التحذير الأخير!

كانت خدعة «أحمد» في الهرب بسيطة، فعندما كانوا يقتربون من الزنزانة الضيقة التي سيحبسهم الحراس فيها، شاهد فوق الأرض مربعًا أشبه بالشرك الذي سقط فيه مع «إلهام» عند القبض عليهما وبخفة تأخر للوراء مع حارسه وهو يتظاهر بالعرج، وعندما مر فوق الشرك ضغط بقدمه على حافته فسقط داخله مع حارسه، وعادت الأرض إلى شكلها السابق بدون أن يلاحظ بقية الحراس ما حدث … وكانت سقطة «أحمد» سهلة هذه المرة؛ لأنَّه كان يتوقعها، أما الحارس فاصطدمت رأسه بالأرض وفقد وعيه … وبسرعة ارتدى «أحمد» ملابس الحارس واستولى على سلاحه، وغادر السرداب الذي تؤدي إليه الشراك الخداعية … وفي دقائق كان يصعد إلى قلب القاعدة بدون أن يلاحظه أحد …

وعندما استمع إلى تحذير «مارشيللو» أصابه شيء من القلق على مصير الشياطين، ولكنَّه لم يضعف، كان هو الأمل الوحيد في إنقاذهم، وكان عليه أن يحاول إتمام المهمة التي جاءوا من أجلها بأيِّ وسيلة ثم إنقاذ الشياطين …

لم يكن لدى «أحمد» خطة محددة، وكان من الغباء أن يحاول اقتحام المكان ومحاولة إطلاق سراح زملائه أو تفجير المكان … فمهما كانت شجاعته وقوته، فسوف يتغلب عليه الحراس بسرعة.

وكان يعلم أنَّ كل دقيقة تمر ليست في صالحه، وعليه التصرف بأسرع ما يمكن قبل أن تنقضي الساعتان. وأخيرًا اهتدى «أحمد» إلى الفكرة الوحيدة الممكنة في ذلك المكان الرهيب … وكان يلزمه وجود الحظ بجانبه لتنفيذها …

وكان «أحمد» يعلم تمام العلم أنَّ الحظ سيكون حليفه تمامًا، فهو لم يتخلَّ مرة عن الشياطين حتى في أحلك الأوقات …

وأسرع «أحمد» يغادر المكان صاعدًا إلى سطح الجبل مع بعض الحراس، عند تغيير نوبتهم للحراسة، فقد كانت خطته التي وضعها للتنفيذ … تبدأ من أعلى …

اتجه طابور الحراسة ليأخذ مكانه حول المكان، وفي خفة انسلَّ «أحمد» من وسطهم مبتعدًا … كان هناك حوله عدد من المباني الحجرية تزيد عن العشرة، وكانت كلها مضاءة يشغلها بعض العاملين، وكان «أحمد» يريد أن يبحث في أحدها عن شيء معين؛ إذ لم يكن هناك مفر من محاولة الوصول إليه بنفسه.

واقترب متسللًا مستترًا بالظلام من أقرب المباني … ولكنه كان لا يحتوي إلا على بعض المكاتب الإدارية … أما المبنى الثاني فكان يحتوي على بعض المعدات والأدوات المهملة … والثالث كان يضم بعض الأسلحة … ونظر «أحمد» في ساعته … لم يعد متبقيًا على الإطلاق غير ساعة، وسمع أحد الحراس القريبين، وهو يقول لزميله: لقد بدأ العد التنازلي، سوف يخلون المكان هنا خلال نصف ساعة لإطلاق الصاروخ …

وهكذا لم يعد أمام «أحمد» غير عشر دقائق للعثور على ما يبحث عنه، فانطلق في سرعة محمومة يواصل بحثه …

قاد الحراس الشياطين الخمسة مقيدي الأيدي نحو قاعدة الإطلاق … كان العد التنازلي قد بدأ من الرقم ألف … وكان كل شيء مهيَّأً للإطلاق العاجل …

ودفع الحراس الشياطين نحو القاعدة الخرسانية التي ينتصب فوقها الصاروخ. وبغضب، صوَّب «عثمان» ضربة قوية نحو أقرب الحراس، فسقط الحارس على الأرض، واندفع زميله وضرب «عثمان» بمؤخرة مدفعه الرشاش، فدارت الدنيا ﺑ «عثمان» وسقط على الأرض …

وصوَّب الحراس مدافعهم للشياطين قائلين: أيَّة محاولة أخرى ستعجل بموتكم …

وقاموا بإلقاء الشياطين أسفل الصاروخ، وتم تقييدهم في القاعدة الخرسانية؛ حتى لا يتمكنوا من الهرب. وأفاق «عثمان» فتطلع إليه الشياطين في لهفة، فابتسم لهم وقال بعينيه: لا تخشوا شيئًا … إن أواني لم يحِنْ بعد …

وقالت «إلهام» بعينيها في قلق بالغ: هل سيطلقون الصاروخ حتمًا ونحن تحته؟ … سوف نحترق كما لو كنا كومة قش …

أغمضت «زبيدة» عينيها لهول ما تخيلَتْ، وقال «قيس» يطمئنهم: لا تخشوا شيئًا … إنَّ وجود «أحمد» حرًّا طليقًا يعني أنَّه لا يزال لدينا أمل …

بو عمير: ولكن أين هو؟ … ولماذا لم يظهر أو يحاول إنقاذنا حتى الآن؟ …

ولم يكن لدي أحد منهم إجابة فصمتوا حائرين، ومدافع الحراس مصوبة إليهم بالرغم من قيودهم … وكان العد التنازلي قد وصل إلى الرقم مائتين، ولم يعد باقيًا على الإطلاق أكثر من ربع ساعة، وأغمضت «إلهام» عينيها يأسًا … لم يكن هناك أيُّ أمل …

وفجأة شق السكون حولهم صوت يقول: تحذير … تحذير … أمام الجميع عشر دقائق على مغادرة المكان … غادروا المكان بأقصى سرعة … البركان في قلب الجبل يوشك على الانفجار … غادروا المكان بأقصى سرعة …

ما إن سمع الحراس حول الشياطين التحذير الآلي، حتى ظهر الرعب في عيونهم، وصرخوا في هلع وألقوا بأسلحتهم واندفعوا هاربين … وبدأ المكان يهتز بقوة كأنه سينفجر …

وتطلع الشياطين لبعضهم ذاهلين، وقالت عينا «عثمان» في سخرية: لم يكن ينقصنا إلا هذا.

زبيدة: وهل سيتركوننا هنا نواجه الزلزال والبركان؟

إلهام: وهل تظنين أنهم سيتكرمون بإطلاق سراحنا … لا شك أن الجميع يسرع بالفرار بأقصى سرعة.

وبالفعل ازدادت الصرخات حول الشياطين … واندفع العلماء والفنيون والحراس في هلَع يَجْرون ليغادروا المكان …

وترقرقت عينا «إلهام» بالدموع، لم تكن تخشى ما سوف يصيبها، ولكنها تذكرت «أحمد»، تساءلت في حزن أين هو؟ وماذا حدث له؟

كان اختفاء «أحمد» على تلك الصورة، وعدم ظهوره حتى تلك اللحظة لا يعني إلا شيئًا واحدًا …

إنَّه … وفجأة ظهر الشيطان الوسيم أمامهم … حيًّا لم يمسَّه ضرر …

وصرخت عيون الشياطين بصوت واحد: «أحمد»؟

وأسرع «أحمد» نحو رفاقه وحلَّ قيودهم، واحتضنه الشياطين غير مصدقين، وسألته «إلهام» ذاهلة: ماذا حدث يا «أحمد»؟

أجابها في سرعة: لا وقت للشرح … هيا بنا قبل أن ينطلق الصاروخ.

قال «عثمان» ذاهلًا: لقد نسوا أن يفتحوا سطح الجبل لينطلق منه الصاروخ … سوف يصطدم بسطح الجبل من الداخل وينفجر ويتحول المكان إلى جهنم.

أحمد: هذا أفضل … دعونا نغادر المكان بسرعة.

قال «قيس»: وأين سنهرب … إننا حتى لن نتمكن من الوصول إلى السطح. لم يعد باقيًا على إطلاق الصاروخ غير خمس دقائق …

أحمد: هناك وسيلة واحدة للنجاة من هذا المكان … اتبعوني.

واندفع الشياطين خارجين إلى سطح الجبل، وكان جميع الحراس والعاملين قد اندفعوا يهبطون الجبل في سرعة جنونية … واندفع «أحمد» إلى طرف الجبل، فأسرع بقية الشياطين خلفه دون أن يسألوه، وفجأة انكشفت لهم طائرة هليوكوبتر تستعد للإقلاع وبداخلها «مارشيللو». وقفز «أحمد» … نحو الطائرة وتعلق بها لحظة أن ارتفعت في الهواء … وراقب الشياطين «أحمد» وهو يجاهد لفتح باب الطائرة، وإلقاء «مارشيللو» منها، على حين أخذ «مارشيللو» يدفعه بقوة إلى الخارج.

وراقبت «إلهام» عقارب ساعتها … لم يعد باقيًا على انطلاق الصاروخ وانفجار المكان غير دقيقة واحدة … هذا إذا لم ينفجر البركان قبلها …

وأخيرًا … تمكن «أحمد» من «مارشيللو»، وجذبه من قدمه فألقاه خارج الطائرة، وتهاوى «مارشيللو» صارخًا فوق الجبال وارتطم به، وسكنت حركته في الحال، وقفز «أحمد» داخل الطائرة المحلقة حاليًّا …

وكانت الثواني تتناقص بسرعة رهيبة عشرة … تسعة … ثمانية.

وبأسفل سمعوا هدير محركات الصاروخ وهي تشتعل. اقترب «أحمد» بالهليوكوبتر في سباق مع الزمن … سبعة … ستة … خمسة … وحلق «أحمد» فوق الشياطين … وعقرب الثواني يقفز في جنون … أربعة … ثلاثة … اثنين … وفي الثانية الأخيرة تعلق الشياطين بأقدام الطائرة الهليوكوبتر، وارتفعت بهم بأقصى سرعتها. وفي اللحظة التالية انفجرت القاعدة في قمة الجبل عندما انطلق الصاروخ واصطدم بالحائط فوقه، واندلع لهب رهيب من جوف الجبل، وتناثرت القاعدة إلى شظايا سقطت على الحراس والعلماء الهاربين فقضت عليهم …

واستقر الشياطين في مقاعدهم بالطائرة الهليوكوبتر وهم يراقبون اللهب المندفع من قمة الجبل وقال «عثمان» متنهدًا: لقد نجونا في اللحظة الأخيرة.

قال «قيس» بسرور: لقد نجحت مهمتنا أيضًا … الحمد لله.

زبيدة: لولا ذلك التحذير المفاجئ بانفجار البركان، وهروب الحراس لما استطعنا النجاة.

بو عمير: ولكن من العجيب أنَّ البركان لم ينفجر حتى تلك اللحظة.

ابتسم «أحمد» وقال: ولن ينفجر أبدًا … لقد كان تحذيرًا كاذبًا …

هتف الشياطين الخمسة بصوتٍ واحد: ماذا؟

أحمد: لم يكن أمامي وسيلة غير ذلك لإنقاذكم … فبحثت عن المبنى الخاص برصد البراكين فوق سطح الجبل وجعلته يطلق تحذيرًا كاذبًا بانفجار البركان في قلب الجبل مع بعض المؤثرات الصوتية، كأنَّ البركان يوشك على الانفجار فعلًا؛ ولذلك سارع الجميع بالهرب وتمت مهمتنا بنجاح ففي بعض الأحيان تعجز القوة عن النصر، ولكن الحيلة لا تعجز أبدًا …

نظر بقية الشياطين نحو «أحمد» في إعجاب شديد، وانطلقت الهليوكوبتر باتجاه الشمال، بعيدًا عن أرض النَّار … وبراكينها وجنونها …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤