قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر

أخبرنا ابن دريد: قالت بنت بجير بن عبد الله القشيري، ترثي أباها المقتول يوم المروت، وهو يوم العنابين:

نهُوضًا حين تعتمد الرزايا
ذَوي الأفعالِ بالعبءِ الثقيل
فما كعب بكعبٍ إن أقامت
ولم تثأر بفارِسِها القتيل
وَذَحلُهم يناديهم مقيمًا
لدى الكدَّام طلَّابِ الذحولِ

الكدام: هو يزيد بن أزهر بن عبد الله المازني وكان أسر بجيرًا.

وكتب إليَّ أحمد بن عبد العزيز، قال: أخبرنا عمر بن شبة، قال: قتل قنعب بن عتاب اليربوعي بجيرَ بن عبد الله بن سلمة بن قشير، فقالت بنت بجير ترثي أباها بهذه الأبيات …

أخبرنا إبراهيم بن محمد بن عرفة النحوي، قال: أخبرنا أحمد بن يحيى، قال: أخبرنا سعدان بن المبارك عن أبي عبيدة، قال: قالت الفارعة بنت معاوية من بني قشير تعير كلابًا بمشاطرتهم الأحاليف سباياهم يومئذ:

منا فوارِس قاتلوا عن سبِيهم
يومَ النسارِ وليسَ منا أشطر
ولبئسَ ما نصرَ العشيرةَ ذو لحًى
وحفيف نافحةٍ بليلٍ مسهِر

ذو لحى: ذو اللحية بن عامر بن عوف بن كعب بن أبي بكر بن كلاب. ومسهر: ابن عبد قيس بن ربيعة بن كعب بن عبد الله بن أبي بكر بن كلاب.

ضُبعا هِراشٍ تعفِرانِ استيهما
فرأتهما أخرى فقامَت تعفِر

تعفران: تمسحان استيهما بالعفر، وهو التراب.

حاشا بني المجنونِ أن أباهم
صات إذا سطعَ الغبار الأكدر

صات: له صوت في الناس، ورحل صيت: شديد الصوت، وبنو المجنون: ابن أبي بكر بن كلاب.

لولا بنو بنت الحريش تقسَّمت
سبيَ القبائل مازن والعنبر

بنو بنت الحريش: هم خويلد بن نفيل بن عمرو بن كلاب، أمهم: ريطة بنت الحريش بنت كعب.

زعمتْ بُزوخُ بني كلابٍ أنَّهم
هزموا الجميع وأنَّ كعبًا أدبروا

البزوخ: الذي يخرج بطنه ويدخل ظهره وهو من الجبن.

كذبتْ بُزوخُ بني كلابٍ أنها
تأتي الضراء وبَظْرُها يَتَقطرُ

وكتب إليَّ أحمد بن عبد العزيز، قال: أخبرنا عمر بن شبة، قال: إنه سبى من بني بيت كلاب سبيًا يوم النسار، وأن بني كلاب سألوه أن يتجافى لهم عن شطر السبي ويسلموا الشطر، فقالت الفارعة بنت معاوية القشيرية تعير بني كلاب بما فعلوا:

منا فوارس قاتلوا عن سبيهم

… وذكر الأبيات.

أنشدنا ابن دريد، قال: أنشدني عبد الرحمن، يعني: ابن أخي الأصمعي، عن عمه، لامرأة من بني قشير تهجو ابنها:

وهبته مُرتهِشًا جواعِرُه
أرْسَغَ لا يشبع منه طائره
مثل اختلفت تامِره
(أحدًا) إذا ما قربتْ أباعره

كتب إليَّ أحمد بن عبد العزيز، أخبرنا عمر بن شبة، قال: قالت الفارعة بنت معاوية القشيرية في يوم النسار:

شفى الله نفسي من معشر
أضاعوا قدامة يومَ النسارِ
أضاعوا فتًى غير جَثامةٍ
طويلَ النجادِ بعيدَ المغارِ
يُثني الفوارسَ عن رمحه
بطَعْنٍ كأفواه لهبِ المِهارِ
وفرَّت كلابٌ على وجهها
خلا جعفرٍ قبلَ وجهِ النَّهارِ

كتب إليَّ أحمد بن عبد العزيز، أخبرنا عمر بن شبة عن محمد بن حرب الهلالي قال: أتت امرأة من بني قشير خالد بن عبد الله القسري، فقالت:

إليك يابن السادةِ الأماجدِ
يعمدُ في الحاجة كلَّ عامدِ
فالنَّاسُ بين صادرٍ وواردِ
مثلَ حَجيج البيت نحو خالد
أشْبَهتَ يا خالد خيرَ والدِ
أشْبَهْتَ عبدَ الله بالمحامد
ليسَ طريفُ المجْدِ مثلَ التالدِ
… … … … …

حدثني إبراهيم بن محمد العطار عن الحسن بن علي العنزي، قال: حدثني محمد بن زكريا اللؤلؤي، قال: حدثني العباس بن بكار الضبي أبو وليد، قال: حدثني عيسى بن يزيد عن صالح بن كيسان، قال محمد: وحدثنا عبد الله بن الضحاك الهدادي، حدثني هشام بن محمد بن السائب عن أبيه، عن أبي صالح، قال: كانت ضباعة بنت عامر بن قرط بن سلمة بن قشير، وهو الذي يقال له: سلمة الخير. وأمه من بجيلة، وأخوه يقال له: سلمة الشر. أمه تحيا بنت كلاب بن ربيعة. فزوجها هوذة بن علي الحنفي الذي كان يمدحه الأعشى، فسماه في الشعر: الوهاب، فمات عنها وأصابت منه مالًا كثيرًا، فرجعت به إلى بلادها، فخطبها بجير بن عبد الله بن سلمة بن قشير فلم تزوجه، وهو ابن عمها. فخطبها عبد الله بن جدعان التيمي إلى أبيها فزوجه إياها، ووعد ابن جدعان أن لا يعصيه في أمرها، وأنه يكون بحيث تحب من أمرها. فقال بجير: حيث أهديت إلى ابن جدعان:

لنِعْمَ الحيُّ لوْ تربع عليهم
ضُباعَةُ يومَ مُنْقَى اللحْمِ غالِ
ونِعْمَ الحيُّ حيُّ بني أبيها
إذا قُرع المقانبُ بالعوالي
أقومٌ يقتنون الإبل تَجرًا
أحَب إليكِ أمْ قَوم حِلال؟

فتزعم بنو عامر أنها قالت: بل قوم حلال.

قال هشام عن أبيه: إنها لما هلك عنها هوذة، ورجعت إلى بلادِها، خطبها عبد الله بن الجدعان إلى أبيها، فزوجه إياها. فأتاه ابن أخ له يقال له: حزن بن عبد الملك بن قرط، فقال: زوجني ضباعة.

قال: قد زوجها عبد الله بن جدعان، فحلف ابن أخيه لا يصل إليها أبدًا وليقتلنها، فكتب أبوها إلى عبد الله بن جدعان يذكر له هذا من أمرها، فكتب إليه عبد الله: لئن فعلت لأنصبن لك راية غدر بسوق عكاظ، فقال أبوها لابن أخيه: قد جاء من الأمر ما لابد من الوفاء لهذا الرجل. فجهزها وحملها إليه وركب حزن في أثرها وأخذ الرمح فتبعها حتى انتهى إليها فوضع السنان بين كتفيها فقال:

أقوم يقتنونَ الإبل تَجرًا
أحبُّ إليك أم حي حُلولُ؟
قالت: بل قوم حلول. قال: أما والله، ولو قلت غير ذلك لأخرجت السيف من بين كتفيك، وانصرف عنها، فأهديت إلى ابن جدعان، فكانت عنده ما شاء الله أن تكون، فبينما هي تطوف الكعبة، وكان لها جمال وشباب، فرآها هشام بن المغيرة فكلمها عند البيت وقال لها: وقد رضيت أن يكون هذا الشباب والجمال عند شيخ كبير؟! ولو سألتِه الفراق لتزوجتك، وكان هشام جميلًا مكثرًا، فرجعت إلى جدعان فقالت: إني امرأة شابة وأنت شيخ كبير، قال: ما بدا لكِ في هذا، فقد بلغني أن هشامًا كلمك وأنت تطوفين في البيت، وأنا أعطي الله عهدًا ألا أفارقك؛ حتى تحلفي ألا تتزوجي هشامًا، فيوم تفعلين فعليك أن تطوفي في البيت عريانة، وأن تنحري مائة من الإبل، وأن تغزلي وبرًا بين الأخشبين من مكة، وأنت من الحمس لايحل لكِ أن تغزلي الوبر. فأرسلت إلى هشام:

إنه قد أخذ عليَّ أشياء إذا تزوجتك.

فأرسل إليها:

أما ما ذكرت من الطواف في البيت عريانة، فأنا أسأل قريشًا أن يخلو لك المسجد، فتطوفين بعد الفجر بسدفة ولا يراك أحد.

وأما الإبل فلك الله أن أنحرها عنك.

وأما تغزلين وبرًا فهذا كان يصنعه نفر من قريش فيوفون بنذرهم.

فقالت لابن جدعان: نعم، ذلك عليَّ، فطلقها فتزوجها هشام.

قال العباس: فحدثني أبو بكر الهذلي أن أباها قدم عليها، فشكت إليه، وكنت عن النكاح، وكان ابن جدعان قد بلغ سنًّا مع توسع عليه في المال والخلق فذكره، وقالت: ائذن لي فأخرج في جنازته فنعم زوج الغريبة. قال: أجل والله والقريبة، فأذن لها. وأسلمت ضباعة وكانت من النسوة اللاتي أسلمن مع النبي فمات عنها هشام، ثم إن النبي خطبها، فقالت: أتزوج بهذا الفتى بعد مشيخة قريش، وأبت، فبلغ الخبر ابنها سلمة، فانحدر إلى مكة، وكان جلدة بين عينيها، فقال: لا أشهد لكِ لا خيرًا ولا شرَّا؛ أخطبك رسول الله ، فرددت عليه ما قد علمت؟ فقالت: إنما كنت أكره ذلك لك، فأما إذا أحببت ذلك فشأنك، فأتى رسول الله وهو في مجلسه، فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، القطيفة التي طلبتها لم أزل في ذلك حتى سهل الله أمرها. فقال رسول الله ثلاث مرات: «بارك الله عليها قد هيأ الله ويسر قطيفة غيرها.»

وأما الكلبي فقال: خطبها رسول الله إلى ابنها سلمة، فقال: حتى أستأمرها.

فأتاها فأخبرها، فقالت: ويلك فما قلت له؟ قال: قلت حتى أستأمرها. قالت: تستأمرني في رسول الله قبح الله رأيك — ارجع لا يكون بدًّا له، وقد ذكر للنبي أنها قد تغيرت عما كان عهد، فأخبره أنها رضيت، فأعرض النبي عن ذكرها.

وكتب إليَّ أحمد بن عبد العزيز، أخبرنا عمر بن شبة، قال: قالت ضباعة بنت عامر بن قرط بن سلمة الخير بن قشير ترثي زوجها هشام بن المغيرة، وكانت قد أسلمت وولدت لهشام سلمة:

إنك لو وألتَ إلى هشام
أمنتَ وكنتَ في حرم مقيم
كريم الخِيم خفاق حشاه
ثمال لليتيمة واليتيم
ربيع الناس أروع هبزري
أبي الضيم ليس بذي وصوم
أصيل الرأي ليس بحيدري
ولا نكد العطاء ولا ذميم
ولا خذالة إن كان كون
ذميمٍ في الأمور ولا مليم
ولا متبرع بالسوء فيهم
ولا قذع المقال ولا غَشوم
فأصبح ثاويًا بقرار رَمس
كذاك الدهر يَفجع بالكريم

قال: وقالت حين هاجر ابنها سلمة إلى النبي :

نمى به إلى الذرى هشام
قدمًا وآباء له كرام
جحاجح خضارم عظام
من آل مخزوم همُ النظام
والرأس والهامة والسنام
… … … … …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤