مقطعان من مأساة الحلاج

١

الشبلي :
صمتًا، وإليكَ جوابك كي ترتدَّ إلى نفسك.
هل تسألني من ذا صنع الفقر؟
من ألقى في عين الفقراء …
كلماتٍ تفزع من معناها …؟
وإليكَ جواب سؤالك: الظلم!
هل تسألني من ذا صنع القيد الملعون …
وأنبت سوطًا في كف الشرطي؟
وإليك جوابَ سؤالك: الظلم!
هل تسألني من ذا صنع الاستعباد؟
: الظلم!
لكني أُلقي في وجهك بسؤالٍ مثل سؤالك،
قل: مَن صنع الموت؟
قل: مَن صنع العِلة والداء؟
قل: مَن وسم المجذومين؟ والمصروعين؟
قل: مَن سمل العميان؟
مَن مد أصابعه في آذان الصم؟
مَن شد لسان البكم؟
مَن سوَّد وجه السود؟
من صفَّر وجه الصُّفر؟
من ألقانا في هذي الدنيا مأسورين،
لنغص بمشربنا، ونشاك بمطعمنا، نتنفس
أبشع رائحة مصاعِدة من رجع حلوق الموتى،
الموتى الأحياء … المقتولين القتلة،
الكذابين الخوانين، لصوص الأطفال،
ومنتهكي الحرمات،
وتجار الدم، وزُناة الليل وقوادي الغرباء،
وجُباة بيوت المال، ومرابي الأسواق وبياعي
الخمر،
مَن ألقانا بعد الصفو النوراني،
في هذا الماخور الطافح؟
من … من؟

۲

الحلاج :
هذا ما جال بفكري
عانيتُ الفقر يعربد في الطرقات،
ويهدِّم روح الإنسان،
فسألت النفس: ماذا أصنع؟
هل أدعو جمع الفقراء،
أن يلقوا سيف النقمة في أفئدة الظُّلمة؟
ما أتعس أن نلقى بعض الشر ببعض الشر!
ونداوي إثمًا بجريمة!
ماذا أصنع؟
أدعو الظُّلمة …
أن يضعوا الظلم عن الناس؟
لكن هل تفتح كلمة
قلبًا مقفولًا برتاجٍ ذهبي؟
ماذا أصنع؟
لا أملك إلا أن أتحدث.
ولتنقل كلماتي الريح السوَّاحة،
ولأثبتها في الأوراق شهادة إنسان،
من أهل الرؤية،
فلعل فؤادًا ظمآنًا من أفئدة وجوه الأمة
يستعذب هذي الكلمات؛
فيخوض بها في الطرقات …
يرعاها إن وَلي الأمر،
ويوفق بين القدرة والفكرة،
ويزاوج بين الحكمة والعقل!
صلاح عبد الصبور
مصر

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥