الفصل السابع

في مناقبه وأسرته

(١) مناقبه

كان عثمان من جلة الصحابة وعظمائهم وعلمائهم في أمور الدين والدنيا، أخلص في إيمانه، وجاد بأمواله لنصرة الإسلام وحماية الرسول، وقد أحبه الرسول حبًّا جمًّا، وأثنى عليه أعطر الثناء، وقال في أقواله كلمات تدل على إكباره إياه وتعظيمه لسجاياه، فمن ذلك قوله: «أصدق أمتي حياءً عثمان»، وقوله له مرة: «ألست حافر بئر رومة؟ ومجهز جيش العسرة؟ والزائد في مسجدي وباذل المال في رضى الله ورضاي؟ ومن تستحي منه ملائكة السماء؟» ولما قحط الناس في زمن أبي بكر وقدمت لعثمان وقتئذٍ تجارة فيها ألف راحلة بر وطعام، فغدا التجار إليه فقرعوا بابه، فقال لهم: ادخلوا، فدخلوا، فإذا ألف وقر قد صُبَّ في بيت عثمان، فقال لهم: كم تُربحوني على شراء ما جاءني من الشام؟ قالوا: العشرة اثني عشر، قال: قد زادوني، قالوا: العشرة أربعة عشر، قال: قد زادوني، قالوا: العشرة خمسة عشر، قال: قد زادوني، قالوا: من زادك ونحن تجار المدينة؟ قال: زادني ربي بكل درهم عشرة، عندكم زيادة؟ قالوا: لا، قال: فاشهدوا أنها صدقة على فقراء المدينة.

وقال شرحبيل بن مسلم: كان عثمان يُطعم الناس طعام الإمارة، ويأكل هو الخل والزيت، وقد تواترت الأخبار من كثرة إنفاقه في سبيل الله، وزهده في الدنيا على كثرة أمواله، وتواضعه على أن الله قد رفعه، ولما وقعت الفتنة العظمى وكان من أمر عثمان ما كان، أراد بعض المفسدين أن يوقعوا بينه وبين الإمام علي عليه السلام، فكان الإمام علي يدافع عنه، ويذكر فضائله ومزاياه، ويحضُّهم على السكينة وعدم إثارة الفتنة، وكان يقول: أيها الناس، إنكم تُكثرون في عثمان، وإن مثلي ومثله كما قال الله تعالى: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ، أيها الناس، هذه لنا خاصة. ولما بلغه أن بعضهم زعم أن عليًّا هو الذي اشترك في تحريض الناس على قتله قال: إنهم يقولون: إن عليًّا قتل عثمان، لعن الله من قتل عثمان، وأنا وطلحة والزبير وعثمان كما قال تعالى: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ.

والحق أن الإمام عليًّا كان أعلم الناس بمزايا عثمان، وقد بايعه وهو عارف فضله وبلاءه بالإسلام، وحرصه على إقامة شعائر الدين، ولكن الفتنة إذا حلَّت عمِيَ البصر وطاش عقل اللبيب، وقد ابتلى الله المسلمين في أواخر عهد عثمان بجماعة من الأعراب الجفاة والغوغاء، وبجماهير من السفلة الأشقياء، وببعض الموتورين ممن آلمهم أن تسموا دوحة الإسلام، فكادوا لها حتى كانت تلك الفتنة التي نجَّى الله المسلمين منها بعلي عليه السلام الذي أمرهم بالحكمة والعدل، بما حباه الله من الرصانة والعقل، ولكنه مع ذلك لم ينجُ من كيد الكائدين فقتلوه، ثم مكَّن الله معاوية، فوطَّد ملك العرب بعزمه وحزمه ودهائه وذكائه وقصده وكيده، ما كان يبطح بها ويشتت شملها.

(٢) أسرته

خلَّف عثمان ستة عشر ولدًا، تسعة ذكور وسبع إناث، أما الذكور فمنهم: «عمرو» وهو أكبر أبنائه وأحبهم وأشرفهم عقبًا، مات بمنى، وشهد الجمل مع عائشة، و«خالد» ولا عقب له، و«عمر» وله عقب، وأمهم جندب بنت الأزد، و«عبد الله الأصغر» وأمه رقية بنت الرسول، ومات وهو صغير، و«عبد الله الأكبر» وأمه فاختة بنت غزوان، و«سعيد» و«الوليد» وأمهما فاطمة بنت الوليد، و«عبد الملك» وأمه أم البنين بنت عيينة بن حصن، وأما الإناث فهن: «مريم» أخت عمر، و«أم سعيد» أخت سعيد، و«عائشة»، و«أم أبان»، و«أم عمرو» وأمهن رملة بنت شيبة بن ربيعة، و«مريم» وأمها نائلة بنت الفرافصة، و«أم البنين» أمها أم ولد.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤