تصدير

بقلم المستشرق الكبير الأستاذ جاستون فييت مدير دار الآثار العربية

لست في حاجة إلى أن أقدِّم للقراء المصريين الدكتور زكي محمد حسن، فقد يكون مؤلفه الكبير عن الدولة الطولونية قد مر دون أن يسترعي انتباه جمهور كبير في مصر؛ لأنه كُتب باللغة الفرنسية، ولكن الدكتور زكي لم يكن لديه بد من كتابته بهذه اللغة، فقد أعدَّه ليحصل به على درجة الدكتوراه من السوربون. وهذا الكتاب يشهد على كل حال بأن الدكتور زكي يملك ناصية اللغة الفرنسية ويجيدها إجادته لغة بلاده.

وإني لشديد الرغبة في أن ينقل الدكتور زكي إلى العربية هذه المؤلف التاريخي البديع؛ حتى يستطيع المثقفون المصريون ممن لا دراية لهم باللغة الفرنسية أن يروا إلى أي حد استطاع المؤلف أن يلم بموضوعه إلمامًا شاملًا وأن يعالجه في شعور وطني أثَّر فيَّ أثرًا بالغًا.

وقد عاد الدكتور زكي إلى مصر بعد دراسات واسعة ومثمرة في فرنسا وألمانيا وإنجلترا وإسبانيا، وتسلَّم كأمين لدار الآثار العربية العمل الذي تؤهله له دراساته وأبحاثه. وكان أول همه أن يكون إنتاجه ظاهرًا منذ رجوعه إلى وطنه فألَّف الجزء الأول من كتاب عن تاريخ الفن الإسلامي في مصر، وسارعت دار الآثار العربية إلى طبع هذا الكتاب على نفقاتها، فهو الأول من نوعه في اللغة العربية، وقد وفِّق فيه الدكتور زكي إلى إطلاع مواطنيه على الدراسات التي قام بها العلماء الأوربيون في هذا الميدان وإلى الأخذ بنصيبه فيه. والحق أن العلماء المتكلمين باللغة العربية يلزمهم أن لا يجهلوا تصانيف المستشرقين؛ إن لم يكن للموافقة على ما فيها فلإعلان ما عسى أن يكشفوه في نتائج أبحاثهم من أخطاء، كما أن المستشرقين لا يستطيعون أن يغضُّوا الطرف عن المؤلفات المكتوبة بالعربية.

ولذا فإني بصفتي غربي تربطه بالشرق دراسات طويلة، وباعتباري مدير دار الآثار العربية أشعر بسرور مزدوج في أن أقدم إلى القرَّاء المصريين هذا المؤلف الجديد الذي كتبه الدكتور زكي.

•••

وفي الواقع إن تصوير المخطوطات من أطرف نواحي الفن الإسلامي وأكثرها إمتاعًا. والدكتور زكي حسن، بفضل ما نعهده فيه من المزايا، يعرض لما هذا الموضوع عرضًا دقيقًا واضحًا يشعر بأنه يحبه حبًّا جمًّا. ولا ريب في أن تذوقه الفن في تلك الصور وفرط إعجابه سهَّلا عليه التعمق في دراستها.

ويرى القرَّاء أن الدكتور زكي يبدأ كتابه بمقدمة تاريخية لازمة يستعرض فيها تاريخ إيران لينتقل بعد ذلك إلى دراسة نشأة التصوير الإسلامي وتطور هذا الفن في بلاد إيران مع العوامل التي أثَّرت فيه. وقد وفِّق المؤلف إلى شرح المدارس المختلفة وبيان مميزات كل منها، والمصورين الذين نبغوا وكانت لهم مواهب ممتازة تفوقها كلها مواهب زعيمهم بهزاد.

وإني عظيم الأمل في أن يجد القرَّاء المصريون في قراءة هذا المؤلف الجديد ما وجدته في قراءته من فائدة واغتباط.

القاهرة في فبراير سنة ١٩٣٦

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤