الغازات والأسلحة الجهنمية

أثار تهديد إيطاليا بغزو الحبشة، احتمال استخدام إيطاليا لمختلف الاختراعات الجهنمية الحديثة، كتسليط الضوء على الآلات بأنواعها فتقف في التو واللحظة، وكنشر الغازات الخانقة، وقد استحضرت جمعية الشبان المسلمين وغيرها كمامات، وبحثت وزارة الحربية والجمعية الطبية ومصلحة الصحة العمومية في الغازات والوقاية منها.

figure
كمامة واقية من الغازات ومعها أجزاؤها: القناع، الأنبوبة، ومرشح الهواء، والكيس.
figure
رجل بكمامته الواقية من الغازات.

وقد نشرت جريدة «الأهرام» في عددها الصادر في ١٧ سبتمبر سنة ١٩٣٥ مقالًا لحضرة الدكتور عبد الواحد الوكيل عن الغازات السامة في الحرب الجوية، كان مما ورد به ما يلي: الغازات السامة: كنهها وخطرها وطرق الإغارة بها.

يمكن تقسيم الغازات السامة المعروفة إلى الآن إلى أربعة أنواع حسب مفعولها في الإنسان:
  • (١)

    غازات خانقة.

  • (٢)

    غازات مهيِّجة للأنف.

  • (٣)

    غازات مسيلة للدموع.

  • (٤)

    غازات كاوية أو حراقة.

ويجب أن نعلم مبدئيًّا أن هذه الأنواع لا تصل جميعًا إلى الأرض بشكل غاز، بل إن بعضها يُلقَى من الجو بشكل سائل أو مادة صلبة، ومن ثم تتبخَّر رُوَيْدًا إلى غاز، وأن هذه الأنواع السائلة أو الصلبة كالغازات الكاوية والمسيلة للدموع، يظل خطرها قائمًا ساعات طوالًا بل أيامًا بعد الهجوم الجوي، ولكنها لحسن الحظ أقل خطرًا على الحياة من الغازات الخانقة، وإن كانت هذه — وكذلك الغازات المهيجة للأنف — أسرع تبددًا بفعل الرياح عند هبوبها؛ إذ تحملها كسحاب منتشر مخففة تكاثفها تدريجيًّا حتى تفرقها شذر مذر:
  • (١)
    الغازات الخانقة: أهم هذه الغازات وأكثرها استعمالًا في الحرب نوعان، هما غاز الكلور Chlorine وغاز الفوسجين Phosgene، وكلاهما يسبب الموت إذا استنشق الإنسان منه مقدارًا كافيًا، بل هما أخطر غازات الحرب قاطبة.

    أما الكلور فهو من العناصر الكيمائية المعروفة، لونه أصفر ضارب إلى الخضرة، ورائحته خانقة كريهة. وهو في الأحوال الجوية المعتادة غاز كغيره من الغازات، ولكنه يعرض صناعيًّا بضغط مرتفع؛ فينقلب إلى سائل أقل حجمًا من الغاز، ويُخزَّن بهذه الصفة في أسطوانات أو قنابل إذا فتحت صماماتها أو انفجرت تصاعدت منها في الجو أبخرة كثيفة من الكلور بشكله الغازي المعتاد.

    وللكلور تأثير مهيِّج شديد، فيسبب حرقانًا شديدًا بالعينين والأنف والحلق، ويدخل في الجهاز التنفسي فيسبب التهابًا في القصبة الهوائية وفروعها، بل في حويصلات الهواء في الرئة ذاتها؛ أي ينتج التهاب شعبي رئوي خطير سرعان ما يودي بحياة الإنسان.

    ومن سخرية القدر أو العلم أن هذا الغاز الخانق القتَّال، الذي يستعمله الإنسان للفتك بعدوه الإنسان، قد أمكن من سبب تذليله لفائدة البشرية عامة؛ إذ إنه مطهر قوي لمياه الشرب. فكمية طفيفة منه لا تتجاوز جزءًا من واحد في المليون تكفي لقتل الميكروبات الضارة في الماء؛ كالتيفود والكوليرا والدوسنطاريا وسواها، في وقت قصير. وربما لا يعلم الكثيرون أن سكان المدن في مصر وسواها من الممالك يشربون شيئًا منه فيما يتناولونه من الماء، وأن أسطوانات الكلور وأجهزته تؤدي ليل نهار هذا الواجب الصحي العظيم في عمليات المياه بالقاهرة والجيزة وإسكندرية وسواها.

    أما «الفوسجين» فهو «كلورور أوكسيد الكربون»، وهو في الأحوال الطبيعية غاز لا لون له، وإن يأخذ أحيانًا شكل سحابة بيضاء اللون إذا كان الجو حوله رطبًا. وإذا عُرِّض هذا الغاز للتبريد فإنه يتحول كذلك إلى سائل، ويُخزَّن كأخيه بهذه الصفة.

    أما رائحته فمهيجه للصدر، بل إنه كذلك يهيِّج العين فتسيل دموعها. واستنشاقه يؤدي إلى التهاب حويصلات الرئة التهابًا شديدًا مع ارتشاح فيها أكثر مما يفعل الكلور، فتمتلئ الحويصلات بدلًا من الهواء بالبلغم والسائل الناتج من التهابها، ويعوق ذلك وصول أوكسجين الهواء إلى الدم أي يربك وظيفة التنفس كلها؛ فيصير مستنشقه من الفناء قاب قوسين بل أدنى.

    وعند حدوث إغارة حربية بأحد هذين الغازين يكون أول ما ينتاب الإنسان هو شعور باختناق، مع سعال شديد، قد يصحبه تهوع أو قيء، كما تتهيج العينان. فإذا لم يسرع المرء بالهرب إلى مكان مأمون أو إلى وضع الكمامة الواقية، واستمر مدة في استنشاق الهواء الملوَّث بهما، تلفت الرئتان أي تلف، فيصير التنفس عسيرًا، مصحوبًا بنوبات مؤلمة من السعال قد يبصق فيها المصاب سائلًا غزيرًا. ويتغير لون الإنسان لقلة وصول الأوكسجين إلى دمه، فإما يصير الوجه محتقنًا أزرق، أو أصفر المحيَّا، باهت الأطراف، أبيض الشفتين والأذنين. وهذا اللون الأخير أكثر دلالة على استفحال الأمر وشدة الخطر على الحياة.

    ولا تظهر هذه الأعراض الرئوية في الحال بل بعد مدة لا تتجاوز ١٢–٢٤ ساعة من استنشاق الغاز الخانق. أما إذا مضت ٢٤–٤٨ ساعة بدون ظهورها أو اشتدادها كان للإنسان أن يحسب نفسه من عداد الناجين بجلدهم.

    ويجدر أن نعلم أن قيام الإنسان بحركة أو عمل بعد استنشاق الفوسجين بصفة خاصة يجعل الأعراض أشد وأمضى أثرًا؛ أي إن ذلك يقرِّب المسافة إلى القبر؛ ولذا يجب السكون والراحة يومًا كاملًا أو يومين بعد استنشاقهما.

  • (٢)
    الغازات المهيجة للأنف: يشمل هذا النوع عددًا كبيرًا من الغازات المركبة التي اخترعتها أدمغة جهابذة الكيمائيين؛ وهي غازات يدخل الزرنيخ في تركيبها، ومنها مثلًا «ثاني فينيل كلور أرسين» يُسمَّى D. A. اختصارًا. وتُنشَر هذه الغازات في الجو عند إلقاء قنابلها بشكل ذرَّات متناهية في الصغر بحيث قد لا تراها العين، ويشعر المستنشق لها بتهيج في الأنف والحلق يصحبه العطش أحيانًا وآلام في لثة الأسنان. ويزداد التهيج في هذه المواضع ويمتد إلى المجاري الهوائية كالحنجرة والقصبة الهوائية؛ فيسبب ذلك ألما شديدًا وضيقًا في الصدر مع سعال وقيء أحيانًا وصداع شديد؛ بحيث تضيق الدنيا بالإنسان ويود لو يفارقها فيستريح من تباريح آلامه.

    ولكن هذا النوع من الغازات هو — لحسن الحظ — حميد النتائج لا يسبب الموت أو التهاب الرئتين كالغازات الخانقة، وأنه هو سبب الآلام المضنية والضيق الشديد. أما من الوجهة الحربية فيُقصَد من استعمالها «وكذلك الغازات المسيلة للدموع» أن تؤذي الإنسان بصفة مؤقتة؛ فيصير غير صالح للكر والفر في الهجوم والدفاع إذا كان جنديًّا في الميدان، أو تدخل في قلبه الرعب والجزع والاضطراب إذا كان من غير المحاربين.

  • (٣)
    الغازات المسيلة للدموع: وهي كثيرة، وأهمها ثلاثة:
    • أولها: المسمى «كلورو أسيتو فينون» ويُرمَز له بحرف C. E. P وهو مادة صلبة بيضاء اللون، تتبخر بفعل الحرارة الجوية. ويسبب البخار المتصاعد منها تهيجًا شديدًا في العين فتسيل دموعها مدرارًا، بل إن هذا البخار إذا تكاثف في مكان ما يسبب تهيجًا لجلد الوجه واليدين؛ أي للأجزاء العارية من الجسم.
    • وثانيها: ما يُسمَّى «أثيل يودواسيتات» ويُرمَز له بحروف K. S. K وهو مركب سائل، قوامه كالزيت أو الجليسرين، وله رائحة نفاذة، ولا لون له إذا كان نقيًّا، ولكن استعماله في الحرب لا يقتضي أن يكون في نقاوة كيميائية كاملة؛ ولذا فإن لونه كما تنفجر عنه قنابله أو يُلقَى من الجو لون غامق. ويتبخر هذا السائل رويدًا رويدًا بفعل حرارة الجو، فيتصاعد منه لمدة طويلة بخار أو غاز شديد الإدرار للدموع، وقد يهيج الرئة والمسالك التنفسية أيضًا.
    • وثالثها: مركب يُسمَّى «بروموبنزيل سيانيد» B. B. C وهو سائل بني اللون، ذو رائحة قوية تظل منتشرة أمدًا طويلًا في مكان سقوطه، ولكنه أقل فعلًا من المركب السابق.

    ومن الحظ الحسن كذلك أن هذه الغازات لا تسبب تلفًا في العين، وخاصة إذا أسرع الإنسان في الهرب من الجو الملوث بها أو استعمل الكمامة الواقية، أما ضررها فناشئ من كثرة هطول الدموع كثرة تؤدي إلى إعاقة البصر، ومن ثم تعوق حركات الإنسان ونشاطه، ولكنها قد تعرضه للهلاك بقنابل أو غازات أخرى.

    وقد يتذكر القراء أن هذه الغازات يستعملها رجال البوليس في بعض الممالك لتفريق المتجمهرين في المظاهرات؛ أي يُطفِئون حماستهم بماء مآقيهم.

  • (٤)
    الغازات الكاوية الحراقة: هي الثانية في ترتيب الخطورة بين هذه المركبات الكيمائية الجهنمية؛ إذ إنها أكثر ضررًا وإيذاء من النوعين السابقين، ولكنها أقل خطرًا من الغازات الخانقة كالكلور والفوسجين، وإن كانت أحيانًا تودي بالإنسان إلى الموت الزؤام.

    وهي فوق ذلك من النوع الذي تبقى غازاته متبخرة في الجو وقتًا طويلًا؛ بحيث قد يضطر سكان أحياء برمتها إلى هجرها إلى أن تطهرها لهم فرق مكافحة الغازات السامة.

    وأهم هذه «الغازات» اثنان: أحدهما يُسمَّى «غاز الخردل».

    والثاني يُسمَّى «لويسايت».

    أما «غاز الخردل»؛ وهو «ثاني كلور أشيل سلفيد» فيصل إلى الأرض بشكل سائل يشبه الزيت، وله رائحة خاصة به تشبه لدى بعض الناس رائحة الخردل، ولكن البعض يشبهونها برائحة الثوم أو البصل. ولكن الاعتماد على الأنف في اكتشافه لدى الإغارات الحربية غير مأمون تمامًا؛ إذ إن حاسة الشم سرعان ما تتأثر منه بحيث يعسر اكتشافه بعد ذلك، بل إن بعض الناس لا يشعرون برائحة مطلقًا ما لم يكن بكميات وافرة.

    وهذا الغاز سهل الذوبان في البنزين والكحول والمواد الذهنية والقار «الزفت» وغيرها من الوسائل. ونظرًا لسهولة ذوبانه في المواد الدهنية؛ فإن جلد الإنسان يمتصه بسهولة فيدخل من المجاري التنفسية، ويسبب أضرارًا بالغة للإنسان تؤدي أحيانًا إلى الموت.

    أما قابليته للذوبان في القار «الزفت» فلها أهمية كبرى؛ إذ إن سطح الشوارع المغطاة بهذا الطلاء تمتصه، فيبقى فيها خطرًا كامنًا مدة طويلة.

    ولدى سقوط سائل الخردل هذا في مكان فإنه يتبخر بكل بطء، فيبقى بخاره وغازه في الجو أمدًا طويلًا بحيث يدوم الخطر أيامًا. وسواء أكان … فإنه مركب شديد التهيج، والسائل أكثر مفعولًا بطبيعة الحال.

    ويختلف هذا المركب الخطير عن جميع الغازات السابقة نظرًا لتنوع الطرق التي يؤذي بها الإنسان وتعدد أشكالها؛ فنجد مثلًا أنه إذا سقط على الأرض أو تلطخت به الحيطان فإن الغاز المتصاعد منه يؤذي العينين والرئتين والأجزاء العارية من الجسم. بل قد وُجِد أن الملابس قد تمتص هذا الغاز، ناهيك عن السائل، فيخترقها تدريجيًّا إلى الجلد المغطى ويسبب حروقًا شديدة به، وإن يكن المصاب مع ذلك قد حُمِل إلى خارج المنطقة الملوثة به.

    ونجد كذلك أن مجرد لمس الأرض أو المواد الأخرى المبللة بسائله يسبب بعد وقت قليل حروقًا في اليد أو الأقدام كما حدث لبقية الجسم إذا وصل السائل إلى ملابس بأي سبيل كان.

    ومن كل ذلك نرى أن الشخص الذي يلوثه سائل الخردل هذا أو غازه لا يحمل الخطر لنفسه فحسب، بل يصير خطرًا على سواه. بل إن مجرد تلوث حذاءه من الشارع مثلًا قبل دخوله على أقاربه في المنزل يكفي أن يصيبهم الغاز المتصاعد من ذلك الحذاء الملوث.

    وتصوَّر فوق ذلك ما يمكن أن يحدث إذا أمطرت إحدى الطيارات هذا السائل على السكان الآمنين تحتها بشكل رذاذ بدلًا من إلقاء قنابله، فتنشره على الرءوس والوجوه والملابس والأجسام وفي كل مكان.

    ومن حسن الحظ أو من سوء الحظ أيضًا أن الأعراض التي يحدثها سائل الخردل، أو غاز الخردل — كما تشاء أن تسميه — لا تظهر عادة إلا بعد مضي مدة تتراوح بين ساعتين إلى ثمان ساعات، وإذ ذاك لا يمكن لقدرة بشرية أن تمنع الأذى الذي يلحق الجسم. ومن ذلك نرى مقدار الأهمية العظمى والفائدة الكبرى في سرعة تطهير كل شخص يتعرض لذلك المركب الشيطاني سائلًا كان أو غازًا؛ إذ إن السرعة قد تمنع ظهور أعراضه بتاتًا أو على الأقل تخففها.

    أما سوء الحظ في هذا الأمر فناشئ من أن عدم ظهور الأعراض بسرعة قد تجعل المصاب غافلًا عن تلوثه، فينقل الأذى إلى سواه.

    أما الأعراض فكثيرة متنوعة، وتشمل بصفة خاصة التهاب العينين وتورمهما بشكل حاد شديد يمنع الرؤية مع هطول الدموع وتوتر الجفون والآلام الشديدة بالعين والرأس، والتهاب المسالك الهوائية — أي: الحنجرة والقصبة الهوائية والشعب — مع زكام وسعال جاف خشن، وألم بالمعدة مع قيء أحيانًا، وكذلك حروق كاوية للجسم تبدأ كاحمرار أو التهاب يصحبه أكلان شديد في الجلد، ويستمر الحال عادة بظهور فقاقيع وحويصلات وتسلخ به كما يحدث من سقوط الماء الساخن، بل قد ينتهي الحال بظهور قروح مزمنة لا تُشفَى سريعًا.

    ومن حسن الحظ أن نسبة الوفيات من هذا المركب المزعج المؤلم قليلة جدًّا، وأن العلاج ممكن لمن يُصاب بأعراضه ما لم تتلوث إصاباته بالميكروبات، فيصيبه القضاء المحتوم.

    هذا هو غاز الخردل الشهير، أما صنوه المسمَّى «لويسايت» فيشبهه كثيرًا في خواصه وأعراضه مع بعض الاختلاف في تركيبه إذ يحتوي على الزرنيخ؛ ولذا يؤثر على الأنف. كما يختلف في أن له رائحة خاصة تشبه «عطر الجناين»، وأن أعراضه في العين والأنف تظهر في الحال فيسهل العلم بوجوده، وعلى العموم فهو أسرع تأثيرًا على الإنسان من أخيه، فتظهر أعراضه في ثلث ساعة بدلًا من ساعتين أو ثماني ساعات.

هذه هي أهم الغازات السامة وأنواعها من حيث تأثيرها على الإنسان، ولكنها وأخواتها ليست كل ما قد يُصادَف أثناء الحرب، فهناك مثلًا غاز «أول أوكسيد الكربون» السام الذي قد يستنشقه الإنسان داخل المنازل المحترقة لقلة الهواء داخلها، كذلك «غازات أوكسيد الأزوت» تنشأ من انفجار الديناميت وغيرها.

طرق الإغارة بالغازات السامة: إن معظم الغازات التي أشرنا إليها يمكن ملؤها في قنابل المدافع كالقنابل المعتادة تمامًا، وهذه بطبيعة الحال هي إحدى الطرق التي تستعملها الجيوش المتحاربة؛ إذ توجه فوهات مدفعياتها إلى العدو في ميدان الوغى حاملة الأذى والموت على كل لون من مفرقعات وسوائل وغازات.

أما في المدن أي داخلية البلاد، فرسل هذا الهلاك أو الأذى هي الطيارات التي تستطيع أن تحوم كطير أبابيل تقذف بحجارة من سجيل.

ومهمة الطيارات في هذا الجرم الفظيع أخف كثيرًا من مهمة المدفعية؛ لأن كل عملها هو أن تلقي القنابل على ما تحتها بغير داعٍ إلى مدفع بماسورة وفوهة، يقتضي قنبلة سميكة ثقيلة تتحمل شدة الضغط والدفع في انطلاقها؛ ولهذا نرى قنابل الغازات التي تُلقَى من الجو ذات جسم رقيق سهلة الانفجار لدى ارتطامها بالأرض.

بل إن خفتها تجعلها تنفجر على سطح الأرض، وخاصة أرض الشوارع الصلبة، وليس في باطنها كما يحدث لقنابل المدافع السميكة التي تغوص أحيانًا في مكان سقوطها؛ فتُدفَن محتوياتها ويقل خطرها.

ولدى سقوط قنبلة كهذه من الجو وانفجارها على الأرض تخرج الغازات التي فيها مكوِّنة لسحابة كثيفة فوقها، فإذا كان الغاز كالكلور أو الفوسجين أو غازات الأنف؛ فإنه يبقى قيد الريح ومهبها، فتحمله من هنا إلى هناك خانقًا أو مؤذيًا كل من يصادفه إلى أن يخففه الهواء ويفرقه أيدي سبأ. وقد يدفعه إلى داخل المباني والمساكن إذا أهمل أصحابها إحكام غلق نوافذها وأبوابها عند الإغارات الجوية، وهناك تبقى الغازات كامنة كالموت في الظلام، وإذا كان الهواء ساكنًا فيبقى الغاز مكانه فوق قنبلته إلى أن يرحم الله الناس بهبة من النسيم.

أما إذا كانت القنبلة مملوءة بالسوائل كسائل الخردل وسوائل الدموع مثلًا؛ فإن انفجارها يرش السائل في كل جهة فيبلل الأرض ويلطخ الحيطان وسواها، بل قد يتطاير منها رذاذ مع الريح مسافات طويلة، وتستمر هذه المواد مع التبخر طويلًا؛ ولذا فإن هبوب الرياح لا ينظف الحي منها إلا بعد زوال كل آثارها.

ومن ذلك نرى أن الطيارات تقذف الغازات السامة بشكل قنابل مملوءة بها، ولكنها تستطيع كذلك أن تمطر بعضها كسائل الخردل وسواه بشكل رذاذ كالمطر يلهب العيون ويشوي الأيدي والوجوه ويلوِّث الملابس، وقد يكون الرذاذ من الضآلة بحيث لا يشعر به الإنسان؛ ولهذا فإن الإسراع إلى الاختفاء داخل المنازل أو تحت الأمكنة المسقوفة هو أكثر أمنًا من الوجود في العراء.

من النظم المقررة لدى السلطات العسكرية في أثناء الحرب أنه قبيل حدوث هجوم جوي من طيارات الأعداء أو لدى حدوثه تقوم تلك السلطات بإعطاء إشارة خاصة متفق عليها ومعروفة للجمهور لاتقاء شر هذا الهجوم. وقد تكون تلك الإشارة دق النواقيس أو إطلاق الصواريخ أو الأبواق أو المدافع أو إضاءة بعض الأنوار أو غير ذلك، كما أنه بعد انتهاء إغارة العدو تعطي إشارة أخرى برحيلها.

ومن المفهوم بطبيعة الحال أن إشارة رحيل هؤلاء الضيوف المكروهين لا تعني زوال الخطر؛ إذ لا شك أن شبح الموت أو الأذى من الغازات السامة يبقى ماثلًا أمدًا قصيرًا أو طويلًا في المدينة بعد تلك الزيارة المزعجة.

أما الطرق التي يجب على الجمهور العلم بها وسرعة اتباعها في مثل تلك الأحوال، فيمكن حصرها في النقط الرئيسية الآتية:
  • (١)

    ما يجب اتباعه إذا كان الإنسان في العراء.

  • (٢)

    الاحتياطات اللازم اتباعها داخل المباني.

  • (٣)

    الكمامات والملابس الواقية.

  • (١)

    ما يجب اتباعه إذا كان الإنسان في العراء: إذا أُعطِيت إشارة الخطر بينما الإنسان سائر أو واقف في العراء؛ أي خارج المباني في الشوارع أو الميادين، فيجب أن يسرع في الحال إلى أقرب منزل أو ملجأ غير مكشوف ليحتمي به إلى أن يزول الخطر.

  • (٢)

    الاحتياطات في المباني: إن هذه الاحتياطات هي من أهم الأمور للوقاية من الغازات السامة وسواها، وقد بلغ من أهميتها أن كثيرًا من الحكومات قد شرعت في بناء ملاجئ مُحكَمة مستوفاة فيها طرق الوقاية؛ ليلجأ إليها عابرو السبيل وسواهم عند حدوث إغارات من الجو على المدن الآمنة. بل إن المباني الحديثة صار يُلحَظ عند تأسيسها إيجاد طابق تحت الأرض يلجأ إليه السكان في تلك الأحوال الطارئة. من ذلك ما اطلع عليه قرَّاء الصحف هذه الأيام في صورة: فتُسَد جيدًا بالخشب، وكذلك تُسَد المداخن إن وُجِدت.

    ويحسن أن تُعَد الحجرة لتُستعمَل في أي وقت، فيوجد بها نور كهربائي، أو بطاريات الجيب، أو شمع للإضاءة، ومقاعد للجلوس، وبطانيات للتدفئة، وجردل مغطى للتبرز والتبول، وماء للشرب والنظافة، ومأكولات باردة للغذاء، ومعدات للطعام، بل كتب للتسلية. ويُمنَع فيها التدخين، أو التدفئة بالفحم، أو الإضاءة بالبترول أو الغاز بتاتًا حتى لا يفسد جوها.

    ويجب عدم السماح لأحد بدخولها من الشارع إلا أن يخلع ملابسه الخارجية ونعليه؛ مخافة أن تكون تلوثت بالسوائل أو الغازات الكاوية.

    فإذا دعا الداعي للالتجاء إلى غرفة الوقاية أي لدى إعطاء إشارة الخطر وجب على كل المقيمين في المنزل الإسراع إليها وإغلاقها عليهم حتى يسمعوا إشارة زوال الخطر جميعًا من طيارات وإغارات.

    احتياطات أخرى في المنزل عامة: بالرغم من إعداد الملجأ يحسن كذلك لدى إعلان الحرب أن يعد السكان منازلهم — مهما كان الطابق الذي يسكنونه — لمنع دخول الغازات إليها عند حدوث إغارات جوية، وبينما يكونون مختفين في وكرهم.

    فعليهم أن يلصقوا شرائط الورق السميك على زجاج نوافذها جميعًا، فإذا أُعطِيت إشارة الخطر وجب أن يقوم أحدهم بإغلاق جميع النوافذ والأبواب بما فيها الباب الخارجي، وإخفاء الطعام في دواليب مغلقة جيدًا — وليس في النمليات العادية، وبعد ذلك يسرع هو أيضًا إلى الوكر المكنون.

  • (٣)

    الكمامات والملابس الواقية: تُستعمَل الكمامات لوقاية العينين والرئتين، أما الملابس الواقية فتُستعمَل لوقاية الجسم من السوائل الكاوية وغازاتها، ولرجال الإسعاف وفرق مكافحة الغازات الذين تضطرهم مهام واجباتهم للعمل في العراء أثناء الإغارات الجوية أو بعدها لنقل المصابين أو تطهير الأحياء الملوثة.

    ولكنها — وخاصة الكمامات الواقية — قد تكون لازمة كذلك لسكان المدن جميعًا «ويُلاحَظ أن سكان الأرياف لا تختارهم الطيارات إلا نادرًا» ليستعملوها إذا تهدمت المنازل أو اضطروا لهجرها أو الوجود في العراء لأي سبب كان.

    الكمامات الواقية من الغازات تشمل الكمامة الواقية ثلاثة أجزاء رئيسية هي:
    • أولًا: «قناع للوجه» يُثبَّت على الرأس بشرائط من المطاط، والقناع مصنوع من المطاط، وبه ثقبان للعينين عليهما زجاج من النوع غير القابل للكسر، وثقب آخر أمام الفم يتصل من ناحية بصمام ينفتح للخارج لتصريف هواء الزفير عند التنفس، ومن ناحية أخرى بأنبوبة لدخول الهواء الخارج متصلة بمرشح للهواء.
    • ثانيًا: «مرشح للهواء» وهو عبارة عن علبة من المعدن مقفلة تحتوي على «كربون منشط» لامتصاص الغازات السامة كالكلور وغاز الخردل مثلًا، وكذلك تحتوي على قرص من «السليولوز» أو سواه يمنع دخول ذرات الغازات الزرنيخية التي تؤثر على الأنف. وهذه المواد كافية لمنع جميع الغازات السامة المعروفة إلى الآن.
    • ثالثًا: «الأنبوبة السابق ذكرها» وهي تصل ما بين القناع ومرشح الهواء، وتُصنَع من المطاط. وفي بعض الكمامات لا توجد أنبوبة مطلقًا، بل يتصل القناع بالمرشح مباشرة أمام الفم.

    ويُفهَم من ذلك أنه لدى الشهيق في التنفس يسحب الإنسان الهواء من المرشح الذي ينقيه مما يحمله من الغازات السامة، أما لدى الزفير فالهواء يتسرب من الصمام الذي ينفتح من الخارج.

    وللكمامة كيس من نسيج عازل للمطر، وهو يُعلَّق في العنق عند الاستعمال، ويُخبَّأ به مرشح الهواء لوقايته من البلل.

    وعلى مشتري الكمامة أن يستعملها في الحال لتجربتها والتمرن على وضعها، وكذلك للتأكد من أن القناع يلتصق جيدًا بوجهه ورأسه، فلا يترك فراغًا قد تتسرب الغازات منه، وتوجد أحجام مختلفة من الأقنعة لاختيار المناسب منها عند الشراء.

    ونظرًا لأن تبخر العرق تحت القناع كثيرًا ما يدعو إلى تكاثف البخار على الزجاج فيعوق رؤية الإنسان لما حوله؛ فإنه يحسن شراء أحد المستحضرات التي تُوضَع بخفة على الزجاج فتمنع عتامته، وهي تُطلَب عادة مع الكمامة.

    وعلى العموم يجب على الإنسان أن يستعمل الكمامة ما بين آنٍ وآخر لتجربتها والوثوق من قيامها لدى الخطر بما ينتظره منها.

    الملابس الواقية من السوائل والغازات الكاوية.

    إن الكمامات التي سبق وصفها تقي العينين والجهاز التنفسي وجزءًا من جلد الوجه فقط؛ ولذا فهي كافية للوقاية من الغازات الخانقة والغازات المهيِّجة للأنف والمسيلة للدموع فقط، بخلاف السوائل والغازات الكاوية أو الحراقة؛ كغاز الخردل وسواه.

    ولهذا السبب تتضح ضرورة استعمال ملابس واقية للجسم عامة عند حدوث إغارات جوية بهذا النوع من المواد الكيميائية، وأشد الناس احتياجًا لها هم الجنود المحاربون ورجال الإسعاف وفرق التطهير، أما الأهلون عامة فالمفهوم أنهم يكونون في أماكنهم المأمونة فلا يحتاجون إليها.

    والملابس الواقية من الغازات الكاوية تُصنَع من نسيج خاص Oil-skin يُعالَج ببعض الزيوت في الصناعة كزيت بذر الكتان، وهي تشبه — نوعًا — الملابس المعروفة في المعاطف العازلة للمطر، ولا شك أن ارتداء هذه الملابس يقي زمنًا، ولكنها من الجهة الأخرى متعبة للجسم؛ تكتم حرارة الجسم وتدعو لغزارة العرق، وخاصة لدى القيام بالحركة والأعمال الجسمانية؛ ولذا يجب ألا يطول استعمالها، بل ألا تُستعمَل بتاتًا إلا إذا تأكد وجود ذلك النوع الكاوي من الغازات أو السوائل.

    وتشمل الملابس جاكتة وبنطلونًا وغطاء للرأس وقفازًا وحذاء من المطاط يصل إلى الركبة غير الكمامة السابق ذكرها.

    هذه هي طرق الوقاية، ولا شك أن العاقل يتدبرها جيدًا ويعمل بها إذا حدث خطر حقيقي على البلاد.

    ونشر الأستاذ حبيب إسكندر مقالًا في مجلة المقتطف عن الغازات السامة، فكان مما جاء في مقاله:

شروط الغاز الحربي

وقع اختيار الألمان في سنة ١٩١٥ على غاز الكلور في الحملة الأولى التي استُعمِل فيها الغاز في الحرب؛ لأن فيه تتوافر جميع الشروط اللازمة للغاز الحربي السام، وأهمها:

  • أولًا: يجب أن يكون الغاز أو المادة سامة جدًّا إذا وُجِدت في الهواء بمقادير قليلة.
  • ثانيًا: أن تكون رخيصة يمكن صنع مقادير كبيرة منها بعمليات سهلة.
  • ثالثًا: أن تكون سهلة الانضغاط والتحويل إلى سائل، وإذا خُفِّف الضغط عنها تحولت إلى بخار أو غاز.
  • رابعًا: أن تكون ثابتة لا تتأثر برطوبة الهواء أو بالمواد الكيماوية الأخرى حتى يصعب تغييرها وإفساد فعلها.
  • خامسًا: أن تكون أثقل من الهواء حتى لا تتبدد بسهولة في طبقات الهواء العليا.

غاز الكلور

ومعظم هذه الخواص تتوافر في غاز الكلور الذي وقع عليه الخيار أولًا؛ فهو غاز سام جدًّا، فإذا عُرِّض حيوان «كلب» للهواء الذي يحتوي اللتر منه على ٦٫٥ مللجرام من الكلور مات بعد ٣٠ دقيقة، ثم إن مقادير وافرة منه تُحضَّر بعمليات سهلة؛ وذلك بحل محلول ملح الطعام بالكهربائية. وقد كان يُبَاع قبل الحرب لأغراض صناعية في أسطوانات حديدية بسعر قرش واحد للرطل، ثم إنه سهل الإسالة، يكفي لإسالته ضغط يساوي ١٦٫٥ جو عند الدرجة ٩٨م، وإذا برد أُسِيل بضغط أقل، وإذا خُفِّف عنه الضغط تبخر واستحال غازًا أكثف من الهواء مرتين ونصف مرة.

غاز الفوسجين

الغاز الثاني الجديد استُعمِل في ديسمبر سنة ١٩١٥ ويُسمَّى الفوسجين؛ وهو مركب كيماوي كان معروفًا قبل الحرب لأنه كان يُستخدَم في الصناعة لتجهيز بعض الأصباغ. والفوسجين سائل يغلي عند الدرجة ٨°، وهو أشد سمًّا من الكلور، فبينما يموت الكلب في الهواء الذي يحتوي اللتر منه على ٢٫٥ ملليجرام من الكلور بعد تعرضه له ٣٠ دقيقة، إذا به يموت في الهواء الذي يحتوي اللتر منه على ٠٫٣ ملليجرام بعد تعرضه له الزمن نفسه؛ أي إنه أثقل من الكلور ثماني مرات.

الكلوروبكربن

في ربيع سنة ١٩١٧ استعمل الألمان غازًا جديدًا غير سام كثيرًا، لكنه يسبب دوارًا وقيئًا ويثير في العيون دموعًا؛ فيضطر الجندي إلى رفع كمامة الغاز، وعندئذ يعرض نفسه لفعل غاز آخر كالفوسجين يطلقه العدو في نفس الوقت، وهذا الغاز الجديد يصعب حجزه كلية بكمامات الغاز السام، واسمه كلوروبكربن؛ وهو مركب كان معروفًا قبل الحرب؛ مثل الكلور والفوسجين، وأول من حضَّره كيماوي إنجليزي يُدعَى ستن هوس سنة ١٨٤٨ من تفاعل الحامض البكريك ومسحوق إزالة الألوان.

ويُحضَّر الكلوروبكربن في الصناعة بإمرار البخار في مخلوط من الحامض البكريك ومسحوق إزالة الألوان؛ فيتكون الكلوروبكربن ويخرج مع البخار، وهو سائل عديم اللون كالزيت لا يذوب في الماء، يغلي عند الدرجة ١١٢°، وهو مركب ثابت لا يتحلل بالماء أو الحوامض أو القلويات المخففة، ومن حسن الحظ قد وُجِد أن الفحم المستعمل في كمامات الغاز السام يمتص هذا الغاز.

والعين حساسة جدًّا تدرك وجود هذا الغاز في الهواء بسرعة فائقة مهما كان مقداره قليلًا؛ فالهواء الذي يحتوي على ٢٫٥ جزء من الغاز في كل مليون جزء من الهواء، يجعل العين تغمض مضطرة بعد ١٨ ثانية، والذي يحتوي على ٢٩ جزءًا من المليون يجعلها تغمض بعد ٤ ثوانٍ فقط.

غاز الخردل

ننتقل الآن إلى سيد الغازات السامة، وهو مادة جديدة لها أسماء كثيرة، يسميها الإنجليز غاز الخردل أو الغاز المحرق لشدة تأثيره في الجلد، ويسميها الفرنسيون الأيبريت لأنها استُعمِلت أولًا في منطقة الأيبر، ويسميها الألمان الصليب الأصفر لأنهم كانوا يفرغونها في قنابل عليها علامة الصليب الأصفر تمييزًا لها عن القنابل الأخرى، ويسميها الكيميائيون Dichlorethyl Sulphide. اكتشف هذا المركب كيمياوي إنجليزي سنة ١٨٦٠، ثم كيمياوي ألماني يُدعَى فيكتور ماير سنة ١٨٨٦، ولكنه وجد أن دراسته لا تخلو من خطر فأهمله، ومن ذلك الوقت أُهمِل هذا المركب في قواميس الكيمياء، وظل في زوايا الإهمال حتى استخدمه الألمان في الحرب العظمى. وفي يوليو سنة ١٩١٧ أمطروه على الإنجليز ففتك بهم فتكًا ذريعًا، ومن ثم جعل الألمان يعتمدون عليه في الحرب وحذا الحلفاء حذوهم، ويقال إن في هجمة واحدة دامت عشرة أيام أطلق الألمان مليون قنبلة تحتوي على ٢٥٠٠ طن من هذه المادة.

وغاز الخردل ليس بغاز، ثم إنه لا يُصنَع من الخردل، بل هو مركب كيماوي يُجهَّز من الكحول والكلور والكبريت، وهو سائل يغلي عند الدرجة ٢١٦° ويتبخر ببطء، ويبقى في الخنادق ويختفي في التراب والملابس أيامًا طويلة. وكمامات الغاز الخانق لا تقي المرء منه وقاية كافية؛ لأن الجندي لا بد له أن يخلع الكمامة وقتًا من الأوقات فيهاجمه الغاز الذي لا يزال منتظرًا. وفي بعض الحالات تضطر الجنود إلى لبس الكمامات ١٢ يومًا متتالية ليل نهار، وقد يظهر المكان خاليًا من هذا الغاز، ولكن عندما تطلع الشمس وتسخن الأرض يتبخر منها هذا السائل ويعلق بملابس الجنود وكماماتهم. وهو سام جدًّا كغيره من الغازات السابقة، ويمتاز عنها بأنه يلسع الجلد كالبخار ويحرق الجسم من الداخل والخارج؛ فيحدث حروقًا مؤلمة إذا أُهمِلت تحولت إلى جروح خبيثة تسمم الجسم وتحدث الوفاة، فضلًا عن أنه يؤثر في الأجزاء الطرية كالعين والأنف والحنجرة والرئتين.

وأهم مميزاته أنه يبقى طويلًا وأنه لا يحدث أضرارًا في الحال بل يحدث ضرره فيما بعد، فقد يتأخر فعله يومين أو ثلاثة أيام في الطقس الدافئ، وفي الطقس البارد لا يبدو خطره إلا بعد مرور أسبوع أو عشرة أيام، وقد يتأخر شهرًا أو أكثر حتى يدفأ الجو ويتبخر السائل، ويصعب جدًّا إزالته من الأرض والأمكنة التي يسقط فيها؛ فيبقى خطره مدة أسابيع أو شهر، وفي بعض الحالات سنة أو أكثر.

وقد استعمل الألمان مقادير هائلة منه — كما أسلفنا — لإيقاع الرعب في نفوس الحلفاء وإضعاف الروح المعنوية، ثم لإخلاء المواقع الحربية وتأجيل الهجوم، ويقال إن الألمان في أبريل سنة ١٩١٨ قذفوا بهذا الغاز بلدة فرنسوية تُدعَى أرمانتيير، حتى سال السائل في المدينة.

الوقاية من الغازات

أصدرت وزارة الشئون الداخلية البريطانية كتابًا يُباع بستة بنسات تحت عنوان «كتاب الاحتياط من الغزوات الجوية»، ويجدر بالذين يشغل بالهم حرب الغازات والطائرات أن يقرأوه.

وحرب الغازات هي قسم من الحرب الجوية؛ لأن الذي يلقي قنابل الغازات هو الطائرات. وهذا على الأقل هو ما يقوله هذا الكتاب، ولكنا نعتقد أنه في مصر يمكن لبارجة حربية أن ترسل إلينا الغازات من عرض البحر في أي نقطة شمال البلاد؛ لأن انتظام الرياح الشمالية يكفل سيرها إلى الجنوب نحو السكان بلا أي خطر على البارجة.

ولكن خطر الطائرة أكبر لأنها تختار المدن دون الريف وتلقي قنابلها التي تنفجر في الشوارع أو المنازل وتتفشى الغازات منها، وفي الوقت نفسه تحبسها الجدران القائمة فلا تنبسط وتتبدد كما هو الحال في الريف؛ لأن الغاز حين يقع لا يصيب غير عدد صغير من السكان.

والقارئ لهذا الكتاب يشعر أن جهنمًا قد انتقلت من العالم الآخر إلى هذا العالم، حتى إن إحدى المجلات وهي تعرض الكتاب اقترحت على وزارة الشئون الداخلية أن تخزن مقدارًا من المورفين «خلاصة الأفيون» وتوزعه على السكان؛ لكي تُعطَى جرع منه لمن تصيبه الغازات حتى يموت ويطيق موته فلا يتألم بما تتجاوز الطاقة الإنسانية تحمله.

والكتاب يؤيد الرأي القائل بأن مكافحة الغازات المكافحة التامة غير ممكنة، حتى إن المستر بولدوين رئيس الوزارة يقول: «إن المكافحة المجدية هي الهجوم على مدن العدو وضرب السكان هناك قبل أن يضربوهم.»

ويرى الكتاب أن الوقاية الحقة في بريطانيا تُكلِّف الحكومة مبلغًا يتراوح بين ١٠٠٠ و١٥٠٠ مليون جنيه، تنشأ به إلى جنب كل مدينة أماكن خاصة لها جدران عالية ويمكن إقفالها إقفالًا مُحكَمًا؛ بحيث يدخل فيها جميع السكان ويبقون إلى أن تنزاح الغازات. ولما كان هذا الاقتراح لا يمكن العمل به فإن الكتاب يشرح طرقًا أخرى للوقاية يمكن الفرد والمجالس المحلية أن يقوموا بها، ولما كانت حرب الغازات هي «في بريطانيا» حربًا جوية فلا بد من الوقاية من شيئين؛ هما: قنابل التدمير، وقنابل الغازات.

فقنابل التدمير تدمر المنزل وتصيب الطبقات العليا، وقنابل الغازات تصيب الطبقات السفلى لأن الغازات ثقيلة أثقل من الهواء، وهي لذلك تلبث أيامًا بل أسابيع، وأحيانًا تنفجر القنبلة الغازية سائلًا يتبخر غازات قاتلة، فتبقى مدة طويلة وهو يؤدي هذه المهمة الوبيلة، وأنت وحظك في إحدى الغزوات الجوية، فإذا كنت تخشى القنابل المدمرة فاسكن أسفل الطبقات وحتى البدروم، وإذا كنت تخشى الغازات فاسكن أعلاها.

ولذلك يكون الريف آمن مكانًا من المدن في مثل هذه الأحوال، والأمن هنا نسبي وليس مطلقًا.

ولكن الكتاب ينصح بأن يختار كل إنسان في منزله غرفة رحبة تكفي جميع الأسرة، ثم يهيئ لها النوافذ والأبواب بحيث لا يمكن أن ينفد منها الهواء، فإذا تفشى الغاز حوله أمكنه أن يسد جميع النوافذ ويبقى بالغرفة يومًا أو أكثر حتى يتبدد الغاز ويزول الخطر. ويرى الكتاب أن الكمامات لن تكفي بأي حال جميع السكان، وهو يصرح بأن البذلة أو السترة الكاملة التي يمكن أن يلبسها الإنسان مرهقة كثيرة التكاليف.

والغازات ألوان وأنواع لا تُحصَى، وعند بعض الدول أسرار عنها لا تفشيها لأنها تريد أن تفاجئ بها الأعداء عندما تحين الفرصة، وبعض هذه الغازات إذا سال بعد الانفجار ولوث الشارع يجب أن تُرفَع عن الأرض الطبقة التي لوثها حتى لا تتبخر وتعود سائلًا قاتلًا.

ومع أن «اتفاق جنيف» الذي عُقِد بين الدول سنة ١٩٢٥ يمنع استعمال الغازات السامة مدة الحرب، فإن كل دولة تعرف أن عدوها لن يتراجع عن استعمالها إذا خشي على كيانه من الهزيمة، وهي مضطرة لهذا السبب إلى أن تتخذ عدتها للدفاع. وطريقة الدفاع الوحيدة — كما قال المستر بولدوين — هي الهجوم؛ حتى يُقتَل النساء والأطفال في الأمة المهاجمة قبل أن تترك لطياريها الفرصة في قتل النساء والأطفال.

وبديهي أن حرب الغازات لن تُقصَر على المدن بل ستتناول الجيش أيضًا، ولكنها ستوجه معظم قوتها إلى المدن لتفكك الأمة وإلقاء الرعب؛ حتى يصرخ السكان في طلب الصلح.

بحث آخر في الغازات الجوية

وقد بحث حضرة الدكتور عبد الخالق سليم عضو مجلس النواب سابقًا في مسألة الغازات الجوية وإلقاء القنابل المحشوة بالغازات على المدن، فذكر أنه كانت المناطيد الضخمة المسماة «تسبلن» هي البادئة، وكانت تقوم بمهمتها الجهنمية بعد الغروب بساعات، ولما كانت الاحتياطات الكافية قد اتُّخِذت لتجعل أنوار الشوارع والمنازل والمتاجر غير ظاهرة من الجو، فكان قادة تلك المناطيد يعتمدون على أي ضوء ينعكس إليها من نهر التيمس في الليالي الظلماء بواسطة النجوم أو من بريق الكهرباء فوق قضبان الترام كلما سارت العربات فوقها، وكانت هذه العوارض أهم مرشد للطائرات لتعرف مواقع المدينة بشيء من الدقة.

فكانت هذه المناطيد تتلمس طريقها فوق المدينة وتمطرها بما تحمل من تلك المهلكات.

وحمولة كل منطاد تتفاوت بين ثلاثة وخمسة أطنان.

أما الغارة بالطائرات فلم تكن ذات بال ولم تبدأ باستعمالها إلا سنة ١٩١٨؛ حيث زار لوندرة أسطول مكون من خمس عشرة طائرة.

أنواع القنابل

أما أنواع تلك القنابل فلم تتعدَّ اثنين:
  • النوع الأول: تُملَأ هذه القنابل بمادة اسمها ثرمت Thirmit، فإذا سقطت إحداها فوق شيء صلب اختلطت المواد الموجودة داخل غلافها مع الثرمت، فتنفجر وتسيل منه المادة وقد بلغت حرارتها بتفاعل المواد الأخرى معها ٥٠٠٠ بميزان فهرنهايت أو ٢٧٠٠ بميزان سنتجراد؛ أي تكون حرارتها ٢٧ ضعفًا بالنسبة لدرجة غليان الماء.

    فإذا التقت هذه المادة بأي معدن من المعادن أذابته فورًا من هول حرارتها.

    وكان الغرض منها إشعال النار في المدينة، ولكنها إن أصابت مستودعًا للذخائر يكون الخطر بالغًا منتهى الشدة.

    وقد تبيَّن للألمان أن تأثير هذا النوع ليس بذي بال في لوندرة.

  • النوع الثاني: كانت قنابله محشوة بالمفرقعات والغرض منها التدمير، وقد انفردت سنة ١٩١٨ بهذا النوع من القنابل.

    وقد شاهدت آثار انفجار هذا النوع في حالات متعددة.

سقطت قنبلة في منتصف الساعة الثانية عشرة مساء في حديقة كبيرة لمنزلين متلاصقين يحيط بهما سور مبني على ارتفاع مترين، وكان هذان المنزلان مدرسة للأطفال.

أما السور فقد أصبح الصباح وليس له أثر بالمرة.

أما موضع الانفجار، فكان حفرة عميقة قطرها أربعة أمتار تكسرت من حولها بعض الأشجار الضخمة من الجذوع.

أما المنزلان فلم يبقَ بهما سقف ولا باب ولا نافذة! تطاير الكل إلى مسافات بعيدة من شدة الانفجار!

كذلك لم يبقَ لوح زجاجي سليم في جميع المنازل الموجودة في دائرة قطرها ستون مترًا، مع العلم بأن زجاج النوافذ في إنجلترا من النوع المتين الذي يستعمل للمرايا الخفيفة.

لم أسمع غارة جوية واحدة استُعمِلت فيها هذه القنابل.

ومع أنها هي التي يخشى الناس خطرها وهي التي تشغل الرأي العام الأوروبي؛ فإني أقرر أنه من المستحيل حتى الآن الوقاية منها.

ومن هذه القنابل ما يحتوي على الفوسجين أو اللوسيت، وهما شديدا الأذى للمجاري الهوائية، وقل من شفي منها شفاء تامًّا.

وهذا النوع من الغازات السامة هو الذي يمكن درء خطره بواسطة الكمامات، ولكن ليس بواسطة هذه الكمامات الغالية والتي يبلغ ثمن الواحدة ١٥٠ قرشًا، بل بواسطة كمامات بسيطة وخفيفة لا يتجاوز ثمن الواحدة بضعة قروش، وكانت تُوزَّع علينا في المستشفيات.

أما القنابل المحتوية على غاز الكلورين — وكانت تُسمَّى قنابل الخردل — فالوقاية منها محال؛ وذلك لأن الغاز المنبعث منها يمكث فوق الأمكنة القليلة التهوية أو الحفر وما شابهها مددًا طويلة قد تكون يومًا أو بعض يوم، أما في الخلاء الخالي من الحفر فيمكث الغاز بضع ساعات تقل أو تكثر بمقدار كثرة الرياح أو قلتها.

والتعرض المباشر لهذا الغاز يسبب اكتواء للجلد لو مُسَّ هذا بحامض الكبريتيك «ماء النار».

ويعشعش هذا الغاز في الملابس منفوشة الخيوط كالأصواف الرخيصة أو القطنية المشابهة للكستور مددًا طويلة، وتصبح هذه الملابس نفسها معدية للسليم؛ فكثيرًا ما كان المصابون من هذا الغاز يخلعون ملابسهم في مكان ما مثلًا، فلا يسلم المقترب منها من التهاب جلدي بعد ساعتين قد يستلزم أيامًا للعلاج.

فأين تلك الكمامات التي تقي الجسم من هذا النوع؟

ولقد استقر رأي كثير من الأخصائيين على أن خير الوسائل للوقاية من سموم هذه الغازات الجوية في مكان محكم الغلق مدة كافية تسمح بتهوية الجهة التي حصلت الغارة عليها؛ فالرياح هي العامل الوحيد في طردها.

أما الكمامات فلم تُستعمَل في المستشفى الذي كنت أشتغل فيه — وكان به ١٩٥٠ سريرًا للمرضى — مرة واحدة، بل ولم تقضِ الحاجة باستعمالها في لوندرة على ما أعلم.

figure
الإمبراطورة زوديتو التي تُوفِّيت سنة ١٩٣٠، وقيل ماتت مسمومة وخلفها الإمبراطور هيلا سيلاسي.

ويحسن هنا أن ألفت نظر الرأي العام بأن هذه الغازات بُدِئ باستعمالها في الميدان الغربي سنة ١٩١٧، ولم يعلم المدافعون بما هم فيه من خطر إلا بعد ساعتين حيث بدأت أعراض التسمم منها بالظهور، فيا ترى ما هو التحسين الذي طرأ على هذه الغازات ليجعلها أشد هولًا وأعظم فتكًا بعد تلك السنين الطوال؟

ومن الغريب أن المشتغلين بهذه الأنواع لم يسلموا من أذاها، وإذا علمنا أنه لغاية سنة ١٩٢٠ لم يتمكن العلماء من حبس هذه الغازات حبسًا تامًّا داخل أسطواناتها المصنوعة من الصلب تبيَّن لنا خطرها الذريع.

وقد دلت الإحصاءات على أن عُشْر العمال الذين كُلِّفوا بتعبئتها في صناديقها أو تعليقها أسفل الطائرات أُصِيبوا من ويلاتها، حتى العلماء أنفسهم لم يسلموا منها.

وقد فهمت من الخبراء بأن القنبلة إذا سقطت مثلًا فوق عمارة سقوفها من الأسمنت المسلح من ارتفاع ٢٠٠٠٠ قدم مثلًا، فإنها تخترق ثلاثة سقوف فقط قبل أن تنفجر، وأن انفجار القنابل يكون دائمًا إلى أعلى.

ولو كان في الأمر عزاء، فهذا في حيرة جميع الدول في إيجاد نظام كافٍ ومعقول للوقاية من هذه الغازات، ولا عبرة مطلقًا بأية تعليمات صدرت للآن؛ فجميع إرشاداتها ناقصة للاعتبارات السابقة، وإنها وإن لم يقصد بها التضليل طبعًا إلا أن الفائدة المرجوة منها ضئيلة تستلزم المجهود الجدي لجعلها ذات قيمة.

وكيف يتصور إنسان أن أي أمة تستطيع تدريب أفرادها على لبس كمامات يتحمل أصحابها دفع ١٥٠ قرشًا عن كل واحد؟!

وإذا أمكن هذا المستحيل، فما الرأي في مصر والفلاح مثلًا يُقدِّر ماشيته بما قد علمنا والحوذي والعربي يُقدِّر جواده وجمله بما هو معروف، وربما كان لهم العذر.

وهل نحن في مصر على استعداد للمجازفة بقدر كبير من المال دون التأكد من صلاحية هذه الكمامات؟!

لقد كان الخطر عظيمًا ومحققًا في حالة الإغارات بالغازات السامة على الجنود في الخنادق.

فقد كانت هذه السموم تتخللها وتمكث فيها زمنًا طويلًا لعمقها ولعدم نهوضها، فكان لا بد من استعمال الكمامات لدرء خطر السموم التي تصيب المسالك الهوائية بأبلغ ضرر.

ومع كثرة الغارات الجوية على لوندرة كان ضررها على المدينة تافهًا في سني الحرب، وربما كان الألمان يرمون إلى إضعاف الروح المعنوية عند الشعب وإذلاله، فيضطر الحكومة إلى إنهاء الحرب بأي ثمن.

لمقاومة الغارات الجوية والغازات

وقد جهدت الأمم والمفكرون فيها خاصة في استنباط الوسائل لمكافحة خطر الغارات الجوية وإحباط الغازات السامة أو اتقاء أخطارها، وتفحص الآن وزارة الطيران بإنجلترا اختراعًا جديدًا يجعل من المستحيل إغارة الجوية على الجزر البريطانية. وصاحب هذا الاختراع هو المستر «مارتن» أحد المهندسين في مدينة «برستون» بمقاطعة لانكشير.

وقد قال في حديث له مع مندوب إحدى الصحف: «إن الجهاز الذي اخترعته ينسف أية طيارة تحلق في جو إنجلترا، لا بتأثير أشعة تصدر عنه، ولكن الاختراع قائم على قاعدة بسيطة من مبادئ الكهربائية المغناطيسية.»

ومعنى هذا أن طيارات الأعداء لا تستطيع التملص من هذا الجهاز أو الإفلات من تأثيره مهما حاولت ذلك بمختلف حركات الطيران.

وجهاز واحد من هذا الاختراع في استطاعته أن يحمي مساحة كبيرة من الجو فوق أية مدينة.

ومما يُذكَر في هذا الصدد أن وزارة الحربية الإنجليزية قد ابتاعت منذ سنوات قليلة من المستر «مارتن» نفسه امتياز اختراع هو عبارة عن جهاز تتمكن به المدافع الرشاشة من إطلاق مقذوفاتها ليلًا.

وقد جاء في تاريخ الحرب العالمية الأخيرة أن الألمان قذفوا بغازاتهم السامة للمرة الأولى على الجنود البريطانيين والفرنسيين والبلجيكيين المرابطين على ضفاف قناة الأيزر، وذلك في الساعة الخامسة بعد ظهر ٢٢ أبريل ١٩١٥.

وقد كان تأثير هذه الغازات شديدًا في جنود الحلفاء، فاضطرت جبهتهم إلى التقهقر ستة كيلومترات في بدء الأمر، ولكنها ما لبثت أن عادت إلى مركزها بعد قليل من الحين، ونُشِر في البلاغ الرسمي الفرنسي بتاريخ ١٤ أبريل ١٩١٥ ما يأتي:

تمكن الألمان في مساء أول من أمس من إرجاع خطوط جبهتنا عند شمال إيبر بين قناة الأيزر وطريق بولكابل، فقد خرج من خنادق الألمان دخان كثيف أصفر دفعته الريح الشمالية علينا، فجر اختناقًا تامًّا على جنودنا، وشعرت به أيضًا الجنود المرابطة في الخط الثاني بعد الجبهة.

وجاء في البلاغ الرسمي البريطاني ما يلي:

إن مقدار الغاز المقذوف علينا يدل على تصميم وتعمد، وقد استُعمِل ذلك خلافًا للاتفاق المعقود في لاهاي ووقعته ألمانيا.

الفواكه ونوى الخوخ والوقاية من الغازات

تبتاع ألمانيا من أشهر من فرنسا مقادير كبيرة من الخوخ والبندق واللوز وقشور الثمار الجافة، فقد رأى علماؤها أن قشور البندق واللوز ونوى الخوخ تحوي مادة خاصة يمكن معالجتها كيماويًّا حتى تصير صالحة للوقاية من الغازات الخانقة.

ويذهبون كذلك إلى أن قشور هذه الأثمار التي هي من أفضل الغذاء يمكن استخدامها في صناعة غاز خانق فعله ذريع.

وقد ثبت أن قشور اللوز إذا حُوِّلت إلى فحم كانت خير واقٍ من تصاعد الغازات والروائح الفاسدة.

المخابئ

فضلًا عن استعمال الكمامات فاستعمال المخابئ أوفى وأوقى، والمخابئ تكون بإغلاق غرف إغلاقًا محكمًا يُمنَع منها الجو الخارجي وتُسَد النوافذ والأبواب.

وعلى الحكومة إعداد فرق للإسعاف، وفرق للتطهير، وإنشاء مستشفيات وملاجئ.

figure

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤