»: عَقدت لجنة الثلاثة عشر المؤلفة من جميع أعضاء مجلس عصبة الأمم ما عدا العضو الإيطالي لوضع تقرير عن النزاع بين إيطاليا والحبشة اجتماعَها الأول صباح اليوم.

وانتُخِب السنيور مدرياجا رئيس لجنة الخمسة رئيسًا لها، وبعد أن أخذت علمًا بتلغراف إمبراطور الحبشة المؤرَّخ في ٢٥ سبتمبر الذي طلب فيه إيفاد لجنة دولية إلى الحبشة لمراقبة أي من الفريقين يشرع في الاعتداء وضعت صيغة الرد الذي سيُنشَر غدًا، ثم قررت برنامج أعمالها.

وقد قررت أيضًا أن ترسل برقية شكر إلى إمبراطور الحبشة بسحبه الجنود الحبشية مسافة ٢٠ كيلومترًا وراء الحدود رغبة منه في اجتناب الحوادث.

وقالت لجنة الثلاثة عشر في ردها على ما طلب إمبراطور الحبشة من تعيين لجنة من المراقبين إنها ستدرس هذا الطلب بكل عناية لترى إذا كانت الظروف القائمة تسمح للمراقبين بأن يقوموا بالمهمة المطلوبة منهم، وقد قررت في ٢ أكتوبر عدم إمكان تلبية هذا الطلب.

ويُقال إن اللجنة عهدت إلى ثلاثة من الخبراء في درس الموضوع، وهم: المسيو سان كانتان الفرنسوي، والمستر تومسون الإنجليزي، والسنيور لوبيز أوليفان الإسباني.

ويتضمن قرار المجلس الخاص بالعمل طبقًا للفقرة الرابعة من المادة الخامسة عشرة من عهد العصبة، إعداد تقرير يشتمل على بيان بالحقائق الخاصة بالنزاع والتوصيات التي يراها عادلة وواجبة في هذا الصدد.

وليست هذه أول مرة قرر المجلس اتباع هذه الخطة، بل سبق له من قبل أن اتخذ مثل هذا الإجراء في حرب «جران شاكو» وفي النزاع الذي وقع بين اليابان والصين.

وستظل دورة انعقاد الجمعية العمومية لعصبة الأمم مستمرة إلى أن ينجلي الموقف بشأن النزاع الإيطالي الحبشي بعض الجلاء.

وقد قرر مكتب العصبة في اجتماعه بعد ظهر اليوم أن يقترح ذلك على هيئة الجمعية في جلستها غدًا كي يكون في المستطاع دعوة الجمعية إلى الاجتماع في خلال ٢٤ ساعة.

(٨) المادة الخامسة عشرة من عهد عصبة الأمم

قررت عصبة الأمم معالجة المشكلة الحبشية على أساس المادة ١٥ من العهد، وتحول مجلس العصبة إلى لجنة لهذا الغرض، فرأينا من المفيد أن نورد نص هذه المادة ليكون القراء على بينة من الأمر، وهي:

إذا وقع بين أعضاء العصبة خلاف يحتمل أن يؤدي إلى انشقاق، وإذا كان هذا الخلاف لم يُعرَض لإجراءات التحكيم أو التسوية القضائية وفاقًا لأحكام المادة ١٣؛ فأعضاء العصبة يتفقون على عرضه على المجلس. وفي هذه الحالة يكفي أن يبلغ عضو منهم السكرتير العام أمر هذا الخلاف، فيأخذ جميع التدابير اللازمة لإجراء تحقيق وفحص كاملين.

ويجب على الفريقين المتنازعين أن يبسطا لسكرتيرية العصبة في أقصر وقت موضوع قضيتهما مع جميع الحوادث والمستندات، ويستطيع المجلس أن يأمر بالإذاعة المباشرة.

ويسعى المجلس لتسوية الخلاف، فإذا أفلح فإنه ينشر بالطريقة التي يراها مناسبة بيانًا يوضِّح الوقائع مع نصوص هذه التسوية.

وإذا لم يكن من المستطاع تسوية هذا الخلاف فالمجلس يضع إنذارًا يُقترَع عليه إما بالإجماع وإما بأكثرية الأصوات، ويُبسط فيه ظروف الخلاف والحلول التي يوصي بها ويراها أقرب إلى الإنصاف.

وكل عضو من العصبة ممثل في المجلس يستطيع نشر بيان عن الخلاف يُضمِّنه آراءه الخاصة.

وإذا قُبِل تقرير المجلس بالإجماع فلا يُحسَب لاقتراع مندوبَي الدولتين المتنازعتين حساب في هذا الإجماع، ويتعهد أعضاء العصبة بألَّا يلجأوا إلى الحرب ضد أي فريق يمتثل لأحكام الاتفاق.

وفي حالة فشل المجلس في حمل جميع الأعضاء على قبول تقريره — ما عدا مندوبَي الدولتين المتنازعتين — يحتفظ أعضاء العصبة بحق العمل كما يرونه ضروريًّا لضمان الحق والعدل.

وإذا ادعى فريق من المتنازعين وإذا تراءى للمجلس أن الخلاف يتناول مسألة يتركها الحق الدولي لاختصاص هذا الفريق وحده، فإن المجلس يثبت ذلك في تقريره ولكن بدون أن يوصي بأي حل.

يستطيع المجلس في جميع الحالات المنصوص عنها في هذه المادة أن يعرض الخلاف على هيئة العصبة، ويجب إبلاغ العصبة أيضًا أمر الخلاف بطلب من أحد الفريقين المتنازعين، وهذا الطلب يجب أن يُقدَّم في مدة ١٤ يومًا تبتدئ من تاريخ عرض الخلاف على المجلس.

وفي كل قضية تُعرَض على العصبة تُطبَّق أحكام هذه المادة والمادة ١٢ الخاصة بسلطة المجلس على سلطة هيئة العصبة، ومعلوم أن تقريرًا تضعه الجمعية بموافقة مندوبِي أعضاء العصبة الممثلِين في المجلس وأكثرية أعضاء العصبة الآخرين — مع استثناء مندوبَي الفريقين المتنازعين — يكون فعله كفعل تقرير يضعه المجلس ويوافق عليه بإجماع آراء أعضائه ما عدا مندوبَي الدولتين المتنازعتين.

(٩) اتفاق سرِّي بين إنجلترا وإيطاليا

«في برقية بتاريخ ٢٨ سبتمبر سنة ١٩٣٥٢ من روما»: أن السنيور موسوليني صرَّح في حديث له مع مكاتب جريدة البتي جورنال الفرنسوية أنه وقَّع في عام ١٩٢٥ مع سفير إنجلترا السير رونالد غرايهام عقدًا يقضي بتقسيم الحبشة تقسيمًا فعليًّا.
وننشر فيما يلي نص مذكرة رفعها سفير بريطانيا في روما إلى الحكومة الإيطالية باسم حكومته فيها مقترحات مختلفة سياسية واقتصادية خاصة بموقف بريطانيا وإيطاليا في الحبشة، والمقترحات الاقتصادية هي الغالبة. وإليك نص المذكرة نقلًا عن مجلة الشئون الدولية؛ وهي مجلة ربعية أمريكية عالية المقام:

لذلك لي الشرف بناءً على تعليمات وزير خارجية جلالة الملك أن أطلب إلى سعادتكم تأييدكم ومساعدتكم في أديس أبابا قبل الحكومة الحبشية للحصول على امتيازكم لحكومة جلالته — الحكومة البريطانية — ببناء سد على بحيرة تانا مع حق بناء طريق للسيارات لنقل العمال والموظفين ومئونتهم من حدود السودان إلى السد.

يقابل ذلك أن حكومة جلالته مستعدة أن تؤيد الحكومة الإيطالية في الحصول من الحكومة الحبشية على امتياز ببناء سكة حديدية من حدود الأريتريا إلى حدود الصومال الإيطالية، ويكون من المفهوم بيننا أن سكة الحديد هذه وكل ما يلزم لها من الأعمال لبنائها وتسييرها يكون لها حق مطلق في اجتياز طريق السيارات التي أُشِير إليها في الفقرة السابقة.

فتحقيقًا لهذين الغرضين يصبح من الضروري أن يُبعَث بتعليمات متماثلة لممثلي بريطانيا وإيطاليا في الحبشة؛ ليعملا مشتركَين أمام الحكومة الحبشية للحصول على الامتيازات التي ترغب فيها حكومتا بريطانيا وإيطاليا في بحيرة تانا، وبناء سكة الحديد التي تصل الأريتريا بالصومال الإيطالي، ولكي يكون منح هذين الامتيازين في وقت واحد. فإذا فازت إحدى الحكومتين بامتيازها الخاص الذي تسعى إليه وأخفقت الأخرى يتعين على الحكومة التي فازت بما تطلب أن لا تتهاون في سعيها الحثيث لتحقيق ما تطلبه الحكومة الأخرى.

فإذا تم لحكومة جلالة الملك — بريطانيا — بمساعدة حكومة إيطاليا القيمة الحصول على الامتياز الخاص ببحيرة تانا من الحكومة الحبشية، فهي — أي حكومة بريطانيا — مستعدة أن تعترف بإنشاء منطقة نفوذ اقتصادي إيطالية في غرب الحبشة خاصة بها وفي كل المنطقة التي تجتازها سكة الحديد المذكورة آنفًا، ثم إنها تتعهد بأن تؤيِّد طلب حكومة إيطاليا لامتيازات اقتصادية في تلك المنطقة أمام حكومة الحبشة. ا.ﻫ.

وقد قَبِل السنيور موسوليني القواعد التي ذُكِرت في هذه الوثيقة الرسمية ولكن فرنسا عارضت فيها؛ لأن معاهدة ١٩٠٦ الثلاثية تنص على منع أي اتفاق ثنائي خاص بالحبشة، ولما كان هذا الاتفاق أو مشروعه تم بين إيطاليا وبريطانيا من دون علم فرنسا، فقد عارضت فرنسا فيه وبوجه خاص لأنها لم تكن صديقة لإيطاليا حينئذ.

(١٠) المفاوضات خارج العصبة

«وفي برقية من لندن في ٣٠ سبتمبر»: أن المكاتب الخاص في جنيف لجريدة الديلي هرالد علم أن الحكومة البريطانية لا توافق على ما تقدَّم به السنيور موسوليني في بيانه الذي أفضى به يوم السبت ودعاها إليه؛ وهو الدخول في مفاوضات مستقلة عن العصبة.

وقد أيَّدت جرائد الصباح الأخرى هذا الرأي، وصرَّحت بأن بريطانيا ستظل تؤيِّد العصبة ما بقيت أداة ناجعة وما دام الجميع يتحمَّلون المخاطرة في سبيل السلم.

(١١) ما تقبله الحبشة للتسوية

«وفي برقية من لندن في ٢٣ سبتمبر»: ذكر النجاشي في حديث له مع مكاتب التيمس الامتيازات التي يمكن للحبشة أن تنزل عنها لإيطاليا؛ وهي تتفق مع مقترحات لجنة الخمسة التي قبلتها الحبشة مبدئيًّا، وتتلخص فيما يلي:
  • أولًا: النزول عن جزء من مقاطعة أوجادن في مقابل منفذ إلى البحر.
  • ثانيًا: النزول لإيطاليا عن جزء من مقاطعة تيجرة في مقابل دفعة مالية.
  • ثالثًا: فتح الحبشة أمام الدول جميعًا للاستغلال الاقتصادي على قاعدة المساواة المطلقة في الحقوق.
  • رابعًا: إصلاح الإدارة بمساعدة المستشارين الأجانب الذين يعينهم النجاشي نفسه.
  • خامسًا: إعادة تنظيم البوليس وقانون العقوبات.
  • سادسًا: تحديد الحدود الحبشية تحديدًا نهائيًّا وضمانها فيما بعد بواسطة إنجلترا وفرنسا وإيطاليا.
  • سابعًا: إعلان حياد الحبشة الذي يجب أيضًا أن تضمنه الدول الثلاث.
  • ثامنًا: عقد قرض دولي تتولى رقابته عصبة الأمم لتيسير التقدم الاقتصادي.

(١٢) إعلان التعبئة الحبشية وعصبة الأمم

في الأسبوع الأخير من سبتمبر سنة ١٩٣٥ وزَّع الإمبراطور منشورات التعبئة العامة في طول البلاد وعرضها، وأُعِدَّت الطبول الكبيرة في القصر الإمبراطوري القديم — ومحيط أضخم تلك الطبول سبعة أمتار — وقد نُشِر عليه جلد أسد، وقد قرعه الإمبراطور بنفسه ويُسمَع إلى مدى ٧ كيلومترات ويتردد صداه وصدى الطبول الأخرى في جوانب البلاد، وقد أُعلِنت التعبئة عند الساعة الحادية عشرة من صباح يوم الخميس ٣ أكتوبر سنة ١٩٣٥.

في جنيف

ويُنتظَر أن يزيد عدد الجيش الحبشي بهذه التعبئة نصف مليون، ويقال إن الإمبراطور وافق على أمر التعبئة على كره منه؛ فقد عارض رءوس الحبشة في ذلك إلى الآن، ولم يوافق عليه إلا بعد مشاورة وفده في جنيف.

وفيما كان أهل أديس أبابا يعيدون عيد انقضاء فصل الأمطار أمس هطلت عليهم الأمطار.

وتتوقع دوائر الوفد الإيطالي في جنيف أن تُشهَر الحرب هذا الأسبوع، وقد صدر الأمر إلى قنصل إيطاليا في هرر بالسفر إلى جيبوتي حالًا.

وفي تلغراف من أديس أبابا في ٣٠ سبتمبر أن المسيو أفينول — السكرتير العام لعصبة الأمم — أبلغ التلغراف الذي ورد من النجاشي عن إعلان التعبئة العامة في الحبشة إلى جميع أعضاء مجلس العصبة الذي يُحتمَل أن يجتمع اليوم للنظر فيه.

وتلاحظ دوائر العصبة أن هذا التطور يزيد الضرورة القاضية بإرسال مراقبين من قبل عصبة الأمم لتحديد المسئولية في الأعمال العدائية التي ستحدث.

صورة إعلان التعبئة

أما برقية الحبشة، فقد جاء فيها ما يأتي:

لا تزال الحبشة متمسكة بحزم وثبات بأسباب السلام، وستستمر على تعاونها مع مجلس الجامعة في محاولة الوصول إلى تسوية سلمية للنزاع القائم على مقتضى ميثاق الجامعة، ولكننا مضطرون إلى لفت نظر المجلس إلى تزايد الدلائل التي تنبئ عن خطة إيطاليا العدائية بما تدأب على نقله من الجيوش والذخائر، وهذا على الرغم من ظواهر السلام الطبيعية التي توجد في الحبشة؛ ولذا فنحن نلح على مجلس الجامعة في أن يتتبع جميع الإجراءات الاحتياطية في أقرب وقت ممكن لمنع إيطاليا من الهجوم، وقد وصلت الحالة إلى حد أننا نُعَد مقصرين إذا أخرنا إعلان التعبئة العامة اللازمة للدفاع عن بلادنا، وإعلان التعبئة لا يؤثر في التعليمات التي أصدرناها إلى جيوشنا بالابتعاد عن الحدود مسافة معينة، ونعود فنؤكد تصميمنا على التعاون مع أعضاء الجامعة مهما كانت الظروف.

وفي تلغراف من جنيف في ٢٩ سبتمبر، أذاعت سكرتارية الجامعة بعد ظهر أمس برقية جاءتها من الحبشة عن عدم إمكان الحكومة الحبشية إرجاء التعبئة العامة وقد وقعت هذه البرقية كالقنبلة المنفجرة في دوائر جنيف التي كانت في عطلة آخر الأسبوع؛ فألهبت أعضاء الجامعة أو موظفيها بنشاط زائد. ويبدو من هذه الظواهر أن خطة العداء بدأت في شرق أفريقيا؛ ولذا فإن مجلس الجامعة سيعقد جلسته مبكرًا عن الموعد الذي حدده قبلًا وهو يوم الخميس لإعداد تقريره وتوصياته، ويُفهَم من هذا أيضًا أن جلسة الجمعية العمومية للجامعة ستُعَد قبل الموعد الذي كان منتظرًا انعقادها فيه.

وفي تلغراف من روما في ٣٠ سبتمبر: لم يُثِر النبأ القائل بإعلان التعبئة العامة في الحبشة دهشة ولم يُقابَل باهتمام زائد؛ فقد تحدثت عنه الصحف من أيام وأعادت وأيدت فيه.

ويمكن القول بأن هذا القرار لم يحدث أي اضطراب في الحياة العادية، أما الدوائر السياسية فتحاول ألا تعلق عليه أي أهمية، وتتسلى بقولها إن التعبئة تمت من قبل.

ومع ذلك فهم يقولون بوجه عام أن ما جرى يقرِّب أجل إعلان الحرب.

(١٣) القوات العسكرية والبحرية

لمناسبة الحرب القائمة بين الحبشة وإيطاليا وترجيح مناصرة عصبة الأمم للحبشة على إيطاليا اهتم الناس بإحصاء قوات الدول. وهذا الإحصاء تقريبي؛ لأن كل دولة تحاول إخفاء حقيقة استعداداتها. ويقال إن إيطاليا تستطيع أن تجنِّد جيشًا إلى عشرة ملايين بما فيهم من تجاوزوا الخمسين ومن سن ١٤ و١٥ سنة، وإن الحبشة تستطيع أن تجنِّد مليونًا وأكثر.

وننشر فيما يلي جدولًا عن الأساطيل البحرية:

بوارج وطرادات كبيرة طرادات مدمرات وزوارق طوربيد جامعات الألغام حاملات الطائرات وقائدات الفلوبتلا غواصات سفن صغيرة منوعة
بريطانيا ١٥ ٦٠ ١٥٤ ٣٢ ٢٧ ٦٢ ٦١
الولايات المتحدة ١٥ ٢٦ ٢٥٦ ٤٣ ٤ ٨٥ ٢٠
اليابان ١٠ ٣٨ ١٢٠ ١٢ ٤ ٧٣ ١٥
فرنسا ٩ ٢٧ ٦٥ ٢٦ ٣٢ ١١٠ ٩٠
إيطاليا ٤ ٢٧ ١١١ ٤٨ ٢١ ٧٦ ١٠
روسيا الشرقية ٣ ٤ ١٧ ٦ ١٦ ٤
ألمانيا ٦ ٤ ٢٦ ٢٩ ٤

(١٤) مصانع السلاح وباسيل زخاروف

راجت مصانع الأسلحة في أوروبا وأمريكا، وستقرر إنجلترا منع حظر تصدير السلاح إلى الحبشة. وقد تحدثت الصحف عن اسم «باسيل زخاروف» اليوناني المثري صاحب كازينو مونت كارلو بأنه أكبر تجار الأسلحة في أوروبا وأخطرهم، وليس يُعرَف له مكان، وهو يتخذ جنسيات مختلفة، وهو اسم مرعب ومتصل بأعظم الشخصيات في أوروبا، ومؤثر في البرلمانات والحكومات بذكائه وأمواله.

(١٥) التعبئة العامة للإيطاليين

قرر الدوتشي في منتصف الساعة الرابعة بعد ظهر يوم الخميس ٢ أكتوبر سنة ١٩٣٥ في إيطاليا تعبئة ذوي القمصان السوداء الفاشست، وقيل إن الذين تركوا مصانعهم ومكاتبهم في إيطاليا ولبوا نداء التعبئة يبلغ عددهم عشرين مليونًا. وعند الساعة الخامسة والدقيقة ٣٥ صدر النداء من مضخات ضخمة، وألقى السنيور موسوليني خطابه من شرفة قصر البندقية في روما، وكان حوله ٣٠٠ ألف إيطالي.

(١٦) خطاب السنيور موسوليني

يا رجال الثورة من أصحاب القمصان السوداء، يا رجال إيطاليا قاطبة ونساءها، يا أبناء إيطاليا فيما وراء البحار، أنصتوا؛ لقد أوشكت ساعة خطيرة في تاريخ الوطن أن تدق، إن عشرين مليون إيطالي متحدون الآن في جميع البلاد الإيطالية، وهذه أكبر مظاهرة شهدها تاريخ روما، عشرون مليون رجل إرادتهم واحدة وقرارهم واحد.

هذه المظاهر تدل على أن التجانس كامل شامل خالد بين إيطاليا والفاشية.

ولا يستطيع أن يتصور العكس في إيطاليا سنة ١٩٣٥ الفاشستية غير ذوي العقول العقيمة، إن عجلة الفوز تدور منذ شهور عديدة، ولا سبيل إلى الوقوف في سبيل عزيمتنا الحازمة الهادئة؛ فليس الأمر يقف عند حد جيش يتقدم نحو غايته فحسب، بل إن الإيطاليين جميعًا يتقدمون متحدين متكاتفين ما داموا في الخارج يريدون أن يوقعوا عليهم أفدح الظلم، يمنعوهم أن يفوزوا بشق من الأرض.

حين سنة ١٩١٥ ضمت إيطاليا قواتها إلى الحلفاء، وردد الجو هتاف الإعجاب، وردد في نفس الوقت وعودًا عريضة، ولكن حين تم النصر الذي بذلت إيطاليا في سبيله ٦٠٠ ألف قتيل ومليون جريح، وجلست إيطاليا إلى مائدة الصلح، أنكروا عليها حقها في المستعمرات، ولقد صبرنا مدى ثلاثة عشر عامًا، ولقد صبرنا بالنسبة للحبشة أربعين عامًا، وفي هذا الكفاية.

وقال إن القوم في عصبة الأمم بدلًا من التسليم بحقوق إيطاليا يجرءون على الكلام في الجزاءات، وقال: لا أستطيع أن أسلِّم بأن الشعب الفرنسي سيشترك في هذه الأعمال ضد إيطاليا. وقال: إنني لا أستطيع أن أفهم لماذا تصر بريطانيا على الدفاع عن بلاد أفريقية ينعقد الإجماع على أنها خاضعة لنظام أشد ما يكون همجية، وعلى أنها غير جديرة بأن تشغل مكانًا بين الدول المتمدينة، على أننا على كل حال لا نحاول أن نتجاهل المخاطر والاحتمالات التي نستهدف لها، وأود أن أقول إننا سنرد على الجزاءات الاقتصادية بالنظام والحزم والصبر، وسنرد على الجزاءات الحربية بمثيلها، ونقابل أعمال الحرب بأعمال حرب تماثلها، وعلى الدول أن لا تخدع نفسها؛ فإن الشعب يدافع عن شرفه ويذود عن مستقبله وفي مقدوره أن يصمد وسيصمد.

أيها الإيطاليون، هذا عهد مقدَّس — أقطعه الآن أمامكم — على أننا سنعمل جهدنا لنحصر النزاع في المستعمرات فلا ينقلب نزاعًا أوروبيًّا.

وإنني لأضحك من الذين يتوقعون نكبة عامة، وإن كل القرائن لتدل على أن لهم أغراضًا غير شريفة، ولسنا منهم.

أيها الشعب الإيطالي، لقد أثبت شجاعتك وبرهنت على قوة أخلاقك … وضد هذا الشعب الذي يرجع له فضل الانتصارات الهامة التي فازت بها البشرية، هذا الشعب الذي أنجب كثيرين من أبطال العلوم والآداب والملاحة، ضد هذا الشعب يجرءون اليوم على الكلام في تطبيق الجزاءات ضده!

أي إيطاليا — إيطاليا الثورة الفاشستية — اسمعي صوت قرارك الحازم لجنودنا في أفريقيا الشرقية، وليسمع الجميع — أعداء وأصدقاء — صوت إيطاليا اليوم، إنه هتاف العدل! هتاف النصر.

(١٧) بعد التعبئة الحبشية

أُعلِنت التعبئة عند الساعة ١١ من صباح يوم الخميس ٣ أكتوبر سنة ١٩٣٥، واجتازت الجنود الإيطالية الحدود وألقت القنابل الجوية على عدوة، وأصدرت الحكومة الحبشية في ٣ أكتوبر بلاغًا قالت فيه: بدأت الحرب، وأُطلِقت القنابل الإيطالية على عدوة وأدجرات في شمالي مقاطعة تفري، وسقط مئات من القتلى.

والحبشان عند سفح جبل لولو، وكل حبشي لا يحارب يُشنَق، وبالرغم من الزحف الإيطالي فإيطاليا تزعم أنه تحوط واستيلاء على بعض المواقع!

(١٨) ضرب عدوة

منذ يوم الأربعاء ٣ أكتوبر سنة ١٩٣٥ أخذ الإيطاليون يضربون «عدوة» بالمدافع، ودار القتال بينهم وبين الأحباش الذين أجسامهم قوية، والشيخوخة لا تسرع إليهم، وأبصارهم حادة، وحاسة الشم عندهم قوية، ويلبسون السراويل الضيقة كسراويل راكبي الخيل، وبلا أزرار. ويساعدهم نساؤهم، اللواتي يلبسن القميص الأبيض الطويل وقد لففن شعورهن على هيئة قبة، وهن قويات الأجسام.

والجنرال اللواء وهيب باشا القائد الألباني الأصل التركي، والي الحجاز سابقًا، ومعسكر في مدينة «جيجيدا» على بعد ٨٠كم من الصومال الإنجليزي، ويصرح بأن الحبشة مقبرة «الفاشست».

(١٩) مقترحات منوَّعة لحل النزاع

كثرت الآراء والمقترحات لحل النزاع إرضاء لإيطاليا والحبشة معًا، ومن ذلك أن تنزل إثيوبيا عن بعض الولايات في الأوجادين والدناكل، والأوجادين خصبة زراعية جيدة المراعي، فيها الإبل والأبقار والأغنام، وعاصمتها «أجقجقة» في آخر المقاطعة. ومن مدنها «دحج بور» وتكثر فيها السبع والنمر والفهد و«دجح هدو» و«مدد». وبالمقاطعة نهر الويبي شبالي الذي يروي الصومال الإيطالي، وسكان الأوجادين من قبائل «دارود».

والدناكل قسمان: (١) التهايم إلى الساحل وثغرها «عصب» أو «إيساب» و(٢) النجود واسمها «عوصا» تشتهر بالمسلي البيلولي، و«عصب» مصحنة تحصينًا قويًّا، على بعد ١٢٠كم من صحاري الدناكل.

ولكل من الأوجادين والدناكل صحارٍ واسعة.

واقترحت إنجلترا أن تنزل للحبشة عن ميناء زيلع، وهي ميناء غير صالحة، فعند الجزر لا يكون ممكنًا القيام بحركة ما حتى يتكامل المد، ولا بد من ردم البحر وتقديم الرصيف وإنفاق الملايين، وإذا فُتِحت زيلع قُضِي على جيبوتي وبربرة.

ويلحق بير «زيلع» مدينة «بورما»٣ عاصمة أرضَي الجد أبو مرسي والعيسي، خصبة وذات مراعٍ وبها مناجم فحم وذهب، وتقع «أوبرة» بالقرب من «بورما» وتزرع البن الأصفر الشفاف، وبها العسل واللبن، وهي باردة الهواء، وسكانها ألفان.

(٢٠) من رجال الحبشة

قنصل الحبشة ببورسعيد هو: الدكتور بلما، الدكتور مارتن، والسير تكلا هواريات.

(٢١) اهتمام عصبة الأمم بالحرب القائمة

تلقت عصبة الأمم برقيات من إمبراطور الحبشة ومن الحكومة الإيطالية عن بدء القتال، وأهمت هذه الأخبار دوائر العصبة، فوالت اجتماعاتها.

ومعروف أن العصبة تحاول اجتناب الحرب أو وقفها، وأن معاهدة فرساي قد بدأ تنفيذها في ١٠ يناير سنة ١٩٢٠، بعد أن وُضِعت في سنة ١٩١٩ للصلح بين الحلفاء وألمانيا عن حرب ١٩١٤–١٩١٨ الحرب الكبرى.

(٢٢) أسماء الدول الأعضاء في العصبة

وعدد الدول أو الحكومات المشتركة في عضوية العصبة ٥٩ دولة أو حكومة، وهي: بريطانيا العظمى، وفرنسا، وإيطاليا، وروسيا، وألمانيا، وتركيا، وبلجيكا، والنمسا، والمجر، والدنمارك، وهولندا، وبلغاريا، وتشيكوسلوفاكيا، ويوغوسلافيا، وفنلاندا، واليونان، وأيرلندا الحرة، ولاتافيا، ولتوانيا، ونروج، وبولندا، والبرتغال، ورومانيا، وأسوج، ودوقية لكسمبرج، وألبانيا، وسويسرا، والحبشة، وأفغانستان، والعراق، والأرجنتين، وأستراليا، وبوليفيا، وكندا، وشيلي، والصين، وكولومبيا، وكوبا، وأكوادر، وأستونيا، وجواتيمالا، وهايتي، وهوندوراس، ونيكاراجوا، وباناما، وباراجواي، وإيران، وبيرو، وسانتو دومنيكو، وسان سلفادور، وسيام، وجنوب أفريقيا، وأروجواي، وفنزويلا.

وقد أعلنت بعض الدول رغبتها في الانسحاب من العصبة، وهي: البرازيل في ١٢ يونيو سنة ١٩٢٦، وإسبانيا في ٨ سبتمبر سنة ١٩٢٦، واليابان في ٢٧ مارس سنة ١٩٣٣، وألمانيا في ٢١ أكتوبر سنة ١٩٣٢، وباراجواي في ٢٤ فبراير سنة ١٩٣٥. وتقضي الفقرة الثالثة من المادة الأولى من الميثاق بأن لا يُعتبَر الانسحاب نافذًا إلا بعد مرور سنتين من تاريخ إعلانه، وقد قررت إسبانيا العودة إلى العضوية في ٢٢ مارس ١٩٢٨، وأصبح انسحاب البرازيل نهائيًّا في ١٢ يونيو سنة ١٩٢٨ واليابان في ٢٧ مارس سنة ١٩٣٥.

أما ألمانيا فبالرغم من انسحابها تظل معدودة عضوًا في العصبة إلى يوم ٢٠ أكتوبر ١٩٣٥.

دوائر العصبة؛ ودوائر العصبة الرئيسية هي: (١) مجلس العصبة. (٢) جمعية العصبة العمومية. (٣) سكرتيرية العصبة. (٤) محكمة العدل الدولية الدائمة ومقرها مدينة لاهاي.
  • (١)
    مجلس العصبة: كان مجلس العصبة في الأصل مؤلَّفًا من أربعة أعضاء دائمين، وهي: الإمبراطورية البريطانية، وفرنسا، وإيطاليا، واليابان. وأربعة أعضاء غير دائمين يُنتخَبون كل سنة بأغلبية أصوات الجمعية العمومية.
    ثم قررت الجمعية العمومية بأكثرية الأصوات زيادة عدد الأعضاء الدائمين وغير الدائمين في المجلس، فأصبح مجلس هذا العام مؤلفًا من ١٤ عضوًا؛ كالآتي:
    • أعضاء دائمون: (١) بريطانيا العظمى: ويمثلها السير صموئيل هور وزير الخارجية، أو المستر أنتوني أيدن. (٢) فرنسا: ويمثلها المسيو لافال. (٣) إيطاليا: ويمثلها البارون الويزي. (٤) روسيا: ويمثلها الرفيق لنفنوف.
    • أعضاء غير دائمين: (١) الأرجنتين: ويمثلها السنيور جونيازو، وقد انتُخِب رئيسًا للمجلس في دورته الأخيرة. (٢) أستراليا: ويمثلها المستر بروس. (٣) شيلي: ويمثلها المسيو ريفاس فيكونا. (٤) المكسيك: ويمثلها الدكتور كاستلونا جيرا. (٥) تركيا: ويمثلها توثيق روستواراس. (٦) الدنمارك: ويمثلها الدكتور مونك. (٧) بولندا: ويمثلها الكولونل بيك. (٨) البرتغال: ويمثلها المسيو فاسكونسيللو. (٩) إسبانيا: ويمثلها المسيو دي ماراياجا. (١٠) تشكيوسلوفاكيا: ويمثلها الدكتور أدوردنيس.

    ويجتمع المجلس في ثلاث دورات في السنة؛ الأولى: في يوم الاثنين الثالث من شهر يناير، والثانية: يوم الاثنين الثاني من شهر مايو، والثالثة: في شهر سبتمبر قبل انعقاد الجمعية العمومية وبعده.

  • (٢)
    الجمعية العمومية: ويحق لكل دولة أن تُمثَّل في الجمعية العمومية بوفد يُؤلَّف من ثلاثة أعضاء إلى جانبهم ثلاثة أعضاء احتياطيين، ولكن يكون لها صوت واحد.

    وتنعقد الجمعية يوم الاثنين الأول من شهر سبتمبر في كل عام، ويجوز لها أن تجتمع في غير جنيف، ولكنها لم تفعل ذلك حتى الآن.

    ويُنتخَب الرئيس في الجلسة الأولى، ويحتفظ بالرياسة إلى نهاية الدورة.

    وتنقسم الجمعية في داخلها إلى ست لجان رئيسية، ويحق لكل دولة أن تمثل بعضو واحد في كل منها؛ وهي: (١) اللجنة التشريعية. (٢) لجنة التنظيمات الفنية. (٣) لجنة نزع السلاح. (٤) لجنة الميزانية والموظفين. (٥) لجنة الشئون الاجتماعية. (٦) لجنة المسائل السياسية وقبول الأعضاء المستجدين.

    ويجب أن تكون قرارات الجمعية بالإجماع إلا في الحالات التي ينص الميثاق أو معاهدات الصلح على غير ذلك.

  • (٣)
    السكرتيرية: وسكرتيرية العصبة هي هيئة دائمة، وتُؤلَّف من السكرتير العام وعدد من الموظفين يُنتخَبون من رعايا الدول المشتركة في عضوية العصبة، ومن رعايا الولايات المتحدة الأمريكية وإن تكن ليست عضوًا.

    والسكرتير العام الحالي هو المسيو جوزيف أفينول، وقد تولَّى منصبه هذا في يوليو سنة ١٩٣٣، وهو يُعيِّن باقي الموظفين بموافقة المجلس.

  • (٤)
    محكمة العدل الدولية الدائمة: تُؤلَّف هذه المحكمة من ١٥ قاضيًا، وينص نظامها بأن تظل عاملة إلا في الإجازات السنوية التي تقررها، ويُنتخَب أعضاؤها لمدة ٩ سنين من قبل الجمعية العمومية للعصبة.

ومن اختصاص العصبة منح انتداب أو وصاية للدول الأعضاء على غيرهن.

١  البلاغ.
٢  المقطم.
٣  لقمان.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤