موضوع الاقتصاد السياسي
كي نتعرف إلى موضوع الاقتصاد السياسي كعلمٍ اجتماعي هدفه الكشف عن القوانين الموضوعية الحاكمة للإنتاج والتوزيع في المجتمع (أيًّا ما كان هذا المجتمع مكانيًّا وزمانيًّا) القوانين المتمفصلة حول قانونٍ عامٍّ هو قانون القيمة، فيجب أن نتدبر مستويات ظهور علم الاقتصاد السياسي في واقع الحياة اليومية.
فمن اليسير على الملاحظ أن يرصد هذا العالم الهائل من السلع الذي نعيش فيه؛ فكل حياتنا صارت مرتبطة بحال أو بآخر بالسلع؛ كي ننتج، كي نستهلك، كي نبادل، كي نُهادي، كي نهدم، كي نبني … إلخ؛ فلا بد من السلع. والسلع، بشكلٍ مجرد، ليست سوى عملية ضمٍّ وفصل لموادَّ موجودة سلفًا في الطبيعة. ولكي يمكن اعتبار هذه العملية من الضم والفصل عملية إنتاجٍ سلعي، يتعين أن يكون الهدف من وراء هذا النشاط هو الإنتاج من أجل السوق، من أجل البيع، من أجل الربح، وليس من أجل الإشباع المباشر؛ فالفلاح الذي يُنتج خبزًا ليأكله لا ينتج سلعة، بل هو مَحضُ منتوج.
ولأن الربح، كقاعدة عامة، هو الهدف النهائي للنشاط الاقتصادي فلا يتعين على الرأسمالي، ولا يتعين علينا أن ننتظر منه، أن يعمل على إشباع الحاجات الاجتماعية؛ فكل ما يهم الرأسمالي هو تحقيق أقصى ربحٍ ممكن بأقل نفقةٍ ممكنة؛ وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا من خلال عملية ازدياد القيمة.
والقيمة الزائدة على هذا النحو يمكن أن يستخلصها الرأسمالي من الأطباء أو المحاسبين الذين يعملون لديه أُجراء في مؤسساته الرأسمالية، كما يستخلصها تمامًا من العمال المأجورين في مصنعه.
ولكن، هل استخلاص هذه الزيادة في القيمة، من العمال المأجورين، يخضع لأهواء الرأسمالي؟ أي: هل هو الذي يحدد، بإرادته المنفردة والمستقلة، مقدارَ ما سوف يختص به من قيمةٍ زائدة، يستأثر بها كربح؟ أم إن هذه القيمة تخضع لقانونٍ موضوعي يحكم عملها في إطار النظام الرأسمالي؟ وهل هذا القانون يرتبط عمله بإطار سوقٍ معين، المنافسة الكاملة مثلًا؟ أم هو قانونٌ موضوعي يحكم عمل هذا النظام في الأسواق كافة بما فيها الأسواق الاحتكارية؟ الإجابة عن هذه الأسئلة، وما يرتبط بها، تُمثِّل المستوى الثاني من مستويات ظهور علم الاقتصاد السياسي، مستوى الإنتاج؛ إذ يظهر الاقتصاد السياسي هنا كي يقدم الإجابات العلمية عن تلك الأسئلة التي تثور بشأن القوانين الموضوعية التي تحكم الأرباح في النظام الرأسمالي؛ وبالتالي تقديم الإجابات العلمية عن الأسئلة التي تثيرها إشكاليات تجديد الإنتاج الاجتماعي بوجهٍ عام.
-
طبقة العمال سوف تحصل على نصيبها/دخلها في صورة أجر٦ الذي هو ثمن القدرة على العمل.
-
طبقة ملَّاك الأراضي ستحصل على نصيبها/دخلها في صورة ريع. نُفرِّق هنا بين ريع العمل، وريع المحصول/المنتوج، والريع النقدي، وهي تفرقة تستصحب الوعي بالتطوُّر التاريخي لظاهرة الريع نفسها. كما نُميِّز بين الريع المطلق والريع الفرقي. وأخيرًا نقارب بين الريع والثمار.
- (١)
«ريع العمل، وريع المحصول، والريع النقدي»: أما ريع العمل فيعني أن المنتج المباشر يزرع، قهرًا، أرضًا يحوزها في أيامٍ معينة من الأسبوع، ويزرع أرض سيده المالك الإقطاعي، بلا مقابل، في الأيام المتبقية. ويفترض ريع المحصول ثقافةً أرقى لدى المنتج المباشر؛ أي مستوًى أعلى من تطور عمله وتطور المجتمع بوجهٍ عام؛ ولذا يتميز ريع المحصول عن ريع العمل في أن العمل الفائض لا يعود بحاجة إلى أن يُنفَّذ في ظل الرقابة المباشرة والقهر من جانب المالك الإقطاعي أو مَن يمثله، بل على العكس، يتعين على المنتج المباشر أن يؤديه على كامل مسئوليته الخاصة فيكون بذلك خاضعًا لحكم القانون بدلًا من السياط! أما الريع النقدي، حيث يدفع المنتج المباشر إلى المالك العقاري ثمن المحصول لا المحصول نفسه، فهو بوصفه شكلًا محولًا لريع المحصول ومضادًّا له، فإنما هو آخر شكل تاريخي للريع العقاري؛ وبالتالي هو الشكل التاريخي لانحلال نمط الريع العقاري نفسه.
- (٢) «الريع المطلق، والريع الفرقي»: فالأول هو ما يدفعه المزارع عينًا أو نقدًا لصاحب الأرض، التي يملكها دون مقابل،٧ لقاء استغلاله لأرضه. ويحصل عليه كل مالك للأرض بصرف النظر عن درجة خصوبة التربة أو امتياز الموقع. هو، بوجهٍ عام، ثمن التخلي عن منفعة الأرض. أما الريع الفرقي، فيحصل عليه صاحب الأرض، ربما إضافةً للريع المطلق، للتميُّز النسبي لأرضه الراجع إما للخصوبة أو لحسن الموقع.
- (٣) «الريع، والثمار»: فالثمار هي كل ما ينتجه الشيء من غلةٍ متجددة. وقد تكون الغلة طبيعية كالزرع الذي يخرج في الأرض من تلقاء نفسه، أو صناعية كالمحصول الذي يكون من عمل الطبيعة والإنسان، أو مدنية كأجرة الأراضي والمساكن. والثمار على هذا النحو تتميز بكونها: غلةً دورية متجددة؛ أي إنها تتجدد عادة في أوقاتٍ منتظمة دون انقطاع. كما أنها لا تمس أصل الشيء ولا تنتقص منه بل تُبقي الأصل على حاله دون نقصان. وأخيرًا هي ملك لصاحب الشيء.٨
- (١)
-
طبقة الرأسماليين الماليين/النقديين ستحصل على نصيبها/دخلها في صورة فائدة، التي هي عائد تجميد النقود في أصل رأسمالي.٩ أو ثمن التخلي عن الرأسمال كسلعة.
-
طبقة الرأسماليين الصناعيين ستحصل على نصيبها/دخلها في صورة ربح الذي هو ثمن المغامرة، وتحمُّل مخاطر المشروع.١٠
-
مغلق؛ أي لا يعرف التبادل الخارجي.
-
مجرد من عنصر الزمن.
-
تسوده اعتبارات المنافسة الكاملة.

-
هل يُعاد ضخ تلك القيمة التي زادت في عروق الاقتصاد القومي المنتج لها بفضل سواعد العمال المأجورين؟ وبالتالي: التنمية المستقلة المعتمدة على الذات!
-
أم تتسرب إلى الخارج كي تُغذِّي مصانع ومؤسسات الأجزاء المتقدمة من النظام الرأسمالي العالمي والتي تنتج السلع والخدمات التي تعتمد عليها الأجزاء المتخلِّفة في سبيل تجديدها لإنتاجها الاجتماعي؟ وبالتالي: الانتقال من التخلُّف إلى التبعية!
من أجل تحديد الإطار العام للإجابة عن هذه الأسئلة، بل وعن مجمل الأسئلة التي انشغل الاقتصاد السياسي بطرحها ومحاولة الإجابة عنها عَبْر مستويات ظهوره، كعلمٍ منشغل بالقوانين الموضوعية الحاكمة لظاهرتَي الإنتاج والتوزيع. القوانين المتمفصلة حول قانونٍ عامٍّ هو قانون القيمة، يجب أن نبدأ من المنهج الذي سوف نستخدمه في أبحاثنا التي تسعى إلى تقديم إجابة عن هذه الأسئلة وتكوين الوعي الناقد بما يرتبط بها من أفكارٍ مركزية.