بعد تفكير طويل …

انزعوا الأرصفة،
لم تعُد لي غاية أسعى إليها،
كل شوارع أوروبا تسكَّعتها في فراشي.
أجمل نساء التاريخ،
ضاجعتهن وأنا ساهم في زوايا المقهى …
قولوا لوطني الصغير والجارح كالنمر …
إنني أرفع سبابتي كتلميذٍ
طالبًا الموت أو الرحيل،
ولكن،
لي بذمته بضعة أناشيد عتيقة،
من أيام الطفولة
وأريدها الآن.
لن أصعد قطارًا،
ولن أقول وداعًا،
ما لم يعِدها إليَّ حرفًا حرفًا، ونقطة نقطة …
وإذا كان لا يريد أن يراني،
أو يأنف من مجادلتي أمام المارة،
فليخاطبني من وراء جدار،
ليضعها في صُرة عتيقة أمام عتبة،
أو وراء شجرة ما،
وأنا أهرع لالتقاطها كالكلب،
ما دامت كلمة الحرية في لغتي،
على هيئة كرسي صغير للإعدام.
قولوا لهذا التابوت الممدَّد حتى شواطئ الأطلسي،
إنني لا أملك ثمن المنديل لأرثيه،
من ساحات الرجم في مكة،
إلى قاعات الرقص في غرناطة.
جراح مكسوة بشعر الصدر،
وأوسمة لم يبقَ منها سوى الخطافات.
الصحارى خالية من الغربان،
البساتين خالية من الزهور،
والسجون خالية من الاستغاثات،
الأزقة خالية من المارة.
لا شيء غير الغبار،
يعلو ويهبط كثدي المصارع؛
فاهربي أيتها الغيوم؛
فأرصفة الوطن،
لم تعد جديرة حتى بالوحل …
محمد الماغوط
سوريا

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥