مقدمة المترجم

الرفق بالحيوان معروف في الشرق قبل الغرب بما سبق إليه الشرقيون من الحضارة والمدنية، وبما أوحت إليهم الأديان السماوية من رقة العواطف والرحمة الإنسانية.

ولقد كان المصريون القدماء يكرمون بعض الحيوانات تكريمًا ترقَّى إلى حد التقديس وانتهى إلى درجة العبادة. وإذا كان الغربيون قد سبقونا في هذا العصر إلى تأليف الجمعيات للعطف عليها والعناية بها، فقد كان ملوك العرب يجودون بالرعاية العظيمة للحيوان، وكان الناس على دين ملوكهم. ورُوِيَ أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين كان يركب دابته فإذا أجهدها السير نزل عنها يمشي إراحةً لها.

وشُوهِد رجل من العرب في يده قِطَعٌ من الخبز يكسرها ويلقيها بجانب جدار بيته إلى النمل، فقِيل له: ما لك وللنمل؟ فأجاب: «هن جارات ولهن حرمة»، فما أحسنها رقة جديرة بالاحترام! وما أجمله عطفًا قَلَّ مثله في هذه الأيام!

ومن الحيوان المستأنس حيوان هادئ متواضع، هو رفيق الفلاح المصري في كَدِّه وشريكه في تعبه، يستقبل الشمس معه للعمل في البكرة ويودعها معه للراحة في الأصيل، ذلك هو الحمار الذي يعمل لصاحبه أكثر من عمله لنفسه، فإن كان لهذا سُمِّي حِمَارًا فحبذا الحمار!

وقد سَبَق إلى إنصاف هذا الحيوان كاتبة من شهيرات كاتبات الفرنسيين بهذه الرسالة التي جعلت عنوانها «خواطر حمار»، وأبدعت الإبداع كله فيما حدثتنا به عنه من عجائب الحوادث وما صدقت فيه رواية الخيال، فإن فاتني السبق في هذا المضمار فلا أقل من اللحاق بها والنقل عنها وترديد صوتها، اعترافًا بجميل هذا الحيوان الوديع الذي يستحق عندنا فوق جزاء المعاونة على العمل بحسن الصنيع، كرامة أنه كان مطية لعيسى عليه السلام وهو المتواضع الرفيع.

ونظرة أخرى في هذا الكتاب تنبئ الناظر فيه بما اسْتُودِع من محاسن الآداب، وتدل على براعة المؤلفة وحسن تصويرها لوجوه الموعظة، وحذقها الكامل في إدخال الحكمة على القلوب، وإزجاء الفكاهة إلى النفوس من أقرب الأبواب بأيسر الأسباب.

حسين الجمل
مصر الجديدة

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤