إلى الأجيال القادمة
حقًّا! إنني أعيش في زمنٍ أسود!
كلمة الصدق حماقةٌ، والجبهة الناعمة
بلادةٌ!
ومن يضحك …
هو الذي لم تصله بعدُ الأخبار
الفاجعة!
أي زمن هذا؟
عندما يصبح الحديث عن الأشجار
جريمة،
لأنه يعني الصمت عن فظائع عديدة!
ذلك الذي يعبر الشارع في صمتٍ،
هل تراه قد أصبح فعلًا، بمنأًى عن
أصدقائه،
المحتاجين إليه؟
صحيح إنني ما زلت أكسب ما يسد
رمقي،
ولكن صدقوني، إنها مجرد مصادفة،
فلا شيء مما أفعل،
يعطيني الحق في أن آكل حتى الشبع
…
لقد نجوتُ بالمصادفة … (ولو ساء حظي
لضعت).
يقولون لي: كُل واشرب، وابتهج لذلك
…
ولكن كيف آكل وأشرب،
وأنا أنتزع ما آكله من الجوعى؟
وكوب الماء الذي أشربه … يخص
آخر،
يموت من العطش؟
ومع ذلك آكل وأشرب!
بِودِّي أيضًا أن أكون حكيمًا،
والكتب القديمة تقول إن الحكمة
هي:
أن تنأى بنفسك عن نزاع الدنيا،
وأن تعيش حياتك القصيرة دون خوف،
وأن تسلك دون عنف،
وأن ترد الإساءة بالمعروف،
وألَّا تُشبِع رغباتك … بل تنساها
…
فإن ذلك من عزم الأمور!
وأنا لا أستطيع أن أفعل ذلك كله،
فأنا أعيش حقًّا في زمنٍ أسود!
جئت إلى المدن في زمن الفوضى،
حيث يسود الجوع.
جئت بين أناسٍ في زمن الثورة،
وثُرت معهم …
وهكذا انقضى عمري الذي أعطيته على
الأرض!
أكلت طعامي وسط المعارك،
وبين القتلة، رقدتُ لكي أنام،
ومارست الحب بلا مبالاة،
ونظرت إلى الطبيعة بصبرٍ نافد،
وهكذا انقضى عمري،
الذي أعطيته على الأرض.
في زمني … كانت كل الطرق تؤدي إلى الوحل
…
ولساني خانني للجزارين،
ولم أفعل سوى القليل …
لكن الذين في السلطة،
كانوا أكثر أمانًا بدوني: كان ذلك
أملي!
وهكذا انقضى عمري الذي أعطيته على
الأرض!
كانت قواتنا ضعيفة: وأملنا كان
بعيدًا،
كان واضحًا، رغم أنني لم يكن من
المحتمل
أن أصل إليه!
وهكذا انقضى عمري الذي أعطيته على
الأرض!
يا مَن ستنهضون من الطوفان الذي جرَفَنا
تحته،
تذكَّروا … عندما تتحدثون عن
فشلنا،
تذكروا … أيضًا ذلك الزمن
الأسود،
الذي أفلتم منه،
لقد مضينا نبدِّل بلدًا ببلدٍ،
أكثر مما كنا نبدِّل حذاءً
بحذاء،
عبر حروب الطبقات، يملؤنا اليأس،
حيث كان لا يوجد سوى الظلم …
ولا يوجد التمرد …
لكننا نعرف:
أن الكراهية، حتى وإن كانت للخسة
…
فهي تشوِّه الملامح،
وأن الغضب، حتى وإن كان ضد
الظلم،
فإنه يبحُّ الصوت …
آه!
نحن الذين أردنا أن نمهِّد الأرض
للمودة
فشلنا في أن نكون ودودين!
ولكنكم …
وعندما يحين الوقت في النهاية …
ويصبح الإنسان … عونًا لأخيه
الإنسان،
فكروا بنا وسامحونا!
برتولد برخت
ألمانيا
ألمانيا