الفصل الرابع

المشهد الأول

(غرفة في منزل أنطونيو – يدخل أنطونيو وأوكتافيوس ولبيدوس.)

أنطونيو :
لقد حكمْنا بالموت إذن على كل هؤلاء،
وأشَّرنا أمامَ أسمائهم في هذه القائمة!
أوكتافيوس :
ولا بد من قتل أخيك أيضًا يا ليبيدوس.
هل توافق على ذلك؟
ليبيدوس : أوافق.
أوكتافيوس : أشِّر أمام اسمه يا أنطونيو.
ليبيدوس :
بشرطِ أن يُقتل ابنُ أُختك يا أنطونيو .. (٥)
أقصد بوبيليوس.
أنطونيو :
فليُقتلْ أيضًا .. انظروا .. ها هي تأشيرتِي أمام
اسمه ..
ولكنْ .. اذهب الآن إلى منزل قيصر يا ليبيدوس
وأحضرِ الوصيةَ حتى نقرِّر كيف نقتصد في إنفاق
التركة.
ليبيدوس : هل ستكونان هنا عند عودتي؟ (١٠)
أوكتافيوس : إمَّا هنا أو في الكابيتول.

(يخرج ليبيدوس.)

أنطونيو :
هذا رجلٌ تافه صغير الشأن .. يصلُح لقضاء
المشاوير ..
لقد قسَّمنا العالَم اليوم إلى ثلاثة أقسام فيما بيننا ..
فهل من المناسبِ أن يتساوى معنا
في حكمِ قسمٍ كامل؟
أوكتافيوس :
لقد كان هذا رأيَك أنت .. (١٥)
بل وأخذتَ صوته عند تحديد أسماء
الذين حكمْنا عليهم بالموت أو النفي.
أنطونيو :
أوكتافيوس! إنني أكبرُ منك سِنًّا وأكثرُ خبرة ..
لقد حَمَّلنا هذا الرجل أعباءَ المناصب الرفيعة
حتى نتخفَّف نحن من أعباء الأقاويل والمفتريات. (٢٠)
ولكنه سيحمِلها كالحِمار الذي يحمل أثقالَ الذهب
فيئن تعبًا ويتصبَّب عَرقًا من حَمْلها
سواء كُنَّا نركبه أو نقوده أنَّى شئنا ..
فإذا حمَلَ كنوزنا إلى حيث نريد
أنزلنا الحمولةَ وأطلقناه، (٢٥)
فمضى يرعى دون أحمالٍ في الحقول
ويهزُّ أذنيه في هناء!
أوكتافيوس :
افعل ما بدا لك، ولكنْ صدِّقني ..
إنه جندي شجاع ذو خبرة وتجربة.
أنطونيو :
وكذلك حصاني يا أوكتافيوس!
ولذا أقدِّم له الكثيرَ من العلف .. (٣٠)
إنني أعلِّمه كيف يقاتل ..
كيف يدور على عقبيه،
ومتى يقف، وكيف يكِرُّ وكيف يفِرُّ!
أي أنَّ عقلي هو الذي يتحكَّم في حركات جسمه ..
إن ليبيدوس يشبِه هذا الحصان إلى حد كبير،
إذ ينبغي تعليمه وتدريبه وأمرُه بالكر والفر .. (٣٥)
فهو ذو نفْسٍ عقيمة، يقتات على الغرائب والعجائب
ومحاكاة أفكار الآخرين بعد أن يلفظوها،
أي إنه لا يقتبس إلا الأفكار البالية الرخيصة
وحسب ..
إنه مجرَّد أداة من أدوات عمَلِنا ..
والآن يا أوكتافيوس .. أصغِ إليَّ .. فلديَّ أمرٌ (٤٠)
أهم ..
إن بروتس وكاشياس يحشُدان الكتائب،
وعلينا أن نحشُد جيشًا لمواجهتهما.
ومِن ثَمَّ نجمع قواتنا في فيلق واحد
مستعينين بأخلص الأصدقاء، ومنتفعين بإمكاناتنا إلى
أقصى حد،
ولنَعْقِد من فورِنا مجلسًا نناقش فيه سبلَ كشفِ الأخطار
الخفية (٤٥)
وأنجعَ الوسائل لمواجهة الأخطار المباشرة.
أوكتافيوس :
هيَّا بنا .. فنحن مثلُ دُبٍّ مربوط إلى وتد
وحولنا الكلابُ من أعدائنا ينبحوننا من كل جانب،
وأخشى أنَّ بعض مَن يبتسمون لنا (٥٠)
يُضمرون في قلوبهم سوءَ النوايا وآلافَ الشرور!

(يخرجان.)

المشهد الثاني

(معسكر بالقرب من سارديس. أمام خيمة بروتس.)

(صوت قرع الطبول – يدخل بروتس ولوشيوس – يلتقي بلوسيلوس على رأس جماعة من جنود بروتس، ويدخل من الناحية الأخرى بنداروس، ثم تيتنيوس.)

بروتس : قف مكانك!
لوسيلوس (إلى ضابط يليه في الرتبة) : مُرْهم أن يقفوا هنا!
بروتس : ما الخبر يا لوسيلوس؟ هل كاشياس على مقرُبة مِنَّا؟
لوسيلوس :
ليس ببعيد يا مولاي. وقد أتى بنداروس
يُقرئك التحيةَ من سيِّده. (٥)
بروتس :
لقد أرسل رسولًا كريمًا بالتحية! إن سيِّدك يا بنداروس
قد تسبَّب في وقوعِ ما لم أكن أتمناه
إمَّا لأن مشاعره نحوي قد تغيَّرت،
أو لأنه أساء اختيارَ ضبَّاطه!
ولكنَّه ما دام قريبًا فسوف يفسِّر لي ما حدث. (١٠)
بنداروس :
سوف ترى دون شك أن مولايَ النبيل لم يتغيَّر ..
وأنه ما زال جديرًا بكل احترام وتكريم.
بروتس :
أنا لا أشك في ذلك! لوسيليوس! كلمة على انفراد!
(يتحدَّثان جانبًا.)
قُل لي بالتفصيل كيف استقبلك كاشياس؟
لوسيليوس :
بالحفاوة والتكريم الواجب، (١٥)
ولكنه لم يُظهِر أمارات الوُدِّ والصداقة،
ولم يشتبكْ معي في المناقشات الصريحة البشوشة
التي ألِفناها منه في الماضي.
بروتس :
لقد وصفْت صديقًا خبَتْ جذوةُ حُبه ..
اعلمْ يا لوسيليوس أن الصداقة الحقة (٢٠)
لا تلجأ إلى الحفاوةِ والتكريم المصطنع
إلا عندما تعتلُّ وتذوي ..
أمَّا الإخلاص النقي الخالص فلا مصانعةَ فيه
ولا حفاوة ..
ما الأجوفُ الزائف إلا كحصان يلتهب حماسًا في أول
المِضْمار
وتبدو عليه أماراتُ الهِمة وأصالة المعدِن.
(صوت الطبول خافتًا في الداخل.)
حتى إذا انطلق في الشوط، ونخسَه المهمازُ فأدمى جنبه (٢٥)
خارت قوَّته وتدلى عنقُه، وسقط في الامتحان
شأن الخيل الخائبة الخادعة!
هل جيشه مقبِل؟
لوسيليوس :
يعتزمون قضاءَ الليلة في سارديس.
وقد أقبل معظمُ الجيش مع كاشياس
والفرسان بصفة عامة.

(يتوقَّف صوتُ الطبل.)

بروتس :
هل تسمعون؟ لقد وصل! (٣٠)
(يدخل كاشياس وقوَّاده.)
تقدَّموا على مَهْلٍ لملاقاته!
كاشياس : قفْ مكانك!
بروتس : مكانَك! ردِّدوا الكلمة في الطابور.
جندي ١ : مكانَك!
جندي ٢ : مكانَك! (٣٥)
جندي ٣ : مكانَك!
كاشياس : يا أنبلَ الأشقَّاء! لقد ظلمتني!
بروتس :
احْكُمي أيتها الآلهة بيننا! هل أظلمُ أعدائي؟
إن كنتُ لا أظلم أعدائي فكيف أظلمُ أخًا لي؟
كاشياس :
بروتس! إن هذا الهدوء الذي تكتسبه يخفي إساءاتك، (٤٠)
(يثور) وأنت عندما ترتكبها …
بروتس (مقاطعًا) :
هدِّئ من روعك يا كاشياس،
قُل لي ما تشكو منه بهدوء، فأنا أعرفُك خيرَ المعرفة ..
ينبغي ألا نتنازع علنًا أمام جنود جيشي وجيشك،
بل ينبغي ألا يروا بيننا إلا الصفاء. (٤٥)
مُرْهم أن يبتعدوا ثم تعالَ إلى خيمتي
حتى تشرح لي بالتفصيل ما تشكو منه ولسوف أُعيرك أُذُنًا
صاغية.
كاشياس :
بنداروس! مُر قوَّادنا أن يبتعدوا بالجنود
قليلًا عن هذه البقعة.
بروتس :
وأنت يا لوشيوس! مُر قوَّادنا نفسَ الأمر، ولا تدَعْ (٥٠)
رجلًا
يقترب من خيمتنا حتى ننتهي من الحديث.
وليقُم لوسيليوس وتينيوس على حراسة الباب.

(يخرج الجميع.)

المشهد الثالث

(داخل خيمة بروتس.)

كاشياس :
لقد أسأتَ إليَّ يا بروتس في قضيةٍ سأذكرها لك ..
إنك أدَنت «لوشيوس بيلا» وشهَّرت به
لقبوله الرشوةَ من أهل سارديا هنا،
كما تجاهلت رسائلي التي أتشفَّع له فيها
لأنني أعرفه. (٥)
بروتس :
بل لقد أسأتَ أنت إلى نفسِك بالكتابة إليَّ في هذه
القضية.
كاشياس :
ليس من المناسب في هذا الوقت العصيب
أن نحاسب الناسَ على الأخطاء البسيطة.
بروتس :
اسمح لي يا كاشياس .. لكنك أيضًا مُدان ..
وتُهمتُك هي المالُ الحرام .. فأنت تبيع المناصب (١٠)
إلى مَن لا يستحقونها وتُتَاجر فيها بالذهب.
كاشياس :
أنا آخذُ المالَ الحرام؟
لولا أن بروتس هو الذي يقول هذا الكلام — وأُقسِم
بالآلهة —
لكانت هذه آخرَ كلماتك.
بروتس :
إن اسم كاشياس يرتبط بهذا الفساد ويجعله مقبولًا .. (١٥)
ومِن ثَمَّ لا يجرؤ العِقاب على كشفِ وجهِه!
كاشياس : العِقاب يا بروتس؟
بروتس :
تذكَّر مارس! تذكَّر منتصف مارس!
ألم يمُت يوليوس العظيم من أجل العدالة؟
هل كان أحدُنا نذلًا فطَعَنه (٢٠)
لهدف آخر غير العدالة؟
أبعْدَ أن قتلنا أعظمَ رجل في هذا العالم
لأنه كان يساند اللصوص، نقبلُ أن نلوِّث أصابعَنا
بالرِّشا الحقيرة، وأن نبيعَ المناصب الرفيعة السامية (٢٥)
بحَفنة من النقود في مثل هذه القبضة؟
إني لأوثرُ أن أكون كلبًا،
وأن أنبحَ القمرَ طولَ الليل على أن أكونَ ذلك
الروماني!
كاشياس :
بروتس! لا تحرجني أكثرَ من ذلك .. فلن أحتملَ
المزيد!
إنك تنسى نفسَك حين تتصدَّى للحد من حريتي، (٣٠)
فأنا جندي أقدَمُ مِراسًا وأقدرُ منك على تدبير الأمور.
بروتس : بل لستَ كذلك يا كاشياس.
كاشياس : بل أنا كما أقول.
بروتس : وأنا أقول إنك لستَ كذلك.
كاشياس :
لا تستفزَّني يا بروتس، وإلا نسيتُ نفسي .. (٣٥)
فكِّر في مصلحتك وسلامتك .. كفاك استفزازًا.
كاشياس : هل هذا معقول؟
بروتس :
اسمعني، فسوف أُفصح عما بنفسي ..
هل ينبغي عليَّ أن أستسلم لسورةِ طيْشِك وغضبِك؟
وهل أخاف إذا حدَّق في وجهي رجلٌ مجنون؟ (٤٠)
كاشياس :
أيتها الآلهة! أيتها الآلهة! أيجب عليَّ أن أتحمَّل كلَّ
هذا؟
بروتس :
كل هذا؟ وأكثر من هذا! فلتغضَبْ حتى ينصدعَ قلبُك
المتعجرف،
ثم اذهبْ واعرضْ على عبيدك مقدارَ غضبك،
واجعلهم يرتعدون خوفًا ورعبًا!
أتريد أن أتراجعَ أمامك أو أن أنحني إجلالًا وإكبارًا؟
أم تريدني أن أقبعَ في هلعٍ من تقلُّبات مِزاجك؟ (٤٥)
قسَمًا بالآلهة لأجعلنكَ تتجرع سمومَ غيظك
حتى ولو مزَّقَتْك تمزيقًا .. واسمعْ .. من الان فصاعدًا
سوف أتخذك هُزُؤة .. بل سأضحكُ عليك ..
كلما لجأتَ إلى الألفاظ اللاذعة!
كاشياس : هل وصل الأمرُ إلى هذا الحد؟ (٥٠)
بروتس :
تقول إنك جندي أفضل؟
هيا .. أثبِتْ ذلك .. أرِني مصداقَ تفاخرك ..
وسوف يسرُّني هذا غايةَ السرور .. فأنا من ناحيتي
أحبُّ أن أتعلَّم من النبلاء!
كاشياس :
إنك تظلمني ظلمًا فادحًا .. لقد ظلمْتَني يا بروتس .. (٥٥)
لقد قلتُ إنني جندي أقدَمُ .. ولم أقُل أفضلُ ..
هل قلتُ أفضل؟
بروتس : ولو كنتَ قلتَها فلا يُهم.
كاشياس : لو كان قيصر حيًّا ما جرؤ على إثارتي هكذا!
بروتس : مهلًا مهلًا .. بل ما جرؤتَ أنت على استفزازه.
كاشياس : ما كنتُ أجرؤ أنا؟ (٦٠)
بروتس : أجلْ!
كاشياس : هل تعني ما كنتُ أجرؤ على استفزازه؟
بروتس : ما كنتَ تجرؤ خوفًا على حياتك!
كاشياس :
لا تتصوَّرْ أنَّ حبي لك سيحميك إلى الأبد!
فقد تدفعني إلى فعلِ ما أندمُ عليه!
بروتس :
لقد فعلتَ ما ينبغي أن تندمَ عليه بالفعل! (٦٥)
إنَّ وعيدَك أجوفُ وهو لا يخيفني يا كاشياس ..
فإنَّ درعَ الشرف الذي أحملُه قويٌّ منيع،
وتمر به تهديداتك كالريح الخاملة التي لا أحفِل بها ..
لقد أرسلتُ إليك أطلب بعضَ الذهب ..
ولكنك رفضت أن تدفع! (٧٠)
فأنا لا أستطيع الحصولَ على المال بالوسائل الدنسة!
قسمًا بالآلهة! إني لأوثر أن أجعل من قلبي نقودًا
ومن قطرات دمي دراهم،
على أن أنتزع من أيدي الفلاحين الخشنةِ أموالَهم
الهزيلة
بأي وسيلة غير شريفة. لقد أرسلتُ إليك أطلب
الذهب (٧٥)
حتى أدفعَ رواتبَ الجنود .. ولكنك حبسْتَه عني ..
هل كان ذلك يليق بكاشياس؟ ولو كنتَ أنت الذي
طلب ذلك،
أفكنتُ أجيب كايوس كاشياس مثلَ هذه الإجابة؟
إذا بلغ الجشعُ بماركوس بروتس
أن يحبِس عن أصدقائه تلك القطعَ المعدنية التافهة (٨٠)
فتأهَّبي أيتها الآلهة واحشُدي كلَّ الصواعق
كي تمزِّقيه شرَّ ممزَّق!
كاشياس : لم أحبِسْ عنك المال.
بروتس : بل حبَسْتَه عني.
كاشياس :
بل لم أحبِسْه! وإنما أخطأ ذلك الأبله الذي حمَلَ
إليك جوابي ..
بروتس! لقد مزَّقتَ نِياط قلبي!
إنَّ على الصديق أن يغفرَ هفواتِ صديقه (٨٥)
أمَّا بروتس فهو يضخِّمها ويبالغ فيها.
بروتس : أنا لا أضخِّمها، ولكنها تنصبُّ على رأسي فأراها.
كاشياس : أنت لا تحبُّني.
بروتس : بل لا أحبُّ أخطاءك.
كاشياس : عينُ الصديق لا ترى مثلَ هذه الأخطاء.
بروتس :
بل عينُ المنافق هي التي لا تراها، (٩٠)
ولو كانتْ في ضخامةِ جبل الأوليمب.
كاشياس :
أقبِل إذن يا أنطونيو! أقبِل يا أوكتافيوس الشاب ..
هيَّا .. انتقما من كاشياس وحدَه ..
فقد سئم كاشياس تصاريفَ الحياة،
إذ يكرهه حبيبه، ويؤنِّبه، (٩٥)
بل ويُقرِّعه تقريعَ العبيد، فهو يرصد أخطاءه
ويُدوِّنها في كتاب لديه، بل يحفظها عن ظهر قلب
حتى يُلقي بها في وجهي. آه! لكأنني أبكي
فأذرفُ رجولتي دمعًا من عيني! هذا خِنجري،
وهذا صدري العاري! في داخله قلبٌ (١٠٠)
أغلى لديَّ من كنوز إلهِ المال،
وأثمن من الذهب الإبريز ..
هيَّا انتزِعْه إن كنتَ رومانيًّا صادقًا ..
إن مَن أنكر عليك الذهب — حسبما تزعم —
يهَبُك الآن قلبه!
هيَّا .. اطعنْ كما طعنت قيصر،
فأنا واثقٌ أنك في حَمْأة كراهيتك له،
كنتَ تُكِنُّ له حُبًّا (١٠٥)
يفوق حبَّك لكاشياس في أي يوم من الأيام.
بروتس :
أعِدْ خِنجرك إلى غِمده!
اغضبْ حينما تشاءُ وأطلِق لغضبك العِنان!
بل افعلْ ما تشاء، فلن آخذَ إهاناتك مأخذَ الجِد ..
بل سأعتبرها نزواتٍ عابرة ..
إنَّ صاحبَك يا كاشياس حَمَلٌ لا يحمِل الغضبَ في نفسه
إلا كما يحمِل حجر الصوان شرارةَ النار!
فإذا قدحْتَه بشدة انطَقَّ الشرارُ كلمحِ البصر (١١٠)
ثم عاد باردًا على الفور.
كاشياس :
هل عاش كاشياس حتى يهزأ به
صديقُه بروتس، ويضحك منه
عندما يعتريه الأسى ويتكدَّر مزاجه؟
بروتس : كان مزاجي متكدرًا أنا أيضًا عندما قلتُ ذلك! (١١٥)
كاشياس : ما دمتَ اعترفتَ بذلك .. هاتِ يدك.
بروتس : بل وقلبي أيضًا!
كاشياس : إيه يا بروتس!
بروتس : ماذا حدث لنا؟
كاشياس :
أمَا لديك من الحبِّ ما يكفي لاحتمال تهوُّري وطيشي؟
إنه طبعٌ ورِثتُه عن والدتي .. وهو يُنسيني نفسي!
بروتس :
بلى يا كاشياس! ومنذ الآن .. إذا تهورتَ على صديقك
بروتس (١٢٠)
فسوف يقول إن والدتَك هي التي تهوَّرت ..
ثم يتركك حتى تهدأ!
الشاعر (من خارج المسرح) :
أدخلوني حتى أقابلَ القائدَين ..
إن بينهما نزاعًا ولا ينبغي أن يُتركا وحدَهما. (١٢٥)
لوسيليوس (من خارج المسرح) : لن أسمح بالدخول.
الشاعر (من خارج المسرح) : لن يحولَ بيننا الموت!

(يدخل الشاعر يتبعه لوسيليوس وتيتنيوس ولوشيوس.)

كاشياس : ما هذا؟ ماذا حدث؟
الشاعر :
عارٌ عليكما أيها القائدان! ما معنى هذا الشجار؟
أين الحبُّ وأين صداقةُ أمثالِكما؟ (١٣٠)
استمِعا لي ..
فسنون حياتي أطولُ من عُمرِكما!
كاشياس (يضحك) : ها ها .. ما أسخفَ شِعْر هذا الوقِح!
بروتس : اخرُج أيها السفيه! اخرُج أيها البذيء من هنا!
كاشياس : لا تغضبْ منه يا بروتس، فهذا هو أسلوبه.
بروتس :
أنا أقبلُ أسلوبه إذا استخدمه في الوقت المناسب .. (١٣٥)
ولكننا في زمن حرب .. ولا شأنَ لهؤلاء الشعراء
الحمقى بالحرب!
اخرُج أيها الرجل من هنا .. هيَّا!
كاشياس : اخرج .. هيَّا .. انصرف!

(يخرج الشاعر.)

بروتس :
أنت يا لوسيليوس .. وأنت يا تيتنيوس!
مُروا القوادَ أن يستعدوا لمبيتِ كتائبهم الليلة.
كاشياس : وتعالا أنتما .. وأحضِرا ميسالا معكما فورًا. (١٤٠)

(يخرج لوسيليوس وتيتنيوس.)

بروتس : أحضر لنا قدحًا من النبيذ يا لوشيوس!

(يخرج لوشيوس.)

كاشياس : آهٍ يا كاشياس! لقد تكاثرت عليَّ الهموم فأضنتني.
كاشياس :
ما فائدةُ فلسفتك الرُّواقية إذن؟
ينبغي ألا تجزعَ للكروب العارضة! (١٤٥)
أنا أقدرُ مَن يحتمل الكَرْب .. لقد ماتتْ بورشيا.
كاشياس : ماذا؟ بورشيا؟
بروتس : ماتت.
كاشياس :
كيف نجوتُ من القتل إذن وأنا أعارضك بمثل هذه الحدة؟
يا للخسارة الفادحة التي لا تُحتَمل! (١٥٠)
وبأي مرضت ماتت؟
بروتس :
ضاقتْ ذرعًا بغيابي وفزِعتْ لاشتداد قوة الشاب أوكتافيوس
وأنطونيو .. إذ أتاني نعْيُها مع أنباء اشتداد سواعدهما ..
وإذ ذاك طاش صوابُها، وانتهزت فرصةَ غياب الخَدَم
فابتلعتْ جمرةً موقدة. (١٥٥)
كاشياس : وهكذا ماتت؟
بروتس : هكذا!
كاشياس : الخلودُ للآلهة فحسب!

(يدخل الغلام لوشيوس يحمل نبيذًا وشمعًا.)

بروتس :
كفى حديثًا عنها. هاتِ قدحَ النبيذ،
فسوف أُغرق فيه كلَّ قسوة عانيتُها منك يا كاشياس.

(يشرب.)

كاشياس :
إن قلبي ظامئ إلى ذلك العهد الكريم!
أتْرِع الكأسَ يا لوشيوس حتى يفيض .. (١٦٠)
فأنا لا أرتوي مهما شرِبتْ من محبةِ بروتس.

(يدخل تيتنيوس وميسالا.)

بروتس :
تفضَّل يا تيتنيوس! أهلًا بك يا ميسالا الكريم ..
فلنجلسْ هنا حول هذه الشمعة
ونناقش ما ينبغي أن نفعل.
كاشياس : أواه يا بورشيا! تُرى رحلتِ حقًّا؟
بروتس :
يكفي ذلك أرجوك .. (١٦٥)
ميسالا! لقد تلقيتُ هذه الرسائلَ
وهي تقول إن أوكتافيوس الشابَّ ومارك أنطونيو
قد جمعا جيشًا جرَّارًا لملاقاتنا،
وإنهما يتَّجهان نحو منطقة فيليبي.
ميسالا : ولديَّ رسائلُ تقول نفس الكلام. (١٧٠)
بروتس : أفلا تضيفُ أنباءً أخرى؟
ميسالا :
تقول إن أوكتافيوس وأنطونيو ولبيدوس
قد أصدروا أحكامًا بالإدانة والخروج على القانون،
ومِن ثَمَّ أعدموا مائةَ عضو من أعضاء مجلس الشيوخ.
بروتس :
في هذا تختلفُ رسائلي عن رسائلك؛ (١٧٥)
إذ تشير رسائلي إلى إعدام سبعين فقط
بمقتضى تلك الأحكام — من بينهم شيشرون.
كاشياس : شيشرون من بينهم؟
ميسالا :
لقد أُعدِم شيشرون بمقتضى حُكم الإدانة ..
هل تلقيتَ رسائل من زوجتك يا مولاي؟ (١٨٠)
بروتس : لا يا ميسالا.
ميسالا : أفلا تذكرُ رسائلك شيئًا عنها؟
بروتس : لا شيء على الإطلاق.
ميسالا : هذا غريب!
بروتس : ولماذا تسأل؟ هل علمتَ من رسائلك شيئًا عنها؟
ميسالا : لا يا مولاي. (١٨٥)
بروتس : قُل لي بحق انتمائك إلى هذا الوطن .. أصدِقْني القول.
ميسالا :
بل أثبِتْ أنك روماني وتحمَّلِ الحقيقةَ التي سأرويها لك ..
لقد ماتت بورشيا وعلى نحو غريب.
بروتس :
الرحمةَ لكِ يا بورشيا، ووداعًا لكِ ..
لا مهربَ لنا من الموت يا ميسالا ..
كنت أعلم أنها — كشأن كلِّ حي — ستموتُ يومًا ما، (١٩٠)
وهذا يهَبُني الصبر على هذه الكارثة.
ميسالا : لا يحتمل الشدائدَ إلا الأشداء!
كاشياس :
لقد تعلمتُ هذه الفلسفةَ مثلَك يا بروتس،
ولكنَّ طبيعتي تأبى عليَّ احتمالَ الكارثةِ مثلك.
بروتس :
هيا إذن نتدارس شئون الحياة. ما رأيك في السيرِ فورًا (١٩٥)
إلى فيليبي؟
كاشياس : لا أراه رأيًا صائبًا.
بروتس : ولماذا؟
كاشياس :
الأفضل أن يأتيَ العدوُّ في طلبنا
فيبدِّدَ عُدَّته ويُنهكَ جنوده وتنالَ منه الرحلة،
أمَّا نحن فنَربِض في انتظاره، متأهبين للدفاع، (٢٠٠)
زاخرين بالقوة والحيوية.
بروتس :
أسبابٌ وجيهة .. ولديَّ أوْجَهُ منها وأحرَى بالنظر ..
إن سكَّان المناطقِ الواقعة بيننا وبين فيليبي
يَقبلوننا على مضض؛ إذ إنهم رفضوا إمدادنا بالرجال (٢٠٥)
والعَتاد، فإذا ما مرَّ العدو بهم، انضم إلى صفوفه الكثيرون
منهم، فازداد عددًا وزادًا وحماسًا لملاقاتنا.
وهذه مزيةٌ نَسْلُبه منها إنْ نحن واجهناه في فيليبي (٢١٠)
وقد خلَّفنا هؤلاء وراء ظهورنا.
كاشياس : استمِع إليَّ أيها الأخ الكريم.
بروتس :
اسمحْ لي أن أكمِل حديثي.
ينبغي أن تأخذَ في اعتبارك أيضًا
أننا استفدنا كلَّ معونة من الأصدقاء،
فكتائبنا زاخرةٌ مفعمة، واستعدادنا كامل!
إنَّ عدوَّنا تزداد أعدادُه كلَّ يوم، (٢١٥)
أمَّا نحن فقد وصلنا إلى الذروة،
ومَن يصل إلى الذروة يبدأ الانحدار.
في حياة الإنسان ساعةٌ يعلو فيها مدُّ البحر أمامه:
فإن اغتنَمها وصل إلى شاطئ السعد،
وإن ضيَّعها انتهتْ به رحلةُ الحياة إلى مياهٍ ضحلة، (٢٢٠)
فجنحتْ سفينتُه وذاقَ ألوانَ الشقاء.
إنَّ شراعَنا يُبحِر الآن في بحر العباب،
وينبغي أن نغتنمَ التيار المواتي
وإلا خسِرْنا تجارتنا.
كاشياس :
فليكن ما تريدُ ولتمضِ إليهم،
وسوف نمضي نحن كذلك ونلاقيهم في فيليبي.
بروتس :
لقد أوغلَ بنا الحديثُ في الهزيع الأخير، (٢٢٥)
والنومُ ضرورة لا مناصَ من قضائها،
لكننا سنقتصر على قليل من الراحة.
هل انتهى حديثُنا هنا؟
كاشياس :
نعم. عِمتَ مساءً.
سنصحو مبكِّرين غدًا وننطلق.
بروتس :
لوشيوس!
(يدخل لوشيوس.)
أحضرْ جلبابَ المنزل.
(يخرج لوشيوس.)
وداعًا يا ميسالا الكريم. عِمْتَ مساءً تيتنيوس، (٢٣٠)
وأنت يا كاشياس .. يا أيها النبيلُ الحق — عِمْ مساءً ..
ونومًا هانئًا.
كاشياس :
أواهُ يا أخي الحبيب! ما أسوأ ما بدأنا هذه الليلة!
ليتنا لا نعودُ إلى هذا الشِّقاق أبدًا!

(يدخل لوشيوس حاملًا الجلباب.)

بروتس : كلُّ شيء على ما يرام. (٢٣٥)
كاشياس : عِمتَ مساءً يا مولاي.
بروتس : عِمتَ مساءً أيها الأخ الكريم.
تيتنيوس وميسالا : عِمتَ مساءً مولايَ بروتس.
بروتس :
الوداع للجميع.
(يخرج كاشياس وتيتنيوس وميسالا.)
أعطني الجلباب. أين قيثارتك؟
لوشيوس : هنا في الخيمة.
بروتس :
عجبًا .. صوتُك صوتُ مَن يغالب النوم!
مسكينٌ يا غلامي العزيز! معذور!
لقد سهرْتَ أكثرَ مما ينبغي! نادِ كلوديوس وبعضَ الآخرين (٢٤٠)
من رجالي .. أريدهم أن يناموا الليلَ على بعض الوسائد
في خيمتي!
لوشيوس : فارو! كلوديوس!

(يدخل فارو وكلوديوس.)

فارو : مولاي ينادي؟
بروتس :
أرجوكما أن تناما في خيمتي. (٢٤٥)
فربما أيقظتُكما بعد قليل.
لِتحمِلا رسالة إلى أخي كاشياس.
فارو : إن أردتَ يا مولاي .. سهِرْنا حتى نتلقَّى الأمر منك.
بروتس :
لا لا .. بل ناما أيها الكريمان.
إذ ربما عدلتُ عن رأيي. (٢٥٠)
(ينام فارو وكلوديوس.)
انظرْ يا لوشيوس! هذا هو الكتاب الذي كنتُ أبحث عنه!
كان في جيب جلبابي!
لوشيوس : كنتُ واثقًا أنك لم تُعطِه لي يا مولاي!
بروتس :
أرجو أن تحتمِلَني أيها الغلامُ الطيب .. فأنا كثيرُ النسيان ..
ألا يمكن أن تُجبرَ عينيك المرهقتين على السهر قليلًا (٢٥٥)
حتى تعزِف لي لحنًا أو لحنين؟
لوشيوس : بلى يا مولاي .. إن كان في هذا سرورك.
بروتس :
بل يسرُّني يا غلامي الحبيب .. إنني أجهِدُك أكثرَ مما ينبغي ..
ولكنك لا تمانع.
لوشيوس : إنه واجبي يا سيدي.
بروتس :
ينبغي ألا أكلفَك بواجب فوق طاقتك .. (٢٦٠)
واعلم أنَّ أجساد الشباب تحتاج إلى النوم.
لوشيوس : ولكنني نمتُ من قبلُ يا مولاي.
بروتس :
حسنًا فعلتَ يا بنيَّ .. ولكنك تحتاج إلى المزيد ..
لن أستبقيَك طويلًا .. وإن كُتبت لي الحياةُ
فسأكون بك بارًّا كريمًا. (٢٦٥)
(موسيقى وأغنية.)
هذا لحنٌ يبعث على النوم! أيها النومُ القاتل!
هل تلمس كتِفَ غلامي بصولجانك الرصاصي
حتى وهو يعزِف لك الموسيقى؟ أيها الغلام الرقيق!
عِم مساءً! لن أُسيءَ إليك فأوقظك ..
لكنك إن أطرقتَ برأسك كسرتَ القيثارة .. (٢٧٠)
سآخذُها منك إذن! ولتهنأ بالنومِ أيها الغلام الطيب!
أين الصفحةُ التي وقفتُ عندها؟ كنتُ قد طويتُ طرفَها
فيما أذكر؟ هذه هي على ما أظن!
(يدخل شبح قيصر.)
ما أضعفَ نورَ هذه الشمعة! ها! مَن ذلك القادم؟
أظن أن ضعفَ عيني (٢٧٥)
هو الذي يصوِّر لي هذا الشبح الفظيع!
إنه يتقدَّم نحوي! هل أنت إنسان؟
هل أنت إلهٌ أو ملاكٌ أو شيطان؟
يا مَن بَرَدَ لمرآك دمي، ووقف شعرُ رأسي!
تكلَّم وقُل لي مَن أنت؟ (٢٨٠)
الشبح : روحُك الشريرةُ يا بروتس.
بروتس : لماذا أتيت؟
الشبح : لأقولَ لك إنك ستراني في فيليبي.
بروتس : تعني أنني سأراك ثانيًا؟
الشبح : نعم .. في فيليبي.
بروتس :
فليكن! سأراك في فيليبي إذن! (٢٨٥)
(يخرج الشبح.)
لقد اختفيتَ عندما استعدتُ رِباطةَ جأشي!
أيها الروحُ الشرير! كنتُ أودُّ أن يطولَ حديثُنا!
أيها الغلام لوشيوس! فارو! كلوديوس! أيها السادة!
استيقظوا!
كلوديوس!
لوشيوس (صائحًا) : الأوتارُ يا مولاي غير مضبوطة. (٢٩٠)
بروتس :
يظن أنه ما زال يعزِف القيثارة ..
لوشيوس! اصحَ يا لوشيوس!
لوشيوس : مولاي؟
بروتس : هل كنتَ تحلُم يا لوشيوس عندما صرختَ هكذا؟
لوشيوس : مولاي! لا أدري إذا كنتُ صرختُ. (٢٩٥)
بروتس : بل صرخت حقًّا .. قُل لي هل رأيتَ شيئًا؟
لوشيوس : لم أرَ شيئًا يا مولاي.
بروتس :
عُد إلى النوم يا لوشيوس. وأنت يا كلوديوس ..
أنت يا مَن هناك .. قُم من النوم!
كلوديوس : مولاي!
بروتس : لماذا صرختُما في منامِكما؟ (٣٠٠)
فارو وكلوديوس : وهل صرخْنا يا مولاي؟
بروتس : نعم .. هل رأيتما أيَّ شيء؟
فارو : لا يا مولاي. لم أرَ شيئًا.
كلوديوس : ولا أنا يا مولاي.
بروتس :
اذهبا فأبلِغا سلامي إلى أخي كاشياس
واطلبا أن يخرج بجيشه مبكرًا قبْلنا،
وسوف نخرج خلْفه.
فارو وكلوديوس : سمعًا وطاعةً يا مولاي. (٣٠٥)

(يخرج الجميع.)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤