الفصل الخامس

المشهد الأول

(سهول فيليبي.)

(يدخل أوكتافيوس وأنطونيو وجيشهما.)

أوكتافيوس :
تحقَّقت آمالُنا يا أنطونيو.
قلتَ إنَّ جنودَ العدو لن تنزلَ إلى السهول،
بل ستعتصِم بالتلال والمرتفعات!
واتضح الآن غيرُ ذلك؛ إذ اقتربت جيوشُهم
ويعتزمون أن يشتبكوا معنا هنا في فيليبي، (٥)
وأن يجيبونا قبل أن نسأل!
أنطونيو :
أعرفُ ما في نفوسهم، وسأشرح لك سببَ هذه المبادأة!
إنهم خائفون ويتمنون لو لم يكونوا هنا!
ولكنهم يُقبِلون علينا وقد اكتسَوا أبهى حُللهم وعُدَّتهم (١٠)
كي يُخفوا ما في نفوسهم من وجَل! إنهم يتصوَّرون
أن هذا المظهر البرَّاق سيوهمنا أنهم شجعان،
ولكن هيهات!

(يدخل رسول.)

الرسول :
استعِدَّا أيها القائدان.
إن العدوَّ يتقدَّم نحونا في مظهرٍ رائع مهيب،
ورايةُ القتال الحمراء تَخفُق فوق رءوسهم،
فلا بد أنهم سيلتحِمون معنا على الفور! (١٥)
أنطونيو :
خُذ جيشَك يا أوكتافيوس وتقدَّم ببطء
على الجانب الأيسر من هذا السهل.
أوكتافيوس :
بل سأتقدَّم على الجانب الأيمن، والزمْ أنت الجانبَ
الأيسر.
أنطونيو : لماذا تعارضني في هذا الظرفِ الحرج؟
أوكتافيوس : أنا لا أعارضك .. ولكنني سأفعل ما قلتُه لك. (٢٠)

(صوت طبل.)

(يبدآن المسير.)

(يدخل بروتس وكاشياس وجنودهما.)

(يدخل لوسيليوس، وتيتنيوس وميسالا وغيرهم.)

بروتس : لقد توقَّفا ويرغبان في الحديث.
كاشياس : أوقفِ السير يا تيتنيوس، فسوف نخرج للحديث معهما.
أوكتافيوس : مارك أنطونيو! هل نرفع رايةَ القتال؟
أنطونيو :
لا يا قيصر! بل نقاتل عندما يهجمون،
تقدَّم معي، فقُوَّادهم يريدون الحديث معنا. (٢٥)
أوكتافيوس (إلى الجنود) : لا تتحرَّكوا إلا عند الإشارة.
بروتس :
هل نتبادل الكلمات قبل الطعنات؟
أهذا ما تريدونه يا أبناءَ الوطن؟
أوكتافيوس : لا لأننا نُؤثِر الكلماتِ على الطعنات — كشأنِك!
بروتس :
الكلمات الطيبة خيرٌ من الضربات الخبيثة
يا أوكتافيوس!
أنطونيو :
إنك تتفوَّه بكلمات طيبة وأنت تضرب ضرباتك (٣٠)
الخبيثة ..
أتذْكُر يا بروتس تلك الطعنةَ التي اخترقتْ قلبَ قيصر؟
أمَا هتفْتَ عندها «عاش قيصر، يحيا قيصر»؟!
كاشياس :
إننا نجهل لونَ طعناتِك يا أنطونيو،
ولكننا نعرف أن كلماتِك المعسولة
تسرق الشُّهد من نحلِ «هيبلا». (٣٥)
أنطونيو : وتسرِق أشواكَه اللاذعة؟
بروتس :
بل وتسرق صوتَه أيضًا!
فإنك يا أنطونيو تطنُّ طنينًا عاليًا
وتُهدِّدنا بالكلام
لعلمِك أنَّ لذعَك لن يجدي!
أنطونيو :
أيها الأشرار! هذا أفضلُ مما فعلتم
عندما اصطكَّت خناجرُكم الدَّنِسة وهي تطعن قيصر! (٤٠)
لقد افترَّت شِفاهُكم عن النَّواجذ مثل القردةِ السعيدة،
وبصبصتم بأذيالكم كالكلاب الذليلة،
وجثوتم كالعبيد تلثُمون أقدامَ قيصر!
بينما جاء كاسكا الملعون من خلفِ قيصر كالكلب الحقير
فطعنه في رقبتِه! ويل لكم أيها المنافقون!
كاشياس :
المنافقون؟ (إلى بروتس) هنِّئِ الآن نفسَك يا بروتس! (٤٥)
فلو كنتَ استمعتَ لنُصحي وقتلْنا أنطونيو
ما كان هذا اللسانُ ليتطاولَ علينا اليوم!
أوكتافيوس :
هيَّا هيَّا إلى المعركة!
إذا كانت المناقشة تجعلنا نتصبب عرقًا
فإثباتُ قضيَّتِنا سيُحيله قطراتٍ من الدم القاني!
انظر! ها أنا ذا أسُلُّ سيفي على المتآمرين! (٥٠)
أتعرفون متى يعود السيف إلى غمده؟
لن يعودَ حتى نثأرَ حقَّ الثأرِ لجراح قيصر ..
لثلاثٍ وثلاثين طعنةً في جسد قيصر ..
أو حتى أهلِك أنا .. واسمي أيضًا قيصر ..
بسيوفِ الخونة! (٥٥)
بروتس :
لن تموتَ يا قيصر على أيدي الخونة
إلا إذا كنتَ قد أتيتَ بها معك.
أوكتافيوس :
هذا ما أرجوه!
إذ إني لم أُولد لأموتَ بسيفِ بروتس!
بروتس :
حتى لو كنتَ أنبلَ سُلالتِك أيها الشاب الغرير
فلن تحظى بمِيتةٍ أشرفَ من مثلِها! (٦٠)
كاشياس :
تلميذٌ أخرَق! لا يستحقُّ هذا الشرف ..
انضمَّ إليه راقصٌ عِربيد!
أنطونيو : كاشياس ما زال كما هو .. لم يتغيَّر!
أوكتافيوس :
هيَّا بنا يا أنطونيو! هيَّا بنا!
إننا نتحدَّاكم أيها الخونة في وجوهكم،
فإن كنتم تجرءون على القتال فهيَّا إلى الميدان اليوم — (٦٥)
أو عندما تواتيكم الرغبة!

(يخرج أنطونيو وأوكتافيوس وجنودهما.)

كاشياس :
آن أوانُ الجِد فاعصفي يا رياحُ وارتفعي أيتها الأمواج
وأبحِري يا سُفُن!
لقد هبَّت العاصفة، وكلُّ شيء يركبُ الخطر!
بروتس : انتظر يا لوسيليوس أريد أن أحادثك على انفراد.
لوسيليوس (يتقدَّم منه) : مولاي؟ (٧٠)

(بروتس ولوسيليوس يتحدَّثان على انفراد.)

كاشياس : ميسالا.
ميسالا (يتقدَّم منه) : ماذا يقول القائد؟
كاشياس :
ميسالا! هذا عيدُ ميلادي! في مثل هذا اليوم
وُلد كاشياس. هاتِ يدَك يا ميسالا.
اشهدْ على أنني أخوضُ القتالَ مُكرَهًا
مثلما فعلَ بومبي .. لأنني بذلك أجعل حرياتِنا جميعًا (٧٥)
رهنًا بنتيجة معركة واحدة.
تعلم أنني طالما تمسكتُ بفلسفة أبيقور وأفكاره،
ولكنني اليوم أعدِل عن رأيي وأومن إلى حدٍّ ما
بما يبشِّر وبما ينذِر!
وقد حدث
ونحن قادمون من سارديس (٨٠)
أنْ حَطَّ عُقابان جباران
على بعض راياتنا الأمامية
فجثما وجعلا يلتهمان الطعام التهامًا
من أيدي جنودنا .. ورافقانا حتى وصلنا فيليبي ..
وعندما نظرتُ هذا الصباحَ إذا هما قد طارا وغابا ..
بينما جعلتِ الغربانُ والحِدَأ تحلِّق فوق رءوسنا (٨٥)
وترمقنا من علٍ كأننا فريسةٌ مريضة
اقترب موعدُ التهامها، وكأن ظلالَ الطيور
قبةُ الهلاك .. يرقد تحتَها جنودُنا
وقد أوشكوا أن يَجودوا بالأرواح!
ميسالا : كيف تؤمن بهذا يا مولاي؟ (٩٠)
كاشياس :
أنا لا أومن إلا بجانبٍ منها،
فصدري منشرح، وقد عقدت العزم
على مُقارعة الأخطار صامدًا ثابتَ القَدم.

(يكون بروتس حتى انتهى من الحديث مع لوسيليوس ونسمع آخر عباراته.)

بروتس : بل هكذا يا لوسيليوس.
كاشياس :
والآن يا أشرف الشرفاء! بروتس!
ابتهِل إلى الآلهة أن تؤازرنا
حتى يُكتبَ لنا طولُ العمر
وتدومَ صداقتنا الحميمة وقتَ السلم .. (٩٥)
ولكنَّ أمورَ البشر دائمًا في علم الغيب؛
ولذلك فلنفترضْ أسوأَ ما قد يحدث.
إذا خسِرنا هذه الموقعة وكان هذا آخرَ حديث بيننا
فما الذي تعتزم فِعْله؟ (١٠٠)
بروتس :
أنا من أتباع الفلسفة الرواقية،
وقد انتقدتُ «كاتو» على انتحاره!
لا أستطيعُ تحديدَ الأسباب،
ولكنني أعتبر أن مَن يستبق الأجلَ
خوفًا مما يقع له، جبانٌ وضيع؛ (١٠٥)
ولذلك سوف أتذرع بالصبر،
وأفوِّض أمري إلى القوى العلوية التي ترعانا
وتتحكَّم في مصائرنا على الأرض.
كاشياس :
فإذا خسِرنا هذه المعركة إذن
هل ترضى أن تُساقَ في موكب النصر
في شوارع روما؟ (١١٠)
بروتس :
لا يا كاشياس، لا! كيف تتصوَّر أيها النبيل الروماني
أن يعودَ بروتس
إلى روما مغلولًا في الأصفاد؟
محالٌ أن تسمح له نفسُه الشريفة بهذا!
إنَّ علينا اليوم أن ننتهي مما شرعنا فيه يومَ منتصف
مارس!
ولا أدري إن كُنَّا سنلتقي ثانيةً أم لا. (١١٥)
فلنتبادل وداعَنا الأخير الآن ..
وداعًا إلى الأبد يا كاشياس .. وداعًا إلى الأبد!
فإذا التقينا ثانيةً سُررنا وفرحنا،
وإذا لم نلتقِ نكونُ قد افترقنا على خيرِ وداع!
كاشياس :
الوداعَ إلى الأبدِ يا بروتس! وداعًا إلى الأبد! (١٢٠)
فإذا التقينا ثانيةً فسوف نُسرُّ ونفرح حقًّا،
وإذا لم نلتقِ نكون قد افترقنا على خيرِ وداع حقًّا!
بروتس :
هيَّا إذن إلى القتال! ليتني أعرف العاقبة قبل وقوعها!
ولكن يكفي أن هذا اليوم سوف ينتهي، (١٢٥)
وأنني سأعرف العاقبة عندها! هيَّا بنا .. هيَّا.
هيَّا.

(يخرجان.)

المشهد الثاني

(ساحة القتال في فيليبي – صوت نفير.)

(يدخل بروتس وميسالا.)

بروتس :
اركبْ جوادَك يا ميسالا على الفور .. وخذْ هذه الأوامر
إلى كتائبنا على الجانب الآخر!
مُرْهم بالهجوم حالًا .. فإنني ألاحظ تراخيًا في جناح
أوكتافيوس،
فإذا باغتناهم بالهجومِ انكسروا .. (٥)
اركبِ اركبْ على الفور يا ميسالا ..
مُرْهم بالهجوم جميعًا.

(يخرجان.)

المشهد الثالث

(جانبٌ آخرُ من ساحة القتال.)

(أصوات نفير – يدخل كاشياس وتيتنيوس.)

كاشياس :
انظرْ يا تيتنيوس انظر! الأوغادُ يفِرُّون!
بل إنني قاتلتُ بعضَ رجالي!
لقد نكص حاملُ لوائي على عقبيه
فقتلتُ الجبان ورفعت اللواءَ بدلًا منه!
تيتنيوس :
آه يا كاشياس! لقد تسرَّع بروتس بإصدار الأمر
بالهجوم! (٥)
لاحت له فرصةُ التفوُّق على أوكتافيوس
فهجم دون أن يتروَّى، وانطلق جنوده يجمعون
الغنائم،
بينما تحاصرنا جميعًا قوات أنطونيو.

(يدخل بنداروس.)

بنداروس :
إلى الفِرار يا مولاي! الفرارَ الفرارَ!
لقد دخل مارك أنطونيو خيامَكم يا مولاي .. (١٠)
إلى الهربِ يا كاشياس النبيل .. هيَّا إلى الهرب!
كاشياس :
هذا التلُّ مَهْرَبي! انظر يا تيتنيوس!
هل تلك خيامي التي تحترق؟
تيتنيوس : إنها خيامك يا مولاي.
كاشياس :
تيتنيوس! إن كنتَ تحبني فاركب جوادَك،
واغرس مهمازَك في جنبه (١٥)
حتى تصل إلى تلك القوات فورًا،
فأعرِفُ منك إن كانت قواتَ عدوٍّ أم صديق!
تيتنيوس : سأعودُ بأسرعَ من ومضِ الفِكْر!

(يخرج.)

كاشيوس :
واصعد أنت يا بنداروس هذا التل؛ (٢٠)
لأن نظري ضعيف. تابِعْ تيتنيوس في سَيْره،
وأخبرني بما ترى في ساحة القتال.
(يخرج بنداروس.)
في مثل هذا اليوم تنفَّستُ أنفاسَ الحياةِ لأول مرة.
ثم دار الزمان دوْرتَه،
حتى وقعتِ النهايةُ في يوم البداية.
لقد اكتملتْ دورةُ حياتي،
ما الأنباء أيها الرجل؟
بنداروس (من خارج المسرح) : واهًا يا مولاي! (٢٥)
كاشياس : ما الخبرُ .. قُل؟
بنداروس :
لقد التفَّتْ شرذمة من الفرسان
حول تيتنيوس، وهم يندفعون خلفه مُسرعين،
لكنه ما زال منطلقًا على فرسِه .. الآن كادوا (٣٠)
يُطبِقون عليه! أسرعْ يا تيتنيوس!
لقد ترجَّل بعضهم .. وترجَّل هو أيضًا .. لقد
أسَرُوه!
(هتاف خارج المسرح.)
هل سمعتَ؟ إنهم يصيحون فرحًا.
كاشياس :
انزلِ الآن .. يكفي ما رأيتَ،
ما أشدَّ جُبني أن أعيشَ إلى هذه الساعة
فأرى أخلصَ أصدقائي يقع في الأسرِ أمام عيني! (٣٥)
(يدخل بنداروس من عمق المسرح.)
تعالَ هنا يا هذا! لقد أسرْتُك في بارثيا،
وجعلتك تقسِم حين أبقيتُ على حياتك
أن تُطيعني في أيِّ شيء آمرك به! هيَّا الآن لِتبرَّ بقسَمِك (٤٠)
وتصبح حُرًّا من هذه اللحظة!
خُذ هذا السيف الكريم الذي اخترق أحشاءَ قيصر
فأغمدْه في صدري! هيَّا! أنا لا أنتظر إجابةً منك،
بل اقبِض فورًا على السيف — هكذا! فإذا ما سترتُ
وجهي فاضربْ ضربتَك، ها أنا ذا أسترُ وجهي هيَّا ..
(يطعنه بالسيف.)
أواه يا قيصر! لقد تم لك الثأرُ (٤٥)
وبنفس السيفِ الذي قتَلَك!

(يسلم الروح.)

بنداروس :
لقد أصبحتُ حُرًّا .. ولم أكن لأتحرَّرَ
لو أنني جرُؤت على فعلِ ما أريد. أوَّاه يا كاشياس!
لسوف يفرُّ بنداروس من هذه البلاد
حتى لا يقعَ عليه بصرُ روماني! (٥٠)

(يخرج.)

(يدخل تيتنيوس وميسالا.)

ميسالا :
لكأنها مبادلةٌ يا تيتنيوس!
فقد هَزم جيشُ بروتس النبيل
عسكرَ أوكتافيوس،
بينما هَزم أنطونيو عسكرَ كاشياس!
تيتنيوس : هذه الأنباء ستشدُّ من أزرِ كاشياس!
ميسالا : أين تركته؟
تيتنيوس :
تركتُه وقد غلبه اليأس (٥٥)
مع مولاه بنداروس على هذا التل.
ميسالا : أليس ذاك الراقدَ على الأرض؟
تيتنيوس : ليست هذه رِقدةَ رجلٍ حيٍّ! وا حرَّ قلباه!
ميسالا : أليس هو ذاك؟
تيتنيوس :
بل ذاك مَن كان ..
أمَّا كاشياس يا ميسالا فقد رحَل!
أيتها الشمسُ الغاربة! (٦٠)
مثلما تغرُبين في دنيا الليل متَّشِحةً بهذا الضوء القاني
يغرُب نهارُ كاشياس مُضرَّجًا بدمه!
غرُبت شمس روما! غاب نهارنا!
تلبَّدي يا غيوم! اهْطِلي يا أنداء! أحدِقي يا أخطار!
فقد انطوتْ صفحتُنا! لقد أودى به الخوفُ
من نتيجةِ مسعاي! (٦٥)
ميسالا :
بل الخوفُ من سوءِ العاقبة!
يا ربَّ الخطأ ما أبشعَك! يا وليدَ ربَّةِ الهم!
لماذا تصوِّر الأوهام وتجسِّدها في عقول المهمومين؟
يا ربَّ الخطأ! ما أسرعَ ما تتخلق جنينًا في الأحشاء
فإذا حان موعدُ ميلادك قتلتَ أمَّك التي أنجبتْك! (٧٠)
تيتنيوس (ينادي) : بنداروس! بنداروس! أين أنت يا بنداروس؟
ميسالا :
فتِّش عنه يا تيتنيوس ريثما أذهبُ لمقابلةِ
بروتس النبيل وأصُكُّ أسماعَه بهذه الأنباء!
لقد قلتُ أصكُّ أسماعَه .. (٧٥)
فأنا أعلمُ أن الحُسام النافذ والسَّهم المسموم
أهونُ على آذانِ بروتس من أخبارِ ما شاهدْناه!
تيتنيوس :
أسرِعْ إذن يا ميسالا — وريثما تأتي
سأبحث أنا عن بنداروس ..
(يخرج ميسالا.)
لماذا بعثتَ بي في هذه المهمة يا كاشياس النبيل؟ (٨٠)
ألم أقابلْ أصدقاءك؟
ألم يُكلِّلوا رأسي بإكليلِ النصر
ويطلبوا مني أن آتيَك به؟
ألم تسمعْ هُتافَهم؟ وا أسفاه!
لقد أسأتَ تأويلَ كلِّ شيء!
ولكن انتظرْ لحظة! ضعْ هذا الإكليل على جبينك؛ (٨٥)
فقد طلبَ مني بروتس أنْ أعطيَك إياه،
وسوف أفعل ما طلبه مني. هيَّا يا بروتس!
أسرعْ حتى تشهدَ مدى تكريمي كاشياس!
فلتأذني أيتها الآلهة لي أنْ أستبقَ الأجل،
فهذا واجبُ كلِّ روماني في هذا الموقف!
تعالَ يا سيفَ كاشياس واخترقْ قلبَ تيتنيوس! (٩٠)

(يلفظ أنفاسَه الأخيرة.)

(أصواتُ نفير – يدخل بروتس، وميسالا، وكاتو الابن، وستراتو، وفولوميبوس، ولوسيليوس.)

بروتس : أين هو يا ميسالا؟ أين يرقدُ جثمانه؟
ميسالا : ها هو .. هناك وتيتنيوس يندُبه!
بروتس : إن تيتنيوس يستلقي على ظهره!
كاتو : لقد قُتِل!
بروتس :
أواه يوليوس قيصر!
ما زلتَ ذا بأس شديد!
وما زالت رُوحك طليقة ..
تُوجِّه أطرافَ سيوفنا إلى أحشائنا! (٩٥)

(أصوات نفير بعيدة.)

كاتو :
يا لنُبل تيتنيوس! لقد وَضع إكليلَ الغار
على جبهة كاشياس .. بعد مماته.
بروتس :
هل بين الأحياءِ رومانيان مِثلهما؟
وداعًا لك يا آخرَ أبناء روما!
محالٌ أن تُنجبَ روما أخًا لك! (١٠٠)
أيها الأصدقاءُ إنني مدينٌ لهذا الرَّاحلِ
بعَبرات أكثر مما تذرِفه عيني الآن ..
ولكنني سأجد الوقتَ الذي أبكيك فيه يا كاشياس ..
سأجد الوقت ..
أمَّا الآن فأرسلوا جثمانَه إلى تاسوس ليُدفنَ هناك،
ولن تقامَ شعائرُ جنازته في معسكرنا (١٠٥)
حتى لا يُثبِط ذلك من هِمَّة الجنود. هيَّا يا لوسيليوس.
وتعالَ يا كاتو الصغير .. هلمُّوا بنا إلى ساحة القتال!
أمَّا أنت يا لابيو وأنت يا فلافيو
فمُرَا الجيوشَ بالتقدم! الساعةُ لم تتخطَّ الثالثة!
أيها الرومان! قبل حلول الليل
لا بد من جولةٍ أخرى في الميدان،
عَلَّ ربةَ الحظِّ تستجيب! (١١٠)

(يخرجون.)

المشهد الرابع

(جانبٌ آخر من ميدان القتال.)

(صوت نفير يدوِّي – يدخل بروتس وميسالا وكاتو الابن ولوسيليوس وفلافيوس.)

بروتس : اثبتوا يا أبناءَ الوطن وارفعوا رءوسكم!

(يخرج.)

كاتو :
لن يفرَّ إلا ابنُ سِفَاح!
مَن سينزل الميدانَ معي؟
لسوف أهتفُ باسمي في ساحةِ القتال؛
فأنا ابنُ ماركوس كاتو! انظروا!
أنا عدوُّ الطغاةِ نصيرُ الوطن! (٥)
إني ابنُ ماركوس كاتو! وانظروا!

(يدخل الجنود ويتقاتلون.)

لوسيليوس :
أمَّا أنا فاسمي بروتس! أنا ماركوس بروتس!
إني بروتس نصيرُ الوطن! اسمي بروتس!
مَن هذا؟ كاتو الصغير النبيل؟ هل سقطتَ في حومةِ
الوغى؟
لقد مُتَّ شجاعًا مثل تيتنيوس، (١٠)
وينبغي تكريمك فأنت ابنُ كاتو!
جندي ١ : استسلِمْ أو تهلِك!
لوسيليوس :
ما استسلامي سوى الهلاك!
اقتلني فورًا تحقِّقْ مغنمًا كبيرًا،
فقتْلُ بروتس شرفٌ عظيم!
جندي ١ :
لا، بل ينبغي ألا يُقتل! سوف نأسِره!
(يصيح) أسيرٌ نبيل! (١٥)
جندي ٢ : أفسِحوا الطريق! قولوا لأنطونيو إن بروتس أسير!
جندي ١ :
سأزُفُّ إليه النبأ! ها هو القائد!
(يدخل أنطونيو.)
أسرْنا بروتس! أسرْنا بروتس يا مولاي!
أنطونيو : أين هو؟
لوسيليوس :
في مأمن يا أنطونيو! بروتس سالمٌ آمن! (٢٠)
وأؤكد أنه ما من عدوٍّ يستطيع أن يأسِر بروتس النبيل
وهو على قيد الحياة!
ولْتحمِه الآلهةُ من ذلك العارِ الشنيع!
فإذا عثرتُم عليه حيًّا أو ميِّتًا
فسوف ترون أنه ما يزال بروتس — لم يتغيَّر! (٢٥)
أنطونيو :
ليس هذا بروتس أيها الأخ الكريم!
ولكنه بالتأكيد غنيمةٌ لا تقِلُّ قدْرًا عنه!
اكفُلوا له الأمانَ والسلامة، وعامِلوه بكل تكريم!
فأنا أريد أن أتَّخذه صديقًا لا عدوًّا ..
هيَّا .. انطلقْ وانظرْ إن كان بروتس حيًّا أم ميتًا (٣٠)
وعُد إلينا في خيمة أوكتافيوس
فأخبرنا بكلِّ ما حدث.

(يخرجون.)

المشهد الخامس

(يدخل بروتس، وداردانيوس، وكليتوس، وستراتو، وفولومنيوس.)

بروتس :
تعالوا يا مَن تبقَّى من تاعسِ الخِلَّان!
استريحوا على هذه الصخرة!
كليتوس :
رفع ستاتليوس مِشعلَه وهو يستطلع الأحوال!
لكنَّه لم يَعُد! إمَّا أنه أُسِر أو قُتل!
بروتس :
اجلس يا كليتوس! القتلُ هو الأرجح ..
فهو الشائعُ هذه الأيام. كلمةً على انفراد يا كليتوس. (٥)

(يتهامسان.)

كليتوس : ماذا؟ أنا يا مولاي؟ كلَّا .. ولو أُعطيتُ العالم!
بروتس : اسكتْ إذن، لا تتكلَّم.
كليتوس : أوثر أن أَقتلَ نفسي!
بروتس : كلمةً معك يا داردانيوس.

(يتهامسان.)

داردانيوس : كيف أفعل ذلك؟

(يبتعد بروتس.)

كليتوس : داردانيوس!
داردانيوس : كليتوس! (١٠)
كليتوس : أيُّ طلبٍ مُنكر طلبه بروتس منك؟
داردانيوس :
أن أقتله يا كليتوس! انظر!
إنه غارقٌ في الفكر!
كليتوس :
لقد امتلأ ذلك القدح النبيل بالحزنِ وأُترِع،
فطفِق يفيض حتى من عينيه!
بروتس :
تعالَ هنا يا فالومينوس الكريم .. استمعْ إلى كلمة (١٥)
منِّي!
فولومنيوس : ماذا يقول مولاي؟
بروتس :
سأقول ظهرَ لي شبحُ قيصر مرتين بالليل:
مرةً في سارديس، ومرةً أخرى البارحة .. هنا ..
في سهول فيليبي .. وأعلم أن ساعتي حانت.
فولومنيوس : لا لا يا مولاي! (٢٠)
بروتس :
بل أنا واثق يا فولومنيوس.
ها هي أحوال الدنيا يا فولومنيوس!
لقد طاردَنا العدوُّ حتى شفا حفرةِ الهلاك.
(صوت نفير خفيض.)
والأكرمُ لنا أن نقفزَ فيها مختارين،
لا أن نتباطأَ حتى يدفعنا دفعًا!
أواهُ يا فولومنيوس الكريم! (٢٥)
تعلمُ أننا كُنَّا زميلين في المدرسة،
وطالما ربطَ الحبُّ بين قلبينا ..
أرجوك بحقِّ هذا الوُدِّ القديم
أن تمسكَ مِقبضَ سيفي حتى أُلقي بنفسي عليه.
فولومنيوس : هذا عملٌ لا يُوكل إلى صديقٍ يا مولاي.

(صوتُ نفير مستمر.)

كليتوس : الفرارَ الفرارَ يا مولاي! لا نستطيع البقاءَ هنا. (٣٠)
بروتس :
وداعًا لك .. وأنت .. وأنت يا فولومنيوس
ستراتو! لقد كنتَ نائمًا طَوال هذه المدة، فوداعًا لك
أيضًا يا ستراتو ..
أبناءَ وطني ..
لشدَّ ما يسعد قلبي
أنني ما عرفتُ رجلًا طول حياتي
إلا أخلصَ الوُدَّ لي. (٣٥)
لسوف أنالُ من المجدِ في يوم الهزيمة.
ما لن ينالَه أوكتافيوس ومارك أنطونيو
بانتصارهما الدَّنِس! وإذن فالوداع لكم الآن؛
إذ إن لسان بروتس كاد ينتهي من قصة حياته. (٤٠)
الليلُ يَرين على عيني، وعظامي تطلبُ الراحة،
فما كدَّتْ وتعبتْ إلا لتصلَ إلى هذه اللحظة ..

(صوت نِير وصياح خلف المسرح: الفرارَ .. الفرارَ .. الفرارَ!)

كليتوس : النجاةَ يا مولاي .. النجاةَ!
بروتس :
امضُوا أنتم وسوف أتبَعُكم!
(يخرج كليتوس وداردانيوس وفولومنيوس.)
أرجوك يا ستراتو .. فلتبقَ إلى جانب مولاك ..
إنك تتمتَّع بسمعةٍ طيبة، (٤٥)
وعِطرُ الشرف يضُوع في جنباتِ حياتك،
اقبضْ إذن على سيفي، وأدِرْ وجهَك عني،
ريثما أُلقي بنفسي عليه. هل تفعل ذلك يا ستراتو؟
ستراتو : هاتِ يدَك أوَّلًا .. الوداعَ يا مولاي.
بروتس :
الوداعَ يا ستراتو الكريم .. (٥٠)
قيصر! فلتهدأ رُوحك الآن ..
ما أقدمْتَ عليه قتلَك بمثلِ هذا العزم الوطيد!

(يلفِظ أنفاسَه الأخيرة.)

(صوت نفير يعلن تقهقرَ الجنود، يدخل أنطونيو وأوكتافيوس وميسالا ولوسيليوس والجنود.)

أوكتافيوس : مَن هذا الرجل؟
ميسالا : أحدُ رجال مولاي. ستراتو! أين مولاك؟
ستراتو :
تحرَّر من الأسرِ الذي وقعتَ فيه يا ميسالا ..
لا يستطيع المنتصرون إلا أن يُحرِقوا جثمانه! (٥٥)
لم ينتصر على بروتس إلا بروتس،
ولم ينَلْ غيرهُ شرفَ قتله!
لوسيليوس :
ما كنتم لتعثروا عليه إلا هكذا!
شكرًا لك يا بروتس!
فلقد أثبتَّ صحةَ قول لوسيليوس!
أوكتافيوس :
سألحق بخدمتي كلَّ مَن خدم بروتس. (٦٠)
أيها الرجل! هل تبغي قضاءَ وقتِك معي؟
ستراتو : نعم، إذا زكَّاني ميسالا لديك!
أوكتافيوس : زكِّه إذن ميسالا الكريم!
ميسالا : كيف مات سيدي يا ستراتو؟
ستراتو : أمسكتُ بالسيف فألقى نفسَه عليه. (٦٥)
ميسالا :
إذن فأنا أزكِّيه لك ..
بعد أن قدَّم لسيدي آخرَ خدماتِ حياته.
أنطونيو :
كان أنبلَ روماني في تلك العُصبة
إذ فعل المتآمرون ما فعلوا
بدافع الحسد والحقد على قيصر العظيم. (٧٠)
أمَّا بروتس فقد انضمَّ إليهم
بدافع الإخلاص للشعب والمصلحة العامَّة —
للرومان جميعًا.
كانت حياته حياةَ نُبل وشرف،
وقد امتزجتْ عناصرُ نفسه مزجًا بديعًا
حتى إن الطبيعة نفسَها لتقفُ تحيةً له
ولتهتف في العالم أجمع «كان رجلًا بمعنى الكلمة»! (٧٥)
أوكتافيوس : ينبغي أن نُكرِّمه على قدْر نُبله،
وأن نُجري له كلَّ مراسم الدفن وشعائر التأبين!

ولترقدْ عظامه الليلةَ في خيمتي

ولنكرِّمْها تكريمَ الجندي الباسل.

أعلِنوا للجيش أن الحرب قد انتهت .. ولننصرفْ (٨٠)

حتى نوزِّعَ أوسمةَ المجد في هذا اليوم السعيد.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤