شهادة من برتولد برخت أمام المحكمة العسكرية
(١٩٦٧م)
سيدي القاضي،
أنا لست بجندي،
فماذا تطلبون الآن مني؟
وأنا لا شأن لي فيما تقول
المحكمة،
ذهب الماضي إلى الماضي سريعًا،
دون أن يسمع مني كلمة.
مضت الحرب إلى المقهى لترتاح …
وطياروك عادوا سالمين،
والسماء انكسرت في لغتي يا سيدي
القاضي — وهذا شأني الشخصي —
لكن رعاياك يجرُّون سمائي خلفهم …
مبتهجين،
ويطلُّون على قلبي، ويرمون قشور
الموز،
في البئر. ويجرون أمامي مسرعين،
ويقولون: مساء الخير، أحيانًا،
ويأتون إلى باحة بيتي … هادئين …
وينامون على غيمة نومي … آمنين …
ويقولون كلامي نفسه،
بدلًا مني،
لشباكي، وللصيف الذي يعرق عطر
الياسمين،
ويعيدون منامي نفسه،
بدلًا مني،
ويبكون بعيني مزامير الحنين،
ويغنون كما غنيت للزيتون والتين،
وللجزئي والكلي في المعنى
الدفين.
ويعيشون حياتي مثلما تعجبهم،
بدلًا مني،
ويمشون على اسمي حذرين …
وأنا يا سيدي القاضي هنا،
في قاعة الماضي، سجين …
مضت الحرب. وضباطك عادوا سالمين،
والكروم انتشرت في لغتي، يا سيدي
القاضي،
— وهذا شأني الشخصي — إن ضاقت بي
الزنزانة،
امتدت بي الأرض،
ولكن رعاياك يجسُّون كلامي
غاضبين،
ويصيحون بآخابَ وإيزابيل: قوما
ورثا
بستان نابوت الثمين!
ويقولون: لنا الله،
وأرض الله … لا للآخرين!
ما الذي تطلبه يا سيدي القاضي،
من العابر بين العابرين؟
في بلادٍ يطلب الجلاد فيها
من ضحاياه مديح الأوسمة!
آن لي أن أصرخ الآن،
وأن أسقط عن صوتي قناع الكلمة:
هذه زنزانة يا سيدي لا محكمة،
وأنا الشاهد والقاضي، وأنت الهيئة
المتَّهَمة؛
فاترك المقعد واذهب: أنت حر … أنت
حر،
أيها القاضي السجين،
إن طياريك عادوا سالمين،
والسماء انكسرت في لغتي الأولى —
وهذا شأني الشخصي،
كي يرجع موتانا إلينا — سالمين.
محمود درويش
فلسطين
فلسطين