الشِّعرُ الجَاهِليُّ واللَّهَجَاتُ١

قال الدكتور طه حسين في فصله الخامس تحت العنوان المتقدم ما مُلخصه:

«الرُّواة مُجمِعون على أنَّ قبائل العدنانية لم تكن متَّحِدة اللغة ولا متفقة اللهجة قبل أنْ يظهر الإسلام، ولكنا لا نرى شيئًا من ذلك في الشعر الجاهليِّ،٢ فنرى مطولات امرئ القيس وزهير وعنترة ولبيد ليس بينها اختلافٌ في اللهجة أو تباعدٌ في اللغة أو تباينٌ في مذهب الكلام. فنحن بين اثنتين: إما أن نُؤمن بأنَّه لم يكن هناك اختلافٌ بين القبائل العربية من عدنان وقحطان في اللغة ولا في اللهجة ولا في المذهب الكلامي، وإما أنْ نعترفَ بأنَّ هذا الشعر لم يصدر عن هذه القبائل وإنَّما حُمل عليها حَملًا بعد الإسلام.»٣

رأينا في هذا الكلام

نقول: إنَّنا نعجب كما يعجب الدكتور طه حسين من ورود الشعر الجاهليِّ كله بلغة قريش مع تبايُنِ لهجات القبائل ومع اختلافها في قراءة القرآن نفسه. وقد بقي هذا التبايُنُ في الإسلام بضع قرون. ولكن يُدهشنا أنْ يغفل عن ذلك كبار رواة اللغة والشعر؛ فلا يلحظون هذا الأمر مع أنَّه من البَدَهِيَّات.

ومما يزيد هذه المسألة تعقيدًا أنَّ هذه الملاحظة الحقة تقضي علينا بأنْ نحكم بأنَّه لا يوجد شعرٌ جاهليٌ غير قرشيٍّ أصلًا فيما كان يُروى من الشعر المنسوب للعرب، وهو بعيدٌ عن العقل. فهذه المسألة تقتضي — كما يقول الدكتور طه حسين — بحثًا جديًّا في فراغ من البال، ولعله يُوفَّق إليه.

١  شغل مضمون هذا العنوان في كتاب الدكتور طه حسين من ص٣١ حتى ص٤١، وهو ختام عناوين الكتاب الأول.
٢  ينظر: في الشعر الجاهلي ص٣٢.
٣  السابق ص٣٣.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤