الفصل الخامس

في مقتله ومناقبه وأسرته

(١) مقتله

كان مقتل الخليفة عمر بن الخطاب جريمةً فظيعة ائتمر فيها نفر من أعداء الإسلام والعروبة الذين قضى على ممالكهم، وأذل نفوسهم، ونشر فيهم راية الإسلام من الفُرس واليهود والنصارى الذين تظاهروا بالإسلام وهم يكيدون له ويتربصون به الدوائر، بالخليفة الذي تم زوال ملكهم على يدَيه، وجعلهم خاضعين لهؤلاء العرب الذين كانوا بالأمس لا شأن لهم ولا رأي ولا فضل ولا مكانة.

تآمر بمقتل عمر يهودي مجرم تظاهر بالإسلام وأبطن الكفر والكيد والفتنة اسمه كعب الأحبار، عُرف بفساد طويته وبنشره الأباطيل والأكاذيب بين المسلمين، كما تآمر بمقتله الهرمزان، ذلك الأمير الفارسي المجوسي الذي رأينا كيف جيء به إلى عمر بعد أن عاث في الأرض فسادًا ونقض العهد مرات، وأراد عمر أن يقتله فاحتال عليه، وأعلن إسلامه وأبطن الشرك، فعفا عنه وأسكنه المدينة، وخصص له ما خصص لكبار المجاهدين من أموال بيت مال المسلمين، ولكنه كان مجوسيًّا مجرمًا، يُبطن الشر ويتحيَّن الفُرَص.

وكان ثالث المتآمرين عبدٌ لئيمٌ زنيم اسمه فيروز أبو لؤلؤة، كان مولى للمغيرة بن شعبة، وكان شديد الحقد على العرب والمسلمين، ولم يزل كلما جيء إلى المدينة ببعض أسرى الفرس ورقيقهم يمسح رءوسهم ويتوعد المسلمين.

ورابع المتآمرين هو نصراني اسمه جفينة، قالوا إنه كان من أهل الأنبار، وكان شديد الحقد على العرب وعلى عمر خاصة. ويروي بعض المؤرخين أن عبد الرحمن بن أبي بكر رأى قبل مقتل عمر أبا لؤلؤة مع الهرمزان وجفينة جالسين يتحدثون، فلما فاجأهم قاموا وقوفًا، فسقط بينهم خنجر له رأسان نصابه في وسطه، وهو الخنجر الذي حمله فيروز أبو لؤلؤة لقتل عمر، وقتل نفسه بعد أن أُخذ بفعلته.

ولا شك في أن مقتل عمر كان أعظم مصيبة حلَّت بالمسلمين بعد موت رسول الله ؛ فقد كانت الفجيعة بعمر — وهو الذي نشر راية الإسلام من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب، وهو يريد أن يتمم رسالة محمد — فجيعةً كبرى قضت على آماله الجِسام، وحطمت أهدافه الجليلة. وقد روى البخاري تفصيل حادث القتل رواية عن عمرو بن ميمون، نورده فيما يلي:

قال عمرو: إني لواقف ما بيني وبينه (بين عمر) عبد الله بن عباس غداة أُصيب، وكان إذا مرَّ بين الصفين قال: استووا. حتى إذا لم ير فيهم خللًا تقدم فكبَّر، وربما قرأ سورة يوسف أو النمل أو نحو ذلك في الركعة الأولى حتى يجتمع الناس، فما هو إلا أن كبَّر، فسمعته يقول: قتلني أو أكلني الكلب حين طعنه أبو لؤلؤة، فسار العلج بسكينٍ ذي طرفَين لا يمر على أحد يمينًا وشمالًا إلا طعنه حتى طعن ثلاثة عشر رجلًا، فمات منهم سبعة، فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه برنسًا، فلما ظن العلج أنه مأخوذ غزَّ نفسه. وتناول «عمر» يد عبد الرحمن بن عوف فقدَّمه، فمن يلي عمر رأى ذلك الذي أرى.

وأما نواحي المسجد فإنهم لا يدرون غير أنهم فقدوا صوت عمر، وهم يقولون «سبحان الله! سبحان الله!» فصلى بهم عبد الرحمن بن عوف صلاةً خفيفة، فلما انصرفوا قال: يا ابن عباس، انظر من قتلني، فجال ساعة ثم قال: غلام المغيرة، قال: الصنع؟ قال: نعم، قال: قاتله الله، لقد أمرت به معروفًا، والحمد لله الذي لم يجعل ميتتي بيد رجل يدَّعِي الإسلام، وقد كنت أنت وأبوك تحبان أن تكثر العلوج بالمدينة، وكان العباس أكثرهم رقيقًا، فقال: إن شئت فعلت (أي: إن شئت قتلنا)، قال: كذبت، بعدما تكلموا بلسانكم، وصلوا إلى قبلتكم، وحجوا حجكم. فاحتُمِلَ إلى بيته فانطلقنا معه، وكأن الناس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذٍ، فقائل يقول: لا بأس عليه، وقائل يقول: أخاف عليه، فأُتِيَ بنبيذ فشربه، فخرج من جوفه، ثم أُتِيَ بلبن فشربه، فخرج من جوفه، فقالوا: إنه ميِّت. فدخلنا عليه، وجاء الناس يثنون عليه، وجاء رجلٌ شاب فقال: أبشِر يا أمير المؤمنين ببُشرى الله لك من صحبة رسول الله ، وقِدم الإسلام ما قد علمت، ثم وُلِّيتَ فعدلت، ثم شهادة. قال: وددت أن ذلك كفاف لا عليَّ ولا لِي، فلما أدبر إذا إزاره يمس الأرض، قال: ردوا الغلام، قال: يا ابن أخي، ارفع ثوبك، فإنه أنقى لثوبك، وأتقى لربك، يا عبد الله بن عمر، انظر ما عليَّ من الدَّيْن، فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفًا أو نحوه، وقال: إن وفَّى بذلك مال آل عمر فأدُّوه من أموالهم، وإلا فَسَلْ في بني عدي بن كعب، فإن لم تَفِ أموالهم فَسَلْ في قريش، ولا تعْدُهم إلى غيرهم، فأدِّ عني هذا المال، انطلِق إلى عائشة أم المؤمنين فقُل: يقرأ عليكِ عمر السلام، ولا تقل أمير المؤمنين فإني لست اليوم أمير المؤمنين، وقُل: يستأذِن عمر بن الخطاب أن يُدفَن مع صاحبَيه. فسلَّم واستأذن فدخل عليها، فوجدها قاعدة تبكي، فقال: يقرأ عمر بن الخطاب السلام، ويستأذن أن يُدفَن مع صاحبَيه، فقالت: كنت أريده لنفسي ولأوثرنَّ به اليوم على نفسي. فلما أقبل قيل: هذا عبد الله بن عمر قد جاء، قال: ارفعوني، فأسنده رجل إليه، فقال: ما لديك؟ قال: الذي تحب يا أمير المؤمنين، أذِنَتْ. قال: الحمد لله، ما كان شيء أهم إليَّ من ذلك، فإذا قضيت فاحملوني، ثم سلم فقل: يستأذن عمر بن الخطاب، فإن أذِنَت فأدخِلوني، وإنْ ردَّتني ردوني إلى مقابر المسلمين. وجاءت أم المؤمنين حفصة والنساء تسير معها، فلما رأيناها قُمنا، فولجت عليه داخلًا لهم، فسمعنا بكاءها من الداخل، فقالوا: أوصِ يا أمير المؤمنين استخلِف، فقال: أتحمَّل أمركم حيًّا وميتًا، لوددت أن حظي منها الكفاف لا عليَّ ولا لي، وإن أستخلِف فقد استخلَفَ من هو خير مني (يعني أبا بكر)، وإن أترككم فقد ترككم من هو خير مني (يعني رسول الله)، فقال عبد الله بن عمر: فعرفت أنه حين ذكر رسول الله أنه غير مستخلِف، ثم قال عمر: ما أجد أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر الذين تُوفي رسول الله وهو راضٍ عنهم، فسمَّى عليًّا وعثمان والزبير وسعدًا وطلحة وعبد الرحمن بن عوف، وقال: يشهدكم عبد الله بن عمر، وليس له من الأمر شيء كهيئة التعزية له، فإن أصابت الإمرة سعدًا فهو ذاك، وإلا فليستعِن به أيكم ما أمر، فإني لم أعزله عن عجزٍ ولا خيانة.

ثم أُوصِي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأولين أن يدفع لهم حقهم ويحفظ لهم حرمتهم، وأوصيه بالأنصار خيرًا الذين تبوَّءوا الدار والإيمان من قبلهم، وأن يقبل من محسنهم، وأن يعفو عن مسيئهم، وأوصيه بأهل الأمصار خيرًا فإنهم ردء الإسلام وجباة المال وغيظ العدو، وألا يأخذ عنهم إلا فضلهم عن رضاهم، وأوصيه بالأعراب خيرًا، فإنهم أصل العرب ومادة الإسلام، وأن يأخذ من حواشي أموالهم وترد على فقرائهم، وأوصيه بذمة الله وذمة رسول الله أن يُوفي لهم بعهدهم، وأن يُقاتل من وراءهم، ولا يُكلَّفوا إلا طاقتهم.

فلما قُبض خرجنا به فانطلقنا نمشي، فسلَّم عبد الله بن عمر وقال: يستأذن عمر بن الخطاب، قالت: ادخلوا، فأُدخِل فوُضع هناك مع صاحبيه، رضوان الله عليه وسلام عليه في العادلين الصالحين، ورحم الله بطنًا أنجبت ذلك العبقري الخالد الذي بكاه الإسلام، وصدق رسول الله إذ يقول مردِّدًا قول جبريل له : يا محمد، ليبكين الإسلام من بعد موتك على موت عمر.١

(٢) مناقبه

كان عمر من عباقرة الدنيا عقلًا وفطنةً وشرفًا وأخلاقًا، وكان أجلَّ صفاته العدل، وإحقاق الحق، وإدحاض الباطل، وكان جنديًّا شريفًا طاهرًا مؤمنًا مُقلِّدًا للرسول متبعًا للسنة، لا يخرج عما أمر به الإسلام من آداب، ولا يتصف بغير ما أمر به من مناقب ومزايا نبيلة، قال الطبري: كانت درة عمر أهيَب من سيف الحجاج، وكان يخافه ملوك فارس والروم وغيرهم. ولما وُلِّيَ بقي على حاله قبل الولاية في لباسه وزيِّه وأفعاله وتواضعه، يسير مفردًا في حضره وسفره من غير حرس ولا حجاب، لم تُغيِّره الإمرة ولم تُبطره النعمة، ولا استطال على مؤمن بلسانه، ولا حابى أحدًا في الحق لمنزلته، لا يطمع الشريف في حيفه، ولا ييئس الضعيف من عدله، ولا يخاف في الله لومة لائم، ونزَّل نفسه من مال الله منزلة رجل من المسلمين، وجعل فرضه كفرض أي رجل من المهاجرين، وكان يقول: إنما أنا ومالكم كوالي مال اليتيم، إن استغنيت استعففت، وإن افتقرت أكلت بالمعروف، فقيل له: ما ذلك المعروف يا أمير المؤمنين؟ فقال: لا تقوم البهيمة الأعرابية إلا بالقضم أو الخضم.٢

والحق أن عمر كان يكتفي بأقل القليل ولا يتعداه، وكيف يتعدى على أموال المسلمين أو يمد يده إلى ما ليس له وهو يحاسب الناس أدق الحساب؟ فيفتك بكل من يمد يديه إلى مال غيره، ويضرب بدرته كل من توحي إليه نفسه بالتطاول إلى ما ليس له، فهابه الناس من كبير وصغير وامرأة وطفل، وربما هابه الناس أكثر من الرسول؛ فقد روت كتب السيرة أن النبي أذن لأَمَةٍ سوداء نذرت على نفسها إن رأت النبي يعود سالمًا أن تضرب بدفها فرحًا بمقدمه وسلامته، وبينما كانت كذلك دخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل علي وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب، والصحابة مجتمعون مستأنسون، فما هي إلا أن دخل عمر فوجمت الجارية وأسرعت إلى دفِّها تخفيه، والنبي يقول: «إن الشيطان ليخاف منك يا عمر.» بل رووا أن النبي كان يهابه؛ فقد روت السيدة عائشة (رضي الله عنها) أنها طبخت له عليه الصلاة والسلام حريرة، ودعت سودة أن تأكل معها فأبت، فعزمت عليها لتأكلن أو لتُلطِّخَنَّ وجهها، فلم تأكل سودة، فوضعت يدها في الحريرة ولطَّخَت بها وجه سودة، والنبي يضحك، ثم وضع الحريرة بيد سودة وقال لها: لطِّخي أنتِ وجهها، ففعلَتْ، ومرَّ في ذلك الوقت عمر فناداه النبي: يا عبد الله، وقد ظن أنه سيدخل، فقال لهما: قوما فاغسِلا وجهيكما، قالت عائشة (رضي الله عنها): فما زلت أهاب عمر لهيبة رسول الله إيَّاه، وقد كان الرسول العظيم يرعى تلك الهيبة العمرية ويُقدرها حق قدرها لما فيها من نصرة الحق، وإحقاق العدل، وإيقاع الخشية في قلوب كل من تحاول نفسه الاستهانة بالدين أو نُصرة الباطل أو إعانة الظالم.

قال الطبري: وهاب الناس عمر هيبةً عظيمة، حتى ترك الناس المجالس بالأفنية، قالوا ننتظر ما رأي عمر، وقالوا: بلغ من أبي بكر أن الصبيان كانوا إذا رأوه يسعون إليه ويقولون: يا أبتِ، فيمسح رءوسهم، وبلغ من هيبة عمر أن الرجال تفرَّقوا من المجالس هيبة حتى ينتظروا ما يكون من أمره، قالوا: فلما بلغ عمر أن الناس هابوه، فصيح في الناس: «الصلاة جامعة»، فحضروا، ثم جلس من المنبر حيث كان أبو بكر يضع رجليه، فلما اجتمع الناس قام، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، وصلى على النبي، ثم قال: «بلغني أن الناس هابوا شدتي وخافوا غلظتي، وقالوا قد كان عمر يشتد علينا ورسول الله بين أظهُرنا، ثم اشتد علينا وأبو بكر والينا دونه، فكيف إذا صارت الأمور إليه؟ ومن قال ذلك فقد صدق؛ فقد كنت مع رسول الله فكنت عبده وخادمه، وكان من لا يبلغ أحد صفته من اللين والرحمة، فكنتُ سيفًا مسلولًا حتى يغمدني أو يدعني فأمضي، حتى قُبض رسول الله وهو عني راضٍ والحمد لله وأنا أسعد بذلك.

ثم ولي أمر المسلمين أبو بكر، فكان من لا ينكرون دعته وكرمه ولينه، فكنتُ خادمه وعونه، أخلط شدتي بلينه، فأكون سيفًا مسلولًا حتى يغمدني أو يدعني فأمضي، فلم أزل معه كذلك حتى قبضه الله وهو عني راضٍ والحمد لله، وأنا أسعد بذلك. ثم إني وُلِّيتُ أموركم أيها الناس، واعلموا أن تلك الشدة قد أُضعفت، ولكنها إنما تكون على أهل الظلم والتعدي على المسلمين، فأما أهل السلامة والدين والفضل فأنا أليَن لهم من بعضهم لبعض، ولست أدع أحدًا يظلم أحدًا ويتعدى عليه حتى أضع خده على الأرض، وأضع قدمي على الخد الآخر حتى يذعن بالحق، ولكُم عليَّ أيها الناس خصال أذكرها لكم فخذوني بها، لكم عليَّ ألا أُخبِّئ شيئًا من خراجكم إلا ما أفاء الله عليكم إلا من وجهه، ولكم عليَّ إذا وقع عندي ألا يخرج إلا بحقه، ولكم عليَّ أن أردَّ عطاياكم وأرزاقكم إن شاء الله، ولكم عليَّ ألا ألقيكم في المهالك، وإذا غِبتم في البعوث فأنا أبو العيال حتى ترجعوا إليهم.» هذه منقبة من مناقب العبقري الفذ عمر.

وله مناقبُ جليلةٌ أخرى، نذكر منها: علمه، وفهمه، وفراسته، وتلطُّفه في استنباط الأحكام الشرعية وفهم روح الإسلام وتشريعه،٣ قال الأسدي: صحبت عمر فما رأيت أحدًا أفقه في دين الله، ولا أعلم لكتاب الله، ولا أحسن مدارسة منه، وإني لأحسب تسعة أعشار العلم ذهبت يوم ذهب عمر. وقال ابنه عبد الله بن عمر: لله تلاد عمر لقلَّما يُحرك شفتيه بشيء قط إلا كان.

ومن مناقبه رضوان الله عليه وسلامه: أنه كان مع شدته وهيبة الناس إياه رقيق القلب، كثير الحساسية، لطيفًا، رءوفًا بالناس، كثير الحدب عليهم، عظيم العناية بضعيفهم، وكان يقرأ في وجوه الناس ما تكنُّه ضمائرهم، فيخاطب كُلًّا بما في قلبه ويلاطفه، وكان صاحب فراسات في أمور الناس تكاد لولا تواترها تظن أنها من نسج خيالات الرواة ومخترعات أفكارهم، فمن ذلك ما رووا أنه رأى رجلًا أعرابيًّا، فقال لمن معه من الناس: هذا رجل مُصاب بولده، وقد نظم فيه شعرًا لو شاء لأسمعكم، قال: ثم ناداه وقال له: يا أعرابي، من أين أقبلت؟ فقال: من أعلى الجبل، قال: وما وضعت فيه؟ قال: أودعته وديعة لي، قال: وما وديعتك؟ قال: بُنَي لي هلك فدفنته فيه، قال: فأسمِعنا ما قلت فيه، فقال: وما يدريك يا أمير المؤمنين؟ فوالله ما تفوَّهت بذلك وإنما حدَّثتُ به نفسي، ثم أنشد:

يا غائبًا ما يئوب من سفره
عاجله موته على صغره
يا قرة العين كنتَ لي أنسًا
في طول ليلي نَعَم وفي قصره
ما تقع العين حيثما وقعت
في الحي مني إلا على أثره
شربتَ كأسًا أبوك شاربُهُ
لا بد منه له على كبره
يشربها والآنام كلهم
من كان في بدوه وفي حضره
فالحمد لله لا شريك له
في حكمه كان ذا وفي قدره
قدَّر موتًا على العباد فما
يقدر خلقٌ يزيد في عمره
فبكى عمر حتى بل لحيته، ثم قال: صدقت يا أعرابي.٤
figure

(٣) أسرته

كان لعمر ثلاثة عشر ولدًا: تسعة بنين وأربع بنات، أما البنون: «فعبد الله» أسلم مع أبيه بمكة صغيرًا وهاجر معه، وشهد المشاهد كلها بعد بدر وأُحُد، وكان عالِمًا مجتهِدًا في السنَّة من عباد الله خوَّافًا له، ناصحًا للأمة، زاهدًا في الدنيا وزخرفها، مات وله أربع وثمانون سنة في عام ٧٣ للهجرة، و«عبد الرحمن» الأكبر، وهو شقيق عبد الله، وأمهما زينب بنت مظعون، و«زيد الأكبر» وأمه أم كلثوم بنت علي عليه السلام، و«عاصم» وأمه جميلة بنت عاصم، وكان فاضلًا خيِّرًا، مات سنة ٧٠ﻫ، و«عبد الرحمن» الأوسط وأمه لهية أم ولد، و«عبد الرحمن» الأصغر وأمه أم ولد، و«عباس» وأمه عاتكة بنت زيد، و«زيد» الأصغر و«عبيد الله» وأمهما مليكة بنت جرول الخزاعية.

وأما البنات فهن: «حفصة»: زوجة النبي عليه الصلاة والسلام، شقيقة عبد الله وعبد الرحمن الأكبر، و«رقية»: شقيقة زيد الأكبر، و«فاطمة»: وأمها أم حكيم بنت الحارث، و«زينب»: وأمها فكيهة، وكن كلهن عالماتٍ فاضلاتٍ مهذباتٍ كريمات.

١  الرياض النضرة: ٢، ٥.
٢  القضم: الأكل بأطراف الأسنان، والخضم: الأكل بجميع الفم، فكأنه أشار إلى الاكتفاء بالقليل الذي لا بد للحيوان منه ولا يتعداه.
٣  الرياض النضرة: ٢، ٣-٤.
٤  الرياض النضرة: ٢، ٨.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤